المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب دعوى الدم والقسامة - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٩

[الدميري]

الفصل: ‌كتاب دعوى الدم والقسامة

‌كِتَابُ دَعْوَى الدَّمِ وَالْقَسَامَةِ

يُشْتَرَطُ أَنْ يُفَصِّلَ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ عَمْدٍ وَخَطَأٍ وَانْفِرَادٍ وَشرِكْةَ. ٍ

ــ

كتاب دعوى الدم والقسامة

لما انقضى الكلام في القصاص والدية والكفارة التي هي موجبات القتل

عقبه بما يرجع إليه عند التنازع.

والذي يعتمد عليه عند الإنكار: قول الشهود أو اليمين من جهة المدعي أو المدعى عليه، وذلك يحوج إلى النظر في الدعوى والأيمان والشهادة، فعقد الباب لها، وافتتحه في (المحرر) بقوله صلى الله عليه وسلم:(البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلا في القسامة)، وهو في (سنن الدارقطني)[3/ 111] و (البيهقي)[8/ 123] عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، لكن قال ابن عبد البر: إسناده لين.

و (القسامة) بفتح القاف: اسم للأيمان، وجاء في بعض طرقه:(يحلفون خمسين قسامة).

وقال قوم- منهم الأزهري والقاضي أبو الطيب-: إنها اسم للأولياء، وجاءت على بناء الغرامة والحمالة والكفالة.

وأول من قضى بها الوليد بن المغيرة في الجاهلية، وأقرها الشارع في الإسلام.

قال: (يشترط أن يفصل ما يدعيه من عمد وخطأ وانفراد وشركة)؛ لأن الأحكام تختلف بهذه الأحوال، ويتوجه الواجب تارة على العاقلة وتارة على القاتل فلا يعرف من يطالب إلا بالتفصيل.

ومجموع الشروط خمسة: هذا أولها، وسواء في ذلك دعوى المسلم على الذمي وعكسه.

ص: 7

فَإِنْ أَطْلَقَ .. اسْتَفْصَلَهُ القَاضِي، وَقِيلَ: يُعْرِضُ عَنْهُ-

ــ

وفي وجه: أنها تسمع مجهولة؛ لعسر الاطلاع على كيفية القتل، لكن يستثنى من وجوب التفصيل- كما قاله الماوردي-: السحر؛ فإنه مما يخفى فعله على الساحر وفعله في المسحور

فلا يمكن وصفه في الدعوى على الساحر، فإذا ادعى على ساحر: أنه قتل وليه بسحره .. لم يستوصف، بل يسأل الساحر ويعمل ببيانه، قاله في (المطلب)، وإطلاق غيره يخالفه.

قال: (فإن أطلق .. استفصله القاضي) فيقول: كيف قتلته؟ عمدًا أم خطأ أم شبه عمد؟ فإن عين نوعًا منها .. سأل عن صفته على الصحيح، فإذا ذكر النوع .. قال: وحده أم مع غيره؟ فإن قال: مع غيره .. قال: أتعرف عددهم أم لا؟ فإذا قال: نعم .. قال: اذكره إن شئت أن تتم دعواك؟ فإذا عين .. طولب المدعى عليه بالجواب، وليس ذلك تلقين دعوى؛ لأن التلقين أن يقول له: قل: كذا، والاستفصال: سؤال عن كيفية القتل.

وظاهر قوله: (استفصله) وجوب الاستفصال، والأظهر في (الروضة) عدم وجوبه.

قال الرافعي: وربما يوجد في كلام الأئمة ما يشعر بوجوب الاستفصال.

وقال الماسرجسي: لا يجب على الحاكم أن يصحح دعواه، ولا يلزمه أن يسمع إلا دعوى محررة، قال الرافعي: وهو الأوجه.

وقال في (الروضة) وهو الأصح.

قال: (وقيل: يعرض عنه) أي: ولا يستفصل؛ لأن الاستفصال نوع التلقين.

وفي وجه ثالث: إن كان عارفًا .. لا يستفصله، وإن كان غبيًا .. استفصله.

وفي رابع: يستفصله عن المدعى عليه في جماعة إذا قال: قاتل أبي في هؤلاء

ص: 8

وَأَنْ يُعَيِّنَ الْمُدَّعَى عَلَيهِ، فَلَوْ قَالَ: قَتلَهُ أَحَدُهُمْ .. لَمْ يُحَلِّفْهُمُ القَاضِي فِي الأَصَحْ، وَيَجْرِيَانِ فِي دَعْوَى غَصْبٍ وَسَرِقَةٍ وَإِتْلَافٍ،

ــ

الجماعة، فيقول له: من هو منهم؟ ولا يستفصله عن نوع القتل ولا صفته وإن ادعى على شخص أو جماعة معينين .. فهي مسموعة، وإذا ذكرهم للقاضي وطلب إحضارهم .. إجابة، إلا إذا ذكر جماعة لا يتصور اجتماعهم على القتل .. فلا يحضرهم ولا يبالى بقوله؛ فإنها دعوى محال.

وأما حديث خيبر الآتي .. فيحتمل أن تكون الدعوى به على قوم معينين لا على أهل خيبر جميعهم.

قال: (فلو قال: قتله أحدهم .. لم يحلفهم القاضي في الأصح) المراد: أنه إذا قال: قلته أحد هؤلاء العشرة، أو أحد هذين الرجلين وطلب من القاضي أن يسألهم ويحلف كل واحد منهم .. فهل يجيبه إلى ذلك؟ فيه وجهان:

أصحهما- وبه قطع جماعة-: لا؛ للإبهام، كمن ادعى دينًا على أحد رجلين.

والثاني: نعم؛ للحاجة، ولا ضرر عليهم في يمين صادقة، ولأن القاتل يسعى في إخفاء القتل وقد تعسر على الولي معرفته، فلو لم تسمع دعواه .. لتضرر.

ولم يتقدم في لفظ المصنف ما يعود عليه الضمير في (أحدهم)، لكنه يعود على معهود، وهو المدعى عليهم، وهم جماعة.

قال: (ويجريان في دعوى غصب وسرقة وإتلاف)، فيدعى على أحد رجلين أو رجال؛ لأن المباشر لهذه الأمور يقصد كتمانها فأشبهت الدم، ولا تجري في سائر المعاملات؛ لأنها تنشأ باختيار المتعاقدين وشأنها أن يضبط كل واحد منهما صابحه، هذا هو المذهب في الصورتين.

وقيل: يطرد الخلاف في المعاملات.

وقيل بقصوره على دعوى الدم؛ لعظم خطرها.

ص: 9

وَإِنمَا تُسْمَعُ مِنْ مُكَلَّفٍ مُلْتَزِمٍ عَلَى مِثْلِهِ

ــ

فلو لم تكن الجماعة التي ادعى عليهم القتل حاضرين فطلب إحضارهم .. ففي إجابته الوجهان.

قال: (وإنما تسمع من مكلف ملتزم) هذا هو الشرط الثالث، فلا تسمع دعوى صبي ومجنون وحربي.

ولا يضر كون المدعي صبيًا أو مجنونًا أو حربيًا حالة القتل إذا كان بصفة الكمال عند الدعوى؛ لأنه قد يعلم الحال بالتسامع.

ويمكنه أن يحلف في مظنة الحلف إذا عرف ما يحلف عليه بإقرار الجاني أو سماع كلام من يثق به، كما لو اشترى عينًا وقبضها فادغى رجل ملكها .. فله أن يحلف: أنه لا يلزمه التسليم إليه اعتمادًا على قول البائع، لكن يرد على المصنف ما اورد على صاحب (التنبيه).

ولا تصح الدعوى إلا من مطلق التصرف فيما يدعيه من الرقيق: العتق، أو الاستيلاد، أو تعليق العتق بصفة، أو التدبير.

فالمذهب في (الروضة) سماعها، ذكره في آخر الباب الأول من أبواب (الدعاوى) من زياداته، ولم يصحح الرافعيفي كل ذلك شيئًا.

ومنها: دعوى السفيه الحق الثابت له بسبب الجناية؛ فإنها مسموعة، وله أن يحلف ويستوفى القصاص، وإذا آل الأمر إلى المال .. أخذه الولي، كما في دعوى المال يدعبه ويحلف ويقبضه الولي، وقال الغزالي: لا تسمع من السفيه.

ومنها: دعوى المفلس المال، ودعوى الحسبة كالعتق وغيره؛ فإنها تقبل كما جزم به الرافعي في أول الباب الثني من (كتاب السرقة)، مع أنه ليس بمطلق التصرف فيما يدعيه.

ومنها: دعوى المرأة النكاح؛ فإنها مسموعة إذا ادعت حقًا من حقوق الزوجية كالنفقة والكسوة، وإن ادعت مجرد الزوجية .. سمعت أيضًا على الأصح.

قال: (على مثله) هذا هو الشرط الرابع، وهو: أن يكون المدعى عليه مكلفًا ملتزمًا، فلا يدعى صبي ولا مجنون، بل إن توجه عليهما حق مالي .. ادعى

ص: 10

وَلَوِ ادَّعَى انْفِرَادَهُ بِالقَتْلِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى آخَرَ .. لَمْ تُسْمَعِ الثَّانِيَةُ، أَوْ عَمْدًا وَوَصَفَهُ بِغَيْرِهِ .. لَمْ يَبْطُلْ أَصْلُ الدَّعْوَى فِي الأَظْهَرِ

ــ

مستحقه على وليهما، فإن لم يكن ولي حاضر

فالدعوى عليهما كالدعوى على الغائب، فلا تسمع إلا أن تكون هناك بينة، ويحتاج مع البينة إلى اليمين.

ولو ادعى على محجور عليه بسفه .. نظر: إن كان هناك لوث .. سمعت الدعوى، سواء ادعى عمدًا أو خطأ أو شبه عمد، ويقسم المدعي ويكون الحكم كما في غير السفيه، وإن لم يكن لوث، فإن ادعى قتلًا يوجب القصاص .. سمعت؛ لأن إقراره به مقبول، فتسمع الدعوى على السفيه بحد القذف والقصاص، وعلى العبد فيما يقبل إقراره به.

قال: (ولو ادعى انفراده بالقتل ثم ادعى آخر .. لم تسمع الثانية) هذا هو الشرط الخامس، وهو أن لا تتناقض الدعوى؛ لما في ذلك من تكذيب الأولى، سواء ادعى على الثاني انفرادًا أو مشاركة.

أما إذا صدقه الثاني في دعواه الثانية .. فوجهان:

أحداهما: لا يؤاخذ بموجب تصديقه؛ لأن في الدعوى الأولى اعترافًا ببراءته.

والأصح: له مؤاخذته؛ لأن الحق لا يعدوهما، ويحتمل كذبه في الأولى وصدقه في الثانية.

قال: (أو عمدًا ووصفه بغيره .. لم يبطل أصل الدعوى في الأظهر)؛ لأنه قد يظن ما ليس بعمد عمدًا، وهذا نقله الربيع.

والثاني- وهو الذي نقله المزني-: يبطل، فلا يقسم ولا يلتفت إلى قوله؛ لأن في دعوى العمدية اعترافًا ببراءة العاقلة.

ثم إن الخلاف جار فيمن ادعى الخطأ وفسره بالعمد، وكذا فيمن ادعى شبه العمد وفسره بالخطأ.

ص: 11

وَتَثْبُتُ القَسَامَةُ فِي الْقَتْلِ بِمَحَلِّ لَوْثٍ،

ــ

فرع:

وقيل: يقبل تفسيره قطعًا؛ لأن فيه تخفيفًا على العاقلة ورجوعًا عن زيادة ادعاها عليهم.

ادعى قتلًا فأخذ المال، ثم قال: ظلمته بالأخذ، أو أخذته باطلًا، أو الذي أخذته حرام علي .. سئل؟ فإن قال: كذبت في الدعوى، وليس هو قاتلًا

استرد المال منه، وإن قال: أردت أني حنفي لا أعتقد أخذ المال بيمين المدعي .. لم يسترد؛ لأن النظر إلى رأي الحاكم واجتهاده لا إلى مذهب الخصمين، وذكروا للمسألة نظائر:

منها: مات شخص فقال ابنه: لست أرثه؛ لأنه كان كافرًا، فسئل عن كفره؟ فقال: كان معتزليًا أو رافضيًا، فيقال: لك ميراثه وأنت مخطئ في اعتقادك؛ لأن الاعتزال والرفض ليس بكفر.

قال الفوراني: وعلى القول بتكفير أهل الأهواء: يحرم الميراث.

قال المصنف: وهذا الوجه خطأ.

ومنها: إذا قضى الحنفي بشفعة الجوار فأخذ الشقص ثم قال: أخذته باطلًا؛ لأني لا أرى شفعة الجوار

لم يسترد منه.

ومنها: إذا مات عن جارية واستولدها بالنكاح فقال وارثه: لا أملكها؛ لأنها صارت أم ولد .. يقال: هي مملوكتك ولا تصير أم ولد بذلك.

قال الرفعي: وجميع ما ذكرناه في الحكم الظاهر، أما الحكم باطنًا إذا حكم القاضي في مواضع الخلاف لشخص على خلاف اعتقاده .. فميل الأكثرين هناك إلى ثبوته.

قال: (وتثبت القسامة في القتل بمحل لوث) لما فرغ من شروط الدعوى .. شرع فيما يترتب عليها وهي القسامة.

والأصل فيها: ما رواه الشيخان [خ3173 - م 1669/ 1] عن سهل بن أبي حثمة قال:

ص: 12

وَهِيَ قَرِينَةٌ لِصِدْقِ الْمُدَّعِي؛

ــ

انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود إلى خيبر- وهي يومئذ صلح- فتفرقا، فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلًا فدفنه، ثم قدم المدينة، فانطلق عبد الرحمن بن سهل وحويصة ومحيصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب عبد الرحمن يتكلم، فقال:(كبر كبر)، وهو أحدث القوم، ثم سكت، فتكلما، فقال:(أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟) قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد ولم نرَ؟ قال: (فتبرئكم يهود بخمسين يمينًا) قالوا: كيف نأخذ بأيمان قوم كفار؟ فعلقه النبي صلى الله عليه وسلم من عنده.

فاللوث هو المعتمد في القسامة، وهو الذي خالفت به سائر الدعاوى؛ فإن في جميعها اليمين من جانب المدعى عليه، وههنا لوجود اللوث

انتقلت اليمين إلى جانب المدعي.

و (اللوث) بإسكان الواو مشتق من التلويث، وهو: التلطيخ، يقال: لوث ثيابه بالطين، أي: لطخها، كأ، عرض المتهم تلوث بنسبة القتل إليه.

ويحتمل أنه مشتق من لاث العمامة على رأسه: إذا أدارها، فكأن اللوث يلوي الظن إلى تهمة هذا الشخص.

وأما في الاصطلاح .. فهو الذي ذكره المصنف.

وأشار بقوله: (في القتل) إلى تخصيص القسامة بالنفس، فلا قسامة فيما دونها ولا في المال كما سيأتي.

قال: (وهي قرينة لصدق المدعي) صورة القسامة: صورة القسامة: أن يوجد قتيل لا يعرف قاتله ولا بينة، ويدعي وليه قتله على شخص أو جماعة، وتوجد قرينة تدل على صدقه، فيحلف وارثه على ما يدعيه، ويحكم له بما سنذكره إن شاء الله تعالى، وبهذا قال مالك وأحمد.

وقال أبو حنيفة: لا عبرة باللوث ولا ببدء يمين المدعي، والحديث حجة عليه.

ص: 13

بِأَنْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحِلَّةٍ أّوْ فِي قَريةٍ صَغِيرَةٍ لِأَعْدَائِهِ،

ــ

قال: (بأن وُجد قتيل في محلة) أي: منفصلة عن البلد (أو في قرية صغيرة لأعدائه)؛ لأن قصة عبد الرحمن بن سهل هكذا كانت، فإن أهل خيبر كانوا أعداء للأنصار.

وقيل: يشترط أن يكون العدو أكثر، وقيل: يكفي العدو الواحد.

وقيل: يشترط أن لا يخالطهم غيرهم، حتى لو كانت القرية بقارعة الطريق يمر بها المسافرون .. فلا لوث.

وعلى المذهب: قال الشيخان: يشترط أن لا يساكن العدو غيرهم، فإن ساكنهم غيرهم .. فليس بلوث).

وقال في (شرح مسلم) قال الشافعي: إلا أن يكون في محلة أعدائه لا يخالطهم غيرهم، فيكون كالقصة التي جرت بخيبر، فحكم النبي صلى الله عليه وسلم بالقسامة لورثة القتيل. فجعل الشرط: أن لا يخالطهم غيرهم، وهو المنصوص المفتى به، وإليه ذهب مالك وأحمد والليث.

والحصن والقبيلة كالمحلة.

وأشار بقوله: (قتيل) إلى أنه لا يشترط في القسامة ظهور دم ولا جرح؛ لأن القتل يحصل بالخنق وعصر الأنثيين وغير ذلك، فإذا ظهر أثره .. قام مقام الدم، فإن لم يظهر أثر أصلًا .. فلا قسامة على الأصح في (الروضة).

قال في (المهمات) المذهب المنصوص وقول الجمهور: ثبوت القسامة.

وذكر المصنف (القتيل) مثال؛ لأن وجود بعض القتيل كاف، سواء كان الموجود قليلًا أو كثيرًا.

وقال أبو حنيفة: إن كان الموجود معظم البدن أو الرأس بلا بدن .. حكم بالقسامة، وإلا .. فلا.

لنا: أن بعض الجسد وجد وقد تحققنا فوات الروح، فوجب أن تثبت القسامة،

ص: 14

أَوْ تَفَرَّقَ عَنْهُ جَمْعٌ. وَلَوْ تَقَابَلَ صَفَّانِ لِقِتَالٍ وَانْكَشَفُوا عَنْ قَتِيلٍ، فَإِنِ الْتَحَمَ قِتَالٌ .. فَلَوْثٌ فِي حَقِّ الصَّفِّ الآَخَرِ، وَإلَّا .. فَفِي حَقِّ صَفِّهِ. وَشَهَادَةُ الْعَدْلِ لَوْثٌ،

ــ

فلو وجد متقطعًا في كل محلة قطعة .. أمر الولي بتعيين من يدعي عليه.

وقوله: (أعدائه) يقتضي اعتبار عداوتهم له، وليس كذلك، بل يكفي أن يكونوا أعداء لقبيلته) كما جرى في الأنصار واليهود، ولا فرق في هذه العداوة بين أن تكون بسبب دين أو دنيا إذا كانت تبعث على الانتقام بالقتل.

قال: (أو نفرق عنه جمع) سواء كانوا أعداءه أم لا؛ للعلم بأن قتله لم يخرج عنهم، سواء اتفقوا في القوة والضعف أو تفارتوا، كما إذا اتفق ذلك في دار دخل فيها ضيفًا، أو مسجد، أو بستان، أو صحراء، أو ازدحموا على بئر، أو باب الكعبة، أو الطواف، أو مضيق.

ولا يشترط كونهم أعداءه؛ لقوة الظن هنا، بخلاف القرية والمحلة.

وشرط الجمع: أن يكون محصورًا، فلو تفرق عنه جمع لا يتصور اجتماعهم على قتله .. لم تسمع الدعوى كما تقدم.

قال: (ولو تقابل صفان لقتال وانكشفوا عن قتيل) أي: طري (فإن التحم قتال .. فلوث في حق الصف الآخر)؛ لأن الغالب أنهم لا يقتلون أصحابهم، وكذا إن التحم ولم يكونوا مختلطين؛ بأن كان يصل قال:(وشهادة العدل لوث)؛ لحصول الظن بصدقه، سواء تقدمت شهادته على الدعوى أو تأخرت.

سلاح .. فاللوث في حق أهل صفه؛ لأن قتله منسوب إليهم.

وقيل: ليست شهادة الواحد لوثًا؛ لأن الحجة لا تثبت بها، وإنما تكون شهادته لوثًا في قتل العمد.

ص: 15

وَكَذَا عَبِيدٌ وَنِسَاءٌ، وَقِيلَ: يُشْتَرَطْ تَفَرُّقُهُمْ. وَقَوْلُ فَسَقَةٍ وَصِبْيَانٍ وَكُفَّارٍ لَوْثٌ فِي الأَصَحِّ

ــ

فإن كان في خطأ او شبه عمد فلا تكون لوثًا، بل يحلف معه يمينًا واحدة ويستحق المال، كذا صرح به الماوردي، قال: ولو شهد بالقتل امرأة عدل .. لا يكون لوثًا؛ لنقصها عن الشاهد الواحد.

قال: (وكذا عبيد ونساء)؛ لأن ذلك يفيد غلبة الظن، وجعل البغوي عبدين وامرأتين كالجمع.

وفي (الوجيز) القياس: أن الواحد كذلك.

وفي (الحاوي) تشترط زيادتهم على عدد التواطؤ، ولا يبلغون حد الاستفاضة.

قال: (وقيل: يشترط تفرقهم) المراد: أن يأتوا متفرقين؛ لأن الغالب أن اتفاقهم مع التفرق لا يصدر إلا عن حقيقة.

قال في (المهمات) وهذا هو المفتى به.

قال: (وقول فسقة وصبيان وكفار لوث في الأصح)؛ لحصول الظن بقولهم.

والثاني: لا يكون لوثًا؛ لأن الشرع لم يعتبر أقوالهم.

والثالث: يثبت بالصبيان والفسقة دون الكفار.

والرابع: يثبت بالفاسق دون الصبي؛ لأنه مسلوب العبارة.

وظاهرة عبارته: أنه لا فرق بين مجيئهم مجتمعين أو متفرقين، ولابد من مجيء التفصيل هنا أيضًا كما صرح به ابن الرفعة تبعًا لـ (المحرر)، وهو متجه.

فروع:

إذا عاين القاضي ما هو لوث .. اعتمده، ولا يخرج على الخلاف في قضائه بعمله؛ لأنه يقضي بالأيمان، قاله الإمام.

وقال البغوي: لو وقع في ألسنة الخواص والعوام: أن زيدًا قتل عمرًا .. فهو لوث في حقه.

ص: 16

وَلَوْ ظَهَرَ لَوْثٌ فَقَالَ أَحَدُ ابْنَيْهِ: قَتَلَهُ فُلَانٌ، وَكَذَّبَهُ الآخَرُ .. بَطَلَ اللَّوْثُ، وَفِي قَوْلٍ: لَا، وَفِي قَوْلٍ: لَا يَبْطُلُ بِتَكْذِيبِ فَاسِقٍ،

ــ

ولو وجد بين قريتين أو قبيلتين قتيل ولم تعرف بينه وبين أهل واحدة منهما عداوة .. لم تكن قرية من إحداهما لوثًا.

قال: (ولو ظهر لوث فقال أحد ابنية: قتله فلان، وكذبه الآخر .. بطل اللوث) لما فرغ من تقرير موجبات اللوث .. شرع في مسقطاته.

فمن ذلك: تكاذب الورثة؛ لأن الله تعالى أجرى العادة بحرص القريب على التشفي من قاتل قريبه، فعارض هذا اللوث فسقطا.

وأشار بقوله (ظهر لوث) عما إذا ثبت اللوث بشهادة عدل؛ فإنه لا يبطل بتكذيب أحد الوارثين قطعًا.

قال: (وفي قول: لا)، كسائر الدعاوى لا تبطل بتكذيب أحد الوارثين حق الآخر، ولأن اليمين مع اللوث كاليمضين مع الشاهد، فيحلف المدعي خمسين يمينًا ويأخذ حقه من الدية، ولم يفصح في (الشرح الكبير) بترجيح، لكنه نقل ترجيح الأول في (الشرح الصغير) عن الأكثرين.

وقال في (المحرر) إنه الأقوى.

ومحل القولين بالنسبة إلى المدعي، أما بطلان اللوث بالنسبة إلى المكذب .. فلا خلاف فيه.

واحترز عما إذا لم يكذب أحدهما الآخر، بل قال: لا أعلم أنه قتله؛ فلا يبطل اللوث، وإن سكت لم يكذب ولم يصدق .. ثبتت القسامة للمدعي.

قال: (وفي قول: لا يبطل بتكذيب فاسق)؛ لأن قوله يعتبر في الشرع.

والأصح: أنه قال لا فرق بينهما؛ لأن قول الفاسق فيما يسقط حق نفسه مقبول؛ لانتفاء التهمه.

ص: 17

وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَهُ زَيْدٌ وَمَجْهُولٌ، وقَالَ اَلآخَرُ: قَتَلَهُ عَمْرٌو وَمَجْهُولٌ .. حَلَفَ كُلٌّ عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ وَلَهُ رُبُعُ الدِّيَةِ. وِلِوْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ اللَّوْثَ فِي حَقِّهِ فَقَالَ: لَمْ أَكُنْ مَعَ الْمُتَفَرِّقِينَ عَنْهُ .. صُدِّقَ بِيَمِيِنهِ. وَلَوْ ظَهَرَ لَوْثٌ بِأَصْلِ قَتْلٍ دُونَ عَمْدٍ وَخَطَأٍ .. فَلَا قَسَامَةَ فِي الأَصَحِّ

ــ

سكت ولم يكذب ولم يصدق .. ثبتت القسامة للمدعي.

قال: (وفي قول: لا يبطل بتكذيب فاسق)؛ لأن قوله لا يعتبر في الشرع.

والأصح: أنه لافرق بينهما؛ لأن قول الفاسق فيما يسقط حق نفسه مقبول؛ لانتفاء التهمة.

قال: (ولو قال أحدهما: قتله زيد ومجهول، وقال الآخر: قتله عمرة ومجهول .. حلف كل على من عينة)؛ لاحتمال أن الذي أبهم ذكره هو الذي عينه الآخر، وكذا بالعكس، وليس هذا من التكاذب.

وعبارة الشافعي والجمهور: (قتله زيد وآخر لا أعرفه)، وهي أحسن من تعبير المصنف بـ (المجهول)؛ لأنه ليس نصًا في الجهالة عنده خاصة، بل يتناول عنده وعند الناس، وليس بمراد، فلو عادا وقال كل منهما: بان لي أن الذي أبهمته هو الذي عينه أخي .. فلكل أن يقسم على الآخر ويأخذ ربع الدية.

قال: (وله ربع الدية)؛ لاعترافه بأن الواجب على من عينه النصف، وله نصفه.

قال: (ولو أنكر المدعى عليه اللوث في حقه فقال: لم أكن مع المتفرقين عنه .. صدق بيمينه)؛ لأن الأصل براءة ذمته، وسقط اللوث، وعلى المدعي البينة على الأمارة بعدلين ذكرين أو إقراره بها.

فإن أقام المدعي بينة على الحضور والمدعى عليه بينة على الغيبة .. تعارضتا عند الإمام والغزالي، ونقل الإمام عن الأكثرين تقديم بينة الغيبة؛ لأن معها زيادة علم.

قال الرافعي: وهذه عند الاتفاق على أنه كان حاضرًا من قبل، ولم يبين الرافعي الحكم عند عدم الاتفاق عليه، والذي يتجه فيه التعارض جزمًا؛ لانتفاء التعليل بزيادة العلم.

قال: (ولو ظهر لوث بأصل قتل دون عمد وخطأ .. فلا قسامة في الأصح)؛ لأن مطلق القتل لا يفيد مطالبة القاتل، بل لابد من ثبوت صفته.

والثاني: نعم؟ صيانة للدم عن الإهدار، ورجحه في (المطلب) وقال: إنه ظاهر النص

ص: 18

وَلَا يُقْسَمُ فِي طَرَفٍ وَإِتْلَافِ مَالٍ، إِلَاّ فِي عَبْدٍ فِي الأَظْهرِ

ــ

وعلى هذا: يحكم بالأخف حكمًا، وهو الخطأ؛ لأنه المحقق، لكن تطون الدية في ماله لا على عاقلته، قاله الماوردي وغيره.

قال: (ولا يقسم في طرف وإتلاف مال) وإن عظم، أشار بذلك إلى أن القسامة إنما تثبت في النفس لحرمتها، فلا تتعدى إلى ما دونها كالأطراف والجراحات، بل القول فيها قول المدعى عليه بيمينه، سواء كان هناك لوث أو لم يكن قياسًا على الكفارة.

وحكى الروياني في (جمع الجوامع) وجهًا ضعيفًا: أن الأطراف تلحق بالنفس.

وسوى المصنف في عدم القسامة بين الطرف والمال، وهو في المال بلا خلاف، وفي الطرف على الأصح.

وإطلاقه الطرف يقتضي: أنه لا فرق بين أ، ينقص عن دية النفس أو يساويها أو يزيد عليها، وهو ظاهر كلام الأصحاب.

وينبغي فيما إذا زاد أو ساوى أن يقسم كالنفس؛ لتساوي بدلهما، كما تغلظ اليمين على المدعى عليه بالعدد في مثل ذلك بلا خلاف.

وإن جرى فيما دون النفس .. وجهان:

قال: (إلا في عبد في الأظهر) أي: قتل العبد يقسم فيه، وهذا استثناه المصنف من المال.

فإذا قتل العبد ووجد لوث .. فقولان، كالقولين في أن العاقلة هل تحمل بدل العبد أو لا؟ إن قلنا: لا تحمله .. ألحقناه بالبهائم، وإن قلنا: تحمله تشبيهًا بالأحرار، وهو الأصح .. أقسم السيد، وهو الأظهر، وهذه الطريقة هي المشهورة، ومنهم من قطع بالقول الأصح؛ لأن القسامة شرعت لحفظ الدماء وصيانة لها، وهذه الحاجة تشمل الأحرار والعبيد كالقصاص والكفارة.

ولا فرق في العبد بين القن والمدبر وأم الولد والمكاتب؛ إذ الكتابة تنفسخ بالموت.

قال القاضي والإمام: ويموت رقيقًا.

ص: 19

وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعِي عَلَى قَتْلٍ ادَّعَاهُ خَمْسِينَ يَمِينًا،

ــ

قال: (وهي أن يحلف المدعي على قتل ادعاه خمسين يمينًا) شرع في بيان صفة القسامة واليمين فيها من جانب المدعي كما تقدم في الحديث، وهو مخصص لعموم الحديث الآخر:(البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه)

وأما كونها خمسين يمينًا .. فلما تقدم، وذلك في النفس الكاملة بلا خلاف وأما النفس الناقصة كالمرأة والذمي .. فوجهان:

أصحهما- في (الحاوي) وغيره-: كذلك حتى في الجنين؛ لخطر النفس.

والثاني: أن الخمسين تقسط على الدية الكاملة، فيحلف في المرأة خمسة وعشرين يمينًا، وفي الكافر سبعة عشر.

ولابد من التعرض في اليمين لما يجب بيانه في الدعوى؛ لأن اليمين تحققها فاحتيج إلى بيانه كما في سائر الأيمان، وإليه أشار بقوله:(على قتل ادعاه).

وصورة التعدد: أن يأتي الحالف بعد كل قسم بما تقدم اشتراطه، فيقول: والله لقد قتل هذا هذا، ويشير إليهما، أو لقد قتل فلان بن فلان، ويرفع في نسبه، أو يعرفه بما يتميز به من قبيلة أو صفة أو لقب.

وإن ادعاه على اثنين، قال قتلاه منفردين بقتله- ونص الشافعي على ذكر الانفراد- فقيل: هو تأكيد؛ لأن قوله: (قتله) يقتضي الانفراد.

وقيل: شرط؛ لاحتمال الانفراد صورة والاشتراك حكمًا كالمكره، ويتعرض لكونه عمدًا أو خطأ، ثم يكرر ذلك خمسين مرة، لا أنه يقول: والله والله – خمسين مرة- لقد قتل هذا .. إلخ، لأن ذلك تكرار للقسم لا لليمين، كذا نقله في (المطلب) عن النص.

ويستحب للقاضي أن يحذر المدعي إذا أراد أن يحلف، ويامره بتقوى الله، ويقرأ عليه قوله تعالى:{يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الآية، ويعرفه إثم اليمين الكاذبة، والقول في تغليظ اليمين زمانًا ومكانًا ولفظًا كما سبق في (اللعان).

ص: 20

وَلَا يُشْتَرَطُ مُوَالَاتُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ، فَلَوْ تَخَلَّلَهَا جُنُونٌ أَوْ إِغْمَاءٌ .. بَنَي،

ــ

ولا خلاف أن التغليظ في الأيمان مستحب في القسامة، وأما في سائر الأيمان .. فوجهان:

أحدهما: يستحب أيضًا، وهو اختيار الماسرجيس والقفال وجماعة، إلا أنها في القسامة آكد؛ لأنها مبنية على غلبة الظن وشواهد الحال.

والثاني: لا يستحب.

وينبغي للقاضي أن لا يحلف السكران مداعيًا كان أو مدعى عليه حتى يعلم ما يقول وما يقال له؛ لأن الإنسان في حال إفاقته يتحاشى عما لا يتحاشى عنه في حال سكره، فإن حلفه في السكر .. فعلى الخلاف في تصرفاته، والأصح: أنه كالصاحي.

قال: (ولا يشترط موالاتها على المذهب)؛ لأن الأيمان من جنس الحجيج، والحجيج لا يقدح التفريق فيها كالشاهدين إذا شهدا متفرقين، فإذا حلف الخمسين في خمسين يوماُ .. جاز.

والفرق بينه وبين اشتراط الموالاة في اللعان: أن اللعان أولى بالاحتياط؛ لأجل النسب.

والثاني: يشترط؛ لأن لذلك وقعًا في النفس وأثرًا في الزجر والردع.

قال: (فلو تخللها جنون أو إغماء .. بنى) أي: إذا أفاق، ولا يسقط شيء من أيمانه الماضية، وإنما تبطل بالجنون العقود الجائزة، فأما ما وقع ولزم .. فلا.

هذا إذا لم يعزل القاضي الذي أقسم عنده، فإن عزل في أثنائها أو مات وولي غيره .. فالأصح: أن القاضي الثاني يستأنفها، وعن (الأم) يبني، وصححه الروياني، وحمله المتولي على أيمان المدعى عليه إذا قلنا بتعددها، وفرق بأنها على النفي وأيمان المدعي على الإثبات، فلو عاد المعزول .. اعتد بما وقع إن قلنا: يحكم بعمله، وإلا .. فلا.

وكان ينبغي أن يفرق بين أن يعود بعد ولاية غيره أو لا.

فإن عاد بعد ولاية غيره .. فكما لو لم يعد، وإن عاد دون غيره .. فكما لو لم يعزل.

ص: 21

وَلَوْ مَاتَ .. لَمْ يَبْنِ وَارِثُهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ كَانَ لِلْقَتِيلِ وَرَثَةٌ .. وُزِّعَتْ بِحَسَبِ الإِرْثِ

ــ

قال: (ولو مات .. لم يبن وارثة على الصحيح)؛ إذا لا يستحق أحد شيئًا بيمين غيره؛ بخلاف ما إذا أقام شاهدًا واحدًا ومات؛ فإن وراثة يجوز أن يقيم شاهدًا آخر وتكمل البينة؛ لأن كل شهادة مستقلة.

والثاني: أن الوارث يبني- وهو قول الخضري- بناء على أن أيمان القسامة توزع على أولياء الدم.

قال: (ولو كان للقتيل ورثة .. وزعت بحسب الإرث)؛ لأن ما ثبت بأيمانهم يقسم عليهم على فرائض الله تعالى فوجب أن يكون اليمين كذلك.

واحتج له الإمام بقوله صلى الله عليه وسلم: (تبرئكم يهود بخمسين يمينًا) فأشعر بتعددهم مع اعتبار عدد الخمسين من جانبهم.

وأما احتجاج الرافعي بقوله صلى الله عليه وسلم لأولياء القتيل: (تحلفون خمسين يمينًا). فسهو؛ لأن اليمين في الحقيقة على أخيه عبد الرحمن لا على حويصة ومحيصة؛ لأنه لا إرث لهما مع وجود الأخ، وإنما أتى بصيغة الجمع والمراد الواحد، ولهذا قال لعبد الرحمن:(كبر كبر). ومراد المصنف: ورثته من النسب الحائزون.

فلو كان هناك وارث غير حائز وشريكه بيت المال .. لم يوزع، بل يحلف خمسين يمينًا، كما لو نكل بعض الورثة أو غاب يحلف الحاضر خمسين.

وقوله: (بحسب الإرث) ليس فيه بيان أنه بحسب الفرائض أو السهام، وذلك يظهر أثره في العول كزوج وأم وأختين لأب وأختين لأم، أصلها من ستة، وتعول إلى عشرة، فهل يحلف الزوج نصف الخمسين والأم سدسها والأختان لأب ثلثيها ولأم ثلثها، أو يحلف كل واحد منهم على نسبة سهامه؛ فيحلف الزوج ثلاثة أعشار الخمسين والأم عشرها والأختان لأب خمسيها ولأم خمسها؟ فيه وجهان: الأصح في (الحاوي) الثاني.

ص: 22

وَجُبِرَ الْكَسْرُ، وَفِي قَوْلٍ: يَحْلِفُ كُلٌّ خَمْسِينَ. وَلَوْ نَكَلَ أَحَدَهُمَا .. حَلَفَ الآخَرُ خَمْسِينَ، وَلَوْ غَابَ .. حَلَفَ الآخَرُ خَمْسِينَ وَأَخَذَ حِصَّتَهُ، وَإِلَاّ .. صَبَرَ لِلْغَائِبِ،

ــ

قال: (وجبر الكسر)؛ لأن اليمين الواحدة لا تتبعض، فإذا كان له أخوان .. حلف كل خمسة وعشرين، وإن كانوا ثلاثة .. حلف كل سبعة عشر.

وإن خلف أمًا وابنًا .. حلفت تسعًا والابن اثنين وأربعين، وإن ترك أكثر من خمسين ولدًا أو أخًا .. حلف كل واحد يمينًا واحدة، وإن كانوا تسعة وأربعين .. حلف كل واحد يمينين.

وفي صورة الجد والإخوة تقسم الأيمان كقسم المال، وفي المعادة لا يحلف ولد الأب إذا لم يأخذ شيئًا، ففي جد وأخ لأبوين وأخ لأب الأيمان بين الجد والأخ الشقيق أثلاثًا؛ الجد سبعة عشر، والأخ ضعفها.

ولو كان فيهم مشكل .. عمل فيه بالاحتياط، فيحلف الأكثر ويأخذ الأقل، فإذا خلف ولدًا خنثى .. حلف خمسين يمينًا؛ لاحتمال أنه ذكر، ولا يأخذ إلا نصف المال.

قال: (وفي قول: يحلف كل خمسين) يمينًا؛ لأن اليمين إذا توجهت على جماعة .. لزم كل واحد منهم ما كان يلزم الواحد لو انفرد باليمين الواحدة في سائر الدعاوى، ولأن الاستحقاق يتعلق بالخمسين وكل واحد يأخذ ما يأخذ بيمين نفسه فعليهم إتمام الخمسين، وهذا القول مخرج من أن الدية تثبت للوارث ابتداء، ولا فرق في ذلك بين العصبات وأصحاب الفروض.

قال: (ولو نكل أحدهما .. حلف الآخر خمسين)؛ لأن حقه لا يثبت بأقل من ذلك.

قال: (ولو غاب .. حلف الآخر خمسين وأخذ حصته، وإلا .. صبر للغائب)، فإذا حضر .. حلف ما يخصه، فلو قال الحاضر: لا أحلف إلا قدر حصتي .. لم يبطل حقه من القسامة، حتى إذا قدم الغائب .. حلف معه.

فلو كان الورثة ثلاث عصبات أحدهم حاضر وأراد أن يحلف .. حلف خمسين

ص: 23

وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِلَا لَوْثٍ، وَالْمَرْدُودَةَ عَلَى الْمُدَّعِي أَوْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ لَوْثٍ، وَالْيَمِينَ مَعَ شَاهِدٍ خَمْسُونَ

ــ

يمينًا وأخذ ثلث الدية، فإذا قدم الثاني .. حلف خمسة وعشرين وأخذ الثلث، فإذا قدم الثالث .. حلف سبعة عشر، ويقاس به ما شابهه.

تنبيهان:

أحدهما: جزم المصنف بأخذ الحصة في الحال كما جزم به الماوردي وابن الصباغ وغيرهما، مع حكايتهم الخلاف في سقوط اللوث بالتكاذب، وينبغي أن لا يعطاها؛ لاحتمال أن يحضر فيكذبه فيسقط اللوث.

وقد أشار إلى ذلك ابن الرفعة، فقال: إنما يأتي هذا إذا قلنا: إن تكذيب بعض الورثة لا يبطل القسامة.

ونظير المسألة: إذا حضر بعض الشفعاء .. فإنه يأخذ جميع الشقص، فإذا حضر الثاني .. أخذ منه نصيبه، فإذا حضر الثالث .. أخذ منهما حصته؛ لأن الشفيع الحاضر إذا لم يأخذ الجميع وأخر إلى حضور الغائب .. سقط حقه، بخلاف ما نحن فيه، والفرق تقصيره في أخذ ما وجب له على الفور بخلاف هذه المسألة.

الثاني: حلف البالغ أو الحاضر خمسين ثم مات الغائب أو الصبي وورثه الحالف .. لم يأخذ نصيبه إلا بعد أن يحلف حصته، ولا يحسب ما مضى؛ لأنه لم يكن مستحقًا له حينئذ، كذا قالوه، وينبغي إذا تبين أنه حالة الحلف كان ميتًا .. اكتفى بحلفه؛ لأنه حينئذ كان كل الورثة، فأشبه ما إذا باع مال أبيه على ظن حياته.

قال: (والمذهب: أن يمين المدعى عليه بلا لوث، والمردودة على المدعي أو على المدعى عليه مع لوث، واليمين مع شاد خمسون) اشتمل كلامه على أربع مسائل:

الأولى: إذا ادعى القتل بغير لوث وتوجهت اليمين على المدعى عليه .. فهل تغلظ عليه بالعدد؟ قولان:

ص: 24

وَتَجِبُ بِالْقَسَامَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ دِيَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَفِي الْعَمْدِ عَلَى الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ،

ــ

أظهرهما: نعم؛ لأنها يمين دم.

والثاني- واختاره المزني-: يحلف يمينًا واحدة؛ لإطلاق قوله صلى الله عليه وسلم: (واليمين على المدعى عليه)، وقياسًا على سائر الدعاوى.

الثانية: إذا لم يحلف المدعى عليه فردت اليمين على المدعي .. ففي تعددها القولان، والمنصوص في (الأم) التعدد.

الثالثة: إذا ردت اليمين على المدعى عليه وهناك لوث .. هل تغلظ؟ طريقان:

أصحهما: القطع بالتغليظ.

الرابعة: إذا حلف المدعي مع الشاهد الواحد .. هل يحلف خمسين يمينًا أو يمينًا واحدة؟ فيه القولان، والأظهر: التعدد؛ لأن الدماء يحتاط لها بدليل الكفارة.

وأشار بقوله: (المردودة على المدعي) إلى أنه إذا نكل المدعي عن القسامة في محل اللوث فردت على المدعى عليه فنكل .. أنها ترد على المدعي مرة ثانية؛ لأنه إنما نكل عن يمين القسامة وهذه غيرها، والسبب في تلك هو اللوث وفي هذه نكول المدعى عليه فصار تعدد السبب كتعدد الخصومة، وبهذا يتبين أن يمين الرد ليست كيمين القسامة.

قال: (وتجب بالقسامة في قتل الخطأ أو شبه العمد دية على العاقلة) كما لو قامت البينة بذلك، فتكون مخففة في الخطأ مغلظة في شبه العمد، وهذا كان المصنف مستغنيًا عنه بما ذكره في (فصل العاقلة).

قال: (وفي العمد على المقسم عليه) أي: ولا قصاص؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إما أن تدوا

صاحبكم، أو تأذنوا بحرب من الله) رواه البخاري، فأطلق إيجاب الدبة ولم يفصل، ولأن يمين المدعي لا يثبت بها النكاح فلا يثبت بها القصاص كالشاهد واليمين.

ص: 25

وَفِي الْقَدِيمِ: قَصَاصٌ. وَلَوِ ادَّعَى عَمْدًا بِلَوْثٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ حَضَرَ أَحَدُهُمْ .. أَقْسَمَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ وَأَخَذَ ثُلُثَ الدِّيَةِ، فَإِنْ حَضَرَ آخَرُ .. أَقْسَمَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ، وَفِي قَوْلٍ: خَمْسًا وَعِشْرِينَ

ــ

قال: (وفي القديم: قصاص) أي: حيث يجب لو قامت البينة به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم) أي: دم قاتل صاحبكم، متفق عليه.

وفي (سنن أبي داوود)[4511]: (أنه صلى الله عليه وسلم قتل في القسامة رجلًا من بني النصر بن مالك).

وفي (الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يحلف منك خمسون رجلًا: أن واحدًا منهم قتله فيدفع برمته).

و (الرمة) الحبل.

ولأنها حجة يثبت بهد العمد فيثبت به القصاص كشهادة الرجلين.

وعلى هذا: لو كان المدعى عليه جماعة .. قتلوا كلهم عند الجمهور، وقال ابن سريج: لا يقتل به إلا واحد يختاره الولي لضعف القسامة ويأخذ من الباقين حصصهم من الدية، وهو ضعيف، وعن القديم: أنه لا يقتل بها أكثر من اثنين، وأجاب في الجديد عن الحديث الأول بأنا نضمن بسبب قتل صاحبكم.

وعن الثاني بأنه يحتمل أن لا يكون هناك لوث وإنما حلف المدعي اليمين المردودة.

وعن الثالث: أنه يدفع إليه برمته؛ لتؤخذ منه الدية.

وعن الرابع: أنه ينتقض بما إذا ثبتت السرقة برجل وامرأتين؛ فإنه يثبت المال دون القطع.

قال: (ولو ادعى عمدًا بلوث على ثلاثة حضر أحدهم .. أقسم عليه خمسين وأخذ ثلث الدية، فإن حضر آخر .. أقسم عليه خمسين)؛ لأن أيمان القسامة لا تتناول الثاني، أما إذا أقر .. فإنه يقتص منه بإقراره إن كان القتل عمدًا بشرطه ولا قسامة.

قال: (وفي قول: خمسًا وعشرين) كما لو حضرا معًا.

ص: 26

إِنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرَهُ فِي الأَيْمَانِ، وَإِلَاّ .. فَيَنْبَغِي الاِكْتِفَاءُ بِهَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْقَسَامَةِ فِي غَيْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهُوَ الأَصَحُّ. وَمَنِ اسْتَحَقَّ بَدَلَ الدَّمِ .. أَقْسَمَ وَلَوْ مُكَاتَبٌ لِقَتْلِ عَبْدِهِ،

ــ

قال: (إن لم يكن ذكره في الأيمان، وإلا .. فينبغي الاكتفاء بها بناء على صحة القسامة في غيبة المدعى عليه، وهو الأصح)، ووجه صحة القسامة في الغيبة: القياس على البينة، ووجه مقابله: ضعف القسامة.

وقوله (إن لم يكن ذكره في الأيمان) قيد في قوله: (أقسم)، لا في القول الضعيف، ولكن عبارته موهمة، وعبارة (المحرر) أوضح؛ فإنه قال: فيقسم خمسًا وعشرين يمينًا في أحد القولين، وخمسين في أصحهما، وليكن هذا الخلاف فيما إذا لم يذكره في الأيمان، فإن ذكره .. فينبغي أن يكتفي بها.

فرع:

إذا حلف المدعى عليه تخلص من المطالبة، ولا يطالب أهل الموضع الذي وجد فيه القتيل ولا بأني ذلك الموضع ولا عاقلته، خلافًا لأبي حنيفة كما في سائر الدعاوى.

وإذا حلف المدعي عند نكول المدعى عليه، فإن كان المدعى قتلًا عمدًا .. وجب القصاص؛ لأن اليمين المردودة كالإقرار أو كالبينة والقصاص يثبت بكل واحد منهما، فإن كان المدعى خطأ أو به عمد .. وجبت الدية.

قال: (ومن استحق بدل الدم

أقسم) هذا ضابط للحالف في القسامة، وهو كل من يستحق بدل الدم.

قال في (الأم) سواء كان مسلمًا أو كافرًا، عدلًا أو فاسقًا، محجورًا عليه أو غيره، ودخل فيه السيد، فإذا قتل عبده .. أقسم على المذهب كما سبق.

واحترز المصنف عما لو جرح مسلمًا فارتد ومات .. فإن وليه لا تثبت له القسامة؛ لأنه لا يستحق بدل الدم؛ لأن ماله فيء.

قال: (ولو مكاتب لقتل عبده)، فيقسم المكاتب إذا قتل عبده، ولا يقسم

ص: 27

وَمَنِ ارْتَدَّ .. فَالأَفْضَلُ تَاخِيرُ أَقْسَامِهِ لِيُسْلِمَ، فَإِنْ أَقْسَمَ فِي الرِّدَّةِ .. صَحَّ عَلَى الْمَذْهَبِ،

ــ

سيده؛ لأن المكاتب استحق بدل العبد ليستعين بالقيمة على أداء النجوم، بخلاف ما إذا قتل عبد المأذون به؛ فإن السيد يقسم دون المأذون له، لأنه لا حق له والمكاتب صاحب حق في عبده، فإن عجز قبل أن يقسم وتعرض عليه اليمين .. فيقسم السيد، وإن عجز يعد عرض اليمين ونكوله .. لم يقسم السيد؛ لبطلان الحق بنكوله، كما لا يقسم الوارث إذا نكل الموروث، ولكن يحلف المدعى عليه، فإن عجز بعدما أقسم .. أخذ السيد القيمة، كما لو مات الوارث بعد ما أقسم.

وكان الأحسن أن ينصب (المكاتب) على حذف كان واسمها، على حد قوله:(ولو خاتمًا من حديد)، لكن المصنف استعمل ذلك كثيرًا كما تقدم له في (الظهار) و (شروط الصلاة).

قال: (ومن ارتد .. فالأفضل تأخير أقسامه ليسلم) إذا ارتد ولي القتيل بعدما أقسم .. فالدية ثابتى ولها حكم سائر أمواله التي ارتد عليها، فإن ارتد قبل أن يقسم .. قال الأصحاب: الأولى أن لا يعرض الحاكم القسامة عليه؛ لأنه لا يتورع عن الأيمان الكاذبة، فإذا عاد إلى الإسلام .. أقسم.

وصورة المسألة: أن يرتد بعد موت المجروح، فإن ارتد قبل موته ثم مات المجروح وهو مرتد .. فلا يقسم؛ لأنه لا يرث، بخلاف ما إذا قتل العبد وارتد السيد؛ فإنه لا يفرق بين أن يرتد قبل موت العبد أم بعده، بل يقسم إذا قلنا بالقسامة في بدل العبد؛ لأن استحقاقه بالملك لا باإرث.

قال: (فإن أقسم في الردة .. صح على المذهب) ويستحق الدبة بها؛ لأن يمين الكافر صحيحة، والقسامة نوع اكتساب للمال فلا تمنع منه الردة كالاحتطاب والاحتشاش.

وقال المزني: لا تصح القسامة في حال الردة ولا يثبت بها شيء.

ص: 28

وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ .. لَا قَسَامَةَ فِيهِ.

فَصْلٌ:

ــ

وقيل: إن أبقينا ملك المرتد .. صحت، وإن أزلناه .. فلا، وعلى الوقف وجهان: أصحهما: يقسم وتكون الدية لأهل الفيء.

قال الرافعي: والأظهر عند أكثر الأصحاب: تصحيح القسامة على الأقوال كلها.

وموضع الخلاف: إذا مات أو قتل في الردة، فإن عاد إلى الإسلام .. اعتد به وجهًا واحدًا.

قال: (ومن لا وارث له .. لا قساوة فيه)؛ لعدم المستحق المعين؛ لأن ديته لعامة المسلمين ولا يمكن تحليفهم، لكن إذا ظهر للإمام أن القاتل شخص معين .. نصب من يدعي عليه ويحلفه، فإن نكل .. فهل يقضي عليه بنكوله؟ فيه خلاف يأتي في موضعه.

تتمة:

ادعى على جل: أنه قتل أباه عمدًا، فقال المدعى عليه: قتلته ولكن خطأ أو شبه عمد، فإن لم يكن لوث .. صدق المدعى عليه بيمينه، والنص: أنه يحلف يمينًا واحدة، وإن كان شهد عليه عبيد أو نسوة على إقراره بالعمدية .. فأيهما يصدق؟ وجهان: أصحهما: المدعي، وبه قطع الإمام والمتولي.

ولو ادعى: أنه قتل أباه خطأ، فقال: قتلته عمدًا .. فلا قصاص، وهل له المطالبة بدية مخففة؟ فيه وجهان: أصحهما: نعم.

قال: (فصل) عقدة للشهادة بالدم.

والكلام في صفات الشهود والمشهود به مستوفى قي (كتاب الشهادات)، لكن

ص: 29

إِنَّمَا يَثْبُتُ مُوجِبُ الْقِصَاصِ بِإِقْرَارٍ أَوْ عَدْلَيْنِ، وَالْمَالِ بِذَلِكَ أَوْ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ وَيَمِينٍ. وَلَوْ عَفَا عَنِ الْقِصَاصِ لِيَقْبَلَ لِلْمَالِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ .. لَمْ يُقْبَلْ فِي الأَصَحِّ

ــ

المزني ذكر هنا مسائل تتعلق بالشهادة على الجناية، فراعى معظم الأصحاب ترتيبه، وأخرة آخرون إلى الشهادات.

قال: (إنما يثبت موجب القصاص بإقرار أو عدلين).

(الموجب) بكسر الجيم، أي: الذي يوجب القصاص من جرح أو قتل لا يثبت إلا بشهادة رجلين يشهدان على نفس الجرح أو القتل أو إقرار الجاني به، لكن يرد على حصره ثبوته بحلف المدعي عند نكول المدعى عليه، وكذا بالقسامة على القديم.

ويرد عليه السحر؛ فإنه قد يوجب القصاص ومع ذلك لا يثبت بالبينة بل بالإقرار فقط كما سيأتي.

قال: (والمال بذلك أو برجل وامرأتين أو ويمين) يعني: أن ما لا يوجب إلا الدية- كالخطأ وشبه العمد، وجناية الصبي والمجنون، ومسلم على ذمي، وحر على عبد، وأب على ابن- يثبت بشهادة رجل وامرأتين، ورجل ويمين كسائر الأموال المدعاة.

قال: (ولو عفا عن القصاص ليقبل للمال رجل وامرأتان)، وكذا شاهد ويمين) .. لم يقبل في الأصح)؛ لأنها لا تثبت المال إلا بثبوت القود، وهذا هو المنصوص، ومنهم من قطع به.

والثاني: يقبل؛ لأن المقصود المال.

ومحل الخلاف: إذا أنشأ الدعوى والشهادة بعد العفو، أما لو ادعى العمد وأقام رجلًا وامرأتين ثم عفا عن القصاص على مال وقصد الحكم له بتلك الشهادة .. لم يحكم له بها قطعًا؛ لأنها غير مقبولة حن أقيمت فلم يجز العمل بها، كما إذا شهد الصبي بشيء ثم بلغ، أو العبد ثم عتق.

ص: 30

وَلَوْ شَهِدَ هُوَ وَهُمَا بِهَاشِمَةٍ قَبْلَهَا إِيضَاحٌ .. لَمْ يَجِبْ أَرْشُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَلْيُصَرِّحِ الشَّاهِدُ بِالْمُدَّعَى، فَلَوْ قَالَ: ضَرَبَةُ بِسَيْفٍ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ .. لَمْ يَثْبَتْ حَتَّى يَقُولَ: فَمَاتَ مِنْهُ أَوْ فَقَتَلَهُ، وَلَوْ قَالَ: ضَرَبَ رَاسَهُ فَأَدْمَاهُ، أَوْ فَأَسَالَ دَمَهُ .. ثَبْتُتْ دَامِيَةٌ ..

ــ

قال: (ولو شهد هو وهما بهاشمة قبلها إيضاح .. لم يجب أرشها على المذهب)؛ لأن الهشم المشتمل على الإيضاح جناية واحدة، وإذا اشتملت الجناية على ما يوجب القصاص .. احتيط لها، فلا تثبت إلا بحجة كاملة، وهذا هو المنصوص هنا.

والنص فيما إذا رمى زيد سهمًا إلى عمرو فمرق منه إلى غيره: أنه يثبت الخطأ الوارد على الثاني برجل وامرأتين وشاهد ويمين، وفيها طريقان:

إحداهما: على قولين: أحدهما: ثبوت الهشم والجناية على الثاني برجل وامرأتين، وبشاهد يمين. والثاني: المنع.

والمذهب: تقرير النصين.

والفرق: ما تقرر من أن الهشم المشتمل على الإيضاح جناية واحدة، وفي مسألة مروق السهم حصل جنايتان لا تعلق لإحداهما بالأخرى.

قال: (وليصرح الشاهد بالمدعى) أي: يجب أن تكون الشهادة بالقتل مفسرة مصرحة بالغرض؛ لعظم أمر القتل عند الله تعالى.

وأتى المصنف بلام الأمر؛ ليدل على أن ذلك واجب، وهو أحسن من قول (المحرر) وينبغي.

قال: (فلو قال: ضربه بسيف فجرحه فمات .. لم يثبت حتى يقول: فمات منه أو فقتله)؛ لاحتمال أن يكون مات بسبب آخر غير جراحته، فلابد أن يضيف الهلاك إلى فعل المشهود عليه، وكذا لو قال: ضربه فانهار الدم، وكذا ضربه فمات، أو ومات؛ لاحتمال موته بسبب آخر، والشاهد يعرف حصول القتل بقرائن شاهدها وإن لم ير إلا الجراحة وإنهار الدم.

قال: (ولو قال: ضرب رأسه فأدماه، أو فأسال دمه .. ثبتت دامية)؛ عملًا بقوله: ولو قال: فسال دمه .. لم يثبت؛ لاحتمال حصول السيلان بسبب آخر.

ص: 31

ويُشْتَرَطُ لِمُوضِحَةٍ: ضَرَبَهُ فَأَوْضَحَ عَظْمَ رَاسِهِ، وَقِيلَ: يَكْفِي: فَأَوْضَحَ رَاسَهُ، وَيَجِبُ بَيَانُ مَحَلِّهَا وَقَدْرِهَا لِيُمْكِنَ قِصَاصٌ

ــ

قال: (ويشترط لموضحة: ضربة فأوضح عظم رأسه)، فلا يكفي إطلاق الموضحة؛ لأنها من الإيضاح، وليست مخصوصة بإيضاح العظم.

قال: (وقيل: يكفي: فأوضح رأسه)؛ لفهم المقصود بذلك عرفًا، والوجه الأول جعله في (المحرر) أقوى، وظاهر ما في (الشرح) و (الروضة) ترجيح الثاني.

قال الإمام: والذي يخطر للفطن هنا: أن الشاهد لو كان فقهيًا وعلم القاضي منه أنه لا يطلق الموضحة إلا على ما يوضح العظم .. فيجوز أن يكتفي به لفهم المقصود، ويجوز أن يعتبر الكشف لفظًا؛ لأن الشرع تعبدنا في لفظ الشهادات وإن أفهم غيرها المقصود، وقد ذكر مثل هذا التفصيل في (أداء الشهادة على الشهادة)، وذكر الرافعي نحوه في (الشهادة بمحرمية الرضاع).

قال: (ويجب بيان محلها وقدرها ليمكن قصاص)، فلو كان على رأسه أكثر من موضحة ولم يعين الشاهد موضحة الذي شهد عليه .. فلا قصاص، وهذا لا خلاف فيه إذا كان على رأسه غيرها، فإن لم يكن على رأسه إلا موضحة واحدة وشهدا: أنه أوضح رأسه .. فلا قصاص أيضًا؛ لجواز أنها كانت صغيرة فوسعها.

وصرح الماوردي فيها بوجوب القصاص أو الدية؛ لزوال العلة.

هذا بالنسبة للموضحة، فلو شهدا بأنه قطع يد فلان، ولم يعينا اليد، فوجدناه مقطوع يد واحدة .. فهل تنزل شهادتهم على المشاهدة مقطوعة أو يشترط تنصيصهم؟

قال الرافعي: يجوز أن يقدر فيه خلاف.

وقال المصنف: الصواب: الجزم هنا بالتنزيل على المقطوعة، وبه صرح ابن أبي هريرة والماوردي؛ لأنها صارت ببقاء الأخرى متعينة، ولا خلاف أنهما لو شهدا بموضحة شهادة صريحة فشاهدنا رأس المجروح سليمًا لا أثر عليه والعهد قريب .. أن شهادتهما مردودة.

ص: 32

وَيَثْبُتُ الْقَتْلُ بِالسِّحْرِ بِإِقْرَارٍ لَا بِبَيِّنَةٍ

ــ

قال: (ويثبت القتل بالسحر بإقرار)، فإن قال: قتلته بسحري وسحري يقتل غالبًا .. فعمد، أو نادرًا .. فشبه عمد، أو أخطأت من اسم غيره إلى اسمه .. فخطأ. والدية في ماله؛ لأن العاقلة لا تحمل باعتراف الجاني إلا أن يصدقوه، وقوله في (الوجيز)(على العاقلة) وهم أو سبق قلم؛ فلم يذكره غيره.

وإن قال: مرض بسحري ولم يمت .. فهدا لوث تجب به القسامة.

فإن قال: قتلت بسحري جماعة .. لم يقتل لجهالة المستحق.

وقال أبو حنيفة: يقتل السحر حدًا؛ لسعيه بالفساد.

قال: (لا ببينة)؛ لأن الشاهد لا يعلم قصد الساحر، ولا يشاهد تأثير سحره، اللهم إلا أن يقول الساحر: سحرته بنوع كذا، فيشهد عدلان بأن هذا النوع يقتل غالبًا أو نادرًا فيثبت ما يشهدان به، وتتصور معرفة العدلين لذلك؛ بأن يكونا ساحرين ثم تابا، أو فرعنا على القول بجواز تعلمه، والأصح: أنه حرام، وقيده القاضي حسين بما إذا تعلمه ليسحر به.

وقال البندنيجي: من اعتقد إباحته .. كفر.

وقال ابن أبي هريرة: يجوز تعلمه وتعليمه للوقوف عليه لا للعمل به؛ لما في (الصحيحين)(أن لبيد بن الأعصم كان مسلمًا في بني زريق حليف اليهود، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتله).

ويحرم فعله إجماعًا، ووقع في (الوسيط) تناقض في جواز تعلمه بين (باب الإجارة) وهذا الباب.

وقال بعض العلماء: إنه كفر.

ص: 33

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقال مالك: زندقة، حتى لو قال رجل: أنا أحسن السحر ولا أعمل به .. قتل ولا تقبل توبته.

ويروى عن أبي حنيفة مثله، وعن أحمد: الساحر يقتل، ولم ينقل عنه في كفره شيء.

احتج من رأى قتله بقوله صلى الله عليه وسلم: (اقتلوا كل ساحر وساحرة) وما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم: (حد الساحر قتله بالسيف) وما روي: أن جارية لحفصة سحرتها فقتلتها

قلنا: هذا معارض بأن جارية لعائشة سحرتها فأمرت أن تباع لرجل من الأعراب بشيء ملكتها وعندنا لا يكفر به إلا إذا اعتقد اعتقادًا مكفرًا بأن يضيف التصرف إلى الكواكب السبعة وأنها تجيب إلى ما يطلب منها.

فائدة:

السحر في اللغة: صرف الشيء عن وجه، يقال: ما سحرك عن كذا، أي: ما صرفك.

ومذهب أهل السنة والجماعة: أنه حق، وله حقيقة، ويكون بالقول وبالفعل، ويؤلم ويمرض ويقتل، ويفرق بين الزوجين.

وقال المعتزلة وأبو جعفر الإستراباذي- بكسر الهمزة-: إن السحر لا حقيقة له، إنما هو تخييل، وبه قال المعري.

ص: 34

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

استدلوا بقوله تعالى: {يُخَيَّلُ إلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} .

وذهب قوم إلى أن الساحر قد يقلب بسحره الأعيان، ويجعل الإنسان حمارًا بحسب قوة السحر، وهذا واضح البطلان؛ لأنه لو قدر على هذا .. لقدر على أن يرد نفسه إلى الشباب بعد الهرم، وأن يمنع نفسه من الموت.

ومن جملة أنواعه: السيميا والهيميا، ولم يبلغ أحد في السحر إلى الغاية التي وصل إليها القبط أيام دلوكا ملكة مصر بعد فرعون؛ فإنهم وضعوا السحر على البرابي، وصوروا فيها صور عساكر الدنيا، فأي عسكر قصدهم .. أتوا إلى ذلك العسكر المصور، فما فعلوه به من قلع الأعين وقطع الأعضاء .. اتفق نظيره للعسكر القاصد لهم، فتحامتهم العساكر، وأقاموا ست مئة سنة، والنساء هن الملوك والأمراء بمصر بعد غرق فرعون وجنوده، حكاه القرافي وغيره.

وقال الإمام فخر الدين: لا يظهر تأثير السحر إلا على فاسق، ويحرم تعليم الكهانة والتنجيم والضرب بالرمل وبالشعير والحصى والشعبذة، وتعليم هذه كلها وأخذ العوض عليها حرام بالنص الصحيح في النهي عن حلوان الكاهن والباقي في معناه.

وأما الحديث الصحيح أنه: (كان نبي من الأنبياء يخط، فمن وافق خطه .. فذاك) .. فمعنها: فمن علم كوافقته له .. فلا بأس، ونحن لا نعلم الموافقة؛ فلا ي .. جوز.

ويحرم المشي إلى أهل هذه الأنواع وتصديقهم، وكذلك تحرم العيافة والطيرة، وعلى فاعل ذلك التوبة منه.

ص: 35

وَلَوْ شَهِدَ لِمُوَرِّثِهِ بِجُرْحٍ قَبْلَ الاِنْدِمَالِ .. لَمْ تُقْبَلْ، وَبَعْدَهُ تُقْبَلُ، وَكَذَا بِمَالٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فِي الأَصَحِّ. وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ قَتْلٍ يَحْمِلُونَهُ،

ــ

قال: (ولو شهد لمورثه بجرح قبل الاندمال .. لم تقبل)؛ لأنه لومات .. كان الأرش له، فكأنه شهد لنفسه.

وسيأتي في (كتاب الشهادات) أن من شرط قبول الشهادة: اتفكاكها عن التهمة، وأن من أسباب التهمة: أن يجر بها لنفسه نفعًا أو يدفع عنه ضررًا.

والمصنف أطلق (المورث) وهو مقيد بغير أصله وفرعه؛ لأنهما لا تقبل شهادتهما مطلقًا للبعيضة، وقد ذكر في (المحرر) هذا القيد، وكأن المصنف حذفه للعلم به من (كتاب الشهادات).

وأطلق الشيخان وغيرهما المنع قبل الاندمال.

واستثنى الفارقي منه: ما إذا كان على المجروح دين مستغرق جميع الدية .. فتقبل شهادته؛ لأنه لا يجر لنفسه نفعًا، وتبعه على ذلك صاحبه ابن أبي عصرون، وفيه نظر؛ لأن الدين لا يمنع الإرث.

قال: (وبعده تقبل)؛ لانتفاء التهمة، فلو شهد محجوبان ثم صارا وارثين .. فالشهادة في الأصل مقبولة، لكن إن صارا وارثين قبل قضاء القاضي بشهادتهما .. لم يقض، وإن كان بعد قضائه .. لم ينقض القضاء، كما لو شهد الشاهد ثم فسق.

وقيل: قولان:

أحدهما: هذا.

والثاني: الاعتبار بوقت الشهادة ولا أثر لما يطرأ.

قال: (وكذا بمال في مرض موته في الأصح)؛ لأنها لا تجر له نفعًا، ولا تدفع عنه ضررًا؛ لأن المال إنما يثبت للمريض ثم يرثه.

والثاني: لا تقبل للتهمة؛ لأن المريض محجور عليه بحق الوارث والوارث صاحب حق في المال

قال: (ولا تقبل شهادة العاقلة بفسق شهود قتل يحملونه)، وهو الخطأ وشبه العمد؛ لأنهم يدفعون عن أنفسهم الغرم.

فو كان الشاهدان من فقراء العاقلة .. فالنص: أنه لا تقبل شهادتهما أيضًا.

ولو كانا من الأباعد وفي عدد الأقربين وفاء بالواجب .. فالنص: قبول شهادتهما، فقيل: قولان، والمذهب: تقريرهما.

ص: 36

وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى اثْنَيْنِ بِقَتْلِهِ فَشَهِدَا عَلَى الأَوَّلَيْنِ بِقَتْلِهِ: فَإِنْ صَدَّقَ الْوَلِيُّ الأَوَّلَيْنِ .. حُكِمَ بِهِمَا، أَوِ الآخَرَيْنِ أَوِ الْجَمِيعَ أَوْ كَذَّبَ الْجَمِيعَ .. بَطَلَتَا

ــ

والفرق: أن المال غاد ورائح فالغنى غير مستبعد فتحصل التهمة، وموت القريب كالمستبعد في الاعتقاد فلا تتحقق فيه تهمة.

قال: (ولو شهد اثنان على اثنين بقتله فشهدا على الأولين) أي: في ذلك المجلس (بقتله: فإن صدق الولي الأولين .. حكم بهما)، فيثبت القتل على الآخرين بشهادة الأولين؛ لخلو شهادتهما عن التهمة، وتسقط شهادة الآخرين؛ لأنهما صارا عدوين للأولين؛ لكونهما شهدا عليهما بالقتل، ولأنهما يدفعان بشهادتهما عن أنفسهما القتل الذي شهد به الأولان، والدافع متهم في شهادته.

قال: (أو الآخرين أو الجميع أو كذب الجميع .. بطلتا)؛ أي: وإن صدق الآخرين دون الأولين .. بطلت الشهادتان، أما شهادة الأولين فلأن تصديق الآخرين يتضمن تكذيبهما، وأما شهادة الأخرين .. لأن الآخرين يدفعان عن أنفسهما ضررًا، ولأنهما عدوان للأولين، وإن صدق الجميع .. بطلت الشهادتان؛ لأن في تصديق كل فريق تكذيب الآخر، وإن كذبهما جميعًا .. فهو أظهر، كذا فرض الشافعي والأصحاب المسألة.

واعترض على تصويرها؛ بأن الشهادة لا تسمع إلا بعد تقدم دعوى على معين، وأجيب بأوجه:

أصحها: أن صورتها: أن يدعي الولي القتل على رجلين ويشهد له اثنان، فيبادر المشهود عليهما فيشهدان على الشاهدين بأنهما القاتلان، وذلك يورث ريبة وشبهة للحاكم، فليراجع الحاكم الولي ويسأله.

ص: 37

وَلَوْ أَقَرَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بِعَفْوِ بَعْضٍ .. سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَإِنِ اخْتَلَفَ شَاهِدَانِ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ أَوْ آلَةٍ أَوْ هَيْئَةٍ .. لَغَتْ، وَقِيلَ: لَوْثٌ ..

ــ

ويتصور أيضًا: فيما إذا وكل وكيلين في إثبات الدم وأقام كل من الشاهدين اللذين شهدا أولًا وآخرًا شهادته بطلب وكيل بعد تحرير الدعوى.

وهذا مفرع على الصحيح: أن شهادة الحسبة لا تسمع في حقوق الآدميين، ومفرع على أن التوكيل في الخصومة من غير تعيين صحيح وعليه عمل الحكام.

قال: (ولو أقر بعض الورثة بعفو بعض .. سقط القصاص)؛ لأنه لا يتبعض، سواء عينه أو لم يعينه؛ لاعترافه بسقوط حقه منه، وهو كما لو أقر أحد مالكي العبد؛ بأن شريكه أعتقه وهو موسر .. يحكم بنفوذ العتق إذا جعلنا السراية به.

واحترز بسقوط القصاص عن الدية؛ فإنها لا تسقط، بل إن لم يعين العافي .. فللورثة كلهم الدية، وإن عينه فأنكر .. فكذلك، ويصدق بيمينه في أنه لم يعف، وإن أقر بالعفو. فللباقين حصتهم، وهو إن عفا عنها أيضًا .. سقط حقه، أو مطلقًا .. قعلى القولين في وجوب الدية بالعفو المطلق.

قال: (وإن اختلف شاهدان في زمان أو مكان أو آلة أو هيئة .. لغت) الشهادة؛ للتعارض، وهكذا حكم ما شهدا به واختلفا فيه من الأفعال والألفاظ.

ولو شهد أحدهما: أنه أقر بالقتل عمدًا أو خطأ يوم السبت، والآخر أنه أقر به يوم الأحد .. ثبت القتل؛ لأنه لا اختلاف في القتل وصفته.

قال: (وقيل: لوث)؛ لأنهما متفقان على أصل القتل، والاختلاف في الصفة ربما يكون غلطًا أو نسيانًا.

وحاصل المسألة: أن المزني روى: أنه يكون لوثًا، والربيع: أنه ليس بلوث، وللأصحاب طرق:

أحدها: القطع بأنه ليس بلوث.

وثانيها: القطع بأنه لوث.

وثالثها: إثبات قولين.

ص: 38

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تتمة:

هذا إذا شهدا على الفعل، فإن شهدا على الإقرار .. لم يضر اختلافهما في الزمان، نص عليه في (الأم)، وقياس باقي الصور كذلك.

ولو ادعى القتل وشهد أحدهما: أنه قتله، والآخر: أنه أقر بقتله .. لم يثبت القتل؛ لأنهما لم يتفقا على شيء واحد، لكنه لوث بلا خلاف؛ لأنه لا تكاذب بين القولين.

****

خاتمة

شهد شاهد على رجل: أنه قتل زيدًا، وشهد آخر: أنه قتل عمرًا .. حصل اللوث في حقهما معًا، ولكل واحد من وليهما أن يقسم، نص عليه في (الأم).

***

ص: 39

كتاب البغاة

ص: 41