الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحاء
(حب) : الحب والحبة يقال فى الحنطة والشعير ونحوهما من المطعومات، والحب والحبة فى بزور الرياحين. قال اللَّه تعالى: كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وقال: وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وقال تعالى:
إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى وقوله تعالى: فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ أي الحنطة وما يجرى مجراها مما يحصد،
وفى الحديث: «كما تنبت الحبة فى حميل السيل»
والحب من فرط حبه. والحبب تنضد الأسنان تشبيها بالحب. والحباب من الماء النفاخات تشبيها به، وحبة القلب تشبيها بالحبة فى الهيئة، وحببت فلانا يقال فى الأصل بمعنى أصبت حبة قلبه نحو شعفته وكبدته وفأدته. وأحببت فلانا جعلت قلبى معرضا لحبه لكن فى التعارف وضع محبوب موضع محب واستعمل حببت أيضا فى موضع أحببت، والمحبة إرادة ما تراه أو تظنه خيرا وهى على ثلاثة أوجه: محبة للذة كمحبة الرجل المرأة ومنه:
وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً ومحبة للنفع كمحبة شىء ينتفع به، ومنه: وَأُخْرى تُحِبُّونَها- نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ومحبة للفضل كمحبة أهل العلم بعضهم لبعض لأجل العلم. وربما فسرت المحبة بالإرادة فى نحو قوله تعالى: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وليس كذلك فإن المحبة أبلغ من الإرادة كما تقدم آنفا فكل محبة إرادة، وليس كل إرادة محبة، وقوله عز وجل: إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ أي إن آثروه عليه، وحقيقة الاستحباب أن يتحرى الإنسان فى الشيء أن يحبه واقتضى تعديته فعلى، وعلى معنى الإيثار، وعلى هذا قوله تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الآية، وقوله تعالى: فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ فمحبة اللَّه تعالى للعبد إنعاما عليه، ومحبة العبد له طلب الزلفى لديه. وقوله تعالى: إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي فمعناه أحببت الخيل حبى للخير، وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ أي يثيبهم وينعم عليهم وقال: لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ تنبيها أنه بارتكاب الآثام يصير بحيث لا يتوب لتماديه فى ذلك وإذا لم يتب لم يحبه اللَّه المحبة التي وعد بها التوابين والمتطهرين، وحبب اللَّه إلى كذا، قال اللَّه تعالى: وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ
الْإِيمانَ وأحب البعير إذا حزن ولزم مكانه كأنه أحب المكان الذي وقف فيه، وحبابك أن تفعل كذا أي غاية محبتك ذلك.
(حبر) : الحبر الأثر المستحسن ومنه ما
روى «يخرج من النار رجل قد خرج حبره وسبره»
أي جماله وبهاؤه ومنه سمى الحبر، وشاعر محبر وشعر محبر وثوب حبير محسن، ومنه أرض محبار، والحبير من السحاب، وحبر فلان بقي بجلده أثر من قرح. والحبر العالم وجمعه أحبار لما يبقى من أثر علومهم فى قلوب الناس ومن آثار أفعالهم الحسنة المقتدى بها، قال تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وإلى هذا المعنى
أشار أمير المؤمنين- رضى اللَّه عنه- بقوله: العلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وآثارهم فى القلوب موجودة.
وقوله عز وجل: فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ أي يفرحون حتى يظهر عليهم حبار نعيمهم.
(حبس) : الحبس المنع من الانبعاث، قال عز وجل: تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ والحبس مصنع الماء الذي يحبسه والأحباس جمع والتحبيس جعل الشيء موقوفا على التأبيد، يقال هذا حبيس فى سبيل اللَّه.
(حبط) : قال اللَّه تعالى: حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ- وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ- وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ- لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وقال تعالى:
فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وحبط العمل على أضرب: أحدها أن تكون الأعمال دنيوية فلا تغنى فى القيامة غناءا كما أشار إليه بقوله: وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً والثاني أن تكون أعمالا أخروية لكن لم يقصد بها صاحبها وجه اللَّه تعالى كما
والثالث أن تكون أعمالا صالحة ولكن بإزائها سيئات توفى عليها وذلك هو المشار إليه بخفة الميزان، وأصل الحبط من الحبط وهو أن تكثر الدابة أكلا حتى ينتفخ بطنها.
وقال عليه السلام: «إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم»
وسمى الحارث الحبط لأنه أصابه ذلك ثم سمى أولاده حبطات.
(حبك) : قال تعالى: وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ هى ذات الطرائق
فمن الناس من تصور منها الطرائق المحسوسة بالنجوم والمجرة، ومنهم من اعتبر ذلك بما فيه من الطرائق المعقولة المدركة بالبصيرة، وإلى ذلك أشار بقوله تعالى:
الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً الآية، وأصله من قولهم: بعير محبوك القرى، أي محكمه والاحتباك شد الإزار.
(حبل) : الحبل معروف، قال عز وجل: فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ وشبه به من حيث الهيئة حبل الوريد وحبل العاتق والحبل المستطيل من الرمل، واستعير للوصل ولكل ما يتوصل به إلى شىء، قال عز وجل:
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً فحبله هو الذي معه التوصل به إليه من القرآن والعقل وغير ذلك مما إذا اعتصمت به أداك إلى جواره. ويقال للعهد حبل، وقوله تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ففيه تنبيه أن الكافر يحتاج إلى عهدين: عهد من اللَّه أن يكون من أهل كتاب أنزله اللَّه تعالى وإلا لم يقر على دينه ولم يجعل فى ذمة. وإلى عهد من الناس يبذلونه له.
والحبالة خصت بحبل الصائد جمعها حبائل،
وروى: «النساء حبائل الشيطان»
والمحتبل والحابل صاحب الحبالة. وقيل وقع حابلهم على نابلهم، والحبلة اسم لما يجعل فى القلادة.
(حتم) : الحتم القضاء المقدر، والحاتم الغراب الذي يحتم بالفراق فيما زعموا.
(حتى) : حتى حرف يجر به تارة كإلى، لكن يدخل الحد المذكور بعده فى حكم ما قبله ويعطف به تارة ويستأنف به تارة نحو: أكلت السمكة حتى رأسها ورأسها ورأسها، وقال تعالى: لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ- حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ويدخل على الفعل المضارع فينصب ويرفع، وفى كل واحد وجهان:
فأحد وجهى النصب إلى أن، والثاني كى. وأحد وجهى الرفع أن يكون الفعل قبله ماضيا نحو: مشيت حتى أدخل البصرة، أي مشيت فدخلت البصرة.
والثاني يكون ما بعده حالا نحو: مرض حتى لا يرجون، وقد قرىء: حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ بالنصب والرفع وحمل فى كل واحدة من القراءتين على الوجهين. وقيل إن ما بعد حتى يقتضى أن يكون بخلاف ما قبله نحو قوله تعالى:
وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وقد يجىء ولا يكون كذلك نحو ما
روى: «إن اللَّه تعالى لا يمل حتى تملوا»
لم يقصد أن يثبت ملالا للَّه تعالى بعد ملالهم.
(حج) : أصل الحج القصد للزيارة، قال الشاعر:
يحجون بيت الزبرقان المعصفرا
خص فى تعارف الشرع بقصد بيت اللَّه تعالى إقامة للنسك فقيل الحج والحج، فالحج مصدر والحج اسم، ويوم الحج الأكبر يوم النحر، ويوم عرفة،
وروى العمرة الحج الأصغر.
والحجة الدلالة المبينة للمحجة أي المقصد المستقيم والذي يقتضى صحة أحد النقيضين، قال تعالى: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ وقال:
لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا فجعل ما يحتج بها الذين ظلموا مستثنى من الحجة وإن لم يكن حجة، وذلك كقول الشاعر:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
…
بهن فلول من قراع الكتائب
ويجوز أنه سمى ما يحتجون به حجة كقوله: وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ فسمى الداحضة حجة، وقوله تعالى:
لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ أي لا احتجاج لظهور البيان، والمحاجة أن يطلب كل واحد أن يرد الآخر عن حجته ومحجته، قال تعالى: وَحاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ- فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ وقال تعالى: لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وقال تعالى: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وقال تعالى: وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ وسمى سبر الجراحة حجا، قال الشاعر:
يحج مأمومة فى قعرها لجف
(حجب) : الحجب والحجاب المنع من الوصول، يقال حجبه حجبا وحجابا. وحجاب الجوف ما يحجب عن الفؤاد، وقوله تعالى: وَبَيْنَهُما حِجابٌ ليس يعنى به ما يحجب البصر، وإنما يعنى ما يمنع من وصول لذة أهل الجنة إلى أهل النار وأذية أهل النار إلى أهل الجنة كقوله عز وجل: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ وقال عز وجل:
وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أي من حيث مالا يراه مكلمه ومبلغه وقوله تعالى: حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ يعنى الشمس إذا
استترت بالمغيب. والحاجب المانع عن السلطان والحاجيان فى الرأس لكونهما كالحاجبين للعينين فى الذبّ عنهما، وحاجب الشمس لتقدمه عليها تقدم الحاجب للسلطان. وقوله عز وجل: كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ إشارة إلى منع النور عنهم المشار إليه بقوله: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ.
(حجر) : الحجر الجوهر الصلب المعروف وجمعه أحجار وحجارة وقوله تعالى: وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ قيل هى حجارة الكبريت وقيل بل الحجارة بعينها ونبه بذلك على عظم حال تلك النار وأنها مما توقد بالناس والحجارة خلاف نار الدنيا إذ هى لا يمكن أن توقد بالحجارة وإن كانت بعد الإيقاد قد تؤثر فيها. وقيل أراد بالحجارة الذين هم فى صلابتهم عن قبول الحق كالحجارة كمن وصفهم بقوله: فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً والحجر والتحجير أن يجعل حول المكان حجارة يقال حجرته حجرا فهو محجور، وحجرته تحجيرا فهو محجر، وسمى ما أحيط به الحجارة حجرا وبه سمى حجر الكعبة وديار ثمود قال تعالى: كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ وتصور من الحجر معنى المنع لما يحصل فيه فقيل للعقل حجر لكون الإنسان فى منع منه مما تدعو إليه نفسه. وقال تعالى: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ قال المبرد: يقال للأنثى من الفرس حجر لكونها مشتملة على ما فى بطنها من الولد، والحجر الممنوع منه بتحريمه قال تعالى: وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ- وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً كان الرجل إذا لقى من يخاف يقول ذلك فذكر تعالى أن الكفار إذا رأوا الملائكة قالوا ذلك ظنا أن ذلك ينفعهم، قال تعالى: وَجَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً أي منعا لا سبيل إلى رفعه ودفعه، وفلان فى حجر فلان أي فى منع منه عن التصرف فى ماله وكثير من أحواله وجمعه حجور، قال تعالى:
وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ وحجر القميص أيضا اسم لما يجعل فيه الشيء فيمنع، وتصور من الحجر، دورانه فقيل حجرت عين الفرس إذا وسمت حولها بميسم وحجر القمر صار حوله دائرة والحجورة لعبة للصبيان يخطون خطا مستديرا، ومحجر العين منه. وتحجر كذا تصلب وصار كالأحجار. والأحجار بطون من بنى تميم سموا بذلك لقوم منهم أسماؤهم جندل وحجر وصخر.
(حجز) : الحجز المنع بين الشيئين بفاصل بينهما، يقال حجز بينهما قال عز وجل: وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً والحجاز سمى بذلك لكونه حاجزا
بين الشام والبادية، قال تعالى: فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ فقوله:
حاجزين صفة لأحد فى موضع الجمع، والحجاز حبل يشد من حقو البعير إلى رسغه وتصور منه معنى الجمع فقيل احتجز فلان عن كذا واحتجز بإزاره ومنه حجزة السراويل، وقيل إن أردتم المحاجزة فقبل المناجزة أي الممانعة قبل المحاربة، وقيل حجازيك أي احجز بينهم.
(حد) : الحد الحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر، يقال حددت كذا جعلت له حدا يميز. وحد الدار ما تتميز به عن غيرها وحد الشيء الوصف المحيط بمعناه المميز له عن غيره، وحد الزنا والخمر سمى به لكونه مانعا لمتعاطيه عن معاودة مثله ومانعا لغيره أن يسلك مسلكه، قال اللَّه تعالى:
وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ، وقال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها، وقال: الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ أي أحكامه وقيل حقائق معانيه وجميع حدود اللَّه على ثلاثة أوجه:
إما شىء لا يجوز أن يتعدى بالزيادة عليه ولا القصور عنه كأعداد ركعات صلاة الفرض، وإما شىء تجوز الزيارة عليه ولا يجوز النقصان عنه، وإما شىء يجوز النقصان عنه ولا تجوز الزيادة عليه، وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أي يمانعون فذلك إما اعتبارا بالممانعة وإما باستعمال الحديد والحديد معروف قال عز وجل: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وحددت السكين رققت حده وأحددته جعلت له حدا ثم يقال لكل ما دق فى نفسه من حيث الخلقة أو من حيث المعنى كالبصر والبصيرة حديد، فيقال هو حديد النظر وحديد الفهم، قال عز وجل: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ويقال لسان حديد نحو لسان ضارم وماض وذلك إذا كان يؤثر تأثير الحديد. قال تعالى: سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ ولتصور المنع سمى البواب حدادا وقيل رجل محدود ممنوع الرزق والحظ.
(حدب) : يجوز أن يكون فى الأصل فى الحدب حدب الظهر، يقال حدب الرجل حدبا فهو أحدب واحدودب وناقة حدباء تشبيها به ثم شبه به ما ارتفع من ظهر الأرض فسمى حدبا، قال تعالى: وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ.
(حدث) : الحدوث كون الشيء بعد أن لم يكن عرضا كان ذلك أو
جوهرا وإحداثه إيجاده، أو إحداث الجواهر ليس إلا للَّه تعالى والمحدث ما أوجد بعد أن لم يكن وذلك إما فى ذاته أو إحداثه عند من حصل عنده نحو: أحدثت ملكا، قال تعالى: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ، ويقال لكل ما قرب عهده محدث فعلا كان أو مقالا، قال تعالى: حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً وقال: لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً وكل كلام يبلغ الإنسان من جهة السمع أو الوحى فى يقظته أو منامه، يقال له حديث، قال عز وجل: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً قال تعالى: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ وقال عز وجل: وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ أي ما يحدث به الإنسان فى نومه، وسمى تعالى كتابه حديثا فقال: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ وقال تعالى:
أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وقال: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً وقال تعالى: حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ- فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ وقال تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً
وقال عليه السلام: «إن يكن فى هذه الأمة محدث فهو عمر»
وإنما يعنى من يلقى فى روعه من جهة الملأ الأعلى شىء، وقوله عز وجل: فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ أي أخبارا يتمثل بهم. والحديث الطري من الثمار، ورجل حدوث حسن الحديث وهو حدث النساء أي محادثهن، وحادثته وحدثته وتحادثوا وصار أحدوثة، ورجل حدث وحديث السن بمعنى، والحادثة النازلة العارضة وجمعها حوادث.
(حدق) : حدائق ذات بهجة جمع حديقة وهى قطعة من الأرض ذات ماء سميت تشبيها بحدقة العين فى الهيئة وحصول الماء فيها وجمع الحدقة حداق وأحداق، وحدق تحديقا شدد النظر، وحدقوا به وأحدقوا أحاطوا به تشبيها بإدارة الحدقة.
(حذر) : الحذر احتراز من مخيف، يقال حذر حذرا وحذرته، قال عز وجل: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وقرىء: - (وإنا لجميع حذرون)، وحاذِرُونَ وقال تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وقال عز وجل: خُذُوا حِذْرَكُمْ أي ما فيه الحذر من السلاح وغيره وقوله تعالى: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ وقال تعالى: إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وحذرا أي احذر نحو مناع أي امنع.
(حر) : الحرارة ضد البرودة وذلك ضربان: حرارة عارضة فى الهواء
من الأجسام المحمية كحرارة الشمس والنار، وحرارة عارضة فى البدن من الطبيعة كحرارة المحموم، يقال حر يومنا والريح يحر حرا وحرارة وحر يومنا فهو محرور وكذا حر الرجل قال تعالى: لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا والحرور الريح الحارة: قال تعالى: وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ واستحر القيظ اشتد حره، والحرر يبس عارض فى الكبد من العطش، والحرة الواحدة من الحر، يقال حرة تحت قرة، والحرة أيضا حجارة تسود من حرارة تعرض فيها وعن ذلك استعير استحر القتل اشتد، وحر العمل شدته. وقيل إنما يتولى حارّها من تولى قارها، والحر خلاف العبد يقال حر بين الحرورية والحرورة. والحرية ضربان: الأول من لم يجر عليه حكم الشيء نحو الْحُرُّ بِالْحُرِّ والثاني من لم تتملكه الصفات الذميمة من الحرص والشره على المقتضيات الدنيوية، وإلى العبودية التي تضاد ذلك
أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «تعس عبد الدرهم، تعس عبد الدينار»
وقول الشاعر:
ورق ذوى الأطماع رق مخلد
وقيل عبد الشهوة أذل من عبد الرق والتحرير جعل الإنسان حرا، فمن الأول:
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ومن الثاني نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً قيل هو أنها جعلت ولدها بحيث لا ينتفع به الانتفاع الدنيوي المذكور فى قوله عز وجل:
بَنِينَ وَحَفَدَةً بل جعلته مخلصا للعبادة، ولهذا قال الشعبي معناه مخلصا وقال مجاهد: خادما للبيعة، وقال جعفر معتقا من أمر الدنيا، وكل ذلك إشارة إلى معنى واحد وحررت القوم أطلقتهم وأعتقتهم من أسر الحبس، وحر الوجه ما لم تسترقه الحاجة، وحر الدار وسطها، وأحرار البقل معروف، وقول الشاعر:
جادت عليه كل بكر حرة
وباتت المرأة بليلة حرة كل ذلك استعارة والحرير من الثياب ما رق: قال اللَّه تعالى: وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ.
(حرب) : الحرب معروف والحرب السلب فى الحرب ثم قد يسمى كل سلب حربا، قال: والحرب مشتقة المعنى من الحرب وقد حرب فهو حريب أي سليب والتحريب إثارة الحرب ورجل محرب كأنه آلة فى الحرب، والحربة آلة للحرب معروفة وأصله الفعلة من الحرب أو من الحراب، ومحراب المسجد قيل سمى بذلك لأنه موضع محاربة الشيطان والهوى وقيل سمى بذلك لكون حق
الإنسان فيه أن يكون حريبا من أشغال الدنيا ومن توزع الخواطر. وقيل الأصل فيه أن محراب البيت صدر المجلس ثم اتخذت المساجد فسمى صدره به، وقيل بل المحراب أصله فى المسجد وهو اسم خص به صدر المجلس، فسمى صدر البيت محرابا تشبيها بمحراب المسجد وكأن هذا أصح قال عز وجل: يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ والحرباء دويبة تتلقى الشمس كأنها تحاربها، والحرباء مسمار تشبيها بالحرباء التي هى دويبة فى الهيئة كقولهم فى مثلها ضبة وكلب تشبيها بالضب والكلب.
(حرث) : الحرث إلقاء البذر فى الأرض وتهيؤها للزرع ويسمى المحروث حرثا، قال اللَّه تعالى: أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ وتصور منه العمارة التي تحصل عنه فى قوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ، وقد ذكرت فى مكارم الشريعة كون الدنيا محرثا للناس وكونهم حراثا فيها وكيفية حرثهم
وذلك لتصور معنى الكسب منه،
، وتصور معين التهيج من حرث الأرض فقيل حرثت النار ولما تهيج به النار محرث، ويقال أحرث القرآن أي أكثر تلاوته وحرث ناقته إذا استعملها. وقال معاوية للأنصار: ما فعلت نواضحكم؟
قالوا حرثناها يوم بدر. وقال عز وجل: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وذلك على سبيل التشبيه فبالنساء زرع ما فيه بقاء نوع الإنسان كما أن بالأرض زرع ما به بقاء أشخاصهم، وقوله عز وجل: وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ يتناول الحرثين.
(حرج) : أصل الحرج والحراج مجتمع الشيء وتصور منه ضيق ما بينهما فقيل للضيق حرج وللإثم حرج، وقال تعالى: ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً، وقال عز وجل: وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ وقد حرج صدره، قال تعالى: يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً وقرىء: (حرجا) أي ضيقا بكفره لأن الكفر لا يكاد تسكن إليه النفس لكونه اعتقادا عن ظن، وقيل ضيق بالإسلام كما قال تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وقوله تعالى: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ قيل هو نهى، وقيل هو دعاء، وقيل هو حكم منه، نحو: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ والمنحرج والمنحوب المتجنب من الحرج والحوب.
(حرد) : الحرد المنع عن حدة وغضب قال عز وجل: وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ أي على امتناع من أن يتناولوه قادرين على ذلك، ونزل فلان حريدا أي متمنعا عن مخالطة القوم، وهو حريد المحل. وحاردت السنة منعت قطرها والناقة منعت درها وحرد غضب وحرده كذا وبعير أحرد فى إحدى يديه حرد والحردية حظيرة من قصب.
(حرس) : قال اللَّه تعالى: فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً الحرس والحراس جمع حارس وهو حافظ المكان والحرز والحرس يتقاربان معنى تقاربهما لفظا لكن الحرز يستعمل فى الناض والأمتعة أكثر، والحرس يستعمل فى الأمكنة أكثر وقول الشاعر:
فبقيت حرسا قبل مجرى داحس
…
لو كان للنفس اللجوج خلود
قيل معناه دهرا، فإن كان الحرس دلالته على الدهر من هذا البيت فقط فلا يدل فإن هذا يحتمل أن يكون مصدرا موضوعا موضع الحال أي بقيت حارسا ويدل على معنى الدهر والمدة لا من لفظ الحرس بل من مقتضى الكلام. وأحرس معناه صار ذا حراسة كسائر هذا البناء المقتضى لهذا المعنى، وحريسة الجبل ما يحرس فى الجبل بالليل. قال أبو عبيدة: الحريسة هى المحروسة، وقال الحريسة المسروقة يقال حرس يحرس حرسا وقدر أن ذلك لفظ قد تصور من لفظ الحريسة لأنه جاء عن العرب فى معنى السرقة.
(حرص) : الحرص فرط الشره وفرط الإرادة قال عز وجل: إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ أي إن تفرط إرادتك فى هدايتهم وقال تعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وقال تعالى: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ وأصل ذلك من حرص القصار الثوب أي قشره بدقه والحارصة شجة تقشر الجلد، والحارصة والحريصة سحابة تقشر الأرض بمطرها.
(حرض) : الحرض مالا يعتد به ولا خير فيه ولذلك يقال لما أشرف على الهلاك حرض، قال عز وجل: حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً وقد أحرضه كذا قال الشاعر:
إنى امرؤ نابنى هم فأحرضنى
والحرضة من لا يأكل إلا لحم الميسر لنذالته، والتحريض الحث على الشيء بكثرة التزيين وتسهيل الخطب فيه كأنه فى الأصل إزالة الحرض نحو مرضته وقذيته أي أزلت عنه المرض والقذى وأحرضته أفسدته نحو: أقذيته إذا جعلت فيه القذى.
(حرف) : حرف الشيء طرفه وجمعه أحرف وحروف، يقال حرف السيف حرف وحرف السفينة وحرف الجبل، وحروف الهجاء أطراف الكلمة والحروف العوامل فى النحو أطراف الكلمات الرابطة بعضها ببعض، وناقة حرف تشبيها بحرف الجبل أو تشبيها فى الدقة بحرف من حروف الكلمة، قال عز وجل:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ قد فسر ذلك بقوله بعده فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ الآية، وفى معناه مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ وانحرف عن كذا وتحرف واحترف، والاحتراف طلب حرفة للمكسب، والحرفة حالته التي يلزمها فى ذلك نحو القعدة والجلسة، والمحارف المحروم الذي خلا به الخير، وتحريف الشيء إمالته كتحريف القلم، وتحريف الكلام أن تجعله على حرف من الاحتمال يمكن حمله على الوجهين، قال عز وجل: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ- يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ- وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ، والحرف ما فيه حرارة ولذع كأنه محرف عن الحلاوة والحرارة وطعام حريف.
وروى عنه صلى الله عليه وسلم: «نزل القرآن على سبعة أحرف»
وذلك مذكور على التحقيق في الرسالة المنبهة على فوائد القرآن.
(حرق) : يقال أحرق كذا فاحترق والحريق النار قال تعالى: وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ وقال تعالى: فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ- قالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ- لَنُحَرِّقَنَّهُ ولَنُحَرِّقَنَّهُ لنحرقنه قرئا معا، فحرق الشيء إيقاع حرارة في الشيء من غير لهيب كحرق الثوب بالدق، وحرق الشيء إذا برده بالمبرد وعنه استعير حرق الناب، وقولهم يحرق على الأرم، وحرق الشعر إذا انتشر وماء حراق يحرق بملوحته، والإحراق إيقاع نار ذات لهيب فى الشيء، ومنه استعير أحرقنى بلومه إذا بالغ في أذيته بلوم.
(حرك) : قال تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ
الحركة ضد السكون ولا تكون إلا للجسم وهو انتقال الجسم من مكان إلى مكان وربما قيل تحرك كذا إذا استحال وإذا زاد فى أجزائه وإذا نقص من أجزائه.
(حرم) : الحرام الممنوع منه إما بتسخير إلهى وإما بمنع قهرى وإما بمنع من جهة العقل أو من جهة الشرع أو من جهة من يرتسم أمره. فقوله تعالى:
وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ فذلك تحريم بتسخير وقد حمل على ذلك وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وقوله تعالى: فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً وقيل بل كان حراما عليهم من جهة القهر لا بالتسخير الإلهى، وقوله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فهذا من جهة القهر بالمنع وكذلك قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ والمحرم بالشرع كتحريم بيع الطعام بالطعام متفاضلا، وقوله عز وجل: وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ فهذا كان محرما عليهم بحكم شرعهم ونحو قوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ الآية وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وسوط محرم لم يدبغ جلده كأنه لم يحل بالدباغ الذي اقتضاه
قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أيما إهاب دبغ فقد طهر»
وقيل بل المحرم الذي لم يلين. والحرم سمى بذلك لتحريم الله تعالى فيه كثيرا مما ليس بمحرم فى غيره من المواضع، وكذلك الشهر الحرام وقيل رجل حرام وحلال ومحل ومحرم، قال الله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي أي لم تحكم بتحريم ذلك؟ وكل تحريم ليس من قبل الله تعالى فليس بشىء نحو وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وقوله تعالى:
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أي ممنوعون من جهة الجد، وقوله تعالى: لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ أي الذي لم يوسع عليه الرزق كما وسع على غيره ومن قال أراد به الكلب فلم يعن أن ذلك اسم الكلب كما ظنه بعض من رد عليه وإنما ذلك منه ضرب مثال بشىء لأن الكلب كثيرا ما يحرمه الناس أي يمنعونه، والمحرمة والمحرمة الحرمة، واستحرمت الماعز أرادت الفحل.
(حرى) : حرى الشيء يحرى أي قصد حراه، أي جانبه وتحراه كذلك قال تعالى: فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً وحرى الشيء يحرى نقص كأنه لزم الحرى ولم يمتد، قال الشاعر:
والمرء بعد تمامه يحرى
ورماه الله بأفعى حارية
(حزب) : الحزب جماعة فيها غلظ، قال عز وجل: أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً وحزب الشيطان وقوله تعالى: وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ عبارة عن المجتمعين لمحاربة النبي صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ يعنى أنصار اللَّه وقال تعالى: يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ وبعيده وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ.
(حزن) : الحزن والحزن خشونة فى الأرض وخشونة فى النفس لما يحصل فيه من الغم ويضاده الفرح ولاعتبار الخشونة بالغم قيل خشنت بصدره إذا حزنته يقال حزن يحزن وحزنته وأحزنته، قال عز وجل: لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ- تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً-نَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ
وقوله تعالى: وَلا تَحْزَنُوا- وَلا تَحْزَنْ فليس ذلك بنهي عن تحصيل الحزن فالحزن ليس يحصل بالاختيار ولكن النهى فى الحقيقة إنما هو عن تعاطى ما يورث الحزن واكتسابه وإلى معنى ذلك أشار الشاعر بقوله:
من سره أن لا يرى ما يسوءه
…
فلا يتخذ شيئا يبالى له فقدا
وأيضا يجب للإنسان أن يتصور ما عليه جبلت الدنيا حتى إذا ما بغتته نائبة لم يكترث بها لمعرفته إياها، ويجب عليه أن يروض نفسه على تحمل صغار النوب حتى يتوصل بها إلى تحمل كبارها.
(حس) : الحاسة القوة التي بها تدرك الأعراض الحسية، والحواس المشاعر الخمس يقال حسست وحسيت وأحسست. فأحسست يقال على وجهين: أحدهما: يقال أصبته بحس نحو عنته ورعته. والثاني أصبت حاسته نحو كبدته وفأدته، ولما كان ذلك قد يتولد منه القتل عبر به عن القتل فقيل حسسته أي قتلته قال تعالى: إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ والحسيس القتيل ومنه جراد محسوس إذا طبخ، وقولهم البرد للنبت وانحست أسنانه انفعال منه، فأما حسست فنحو علمت وفهمت، لكن لا يقال ذلك إلا فيما كان من جهة الحاسة. فأما حسيت فبقلب إحدى السينين ياء. وأما أحسسته فحقيقته أدركته بحاستى وأحست مثله لكن حذفت إحدى السينين تخفيفا نحو ظلت وقوله تعالى: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى
مِنْهُمُ الْكُفْرَ
فتنبيه أنه قد ظهر منهم الكفر ظهورا بان للحس فضلا عن الفهم، وكذا قوله تعالى: فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ وقوله تعالى:
هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أي هل تجد بحاستك أحدا منهم؟ وعبر عن الحركة بالحسيس والحس، قال تعالى: لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها والحساس عبارة عن سوء الخلق وجعل على بناء زكام وسعال.
(حسب) : الحساب استعمال العدد، يقال حسبت أحسب حسابا وحسبانا قال تعالى: لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وقال تعالى:
وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً وقيل لا يعلم حسبانه إلا اللَّه.
وقال عز وجل: وَيُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ قيل نارا وعذابا وإنما هو فى الحقيقة ما يحاسب عليه فيجازى بحسبه
وفى الحديث أنه قال صلى الله عليه وسلم فى الربح «اللهم لا تجعلها عذابا ولا حسبانا»
وقال: فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً إشارة إلى نحو ما روى: من نوقش فى الحساب معذب، وقال: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ نحو وَكَفى بِنا حاسِبِينَ وقوله عز وجل: وَلَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ- إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ فالهاء منها للوقف نحو: ماليه وسلطانيه وقوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ وقوله عز وجل: جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً فقد قيل كافيا وقيل ذلك إشارة إلى ما قال: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى وقوله: يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ ففيه أوجه. الأول: يعطيه أكثر مما يستحقه. والثاني: يعطيه ولا يأخذه منه والثالث يعطيه عطاء لا يمكن للبشر إحصاؤه كقول الشاعر:
عطاياه يحصى قبل إحصائها القطر
والرابع: يعطيه بلا مضايقة من قولهم حاسبته إذا ضايقته. والخامس:
يعطيه أكثر مما يحسبه. والسادس: أن يعطيه بحسب ما يعرفه من مصلحته لا على حسب حسابهم وذلك نحو ما نبه عليه بقوله تعالى: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ الآية. والسابع: يعطى المؤمن ولا يحاسبه عليه، ووجه ذلك أن المؤمن لا يأخذ من الدنيا إلا قدر ما يجب وكما يجب وفى وقت ما يجب ولا ينفق إلا كذلك ويحاسب نفسه فلا يحاسبه اللَّه حسابا يضره كما
روى «من حاسب نفسه فى الدنيا لم يحاسبه اللَّه يوم القيامة»
والثامن: يقابل اللَّه
المؤمنين فى القيامة لا بقدر استحقاقهم بل بأكثر منه كما قال عز وجل: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وعلى نحو هذه الأوجه قوله تعالى: فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ
، وقوله تعالى:
هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ وقد قيل: تصرف فيه تصرف من لا يحاسب أي تناول كما يجب وفى وقت ما يجب وعلى ما يجب وأنفقه كذلك.
والحسيب والمحاسب من يحاسبك، ثم يعبر به عن المكافي بالحساب، وحسب يستعمل فى معنى الكفاية حَسْبُنَا اللَّهُ أي كافينا هو وحَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ- وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً أي رقيبا يحاسبهم عليه. وقوله: ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فنحو قوله: عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ونحوه وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي وقيل معناه ما من كفايتهم عليكم بل اللَّه يكفيهم وإياك من قوله: عَطاءً حِساباً أي كافيا من قولهم حسبى كذا، وقيل أراد منه عملهم فسماه بالحساب الذي هو منتهى الأعمال. وقيل احتسب ابنا له، أي اعتد به عند اللَّه والحسبة فعل ما يحتسب به عند اللَّه تعالى الم أَحَسِبَ النَّاسُ- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ- وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ- فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ فكل ذلك مصدره الحسبان والحسبان، أن يحكم لأحد النقيضين من غير أن يخطر الآخر بباله فيحسبه ويعقد عليه الإصبع، ويكون بغرض أن يعتريه فيه شك، ويقارب ذلك الظن لكن الظن أن يخطر النقيضين بباله فيغلب أحدهما على الآخر.
(حسد) : الحسد تمنى زوال نعمة من مستحق لها وربما كان مع ذلك سعى فى إزالتها.
وروى «المؤمن يغبط والمنافق يحسد»
قال تعالى: حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ- وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ.
(حسر) : الحسد كشف الملبس عما عليه، يقال حسرت عن الذراع والحاسر من لا درع عليه ولا مغفر، والمحسرة المكنسة وفلان كريم المحسر كناية عن المختبر، وناقة حسير انحسر عنها اللحم والقوة، ونوق حسرى والحاسر المعيا لانكشاف قواه، ويقال للمعيا حاسر ومحسور، أما الحاسر فتصور أنه قد حسر بنفسه قواه، وأما المحسور فتصور أن التعب قد حسره وقوله عز وجل: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ يصح أن يكون بمعنى حاسر وأن يكون بمعنى
محسور. قال تعالى: فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً والحسرة الغم على ما فاته والندم عليه كأنه انحسر عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكبه أو انحسرت قواه من فرط غم أو أدركه إعياء عن تدارك ما فرط منه، قال تعالى: لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ- وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ وقال تعالى: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وقال تعالى: كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وقوله تعالى: يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ وقوله تعالى فى وصف الملائكة:
لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ وذلك أبلغ من قولك لا يحسرون.
(حسم) : الحسم إزالة أثر الشيء، يقال قطعه فحسمه أي أزال مادته وبه سمى السيف حساما وحسم الداء إزالة أثره بالكي وقيل للشؤم المزيل الأثر منه ناله حسوم، قال تعالى: ثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً قيل حاسما أثرهم وقيل حاسما خبرهم وقيل قاطعا لعمرهم وكل ذلك داخل فى عمومه.
(حسن) : الحسن عبارة عن كل مبهج مرغوب فيه وذلك ثلاثة أضرب: مستحسن من جهة العقل، ومستحسن من جهة الهوى، ومستحسن من جهة الحس. والحسنة يعبر بها عن كل ما يسر من نعمة تنال الإنسان فى نفسه وبدنه وأحواله، والسيئة تضادها، وهما من الألفاظ المشتركة كالحيوان الواقع على أنواع مختلفة كالفرس والإنسان وغيرهما فقوله تعالى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أي خصب وسعة وظفر وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أي جدب وضيق وخيبة وقال تعالى: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وقوله تعالى:
ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ أي من ثواب وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ أي من عتاب، والفرق بين الحسن والحسنة والحسنى أن الحسن يقال فى الأعيان والأحداث، وكذلك الحسنة إذا كانت وصفا وإذا كانت اسما فمتعارف فى الأحداث، والحسنى لا يقال إلا فى الأحداث دون الأعيان، والحسن أكثر ما يقال فى تعارف العامة فى المستحسن بالبصر، يقال رجل حسن وحسان وامرأة حسنا وحسانة وأكثر ما جاء فى القرآن من الحسن فللمستحسن من جهة البصيرة، وقوله تعالى: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أي الأبعد عن الشبهة كما
قال صلى الله عليه وسلم: «إذا شككت فى شىء فدع»
وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً أي كلمة حسنة وقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وقوله عز وجل: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وقوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً
لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ
إن قيل حكمه حسن لمن يوقن ولمن لا يوقن فلم خص؟ قيل القصد إلى ظهور حسنه والاطلاع عليه وذلك يظهر لمن تزكى واطلع على حكمة.
اللَّه تعالى دون الجهلة والإحسان يقال على وجهين أحدهما الإنعام على الغير يقال أحسن إلى فلان، والثاني إحسان فى فعله وذلك إذا علم علما حسنا أو عمل عملا حسنا وعلى هذا
قول أمير المؤمنين رضى اللَّه عنه: «الناس أبناء ما يحسنون»
أي منسوبون إلى ما يعلمون وما يعملونه من الأفعال الحسنة. قوله تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ. والإحسان أعم من الإنعام، قال تعالى: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ فالإحسان فوق العدل وذاك أن العدل هو أن يعطى ما عليه ويأخذ ماله والإحسان أن يعطى أكثر مما عليه ويأخذ أقل مما له. فالإحسان زائد على العدل فتحرى العدل واجب وتحرى الإحسان ندب وتطوع، وعلى هذا قوله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وقوله عز وجل: وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ
ولذلك عظم اللَّه تعالى ثواب المحسنين فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ المحسنين وقال: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وقال تعالى: ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ- لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ.
(حشر) : الحشر إخراج الجماعة عن مقرهم وإزعاجهم عنه إلى الحرب ونحوها،
وروى: «النساء لا يحشرن»
أي لا يخرجن إلى الغزو، ويقال ذلك فى الإنسان وفى غيره، يقال حشرت السنة مال بنى فلان أي أزالته عنهم ولا يقال الحشر إلا فى الجماعة قال اللَّه تعالى: وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ وقال تعالى: وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً وقال عز وجل: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ وقال: لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا- وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ وقال فى صفة القيامة: وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً-سَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً
- وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً وسمى يوم القيامة يوم الحشر كما سمى يوم البعث ويوم النشر، ورجل حشر الأذنين أي فى أذنه انتشار وحدة.
(حص) : حصحص الحق أي وضح وذلك بانكشاف ما يقهره وحص وحصحص نحو: كف وكفكف وكب وكبكب، وحصه قطع منه إما بالمباشرة وإما بالحكم فمن الأول قول الشاعر:
قد حصت البيضة رأسى
ومنه قيل رجل أحص انقطع بعض شعره، وامرأة حصاء، وقالوا رجل أحص يقطع بشؤمه الخيرات عن الخلق، والحصة القطعة من الجملة، وتستعمل استعمال النصيب.
(حصد) : أصل الحصد قطع الزرع، وزمن الحصد والحصاد كقولك زمن الجداد والجداد وقال تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ فهو الحصاد المحمود فى إبانه وقوله عز وجل: حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ فهو الحصاد فى غير إبانه على سبيل الإفساد. ومنه استعير حصدهم السيف. وقوله عز وجل: مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ فحصيد إشارة إلى نحو ما قال: فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَحَبَّ الْحَصِيدِ أي ما يحصد مما منه القوت
وقال صلى الله عليه وسلم «وهل يكب الناس على مناخرهم فى النار إلا حصائد ألسنتهم»
فاستعارة، وحبل محصد، ودرع حصداء، وشجرة حصداء، كل ذلك منه، وتحصد القوم تقوى بعضهم ببعض.
(حصر) : الحصر التضييق، قال عز وجل: وَاحْصُرُوهُمْ أي ضيقوا عليهم وقال عز وجل: وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً أي حابسا، قال الحسن معناه مهادا كأنه جعله الحصير المرمول، فإن الحصير سمى بذلك لحصر بعض طاقاته على بعض، وقال لبيد:
ومعالم غلب الرقاب كأنهم
…
جنّ لدى باب الحصير قيام
أي لدى سلطان وتسميته بذلك إما لكونه محصورا نحو محجب وإما لكونه حاصرا أي مانعا لمن أراد أن يمنعه من الوصول إليه، وقوله عز وجل: وَسَيِّداً وَحَصُوراً فالحصور الذي لا يأتى النساء إما من العنة وإما من العفة والاجتهاد فى إزالة الشهوة. والثاني أظهر فى الآية، لأن بذلك يستحق المحمدة، والحصر والإحصار المنع من طريق البيت، فالإحصار يقال فى المنع الظاهر كالعدو والمنع الباطن كالمرض، والحصر لا يقال إلا فى المنع الباطن فقوله تعالى: فَإِنْ
أُحْصِرْتُمْ
فمحمول على الأمرين وكذلك قوله لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وقوله عز وجل: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أي ضاقت بالبخل والجبن وعبر عنه بذلك كما عبر عنه بضيق الصدر، وعن ضده بالبر والسعة.
(حصن) : الحصن جمعه حصون قال اللَّه تعالى: مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ وقوله عز وجل: لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أي مجعولة بالإحكام كالحصون، وتحصن إذا اتخذ الحصن مسكنا ثم يتجوز به فى كل تحرز ومنه درع حصينة لكونها حصنا للبدن، وفرس حصان لكونه حصنا لراكبه وبهذا النظر قال الشاعر:
إن الحصون الخيل لا مدن القرى
وقوله تعالى: إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ أي تحزون فى المواضع الحصينة الجارية مجرى الحصن وامرأة حصان وحاصن وجمع الحصان حصن وجمع الحاصن حواصن، يقال حصان للعفيفة ولذات حرمة وقال تعالى: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها وأحصنت وحصنت قال اللَّه تعالى: فَإِذا أُحْصِنَّ أي تزوجن وأحصن زوجن والحصان فى الجملة المحصّنة إما بعفتها أو تزوجها أو بمانع من شرفها وحريتها. ويقال امرأة محصن ومحصن فالمحصن يقال إذا تصور حصنها من نفسها والمحصن يقال إذا تصور حصنها من غيرها وقوله عز وجل:
وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وبعده فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ولهذا قيل المحصنات المزوجات تصورا أن زوجها هو الذي أحصنها والمحصنات بعد قوله حُرِّمَتْ بالفتح لا غير وفى سائر المواضع بالفتح والكسر لأن اللواتى حرم التزوج بهن المزوجات دون العفيفات، وفى سائر المواضع يحتمل الوجهين.
(حصل) : التحصيل إخراج اللب من القشور كإخراج الذهب من حجر المعدن والبر من التبن، قال اللَّه تعالى: وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ أي أظهر ما فيها وجمع كإظهار اللب من القشر وجمعه، أو كإظهار الحاصل من الحساب.
وقيل للحثالة الحصيل. وحصل الفرس إذا اشتكى بطنه عن أكله، وحوصلة الطير ما يحصل فيه من الغذاء.
(حصا) : الإحصاء التحصيل بالعدد، يقال أحصيت كذا وذلك من لفظ الحصا واستعمال ذلك فيه من حيث إنهم كانوا يعتمدونه بالعد كاعتمادنا فيه على الأصابع، قال اللَّه تعالى: وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً أي حصله وأحاط به،
وقال صلى الله عليه وسلم: «من أحصاها دخل الجنة»
وقال: «نفس تنجيها خير لك من إمارة لا تحصيها»
وقال تعالى: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ
وروى «استقيموا ولن تحصوا»
أي لن تحصلوا ذلك، ووجه تعذر إحصائه وتحصيله هو أن الحق واحد والباطل كثير بل الحق بالإضافة إلى الباطل كالنقطة بالإضافة إلى سائر أجزاء الدائرة وكالمرمى من الهدف، فإصابة ذلك شديدة، وإلى هذا أشار ما
روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «شيبتنى هود وأخواتها» ، فسئل ما الذي شيبك منها؟ فقال قوله تعالى: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ
وقال أهل اللغة: لن تحصوا أي لن تحصوا ثوابه.
(حض) : الحض التحريض كالحث إلا أن الحث يكون سوق وسير والحض لا يكون بذلك، وأصله من الحث على الحضيض وهو قرار الأرض، قال اللَّه تعالى: وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ.
(حضب) : الحضب الوقود ويقال لما تسعر به النار محضب وقرىء (حضب جهنم) .
(حضر) : الحضر خلاف البدو والحضارة والحضارة السكون بالحضر كالبداوة والبداوة ثم جعل ذلك اسما لشهادة مكان أو إنسان أو غيره فقال تعالى:
كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ- وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ وقال تعالى:
وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ- عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ وقال: وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ وذلك من باب الكناية أي أن يحضرنى الجن، وكنى عن المجنون بالمحتضر وعمن حضره الموت بذلك، وذلك لما نبه عليه قوله عز وجل:
وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، وقوله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ، وقال تعالى: ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً أي مشاهدا معاينا فى حكم الحاضر عنده وقوله عز وجل: وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ أي قربه وقوله: تِجارَةً حاضِرَةً أي نقدا، وقوله تعالى: وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ- فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ- شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ أي يحضره أصحابه. والحضر خص بما يحضر به الفرس إذا طلب جريه يقال أحضر
الفرس، واستحضرته طلبت ما عنده من الحضر، وحاضرته محاضرة وحضارا إذا حاججته من الحضور كأنه يحضر كل واحد حجته، أو من الحضر كقولك جاريته. والحضيرة جماعة من الناس يحضر بهم الغزو وعبربه عن حضور الماء، والمحضر يكون مصدر حضرت وموضع الحضور.
(حط) : الحط إنزال الشيء من علو وقد حططت الرحل، وجارية محطوطة المتنين، وقوله تعالى: وَقُولُوا حِطَّةٌ كلمة أمر بها بنى إسرائيل ومعناه حط عنا ذنوبنا وقيل معناه قولوا صوابا.
(حطب) : كانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً
أي ما يعد للإيقاد وقد حطب حطبا واحتطبت وقيل للمخلط فى كلامه حاطب ليل لأنه ما يبصر ما يجعله فى حبله، وحطبت لفلان حطبا عملته له ومكان حطيب كثيرا الحطب، وناقة محاطبة تأكل الحطب، وقوله تعالى: حَمَّالَةَ الْحَطَبِ كناية عنها بالنميمة وحطب فلان بفلان سعى به وفلان يوقد بالحطب الجزل كناية عن ذلك.
(حطم) : الحطم كسر الشيء مثل الهشم ونحوه، ثم استعمل لكل كسر متناه، قال اللَّه تعالى: لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وحطمته فانحطم حطما وسائق حطم يحطم الإبل لفرط سوقه وسميت الجحيم حطمة، قال اللَّه تعالى:
فى الحطمة: وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ وقيل للأكول حطمة تشبيها بالجحيم تصورا لقول الشاعر:
كأنما فى جوفه تنور
ودرع حطمية منسوبة إلى ناسجها أو مستعمها، وحطيم وزمزم مكانان، والحطام ما يتكسر من اليبس، قال عز وجل: ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً.
(حظ) : الحظ النصيب المقدر وقد حظظ وأحظ فهو محظوظ وقيل فى جمعه أحاظ وأحظ قال اللَّه تعالى: فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ، وقال تعالى:
لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.
(حظر) : الحظر جمع الشيء فى حظيرة، والمحظور الممنوع والمحتظر
الذي يعمل الحظيرة، قال تعالى: فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ، وقد جاء فلان بالحظر الرطب أي الكذب المستبشع.
(حف) : قال عز وجل: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ أي مطيفين بحافتيه أي جانبيه، ومنه
قول النبي عليه الصلاة والسلام: «تحفه الملائكة بأجنحتها»
قال الشاعر:
له لحظات فى حفافى سريره
وجمعه أحفة وقال عز وجل: وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وفلان فى حفف من العيش أي فى ضيق كأنه حصل فى حفف منه أي جانب بخلاف من قيل فيه هو فى واسطة من العيش، ومنه قيل من حفنا أو رفنا فليقتصد، أي من تفقد حفف عيشنا. وحفيف الشجر والجناح صوته فذلك حكاية صوته، والحف آلة النساج سمى بذلك لما يسمع من حفه وهو صوت حركته.
(حفد) : قال اللَّه تعالى: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً جمع حافد وهو المتحرك المتبرع بالخدمة أقارب كانوا أو أجانب، قال المفسرون:
هم الأسباط ونحوهم، وذلك أن خدمتهم أصدق، قال الشاعر:
حفد الولائد بينهن
وفلان محفود أي مخدوم وهم الأختان والأصهار، وفى الدعاء إليك نسعى ونحفد، وسيف محتفد سريع القطع، قال الأصمعى: أصل الحفد مداركة الخطو.
(حفر) : قال اللَّه تعالى: وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ أي مكان محفور ويقال لها حفيرة، والحفر التراب الذي يخرج من الحفرة نحو نقض لما ينقض والمحفار والمحفر، والمحفرة ما يحفر به، وسمى حافر الفرس تشبيها لحفره فى عدوه وقوله عز وجل: أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ مثل لمن يرد من حيث جاء أي أنحيا بعد أن نموت؟ وقيل الحافرة الأرض التي جعلت قبورهم ومعناه أإنا لمردودون ونحن فى الحافرة؟ أي فى القبور، وقوله فى الحافرة على هذا فى موضع الحال. وقيل رجع على حافرته ورجع الشيخ إلى حافرته أي هرم نحو قوله:
وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ وقولهم النقد عند الحافرة لما يباع نقدا وأصله فى الفرس إذا بيع فيقال لا يزول حافره أو ينقد ثمنه. والحفر تأكل الأسنان وقد حفر فوه حفرا وأحفر المهر للأثناء والأرباع.
(حفظ) : الحفظ يقال تارة لهيئة النفس التي بها يثبت ما يؤدى إليه الفهم وتارة لضبط فى النفس ويضاده النسيان وتارة لاستعمال تلك القوة فيقال حفظت كذا حفظا ثم يستعمل فى كل تفقد وتعهد ورعاية، قال اللَّه تعالى: وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ- حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ- وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ- وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ كناية عن العفة حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ أي يحفظن عهد الأزواج عند غيبتهم بسبب أن اللَّه تعالى يحفظهن أن يطلع عليهن وقرىء بِما حَفِظَ اللَّهُ بالنصب أي بسبب رعايتهن حق اللَّه تعالى لا لرياء وتصنع منهن، فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً أي حافظا كقوله: وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ- وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ- فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وقرىء: (حفظا) أي حفظه خير من حفظ غيره. وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ أي حافظ لأعمالهم فيكون حفيظ بمعنى حافظ نحو: اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ أو معناه محفوظ لا يضيع كقوله تعالى: عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى والحفاظ المحافظة وهى أن يحفظ كل واحد الآخر، وقوله عز وجل: وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ فيه تنبيه أنهم يحفظون الصلاة بمراعاة أوقاتها ومراعاة أركانها والقيام بها فى غاية ما يكون من الطوق وأن الصلاة تحفظهم الحفظ الذي نبه عليه فى قوله: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ، والتحفظ قيل هو قلة العقل، وحقيقته إنما هو تكلف الحفظ لضعف القوة الحافظة ولما كانت تلك القوة من أسباب العقل توسعوا فى تفسيرها كما ترى. والحفيظة الغضب الذي تحمل عليه المحافظة ثم استعمل فى الغضب المجرد فقيل أحفظنى فلان أي أغضبنى.
(حفى) : الإحفاء فى السؤال التنزع فى الإلحاح فى المطالبة أو فى البحث عن تعرف الحال وعلى الوجه الأول يقال أحفيت السؤال وأحفيت فلانا فى السؤال قال اللَّه تعالى: إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وأصل ذلك من أحفيت الدابة جعلتها حافيا أي منسجح الحافر، والبعير جعلته منسجح الخف من المشي حتى يرق وقد حفى حفا وحفوة ومنه أحفيت الشارب أخذته أخذا
متناهيا، والحفي البر اللطيف، قوله عز وجل: إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا ويقال أحفيت بفلان وتحفيت به إذا عنيت بإكرامه، والحفي العالم بالشيء.
(حق) : أصل الحق المطابقة والموافقة كماطبقة رجل الباب في حقه لدورانه على استقامة والحق يقال على أوجه:
الأول: يقال لموجد الشيء بسبب ما تقتضيه الحكمة ولهذا قيل فى اللَّه تعالى هو الحق، قال اللَّه تعالى: ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وقيل بعيد ذلك:
فَذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ-فَماذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ.
والثاني: يقال للموجد بحسب مقتضى الحكمة ولهذا يقال فعل اللَّه تعالى كله حق، وقال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً إلى قوله تعالى: ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ وقال فى القيامة وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وقوله عز وجل: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ- وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ.
والثالث: فى الاعتقاد للشىء المطابق لما عليه ذلك الشيء فى نفسه كقولنا اعتقاد فلان فى البعث والثواب والعقاب والجنة والنار حق، قال اللَّه تعالى:
فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ.
والرابع: للفعل والقول الواقع بحسب ما يجب وبقدر ما يجب وفى الوقت الذي يجب كقولنا فعلك حق وقولك حق، قال اللَّه تعالى: كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ- حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ
وقوله عز وجل: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ يصح أن يكون المراد به اللَّه تعالى ويصح أن يراد به الحكم الذي هو بحسب مقتضى الحكمة. ويقال أحققت كذا أي أثبته حقا أو حكمت بكونه حقا، وقوله تعالى: لِيُحِقَّ الْحَقَّ فإحقاق الحق على ضربين: أحدهما بإظهار الأدلة والآيات كما قال تعالى: وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً أي حجة قوية. والثاني بإكمال الشريعة وبثها فى الكافة كقوله تعالى: وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ- هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وقوله: الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ إشارة إلى القيامة كما فسره بقوله: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لأنه يحق فيه الجزاء، ويقال حافقته فحققته أي خاصمته فى الحق فغلبته.
وقال عمر رضى اللَّه عنه: «إذا النساء بلغن نص الحقاق فالعصبة أولى فى ذلك» وفلان نزق الحقاق إذا خاصم فى صغار الأمور، ويستعمل استعمال الواجب واللازم والجائز، نحو: كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
- كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ وقوله تعالى: حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قيل معناه جدير، وقرىء حقيق على قيل واجب، وقوله تعالى: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ والحقيقة تستعمل تارة فى الشيء الذي له ثبات ووجود
كقوله صلى الله عليه وسلم لحارثة: «لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك؟»
أي ما الذي ينبىء عن كون ما تدعيه حقا، وفلان يحمى حقيقته أي ما يحق عليه أن يحمى. وتارة تستعمل فى الاعتقاد كما تقدم وتارة فى العمل وفى القول فيقال فلان لفعله حقيقة إذا لم يكن مرائيا فيه، ولقوله حقيقة إذا لم يكن فيه مترخصا ومستزيدا ويستعمل فى ضده المتجوز والمتوسع والمتفسح، وقيل الدنيا باطل والآخرة حقيقة تنبيها على زوال هذه وبقاء تلك. وأما فى تعارف الفقهاء والمتكلمين فهى اللفظ المستعمل فيما وضع له فى أصل اللغة، والحق من الإبل ما استحق أن يحمل عليه والأنثى حقة والجمع حقاق وأتت الناقة على حقها أي على الوقت الذي ضربت فيه من العام الماضي.
(حقب) : قوله تعالى: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً قيل جمع الحقب أي الدهر قيل والحقبة ثمانون عاما وجمعها حقب، والصحيح أن الحقبة مدة من الزمان مبهمة. والاحتقاب شد الحقيبة من خلف الراكب وقيل احتقبه واستحقبه وحقب البعير تعسر عليه البول لوقوع حقبه فى ثيله والأحقب من حمر الوحش وقيل هو الدقيق الحقوين وقيل: هو الأبيض الحقوين والأنثى حقباء.
حقف) : قوله تعالى: إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ جمع الحقف أي الرمل المائل وظبى حاقف ساكن للحقف واحقوقف مال حتى صار كحقف قال:
سماوة الهلال حتى احقوقفا
(حكم) : حكم أصله منع منعا لإصلاح ومنه سميت اللجام حكمة
الدابة فقيل حكمته وحكمت الدابة منعتها بالحكمة وأحكمتها جعلت لها حكمة وكذلك حكمت السفينة وأحكمتها، قال الشاعر:
أبنى حنيفة أحكموا سفهاءكم
وقوله: فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، والحكم بالشيء أن تقضى بأنه كذا أو ليس بكذا سوآء ألزمت ذلك غيرك أو لم تلزمه، قال تعالى: وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ- يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ وقال:
فاحكم كحكم فتاة الحي إذا نظرت
…
إلى حمام سراع وارد الثمد
الثمد الماء القليل. وقيل معناه كن حكيما، وقال عز وجل: أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وقال تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ويقال حاكم وحكام لمن يحكم بين الناس، قال اللَّه تعالى: وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ والحكم المتخصص بذلك فهو أبلغ قال اللَّه تعالى: أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وقال عز وجل: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها وإنما قال حكما ولم يقل حاكما تنبها أن من شرط الحكمين أن يتوليا الحكم عليهم ولهم حسب ما يستصوبانه من غير مراجعة إليهم فى تفصيل ذلك، ويقال الحكم للواحد والجمع وتحاكمنا إلى الحاكم، قال تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وحكمت فلانا، قال تعالى: حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ فإذا قيل حكم بالباطل فمعناه أجرى الباطل مجرى الحكم والحكمة إصابة الحق بالعلم والعقل، فالحكمة من اللَّه تعالى معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام، ومن الإنسان معرفة الموجودات وفعل الخيرات وهذا هو الذي وصف به لقمان فى قوله عز وجل: وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ ونبه على جملتها بما وصفه بها. فإذا قيل فى اللَّه تعالى هو حكيم فمعناه بخلاف معناه إذا وصف به غيره، ومن هذا الوجه قال اللَّه تعالى: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ وإذا وصف به القرآن فلتضمنه الحكمة نحو: الم تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ وعلى ذلك قال:
وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ حِكْمَةٌ بالِغَةٌ وقيل معنى الحكيم المحكم نحو: أُحْكِمَتْ آياتُهُ وكلاهما صحيح فإنه محكم ومفيد للحكم ففيه المعنيان
جميعا. والحكم أعم من الحكمة فكل حكمة حكم وليس كل حكم حكمة، فإن الحكم أن يقضى بشىء على شىء فيقول هو كذا أو ليس بكذا،
قال صلى الله عليه وسلم: «إن من الشعر لحكمة»
أي قضية صادقة وذلك نحو قول لبيد:
إن تقوى ربنا خير نفل
قال اللَّه تعالى: وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا،
وقال صلى الله عليه وسلم: «الصمت حكم، وقليل فاعله»
، أي حكمة، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، وقال تعالى: وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ، قيل تفسير القرآن ويعنى ما نبه عليه القرآن من ذلك إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ أي ما يريده يجعله حكمة وذلك حث للعباد على الرضى بما يقضيه. قال ابن عباس رضى اللَّه عنه فى قوله: مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ هى علم القرآن ناسخه ومنسوخه، محكمه ومتشابهه وقال ابن زيد: هى علم آياته وحكمه. وقال السدى: هى النبوة، وقيل فهم حقائق القرآن وذلك إشارة إلى أبعادها التي تختص بأولى العزم من الرسل ويكون سائر الأنبياء تبعا لهم فى ذلك. وقوله عز وجل: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا فمن الحكمة المختصة بالأنبياء أو من الحكم قوله عز وجل: آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فالمحكم مالا يعرض فيه شبهة من حيث اللفظ ولا من حيث المعنى والمتشابه على أضرب تذكر فى بابه إن شاء اللَّه،
وفى الحديث: «إن الجنة للمحكمين»
قيل هم قوم خيروا بين أن يقتلوا مسلمين وبين أن يرتدوا فاختاروا القتل، وقيل عن المخصصين بالحكمة.
(حل) : أصل الحل حل العقدة ومنه قوله عز وجل: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي وحللت نزلت، أصله من حل الأحمال عند النزول ثم جرد استعماله للنزول فقيل حل حلولا، وأحله غيره، قال عز وجل: أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ- وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ ويقال حل الدين وجب أداؤه، والحلة القوم النازلون وحى حلال مثله والمحلة مكان النزول ومن حل العقدة استعير قولهم حل الشيء حلا، قال اللَّه تعالى: وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالًا طَيِّباً وقال تعالى: هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ ومن الحلول أحلت الشاة نزل اللبن فى ضرعها وقال تعالى: حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ وأحل اللَّه كذا، قال تعالى:
أُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ وقال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ الآية، فإحلال الأزواج هو فى الوقت لكونهن تحته، وإحلال بنات العم وما بعدهن إحلال التزوج بهن، وبلغ الأجل محله، ورجل حلال ومحل إذا خرج من الإحرام أو خرج من الحرم، قال عز وجل: وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا وقال تعالى: وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ أي حلال، وقوله عز وجل: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ أي بين ما تنحل به عقدة أيمانكم من الكفارة،
وروى «لا يموت للرجل ثلاثة من الأولاد فتمسه النار إلا قدر تحلة القسم»
أي قدر ما يقول إن شاء اللَّه تعالى وعلى هذا قول الشاعر:
وقعهنّ الأرض تحليل والحليل الزوج إما لحل كل واحد منهما إرادة للآخر، وإما لنزوله معه، وإما لكونه حلالاله ولهذا يقال لمن يحالك حليل والحليلة الزوجة وجمعها حلائل، قال اللَّه تعالى: وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ والحلة إزار ورداء، والإحليل مخرج البول لكونه محلول العقدة.
(حلف) : الحلف العهد بين القوم والمحالفة المعاهدة، وجعلت للملازمة التي تكون بمعاهدة، وفلان حلف كرم، وحلف كرم. والأحلاف جمع حليف، قال الشاعر:
تداركتما الأحلاف قد ثل عرشها
والحلف أصله اليمين الذي يأخذ بعضهم من بعض بها العهد ثم عبربه عن كل يمين، قال اللَّه تعالى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ أي مكثار للحلف وقال تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا- يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ- يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وشىء محلف يحمل الإنسان على الحلف، وكميت محلف إذا كان يشك فى كميتته وشقرته فيحلف واحد أنه كميت وآخر أنه أشقر. والمحالفة أن يحلف كل للآخر ثم جعلت عبارة عن الملازمة مجردا فقيل
حلف فلان وحليفه،
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا حلف فى الإسلام»
وفلان حليف اللسان أي حديده كأنه يحالف الكلام فلا يتباطأ عنه وحليف الفصاحة.
(حلق) : الحلق العضو المعروف، وحلقه قطع حلقه ثم جعل الحلق لقطع الشعر وجزه فقيل حلق شعره، قال اللَّه تعالى: وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ وقال تعالى: مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ ورأس حليق ولحية حليق.
وعقرى حلقى فى الدعاء على الإنسان أي أصابته مصيبة تحلق النساء شعورهن، وقيل معناه قطع اللَّه حلقها. وقيل للأكسية الخشنة التي تحلق الشعر بخشونتها محالق، والحلقة سميت تشبيها بالحلق فى الهيئة وقيل حلقة وقال بعضهم: لا أعرف الحلقة إلا فى الذين يحلقون الشعر. وإبل محلقة سمتها حلق واعتبر فى الحلقة معنى الدوران فقيل حلقة القوم وقيل حلق الطائر إذا ارتفع ودار فى طيرانه.
(حلم) : الحلم ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب وجمعه أحلام، قال اللَّه تعالى: أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ قيل معناه عقولهم وليس الحلم فى الحقيقة هـ العقل لكن فسروه بذلك لكونه من مسببات العقل، وقد حلم وحلمه العقل وتحلم وأحلمت المرأة ولدت أولادا حلماء، قال اللَّه تعالى: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ وقوله تعالى: فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ أي وجدت فيه قوة الحلم، وقوله عز وجل: وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ أي زمان البلوغ وسمى الحلم لكون صاحبه جديرا بالحلم، ويقال حلم فى نومه يحلم حلما وحلما وقيل حلما نحو ربع وتحلم واحتلم وحلمت به فى نومى أي رأيته فى المنام، قال تعالى: قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ والحلمة القراد الكبير، قيل سميت بذلك لتصورها بصورة ذى الحلم لكثرة هدوها، فأما حلمة الثدي فتشبيها بالحلمة من القراد فى الهيئة بدلالة تسميتها بالقرد فى قول الشاعر:
كأن قرادى زوره طبعتهما
…
بطين من الحولان كتاب أعجمى
وحلم الجلد وقعت فيه الحلمة، وحلمت البعير نزغت عنه الحلمة، ثم يقال حلمت فلانا إذا داريته ليسكن وتتمكن منه تمكنك من البعير إذا سكنته بنزع القراد عنه.
(حلى) : الحلىّ جمع الحلي نحو ثدى وثدى قال اللَّه تعالى: مِنْ
حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ يقال حلى يحلى، قال اللَّه تعالى: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وقال تعالى: وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وقيل الحلية قال تعالى: أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ.
(حم) : الحميم الماء الشديد الحرارة، قال تعالى: وَسُقُوا ماءً حَمِيماً- إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً وقال تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وقال عز وجل: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ- ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ- هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وقيل للماء الحار فى خروجه من منبعه حمة، وروى العالم كالحمة يأتيها البعداء ويزهد فيها القرباء، وسمى العرق حميما على التشبيه واستحم الفرس عرق. وسمى الحمام حماما إما لأنه يعرق، وإما لما فيه من الماء الحار، واستحم فلان دخل الحمام، وقوله عز وجل: فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ. وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ وقوله تعالى: وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً فهو القريب المشفق فكأنه الذي يحتد حماية لذويه، وقيل لخاصة الرجل حامته فقيل الحامة والعامة، وذلك لما قلنا، ويدل على ذلك أنه قيل للمشفقين من أقارب الإنسان حزانته أي الذين يحزنون له، واحتم فلان لفلان احتد وذلك أبلغ من اهتم لما فيه من معنى الاحتمام وأحم الشحم أذابه وصار كالحميم وقوله عز وجل:
وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ للحميم فهو يفعول من ذلك وقيل أصله الدخان الشديد السواد وتسميته إما لما فيه من فرط الحرارة كما فسره فى قوله: لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ أو لما تصور فيه من الحممة فقد قيل للأسود يحموم وهو من لفظ الحممة وإليه أشير بقوله: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ وعبر عن الموت بالحمام كقولهم: حم كذا أي قدر، والحمى سميت بذلك إما لما فيها من الخرارة المفرطة، وعلى ذلك
قوله صلى الله عليه وسلم: «الحمى من فيح جهنم»
وإما لما يعرض فيها من الحميم أي العرق، وإما لكونها من أمارات الحمام لقولهم:
الحمى پريد الموت، وقيل باب الموت، وسمى حمى البعير حماما فجعل لفظه من لفظ الحمام لما قيل إنه قلما يبرأ البعير من الحمى، وقيل حمم الفرخ إذا اسود جلده من الريش وحمم وجهه اسود بالشعر فيهما من لفظ الحممة، وأما حمحمت، الفرس فحكاية لصوته وليس من الأول فى شىء.
(حمد) : الحمد للَّه تعالى الثناء عليه بالفضيلة وهو أخص من المدح وأعم من الشكر، فإن المدح يقال فيما يكون من الإنسان باختياره، ومما يقال منه وفيه
بالتسخير فقد يمدح الإنسان بطول قامته وصباحة وجهه كما يمدح ببذل ماله وسخائه وعلمه، والحمد يكون فى الثاني دون الأول. والشكر لا يقال إلا فى مقابلة نعمة فكل شكر حمد وليس كل حمد شكرا، وكل حمد مدح وليس كل مدح حمدا. ويقال فلان محمود إذا حمد، ومحمد إذا كثرت خصاله المحمودة، ومحمد إذا وجد محمودا، وقوله عز وجل: إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ يصح أن يكون فى معنى المحمود وأن يكون فى معنى الحامد. وحماداك أن تفعل كذا أي غايتك المحمودة، وقوله عز وجل: وَمُبَشِّراً. بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فأحمد إشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم باسمه وفعله تنبيها أنه كما وجد اسمه أحمد يوجد وهو محمود فى أخلاقه وأحواله، وخص لفظه أحمد فيما بشر به عيسى عليه السلام تنبيها أنه أحمد منه ومن الذين قبله، وقوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فمحمد هاهنا وإن كان من وجه اسما له علما، ففيه إشارة إلى وصفه بذلك وتخصيصه بمعناه كما مضى ذلك فى قوله تعالى: إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى أنه على معنى الحياة كما بين فى بابه.
(حمر) : الحمار الحيوان المعروف وجمعه حمير وأحمرة وحمر، قال تعالى:
وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ ويعبر عن الجاهل بذلك كقوله تعالى: كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً وقال: كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ وحمار قبان: دويبة.
والحماران حجران يجفف عليهما الأقط شبه بالحمار فى الهيئة. والمحمر الفرس الهجين المشبه بلادته ببلادة الحمار، والحمرة فى الألوان. وقيل الأحمر والأسود للعجم والعرب اعتبارا بغالب ألوانهم، وربما قيل حمراء العجان. والأحمران اللحم والخمر اعتبارا بلونيهما، والموت الأحمر أصله فيما يراق فيه الدم، وسنة حمراء جدبة للحمرة العارضة فى الجو منها. وكذلك حمرة الغيظ لشدة حرها. وقيل وطاءة حمراء إذا كانت جديدة ووطاءة دهماء دارسة.
(حمل) : الحمل معنى واحد اعتبر فى أشياء كثيرة فسوى بين لفظه فى فعل وفرق بين كثير منها فى مصادرها فقيل فى الأثقال المحمولة فى الظاهر كالشىء المحمول على الظهر حمل، وفى الأثقال المحمولة فى الباطن حمل كالولد فى البطن والماء فى السحاب والثمرة فى الشجرة تشبيها بحمل المرأة قال تعالى: وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ يقال حملت الثقل والرسالة والوزر حملا قال اللَّه تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ، وقال تعالى: وَما هُمْ
بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ
وقال تعالى: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ وقال عز وجل: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وقوله عز وجل: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ أي كلفوا أن يتحملوها أي يقوموا بحقها فلم يحملوها ويقال حملته كذا فتحمله وحملت عليه كذا فتحمله واحتمله وحمله، وقال تعالى:
فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً- حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ وقوله: فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وقال تعالى: وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا- رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وقال عز وجل: وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ- ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً- وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وحملت المرأة حبلت وكذا حملت الشجرة، يقال حمل وأحمال، قال عز وجل: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ- وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ- حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ- حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً- وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً والأصل فى ذلك الحمل على الظهر. فاستعير للحبل بدلالة قولهم وسقت الناقة إذا حملت وأصل الوسق الحمل المحمول على ظهر البعير، وقيل المحمولة لما يحمل عليه كالقتوبة والركوبة، والحمولة لما يحمل والحمل للمحمول وخص الضأن الصغير بذلك لكونه محمولا لعجزه أو لقربه من حمل أمه إياه، وجمعه أحمال وحملان وبها شبه السحاب فقال عز وجل: فَالْحامِلاتِ وِقْراً والحميل السحاب الكثير الماء لكونه حاملا للماء، والحميل ما يحمله السيل والغريب تشبيها بالسيل والولد فى البطن، والحميل الكفيل لكونه حاملا للحق مع من عليه الحق، وميراث الحميل لمن لا يتحقق نسبه وحمالة الحطب كناية عن النمام، وقيل فلان يحمل الحطب الرطب أي ينم.
(حمى) : الحمى الحرارة المتولدة من الجواهر المحمية كالنار والشمس ومن القوة الحارة فى البدن قال تعالى: (فى عين حامية) أي حارّة وقرىء حَمِئَةٍ وقال عز وجل: يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ وحمى النهار وأحميت الحديدة إحماء. وحميا الكأس سورتها وحرارتها وعبر عن القوة الغضبية إذا ثارت وكثرت بالحمية فقيل حميت على فلان أي غضبت عليه، قال تعالى: حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ وعن ذلك استعير قولهم حميت المكان حمى وروى «لا حمى إلا للَّه ورسوله» وحميت أنفى محمية وحميت المريض حميا، وقوله عز وجل: وَلا حامٍ قيل
هو الفحل إذا ضرب عشرة أبطن كان يقال حمى ظهره فلا يركب، وأحماء المرأة كل من كان من قبل زوجها وذلك لكونهم حماة لها، وقيل حماها وحميها وقد همز فى بعض اللغات فقيل حمء نحو كمء، والحمأة والحمأ: طين أسود منتن قال تعالى: مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ويقال حمأت البئر أخرجت حمأتها وأحمأتها جعلت فيها حمأ وقد قرىء فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ذات حماء.
(حنّ) : الحنين النزاع المتضمن للإشفاق، يقال حنت المرأة والناقة لولدها وقد يكون مع ذلك صوت ولذلك يعبر بالحنين عن الصوت الدال على النزاع والشفقة، أو متصور بصورته وعلى ذلك حنين الجذع، وريح حنون وقوس حنانة إذا رنت عند الإنباض وقيل ماله حانة ولا آنة أي لا ناقة ولا شاة سمينة ووصفتا بذلك اعتبارا بصوتهما. ولما كان الحنين متضمنا للإشفاق والإشفاق لا ينفك من الرحمة عبر عن الرحمة به فى نحو قوله تعالى: وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا ومنه قيل الحنان المنان، وحنانيك إشفاقا بعد إشفاق، وتثنيته كتثنية لبيك وسعديك، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ منسوب إلى مكان معروف.
(حنث) : قال اللَّه تعالى: وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ أي الذنب المؤثم، وسمى اليمين الغموس حنثا لذلك، وقيل حنث فى يمينه إذا لم يف بها وعبر بالحنث عن البلوغ لما كان الإنسان عنده يؤخذ بما يرتكبه خلافا لما كان فقيل بلغ فلان الحنث. والمتحنث النافض عن نفسه الحنث نحو المتحرج والمتأثم.
(حنجر) : قال تعالى: لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ وقال عز وجل:
وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ جمع حنجرة وهى رأس الغلصمة من خارج.
(حنذ) : قال تعالى: جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ أي مشوى بين حجرين وإنما يفعل ذلك لتتصبب عنه اللزوجة التي فيه وهو من قولهم حنذت الفرس استحضرته شوطا أو شوطين ثم ظاهرت عليه الجلال ليعرق وهو محنوذ وحنيذ وقد حنذتنا الشمس ولما كان ذلك خروج ماء قليل قيل إذا سقيت الخمر أحنذ أي قلل الماء فيها، كالماء الذي يخرج من العرق والحنيذ.
(حنف) : الحنف هو ميل عن الضلال إلى الاستقامة، والجنف ميل عن الاستقامة إلى الضلال، والحنيف هو المائل إلى ذلك قال عز وجل: قانِتاً لِلَّهِ
حَنِيفاً
وقال: حَنِيفاً مُسْلِماً وجمعه حنفاء، قال عز وجل: وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفاءَ لِلَّهِ وتحنف فلان أي تحرى طريق الاستقامة، وسميت العرب كل من حج أو اختتن حنيفا تنبيها أنه على دين إبراهيم عليه السلام، والأحنف من فى رجله ميل قيل سمى بذلك على التفاؤل وقيل بل استعير للميل المجرد.
(حنك) : الحنك حنك الإنسان والدابة، وقيل لمنقار الغراب، حنك لكونه كالحنك من الإنسان وقيل أسود مثل حنك الغراب وحلك الغراب فحنكه منقاره وحلكه سواد ريشه، وقوله تعالى: لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا يجوز أن يكون من قولهم حنكت الدابة أصبت حنكها باللجام والرسن فيكون نحو قولك لألحمن فلانا ولأرسننه، ويجوز أن يكون من قولهم احتنك الجراد الأرض أي استولى بحنكه عليها فأكلها واستأصلها فيكون معناه لأستولين عليهم استيلاءه على ذلك، وفلان حنكه الدهر كقولهم نجره وفرع سنه وافتره ونحو ذلك من الاستعارة فى التجربة.
(حوب) : الحوب الإثم قال عز وجل: إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً والحوب المصدر منه وروى طلاق أم أيوب حوب وتسميته بذلك لكونه مزجورا عنه من قولهم حاب حوبا وحوبا وحيابة والأصل فيه حوب لزجر الإبل، وفلان يتحوب من كذا أي يتأثم، وقولهم ألحق اللَّه به الحوبة أي المسكنة والحاجة وحقيقتها هى الحاجة التي تحمل صاحبها على ارتكاب الإثم، وقيل بات فلان بحيبة سوء.
والحوباء قيل هى النفس وحقيقتها هى النفس المرتكبة للحوب وهى الموصوفة بقوله تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ.
(حوت) : قال اللَّه تعالى: نَسِيا حُوتَهُما وقال تعالى: فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وهو السمك العظيم إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وقيل حاوتنى فلان أي راوغنى مراوغة الحوت.
(حيد) : قال عز وجل: ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ أي تعدل عنه وتنفر منه.
(حيث) : عبارة عن مكان مبهم يشرح بالجملة التي بعده نحو قوله تعالى: وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ- وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ.
(حوذ) : الحوذ أن يتبع السائق حاذيى البعير أي أدبار فخذيه فيعنف فى سوقه، يقال حاذ الإبل يحوذها أي ساقها سوقا عنيفا، وقوله: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ استاقهم مستوليا عليهم أو من قولهم استحوذ العير على الأتان أي استولى على حاذيها أي جانبى ظهرها. ويقال استحاذ وهو القياس واستعارة ذلك كقولهم: اقتعده الشيطان وارتكبه، والأحوذى الخفيف الحاذق بالشيء من الحوذ، أي السوق.
(حور) : الحور التردد إما بالذات وإما بالفكر، وقوله عز وجل: إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ أي لن يبعث وذلك نحو قوله: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ وحار الماء فى الغدير تردد فيه، وحار فى أمره تحير ومنه المحور للعود الذي تجرى عليه البكرة لتردده وبهذا النظر قيل سير السواني أبدا لا ينقطع. ومحارة الأذن لظاهره المنقعر تشبيها بمحارة الماء لتردد الهواء بالصوت فيه كتردد الماء فى المحارة، والقوم فى حوار فى تردد إلى نقصان وقوله نعوذ باللَّه من الحور بعد الكور أي من التردد فى الأمر بعد المضي فيه أو من نقصان وتردد فى الحال بعد الزيادة فيها، وقيل حار بعد ما كان. والمحاورة والحوار المرادة فى الكلام، ومنه التحاور قال اللَّه تعالى: وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما وكلمته فما رجع إلى حوار أو حوير أو محورة وما يعيش بأحور أي بعقل يحور إليه، وقوله تعالى: حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ- وَحُورٌ عِينٌ جمع أحور وحوراء، والحور قيل ظهور قليل من البياض فى العين من بين السواد وأحورت عينه وذلك نهاية الحسن من العين، وقيل حورت الشيء بيضته ودورته ومنه الخبز الحوار.
والحواريون أنصار عيسى عليه السلام، قيل كانوا قصارين وقيل كانوا صيادين وقال بعض العلماء إنما سموا حواريين لأنهم كانوا يطهرون نفوس الناس بإفادتهم الدين والعلم المشار إليه بقوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً قال: وإنما قيل كانوا قاصرين على التمثيل والتشبيه وتصور منه من لم يتخصص بمعرفته الحقائق المهنة المتداولة بين العامة، قال: وإنما كانوا صيادين لاصطيادهم نفوس الناس من الحيرة وقودهم إلى الحق،
قال صلى الله عليه وسلم: «الزبير ابن عمتى وحوارىّ»
وقوله صلى الله عليه وسلم: «لكل نبى حوارى وحوارى الزبير»
فتشبيه بهم فى النصرة حيث قال: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ.
(حاج) : الحاجة إلى الشيء الفقر إليه مع محبته وجمعها حاجات وحوائج، وحاج يحوج احتاج قال تعالى: إِلَّا حاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضاها وقال: حاجَةً مِمَّا أُوتُوا والحوجاء الحاجة، قيل الحاج ضرب من الشوك.
(حير) : يقال يحار حيرة فهو حائر وحيران وتحير واستحار إذا تبلد فى الأمر وتردد فيه، قال تعالى: كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرانَ والحائر الموضع الذي يتحير به الماء قال الشاعر:
واستحار شبابها
وهو أن يمتلىء حتى يرى فى ذاته حيرة، والحيرة موضع قيل سمى بذلك الاجتماع ماء كان فيه.
(حيز) : قال اللَّه تعالى: أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ أي صائرا إلى حيز وأصله من الواو وذلك كل جمع منضم بعضه إلى بعض، وحزت الشيء أحوزه حوزا، وحمى حوزته أي جمعه وتحوزت الحية وتحيزت أي تلوت، والأحوزىّ الذي جمع حوزه متشمرا وعبر به عن الخفيف السريع.
(حاشى) : قال اللَّه تعالى: وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ أي بعدا منه قال أبو عبيدة: هى تنزيه واستثناء، وقال أبو على الفسوي رحمه الله: حاش ليس باسم لأن حرف الجر لا يدخل على مثله، وليس بحرف لأن الحرف لا يحذف منه ما لم يكن مضعفا، تقول حاش وحاشى، فمنهم من جعل حاش أصلا فى بابه وجعله من لفظة الحوش أي الوحش ومنه حوشى الكلام. وقيل الحوش فحول جن نسبت إليها وحشة الصيد. وأحشته إذا جئته من حواليه لتصرفه إلى الحبالة، واحتوشوه وتحوشوه: أتوه من جوانبه والحوش أن يأكل الإنسان من جانب الطعام ومنهم من حمل ذلك مقلوبا من حشى ومنه الحاشية وقال:
وما أحاشى من الأقوام من أحد
كأنه قال لا أجعل أحدا فى حشا واحد فأستثنيه من تفضيلك عليه، قال الشاعر:
ولا يتحشى الفحل إن أعرضت به ولا يمنع المرباع منه فصيلها (حاص) : قال تعالى: هَلْ مِنْ مَحِيصٍ وقوله تعالى: ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ أصله من حيص بيص أي شدة، وحاص عن الحق يحيص أي حاد عنه إلى شدة ومكروه. وأما الحوص فخياطة الجلد ومنه حيصت عين الصقر.
(حيض) : الحيض الدم الخارج من الرحم على وصف مخصوص فى وقت مخصوص، والمحيض الحيض ووقت الحيض وموضعه على أن المصدر فى هذا النحو من الفعل يجىء على مفعل نحو معاش ومعاد وقول الشاعر:
لا يستطيع بها القراد مقيلا
أي مكانا للقيلولة وإن كان قد قيل هو مصدر ويقال ما فى برك مكيل ومكال.
(حائط) : الحائط الجدار الذي يحوط بالمكان والإحاطة تقال على وجهين أحدهما فى الأجسام نحو أحطت بمكان كذا أو تستعمل فى الحفظ نحو:
أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ أي حافظ له من جميع جهاته وتستعمل فى المنع نحو: إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ أي إلا أن تمنعوا وقوله: أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فذلك أبلغ استعارة وذاك أن الإنسان إذا ارتكب ذنبا واستمر عليه استجره إلى معاودة ما هو أعظم منه فلا يزال يرتقى حتى يطبع على قلبه فلا يمكنه أن يخرج عن تعاطيه، والاحتياط استعمال ما فيه الحياطة أي الحفظ. والثاني فى العلم نحو قوله: أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً وقوله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ وقوله: إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ والإحاطة بالشيء علما هى أن تعلم وجوده وجنسه وكيفيته وغرضه المقصود به وبإيجاده وما يكون به ومنه، وذلك ليس إلا للَّه تعالى، وقال عز وجل: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ فنفى ذلك عنهم. وقال صاحب موسى: وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً تنبيها أن الصبر التام إنما يقع بعد إحاطة العلم بالشيء وذلك صعب إلا بفيض إليه. وقوله عز وجل: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ فذلك إحاطة بالقدرة، إلهى. وقوله عز وجل: وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ فذلك إحاطة بالقدرة، وكذلك قوله عز وجل: وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها وعلى ذلك قوله: إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ.
(حيف) : الحيف الميل فى الحكم والجنوح إلى أحد الجانبين، قال اللَّه تعالى: أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ أي يخافون أن يجور فى حكمه ويقال تحيفت الشيء أخذته من جوانبه.
(حاق) : قوله تعالى: وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ قال عز وجل: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ أي لا ينزل ولا يصيب، قيل وأصله حق فقلب نحو زل ورال وقد قرىء: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ وأزلهما، وعلى هذا: ذمه وذامه.
(حول) : أصل الحول تغير الشيء وانفصاله عن غيره وباعتبار التغير قيل حال الشيء يحول حؤولا واستحال تهيأ لأن يحول، وباعتبار الانفصال قيل حال بينى وبينك كذا، وقوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ فإشارة إلى ما قيل فى وصفه: يقلب القلوب وهو أن يلقى فى قلب الإنسان ما يصرفه عن مراده لحكمة تقتضى ذلك، وقيل على ذلك وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ وقال بعضهم فى قوله: يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ هو أن يهمله ويرده إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا، وحولت الشيء فتحول: غيرته إما بالذات وإما بالحكم والقول، ومنه أحلت على فلان بالدين. وقولك حولت الكتاب هو أن تنقل صورة ما فيه إلى غيره من غير إزالة الصورة الأولى وفى مثل: لو كان ذا حيلة لتحول، وقوله عز وجل: لا يَبْغُونَ عَنْها حِوَلًا أي تحولا والحول السنة اعتبارا بانقلابها ودوران الشمس فى مطالعها ومغاربها، قال اللَّه تعالى: وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ وقوله عز وجل:
مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ ومنه حالت السنة تحول وحالت الدار تغيرت، وأحالت وأحولت أتى عليها الحول نحو أعامت وأشهرت، وأحال فلان بمكان كذا أقام به حولا، وحالت الناقة تحول حيالا إذا لم تحمل وذلك لتغير ما جرت به عادتها والحال لما يختص به الإنسان وغيره من أموره المتغيرة فى نفسه وجسمه وقنيته، والحول ما له من القوة فى أحد هذه الأصول الثلاثة ومنه قيل لا حول ولا قوة إلا باللَّه، وحول الشيء جانبه الذي يمكنه أن يحول إليه قال عز وجل: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ والحيلة والحويلة ما يتوصل به إلى حالة ما فى خفية وأكثر استعمالها فيما فى تعاطيه خبث، وقد تستعمل فيما فيه حكمة ولهذا قيل فى وصف اللَّه عز وجل: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ أي الوصول فى خفية من الناس إلى ما فيه حكمة، وعلى هذا النحو وصف بالمكر والكيد لا على الوجه المذموم، تعالى اللَّه عن القبيح. والحيلة من الحول ولكن قلبت واوها ياء لانكسار ما قبلها، ومنه قيل رجل حول، وأما المحال فهو ما جمع فيه بين المتناقضين وذلك يوجد فى المقال نحو أن يقال جسم واحد فى مكانين فى حالة واحدة، واستحال الشيء صار محالا فهو مستحيل أي أخذ فى أن يصير محالا، والحولاء لما يخرج مع الولد. ولا
أفعل كذا ما أرزمت أم حائل وهى الأنثى من أولاد الناقة إذا تحولت عن حال الاشتباه فبان أنها أنثى، ويقال للذكر بإزائها سقب. والحال تستعمل فى اللغة للصفة التي عليها الموصوف وفى تعارف أهل المنطق لكيفية سريعة الزوال نحو حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة عارضة.
(حين) : الحين وقت بلوغ الشيء وحصوله وهو مبهم المعنى ويتخصص بالمضاف إليه نحو قوله تعالى: وَلاتَ حِينَ مَناصٍ ومن قال حين فيأتى على أوجه: للأجل نحو: وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ وللسنة نحو قوله تعالى: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وللساعة نحو: حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وللزمان المطلق نحو: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ- وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ وإنما فسر ذلك بحسب ما وجد قد علق به، ويقال عاملته محاينة حينا وحينا، وأحينت بالمكان أقمت به حينا، وحان حين كذا أي قرب أوانه، وحينت الشيء جعلت له حينا، والحين عبر به عن حين الموت.
(حيى) : الحياة تستعمل على أوجه:
الأول: للقوة النامية الموجودة فى النبات والحيوان ومنه قيل نبات حى، قال عز وجل: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وقال تعالى: وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً- وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ.
الثانية: للقوة الحساسة وبه سمى الحيوان حيوانا، قال عز وجل: وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ وقوله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فقوله إن الذي أحياها إشارة إلى القوة النامية، وقوله لمحيى الموتى إشارة إلى القوة الحساسة.
الثالثة: للقوة العاملة العاقلة كقوله تعالى: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ، وقول الشاعر:
وقد ناديت لو أسمعت حيّا ولكن لا حياة لمن تنادى والرابعة: عبارة عن ارتفاع الغم وبهذا النظر قال الشاعر:
ليس من مات فاستراح بميت
…
إنما الميت ميت الأحياء
وعلى هذا قوله عز وجل: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ
أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ
أي هم متلذذون لما روى فى الأخبار الكثيرة فى أرواح الشهداء.
الخامسة: الحياة الأخروية الأبدية وذلك يتوصل إليه بالحياة التي هى العقل والعلم قال اللَّه تعالى: اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ، وقوله:
يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي يعنى بها الحياة الأخروية الدائمة.
والسادسة: الحياة التي يوصف بها الباري فإنه إذا قيل فيه تعالى: هو حى.
فمعناه لا يصح عليه الموت وليس ذلك إلا اللَّه عز وجل. والحياة باعتبار الدنيا والآخرة ضربان الحياة الدنيا والحياة الآخرة، قال عز وجل: فَأَمَّا مَنْ طَغى، وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا وقال عز وجل: اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وقال تعالى: وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ أي الأعراض الدنيوية وقال: وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها وقوله تعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ أي حياة الدنيا، وقوله عز وجل: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى كان يطلب أن يريه الحياة الأخروية المعراة عن شوائب الآفات الدنيوية. وقوله عز وجل: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ أي يرتدع بالقصاص من يريد الإقدام على القتل فيكون فى ذلك حياة الناس. وقال عز وجل: وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً أي من نجاها من الهلاك وعلى هذا قوله مخبرا عن إبراهيم: رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ- قالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ أي: أعفوا فيكون إحياء. والحيوان مقر الحياة ويقال على ضربين، أحدهما: ماله الحاسة، والثاني: ماله البقاء الأبدى وهو المذكور فى قوله عز وجل: وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ وقد نبه بقوله:
لَهِيَ الْحَيَوانُ أن الحيوان الحقيقي السرمدي الذي لا يفنى لا ما يبقى مدة ثم يفنى، وقال بعض أهل اللغة: الحيوان والحياة واحد، وقيل الحيوان ما فيه الحياة والموتان ما ليس فيه الحياة. والحيا المطر لأنه يحيى الأرض بعد موتها، وإلى هذا أشار بقوله تعالى: وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ وقوله تعالى: إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى فقد نبه أنه سماه بذلك من حيث إنه لم تمته الذنوب كما أماتت كثيرا من ولد آدم عليه السلام لا أنه كان يعرف بذلك فقط فإن هذا قليل الفائدة. وقوله عز وجل: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ أي يخرج الإنسان من النطفة، والدجاجة من البيضة، ويخرج النبات من الأرض ويخرج النطفة من الإنسان. وقوله عز وجل: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها وقوله تعالى: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ
عِنْدِ اللَّهِ
فالتحية أن يقال حياك اللَّه أي جعل لك حياة وذلك إخبارهم ثم يجعل دعاء. ويقال حبا فلان فلانا تحية إذا قال له ذلك، وأصل التحية من الحياة ثم جعل ذلك دعاء تحية لكون جميعه غير خارج عن حصول الحياة، أو سبب حياة إما فى الدنيا وإما فى الآخرة، ومنه التحيات للَّه. وقوله عز وجل: وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ أي يستبقونهن، والحياء انقباض النفس عن القبائح وتركه لذلك يقال حيى فهو حى، واستحيا فهو مستحى، وقيل استحى فهو مستح، قال اللَّه تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها وقال عز وجل: وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ
وروى: «إن اللَّه تعالى يستحيى من ذى الشيبة المسلم أن يعذبه»
فليس يراد به انقباض النفس إذ هو تعالى منزه عن الوصف بذلك وإنما المراد به ترك تعذيبه، وعلى هذا ما
روى: «إن اللَّه حيى»
أي تارك للقبائح فاعل للمحاسن.
(حوايا) : الحوايا جمع حوية وهى الأمعاء، ويقال: للكساء الذي يلف به السنام حوية وأصله من حويت كذا حيا وحواية، قال اللَّه تعالى: أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ.
(حوا) : قوله عز وجل: فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى أي شديد السواد وذلك إشارة إلى الدرين نحو:
وطال حبس بالدرين الأسود
وقيل تقديره وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى أحوى فجعله غثاء والحوة شدة الخضرة وقد احووى يحووى احوواء نحو ارعوى، وقيل ليس لهما نظير، وحوى حوة ومنه أحوى وحوى.