المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌النون (نبت) : النبت والنبات ما يخرج من الأرض من الناميات - الموسوعة القرآنية - جـ ٨

[إبراهيم الإبياري]

الفصل: ‌ ‌النون (نبت) : النبت والنبات ما يخرج من الأرض من الناميات

‌النون

(نبت) : النبت والنبات ما يخرج من الأرض من الناميات سواء كان له ساق كالشجر أو لم يكن له ساق كالنجم، لكن اختص فى المتعارف بما لا ساق له بل قد اختص عند العامة بما يأكله الحيوان، وعلى هذا قوله: لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً ومتى اعتبرت الحقائق فإنه يستعمل فى كل نام نباتا كان أو حيوانا أو إنسانا، والإنبات يستعمل فى كل ذلك. قال تعالى: فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلًا وَحَدائِقَ غُلْباً، وَفاكِهَةً وَأَبًّا- فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها- يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وقوله: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً فقال النحويون: قوله نباتا موضوع موضع الإنبات وهو مصدر وقال غيرهم قوله نباتا حال لا مصدر، ونبه بذلك أن الإنسان هو من وجه نبات من حيث إن بدأه ونشأه من التراب، وإنه ينمو نموه وإن كان له وصف زائد على إنبات وعلى هذا نبه بقوله: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ وعلى ذلك قوله: وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وقوله: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ الباء للحال لا للتعدية لأن نبت متعد تقديره تنبت حاملة للدهن أي تنبت والدهن موجود فيها بالقوة، ويقال إن بنى فلان لنابتة شر، ونبتت فيهم نابتة أي نشأ فيهم نشء صغار.

(نبذ) : النبذ إلقاء الشيء وطرحه لقلة الاعتداد به ولذلك يقال نبذته نبذ النعل الخلق، قال تعالى: لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ- فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ لقلة اعتدادهم به وقال تعالى: نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ أي طرحوه لقلة اعتدادهم به وقال: فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ- فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ- لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وقوله: فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ فمعناه ألق إليهم السلم، واستعمال النبذ فى ذلك كاستعمال الإلقاء كقوله: فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ- وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ تنبيها أن لا يؤكد العقد معهم بل حقهم أن يطرح ذلك إليهم طرحا مستحثا به على سبيل المجاملة، وأن يراعيهم حسب مراعاتهم له ويعاهدهم على قدر ما عاهدوه، وانتبذ فلان اعتزل اعتزال من لا يقل مبالاته بنفسه فيما بين الناس، قال تعالى: فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا وقعد نبذة ونبذة أي ناحية معتزلة، وصبى منبوذ ونبيذ كقولك ملقوط ولقيط لكن يقال منبوذ اعتبارا

ص: 543

بمن طرحه وملقوط ولقيط اعتبارا بمن تناوله، والنبيذ التمر والزبيب الملقى مع الماء فى الإناء ثم صار اسما للشراب المخصوص.

(نبز) : النبز التلقيب قال تعالى: وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ.

(نبط) : قال تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ أي يستخرجونه منهم وهو استفعال من أنبطت كذا، والنبط الماء المستنبط وفرس أنبط أبيض تحت الإبط، ومنه النبط المعروفون.

(نبع) : النبع خروج الماء من العين، يقال نبع الماء ينبع نبوعا ونبعا، والينبوع العين الذي يخرج منه الماء وجمعه ينابيع، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ والنبع شجر يتخذ منه القسي.

(نبأ) : النبأ خبر ذو فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن، ولا يقال للخبر فى الأصل نبأ حتى يتضمن هذه الأشياء الثلاثة، وحق الخبر الذي يقال فيه نبأ أن يتعرى عن الكذب كالتواتر وخبر اللَّه تعالى وخبر النبي عليه الصلاة والسلام، ولتضمن النبأ معنى الخبر. يقال أنبأته بكذا كقولك أخبرته بكذا، ولتضمنه معنى العلم قيل أنبأته كذا كقولك أعلمته كذا، قال اللَّه تعالى: قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ وقال: عَمَّ يَتَساءَلُونَ عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ- أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وقال: تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ وقال: تِلْكَ الْقُرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبائِها وقال:

ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ وقوله: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا فتنبيه أنه إذا كان الخبر شيئا عظيما له قدر فحقه أن يتوقف فيه وإن علم وغلب صحته على الظن حتى يعاد النظر فيه ويتبين فضل تبين، يقال نبأته وأنبأته، قال تعالى: أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وقال: أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ وقال: نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ- وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ وقال: أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ- قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ وقال: نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ- قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ ونبأته أبلغ من أنبأته، فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا- يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ

ويدل على ذلك قوله: فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ

ص: 544

ولم يقل أنبأنى بل عدل إلى نبأ الذي هو أبلغ تنبيها على تحقيقه وكونه من قبل اللَّه. وكذا قوله: قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ- فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ والنبوة سفارة بين اللَّه وبين ذوى العقول من عباده لإزاحة علتهم فى أمر معادهم ومعاشهم والنبي لكونه منبئا بما تسكن إليه العقول الذكية. وهو يصح أن يكون فعيلا بمعنى فاعل لقوله تعالى: نَبِّئْ عِبادِي- قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ وأن يكون بمعنى المفعول لقوله تعالى: نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ وتنبأ فلان ادعى النبوة، وكان من حق لفظه في وضع اللغة أن يصح استعماله في النبي إذ هو مطاوع نبأ كقوله زينه فتزين، وحلاه فتحلى، وجمله فتجمل، لكن لما تعورف فيمن يدعى النبوة كذبا جنب استعماله فى المحق ولم يستعمل إلا في المتقول فى دعواه كقولك تنبأ مسيلمة، ويقال فى تصغير نبىء: مسيلمة نبيىء سوء، تنبيها أن أخباره ليست من أخبار اللَّه تعالى، كما قال رجل سمع كلامه: واللَّه ما خرج هذا الكلام من ألّ أي اللَّه. والنبأة الصوت الخفي.

(نبى) : النبي بغير همز فقد قال النحويون أصله الهمز فترك همزه، واستدلوا بقولهم: مسيلمة نبيىء سوء، وقال بعض العلماء: هو من النبوة أي الرفعة، وسمى نبيّا لرفعة محله عن سائر الناس المدلول عليه بقوله تعالى:

وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا فالنبى بغير الهمز أبلغ من النبىء بالهمز لأنه ليس كل منبأ رفيع القدر والمحل، ولذلك

قال عليه الصلاة والسلام لمن قال: يا نبىء اللَّه فقال: «لست بنبىء اللَّه ولكن نبى اللَّه»

لما رأى أن الرجل خاطبه بالهمز لبغض منه. والنبوة والنباوة الارتفاع، ومنه قيل نبا بفلان مكانه كقولهم قض عليه مضجعه، ونبا السيف عن الضريبة إذا ارتد عنه ولم يمض فيه، ونبا بصره عن كذا تشبيها بذلك.

(نتق) : نتق الشيء جذبه ونزعه حتى يسترخى كنتق عرى الحمل، قال تعالى: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ ومنه استعير امرأة ناتق إذا كثر ولدها، وقيل زند ناتق: وار، تشبيها بالمرأة الناتق.

(نثر) : نثر الشيء نشره وتفريقه، يقال نثرته فانتثر، قال تعالى:

وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ ويسمى الدرع إذا لبس نثرة، ونثرت الشاة طرحت من أنفها الأذى، والنثرة ما يسيل من الأنف، وقد تسمى الأنف نثرة، ومنه

ص: 545

النثرة لنجم يقال له أن الأسد، وطعنه فأنثره ألقاه على أنفه، والاستنثار جعل الماء فى النثرة.

(نجد) : النجد المكان الغليظ الرفيع، وقوله تعالى: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ فذلك مثل لطريقى الحق والباطل فى الاعتقاد والصدق والكذب فى المقال، والجميل والقبيح فى الفعال، وبين أنه عرفهما كقوله تعالى: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ الآية، والنجد اسم صقع وأنجده قصده، ورجل نجد ونجيد ونجد أي قوى شديد بين النجدة، واستنجدته طلبت نجدته فأنجدنى أي أعاننى بنجدته أي شجاعته وقوته، وربما قيل استنجد فلان أي قوى، وقيل للمكروب والمغلوب منجود كأنه ناله نجدة أي شدة والنجد العرق ونجده الدهر أي قواه وشدده وذلك بما رأى فيه من التجربة، ومنه قيل فلان ابن نجدة كذا، والنجاد ما يرفع به البيت، والنجّاد متخذه، ونجاد السيف ما يرفع به من السير، والناجود الراووق وهو شىء يعلق فيصفى به الشراب.

(نجس) : النجاسة القذارة وذلك ضربان: ضرب يدرك بالحاسة وضرب يدرك بالبصيرة، والثاني وصف اللَّه تعالى به المشركين فقال: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ويقال نجسه أي جعله نجسا، ونجسه أيضا أزال نجسه ومنه تنجيس العرب وهو شىء كانوا يفعلونه من تعليق عوذة على الصبى ليدفعوا عنه نجاسة الشيطان، والناجس والنجيس داء خبيث لا دواء له.

(نجم) : أصل النجم الكوكب الطالع وجمعه نجوم، ونجم طلع نجوما ونجما. فصار النجم مرة اسما ومرة مصدرا، فالنجوم مرة اسما كالقلوب والجيوب، ومرة مصدرا كالطلوع والغروب، ومنه شبه به طلوع النبات والرأى فقيل نجم النبت والقرن، ونجم لى رأى نجما ونجوما، ونجم فلان على السلطان صار عاصيا، ونجمت المال عليه إذا وزعته كأنك فرضت أن يدفع عند طلوع كل نجم نصيبا ثم صار متعارفا فى تقدير دفعه بأى شىء قدرت ذلك. قال تعالى:

وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ وقال: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ أي فى علم النجوم وقوله: وَالنَّجْمِ إِذا هَوى قيل أراد به الكوكب وإنما خص الهوى دون الطلوع فإن لفظة النجم تدل على طلوعه، وقيل أراد بالنجم الثريا والعرب إذا أطلقت لفظ النجم قصدت به الثريا نحو طلع النجم غذيه وابتغى

ص: 546

الراعي شكيه. وقيل أراد بذلك القرآن المنجم المنزل قدرا فقدرا ويعنى بقوله هوى نزوله وعلى هذا قوله: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ فقد فسر على الوجهين، والتنجم الحكم بالنجوم وقوله: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ فالنجم ما لا ساق له من النبات وقيل أراد الكواكب.

(نجو) : أصل النجاء الانفصال من الشيء ومنه نجا فلان من فلان وأنجيته ونجيته، قال تعالى: وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وقال: إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ- وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ- فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ- فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ- فَأَنْجَيْناهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا- وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما- نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ نِعْمَةً- وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا- وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ- ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا- ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنا والنجوة والنجاة المكان المرتفع المفصل بارتفاع عما حوله، وقيل سمى لكونه ناجيا من السيل، ونجيته تركته بنجوة وعلى هذا قوله: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ونجوت قشر الشجرة وجلد الشاة ولاشتراكهما فى ذلك قال الشاعر:

فقلت انجوا عنها نجا الجلد إنه

سير ضيكما منها سنام وغاربه

وناجيته أي ساررته، وأصله أن تخلو به فى نجوة من الأرض وقيل أصله من النجاة وهو أن تعاونه على ما فيه خلاصه أو أن تنجو بسرك من أن يطلع عليك، وتناجى القوم، قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى - إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً والنجوى أصله المصدر، قال تعالى: إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ وقال: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى وقوله: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا تنبيها أنهم لم يظهروا بوجه لأن النجوى ربما تظهر بعد. وقال: ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وقد يوصف بالنجوى فيقال هو نجوى، وهم نجوى قال: وَإِذْ هُمْ نَجْوى والنجى المناجى ويقال للواحد والجمع، قال: وَقَرَّبْناهُ نَجِيًّا وقال: فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا وانتجيت فلانا استخلصته لسرى وأنجى فلان أتى نجوة، وهم فى أرض مستنجى من شجرها العصى والقسي أي يتخذ ويستخلص، والنجا عيدان قد قشرت، قال

ص: 547

بعضهم يقال نجوت فلانا استنكهته واحتج بقول الشاعر:

نجوت مجالدا فوجدت منه

كريح الكلب مات حديث عهد

فإن يكن حمل نجوت على هذا المعنى من أجل هذا البيت فليس فى البيت حجة له، وإنما أراد أنى ساررته فوجدت من بخره ريح الكلب الميت. وكنى عما يخرج من الإنسان بالنجو وقيل شرب دواء فما أنجاه أي ما أقامه، والاستنجاء تحرى إزالة النجو أو طلب نجوة لإلقاء الأذى كقولهم تغوط إذا طلب غائطا من الأرض أو طلب نجوة أي قطعة مدر لإزالة الأذى كقولهم استجمر إذا طلب جمارا أي حجرا، والنجأة بالهمز الإصابة بالعين.

وفى الحديث: «ادفعوا نجأة السائل باللقمة» .

(نحب) : النحب النذر المحكوم بوجوبه، يقال قضى فلان نحبه أي وفى بنذره، قال تعالى: فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ ويعبر بذلك عمن مات كقولهم قضى أجله واستوفى أكله وقضى من الدنيا حاجته، والنحيب البكاء الذي معه صوت والنحاب السعال.

(نحت) : نحت الخشب والحجر ونحوهما من الأجسام الصلبة، قال تعالى: وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ والنحاتة ما يسقط من المنحوت والنحيتة الطبيعية التي نحت عليها الإنسان كما أن الغريزة ما غرز عليها الإنسان.

(نحر) : النحر موضع القلادة من الصدر ونحرته أصبت نحره، ومنه نحر البعير وقيل فى حرف عبد اللَّه (فنحروها وما كادوا يفعلون) وانتحروا على كذا تقاتلوا تشبيها بنحر البعير، ونحرة الشهر ونحيره أوله وقيل آخر يوم من الشهر كأنه ينحر الذي قبله، وقوله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ هو حث على مراعاة هذين الركنين وهما الصلاة ونحر الهدى وأنه لا بد من تعاطيهما فذلك واجب فى كل دين وفى كل ملة، وقيل أمر بوضع اليد على النحر وقيل حث على قتل النفس بقمع الشهوة. والنحرير العالم بالشيء والحاذق به.

(نحس) : قوله تعالى: يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فالنحاس اللهيب بلا دخان وذلك تشبيه فى اللون بالنحاس والنحس ضد السعد،

ص: 548

قال تعالى: فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ- فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ وقرىء نحسات بالفتح قيل مشئومات، وقيل شديدات البرد. وأصل النحس أن يحمر الأفق فيصير كالنحاس أي لهب بلا دخان فصار ذلك مثلا للشؤم.

(نحل) : النحل الحيوان المخصوص، قال تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ والنحلة والنّحلة عطية على سبيل التبرع وهو أخص من الهبة إذ كل هبة نحلة وليس كل نحلة هبة، واشتقاقه فيما أرى أنه من النحل نظرا منه إلى فعله فكأن نحلته أعطيته عطية النحل، وذلك ما نبه عليه قوله: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ الآية وبين الحكماء أن النحل يقع على الأشياء كلها فلا يضرها بوجه وينفع أعظم نفع فإنه يعطى ما فيه الشفاء كما وصفه اللَّه تعالى، وسمى الصداق بها من حيث إنه لا يجب فى مقابلته أكثر من تمتع دون عوض مالى، وكذلك عطية الرجل ابنه يقال نحل ابنه كذا وأنحله ومنه نحلت المرأة، قال تعالى: صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً والانتحال ادعاء الشيء وتناوله ومنه يقال فلان ينتحل الشعر ونحل جسمه نحولا صار فى الدقة كالنحل ومنه النواحل للسيوف أي الرقاق الظبات تصورا لنحولها ويصح أن يجعل النحلة أصلا فيسمى النحل بذلك اعتبارا بفعله واللَّه أعلم.

(نحن) : نحن عبارة عن المتكلم إذا أخبر عن نفسه مع غيره، وما ورد فى القرآن من إخبار اللَّه تعالى عن نفسه بقوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ فقد قيل هو إخبار عن نفسه وحده لكن يخرج ذلك مخرج الإخبار الملوكي. وقال بعض العلماء إن اللَّه تعالى يذكر مثل هذه الألفاظ إذا كان الفعل المذكور بعده يفعله بواسطة بعض ملائكته أو بعض أوليائه فيكون نحن عبارة عنه تعالى وعنهم وذلك كالوحى ونصرة المؤمنين وإهلاك الكافرين ونحو ذلك مما يتولاه الملائكة المذكورون بقوله تعالى: فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً وعلى هذا قوله: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ يعنى وقت المحتضر حين يشهده الرسل المذكورون فى قوله:

تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ وقوله: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ لما كان بواسطة القلم واللوح وجبريل.

(نخر) : قال تعالى: أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً من قولهم نخرت الشجرة أي بليت فهبت بها نخرة الريح أي هبوبها والنخير صوت من الأنف ويسمى

ص: 549

حرفا الأنف اللذان يخرج منهما النخير نخرتاه ومنخراه، والنخور الناقة التي لا تدر أو يدخل الإصبع فى منخرها، والناخر من يخرج منه النخير ومنه ما بالدار ناخر.

(نخل) : النخل معروف، وقد يستعمل فى الواحد والجمع، قال تعالى: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ وقال: كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ- وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ- وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ وجمعه نخيل، قال:

وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ والنخل نخل الدقيق بالمنخل وانتخلت الشيء انتقيته فأخذت خياره.

(ندد) : نديد الشيء مشاركه فى جوهره وذلك ضرب من المماثلة فإن المثل يقال فى أي مشاركة كانت، فكل ند مثل وليس كل مثل ندا، ويقال نده ونديده ونديدته، قال: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً- وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً- وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً وقرىء: يَوْمَ التَّنادِ أي يند بعضهم من بعض نحو: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ.

(ندم) : الندم والندامة التحسر من تغير رأى فى أمر فائت، قال تعالى:

فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ وقال: عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ وأصله من منادمة الحزن له. والنديم والندمان والمنادم يتقارب. قال بعضهم: المندامة والمداومة يتقاربان. وقال بعضهم: الشريبان سميا نديمين لما يتعقب أحوالهما من الندامة على فعليهما.

(ندا) : النداء رفع الصوت وظهوره، وقد يقال ذلك للصوت المجرد وإياه قصد بقوله تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً أي لا يعرف إلا الصوت المجرد دون المعنى الذي يقتضيه تركيب الكلام. ويقال للمركب الذي يفهم منه المعنى ذلك، قال تعالى: وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى وقوله: وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ أي دعوتم وكذلك: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ونداء الصلاة مخصوص فى الشرع بالألفاظ المعروفة وقوله: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ فاستعمال النداء فيهم تنبيها على بعدهم عن الحق فى قوله: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ- وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وقال: فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ وقوله: إِذْ

ص: 550

نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا فإنه أشار بالنداء إلى اللَّه تعالى لأنه تصور نفسه بعيدا منه بذنوبه وأحواله السيئة كما يكون حال من يخاف عذابه، وقوله: رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ فالإشارة بالمنادى إلى العقل والكتاب المنزل والرسول المرسل وسائر الآيات الدالة على وجوب الإيمان باللَّه تعالى. وجعله مناديا إلى الإيمان لظهوره ظهور النداء وحثه على ذلك كحث المنادى. وأصل النداء من الندى أي الرطوبة، يقال صوت ندى رفيع، واستعارة النداء للصوت من حيث أن من يكثر رطوبة فمه حسن كلامه ولهذا يوصف الفصيح بكثرة الريق، ويقال ندى وأنداء وأندية، ويسمى الشجر ندى لكونه منه وذلك لتسمية المسبب باسم سببه وقول الشاعر:

كالكرم إذ نادى من الكافور

أي ظهر ظهور صوت المنادى وعبر عن المجالسة بالنداء حتى قيل للمجلس النادي والمنتدى والندى وقيل ذلك للجليس، قال فَلْيَدْعُ نادِيَهُ ومنه سميت دار الندوة بمكة وهو المكان الذي كانوا يجتمعون فيه. ويعبر عن السخاء بالندى فيقال فلان أندى كفا من فلان وهو يتندى على أصحابه أي يتسخى، وما نديت بشىء من فلان أي ما نلت منه ندى، ومنديات الكلم المخزيات التي تعرف.

(نذر) : النذر أن توجب على نفسك ما ليس بواجب لحدوث أمر، يقال نذرت للَّه أمرا، قال تعالى: إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً وقال وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ والإنذار إخبار فيه تخويف كما أن التبشير إخبار فيه سرور، قال: فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى- أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ- وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ- وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ- لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ- لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ والنذير المنذر ويقع على كل شىء فيه إنذار إنسانا كان أو غيره إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ- إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ- وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ- وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ- نَذِيراً لِلْبَشَرِ والنذر جمعه، قال: هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى أي من جنس ما أنذر به الذين تقدموا قال: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ- وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ- فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ وقد نذرت أي علمت ذلك وحذرت.

ص: 551

(نزع) : نزع الشيء جذبه من مقره كنزع القوس عن كبده ويستعمل ذلك فى الأعراض، ومنه نزع العداوة والمحبة من القلب، قال تعالى: وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ وانتزعت آية من القرآن فى كذا ونزع فلان كذا أي سلب قال: تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وقوله: وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً قيل هى الملائكة التي تنزع الأرواح عن الأشباح، وقوله: إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ وقوله: تَنْزِعُ النَّاسَ قيل تقلع الناس من مقرهم لشدة هبوبها. وقيل تنزع أرواحهم من أبدانهم، والتنازع والمنازعة المجاذبة ويعبر بهما عن المخاصمة والمجادلة، قال: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ- فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ والنزع عن الشيء الكف عنه والنزوع الاشتياق الشديد، وذلك هو المعبر عنه بإمحال النفس مع الحبيب، ونازعتنى نفسى إلى كذا وأنزع القوم نزعت إبلهم إلى مواطنهم أي حنت، ورجل أنزع زال عنه شعر رأسه كأنه نزع عنه ففارق، والنزعة الموضع من رأس الأنزع ويقال امرأة زعراء ولا يقال نزعاء، وبئر نزوع قريبة القعر ينزع منها باليد، وشراب طيب المنزعة أي المقطع إذا شرب كما قال: خِتامُهُ مِسْكٌ.

(نزغ) : النزغ دخول فى أمر لإفساده، قال: مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي.

(نزف) : نزف الماء نزحه كله من البئر شيئا بعد شىء، وبئر نزوف نزف ماؤه، والنزفة الغرفة والجمع النزف، ونزف دمه أو دمعه أي نزع كله ومنه قيل سكران نزيف نزف فهمه بسكره، قال تعالى: لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ وقرىء: يُنْزَفُونَ من قولهم أنزفوا إذا نزف شرابهم أو نزعت عقولهم وأصله من قولهم أنزفوا أي نزف ماء بئرهم، وأنزفت الشيء أبلغ من نزفته، ونزف الرجل فى الخصومة انقطعت حجته وفى مثل: هو أجبن من المنزوف ضرطا.

(نزل) : النزول فى الأصل هو انحطاط من علو، يقال نزل عن دابته ونزل فى مكان كذا حط رحله فيه، وأنزله غيره، قال: أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ ونزل بكذا وأنزله بمعنى، وإنزال اللَّه تعالى نعمه ونقمه على الخلق وإعطاؤهم إياها وذلك إما بإنزال الشيء نفسه كإنزال القرآن وإما بإنزال

ص: 552

أسبابه والهداية إليه كإنزال الحديد واللباس، ونحو ذلك، قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ- اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ- وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ- وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ- وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ- وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً- وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً- أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ- أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ- أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ومن إنزال العذاب قوله: إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلى أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ والفرق بين الإنزال والتنزيل فى وصف القرآن والملائكة أن التنزيل يختص بالموضع الذي يشير إليه إنزاله مفرقا ومرة بعد أخرى، والإنزال عام، فمما ذكر فيه التنزيل قوله: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ وقرىء نزل وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ- لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ- وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ- ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ- وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها- لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ- فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ- فإنما ذكر فى الأول نزل وفى الثاني أنزل تنبيها أن المنافقين يقترحون أن ينزل شىء فشىء من الحث على القتال ليتولوه وإذا أمروا بذلك مرة واحدة تحاشوا منه فلم يفعلوه فهم يقترحون الكثير ولا يفون منه بالقليل. وقوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ- شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ- إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وإنما خص لفظ الإنزال دون التنزيل، لما روى أن القرآن نزل دفعة واحدة إلى سماء الدنيا، ثم نزل نجما فنجما. وقوله: الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ فخص لفظ الإنزال ليكون أعم، فقد تقدم أن الإنزال أعم من التنزيل، قال: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ ولم يقل لو نزلنا تنبيها أنا لو خولناه مرة ما خولناك مرارا لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً. وقوله: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ فقد قيل أراد بإنزال الذكر هاهنا بعثة النبي عليه الصلاة والسلام وسماه ذكرا كما سمى عيسى عليه السلام كلمة، فعلى هذا يكون قوله رسولا بدلا من قوله ذكرا، وقيل بلى أراد إنزال ذكره فيكون رسولا مفعولا لقوله ذكرا أي ذكرا رسولا وأما التنزل فهو كالنزول به، يقال نزل الملك بكذا وتنزل ولا يقال نزل اللَّه بكذا ولا تنزل، قال: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ وقال: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ- وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ- يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ولا يقال فى المفترى والكذب وما كان من الشيطان إلا التنزل وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ

ص: 553

الشَّياطِينُ

- عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ تَنَزَّلُ الآية. والنزل ما يعد للنازل من الزاد، قال: فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلًا وقال: نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وقال فى صفة أهل النار: لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ إلى قوله: هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ- فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وأنزلت فلانا أضفته. ويعبر بالنازلة عن الشدة وجمعها نوازل، والنزال فى الحرب المنازلة، ونزل فلان إذا أتى منى، قال الشاعر:

أنازلة أسماء أم غير نازلة

والنزالة والنزل يكنى بهما عن ماء الرجل إذا خرج عنه، وطعام نزل وذو نزول له ريع وحظ، ونزل مجتمع تشبيها بالطعام النزل.

(نسب) : النسب والنسبة اشتراك من جهة أحد الأبوين وذلك ضربان: نسب بالطول كالاشتراك من الآباء والأبناء، ونسب بالعرض كالنسبة بين بنى الإخوة وبنى الأعمام قال: فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وقيل: فلان نسيب فلان: أي قريبه، وتستعمل النسبة فى مقدارين متجانسين بعض التجانس يختص كل واحد منهما بالآخر، ومنه النسيب وهو الانتساب فى الشعر إلى المرأة بذكر العشق، يقال نسب الشاعر بالمرأة نسبا ونسيبا.

(نسخ) : النسخ إزالة شىء بشىء يتعقبه كنسخ الشمس الظل، والظل الشمس، والشيب الشباب. فتارة يفهم منه الإزالة وتارة يفهم منه الإثبات، وتارة يفهم منه الأمران. ونسخ الكتاب إزالة الحكم بحكم يتعقبه، قال تعالى:

ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها قيل معناه ما نزيل العمل بها أو نحذفها عن قلوب العباد، وقيل معناه ما نوجده وننزله من قوله نسخت الكتاب، وما ننسؤه أي نؤخره فلم ننزله، فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ونسخ الكتاب نقل صورته المجردة إلى كتاب آخر، وذلك لا يقتضى إزالة الصورة الأولى بل يقتضى إثبات مثلها فى مادة أخرى كاتخاذ نقش الخاتم فى شموع كثيرة، والاستنساخ التقدم بنسخ الشيء والترشح للنسخ وقد يعبر بالنسخ عن الاستنساخ، قال: إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ والمناسخة فى الميراث هو أن يموت ورثة بعد ورثة والميراث قائم لم يقسم، وتناسخ الأزمنة والقرون مضى قوم بعد قوم يخلفهم. والقائلون بالتناسخ قوم ينكرون البعث على ما أثبتته الشريعة، ويزعمون أن الأرواح تنتقل إلى الأجسام على التأبيد.

ص: 554

(نسر) : اسم صنم فى قوله: وَنَسْراً والنسر طائر ومصدر نسر الطائر الشيء بمنسره أي نقره، ونسر الحافر لحمة ناتئة تشبيها به، والنسران نجمان طائر وواقع، ونسرت كذا تناولته قليلا قليلا، تناول الطائر الشيء بمنسره.

(نسف) : نسفت الريح الشيء اقتلعته وأزالته، يقال نسفته وانتسفته، قال يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً ونسف البعير الأرض بمقدم رجله إذا رمى بترابه، يقال ناقة نسوف، قال تعالى: ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً أي نطرحه فيه طرح النسافة وهى ما تثور من غبار الأرض. وتسمى الرغوة نسافة تشبيها بذلك، وإناء نسفان امتلأ فعلاه نسافة، وانتسف لونه أي تغير عما كان عليه نساقه كما يقال اغبر وجهه والنسفة حجارة ينسف بها الوسخ عن القدم، وكلام نسيف أي متغير ضئيل.

(نسك) : النسك العبادة والناسك العابد واختص بأعمال الحج، والمناسك مواقف النسك وأعمالها، والنسيكة مختصة بالذبيحة، قال: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ- فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ- مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ.

(نسل) : النسل الانفصال عن الشيء، يقال نسل الوبر عن البعير والقميص عن الإنسان، قال الشاعر:

فسلى ثيابى عن ثيابك تنسلى

والنسالة ما سقط من الشعر وما يتحات من الريش، وقد أنسلت الإبل حان أن ينسل وبرها، ومنه نسل إذا عدا ينسل نسلانا إذا أسرع، قال: وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ والنسل الولد لكونه ناسلا عن أبيه، قال: وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وتناسلوا توالدوا، ويقال أيضا إذا طلبت فضل إنسان فخذ ما نسل لك منه عفوا.

(نسى) : النسيان ترك الإنسان ضبط ما استودع إما لضعف قلبه، وإما عن غفلة وإما عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره، يقال نسيته نسيانا، قال وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً- فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ- فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ- لا تُؤاخِذْنِي بِما نَسِيتُ- فَنَسُوا حَظًّا

ص: 555

مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ

- ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ- سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إخبار وضمان من اللَّه تعالى أنه يجعله بحيث لا ينسى ما يسمعه من الحق، وكل نسيان من الإنسان ذمه اللَّه تعالى به فهو ما كان أصله عن تعمد وما عذر فيه نحو ما

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم «رفع عن أمتى الخطأ والنسيان»

فهو ما لم يكن سببه منه، وقوله: فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ هو ما كان سببه عن تعمد منهم وتركه على طريق الإهانة، وإذا نسب ذلك إلى اللَّه فهو تركه إياهم استهانة بهم ومجازاة لما تركوه، قال: فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا- نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ وقوله: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ فتنبيه أن الإنسان بمعرفته بنفسه يعرف اللَّه، فنسيانه للَّه هو من نسيانه نفسه، وقوله تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ قال ابن عباس: إذا قلت شيئا ولم تقل إن شاء اللَّه فقله إذا تذكرته، وبهذا أجاز الاستثناء بعد مدة، قال عكرمة: معنى نسيت ارتكبت ذنبا، ومعناه اذكر اللَّه إذا أردت وقصدت ارتكاب ذنب يكن ذلك دافعا لك، فالنسى أصله ما ينسى كالنقض لما ينقض وصار فى المتعارف اسما لما يقل الاعتداد به، ومن هذا تقول العرب احفظوا أنساءكم أي ما من شأنه أن ينسى قال الشاعر.

كأن لها فى الأرض نسيا تقصه

وقوله تعالى: نَسْياً مَنْسِيًّا أي جاريا مجرى النسى القليل الاعتداد به وإن لم ينس ولهذا عقبه بقوله منسيا لأن النسى قد يقال لما يقل الاعتداد به وإن لم ينس، وقرىء نسيا وهو مصدر موضوع موضع المفعول نحو عصى عصيا وعصيانا. وقوله: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها فإنساؤها حذف ذكرها عن القلوب بقوة إلهية. والنساء والنسوان والنسوة جمع المرأة من غير لفظها كالقوم فى جمع المرء، قال تعالى: لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ إلى قوله: وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ- نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ- يا نِساءَ النَّبِيِّ- وَقالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ- ما بالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ والنسا عرق وتثنيته نسيان وجمعه أنساء.

(نسأ) : النسء تأخير فى الوقت، ومنه نسئت المرأة إذا تأخر وقت حيضها فرجى حملها وهى نسوء، يقال نسأ اللَّه فى أجلك ونسأ اللَّه أجلك والنسيئة بيع الشيء بالتأخير ومنها النسيء الذي كانت العرب تفعله وهو تأخير

ص: 556

بعض الأشهر الحرم إلى شهر آخر، قال: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ وقرىء: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها أي نؤخرها إما بإنسائها وإما بإبطال حكمها. والمنسأ عصا ينسأ به الشيء أي يؤخر، قال: تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ ونسأت الإبل فى ظمئها يوما أو يومين أي أخرت، قال الشاعر:

وعنس كألواح الإران نسأتها

إذا قيل للمشبوبتين هما هما

والنسوء الحليب إذا أخر تناوله فحمض فمد بماء.

(نشر) : النشر، نشر الثوب والصحيفة والسحاب والنعمة والحديث بسطها، قال: وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ وقال: وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ- وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وقوله: وَالنَّاشِراتِ نَشْراً أي الملائكة التي تنشر الرياح أو الرياح التي تنشر السحاب، ويقال فى جمع الناشر نشر وقرىء نَشْراً فيكون كقوله والناشرات ومنه سمعت نشرا حسنا أي حديثا ينشر من مدح وغيره، ونشر الميت نشورا، قال: وَإِلَيْهِ النُّشُورُ- بَلْ كانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً- وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَياةً وَلا نُشُوراً، وأنشر اللَّه الميت فنشر، قال: ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ- فَأَنْشَرْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وقيل نشر اللَّه الميت وأنشره بمعنى، والحقيقة أن نشر اللَّه الميت مستعار من نشر الثوب، قال الشاعر:

طوتك خطوب دهرك بعد نشر

كذاك خطوبه طيا ونشرا

وقوله: وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً أي جعل فيه الانتشار وابتغاء الرزق كما قال: وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ الآية، وانتشار الناس تصرفهم فى الحاجات، قال: ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ- فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا- فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وقيل نشروا فى معنى انتشروا وقرىء:

(وإذا قيل انشروا فانشروا) أي تفرقوا. والانتشار انتفاخ عصب الدابة، والنواشر عروق باطن الذراع وذلك لانتشارها، والنشر الغيم المنتشر وهو للمنشور كالنقض للمنقوض ومنه قيل اكتسى البازي ريشا نشرا أي منتشرا واسعا طويلا، والنشر الكلأ اليابس، إذا أصابه مطر فينشر أي يحيا فيخرج منه شىء كهيئة الحلمة وذلك داء للغنم، يقال منه نشرت الأرض فهى ناشرة ونشرت

ص: 557

الخشب بالمنشار نشرا اعتبارا بما ينشر منه عند النحت، والنشرة رقية يعالج المريض بها.

(نشز) : النشز المرتفع من الأرض، ونشز فلان إذا قصد نشزا ومنه نشز فلان عن مقره نبا وكل ناب ناشز، قال: وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا ويعبر عن الإحياء بالنشز والإنشاز ارتفاعا بعد اتضاع، قال: وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها، وقرىء بضم النون وفتحها وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ ونشوز المرأة بغضها لزوجها ورفع نفسها عن طاعته وعينها عنه إلى غيره وبهذا النظر قال الشاعر:

إذا جلست عند الإمام كأنها

ترى رفقة من ساعة تستحيلها

وعرق ناشز أي ناتىء.

(نشط) : قال تعالى: وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً قبل أراد بها النجوم الخارجات من الشرق إلى الغرب بسير الفلك، أو السائرات من المغرب إلى المشرق بسير أنفسها من قولهم ثور ناشط خارج من أرض إلى أرض، وقيل الملائكة التي تنشط أرواح الناس أي تنزع، وقيل الملائكة التي تعقد الأمور من قولهم نشطت العقدة، وتخصيص النشط وهو العقد الذي يسهل حله تنبيها على سهولة الأمر عليهم، وبئر أنشاط قريبة القعر يخرج دلوها بجذبة واحدة، والنشيطة ما ينشط الرئيس لأخذه قبل القسمة وقيل النشيطة من الإبل أن يجدها الجيش فتساق من غير أن يحدى لها، ويقال نشطته الحية: نهشته.

(نشأ) : النشىء والنشأة إحداث الشيء وتربيته، قال: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى يقال: نشأ فلان والناشئ يراد به الشاب، وقوله: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً يريد القيام والانتصاب للصلاة، ومنه نشأ السحاب لحدوثه فى الهواء وتربيته شيئا فشيئا، قال: وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ والإنشاء إيجاد الشيء وتربيته وأكثر ما يقال ذلك فى الحيوان، قال: هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ. وقال: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ.

وقال: ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ وقال: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ- وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ

- يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ فهذه كلها فى الإيجاد

ص: 558

المختص باللَّه، وقوله: أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ فلتشبيه إيجاد النار المستخرجة بإيجاد الإنسان، وقوله: أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ أي يربى تربية كتربية النساء، وقرىء: ينشأ، أي يتربى.

(نصب) : نصب الشيء وضعه وضعا ناتئا كنصب الرمح والبناء والحجر، والنصيب الحجارة تنصب على الشيء، وجمعه نصائب ونصب وكان للعرب حجارة تعبدها وتذبح عليها، قال: كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ قال: وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وقد يقال فى جمعه أنصاب، قال:

وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ والنصب والنّصب التعب، وقرىء: بِنُصْبٍ وَعَذابٍ ونصب وذلك مثل: بخل وبخل، قال: لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وأنصبنى كذا أي أتعبنى وأزعجنى، قال الشاعر:

تأوبنى هم مع الليل منصب

وهم ناصب قيل هو مثل عيشة راضية، والنصب التعب، قال: لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً وقد نصب فهو نصب وناصب، قال تعالى:

عامِلَةٌ ناصِبَةٌ والنصيب الحظ المنصوب أي المعين، قال: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ- أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ- فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ ويقال ناصبه الحرب والعداوة ونصب له وإن لم يذكر الحرب جاز، وتيس أنصب، وشاة أو عنزة نصباء منتصب القرن، وناقة نصباء منتصبة الصدر، ونصاب السكين ونصبه، ومنه نصاب الشيء أصله، ورجع فلان إلى منصبه أي أصله، وتنصب الغبار ارتفع، ونصب الستر رفعه، والنصب فى الإعراب معروف، وفى الغناء ضرب منه.

(نصح) : النصح تحرى فعل أو قول فيه صلاح صاحبه، قال: لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ وقال:

وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ- وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ وهو من قولهم نصحت له الود أي أخلصته، وناصح العسل خالصه أو من قولهم نصحت الجلد خطته، والناصح الخياط والنصاح الخيط، وقوله:

تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً فمن أحد هذين: إما الإخلاص، وإما الإحكام، ويقال نصوح ونصاح نحو ذهوب وذهاب، قال:

ص: 559

أحببت حبا خالطته نصاحة

(نصر) : النصر والنصرة العون، قال: نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ- إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ- وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ- إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ- وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ- كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ

- إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا- وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ- وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً- ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ- فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ إلى غير ذلك من الآيات، ونصرة اللَّه للعبد ظاهرة، ونصرة العبد للَّه هو نصرته لعباده والقيام بحفظ حدوده ورعاية عهوده واعتناق أحكامه واجتناب نهيه، قال: وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ- إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ- كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ والانتصار والاستنصار طلب النصرة وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ- وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ- وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ- فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ وإنما قال فانتصر ولم يقل انصر تنبيها أن ما يلحقنى يلحقك من حيث إنى جئتهم بأمرك، فإذا نصرتنى فقد انتصرت لنفسك، والتناصر التعاون، قال: ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ والنصارى قيل سموا بذلك لقوله: كُونُوا أَنْصارَ اللَّهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ وقيل سموا بذلك انتسابا إلى قرية يقال لها نصران، فيقال نصرانى وجمعه نصارى، قال: وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى الآية، ونصر أرض بنى فلان أي مطر، وذلك أن المطر هو نصرة الأرض، ونصرت فلانا أعطيته إما مستعار من نصر الأرض أو من العون.

(نصف) : نصف الشيء شطره، قال: وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ- وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ- فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وإناء نصفان بلغ ما فيه نصفه، ونصف النهار وانتصف بلغ نصفه، ونصف الإزار ساقه، والنصيف مكيال كأنه نصف المكيال الأكبر، ومقنعة النساء كأنها نصف من المقنعة الكبيرة، قال الشاعر:

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه

فتناولته واتقتنا باليد

وبلغنا منصف الطريق. والنصف المرأة التي بين الصغيرة والكبيرة،

ص: 560

والمنصف من الشراب ما طبخ فذهب منه نصفه، والإنصاف فى المعاملة العدالة وذلك أن لا يأخذ من صاحبه من المنافع إلا مثل ما يعطيه، ولا ينيله من المضار إلا مثل ما يناله منه، واستعمل النصفة فى الخدمة فقيل للخادم ناصف وجمعه نصف وهو أن يعطى صاحبه ما عليه بإزاء ما يأخذ من النفع. والانتصاف، والاستنصاف: طلب النصفة.

(نصا) : الناصية قصاص الشعر ونصوت فلانا وانتصيته وناصيته أخذت بناصيته، وقوله: ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها أي متمكن منها، قال تعالى: لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ وحديث عائشة رضى اللَّه عنها: «ما لكم تنصون ميتكم» أي تمدون ناصيته. وفلان ناصية قومه كقولهم رأسهم وعينهم، وانتصى الشعر طال، والنصى مرعى من أفضل المراعى. وفلان نصية قوم أي خيارهم تشبيها بذلك المرعى.

(نضج) : يقال نضج اللحم نضجا ونضجا إذا أدرك شيه، قال تعالى:

كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها ومنه قيل ناقة منضجة إذا جاوزت بحملها وقت ولادتها، وقد نضجت وفلان نضيج الرأى محكمه.

(نضد) : يقال نضدت المتاع بعضه على بعض ألقيته فهو منضود ونضيد، والنضد السرير الذي ينضد عليه المتاع ومنه استعير طَلْعٌ نَضِيدٌ وقال:

وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ وبه شبه السحاب المتراكم فقيل له النضد وأنضاد القوم جماعاتهم، ونضد الرجل من يتقوى به من أعمامه وأخواله.

(نضر) : النضرة الحسن كالنضارة، قال: نَضْرَةَ النَّعِيمِ أي رونقه، قال: وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً ونضر وجهه ينضر فهو ناضر، وقيل نضر ينضر قال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ونضر اللَّه وجهه، وأخضر ناضر:

غصن حسن. والنضر والنضير الذهب لنضارته، وقدح نضار خالص كالتبر، وقدح نضار بالإضافة متخذ من الشجر.

(نطح) : النطيحة ما نطح من الأغنام فمات، قال: وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ والنطيح والناطح الظبى والطائر الذي يستقبلك بوجهه كأنه ينطحك

ص: 561

ويتشاؤم به، ورجل نطيح مشئوم ومنه نواطح الدهر أي شدائده، وفرس نطيح يأخذ فودى رأسه بياض.

(نطف) : النطفة الماء الصافي ويعبر بها عن ماء الرجل، قال: ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ وقال: مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ- أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ويكنى عن اللؤلؤة بالنطفة ومنه صبى منطف إذا كان فى أذنه لؤلؤة، والنطف الدلو الواحدة نطفة، وليلة نطوف يجىء فيها المطر حتى الصباح، والناطف السائل من المائعات ومنه الناطف المعروف، وفلان منطف المعروف وفلان ينطف بسوء كذلك كقولك يندى به.

(نطق) : النطق فى المتعارف الأصوات المقطعة التي يظهرها اللسان وتعيها الآذان قال: ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ ولا يكاد يقال إلا للإنسان ولا يقال لغيره إلا على سبيل التبع نحو الناطق والصامت فيراد بالناطق ماله صوت وبالصامت ما ليس له صوت، ولا يقال للحيوانات ناطق إلا مقيدا وعلى طريق التشبيه كقول الشاعر:

عجبت لها أنى يكون غناؤها

فصيحا ولم تفغر لمنطقها فما

والمنطقيون يسمون القوة التي منها النطق نطقا وإياها عنوا حيث حدوا الإنسان فقالوا هو الحي الناطق المائت، فالنطق لفظ مشترك عندهم بين القوة الإنسانية التي يكون بها الكلام وبين الكلام المبرز بالصوت، وقد يقال الناطق لما يدل على شىء وعلى هذا قيل لحكيم: ما الناطق الصامت؟ فقال: الدلائل المخبرة والعبر الواعظة. وقوله: لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ إشارة إلى أنهم ليسوا من جنس الناطقين ذوى العقول، وقوله: قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ فقد قيل أراد الاعتبار فمعلوم أن الأشياء كلها ليست تنطق إلا من حيث العبرة وقوله: عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ فإنه سمى أصوات الطير نطقا اعتبارا بسليمان الذي كان يفهمه، فمن فهم من شىء معنى فذلك الشيء بالإضافة إليه ناطق وإن كان صامتا، وبالإضافة إلى من لا يفهم عنه صامت وإن كان ناطقا.

وقوله: هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ فإن الكتاب ناطق لكن نطقه تدركه العين كما أن الكلام كتاب لكن يدركه السمع. وقوله: وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ

ص: 562

شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ

فقد قيل إن ذلك يكون بالصوت المسموع وقيل يكون بالاعتبار واللَّه أعلم بما يكون فى النشأة الآخرة.

وقيل حقيقة النطق اللفظ الذي هو كالنطاق للمعنى فى ضمه وحصره والمنطق والمنطقة ما يشد به الوسط وقول الشاعر:

وأبرح ما أدام اللَّه قومى

بحمد اللَّه منتطقا مجيدا

فقد قيل منتقطا جانبا أي قائدا فرسا لم يركبه، فإن لم يكن فى هذا المعنى غير هذا البيت فإنه يحتمل أن يكون أراد بالمنتطق الذي شد النطاق كقوله من يطل ذيل أبيه ينتطق به، وقيل معنى المنتطق المجيد هو الذي يقول قولا فيجيد فيه.

(نظر) : النظر تقليب البصر والبصيرة لإدراك الشيء ورؤيته، وقد يراد به التأمل والفحص، وقد يراد به المعرفة الحاصلة بعد الفحص وهو الروية، يقال نظرت فلم تنظر أي لم تتأمل ولم تترو، وقوله: قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ أي تأملوا. واستعمال النظر فى البصر أكثر عند العامة، وفى البصيرة أكثر عند الخاصة، قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ويقال نظرت إلى كذا إذا مددت طرفك إليه رأيته أو لم تره، ونظرت فيه إذا رأيته وتدبرته، قال: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ نظرت فى كذا تأملته، قال: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ وقوله تعالى: أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فذلك حث على تأمل حكمته فى خلقها. ونظر اللَّه تعالى إلى عباده: هو إحسانه إليهم وإفاضة نعمه عليهم، قال تعالى: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وعلى ذلك قوله:

كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ والنظر الانتظار، يقال نظرته وانتظرته وأنظرته أي أخرته، قال تعالى: وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ وقال: فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ- قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ وقال: انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ- وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ- قالَ أَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ- قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ وقال: فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ وقال: لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ وقال:

فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ فنفى الإنظار عنهم إشارة إلى ما نبه عليه بقوله: فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً

ص: 563

وَلا يَسْتَقْدِمُونَ

وقال: إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ أي منتظرين وقال:

فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ- هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وقال: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ وقال: ما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً وأما قوله: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ فشرحه وبحث حقائقه يختص بغير هذا الكتاب. ويستعمل النظر فى التحير فى الأمور نحو قوله: فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ وقال:

وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ وقال: وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ- وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ فكل ذلك نظر عن تحير دال على قلة الغناء. وقوله: وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ قيل مشاهدون، وقيل تعتبرون، وقول الشاعر:

نظر الدهر إليهم فابتهل

فتنبيه أنه خانهم فأهلكهم، وحي نظر أي متجاورون يرى بعضهم بعضا

كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يتراءى ناراهما»

والنظير المثيل وأصله المناظر وكأنه ينظر كل واحد منهما إلى صاحبه فيباريه وبه نظرة، إشارة إلى قول الشاعر:

وقالوا به من أعين الجن نظرة

والمناظرة المباحثة والمباراة فى النظر واستحضار كل ما يراه ببصيرته، والنظر البحث وهو أعم من القياس لأن كل قياس نظر وليس كل نظر قياسا.

(نعج) : النعجة الأنثى من الضأن والبقر الوحش والشاة الجبلي وجمعها نعاج، قال تعالى: إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ ونعج الرجل إذا أكل لحم ضان فأتخم منه، وأنعج الرجل سمنت نعاجه، والنعج الابيضاض، وأرض ناعجة سهلة.

(نعس) : النعاس النوم القليل، قال تعالى: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً- نُعاساً وقيل النعاس هاهنا عبارة عن السكون والهدوء وإشارة إلى

قول النبي صلى الله عليه وسلم: «طوبى لكل عبد نومة» .

(نعق) : نعق الراعي بصوته، قال تعالى: كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً.

ص: 564

(نعل) : النعل معروفة، قال تعالى: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ وبه شبه نعل الفرس ونعل السيف وفرس منعل فى أسفل رسغه بياض على شعره، ورجل ناعل ومنعل ويعبر به عن الغنى كما يعبر بالحافى عن الفقير.

(نعم) : النعمة الحالة الحسنة وبناء النعمة بناء الحالة التي يكون عليها الإنسان كالجلسة والركبة، والنعمة التنعم وبناؤها بناء المرة من الفعل كالضربة والشتمة، والنعمة للجنس تقال للقليل والكثير، قال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها- اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ- وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي- فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ إلى غير ذلك من الآيات. والإنعام إيصال الإحسان إلى الغير، ولا يقال إلا إذا كان الموصل إليه من جنس الناطقين فإنه لا يقال أنعم فلان على فرسه. قال تعالى: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ- وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ والنعماء بإزاء الضراء، قال: وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ والنعمى نقيض البؤسى، قال: إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ والنعيم النعمة الكثيرة، قال: فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ وقال: جَنَّاتِ النَّعِيمِ وتنعم تناول ما فيه النعمة وطيب العيش، يقال نعمه تنعيما فتنعم أي جعله فى نعمة أي لين عيش وخصب، قال: فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ وطعام ناعم وجارية ناعمة. والنعم مختص بالإبل، وجمعه أنعام وتسميته بذلك لكون الإبل عندهم أعظم نعمة، لكن الأنعام تقال للإبل والبقر والغنم، ولا يقال لها أنعام حتى يكون فى جملتها الإبل قال: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ- وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً، وقوله: فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ فالأنعام هاهنا عام فى الإبل وغيرها. والنعامى الريح الجنوب الناعمة الهبوب، والنعامة سميت تشبيها بالنعم فى الخلقة، والنعامة المظلة فى الجبل، وعلى رأس البئر تشبيها بالنعامة فى الهيئة من البعد، والنعائم من منازل القمر تشبيها بالنعامة وقول الشاعر:

وابن النعامة عند ذلك مركبى

فقد قيل أراد رجله وجعلها ابن النعامة تشبيها بها فى السرعة، وقيل النعامة باطن القدم، وما أرى قال ذلك من قال إلا من قولهم ابن النعامة. وقولهم تنعم فلان إذا مشى مشيا خفيفا فمن النعمة. ونعم كلمة تستعمل فى المدح بإزاء بئس فى الذم،

ص: 565

قال تعالى: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ- فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ- نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ- وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ- إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وتقول إن فعلت كذا فيها ونعمت أي نعمت الخصلة هي، وغسلته غسلا نعما، يقال فعل كذا وأنعم أي زاد وأصله من الإنعام، ونعم اللَّه بك عينا. ونعم كلمة للإيجاب من لفظ النعمة، تقول نعم ونعمة عين ونعمى عين ونعام عين، ويصح أن يكون من لفظ أنعم منه، أي ألين وأسهل.

(نغض) : الإنغاض تحريك الرأس نحو الغير كالمتعجب منه، قال تعالى:

فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ يقال نغض نغضانا إذا حرك رأسه ونغض أسنانه فى ارتجاف، والنغض الظليم الذي ينغض رأسه كثيرا، والنغض غضروف الكتف.

(نفث) : النفث قذف الريق القليل وهو أقل من التفل، ونفث الراقي والساحر أن ينفث فى عقده، قال تعالى: وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ ومنه الحية تنفث السم، وقيل لو سألته نفاثة سواك ما أعطاك أي ما بقي فى أسنانك فنفثت به، ودم نفيث نفثه الجرح، وفى المثل: لا بد للمصدور أن ينفث.

(نفح) : نفح الريح ينفح نفحا وله نفحة طيبة أي هبوب من الخير وقد يستعار ذلك للشر، قال تعالى: وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ ونفحت الدابة رمت بحافرها، ونفحة بالسيف ضربه به، والنفوح من النوق التي يخرج لبنها من غير حلب، وقوس نفوح بعيدة الدفع للسهم، وإنفحة الجدى معروفة.

(نفخ) : النفخ نفخ الريح فى الشيء، قال: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ- وَنُفِخَ فِي الصُّورِ- ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى وذلك نحو قوله: فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ومنه نفخ الروح فى النشأة الأولى، قال: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي يقال انتفخ بطنه، ومنه استعير انتفخ النهار إذا ارتفع، ونفخة الربيع حين أعشب، ورجل منفوخ أي سمين.

(نفد) : النفاد الفناء، قال تعالى: إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ يقال نفد ينفد، قال تعالى: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ

ص: 566

قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ

- ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ وأنفدوا فنى زادهم، وخصم منافد إذا خاصم لينفد حجة صاحبه، يقال نافدته فنفدته.

(نفذ) : نفذ السهم فى الرمية نفوذا ونفاذا والمثقب فى الخشب إذا خرق إلى الجهة الأخرى، ونفذ فلان فى الأمر نفاذا وأنفذته، قال تعالى: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ ونفذت الأمر تنفيذا، والجيش فى غزوه، وفى الحديث:«نفذوا جيش أسامة» والمنفذ الممر النافذ.

(نفر) : النفر الانزعاج عن الشيء وإلى الشيء كافزع إلى الشيء وعن الشيء، يقال نفر عن الشيء نفورا، قال تعالى: ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً- وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً ونفر إلى الحرب ينفر وينفر نفرا ومنه يوم النفر، قال:

انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا- إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً- ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ- وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ والاستنفار حث القوم على النفر إلى الحرب، والاستنفار حمل القوم على أن ينفروا أي من الحرب، والاستنفار أيضا طلب النفار، وقوله: كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ قرىء بفتح الفاء وكسرها، فإذا كسر الفاء فمعناه نافرة، وإذا فتح فمعناه منفرة. والنفر والنفير والنفرة عدة رجال يمكنهم النفر. والمنافرة المحاكمة فى المفاخرة، وقد أنفر فلان إذا فضل فى المنافرة، وتقول العرب نفر فلان إذا سمى باسم يزعمون أن الشيطان ينفر عنه، قال أعرابى قيل لأبى لما ولدت: نفر عنه، فسمانى قنفذا وكنانى أبا العدا. ونفر الجلد ورم، قال أبو عبيدة: هو من نفار الشيء عن الشيء أي تباعده عنه وتجافيه.

(نفس) : النفس الروح فى قوله تعالى: أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ قال:

وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وقوله: تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ وقوله: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ فنفسه ذاته وهذا وإن كان قد حصل من حيث اللفظ مضاف ومضاف إليه يقتضى المغايرة وإثبات شيئين من حيث العبارة فلا شىء من حيث المعنى سواه تعالى عن الاثنوية من كل وجه.

وقال بعض الناس إن إضافة النفس إليه تعالى إضافة الملك، ويعنى بنفسه نفوسنا الأمارة بالسوء، وأضاف إليه على سبيل الملك. والمنافسة مجاهدة النفس للتشبيه

ص: 567

بالأفاضل واللحوق بهم من غير إدخال ضرر على غيره، قال تعالى: وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ وهذا كقوله: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ والنفس الريح الداخل والخارج فى البدن من الفم والمنخر وهو كالغذاء للنفس وبانقطاعه بطلانها ويقال للفرج نفس ومنه ما

روى: «إنى لا أجد نفس ربكم من قبل اليمن»

وقوله عليه الصلاة والسلام «لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن»

أي مما يفرج بها الكرب، يقال اللهم نفس عنى، أي فرج عنى. وتنفست الريح إذا هبت طيبة، قال الشاعر:

فإن الصبا ريح إذا ما تنفست

على نفس محزون تجلت همومها

والنفاس ولادة المرأة، تقول وهى نفساء وجمعها نفاس، وصبى منفوس، وتنفس النهار عبارة عن توسعه، قال تعالى: وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ ونفست بكذا ضنت نفسى به، وشىء نفيس ومنفوس به ومنفس.

(نفش) : النفش نشر الصوف، قال تعالى: كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ونفش الغنم انتشارها، والنفش بالفتح الغنم المنتشرة، قال تعالى: إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ والإبل النوافش المترددة ليلا فى المرعى بلا راع.

(نفع) : النفع ما يستعان به فى الوصول إلى الخيرات وما يتوصل به إلى الخير فهو خير، فالنفع خير وضده الضر، قال تعالى: وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وقال: قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا وقال: لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ- وَلا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ- وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إلى غير ذلك من الآيات.

(نفق) : نفق الشيء مضى ونفد، ينفق إما بالبيع نحو نفق البيع نفاقا ومنه نفاق الأيم، ونفق القوم إذا نفق سوقهم. وإما بالموت نحو نفقت الدابة نفوقا، وإما بالفناء نحو نفقت الدراهم تنفق وأنفقتها. والإنفاق قد يكون فى المال وفى غيره وقد يكون واجبا وتطوعا، قال تعالى: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ- وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ وقال: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ- وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ- وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ- لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ إلى غير ذلك من الآيات. وقوله: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ

ص: 568

خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ

أي خشية الإقتار، يقال أنفق فلان إذا نفق ماله فافتقر فالإنفاق هاهنا كالإملاق فى قوله: وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ والنفقة اسم لما ينفق، قال تعالى: وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ- وَلا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً والنفق الطريق النافذ والسرب فى الأرض النافذ فيه قال: فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ ومنه نافقاء اليربوع، وقد نافق اليربوع ونفق، ومنه النفاق وهو الدخول فى الشرع من باب والخروج عنه من باب وعلى ذلك نبه بقوله تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ أي الخارجون من الشرع، وجعل اللَّه المنافقين شرا من الكافرين. فقال تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ ونيفق السراويل معروف.

(نفل) : النفل قيل هو الغنيمة بعينها لكن اختلفت العبارة عنه لاختلاف الاعتبار، فإنه إذا اعتبر بكونه مظفورا به يقال له غنيمة، وإذا اعتبر بكونه منحة من اللَّه ابتداء من غير وجوب يقال له نفل، ومنهم من فرق بينهما من حيث العموم والخصوص فقال الغنيمة ما حصل مستغنما بتعب كان أو غير تعب، وباستحقاق كان أو غير استحقاق، وقبل الظفر كان أو بعده. والنقل ما يحصل للإنسان قبل القسمة من جملة الغنيمة، وقيل هو ما يحصل للمسلمين بغير قتال وهو الفيء، وقيل هو ما يفصل من المتاع ونحوه بعد ما تقسم الغنائم وعلى ذلك حمل قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ الآية، وأصل ذلك من النفل أي الزيادة على الواجب، ويقال له النافلة، قال تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ وعلى هذا قوله: وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً وهو ولد الولد، ويقال نفلته كذا أي أعطيته نفلا، ونفله السلطان أعطاه سلب قتيله نفلا أي تفضلا وتبرعا، والنوفل الكثير العطاء، وانتفلت من كذا انتقيت منه.

(نقب) : النقب فى الحائط والجلد كالثقب فى الخشب، يقال نقب البيطار سرة الدابة بالمنقب وهو الذي ينقب به، والمنقب المكان الذي ينقب ونقب الحائط، ونقب القوم ساروا، قال تعالى: فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ وكلب نقيب نقبت غلصمته ليضعف صوته والنقبة أول الجرب يبدو وجمعها نقب، والناقبة قرحة، والنقبة ثوب كالإزار سمى بذلك لنقبة تجعل فيها تكة، والمنقبة طريق منفذ فى الجبال، واستعير لفعل الكريم إما لكونه تأثيرا له أو

ص: 569

لكونه منهجا فى رفعه، والنقيب الباحث عن القوم وعن أحوالهم وجمعه نقباء، قال تعالى: وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً.

(نقذ) : الإنقاذ التخليص من ورطة، قال تعالى: وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها والنقذ ما أنقذته، وفرس نقيذ مأخوذ من قوم آخرين كأنه أنقذ منهم وجمعه نقائذ.

(نقر) : النقر قرع الشيء المفضى إلى النقب والمنقار ما ينقر به كمنقار الطائر والحديدة التي ينقر بها الرحى، وعبر به عن البحث فقيل نقرت عن الأمر، واستعير للاغتياب فقيل نقرته، وقالت امرأة لزوجها: مربى على بنى نظر ولا تمر بي على بنات نقر، أي على الرجال الذين ينظرون إلى لا على النساء اللواتى يغتبننى. والنقرة وقبة يبقى فيها ماء السيل، ونقرة القفا: وقبته، والنقير وقبة فى ظهر النواة ويضرب به المثل فى الشيء الطفيف، قال تعالى: وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً والنقير أيضا خشب ينقر وينبذ فيه، وهو كريم النقير أي كريم إذا نقر عنه أي بحث، والناقور الصور، قال تعالى: فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ ونقرت الرجل إذا صوت له بلسانك، وذلك بأن تلصق لسانك بنقرة حنكك، ونقرت الرجل إذا خصصته بالدعوة كأنك نقرت له بلسانك مشيرا إليه ويقال لتلك الدعوة النقرى.

(نقص) : النقص الخسران فى الحظ والنقصان المصدر ونقصته فهو منقوص، قال تعالى: وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وقال: وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ- ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً.

(نقض) : النقض انتثار العقد من البناء والجبل والعقد هو ضد الإبرام، يقال نقضت البناء والحبل والعقد، وقد انتقض انتقاضا، والنّقض المنقوض وذلك فى الشعر أكثر والنّقض كذلك وذلك فى البناء أكثر، ومنه قيل للبعير المهزول نقض، ومنتقض الأرض من الكمأة نقض، ومن نقض الحبل والعقد استعير نقض العهد، قال تعالى: الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ- الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ- وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها ومنه المناقضة في الكلام وفى الشعر كنقائض جرير والفرزدق والنقيضان من الكلام ما لا يصح أحدهما مع الآخر نحو هو كذا وليس

ص: 570

بكذا فى شىء واحد وحال واحدة، ومنه انتقضت القرحة وانتقضت الدجاجة صوتت عند وقت البيض، وحقيقة الانتقاض ليس الصوت إنما هو انتقاضها فى نفسها لكى يكون منها الصوت فى ذلك الوقت فعبر عن الصوت به، وقوله تعالى: الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ أي كسره حتى صار له نقيض، والإنقاض صوت لزجر القعود، قال الشاعر:

أعلمتها الإنقاض بعد القرقرة

ونقيض المفاصل صوتها.

(نقم) : نقمت الشيء ونقمته إذا نكرته إما باللسان وإما بالعقوبة. قال تعالى: وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ- وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ- هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا الآية والنقمة العقوبة. قال: فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ فِي الْيَمِّ-انْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا

- فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ.

(نكب) : نكب عن كذا أي مال. قال تعالى: عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ والمنكب مجتمع ما بين العضد والكتف وجمعه مناكب ومنه استعير للأرض. قال تعالى: فَامْشُوا فِي مَناكِبِها واستعارة المنكب لها كاستعارة الظهر لها فى قوله تعالى: ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ ومنكب القوم رأس العرفاء مستعار من الجارحة استعارة الرأس للرئيس، واليد للناصر، ولفلان النكاية فى قومه كقولهم النقابة. والأنكب المائل المنكب ومن الإبل الذي يمشى فى شق.

والنكب داء يأخذ فى المنكب. والنكباء ريح ناكبة عن المهب، ونكبته حوادث الدهر أي هبت عليه هبوب النكباء.

(نكث) : النكث نكث الأكسية والغزل قريب من النقض واستعير لنقض العهد قال تعالى: وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمانَهُمْ- إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ والنكث كالنقض، والنكيثة كالنقيضة، وكل خصلة ينكث فيها القوم يقال لها نكيثة، قال الشاعر:

متى يك أمر للنكيثة أشهد

(نكح) : أصل النكاح للعقد، ثم استعير للجماع ومحال أن يكون فى

ص: 571

الأصل للجماع، ثم استعير للعقد لأن أسماء الجماع كلها كنايات لاستقباحهم ذكره كاستقباح تعاطيه، ومحال أن يستعير من لا يقصد فحشا اسم ما يستقظعونه لما يستحسنونه، قال تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيامى - إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ إلى غير ذلك من الآيات.

(نكد) : النكد كل شىء خرج إلى طالبه يتعسر، يقال رجل نكد ونكد وناقة نكداء طفيفة الدر صعبة الحلب، قال تعالى: وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً.

(نكر) : الإنكار ضد العرفان، يقال أنكرت كذا ونكرت وأصله أن يرد على القلب ما لا يتصوره وذلك ضرب من الجهل، قال تعالى: فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ- فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ وقد يستعمل ذلك فيما ينكر باللسان وسبب الإنكار باللسان هو الإنكار بالقلب لكن ربما ينكر اللسان الشيء وصورته فى القلب حاصلة ويكون فى ذلك كاذبا. وعلى ذلك قوله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها- فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ-أَيَّ آياتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ

والمنكر كل فعل تحكم العقول الصحيحة بقبحه، أو تتوقف فى استقباحه واستحسانه العقول فتحكم بقبحه الشريعة وإلى ذلك قصد بقوله تعالى:

الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ- كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ- وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ- وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ وتنكير الشيء من حيث المعنى جعله بحيث لا يعرف، قال تعالى: نَكِّرُوا لَها عَرْشَها وتعريفه جعله بحيث يعرف: واستعمال ذلك فى عبارة النحويين هو أن يجعل الاسم على صيغة مخصوصة ونكرت على فلان وأنكرت إذا فعلت به فعلا يردعه، قال تعالى:

فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ أي إنكارى. والنكر الدهاء والأمر الصعب الذي لا يعرف وقد نكر نكارة، قال: يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ. وفى الحديث: «إذا وضع الميت فى القبر أتاه ملكان منكر ونكير» واستعيرت المناكرة للمحاربة.

(نكس) : النكس قلب الشيء على رأسه ومنه نكس الولد إذا خرج رجله قبل رأسه، قال تعالى: ثُمَّ نُكِسُوا عَلى رُؤُسِهِمْ والنكس فى المرض أن يعود فى مرضه بعد إفاقته، ومن النكس فى العمر قال: وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ

ص: 572

فِي الْخَلْقِ

وذلك مثل قوله: وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ وقرىء:

نُنَكِّسْهُ، قال الأخفش لا يكاد يقال نكسته بالتشديد إلا لما يقلب فيجعل رأسه أسفله. والنكس السهم الذي انكسر فوقه فجعل أعلاه أسفله فيكون رديئا، ولرداءته يشبه به الرجل الدنيء.

(نكص) : النكوص الإحجام عن الشيء، قال تعالى: نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ.

(نكف) : يقال نكفت من كذا واستنكفت منه أنفت. قال تعالى:

ْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ

- وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وأصله من نكفت الشيء نحيته ومن النكف وهو تنحيه الدمع عن الخد بالإصبع، وبحر لا ينكف أي لا ينزح، والانتكاف الخروج من أرض إلى أرض.

(نكل) : يقال نكل عن الشيء ضعف. وعجز، ونكلته قيدته، والنكل قيد الدابة وحديدة اللجام لكونهما مانعين والجمع الأنكال، قال تعالى:

إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالًا وَجَحِيماً ونكلت به إذا فعلت به ما ينكل به غيره واسم ذلك الفعل نكال، قال تعالى: فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وقال: جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ

وفى الحديث: «إن اللَّه يحب النكل على النّكل»

أي الرجل القوى على الفرس القوى.

(نم) : النم إظهار الحديث بالوشاية، والنميمة الوشاية، ورجل نمام، قال تعالى: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ وأصل النميمة الهمس والحركة الخفيفة ومنه أسكت اللَّه نامته أي ما ينم عليه من حركته، والنمام نبت ينم عليه رائحته، والنمنمة خطوط متقاربة وذلك لقلة الحركة من كاتبها فى كتابته.

(نمل) : قال تعالى: قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ وطعام منمول فيه النمل، والنملة قرحة تخرج بالجنب تشبيها بالنمل في الهيئة، وشق فى الحافر ومنه فرس نمل القوائم خفيفها. ويستعار النمل للنميمة تصورا لدبيبه فيقال هو نمل وذو نملة ونمال أي نمام، وتنمل القوم تفرقوا للجمع تفرق النمل، ولذلك يقال هو أجمع من نملة، والأنملة طرف الأصابع، وجمعه أنامل.

ص: 573

(نهج) : النهج الطريق الواضح ونهج الأمر وأنهج وضح ومنهج الطريق ومنهاجه، قال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً ومنه قولهم: نهج الثوب وأنهج بان فيه أثر البلى، وقد أنهجه البلى.

(نهر) : النهر مجرى الماء الفائض وجمعه أنهار، قال تعالى: وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً- وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلًا وجعل اللَّه تعالى ذلك مثلا لما يدر من فيضه وفضله فى الجنة على الناس، قال: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ- وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً- جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ والنهر السعة تشبيها بنهر الماء، ومنه أنهرت الدم أي أسلته إسالة، وأنهر الماء جرى، ونهر نهر كثير الماء، قال أبو ذؤيب:

أقامت به فابتنت خيمة

على قصب وفرات نهر

والنهار الوقت الذي ينتشر فيه الضوء، وهو فى الشرع ما بين طلوع الفجر إلى وقت غروب الشمس، وفى الأصل ما بين طلوع الشمس إلى غروبها، وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً وقال: أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً وقابل به البيات فى قوله: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ورجل نهر صاحب نهار، والنهار فرخ الحبارى، والمنهرة فضاء بين البيوت كالموضع الذي تلقى فيه الكناسة، والنهر والانتهار الزجر بمغالظة، يقال نهره وانتهره، قال تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما- وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ.

(نهى) : النهى الزجر عن الشيء، قال تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى وهو من حيث المعنى لا فرق بين أن يكون بالقول أو بغيره، وما كان بالقول فلا فرق بين أن يكون بلفظة افعل نحو اجتنب كذا، أو بلفظة لا تفعل، ومن حيث اللفظ هو قولهم: لا تفعل كذا، فإذا قيل لا تفعل كذا فنهى من حيث اللفظ والمعنى جميعا نحو قوله تعالى: وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ ولهذا قال:

ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ وقوله: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فإن لم يعن أن يقول لنفسه لا تفعل كذا، بل أراد قمعها عن شهوتها ودفعها عما نزعت إليه وهمت به، وكذا المنهي عن المنكر يكون تارة باليد وتارة باللسان وتارة بالقلب، قال تعالى: أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا وقوله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ- إلى قوله- وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ أي يحث على فعل

ص: 574

الخير ويزجر عن الشر، وذلك بعضه بالعقل الذي ركبه فينا، وبعضه بالشرع الذي شرعه لنا، والانتهاء الانزجار عما نهى عنه، قال تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وقال: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا وقال: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ- فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ- فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ أي بلغ به نهايته. والإنهاء فى الأصل إبلاغ النهى، ثم صار متعارفا فى كل إبلاغ فقيل أنهيت إلى فلان خبر كذا أي بلغت اليه النهاية، وناهيك من رجل كقولك حسبك، ومعناه أنه غاية فيما تطلبه وينهاك عن تطلب غيره، وناقة نهية تناهت سمنا، والنهية العقل الناهي عن القبائح جمعها نهى، قال: إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى وتنهية الوادي حيث ينتهى إليه السيل، ونهاء النهار ارتفاعه وطلب الحاجة حتى نهى عنها أي انتهى عن طلبها ظفر بها أو لم يظفر.

(نوب) : النوب رجوع الشيء مرة بعد أخرى، يقال ناب نوبا ونوبة، وسمى النحل نوبا لرجوعها إلى مقارها، ونابته نائبة أي حادثة من شأنها أن تنوب دائبا، والإنابة إلى اللَّه تعالى الرجوع إليه بالتوبة وإخلاص العمل، قال:

وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ- وَإِلَيْكَ أَنَبْنا- وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ- مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وفلان ينتاب فلانا أي يقصده مرة بعد أخرى.

(نوح) : نوح اسم نبى، والنوح مصدر ناح أي صاح بعويل، يقال ناحت الحمامة نوحا وأصل النوح اجتماع النساء فى المناحة، وهو من التناوح أي التقابل، يقال جبلان يتناوحان، وريحان يتناوحان، وهذه الريح نيحة تلك أي مقابلتها، والنوائح النساء، والمنوح المجلس.

(نور) : النور الضوء المنتشر الذي يعين على الإبصار، وذلك ضربان دنيوى وأخروى، فالدنيوى ضربان: ضرب معقول بعين البصيرة وهو ما انتشر من الأمور الإلهية كنور العقل ونور القرآن. ومحسوس بعين البصر، وهو ما انتشر من الأجسام النيرة كالقمرين والنجوم والنيرات. فمن النور الإلهى قوله تعالى:

قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ وقال: وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها وقال: ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وقال:

ص: 575

أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ وقال: نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ ومن المحسوس الذي بعين البصر نحو قوله: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وتخصيص الشمس بالضوء والقمر بالنور من حيث إن الضوء أخص من النور، قال: وَقَمَراً مُنِيراً أي ذا نور. ومما هو عام فيهما قوله: وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ وقوله: وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ- وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها ومن النور الأخروى قوله:

يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ- وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا- انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ- فَالْتَمِسُوا نُوراً ويقال أنار اللَّه كذا ونوره وسمى اللَّه تعالى نفسه نورا من حيث أنه هو المنور، قال:

اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وتسميته تعالى بذلك لمبالغة فعله. والنار تقال للهيب الذي يبدو للحاسة، قال: أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ وقال:

مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً وللحرارة المجردة ولنار جهنم المذكورة فى قوله: النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا- وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ- نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ وقد ذكر ذلك في غير موضع. ولنار الحرب المذكورة فى قوله:

كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ وقال بعضهم: النار والنور من أصل واحد وكثيرا ما يتلازمان لكن النار متاع للمقوين فى الدنيا والنور متاع لهم فى الآخرة، ولأجل ذلك استعمل فى النور الاقتباس فقال تعالى: نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ وتنورت نارا أبصرتها، والمنارة مفعلة من النور أو من النار كمنارة السراج أو ما يؤذن عليه ومنار الأرض أعلامها والنور النفور من الريبة وقد نارت المرأة تنور نورا ونوارا ونور الشجر ونواره تشبيها بالنور، والنور ما يتخذ للوشم يقال نورت المرأة يدها وتسميته بذلك لكونه مظهرا لنور العضو.

(نوس) : الناس قيل أصله أناس فحذف فاؤه لما أدخل عليه الألف واللام، وقيل قلب من نسى وأصله إنسيان على إفعالان، وقيل أصله من ناس ينوس إذا اضطرب، ونست الإبل سقتها، وقيل ذو نواس ملك كان ينوس على ظهره ذؤابة فسمى بذلك وتصغيره على هذا نويس، قال تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ والناس قد يذكر ويراد به الفضلاء دون من يتناوله اسم الناس تجوزا وذلك إذا اعتبر معنى الإنسانية وهو وجود الفضل والذكر وسائر الأخلاق الحمدة والمعاني المختصة به، فإن كل شى عدم فعله المختص به لا يكاد يستحق اسمه

ص: 576

كاليد فإنها إذا عدمت فعلها الخاص بها فإطلاق اليد عليها كإطلاقها على يد السرير ورجله، فقوله تعالى: آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ أي كما يفعل من وجد فيه معنى الإنسانية ولم يقصد بالإنسان عينا واحدا بل قصد المعنى وكذا قوله: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ أي من وجد فيه معنى الإنسانية أي إنسان كان، وربما قصد به النوع كما هو وعلى هذا قوله أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ.

(نوش) : النوش التناول، قال الشاعر:

تنوش البرير حيث طاب اهتصارها

البرير ثمر الطلح والاهتصار الإمالة، يقال هصرت الغصن إذا أملته، وتناوش القوم كذا تناولوه، قال: وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ أي كيف يتناولون الإيمان من مكان بعيد ولم يكونوا يتناولونه عن قريب فى حين الاختيار والانتفاع بالإيمان إشارة إلى قوله: يَوْمَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها الآية ومن همز فإما أنه أبدل من الواو همزة نحو، أقتت فى وقتت، وأدؤر فى أدور، وإما أن يكون من النأش وهو الطلب.

(نوص) : ناص إلى كذا التجأ إليه، وناص عنه ارتد ينوص نوصا والمناص الملجأ، قال: وَلاتَ حِينَ مَناصٍ.

(نيل) : النيل ما يناله الإنسان بيده، نلته أناله نيلا، قال: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ- وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا- لَمْ يَنالُوا خَيْراً والنول التناول يقال نلت كذا أنول نولا وأنلته أوليته وذلك مثل عطوت كذا تناولت وأعطيته أنلته ونلت أصله نولت على فعلت، ثم نقل إلى فلت. ويقال ما كان نولك أن تفعل كذا أي ما فيه نوال صلاحك، قال الشاعر:

جزعت وليس ذلك بالنوال

قيل معناه بصواب. وحقيقة النوال ما يناله الإنسان من الصلة وتحقيقه ليس ذلك مما تنال منه مرادا، وقال تعالى: لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ.

ص: 577

(نوم) : النوم فسر على أوجه كلها صحيح بنظرات مختلفة، قيل هو استرخاء أعصاب الدماغ برطوبات البخار الصاعد إليه، وقيل هو أن يتوفى اللَّه النفس من غير موت، قال: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ الآية، وقيل النوم موت خفيف والموت نوم ثقيل، ورجل نؤوم ونومة كثير النوم، والمنام: النوم، قال:

وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ- وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً- لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ والنومة أيضا خامل الذكر، واستنام فلان إلى كذا اطمأن إليه، والمنامة الثوب الذي ينام فيه، ونامت السوق كسدت، ونام الثوب أخلق أو حلق معا، واستعمال النوم فيهما على التشبيه.

(نون) : النون الحرف المعروف، قال تعالى: ن وَالْقَلَمِ والنون الحوت العظيم وسمى يونس ذا النون فى قوله: وَذَا النُّونِ لأن النون كان قد التقمه، وسمى سيف الحارث ابن ظالم: ذا النون.

(ناء) : يقال ناء بجانبه ينوء ويناء، قال أبو عبيدة: ناء مثل ناع أي نهض، وأنأته أنهضته. قال لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ وقرىء:(ناء) مثل ناع أي نهض به عبارة عن التكبر كقولك شمخ بأنفه وازور جانبه.

(نأى) : قال أبو عمرو: نأى مثل نعى أعرض، وقال أبو عبيدة:

تباعد، ينأى وانتأى افتعل منه والمنتأى الموضع البعيد، ومنه النؤى لحفيرة حول الخباء تباعد الماء عنه وقرىء:(ناء بجانبه) أي تباعد به. والنية تكون مصدرا واسما من نويت وهى توجه القلب نحو العمل وليس من ذلك بشىء.

ص: 578