المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الكاف (كب) : الكب إسقاط الشيء على وجهه، قال تعالى: فَكُبَّتْ - الموسوعة القرآنية - جـ ٨

[إبراهيم الإبياري]

الفصل: ‌ ‌الكاف (كب) : الكب إسقاط الشيء على وجهه، قال تعالى: فَكُبَّتْ

‌الكاف

(كب) : الكب إسقاط الشيء على وجهه، قال تعالى: فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ والإكباب جعل وجهه مكبوبا على العمل، قال تعالى:

أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى والكبكبة تدهور الشيء فى هوة، قال:

فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ يقال كب وكبكب نحو كف وكفكف وصبر الريح وصرصر. والكواكب النجوم البادية ولا يقال لها كواكب إلا إذا بدت، قال تعالى: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً وقال: كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ- إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ- وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ ويقال ذهبوا تحت كل كوكب إذا تفرقوا، وكوكب العسكر ما يلمع فيها من الحديد.

(كبت) : الكبت الرد بعنف وتذليل، قال تعالى: كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وقال تعالى: لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ.

(كبد) : الكبد معروفة، والكبد والكباد توجعها، والكبد إصابتها، ويقال كبدت الرجل إذا أصبت كبده، وكبد السماء وسطها تشبيها بكبد.

الإنسان لكونها فى وسط البدن. وقيل تكبدت الشمس صارت فى كبد السماء، والكبد المشقة، قال: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ تنبيها أن الإنسان خلقه اللَّه تعالى على حالة لا ينفك من المشاق ما لم يقتحم العقبة ويستقر به القرار كما قال: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ.

(كبر) : الكبير والصغير من الأسماء المتضايقة التي تقال عند اعتبار بعضها ببعض، فالشىء قد يكون صغيرا فى جنب شىء وكبيرا فى جنب غيره، ويستعملان فى الكمية المتصلة كالأجسام وذلك كالكثير والقليل، وفى الكمية المنفصلة كالعدد، وربما يتعاقب الكثير والكبير على شىء واحد بنظرين مختلفين نحو قوله تعالى: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وكثير، قرىء بهما وأصل ذلك أن يستعمل فى الأعيان ثم استعير للمعانى نحو قوله تعالى: لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها وقوله: وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ وقوله:

ص: 474

يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ إنما وصفه بالأكبر تنبيها أن العمرة هى الحجة الصغرى كما

قال صلى الله عليه وسلم: «العمرة هى الحج الأصغر»

فمن ذلك ما اعتبر فيه الزمان فيقال فلان كبير أي مسن نحو قوله تعالى: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما وقال: وَأَصابَهُ الْكِبَرُ- وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ ومنه ما اعتبر فيه المنزلة والرفعة نحو قوله تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ونحو قوله: الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ وقوله:

فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ فسماه كبيرا بحسب اعتقادهم فيه لا لقدر ورفعة له على الحقيقة، وعلى ذلك قوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا وقوله:

وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها أي رؤساءها وقوله: إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ أي رئيسكم ومن هذا النحو يقال ورثه كابرا عن كابر، أي أبا كبير القدر عن أب مثله. والكبيرة متعارفة فى كل ذنب تعظم عقوبته والجمع الكبائر، ثم قال تعالى: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ وقال: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ قيل أريد به الشرك لقوله:

إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ وقيل هى الشرك وسائر المعاصي الموبقة كالزنا وقتل النفس المحرمة ولذلك قال: إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً وقال: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وتستعمل الكبيرة فيما يشق ويصعب نحو قوله تعالى: وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ، وقال: كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ وقال: وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ وقوله تعالى: كَبُرَتْ كَلِمَةً ففيه تنبيه على عظم ذلك من بين الذنوب وعظم عقوبته ولذلك قال تعالى: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ وقوله: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ إشارة إلى من أوقع حديث الإفك. وتنبيها أن كل من سن سنة قبيحة يصير مقتدى به فذنبه أكبر. وقوله: إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ أي تكبر وقيل أمر كبير من السن كقوله: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ والكبر والتكبر والاستكبار تتقارب، فالكبر الحالة التي يتخصص بها الإنسان من إعجابه بنفسه وذلك أن يرى الإنسان نفسه أكبر من غيره. وأعظم التكبر التكبر على اللَّه بالامتناع من قبول الحق والإذعان له بالعبادة. والاستكبار يقال على وجهين، أحدهما: أن يتحرى الإنسان ويطلب أن يصير كبيرا وذلك متى كان على ما يجب وفى المكان الذي يجب وفى الوقت الذي يجب فمحمود، والثاني: أن يتشبع فيظهر من نفسه ما ليس له وهذا هو المذموم وعلى هذا ما ورد فى القرآن. وهو ما قال تعالى:

أَبى وَاسْتَكْبَرَ. وقال تعالى: أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ، وقال: وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً- اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ-

ص: 475

فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ

- تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وقال: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ- قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ وقوله: فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا قابل المستكبرين بالضعفاء تنبيها أن استكبارهم كان بما لهم من القوة من البدن والمال:

قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فقابل المستكبرين بالمستضعفين: فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ نبه بقوله فاستكبروا على تكبرهم وإعجابهم بأنفسهم وتعظمهم عن الإصغاء إليه، ونبه بقوله: وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ أن الذي حملهم على ذلك هو ما تقدم من جرمهم وأن ذلك لم يكن شيئا حدث منهم بل كان ذلك دأبهم قبل. وقال تعالى: فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ وقال بعده: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ والتكبر يقال على وجهين، أحدهما: أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة فى الحقيقة وزائدة على محاسن غيره وعلى هذا وصف اللَّه تعالى بالتكبر. قال تعالى: الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ. والثاني: أن يكون متكلفا لذلك متشبعا وذلك فى وصف عامة الناس نحو قوله تعالى: فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ، وقوله تعالى: كَذلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ومن وصف بالتكبر على الوجه الأول فمحمود، ومن وصف به على الوجه الثاني فمذموم، ويدل على أنه قد يصح أن يوصف الإنسان بذلك ولا يكون مذموما، قوله تعالى:

سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ فجعل متكبرين بغير الحق، وقال: عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ بإضافة القلب إلى التكبر. ومن قرأ بالتنوين جعل المتكبر صفة للقلب، والكبرياء الترفع عن الانقياد وذلك لا يستحقه غير اللَّه فقال: وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ولما قلنا

روى عنه صلى الله عليه وسلم يقول عن اللَّه تعالى: «الكبرياء ردائى والعظمة إزارى فمن نازعنى فى واحد منهما قصمته» .

وقال تعالى: قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ، وأكبرت الشيء رأيته كبيرا، قال تعالى:

فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ والتكبير يقال لذلك ولتعظيم اللَّه تعالى بقولهم اللَّه أكبر ولعبادته واستشعار تعظيمه وعلى ذلك: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ- وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً، وقوله: لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ فهى إشارة إلى ما خصهما اللَّه تعالى به من عجائب صنعه وحكمته التي لا يعلمها إلا قليل ممن وصفهم بقوله: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ

ص: 476

السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فأما عظم جثتهما فأكثرهم يعلمونه. وقوله تعالى: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى فتنبيه أن كل ما ينال الكافر من العذاب قبل ذلك فى الدنيا وفى البرزخ صغير فى جنب عذاب ذلك اليوم والكبار أبلغ من الكبير، والكبار أبلغ من ذلك، قال: وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً.

(كتب) : الكتب ضم أديم إلى أديم بالخياطة، يقال كتبت السقاء، وكتبت البغلة جمعت بين شفريها بحلقة، وفى المتعارف ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط وقد يقال ذلك للمضموم بعضها إلى بعض باللفظ، فالأصل فى الكتابة النظم بالخط لكن يستعار كل واحد للآخر ولهذا سمى كلام اللَّه وإن لم يكتب كتابا كقوله: الم ذلِكَ الْكِتابُ وقوله: قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ والكتاب فى الأصل مصدر ثم سمى المكتوب فيه كتابا، والكتاب فى الأصل اسم للصحيفة مع المكتوب فيه وفى قوله: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فإنه يعنى صحيفة فيها كتابة، ولهذا قال: وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ الآية. ويعبر عن الإثبات والتقدير والإيجاب والفرض والعزم بالكتابة، ووجه ذلك أن الشيء يراد ثم يقال، ثم يكتب، فالإرادة مبدأ والكتابة منتهى. ثم يعبر عن المراد الذي هو المبدأ إذا أريد توكيده بالكتابة التي هى المنتهى، قال تعالى: كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي وقال تعالى: قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا- لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ وقال: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ أي فى حكمه، وقوله: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ أي أوحينا وفرضنا وكذلك قوله: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ وقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ- لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ- ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ- لَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ أي لولا أن أوجب اللَّه عليهم الإخلال بديارهم، ويعبر بالكتابة عن القضاء الممضى وما يصير فى حكم الممضى وعلى هذا حمل قوله تعالى: بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ قيل ذلك مثل قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وقوله: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ فإشارة منه إلى أنهم بخلاف من وصفهم بقوله تعالى: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا لأن معنى أغفلنا من قولهم أغفلت الكتاب إذا جعلته خاليا من الكتابة ومن الإعجام، وقوله: فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ، وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ فإشارة إلى أن ذلك مثبت له ومجازى به. وقوله:

ص: 477

فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ أي اجعلنا فى زمرتهم إشارة إلى قوله: فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الآية وقوله: مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها قيل إشارة إلى ما أثبت فيه أعمال العباد. وقوله: إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها قيل إشارة إلى اللوح المحفوظ، وكذا قوله: إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ وقوله: وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ- فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً- لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ يعنى به ما قدره من الحكمة وذلك إشارة إلى قوله: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ وقيل إشارة إلى قوله: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وقوله: لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنا يعنى ما قدره وقضاه وذكر لنا ولم يقل علينا تنبيها أن كل ما يصيبنا نعده نعمة لنا ولا نعده نقمة علينا، وقوله: ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ قيل معنى ذلك وهبها اللَّه لكم ثم حرمها عليكم بامتناعكم من دخولها وقبولها، وقيل كتب لكم بشرط أن تدخلوها، وقيل أوجبها عليكم، وإنما قال لكم ولم يقل عليكم لأن دخولهم إياها يعود عليهم بنفع عاجل وآجل فيكون ذلك لهم لا عليهم وذلك كقولك لمن يرى تأذيا بشىء لا يعرف نفع ماله: هذا الكلام لك لا عليك، وقوله تعالى: وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا جعل حكمهم وتقديرهم ساقطا مضمحلا وحكم اللَّه عاليا لا دافع له ولا مانع، وقال تعالى: وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللَّهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ أي فى علمه وإيجابه وحكمه وعلى ذلك قوله:

لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ وقوله: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ أي فى حكمه ويعبر بالكتاب عن الحجة الثابتة من جهة اللَّه نحو قوله تعالى:

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ- أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ

- أُوتُوا الْكِتابَ- كِتابَ اللَّهِ- أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً- فَهُمْ يَكْتُبُونَ فذلك إشارة إلى العلم والتحقق والاعتقاد، وقوله تعالى:

وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ إشارة فى تحرى النكاح إلى لطيفة وهى أن اللَّه جعل لنا شهوة النكاح لنتحرى طلب النسل الذي يكون سببا لبقاء نوع الإنسان إلى غاية قدرهما، فيجب للإنسان أن يتحرى بالنكاح ما جعل اللَّه له على حسب مقتضى العقل والديانة، ومن تحرى بالنكاح حفظ النسل وحصانة النفس على الوجه المشروع فقد ابتغى ما كتب اللَّه له وإلى هذا أشار من قال: عنى بما كتب اللَّه لكم الولد ويعبر عن الإيجاد بالكتابة وعن الإزالة والإفناء بالمحو. قال تعالى:

ص: 478

لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ- يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ نبه أن لكل وقت إيجادا وهو يوجد ما تقتضى الحكمة إيجاده ويزيل ما تقتضى الحكمة إزالته، ودل قوله:

لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ على نحو ما دل عليه قوله: كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ وقوله: وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ وقوله: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَما هُوَ مِنَ الْكِتابِ فالكتاب الأول ما كتبوه بأيديهم المذكورة فى قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ والكتاب الثاني التوراة، والثالث لجنس كتب اللَّه أي ما هو من شىء من كتب اللَّه سبحانه وتعالى وكلامه، وقوله: وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ فقد قيل هما عبارتان عن التوراة وتسميتها كتابا اعتبارا بما أثبت فيها من الأحكام، وتسميتها فرقانا اعتبارا بما فيها من الفرق بين الحق والباطل. وقوله: وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا أي حكما. لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ وقوله: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ كل ذلك حكم منه. وأما قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ فتنبيه أنهم يختلقونه ويفتعلونه، وكما نسب الكتاب المختلق إلى أيديهم نسب المقال المختلق إلى أفواههم فقال: ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْواهِهِمْ والاكتتاب متعارف فى المختلق نحو قوله: أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها وحيثما ذكر اللَّه تعالى أهل الكتاب فإنما أراد بالكتاب التوراة والإنجيل وإياهما جميعا، وقوله: وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى إلى قوله: وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ فإنما أراد بالكتاب هاهنا ما تقدم من كتب اللَّه دون القرآن ألا ترى أنه جعل القرآن مصدقا له، وقوله: وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ مُفَصَّلًا فمنهم من قال هو القرآن ومنهم من قال هو القرآن وغيره من الحجج والعلم والعقل، وكذلك قوله: فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وقوله: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ فقد قيل أريد به علم الكتاب وقيل علم من العلوم التي آتاها اللَّه سليمان فى كتابه المخصوص به وبه سخر له كل شىء، وقوله: وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ أي بالكتب المنزلة فوضع ذلك موضع الجمع إما لكونه جنسا كقولك كثر الدرهم فى أيدى الناس، أو لكونه فى الأصل مصدرا نحو عدل وذلك كقوله: يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وقيل يعنى أنهم ليسوا كمن قيل فيهم: وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وكتابة العبد ابتياع نفسه من سيده بما يؤديه من كسبه، قال تعالى: وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ

ص: 479

مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ

واشتقاقها يصح أن يكون من الكتابة التي هى الإيجاب، وأن يكون من الكتب الذي هو النظم والإنسان يفعل ذلك.

(كتم) : الكتمان ستر الحديث، يقال كتمته كتما وكتمانا، قال تعالى:

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وقال: وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ- وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ- وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وقوله: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فكتمان الفضل هو كفران النعمة ولذلك قال بعده. وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً وقوله: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً قال ابن عباس: إن المشركين إذا رأوا أهل القيامة لا يدخل الجنة إلا من لم يكن مشركا قالوا: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ فتشهد عليهم جوار حهم فحينئذ يودون أن لم يكتموا اللَّه حديثا. وقال الحسن: فى الآخرة مواقف فى بعضها يكتمون وفى بعضها لا يكتمون، وعن بعضهم لا يكتمون اللَّه حديثا هو أن تنطق جوارحهم.

(كثب) : قال تعالى: وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلًا أي رملا متراكما وجمعه أكثبة وكثب وكثبان، والكثيبة القليل من اللبن والقطعة من التمر سميت بذلك لاجتماعها، وكثب إذا اجتمع، والكاثب الجامع، والتكثيب الصيد إذا أمكن من نفسه، والعرب تقول أكثبك الصيد فارمه، وهو من الكثب أي القرب.

(كثر) : قد تقدم أن الكثرة والقلة يستعملان فى الكمية المنفصلة كالأعداد، قال تعالى: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً- وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ- بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ وقال: كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً وقال:

وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إلى آيات كثيرة وقوله تعالى: بِفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ فإنه جعلها كثيرة اعتبارا بمطاعم الدنيا، وليست الكثرة إشارة إلى العدد فقط بل إلى الفضل، ويقال عدد كثير وكثار وكاثر: زائد، ورجل كاثر إذا كان كثير المال، قال الشاعر:

ولست بالأكثر منهم حصى

وإنما العزة للكاثر

والمكاثرة والتكاثر التبارى فى كثرة المال والعز، قال تعالى: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ وفلان مكثور أي مغلوب فى الكثرة، والمكثار متعارف فى كثرة الكلام، والكثر

ص: 480

الجمّار الكثير وقد حكى بتسكين الثاء،

وروى: «لا قطع فى ثمر ولا كثر»

وقوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ قيل هو نهر فى الجنة يتشعب عنه الأنهار، وقيل بل هو الخير العظيم الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم وقد يقال للرجل السخي كوثر، ويقال تكوثر الشيء كثر كثرة متناهية، قال الشاعر:

وقد ثار نقع الموت حتى تكوثرا

(كدح) : الكدح السعى والعناء، قال تعالى: إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً وقد يستعمل استعمال الكدم فى الأسنان، قال الخليل: الكدح دون الكدم.

(كدر) : الكدر ضد الصفاء، يقال عيش كدر والكدرة فى اللون خاصة، والكدورة فى الماء وفى العيش، والانكدار تغير من انتثار الشيء، قال تعالى: وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ، وانكدر القوم على كذا إذا قصدوا متناثرين عليه.

(كدى) : الكدية صلابة فى الأرض، يقال حفر فأكدى إذا وصل إلى كدية، واستعير ذلك للطالب المخفق والمعطى المقل، قال تعالى: أَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى.

(كذب) : قد تقدم القول فى الكذب مع الصدق وأنه يقال فى المقال والفعال قال تعالى: إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ، وقوله تعالى:

وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ وقد تقدم أنه كذبهم فى اعتقادهم لا فى مقالهم، ومقالهم كان صدقا، وقوله تعالى: لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ فقد نسب الكذب إلى نفس الفعل كقولهم فعلة صادقة وفعلة كاذبة، قوله: ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ يقال رجل كذاب وكذوب وكذبذب وكيذبان كل ذلك للمبالغة ويقال لا مكذوبة أي لا أكذبك وكذبتك حديثا، قال تعالى: الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، ويتعدى إلى مفعولين نحو صدق فى قوله تعالى: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ يقال كذبه كذبا وكذابا، وأكذبته. وجدته كاذبا، وكذبته: نسبته إلى الكذب صادقا كان أو كاذبا، وما جاء فى القرآن ففى تكذيب الصادق نحو قوله تعالى: كَذَّبُوا بِآياتِنا- رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ-

ص: 481

بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِ

- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا- كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ- وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ- وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وقال تعالى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ قرىء بالتخفيف والتشديد، ومعناه لا يجدونك كاذبا ولا يستطيعون أن يثبتوا كذبك، وقوله تعالى: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا أي علموا أنهم تلقوا من جهة الذين أرسلوا إليهم بالكذب فكذبوا نحو فسقوا وزنوا وخطئوا إذا نسبوا إلى شىء من ذلك، وذلك قوله: إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ وقرىء:

كَذَّبُوا بالتخفيف من قولهم كذبتك حديثا أي ظن المرسل إليهم أن المرسل قد كذبوهم فيما أخبروهم به أنهم إن لم يؤمنوا بهم نزل بهم العذاب وإنما ظنوا ذلك من إمهال اللَّه تعالى إياهم وإملائه لهم، وقوله تعالى: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً الكذاب التكذيب والمعنى لا يكذبون فيكذب بعضهم بعضا، ونفى التكذيب عن الجنة يقتضى نفى الكذب عنها وقرىء: كِذَّاباً من المكاذبة أي لا يتكاذبون تكاذب الناس فى الدنيا، يقال حمل فلان على فرية وكذب كما يقال فى ضده صدق. وكذب لبن الناقة إذا ظن أن يدوم مدة فلم يدم. وقولهم كذب عليك الحج قيل معناه وجب فعليك به، وحقيقته أنه فى حكم الغائب البطيء وقته كقولك قد فات الحج فبادر أي كاد يفوت. وكذب عليك العسل بالنصب أي عليك بالعسل وذلك إغراء، وقيل العسل هاهنا العسلان وهو ضرب من العدو، والكذابة ثوب ينقش بلون صبغ كأنه موشى وذلك لأنه يكذب بحاله.

(كر) : الكر العطف على الشيء بالذات أو بالفعل، ويقال للحبل المفتول كر وهو فى الأصل مصدر وصار اسما وجمعه كرور، قال تعالى: ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ- فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ- وَقالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً- لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً والكر كرة رحى زور البعير ويعبر بها عن الجماعة المجتمعة، والكركرة تصريف الريح السحاب، وذلك مكرر من كر.

(كرب) : الكرب الغم الشديد، قال تعالى: فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ والكربة كالغمة وأصل ذلك من كرب الأرض وهو قلبها بالحفر فالغم يثير النفس إثارة ذلك، وقيل فى مثل: الكراب على البقر، وليس ذلك من

ص: 482

قولهم: «الكراب على البقر» فى شىء ويصح أن يكون الكرب من كربت الشمس إذا دنت للمغيب وقولهم إناء كربان أي قريب نحو قربان أي قريب من الملء، أو من الكرب وهو عقد غليظ فى رشا الدلو، وقد يوصف الغم بأنه عقدة على القلب، يقال أكربت الدلو.

(كرس) : الكرسي فى تعارف العامة اسم لما يقعد عليه، قال تعالى:

وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ وهو فى الأصل منسوب إلى الكرس أي المتلبد أي المجتمع. ومنه الكراسة للمتكرس من الأوراق، وكرست البناء فتكرس، قال العجاج:

يا صاح هل تعرف رسما مكرسا

قال: نعم أعرفه، وأبلسا

والكرس أصل الشيء، يقال هو قديم الكرس وكل مجتمع من الشيء كرس، والكروس المتركب بعض أجزاء رأسه إلى بعضه لكبره، وقوله تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فقد روى عن ابن عباس أن الكرسي العلم، وقيل كرسيه ملكه، وقال بعضهم: هو اسم الفلك المحيط بالأفلاك، قال: ويشهد لذلك ما

روى: «ما السموات السبع فى الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة» .

(كرم) : الكرم إذا وصف اللَّه تعالى به فهو اسم لإحسانه وإنعامه المتظاهر نحو قوله تعالى: فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ وإذا وصف به الإنسان فهو اسم للأخلاق والأفعال المحمودة التي تظهر منه، ولا يقال هو كريم حتى يظهر ذلك منه. قال بعض العلماء: الكرم كالحرية إلا أن الحرية قد تقال فى المحاسن الصغيرة والكبيرة والكرم لا يقال إلا فى المحاسن الكبيرة كمن ينفق مالا فى تجهيز جيش فى سبيل اللَّه وتحمل حمالة ترقىء دماء قوم، وقوله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ فإنما كان كل ذلك لأن الكرم الأفعال المحمودة وأكرمها وأشرفها ما يقصد به وجه اللَّه تعالى، فمن قصد ذلك بمحاسن فعله فهو التقى، فإذا أكرم الناس أتقاهم، وكل شىء شرف فى بابه فإنه يوصف بالكرم، قال تعالى: أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ- وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ- إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ- وَقُلْ لَهُما قَوْلًا كَرِيماً والإكرام والتكريم أن يوصل إلى الإنسان إكرام أي نفع لا يلحقه فيه غضاضة، أو أن يجعل ما يوصل إليه شيئا كريما أي شريفا، قال تعالى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ وقوله: بَلْ عِبادٌ

ص: 483

مُكْرَمُونَ

أي جعلهم كراما، قال: كِراماً كاتِبِينَ، وقال: بِأَيْدِي سَفَرَةٍ كِرامٍ بَرَرَةٍ- وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ، وقوله: ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ منطو على المعنيين.

(كره) : قيل الكره والكره واحد نحو: الضعف والضّعف، وقيل الكرة المشقة التي تنال الإنسان من خارج فيما يحمل عليه بإكراه، والكره ما يناله من ذاته وهو يعافه، وذلك على ضربين، أحدهما: ما يعاف من حيث الطبع والثاني ما يعاف من حيث العقل أو الشرع، ولهذا يصح أن يقول الإنسان فى الشيء الواحد إنى أريده وأكرهه بمعنى أنى أريده من حيث الطبع وأكرهه من حيث العقل أو الشرع، أو أريده من حيث العقل أو الشرع وأكرهه من حيث الطبع، وقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ أي تكرهونه من حيث الطبع ثم بين ذلك بقوله تعالى: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ أنه لا يجب للإنسان أن يعتبر كراهيته للشىء أو محبته له حتى يعلم حاله.

وكرهت يقال فيهما جميعا إلا أن استعماله فى الكره أكثر، قال تعالى: وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ- وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ- وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ، وقوله: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ تنبيه أن أكل لحم الأخ شىء قد جبلت النفس على كراهتها له وإن تجراه الإنسان، وقوله: لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وقرىء كرها، والإكراه يقال فى حمل الإنسان على ما يكرهه وقوله: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ فنهى عن حملهن على ما فيه كره وكره، وقوله: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ فقد قيل كان ذلك فى ابتداء الإسلام فإنه كان يعرض على الإنسان الإسلام فإن أجاب وإلا ترك. والثاني: أن ذلك فى أهل الكتاب فإنهم إن أرادوا الجزية والتزموا الشرائط تركوا. والثالث:

أنه لا حكم لمن أكره على دين باطل فاعترف به ودخل فيه كما قال: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ. الرابع: لا اعتداد فى الآخرة بما يفعل الإنسان فى الدنيا من الطاعة كرها فإن اللَّه تعالى يعتبر السرائر ولا يرضى إلا الإخلاص ولهذا

قال عليه الصلاة والسلام: «الأعمال بالنيات»

وقال: «أخلص يكفك القليل من العمل»

الخامس: معناه لا يحمل الإنسان على أمر مكروه فى الحقيقة مما يكلفهم اللَّه بل يحملون على نعيم الأبد، ولهذا

قال عليه الصلاة والسلام: «عجب ربكم من قوم يقادون إلى الجنة بالسلاسل»

السادس: أن الدين الجزاء،

ص: 484

معناه أن اللَّه ليس بمكره على الجزاء بل يفعل ما يشاء بمن يشاء كما يشاء وقوله:

أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ إلى قوله: طَوْعاً وَكَرْهاً قيل معناه أسلم من فى السموات طوعا ومن فى الأرض كرها أي الحجة أكرهتهم وألجأتهم كقولك الدلالة أكرهتنى على القول بهذه المسألة وليس هذا من الكره المذموم. الثاني:

أسلم المؤمنون طوعا والكافرون كرها إذ لم يقدروا أن يمتنعوا عليه بما يريد بهم ويقضيه عليهم. الثالث: عن قتادة أسلم المؤمنون طوعا والكافرون كرها عند الموت حيث قال: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ الآية. الرابع: عنى بالكره من قوتل وألجئ إلى أن يؤمن. الخامس: عن أبى العالية ومجاهد أن كلا أقر بخلقه إياهم وإن أشركوا معه. كقوله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ السادس: عن ابن عباس: أسلموا بأحوالهم المنبئة عنهم وإن كفر بعضهم بمقالهم وذلك هو الإسلام فى الذر الأول حيث قال: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى وذلك هو دلائلهم التي فطروا عليها من العقل المقتضى لأن يسلموا، وإلى هذا أشار بقوله: وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ السابع: عن بعض الصوفية أن من أسلم طوعا هو من طالع المثيب والمعاقب لا الثواب والعقاب فأسلم له، ومن أسلم كرها هو من طالع الثواب والعقاب فأسلم رغبة ورهبة ونحو هذه الاية. وقوله وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً.

(كسب) : الكسب ما يتحراه الإنسان مما فيه اجتلاب نفع وتحصيل حظ ككسب المال، وقد يستعمل فيما يظن الإنسان أنه يجلب منفعة ثم استجلب به مضرة. والكسب يقال فيما أخذه لنفسه ولغيره ولهذا قد يتعدى إلى مفعولين فيقال كسبت فلانا كذا، والاكتساب لا يقال إلا فيما استفدته لنفسك فكل اكتساب كسب وليس كل كسب اكتسابا، وذلك نحو خبز واختبز وشوى واشتوى وطبخ واطبخ، وقوله تعالى: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ

روى أنه قيل للنبى صلى الله عليه وسلم: «أي الكسب أطيب؟ فقال عليه الصلاة والسلام، عمل الرجل بيده، وقال: إن أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه»

وقال تعالى: لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وقد ورد فى القرآن فى فعل الصالحات والسيئات فمما استعمل فى الصالحات قوله تعالى: أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً وقوله تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً إلى قوله: مِمَّا كَسَبُوا: ومما يستعمل فى السيئات: أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما

ص: 485

كَسَبَتْ

- أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا- إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ- فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ وقال:

فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ- وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا- وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وقوله: ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ فمتناول لهما. والاكتساب قد ورد فيهما، قال فى الصالحات:

لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وقوله: لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ فقد قيل خص الكسب هاهنا بالصالح والاكتساب بالسيىء، وقيل عنى بالكسب ما يتحراه من المكاسب الأخروية، وبالاكتساب، ما يتحراه من المكاسب الدنيوية، وقيل عنى بالكسب ما يفعله الإنسان من فعل خير وجلب نفع إلى غيره من حيثما يجوز وبالاكتساب ما يحصله لنفسه من نفع يجوز تناوله، فنبه على أن ما يفعله الإنسان لغيره من نفع يوصله إليه فله الثواب وأن ما يحصله لنفسه وإن كان متناولا من حيثما يجوز على الوجه فقلما ينفك من أن يكون عليه، إشارة إلى ما قيل:«من أراد الدنيا فليوطن نفسه على المصائب» ، وقوله تعالى: أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ

ونحو ذلك.

(كسف) : كسوف الشمس والقمر استتارهما بعارض مخصوص، وبه شبه كسوف الوجه والحال فقيل كاسف الوجه وكاسف الحال، والكسفة قطعة من السحاب والقطن ونحو ذلك من الأجسام المتخلخلة الحائلة وجمعهما كسف، قال: وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً- فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ- أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً وكسفا بالسكون. فكسف جمع كسفة نحو سدرة وسدر: وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ قال أبو زيد: كسفت الثوب أكسفه كسفا إذا قطعته قطعا، وقيل كسفت عرقوب الإبل، قال بعضهم: هو كسحت لا غير.

(كسل) : الكسل التثاقل عما لا ينبغى التثاقل عنه ولأجل ذلك صار مذموما، يقال كسل فهو كسل وكسلان وجمعه كسالى وكسالى، قال تعالى:

وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسالى وقيل فلان لا يكسله المكاسل، وفحل كسل يكسل عن الضراب، وامرأة مكسال فاترة عن التحرك.

ص: 486

(كسا) : الكساء والكسوة اللباس، قال تعالى: أَوْ كِسْوَتُهُمْ وقد كسوته واكتسى. قال تعالى: وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ- فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً، واكتست الأرض بالنبات، وقول الشاعر:

فبات له دون الصبا وهى قرة

لحاف ومصقول الكساء رقيق

فقد قيل هو كناية عن اللبن إذا علته الدواية، وقول الآخر:

حتى أرى فارس الصموت على

أكساء خيل كانها الإبل

قيل معناه على أعقابها، وأصله أن تعدى الإبل فتثير الغبار ويعلوها فيكسوها فكأنه تولى إكساء الإبل أي ملابسها من الغبار.

(كشف) : كشفت الثوب عن الوجه وغيره ويقال كشف غمه، قال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ- فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ- لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ- أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ، وقوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ قيل أصله من قامت الحرب على ساق أي ظهرت الشدة، وقال بعضهم أصله من تذمير الناقة، وهو أنه إذا أخرج رجل الفصيل من بطن أمه، فيقال كشف عن الساق.

(كشط) : قال تعالى: وَإِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ وهو من كسط الناقة أي تنحية الجلد عنها ومنه استعير انكشط روعه أي زال.

(كظم) : الكظم مخرج النفس، يقال أخذ بكظمه والكظوم احتباس النفس ويعبر به عن السكوت كقولهم فلان لا يتنفس إذا وصف بالمبالغة فى السكوت، وكظم فلان حبس نفسه، قال تعالى: إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ، وكظم الغيظ حبسه، قال تعالى: وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ ومنه كظم البعير إذا ترك الاجتزاز، وكظم السقاء شده بعد ملئه مانعا لنفسه، والكاظمة حلقة تجمع فيها الخيوط فى طرف حديدة الميزان، والسير الذي يوصل بوتر القوس، والكظائم خروق بين البئرين يجرى فيها الماء كل ذلك تشبيه بمجرى النفس وتردده فيه.

(كعب) : كعب الرجل: العظم الذي عند ملتقى القدم والساق، قال تعالى: وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ والكعبة كل بيت على هيئته فى التربيع

ص: 487

وبها سميت الكعبة، قال تعالى: جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وذو الكعبات بيت كان فى الجاهلية لبنى ربيعة، وفلان جالس فى كعبته أي غرفته وبيته على تلك الهيئة، وامرأة كاعب تكعب ثدياها، وقد كعبت كعابة والجمع كواعب، قال تعالى: وَكَواعِبَ أَتْراباً وقد يقال كعب الثدي كعبا وكعب تكعيبا وثوب مكعب مطوى شديد الإدراج، وكل ما بين العقدتين من القصب والرمح يقال له كعب تشبيها بالكعب فى الفصل بين العقدتين كفصل الكعب بين الساق والقدم.

(كف) : الكف: كف الإنسان وهى ما بها يقبض ويبسط، وكففته أصبت كفه وكففته أصبته بالكف ودفعته بها. وتعورف الكف بالدفع على أي وجه كان بالكف كان أو غيرها حتى قيل رجل مكفوف لمن قبض بصره، وقوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ أي كافا لهم عن المعاصي والهاء فيه للمبالغة كقولهم: رواية وعلامة ونسابة، وقوله: وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً قيل معناه كافين لهم كما يقاتلونكم كافين، وقيل معناه جماعة كما يقاتلونكم جماعة، وذلك أن الجماعة يقال لهم الكافة كما يقال لهم الوازعة لقوتهم باجتماعهم وعلى هذا قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وقوله:

فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها فإشارة إلى حال النادم وما يتعاطاه فى حال ندمه. وتكفف الرجل إذا مد يده سائلا، واستكف إذا مد كفه سائلا أو دافعا، واستكف الشمس دفعها بكفة وهو أن يضع كفه على حاجبه مستظلا من الشمس ليرى ما يطلبه، وكفه الميزان تشبيه بالكف فى كفها ما يوزن بها وكذا كفة الحبالة، وكففت الثوب إذا خطت نواحيه بعد الخياطة الأولى.

(كفت) : الكفت القبض والجمع، قال تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً أي تجمع الناس أحياءهم وأمواتهم، وقيل معناه تضم الأحياء التي هى الإنسان والحيوانات والنبات، والأموات التي هى الجمادات من الأرض والماء وغير ذلك. والكفات قيل هو الطيران السريع، وحقيقته قبض الجناح للطيران، كما قال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ فالقبض هاهنا كالكفات هناك. والكفت السوق الشديد، واستعمال الكفت فى سوق الإبل كاستعمال القبض فيه كقولهم قبض الراعي الإبل وراعى

ص: 488

قبضة، وكفت اللَّه فلانا إلى نفسه كقولهم قبضه،

وفى الحديث: «اكفتوا صبيانكم بالليل» .

(كفر) : الكفر فى اللغة ستر الشيء، ووصف الليل بالكافر لستره الأشخاص، والزراع لستره البذر فى الأرض، وليس ذلك باسم لهما كما قال بعض أهل اللغة لما سمع:

ألقت ذكاء يمينها فى كافر

والكافور اسم أكمام الثمرة التي تكفرها، قال الشاعر:

كالكرم إذ نادى من الكافور

وكفر النعمة وكفرانها سترها بترك أداء شكرها، قال تعالى: فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وأعظم الكفر جحود الوحدانية أو الشريعة أو النبوة، والكفران فى جحود النعمة أكثر استعمالا، والكفر فى الدين أكثر والكفور فيهما جميعا قال تعالى: فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُوراً- فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً ويقال منهما كفر فهو كافر، قال فى الكفران: لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ وقال تعالى: وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ وقوله: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ أي تحريت كفران نعمتى، وقال تعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ ولما كان الكفران يقتضى جحود النعمة صار يستعمل فى الجحود، قال: وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ أي جاحد له وساتر، والكافر على الإطلاق متعارف فيمن يجحد الوحدانية أو النبوة أو الشريعة أو ثلاثتها، وقد يقال كفر لمن أخل بالشريعة وترك ما لزمه من شكر اللَّه عليه، قال: مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ يدل على ذلك مقابلته بقوله: وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ وقال: وَأَكْثَرُهُمُ الْكافِرُونَ وقوله: وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ أي لا تكونوا أئمة فى الكفر فيقتدى بكم، وقوله: وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ عنى بالكافر الساتر للحق فلذلك، جعله فاسقا، ومعلوم أن الكفر المطلق هو أعم من الفسق، ومعناه من جحد حق اللَّه فقد فسق عن أمر ربه بظلمه. ولما جعل كل فعل محمود من الإيمان جعل كل فعل مذموم من الكفر، وقال فى السحر: وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ

ص: 489

النَّاسَ السِّحْرَ

وقوله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا إلى قوله كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ وقال: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ إلى قوله: وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ والكفور المبالغ فى كفران النعمة، وقوله: إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ وقال: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ إن قيل كيف وصف الإنسان هاهنا بالكفور ولم يرض بذلك حتى أدخل علهى إن واللام وكل ذلك تأكيد، وقال فى موضع: وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ فقوله: إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ تنبيه على ما ينطوى عليه الإنسان من كفران النعمة وقلة ما يقوم بأداء الشكر، وعلى هذا قوله: قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ ولذلك قال:

وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ قوله: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً تنبيه أنه عرفه الطريقين كما قال تعالى: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ فمن سالك سبيل الشكر، ومن سالك سبيل الكفر، وقوله: وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً فمن الكفر ونبه بقوله: كانَ أنه لم يزل منذ وجد منطويا على الكفر. والكفّار أبلغ من الكفور لقوله: كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ وقال: وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ- إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ- إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً وقد أجرى الكفار مجرى الكفور فى قوله: إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ والكفّار فى جمع الكافر المضاد للإيمان أكثر استعمالا كقوله: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ وقوله: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ والكفرة فى جمع كافر النعمة أشد استعمالا فى قوله تعالى: أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ألا ترى أنه وصف الكفرة بالفجرة؟ والفجرة قد يقال للفساق من المسلمين. وقوله: جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ أي من الأنبياء ومن يجرى مجراهم ممن بذلوا النصح فى أمر اللَّه فلم يقبل منهم. وقوله: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا قيل عنى بقوله إنهم آمنوا بموسى ثم كفروا بمن بعده. والنصارى آمنوا بعيسى ثم كفروا بمن بعده. وقيل آمنوا بموسى ثم كفروا بموسى إذ لم يؤمنوا بغيره، وقيل هو ما قال:

وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي إلى قوله: وَاكْفُرُوا آخِرَهُ ولم يرد أنهم آمنوا مرتين وكفروا مرتين، بل ذلك إشارة إلى أحوال كثيرة. وقيل كما يصعد الإنسان فى الفضائل فى ثلاث درجات ينعكس فى الرذائل فى ثلاث درجات والآية إشارة إلى ذلك. ويقال كفر فلان إذا اعتقد الكفر، ويقال ذلك إذا أظهر الكفر وإن لم يعتقد ولذلك قال تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ويقال كفر فلان بالشيطان إذا كفر بسببه، وقد يقال

ص: 490

ذلك إذا أمن وخالف الشيطان كقوله: فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ وأكفره إكفارا حكم بكفره، وقد يعبر عن التبري بالكفر نحو: يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ الآية وقوله تعالى: إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ وقوله: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ قيل عنى بالكفار الزراع، لأنهم يغطون البذر فى التراب ستر الكفار حق اللَّه تعالى بدلالة قوله تعالى: يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ولآن الكافر لا اختصاص له بذلك وقيل بلى عنى الكفار، وخصهم بكونهم معجبين بالدنيا وزخارفها وراكنين إليها. والكفارة ما يغطى الإثم ومنه كفارة اليمين نحو قوله: ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وكذلك كفارة غيره من الآثام ككفارة القتل والظهار قال: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ والتكفير ستره وتغطيته حتى يصبر بمنزلة ما لم يعمل ويصح أن يكون أصله إزالة الكفر والكفران نحو التمريض فى كونه إزالة للمرض وتقذية العين فى إزالة القذى عنه، قال تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ- نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وإلى هذا المعنى أشار بقوله تعالى: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ وقيل صغار الحسنات لا تكفر كبار السيئات، وقال تعالى:

لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ- لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا ويقال: كفرت الشمس النجوم سترتها ويقال الكافر للحساب الذي يغطى الشمس والليل، قال الشاعر:

ألقت ذكاء يمينها فى كافر

وتكفر فى السلاح أي تغطى فيه، والكافور أكمام الثمرة أي التي تكفر الثمرة، قال الشاعر:

كالكرم إذ نادى من الكافور

والكافور الذي هو من الطيب، قال تعالى: كانَ مِزاجُها كافُوراً.

(كفل) : الكفالة الضمان، تقول تكفلت بكذا وكفلته فلانا وقرىء:

وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا أي كفلها اللَّه تعالى، ومن خفف جعل الفعل لزكريا، المعنى تضمنها، قال تعالى: وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا، والكفيل الحظ الذي فيه الكفاية كأنه تكفل بأمره نحو قوله تعالى: فَقالَ أَكْفِلْنِيها أي

ص: 491

اجعلنى كفلا لها، والكفل الكفيل، قال: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ أي كفيلين من نعمته فى الدنيا والآخرة وهما المرغوب إلى اللَّه تعالى فيهما بقوله:

رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وقيل لم يعن بقوله كفلين أي نعمتين اثنتين بل أراد النعمة المتوالية المتكفلة بكفايته، ويكون تثنيته على حد ما ذكرنا فى قولهم لبيك وسعديك، وأما قوله: مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً إلى قوله: يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها فإن الكفل هاهنا ليس بمعنى الأول بل هو مستعار من الكفل وهو الشيء الرديء واشتقاقه من الكفل وهو أن الكفل لما كان مركبا ينبوا براكبه صار متعارفا فى كل شدة كالسيساء وهو العظم الناتي من ظهر الحمار فيقال لأحملنك على الكفل وعلى السيساء، ولأركبنك الحسرى الرزايا، قال الشاعر:

وحملناهم على صعبة زو

راء يعلونها بغير وطاء

ومعنى الآية من ينضم إلى غيره معينا له فى فعلة حسنة يكون له منها نصيب، ومن ينضم إلى غيره معينا له فى فعلة سيئة يناله منها شدة. وقيل الكفل الكفيل. ونبه أن من تحرى شرّا فله من فعله كفيل يسأله كما قيل من ظلم فقد أقام كفيلا بظلمه تنبيها أنه لا يمكنه التخلص من عقوبته.

(كفؤ) : الكفء فى المنزلة والقدر، ومنه الكفاء لشقة تنضح بالأخرى فيجلل بها مؤخر البيت، يقال فلان كفء لفلان فى المناكحة أو المحاربة ونحو ذلك، قال تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ ومنه المكافأة أي المساواة والمقابلة فى الفعل، وفلان كفؤ لك فى المضادة، والإكفاء قلب الشيء كأنه إزالة المساواة، ومنها الإكفاء فى الشعر، ومكفأ الوجه أي كاسد اللون وكفيؤه، ويقال لناتج الإبل ليست تامة كفأة، وجعل فلان إبله كفأتين إذا لقح كل سنة قطعة منها.

(كفى) : الكفاية ما فيه سد الخلة وبلوغ المراد فى الأمر، قال تعالى:

وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ- إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ وقوله تعالى: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً قيل معناه: كفى اللَّه شهيدا، والباء زائدة وقيل معناه اكتف باللَّه شهيدا، والكفية من القوت ما فيه كفاية والجمع كفى، ويقال كافيك فلان من رجل كقولك حسبك من رجل.

ص: 492

(كل) : لفظ كل هو لضم أجزاء الشيء وذلك ضربان، أحدهما الضام لذات الشيء وأحواله المختصة به، ويفيد معنى التمام نحو قوله تعالى: وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ أي بسطا تامّا، قال الشاعر:

ليس الفتى كل الفتى

إلا الفتى فى أدبه

أي التام الفتوة. والثاني الضام للذوات وذلك يضاف تارة إلى جمع معرف بالألف واللام نحو قولك كل القوم، وتارة إلى ضمير ذلك نحو قوله تعالى: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ وقوله: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ أو إلى نكرة مفردة نحو قوله: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ- وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ إلى غيرها من الآيات وربما عرى عن الإضافة ويقدر ذلك فيه نحو قوله: كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ- وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ- وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً- وَكُلًّا جَعَلْنا صالِحِينَ- كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ- وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ إلى غير ذلك فى القرآن مما يكثر تعداده. ولم يرد فى شىء من القرآن ولا فى شىء من كلام الفصحاء الكل بالألف واللام وإنما ذلك شىء يجرى فى كلام المتكلمين والفقهاء ومن نحا نحوهم. والكلالة اسم لما عدا الولد والوالد من الورثة، وقال ابن عباس: هو اسم لمن عدا الولد،

وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الكلالة فقال:

«من مات وليس له ولد ولا والد»

فجعله اسما للميت وكلا القولين صحيح.

فإن الكلالة مصدر يجمع الوارث والموروث جميعا وتسميتها بذلك إما لأن النسب كل عن اللحوق به أو لأنه قد لحق به بالعرض من أحد طرفيه وذلك لأن الانتساب ضربان، أحدهما: بالعمق كنسبة الأب والابن، والثاني بالعرض كنسبة الأخ والعم، قال قطرب: الكلالة اسم لما عدا الأبوين والأخ، وليس بشىء، وقال بعضهم هو اسم لكل وارث كقول الشاعر:

والمرء يبخل بالحقو

ق وللكلالة ما يسيم

من أسام الإبل إذا أخرجها للمرعى ولم يقصد الشاعر بما ظنه هذا وإنما خص الكلالة ليزهد الإنسان فى جمع المال لأن ترك المال لهم أشد من تركه للأولاد، وتنبيها أن من خلفت له المال فجار مجرى الكلالة وذلك كقولك ما تجمعه فهو للعدو، وتقول العرب لم يرث فلان كذا كلالة لمن تخصص بشىء قد كان لأبيه، قال الشاعر:

ص: 493

ورثتم قناة الملك غير كلالة

عن ابني مناف عبد شمس وهاشم

والإكليل سمى بذلك لإطافته بالرأس، يقال كل الرجل فى مشيته كلالا، والسيف عن ضريبته كلولا وكلة، واللسان عن الكلام كذلك، وأكل فلان كلت راحلته والكلكل الصدر.

(كلب) : الكلب الحيوان النباح والأنثى كلبة والجمع أكلب وكلاب وقد يقال للجمع كليب، قال تعالى: كَمَثَلِ الْكَلْبِ وقال: وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ وعنه اشتق الكلب للحرص ومنه يقال هو أحرص من كلب، ورجل كلب: شديد الحرص، وكلب كلب أي مجنون يكلب بلحوم الناس فيأخذه شبه جنون، ومن عقره كلب أي يأخذه داء فيقال رجل كلب وقوم كلبى، قال الشاعر:

دماؤهم من الكلب الشفاء

وقد يصيب الكلب البعير. ويقال أكلب الرجل: أصاب إبله ذلك، وكلب الشتاء اشتد برده وحدته تشبيها بالكلب الكلب، ودهر كلب، ويقال أرض كلبة إذا لم ترو فتيبس تشبيها بالرجل الكلب لأنه لا يشرب فييبس والكلّاب والمكلّب الذي يعلم الكلب، قال تعالى: وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ وأرض مكلبة كثيرة الكلاب، والكلب المسمار فى قائم السيف، والكلبة سير يدخل تحت السير الذي تشد به المزادة فيخرز به، وذلك لتصوره بصورة الكلب فى الاصطياد به، وقد كلبت الأديم خرزته بذلك، قال الشاعر:

سير صناع فى أديم تكلبه

والكلب نجم فى السماء مشبه بالكلب لكونه تابعا لنجم يقال له الراعي، والكلبتان آلة مع الحدادين سميا بذلك تشبيها بكلبين فى اصطيادهما وثنى اللفظ لكونهما اثنين، والكلوب شىء يمسك به، وكلاليب البازي مخلبه اشتق من الكلب لإمساكه ما يعلق عليه إمساك الكلب.

(كلف) : الكلف الإيلاع بالشيء، يقال كلف فلان بكذا وأكلفته به جعلته كلفا، والكلف فى الوجه سمى لتصور كلفة به، وتكلف الشيء ما يفعله الإنسان بإظهار كلف مع مشقة تناله فى تعاطيه، وصارت الكلفة فى التعارف اسما

ص: 494

للمشقة، والتكلف اسم لما يفعل بمشقة أو تصنع أو تشبع، ولذلك صار التكلف على ضربين، محمود: وهو ما يتحراه الإنسان ليتوصل به إلى أن يصير الفعل الذي يتعاطاه سهلا عليه ويصير كلفا به ومحبّا له، وبهذا النظر يستعمل التكليف فى تكلف العبادات. والثاني: مذموم وهو ما يتحراه الإنسان مراءاة وإياه عنى بقوله تعالى: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ

وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا وأتقياء أمتى برآء من التكلف»

وقوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها أي ما يعدونه مشقة فهو سعة فى المآل نحو قوله: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ وقوله تعالى: فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً الآية.

(كلم) : الكلم التأثير المدرك بإحدى الحاستين، فالكلام مدرك بحاسة السمع، والكلم بحاسة البصر، وكلمة جرحته جراحة بان تأثيرها ولاجتماعهما فى ذلك قال الشاعر:

والكلم الأصيل كأرعب الكلم

الكلم الأول جمع كلمة، والثاني جراحات والأرعب الأوسع، وقال آخر:

وجرح اللسان كجرح اليد

فالكلام يقع على الألفاظ المنظومة وعلى المعاني التي تحتها مجموعة، وعند النحويين يقع على الجزء منه اسما كان أو فعلا أو أداة. وعند كثير من المتكلمين لا يقع إلا على الجملة المركبة المقيدة وهو أخص من القول فإن القول يقع عندهم على المفردات، والكلمة تقع عندهم على كل واحد من الأنواع الثلاثة، وقد قيل بخلاف ذلك، قال تعالى: كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وقوله: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ قيل هى قوله: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وقال الحسن: هى قوله: «ألم تخلقنى بيدك؟ ألم تسكنى جنتك؟ ألم تسجد لى ملائكتك؟ ألم تسبق رحمتك غضبك؟ أرأيت إن تبت أكنت معيدى إلى الجنة؟ قال: نعم» وقيل هى الأمانة المعروضة على السموات والأرض والجبال فى قوله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ الآية، وقوله: وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قيل هى الأشياء التي امتحن اللَّه إبراهيم بها من ذبح ولده والختان وغيرهما. وقوله لزكريا: أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ قيل هى كلمة التوحيد وقيل كتاب اللَّه وقيل يعنى به عيسى، وتسمية عيسى بكلمة فى

ص: 495

هذه الآية، وفى قوله: وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ لكونه موجدا بكن المذكور فى قوله: إِنَّ مَثَلَ عِيسى الآية. وقيل لاهتداء الناس به كاهتدائهم بكلام اللَّه تعالى، وقيل سمى به لما خصه اللَّه تعالى به فى صغره حيث قال وهو فى مهده:

إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ الآية، وقيل سمى كلمة اللَّه تعالى من حيث إنه صار نبيّا كما سمى النبي صلى الله عليه وسلم ذِكْراً رَسُولًا وقوله تعالى: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الآية فالكلمة هاهنا القضية، فكل قضية تسمى كلمة سواء كان ذلك مقالا أو فعالا، ووصفها بالصدق لأنه يقال قول صدق وفعل صدق، وقوله:

وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ إشارة إلى نحو قوله: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ الآية، ونبه بذلك أنه لا تنسخ الشريعة بعد هذا، وقيل إشارة إلى ما قال عليه الصلاة والسلام:«أول ما خلق اللَّه تعالى القلم فقال له اجر بما هو كائن إلى يوم القيامة» وقيل الكلمة هى القرآن وتسميته بكلمة كتسميتهم القصيدة كلمة فذكر أنها تتم وتبقى بحفظ اللَّه تعالى إياها، فعبر عن ذلك بلفظ الماضي تنبيها أن ذلك فى حكم الكائن وإلى هذا المعنى من حفظ القرآن أشار بقوله: فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ الآية، وقيل عنى به ما وعد من الثواب والعقاب، وعلى ذلك قوله تعالى: بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ وقوله: كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا الآية، وقيل عنى بالكلمات الآيات المعجزات التي اقترحوها فنبه أن ما أرسل من الآيات تام وفيه بلاغ، وقوله تعالى: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ رد لقولهم: ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا الآية، وقيل أراد بكلمة ربك أحكامه التي حكم بها وبين أنه شرع لعباده ما فيه بلاغ، وقوله: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وهذه الكلمة فيما قيل هى قوله تعالى: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ الآية، وقوله: وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكانَ لِزاماً- وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فإشارة إلى ما سبق من حكمه الذي اقتضاه حكمته وأنه لا تبديل لكلماته، وقوله تعالى: وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ أي بحججه التي جعلها اللَّه تعالى لكم عليهم سلطانا مبينا، أي حجة قوية. وقوله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ هو إشارة إلى ما قال: فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ الآية، وذلك أن اللَّه تعالى جعل قول هؤلاء المنافقين: ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ تبديلا لكلام اللَّه تعالى، فنبه أن هؤلاء لا يفعلون وكيف يفعلون وقد علم اللَّه تعالى منهم أن لا يتأتى ذلك منهم، وقد سبق ذلك حكمه. ومكالمة اللَّه تعالى العبد على ضربين، أحدهما: فى الدنيا، والثاني فى

ص: 496

الآخرة فما فى الدنيا فعلى ما نبه عليه بقوله: ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ الآية، وما فى الآخرة ثواب للمؤمنين وكرامة لهم تخفى علينا كيفيته، ونبه أنه يحرم ذلك على الكافرين بقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ الآية وقوله: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ جمع الكلمة، وقيل إنهم يبدلون الألفاظ ويغيرونها، وقيل إنه كان من جهة المعنى وهو حمله على غير ما قصد به واقتضاه وهذا أمثل القولين فإن اللفظ إذا تداولته الألسنة واشتهر يصعب تبديله، وقوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ أي لولا يكلمنا اللَّه مواجهة وذلك نحو قوله:

يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ إلى قوله: أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً.

(كلا) : كلا ردع وزجر وإبطال لقول القائل، وذلك نقيض إي فى الإثبات، قال تعالى: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ إلى قوله (كلا) وقال تعالى: لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلَّا إلى غير ذلك من الآيات، وقال تعالى: كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ.

(كلأ) : الكلاءة حفظ الشيء وتبقيته، يقال كلأك اللَّه وبلغ بك أكلأ العمر، واكتلأت بعيني كذا قال تعالى: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ الآية والمكلأ موضع تحفظ فيه السفن، والكلاء موضع بالبصرة سمى بذلك لأنهم يكلأون سفنهم هناك وعبر عن النسيئة بالكالئ.

وروى أنه عليه الصلاة والسلام: نهى عن الكالئ بالكالئ.

والكلأ العشب الذي يحفظ ومكان مكلأ وكالىء يكثر كلؤه.

(كلا) : كلا فى التثنية ككل فى الجمع وهو مفرد اللفظ مثنى المعنى عبر عنه بلفظ الواحد مرة اعتبارا بلفظه، وبلفظ الاثنين مرة اعتبارا بمعناه قال: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما ويقال فى المؤنث كلتا. ومتى أضيف إلى اسم ظاهر بقي ألفه على حالته فى النصب والجر والرفع، وإذا أضيف إلى مضمر قلبت فى النصب والجر ياء، فيقال: رأيت كليهما ومررت بكليهما، قال تعالى:

كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وتقول فى الرفع جاءنى كلاهما.

(كم) : كم عبارة عن العدد ويستعمل فى باب الاستفهام وينصب بعده الاسم الذي يميز به نحو، كم رجلا ضربت؟ ويستعمل فى باب الخبر ويجر بعده الاسم الذي يميز به نحو: كم رجل؟ ويقتضى معنى الكثرة، وقد يدخل من فى

ص: 497

الاسم الذي يميز بعده نحو: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها- وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً والكم ما يغطى اليد من القميص، والكم ما يغطى الثمرة وجمعه أكمام قال تعالى: وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ والكمة ما يغطى الرأس كالقلنسوة.

(كمل) : كمال الشيء حصول ما فيه الغرض منه فإذا قيل كمل ذلك فمعناه حصل ما هو الغرض منه وقوله تعالى: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ تنبيها أن ذلك غاية ما يتعلق به صلاح الولد. وقوله:

لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ تنبيها أنه يحصل لهم كمال العقوبة.

وقوله: تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ قيل إنما ذكر العشرة ووصفها بالكاملة لا ليعلمنا أن السبعة والثلاثة عشرة بل ليبين أن بحصول صيام العشرة يحصل كمال الصوم القائم مقام الهدى، وقيل إن وصفه العشرة بالكاملة استطراد فى الكلام وتنبيه على فضيلة له فيما بين علم العدد وأن العشرة أول عقد ينتهى إليه العدد فيكمل وما بعده يكون مكررا مما قبله فالعشرة هى العدد الكامل.

(كمه) : الأكمه هو الذي يولد مطموس العين وقد يقال لمن تذهب عينه، قال:

كمهت عيناه حتى ابيضتا

(كن) : الكنّ ما يحفظ فيه الشيء، يقال: كننت الشيء كنا جعلته فى كن وخص كننت بما يستر ببيت أو ثوب وغير ذلك من الأجسام، قال تعالى:

كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ- كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ وأكننت بما يستر فى النفس قال تعالى: أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ وجمع الكن أكنان، قال تعالى: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً والكنان الغطاء الذي يكن فيه الشيء والجمع أكنة نحو غطاء وأغطية، قال تعالى: وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وقوله تعالى: وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ قيل معناه فى غطاء عن تفهم ما تورده علينا كما قالوا: يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ الآية وقوله: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ قيل عنى بالكتاب المكنون اللوح المحفوظ، وقيل هو قلوب المؤمنين، وقيل ذلك إشارة إلى كونه محفوظا عند اللَّه تعالى كما قال: وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ وسميت المرأة المتزوجة كنة لكونها فى كن من حفظ زوجها كما سميت محصنة لكونها فى حصن من حفظ زوجها، والكنانة جعبة غير مشقوقة.

ص: 498

(كند) : قوله تعالى: إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ أي كفور لنعمته كقولهم أرض كنود إذا لم تنبت شيئا.

(كنز) : الكنز جعل المال بعضه على بعض وحفظه وأصله من كنزت التمر فى الوعاء، وزمن الكناز وقت ما يكنز فيه التمر، وناقة كناز مكتنزة اللحم.

وقوله تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ أي يدخرونها، وقوله:

فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ وقوله: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أي مال عظيم وَكانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما قيل كان صحيفة علم.

(كهف) : الكهف الغار فى الجبل وجمعه كهوف، قال تعالى: أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ الآية.

(كهل) : الكهل من وخطه الشيب، قال تعالى: وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ واكتهل النبات إذا شارف اليبوسة مشارفة الكهل الشيب، قال:

مؤزر بهشيم النبت مكتهل

(كهن) : الكاهن هو الذي يخبر بالأخبار الماضية الخفية الحفية بضرب من الظن، والعراف الذي يخبر بالأخبار المستقبلة على نحو ذلك ولكون هاتين الصناعتين مبنيتين على الظن الذي يخطىء ويصيب قال عليه الصلاة والسلام:

«من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما قال فقد كفر بما أنزل على أبى القاسم» ويقال كهن فلان كهانة إذا تعاطى ذلك وكهن إذا تخصص بذلك، وتكهن تكلف ذلك، وقال تعالى: وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ.

(كوب) : الكوب قدح لا عروة له وجمعه أكواب، قال تعالى:

بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ والكوبة الطبل الذي يلعب به.

(كيد) : الكيد ضرب من الاحتيال وقد يكون مذموما وممدوحا وإن كان يستعمل فى المذموم أكثر وكذلك الاستدراج والمكر ويكون بعض ذلك محمودا، قال تعالى: كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ وقوله: وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ قال بعضهم: أراد بالكيد العذاب، والصحيح أنه هو الإملاء والإمهال المؤدى إلى العقاب كقوله: إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً أَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ

ص: 499

الْخائِنِينَ

فخص الخائنين تنبيها أنه قد يهدى كيد من لم يقصد بكيده خيانة ككيد يوسف بأخيه وقوله: لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ أي لأريدن بها سوءا. وقال:

فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ وقوله: فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ وقال: كَيْدُ ساحِرٍ- فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ويقال فلان يكيد بنفسه أي يجود بها وكاد الزند إذا تباطأ بإخراج ناره. ووضع كاد لمقاربة الفعل، يقال كاد يفعل إذا لم يكن قد فعل، وإذا كان معه حرف نفى يكون لما قد وقع ويكون قريبا من أن لا يكون نحو قوله تعالى: لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلًا- وَإِنْ كادُوا- تَكادُ السَّماواتُ- يَكادُ الْبَرْقُ- يَكادُونَ يَسْطُونَ- إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ ولا فرق بين أن يكون حرف النفي متقدما عليه أو متأخرا عنه نحو قوله: وَما كادُوا يَفْعَلُونَ- لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ وقلما يستعمل فى كاد أن إلا فى ضرورة الشعر، قال:

قد كاد من طول البلى أن يمحصا

أي يمضى ويدرس.

(كور) : كور الشيء إدارته وضم بعضه إلى بعض ككور العمامة، وقوله تعالى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ فإشارة إلى جريان الشمس فى مطالعها وانتقاص الليل والنهار وازديادهما. وطعنه فكوره إذا ألقاه مجتمعا، واكتار الفرس إذا أدار ذنبه فى عدوه، وقيل لإبل كثيرة كور، وكوارة النحل معروفة والكور الرحل، وقيل لكل مصر كورة وهى البقعة التي يجتمع فيها قرى ومحال.

(كأس) : قال تعالى: مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً والكأس الإناء بما فيه من الشراب وسمى كل واحد منهما بانفراده كأسا، يقال شربت كأسا، وكأس طيبة يعنى بها الشراب، قال: وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ وكأست الناقة تكؤس إذا مشت على ثلاثة قوائم، والكيس جودة القريحة، وأكأس الرجل وأكيس إذا ولد أولادا أكياسا، وسمى الغدر كيسان تصورا أنه ضرب من استعمال الكيس أو لأن كيسان كان رجلا عرف بالغدر ثم سمى كل غادر به كما أن الهالكى كان حدادا عرف بالحدادة ثم سمى كل حداد هالكيّا.

ص: 500

(كيف) : كيف لفظ يسأل به عما يصح أن يقال فيه شبيه وغير شيبه كالأبيض والأسود والصحيح والسقيم، ولهذا لا يصح أن يقال فى اللَّه عز وجل كيف، وقد يعبر بكيف عن المسئول عنه كالأسود والأبيض فإنا نسميه كيف، وكل ما أخبر اللَّه تعالى بلفظة كيف عن نفسه فهو استخبار على طريق التنبيه للمخاطب أو توبيخا نحو: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ- كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ- كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ- انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ- فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ- أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ.

(كيل) : الكيل كيل الطعام. يقال كلت له الطعام إذا توليت ذلك له، وكلته الطعام إذا أعطيته كيلا، واكتلت عليه أخذت منه كيلا، قال اللَّه تعالى:

وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ وذلك إن كان مخصوصا بالكيل فحث على تحرى العدل فى كل ما وقع فيه أخذ ودفع وقوله:

فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ- فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ- كَيْلَ بَعِيرٍ مقدار حمل بعير.

(كان) : كان عبارة عما مضى من الزمان وفى كثير من وصف اللَّه تعالى تنبىء عن معنى الأزلية، قال تعالى: وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً- وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً وما استعمل منه فى جنس الشيء متعلقا بوصف له هو موجود فيه فتنبيه على أن ذلك الوصف لازم له، قليل الانفكاك منه نحو قوله فى الإنسان:

وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً- وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً- وَكانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا فذلك تنبيه على أن ذلك الوصف لازم له قليل الانفكاك منه. وقوله فى وصف الشيطان: وَكانَ الشَّيْطانُ لِلْإِنْسانِ خَذُولًا- وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً وإذا استعمل فى الزمان الماضي فقد يجوز أن يكون المستعمل فيه بقي على حالته كما تقدم ذكره آنفا، ويجوز أن يكون قد تغير نحو كان فلان كذا ثم صار كذا. ولا فرق بين أن يكون الزمان المستعمل فيه كان قد تقدم تقدما كثيرا نحو أن تقول: كان فى أول ما أوجد اللَّه تعالى، وبين أن يكون فى زمان قد تقدم بآن واحد عن الوقت الذي استعملت فيه كان نحو أن تقول كان آدم كذا، وبين أن يقال كان زيد هاهنا، ويكون بينك وبين ذلك الزمان أدنى وقت ولهذا صح أن يقال: كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا فأشار بكان أن عيسى وحالته التي شاهده عليها قبيل. وليس قول من قال هذا إشارة إلى الحال بشىء لأن

ص: 501

ذلك إشارة إلى ما تقدم لكن إلى زمان يقرب من زمان قولهم هذا. وقوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ فقد قيل معنى كنتم معنى الحال وليس ذلك بشىء بل إنما ذلك إشارة إلى أنكم كنتم كذلك فى تقدير اللَّه تعالى وحكمه، وقوله: وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فقد قيل معناه حصل ووقع، والكون يستعمله بعض الناس فى استحالة جوهر إلى ما هو دونه وكثير من المتكلمين يستعملونه فى معنى الإبداع. وكينونة عند بعض النحويين فعلولة وأصله كونونة وكرهوا الضمة والواو فقلبوا، وعند سيبويه كيونونة على وزن فيعلولة، ثم أدغم فصار كيّنونة ثم حذف فصار كينونة كقولهم فى ميت ميت وأصل ميت ميوت ولم يقولوا كيّنونة على الأصل كما قالوا ميت لثقل لفظها والمكان قيل أصله من كان يكون فلما كثر فى كلامهم توهمت الميم أصلية فقيل تمكن كما قيل فى المسكين تمسكن، واستكان فلان تضرع وكأنه سكن وترك الدعة لضراعته، قال: فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ.

(كوى) : كويت الدابة بالنار كيّا، قال تعالى: فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وكى علة لفعل الشيء وكيلا لانتفائه، نحو قوله تعالى: كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً.

(كاف) : الكاف للتشبيه والتمثيل، قال تعالى: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ معناه وصفهم كوصفه وقوله: كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ الآية، فإن ذلك ليس بتشبيه وإنما هو تمثيل كما يقول النحويون مثلا فالاسم كقولك زيد أي مثاله قولك زيد والتمثيل أكثر من التشبيه لأن كل تمثيل تشبيه، وليس كل تشبيه تمثيلا.

ص: 502