المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الأُضْحِيَةِ هِيَ سُنَّةٌ ــ   كتاب الأضحية هي بالتشديد والتخفيف: ما يذبح من النعم - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٩

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الأُضْحِيَةِ هِيَ سُنَّةٌ ــ   كتاب الأضحية هي بالتشديد والتخفيف: ما يذبح من النعم

‌كِتَابُ الأُضْحِيَةِ

هِيَ سُنَّةٌ

ــ

كتاب الأضحية

هي بالتشديد والتخفيف: ما يذبح من النعم تقربًا إلى الله تعالى يوم النحر وأيام التشريق.

ويقال: أضحية بضم الهمزة وكسرها، وضحية وأضحاة، سميت باسم أول زمان فعلها.

وقول الشاعر [من البسيط]:

ضحوا بأشمط عنوان السجود به .... يقطع الليل تسبيحًا وقرآنًا

استعارة، والمراد: قتلوا عثمان ضحوة النهار، أو في شهر الأضحية، ومن ثم قال إبراهيم المروروذي: إنها مشتقة من الضحوة.

والأصل فيها قبل الإجماع: قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ} أي: من أعلام دين الله.

وقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ} على أشهر الأقوال.

وروى الترمذي [1493] والحاكم [4/ 221] عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما عمل ابن آدم يوم النحر من عمل أحب إلى الله من إراقة الدم؛ إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض، فطيبوا بها نفسًا).

وذكر الرافعي وابن الرفعة حديث: (عظموا ضحاياكم؛ فإنها على الصراط مطاياكم) وهو في (مسند الفردوس) لأبي منصور الديلمي [268]، لكن بلفظ:(استفرهوا) بدل (عظموا)، وقال ابن الصلاح: إنه غير ثابت.

قال: (هي سنة) أي: مؤكدة؛ لأنها من الشعائر الظاهرة.

ص: 499

لَا تَجِبُ إِلَا بِالْتِزَامٍ،

ــ

وروى الترمذي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت بالنحر وهي سنة لكم).

وفي رواية الدارقطني [4/ 282]: (كتب علي النحر وليس بواجب عليكم).

قال في (العدة): وهي سنة على الكفاية، إذا فعلها واحد من أهل البيت .. كفى عن الجميع، وإن تركوها .. كره لهم؛ لما في (الموطأ) [2/ 486] عن أبي أيوب الأنصاري قال: كنا نضحي بالشاه الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته، ثم تباهى الناس بعد فصارت مباهاة، وهو حديث صحيح.

ولأن أبا بكر وعمر كانا لا يضحيان مخافة أن يرى الناس ذلك واجبًا، رواه البيهقي [9/ 264] عنهما بإسناد حسن.

وروى مسلم [1977/ 41] عن أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي .. فليمسك عن شعره وظفره) قال الشافعي: دل على سنيتها؛ لأنه وكله إلى خيرته.

والمخاطب بها الحر المستطيع، وحكى القاضي حسين وجهًا: أنها فرض كفاية، إذا تركها أهل بلد

أثموا.

وكلام المصنف يشمل أهل البوادي والحضر والسفر والحاج وغيره؛ ففي (صحيح مسلم): (أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بمنى عن نسائه بالبقر).

وشذ العبدري فقال: لا تسن للحاج بمنى؛ فإن الذي ينحره بها هدي لا أضحية، وهذا خلاف ما نص عليه الشافعي والأصحاب.

قال: (لا تجب إلا بالتزام)؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله .. فليطعه) وهذا وإن فهم من ذكر السنة لكن رفع به توهم الوجوب بحمل السنة على الطريقة التي هي أعم من الواجب والمندوب.

ص: 500

وَيُسَنُّ لِمُرِيدِهَا أَنْ لَا يُزِيلَ شَعْرَهُ وَلَا ظُفْرَهُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ حَتَّى يُضَحِّيَ، وَأَنْ يَذْبَحَهَا بِنَفْسِهِ،

ــ

وأوجبها أبو حنيفة على المقيم بالبلد إذا ملك نصابًا زكويًا، ولم يشترط مالك الإقامة.

وعلم من قوله: (لا تجب إلا بالتزام) أنها لا تصير واجبة بمجرد الشراء، وهو الصواب، لكن يزد على حصره ما إذا قال: جعلت هذه الشاه أضحية .. فإنها تجب التضحية بها بلا خلاف وإن لم يعلقه بشيء، وكذا إن علق بشفاء مريض ونحوه في الأصح، وليس ذلك بنذر، بل ألحقه الأصحاب بالتحرير كالوقف والعتق.

قال: (ويسن لمريدها) أي: غير المحرم (أن لا يزيل شعره ولا ظفره في عشر ذي الحجة حتى يضحي)؛ لحديث أم سلمة المتقدم، وسواء في ذلك شعر الرأس واللحية والإبط والعانة والشارب وغيرها.

وقيل: يحرم ذلك؛ لظاهر الأمر، وإليه ذهب أحمد وإسحاق.

وعبارة المصنف أشمل من قوله في (الشرح) و (الروضة) يحلق، فإن خالف .. كره، والعلة فيه أنه يبقى كامل الأجزاء؛ ليشملها العتق من النار.

وقيل: للتشبيه بالمحرمين، وهو ضعيف؛ فإنه لا يترك الطيب والمخيط وغيرهما.

وقيل: محل الكراهة إذا دخل العشر واشترى الأضحية أو عينها مما عنده.

وفي قول: لا يكره القلم.

وعن إبراهيم المروروذي: أن سائر أجزاء البدن كالشعر.

وقيل: لا كراهة، إنما هو خلاف الأولى.

قال: (وأن يذبحها بنفسه)؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولأنها قربة فندبت مباشرتها، وكذلك الهدي.

وأفهمت عبارة المصنف: أن له أن يستنيب، وبه صرح غيره؛ لأن النبي صلى الله

ص: 501

وَإِلَاّ .. فَلْيَشْهَدْهَا. وَلَا تَصِحًّ إِلَاّ مِنْ إِبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ،

ــ

عليه وسلم ساق مئة بدنة، فنحر منها ثلاثًا وستين، ثم أعطى عليًا المدية فنحر ما غبر؛ أي: ما بقي.

واستثنى منه الماوردي المرأة فقال: المستحب لها أن توكل، وجزم به المصنف في (المناسك)، والأولى أن يكون الوكيل فقيهًا مسلمًا، وتكره استنابة الكافر والصبي، وفي الحائض وجهان: أصحهما: عدم الكراهة، وجزم القاضي حسين بالكراهة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(لا يذبح أضاحيكم إلا طاهر).

فإن قيل: سيأتي أنه تشترط النية عند الذبح إن لم يسبق تعيين، فكيف جازت استنابة الكافر وليس من أهلها؟ فأجاب ابن الرفعة بحمل كلام الأصحاب على ما إذا كانت معينة وقلنا: لا تشترط النية، أو على ما إذا كان الموكل حاضرًا ونوى عند الذبح كما في تفرقة الكافر والزكاة والكفارة.

قال: (وإلا

فليشهدها) يعني إذا لم يحسن الذبح

فالأفضل أن يشهدها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة: (قومي فاشهدي أضحيتك؛ فإنه يغفر لك بأول قطرة تقطر من دمها كل ذنب تحملتيه)، قال عمران بن حصين: يا رسول الله؛ هذا لك ولأهل بيتك، فقال:(لا، بل للناس عامة) رواه الحاكم [4/ 222]، وقد تقدم في (صفة الصلاة).

والأفضل لغير الإمام أن يضحي في بيته بمشهد أهله، ويختار للإمام إذا ضحى عن المسلمين أن يذبح في المصلى بنفسه عقب الصلاة؛ اقتداء به صلى الله عليه وسلم وبخلفائه، ويخلي بين الناس وبينها، فإن ضحى من ماله .. ذبح حيث شاء.

قال: (ولا تصح إلا من إبل وبقر وغنم) بإجماع، وحكى ابن المنذر عن الحسن بن صالح: أنه جوزها ببقر الوحش عن سبعة، وبالظبي عن واحد، وبه قال داوود.

ص: 502

وَشَرْطُ إِبِلٍ أَنْ يَطْعُنَ فِي الْسَّنَةِ السَّادِسَةِ، وَبَقَرٍ وَمَعْزٍ في الثَّالِثَةِ، وَضَانٍ فِي الثَّانِيَةِ

ــ

قال: (وشرط إبل أن يطعن في السنة السادسة، وبقر ومعز في الثالثة، وضأن في الثانية)؛ لما روى مسلم [1963]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فاذبحوا جذعة من الضأن).

وما ذكره المصنف هو الصحيح، وقد تقدم في أول (الزكاة) بيان ذلك.

وقيل: الثني من البقر ما له ثلاث سنين ودخل في الرابعة، وقيل: من الإبل ما دخل في السابعة.

قال الماوردي: واختلاف القول فين سن المعز والبقر والإبل ليس خلافًا، بل الأول بيان لابتداء سنها والثاني لانتهائه، والمعنى فيه أن هذه الحيوانات بها ينتهى إلى الكمال من الحمل والنزوان، وحاله قبل ذلك حال الصغير من الإنسان.

وقال بعض أهل البادية: الإجذاع: أن الصوفة تكون على الظهر قائمة، فإذا أجذع نامت.

وقيل: يجزئ الجذع من المعز؛ لما روى الشيخان [خ5555 - م1965] عن عبد الله بن عامر الجهني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه غنمًا فقسمها على أصحابه، فبقي عتود فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(ضح أنت به).

و (العتود) من أولاد المعز: ما له حول.

وأجيب عنه بأنه منسوخ بحديث أبي بردة بن نِيَار لما قال: يا رسول الله؛ إن عندي عناقًا هي خير من شاتين، فهل تجزئ عني؟ قال:(نعم، ولن تجزئ عن أحد بعدك) رواه الشيخان [خ955 – م1961/ 5]

ص: 503

وَيَجُوزُ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، وَخَصِيٌّ،

ــ

وقوله: (يطعن) هو بضم العين، تقول طعن يطعن في السن بالضم طعنًا، وطعن فيه بالقول يطعن أيضًا.

قال: (ويجوز ذكر وأنثى) بالإجماع، لكن التضحية بالذكر أفضل على الأصح؛ لأن لحمه أطيب، إلا أن تكون الأنثى لم تلد فحينئذ آثرها الشافعي عليه.

قال: (وخصي)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين موجوءين، أي: خصيين، رواه أحمد [6/ 220] وأبو داوود [2788] وابن ماجه [3122] والحاكم [4/ 227] والبيهقي [9/ 268]، ولأن الخصي يزيد في اللحم طيبًا، وقال الجاحظ: إنه تبقى معه زهرة الصبا وإن أسن، ولأن الخصية غير مقصودة بالأكل فلا يضر عدمها.

وفي قول حكاه ابن كج: يضر ذلك؛ لفوات عضو مأكول، وضعفه في (شرح المهذب) بأنه منابذ للحديث الصحيح.

ص: 504

وَالْبَعِيرُ وَالبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، والشَّاةْ عَنْ وَاحِدٍ، وَأَفْضَلُهَا بَعِيرٌ ثُمَّ بَقَرَةٌ ثُمَّ ضَانٌ ثُمَّ مَعْزٌ،

ــ

قال: (والبعير والبقرة عن سبعة)، المراد هذا عن سبعة وهذه عن سبعة؛ لما روى مسلم [1213/ 138] عن جابر قال:(خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مهلين بالحج، فأمرنا أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بدنة).

وسواء اتفقوا في نوع القربة أو اختلفوا كما إذا أراد بعضهم اللحم وبعضهم الأضحية، ثم إن قلنا: القسمة إفراز- وهو الأصح في (شرح المهذب) - صحت قسمة اللحم، وإن قلنا: بيع .. فبيع اللحم الرطب بمثله لا يجوز، وهذا هو الصحيح في (باب القسمة) من (الروضة).

فعلى هذا: طريقه أن يدفع المتقرب نصيبه إلى الفقراء مشاعًا، ثم يشتريه منهم مريد اللحم بالدراهم، أو يبيع مريد اللحم نصيبه للمتقرب بدراهم.

وعن أحمد وإسحاق: تجزئ البدنة عن عشرة؛ لما روى الترمذي [905] وحسنه عن ابن عباس قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فحضر الأضحى فاشتركنا في البقرة عشرة) ونسب ابن يونس هذا القول لأبي إسحاق المروزي، وهو واهم في ذلك، إنما هو إسحاق بن راهويه كما قاله القاضي حسين وغيره.

ووقع له نظير ذلك في بابي (السواك) و (الردة) وقد تقدم ذكرهما، وأجاب الأصحاب بأن الصحيح وقفه على ابن عباس وأحاديث السبعة أصح بالإجماع.

قال: (والشاة عن واحد) بالاتفاق، فلو اشترك اثنان في شاتين على الشيوع .. لم يجز في الأصح.

قال: (وأفضلها بعير)؛ لكثرة اللحم.

قال: (ثم بقرة)؛ لأنها كسبع شياه، قال في (الدقائق) إنه زائد على (المحرر)، والظاهر أن نسخ (المحرر) مختلفة.

قال: (ثم ضأن ثم معز)؛ لطيب الضأن، ويدل لهذه الجملة ما في (الصحيحين) [خ881 - م 850/ 10] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

ص: 505

وَسَبْعُ شِيَاهٍ أَفْضَلُ مِنْ بَعِيرٍ، وَشَاةٌ أَفْضَلُ مِنْ مُشَارَكَةٍ فِي بَعِيرٍ

ــ

(من راح إلى الجمعة في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، وفي الساعة الثانية بقرة، وفي الساعة الثالثة كبشًا أقرن

) فقدم البدنة على البقرة، والبقرة على الكبش.

قال: (وسبع شياه أفضل من بعير)؛ لطيب اللحم، ولكثرة الدم المراق، وقيل: البدنة أو البقرة أفضل منها؛ لكثرة اللحم.

قال الرافعي: وقد يؤدي التعارض في مثل هذا إلى التساوي، ولم يذكروه.

قال: (وشاة أفضل من مشاركة في بعير)؛ للانفراد بإراقة الدم، ولطيب اللحم.

قال الشافعي: وكثرة أثمانها أحب إليَّ من كثرة أعدادها، وفي العتق كثرة العدد أحب إليَّ من كثرة ثمنه.

وأفضلها البيضاء؛ لقوله تعالى: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} ، قيل: تعظيمها باستسمانها وحسن لونها.

فالبياض أحسن الألوان، ثم الصفراء، ثم العفراء وهي التي لم يصف بياضها، ثم السوداء؛ لما روى الشيخان عن جابر:(أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أقرنين أملحين).

و (الأملح) الذي بياضه أكثر من سواده، وقالت عائشة: الأملح: الذي ينظر في سواد ويمشي في سواد ويبرك في سواد.

وروى الحاكم [4/ 227] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (دم عفراء أحب إلى الله من دم سوداوين) وقال البخاري: لا يصح رفعه، بل هو موقوف على أبي هريرة.

ص: 506

وَشَرْطُهَا سَلَامَتُهَا مِنْ عَيْبٍ يَنْقُصُ لَحْمًا؛

ــ

وجعل (الحاوي) الحمراء بين الصفراء والبلقاء، قال: إلا أن لحم الأسود أطيب.

ويستحب لمن ضحى بعدد أن يفرقه في أيام الذبح، قاله الماوردي والروياني.

قال المصنف: وهذا وإن كان أرفق بالمساكين لكنه خلاف السنة؛ فقد نحر النبي صلى الله عليه وسلم مئة بدنة في يوم واحد، فالسنة المسارعة إلى الخيرات.

وكثرة اللحم أفضل من كثرة الشحم، إلا أن يكون اللحم رديئًا أو خشنًا.

ويستحب تسمين الأضحية.

قال: (وشرطها سلامتها من عيب ينقص لحمًا) إما في الحال كقطع فلقة من الفخذ ونحوه، أو في المآل كالعرج البين ونحوه؛ لأن المقصود منها اللحم، فاعتبر نفي ما ينقصه كما اعتبر في عيب المبيع ما ينقص المالية؛ لأنه المقصود فيها، وهذا الضابط الذي ذكره المصنف يغني عن التفصيل.

والأصل فيه: قوله صلى الله عليه وسلم: (أربع لا تجوز في الأضاحي: العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والكسيرة التي لاتنقي)

ص: 507

فَلَا تُجْزِئُ عَجْفَاءُ، وَمَجْنُونَةٌ، وَمَقْطُوعَةُ بَعْضٍ أُذُنٍ،

ــ

أي: لا مخ لها، رواه الأربعة عن البراء بن عازب، قال أحمد: ما أحسنه من حديث.

فنص على الأربعة، وفهم معناه وهو اتصاف الذبيحة بنقص ما هو مستطاب من الحيوان.

وقوله: (ينقص) بفتح أوله وضم ثالثه، وهي لغة القرآن، وبها ضبطه المصنف.

قال: (فلا تجزئ عجفاء) وهي: التي ذهب مخها من الهزال، وقد يكون خلقة، أو لهرم أو مرض، فإن قل هزالها ولم يذهب مخها .. أجزأت، كذا أطلقه الرافعي وكثيرون.

وفي (الحاوي) إن كان خلقيًا .. أجزأت، أو لمرض .. فلا.

قال: (ومجنونة)؛ لأن ذلك يورث الهزال، ولأن النهي ورد عن الثولاء وهي: المجنون التي تستدبر المرعى ولا ترعى إلا قليلًا فتهزل بذلك، فلا تجزئ اتفاقًا، وكذلك لا تجزئ الهيماء وهي: التي لا تروى بقليل الماء ولا بكثيره.

والهيام بضم الهاء: داء مؤثر في اللحم.

قال: (ومقطوعة بعض أذن) أي: وإن قل من قبل الأذن أو دبرها؛ لذهاب جزء مأكول، هذا إذا أبينت، وإلا .. أجزأت على الأصح كما سيأتي، وقيل: إن كان قليلًا لا يضر، واختاره الروياني في (الحلية).

وقال أبو حنيفة: إن كان المقطوع دون الثلث أجزأ.

ص: 508

وَذَاتُ عَرَجٍ وَعَوَرٍ وَمَرَضٍ وَجَرَبٍ بَيِّنٍ، وَلَا يَضُرُّ يَسِيرُهَا وَلَا فَقْدُ قُرُونٍ، وَكَذَا خَرْقُ أُذْنٍ وَشَقُّهَا وَثَقْبُهَا فِي الأَصَحِّ

ــ

قال: (وذات عرج وعور ومرض وجرب بين)؛ للحديث المتقدم، والمراد: العرجاء التي يسبقها الغنم إلى المرعى الطيب، وإلا .. أجزأت.

فلو كانت سليمة فاضطربت عند إضجاعها للذبح فانكسرت رجلها .. لم تجزئ على الأصح، واختار الشيخ إجزاءها.

وأما العور .. فيمنع وإن بقيت الحدقة في الأصح، والعمياء من باب أولى.

وتجزئ العشواء في الأصح، وهي: التي تبصر في النهار دون الليل.

وضابط المرض البين: الذي يحصل بسببه الهزال وفساد اللحم.

وقيل: المرض يمنع مطلقًا، ورجحه الغزالي، وفي قول: لا يمنع الإجزاء مطلقًا.

وقوله: (بين) يعود على الأربعة.

قال: (ولايضر يسيرها) أي: يسير الأربع؛ لأنه غير مؤثر في اللحم، وأشار إلى ذلك في الحديث المتقدم بقوله:(البين عرجها البين مرضها) إلى العور.

قال: (ولا فقد قرون)؛ لأنه لا يتعلق بالقرون كبير غرض، وهذه تسمى الجلحاء والجماء، لكن ذات القرون أفضل؛ لما روى أبو داوود [3148] وابن ماجه [3130] والحاكم [4/ 228] والبيهقي [3/ 403] عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خير التضحية الكبش الأقرن).

أما مكسورة القرن- وهي العضباء- فإنها تجزئ، قال القفال: هذا إذا لم يؤثر ألم الكسر في نقص اللحم.

وتكره التضحية بالعصماء، وهي: التي انكسر غلاف قرنها الباطن، فإن القرن الظاهر غلاف القرن الباطن.

قال: (وكذا خرق أذن وشقها وثقبها في الأصح)؛ لأن ذلك لا ينقص من لحمها شيئًا.

والثاني: يضر؛ لحديث علي رضي الله عنها قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه

ص: 509

قُلْتُ: الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ: يَضُرُّ يَسِيرُ الجَرَبِ، وَاللهُ أَعْلَمُ

ــ

وسلم أن نستشرف العين والأذن، وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء) رواه الأربعة، والأولى حمله على الكراهة.

قال الترمذي: (المقابلة): ما قطع من طرف أذنها، و (المدابرة): ما قطع من جانب الأذن، و (الشرقاء) بالمد: التي شقت أذنها طولًا؛ لأن ذلك يشينها، و (الخرقاء) المثقوبة الأذن من الكي.

قال: (قلت: الصحيح المنصوص: يضر يسير الجرب والله أعلم)؛ لأنه يفسد اللحم.

وفي معنى الجرب: البثور والقروح، ولا فرق في الجرب وغيره من الأمراض بين مرجو الزوال وغيره.

ويجزئ الفحل الكثير النزوان، والأنثى الكثيرة الولادة.

مهمة:

لم يتعرض الرافعي لإجزاء الحامل، وهي في (شرح المهذب) في آخر (باب زكاة النعم) نقل فيها عن الأصحاب عدم الإجزاء

وبه جزم المتولي والشيخ أبو حامد وصاحبا (البيان) و (الشامل) والبندنيجي وصاحب (الإستقصاء).

قلت: ويدل له قوله تعالى: {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وهْنًا عَلَى وهْنٍ} ، و (الوهن) الضعف، وهو مانع لها من الإجزاء.

ص: 510

وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ كَرُمْحِ يَوْمَ النَّحْرِ ثُّمَّ مُضِيُّ قَدْرِ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ

ــ

ونقل العجلي عن الصيمري في (الإيضاح) أنه قال: الحامل والحائل سواء، ثم قال: ورأيت في تصنيف لبعض أصحابنا أنه لا تجزئ التضحية ابتداء بالحامل؛ لأن الحمل ينقص اللحم.

فإذا عين الحامل للنذر .. يجوز، وهذا كالعرجاء لو نذر التضحية بها .. يجوز ويلزم، ولا يجوز التضحية بها ابتداء.

هذا لفظه، ونحا نحوه ابن الرفعة في (الكفاية) فقال: عدم الإجزاء أوجه، حكاه العجلي عن بعض الأصحاب، ثم قال: والمشهور الإجزاء، وعلله بأن ما حصل من نقص في اللحم بسبب الحمل ينجبر بالجنين، فهو كالخصاء، لكنه صحح أنه عيب وهو المذهب المعتمد.

ولا تجزئ مفقودة الأذن خلقة، ولا التي قطع بعض ضرعها أو أليتها أو لسانها.

وتجزئ فاقدة الألية والضرع خلقة على الأصح والتي ذهب بعض أسنانها، وفي فاقدة جميع الأسنان خلاف: أطلق البغوي وجماعة المنع، وصححه المصنف، وجعله في (الشرح الصغير) الأظهر، ونقل الإمام عن المحققين الإجزاء.

وقيل: إن كان لمرض أو أثر في الأكل ينقص اللحم .. منع، وإلا .. فلا، واستحسنه الرافعي، قال: لكنه يؤثر فيه بلا شك، فرجع إلى المنع المطلق.

وتجزئ المكوية، وقيل: فيها وجهان؛ لتصلب الموضع.

قال: (ويدخل وقتها إذا ارتفعت الشمس كرمح يوم النحر ثم مضي قدر ركعتين وخطبتين)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك .. فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك .. فإنما هو

ص: 511

خَفِيفَتَيْنِ، وَيَبْقَى حَتَّى تَغْرُبَ آخِرَ التَّشْرِيقِ

ــ

لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء)

وحاصل الحكم: أنه مبني على صلاة العيد، فمن يقول: يدخل بالطلوع- وهو المصحح في (الروضة) من زوائده و (شرح المهذب) و (تصحيح التنبيه) والمجزوم به في (الوجيز) و (المنهاج) - يعتبر قدر الركعتين والخطبتين عقبه، ومن قال بالارتفاع قدر رمح- كما صرح به جماعة- يعتبر ذلك بعده.

قال: (خفيفتين)؛ لما روى مسلم [469/ 189] عن أنس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من أخف الناس صلاة في تمام).

وعبارة المصنف و (المحرر) تقتضي الخفة في الخطبتين فقط، وهو وجه ضعيف، والأصح: اعتبار الخفة في الركعتين أيضًا، وعبارة (الروضة) قدر ركعتين وخطبتين خفيفات، قال الإمام: لأنا نعلم أو نظن ظنًا غالبًا أنه صلى الله عليه وسلم لو خفف .. لضحى عقبه، قال: وما أدري من يعتبر خفة الصلاة يكتفي بركعتين مشتملتين على أقل ما يجزئ من صلاة وخطبة، وصححه القاضي، وقال الروياني: إنه أقيس.

وقيل: تعتبر في الخطبة الخفة قطعًا، والوجهان في الصلاة.

وقيل: تعتبر صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وخطبته، وهو صلى الله عليه وسلم قرأ (سورة ق) و (اقتربت)، وخطب خطبة متوسطة.

قال: (ويبقى حتى تغرب آخر التشريق)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (عرفة كلها موقف وأيام منى كلها منحر) رواه البيهقي [5/ 239] عن جبير بن مطعم، وصححه ابن حبان [3854]، وفي رواية:(في كل أيام التشريق ذبح).

ولأن ثالث أيام التشريق حكمه حكم اليومين قبله في الرمي وتحريم الصوم فكذلك

ص: 512

قُلْتُ: ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ فَضِيلَةٌ، والْشَّرْطُ طُلُوعُهَا، ثُمَّ مُضِيُّ قَدْرِ الرَّكْعَتَيْنِ والْخُطْبَتَيْنِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ نَذّرَ مُعَيَّنَةً فَقَالَ: للهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ .. لَزِمَهُ ذَبْحُهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ، فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلهُ .. فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ،

ــ

في الذبح، لكن التضحية في الليل مكروهة؛ خشية أن يخطئ المذبح أو يصيب نفسه أو تتأخر تفرقة اللحم طريًا.

وروى الطبراني في (أكبر معاجمه)[11/ 190] عن ابن عباس: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يضحى ليلًا) لكنه ضعيف.

فإن وقفوا العاشر غلطًا .. حسبت أيام التشريق على الحقيقة لا على حساب وقوفهم.

وأيام التشريق عند الشافعي ثلاثة بعد يوم النحر، وهو مذهب علي وابن عباس وعطاء وعمر بن عبد العزيز وجبير بن مطعم والحسن البصري وسليمان بن موسى الأشدق فقيه أهل الشام وداوود الظاهري.

وقال الأئمة الثلاثة: يومان بعده، وهو مذهب عمر وابنه وأنس.

قال: (قلت: ارتفاع الشمس فضيلة، والشرط طلوعها، ثم مضي قدر الركعتين والخطبتين والله أعلم)؛ لأن بطلوع الشمس يخرج وقت الصبح فيدخل وقت غيرها، والمسألة تقدمت في (صلاة العيدين).

قال: (ومن نذر معينة فقال: لله علي أن أضحي بهذه .. لزمه ذبحها في هذا الوقت)؛ وفاء بما التزم.

وأشار بقوله: (فقال .. إلخ) إلى أنه لو نوى جعل هذه الشاة أو البدنة أضحية أو هديًا ولم يتلفظ بذلك .. لم تصر أضحية ولا هديًا على الجديد الصحيح.

قال: (فإن تلفت قبله .. فلا شيء عليه)؛ لأن ملكه زال عنها، وصارت وديعة عنده.

وهذا بخلاف ما إذا قال: لله علي أن أعتق هذا العبد .. لا يزول ملكه عنه؛ لأنه لو أتلف الأضحية ضمنها، ولو أتلف العبد .. لم يضمنه وإن كان لا يجوز بيعه؛ لأن العبد هو المستحق لذلك فلا يضمن لغيره.

ص: 513

وَإِنْ أَتْلَفَهَا .. لَزِمَةُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِقِيمَتِهَا مِثْلَهَا وَيَذْبَحَهَا فِيهِ،

ــ

وفي وجه: لا يزول ملكه عنها حتى يذبح ويتصرف باللحم كمسألة العبد، وهو غلط، وفي العبد وجه مخرج من هذه.

قال: (وإن أتلفها .. لزمه أن يشتري بقيمتها مثلها ويذبحها فيه)؛ إقامة للمثل مقامها.

ولا شك أن الإتلاف تارة يكون من الأجنبي وتارة من المعين، فإن وجد من الأجنبي .. لزمه القيمة يأخذها المضحي ويشتري بها مثل الأولى، فإن لم يجد بها مثلها .. اشترى دونها، فإن لم يجد دونها

اشترى شقصًا على الأصح.

والثاني: يجوز إخراج القيمة دراهم.

والثالث: يشتري بها لحمًا ويتصدق به.

وإن وجد من المعين .. فوجهان:

أحدهما أنه كالأجنبي.

والأصح: أنه يلزمه أكثر الأمرين من قيمتها، وتحصيل مثلها كما لو باع الأضحية المعينة وتلفت عند المشتري.

فرع:

تعييب المعينة بالنذر بآفة سماوية تمنع الإجزاء، لا يلزمه بسببه شيء كما لو تلفت، وعند أبي يوسف: عليه التضحية بسليمة إن كان ممن تجب عليه الأضحية، ويحكى ذلك عن أبي جعفر الإستراباذي.

لنا: ما روى ابن ماجه [3146] وابن حبان في (الثقات)[5/ 366] عن أبي سعيد الخدري أنه قال: اشتريت كبشًا لأضحي به، فعدا الذئب فأخذ أليته، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(ضح به) لكن أعله ابن حزم [المحلي 7/ 360] بأن في سنده جابرًا الجعفي وهو كذاب.

ص: 514

وَإِنْ نَذَرَ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ عَيَّنَ .. لَزِمَهُ ذَبْحُهُ فِيهِ، وَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ .. بَقِيَ الأَصْلُ عَلَيْهِ فِي الأَصَحِّ. وِتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عِنْدَ الذَّبْحِ إِنْ لَمْ يَسْبِقُ تَعْيِينٌ،

ــ

فرع:

اشترى شاة وجعلها أضحية، ثم وجد بها عيبًا قديمًا .. لم يجز ردها؛ لزوال الملك عنها كمن اشترى عبدًا وأعتقه ثم وجد به عيبًا، لكن يرجع به، وفيما يفعله به وجهان:

أحدهما: يصرف مصارف الأضحية.

والثاني: أنه للمضحي لا يلزمه صرفه للأضحية، وهذا هو الأصح، ووقع في (الروضة) وهم في نسبته إلى (الشامل)، والموجود فيه الأول.

فلو زال العيب قبل الذبح .. فهل تكون أضحية؟ الأصح: لا؛ لأن السلامة وجدت بعد زوال الملك.

قال: (وإن نذر في ذمته ثم عين .. لزمه ذبحه فيه)؛ لأنه التزم أضحية في الذمة وهي مؤقتة.

وقيل: لا؛ لأنه في الذمة كدماء الجيران.

قال: (وإن تلفت) أي: المعينة (قبله .. بقي الأصل عليه في الأصح)؛ لأن ما التزمه ثبت في ذمته، والمعين وإن زال ملكه عنه فهو مضمون عليه، كما لو كان لرجل على آخر دين فاشترى منه سلعة بذلك الدين ثم تلفت السلعة قبل التسليم في يد بائعها .. فإنه ينفسخ البيع ويعود الدين، كذلك هاهنا يبطل التعيين ويعود ما في ذمته كما كان.

والثاني: لا يجب الإبدال؛ لأنها تعينت بالتعيين.

وكان ينبغي للمصنف أن يقول: على المذهب؛ ففي (الروضة) طريقان، وقيل: وجهان.

قال: (وتشترط النية عند الذبح إن لم يسبق تعيين)؛ لأن الأعمال بالنيات.

ص: 515

وَكَذَا إِنْ قَالَ: جَعَلْتُهَا أُضْحِيَةُ فِي الأَصّحِّ، فَإِنْ وَكَّلَ بِالذَّبْحِ .. نَوَى عِنْدَ إِعْطَاءِ الْوَكِيلِ أَوْ ذَبْحِهِ، وِلِهُ الأَكْلُ مِنْ أُضَحِيَةِ التَّطَوُّعِ،

ــ

والأصح: جواز تقديم النية على الذبح كالنية في تفرقة الزكاة.

قال: (وكذا إن قال: جعلتها أضحية في الأصح) أي: لا بد فيها من النية مع ذلك؛ لما تقدم.

والثاني: لا تشترط نية أخرى كما لو قال لعبده: أعتقتك، وبه جزم في (أصل الروضة) في المسألة العاشرة تبعًا للرافعي، وصحح في (شرح المهذب) هنا وفي (باب العقيقة) ما صححه هنا.

قال: (فإن وكل بالذبح .. نوى عند إعطاء الوكيل أو ذبحه)؛ لأنه قائم مقامه فصار كالوكيل في تفرقة الزكاة، وهذا مفرع على الأصح في جواز تقديم النية، وإنما يجوز تفويض النية إلى الوكيل إذا كان مسلمًا، وقد تقدم شيء يتعلق بهذا قريبًا.

قال: (وله الأكل من أضحية التطوع)؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا} ، وكذا من هدي التطوع إجماعًا، بل يستحب.

وفي (الصحيحين)[خ1990 - م 1137]: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر تأكلون فيه من نسككم).

وفيهما [م1218/ 147] عن علي: أنه قام على بُدْن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أمره أن يأخذ بضعة من كل بدنة فتجعل في قدر، فأكلا من لحمها وحسيا من مرقها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم متطوعًا بها.

وفي (البيهقي)[3/ 283]: (أنه عليه الصلاة والسلام كان يأكل من كبد أضحيته).

وقيل: يجب؛ لظاهر الأمر.

واحترز عن الأضحية والهدي المنذورين؛ فإنه لا يجوز، سواء كانا معينين ابتداء

ص: 516

وَإِطْعَامُ الأَغْنِيَاءِ، لَا تَمْلِيكُهُمْ، وَيَاكُلُ ثُلُثًا، وَفِي قَوْلٍ: نِصْفًا، وًالأَصَحُّ: وُجُوبُ تَصَدُّقٍ بِبَعْضِهَا،

ــ

أو كانا معينين عن شيء في الذمة؛ لأنه يشبه دماء الجبرانات في الحج، فإذا أكل منها شيئًا .. غرمه.

قال: (وإطعام الأغنياء)؛ لقوله تعالى: {وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالْمُعْتَرّ} ، وهذا لا خلاف فيه.

قال مالك: أحسن ما سمعت: أن القانع: الفقير، والمعتر: الزائر، وكذا قاله الشافعي في (اختلاف الحديث).

والمشهور: أن القانع: السائل، والمعتر: الذي يتعرض للسؤال.

وقيل: القانع: الجالس في بيته، والمعتر: الذي يسأل.

قال: (لا تمليكهم)؛ لأن الآية دلت على الإطعام لا على التمليك، وهذا تبع الشيخان فيه الإمام، وهو من فقهه؛ فإنه قال: الهبة للأغنياء ممتنعة؛ لأنهم ضيفان الله على لحوم الأضاحي، والضيف لا يهب لكن يطعم.

وأفتى الشيخ بأن له أن يهديها إلى غيره، قال: وليس ذلك من هدية التمليك، وإنما معناها رفع يده وتسليط غيره عليها، ولا ملك له ولا للمهدى إليه؛ لأن المقصود الأعظم منها تمليك الفقراء والإباحة للمضحي والأغنياء، هذا حقيقتها.

قال: (ويأكل ثلثًا) هذا هو الجديد؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا القَانِعَ وَالْمُعْتَرّ} ، جعلها ثلاثة أقسام، واختلفوا على هذا في الثلثين: فقيل: يتصدق بهما، وقيل: يهدي للأغنياء ثلثًا ويتصدق على الفقراء بثلث، وصححه في (تصحيح التنبيه).

قال: (وفي قول: نصفًا) ويتصدق بالنصف؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ} ، جعلها قسمين، وهذا هو القديم.

قال: (والأصح: وجوب تصدق ببعضها)؛ لظاهر الأمر.

والثاني: لا يجب؛ لأن القصد إراقة الدم بنية القربة.

ص: 517

وَالأَفْضَلُ: بِكُلِّهَا إلَّا لُقَمًا يَتَبَرَّكُ بِأَكْلِهاَ،

ــ

قال الإمام: لا خلاف أن الفرض يسقط بما ينطلق عليه الاسم وإن قل، وينبغي أن لا يكتفي بما لا يشبع الفقير الواحد منها.

والمراد بـ (التصدق) تمليك الفقراء اللحم نيئًا، ولا يجزئ المطبوخ؛ فإنه يشبه الخبز في الفطرة.

ودخل في إطلاق البعض: الجلد، ولا يجزئ التصدق به، ودخل فيه الكرش والكبد والطحال، وينبغي أن لا يتأدى به الواجب؛ لأن هذه الأشياء لا تسمى لحمًا، ولا تكفي المرقة قطعًا.

ويجوز صرف الواجب لواحد، وللفقراء التصرف فيه بالبيع وغيره.

وإذا أكل الجميع .. الأصح أنه يضمن أقل جزء؛ لأنه لو اقتصر عليه ابتداء .. أجزأه.

وقيل: يضمن القدر المستحب، وهو النصف أو الثلث، ويخالف الابتداء؛ لأن إخراج الجزء كان موكولًا إلى اجتهاده، فلما أكل الجميع .. ظهر حيفه، فسقط اجتهاده ورجع إلى ما اقتضاه إطلاق القرآن، وإهداء الجميع كأكله.

قال: (والأفضل: بكلها)؛ لأنه أعظم أجرًا ومسارعة إلى الخيرات، غير أن شعار الصالحين الأكل منها.

قال: (إلا لقمًا يتبرك بأكلها)؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أكل من كبد البدن التي نحوها كما تقدم.

وفي (الرافعي) عن علي رضي الله عنه أنه قال في خطبة البصرة: (إن أميركم هذا قد رضي من دنياكم بطمريه، وإنه لا يأكل اللحم في السنة إلا الفلذة من كبد أضحيته).

ص: 518

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فروع:

إذا أكل البعض وتصدق بالبعض .. هل يثاب على الجميع أو على ما تصدق به؟ وجهان كالوجهين فيمن نوى صوم التطوع ضحوة هل يثاب على جميع النهار أو على بعضه.

قال الرافعي: ينبغي أن يحصل له ثواب التضحية بالجميع والتصدق بالبعض، وصوبه في (الروضة) و (شرح المهذب)، وبه صرح إبراهيم المروروذي.

ويجوز صرف الأضحية إلى المكاتب على الأصح، ولا يجوز صرف شيء منها إلى عبد إلا أن يجعله به رسولًا إلى غيره.

ونص في (البويطي) على أنه لا يطعم منها ذميًا.

وإذا مات المضحي وعنده من لحمها شيء .. كان للوارث أكله وإهداؤه، قال الشيخ: ولا يورث عنه، ولكن ينبغي أن يكون لوارثه ولاية القسمة والتفرقة كما كان له، قال: ولا نقل فيه بخصوصه.

ومحل التضحية: بلد المضحي حيث كان في وقتها.

وفي نقلها وجهان خرجا من نقل الزكاة، وفيه وقفة في المتطوع بها، وهل يتعين فقراء بلد الذبح؟ فيه وجهان.

ويجوز الادخار من لحم الأضحية مما له أكله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن ادخاره إلا لثلاثة أيام، ويتصدق بالفاضل لأجل قوم من فقراء الأعراب دفوا بالمدينة- أي: نزلوا بها- ثم قال: (إنما كنت نهيتكم من أجل الدافة، أما الآن .. فكلوا وتصدقوا وادخروا) قال الجمهور: وكان نهي تحريم، وقيل: تنزيه.

وهل كان النهي خاصًا بأهل المدينة أم عامًا؟ فيه وجهان.

فلو وقعت الدافة في زماننا .. فوجهان: صحح الشيخان أنه لا يحرم الادخار،

ص: 519

وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا أَوْ يَنْتَفِعُ بِهِ، وَوَلَدُ الْوَاجِبَةِ يُذْبَحُ، وَلَهُ أَكْلُ كُلِّهِ

ــ

والذي نص عليه الشافعي في (الرسالة) أنه يعود التحريم، وقول الغزالي في (الوجيز)(يتصدق بالثلث ويأكل الثلث ويدخر الثلث) بعيد منكر نقلًا ومعنىً، ولا يكاد يوجد في كتاب متأخر ولا متقدم.

قال: (ويتصدق بجلدها أو ينتفع به) كنطع أو خف أو غيرهما، ولا يجوز بيعه ولو من التطوع، ولا أن يجعله أجرة الجزار؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(من باع جلد أضحيته .. فلا أضحية له) رواه الحاكم [2/ 390] وقال: صحيح الإسناد.

وفي قول غريب: يجوز بيعه ويصرف ثمنه إلى ما تصرف الأضحية إليه.

وفي وجه: لا يجوز أن ينفرد بالانتفاع به.

وعند أبي حنيفة: يجوز أن يبيعه ويتصدق بثمنه، وأن يشتري بعينه ما ينتفع به في البيت.

لنا: القياس على اللحم، والقرن كالجلد.

قال: (وولد الواجبة) أي: المنفصل في حياتها (يذبح) ويكون واجبًا إذا عينها بالنذر ابتداء أو عما في الذمة، سواء علقت به حالة النذر أو بعدها؛ لأنه معنى يزيل الملك فاستتبع الولد كالعتق، فإن ماتت الأم

بقي الولد أضحية، كولد المدبرة لا يرتفع تدبيره بموتها.

وفي وجه في المعين عما في الذمة: أنه لا يتبعها، بل هو ملك للمضحي أو للمهدي؛ لأن ملك الفقراء غير مستقر فلا يستتبع.

قال: (وله أكل كله) قياسًا على اللبن، ولأنه كالجزء فجاز أكله كيدها ورجلها، هذا رأي الغزالي.

وقال الروياني: لكل منهما حكم الأضحية، فيتصدق من كل واحد منهما بشيء.

وقيل: يكفي التصدق من أحدهما.

ص: 520

وَشُرْبُ فَاضِلِ لَبَنِهَا

ــ

وقيل: لابد من التصدق من الأم؛ لأنها الأصل، وصححه الغزالي.

والمصنف في (شرح المهذب) فرض الأوجه في أضحية التطوع، وهو واضح.

أما الواجبة، فإن جوزنا الأكل منها .. فالأوجه أيضًا، وإلا .. فلا يؤكل ويجب التصدق بجلده كاللحم.

وأما إطلاق (الروضة) و (الشرحين) .. فمشكل إن لم يحمل على هذا؛ لأنه يلزم من جواز أكل الولد جواز أكل الواجب، فكلام (المحرر) و (المنهاج) غير منتظم.

أما إذا ضحى بشاة فوجد في جوفها جنينًا .. فالأصح جواز أكله، وفيه إشكال إذا قلنا: لا تجزئ الحامل كما تقدم.

قال: (وشرب فاضل لبنها)؛ لقوله تعالى: {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} ، ولأنه يستخلف بخلاف الولد، وروى البيهقي [9/ 288] عن علي رضي الله عنه: أنه رأى رجلًا يسوق بدنة معها ولدها فقال: (لا تشرب من لبنها إلا ما فضل عن ولدها، فإذا كان يوم النحر فانحرها وولدها) قال أبو زرعة: صحيح.

قال الشافعي: والتصدق به أفضل.

ويجوز أن يسقيه غيره بغير عوض ولا يجوز بيعه قطعًا.

وقال المتولي: إن لم نجوز أكل لحمها .. لم يشربه، وينقل لبن الهدي إلى مكة إن تيسر، فإن أمكن تجفيفه وإلا .. فيتصدق به على الفقراء هناك، وإن جوزنا الأكل .. شربه.

ويجوز أن يركبها ويركبها بغير أجرة من غير إجحاف، فإن حصل بسببه نقص .. ضمنه، وإن تلفت منه .. ضمنها، وإن تلفت في يد المستعير .. ضمنها دون المعير، وليس له الإجار، فإن أجرها وسلمها وتلفت في يد المستأجر .. ضمنها دون المستأجر، لكن يضمن المنافع بأجرة المثل على الأصح.

ص: 521

وَلَا تَضْحِيَةَ لِرَقِيقِ، فَإِنْ أَذِنَ سَيِّدُهُ

وَقَعَتْ لَهُ، وَلَا يُضَحِّي مُكَاتَبٌ بِلَا إِذْنٍ، وَلَا تَضْحِيَةً عَنِ الغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَا عَنْ مَيْتٍ إِنْ لَمْ يُوصِ بِهَا

ــ

ولو كان في بقاء صوفها مصلحة

لا يجزه، وإن كان بقاؤه يضر بها إلى حين الذبح .. جزه، وله أن ينتفع به، والأفضل أن يتصدق به.

وفي (التتمة): أن صوف الهدي يستصحبه ويتصدق به على مساكين الحرم كالولد، ويستحب أن يتصدق بجلالها وقلائدها.

قال: (ولا تضحية لرقيق)؛ لأنه لا ملك له، وكذلك المدبر والمستولدة.

قال: (فإن أذن سيده

وقعت له)؛ لأنه نائب عنه، فصار كما لو أذن له في الصدقة، هكذا أطلقوه وفيه نظر؛ لأنه أذن له أن يضحي عن نفسه لا عن سيده، فكيف تقع عن السيد من غير نية منه ولا من العبد نيابة؟! إلا أن يقال: بطل خصوص كونها عن العبد، وبقي عموم الإذن له فوقعت عن السيد.

قال: (ولا يضحي مكاتب بلا إذن) كما يمتنع عليه التبرع، فإن أذن له .. فقولان بناءً على القولين في نفوذ تبرعاته بالإذن.

وأما المبعض إذا ملك ببعضه .. فله أن يضحي بها من غير إذن السيد.

قال: (ولا تضحية عن الغير بغير إذنه)؛ لأنها عبادة ولم يرد من الشارع إذن في فعلها عن الغير، لكن يستثنى من ذلك الإمام؛ فله أن يضحي عن المسلمين من بيت المال كما تقدم.

وحيث امتنعت، فإن كانت الشاة معينة .. وقعت عن المضحي، وإلا .. فلا، ويشبه أن يقال: للأب أن يضحي عن ولده الصغير بخلاف غيره كما في الفطرة، ولا تجوز التضحية عن الحمل كما لا فطرة عليه، ولا تجوز لولي الطفل والمجنون أن يضحي عنه من مال المحجور، ويجوز من مال الولي.

قال: (ولا عن ميت إن لم يوص بها)؛ لقوله تعالى: {وأَن لَّيْسَ لِلإنسَانِ إلَاّ مَا سَعَى} ، وجوزها أبو الحسن العبادي، ومنعها البغوي.

قال الرافعي: والقياس جوازها عنه؛ لأنها ضرب من الصدقة، والصدقة تصح عن الميت، وتصل إليه بالإجماع.

ص: 522

فَصْلٌ:

يُسَنُّ أَنْ يَعُقَّ عَنِ الغُلَامِ بِشَاتَيْنِ، وَالجَارِيَةِ بِشَاةِ،

ــ

وفي (سنن أبي داوود)[2783] و (البيهقي)[9/ 288] و (الحاكم)[4/ 229]: أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يضحي بكبش عن نفسه وكبش عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أضحي عنه، فأنا أضحي عنه أبدًا) لكنه من رواية شريك القاضي، وهو ضعيف.

وقد تقدم في (الوصايا): أن محمد بن إسحاق السراج النيسابوري ختم عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرة آلاف ختمة وضحى عنه مثل ذلك.

تتمة:

قال القفال إذا جوزنا الأضحية عن الميت .. لا يجوز الأكل منها لأحد، بل يجب أن يتصدق بجميعها؛ لأن الأضحية وضعت عنه فلا يجوز الأكل منها إلا بإذنه، وهو متعذر، فوجب التصدق بها عنه.

قال: (فصل:

يسن أن يعق عن الغلام بشاتين، والجارية بشاة) هذا (باب العقيقة).

قال الأصمعي: وهي في اللغة: اسم للشعر الذي على رأس المولود.

قال أبو عبيد: وكذلك كل مولود من البهائم، فإن الشعر الذي يكون عليه حين يولد يسمى عقيقة.

وهي في الشرع: اسم لما يذبح يوم حلق رأسه تسمية لها باسم ما يقاربها.

قال الشافعي: أفرط في العقيقة رجلان: الحسن قال: إنها بدعة، والليث قال: إنها واجبة، ثم لما نشأ داوود بعد الشافعي وافق الليث.

والحجة عليهما: حديث أبي داوود [2835]: (من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل) والمعنى فيه إظهار البشر بالنعمة ونشر النسب.

والأصل فيها: قوله صلى الله عليه وسلم: (عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة)

ص: 523

وَسِنُّهَا وَسَلَامَتُهَا، وَالأَكْلُ والتَّصَدُّقُ كَالأُضْحِيةِ،

ــ

رواه أصحاب السنن الأربعة من حديث أم كرز الصحابية، وصححه الحاكم [4/ 237] وابن حبان [5312].

قال القفال والحليمي: وإنما كانت الأنثى على النصف من الذكر؛ لأن الغرض منها استبقاء النفس، فأشبهت الدية؛ لأن كلاً منهما فداء عن النفس، والشاة الواحدة عن الغلام يتأدى بها أصل السنة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام عق عن الحسن والحسين كبشًا كبشًا، رواه أبو داوود [2834] وغيره.

ويسن أن يقول عند ذبحها: باسم الله والله أكبر، اللهم لك وإليك، اللهم هذه عقيقة فلان، رواه البيهقي [3/ 312] مرفوعًا من رواية عائشة بلفظ:(قولوا باسم الله).

وهذا إذا كان جعلها عقيقة قبل الذبح، وإلا .. فلابد أن ينوي عند الذبح أنها عقيقة فلان.

ويسن أن يكون ذبحها صدر النهار عند طلوع الشمس.

قال: (وسنها وسلامتها، والأكل والتصدق كالأضحية) وكذا الإهدار والادخار وقدر المأكول وامتناع البيع، وفي (الحاوي): يجزئ ما له دون السن المعتبر، قال الرافعي: وينبغي أن تتأدى السنة بسبع بدنة أو سبع بقرة.

والصحيح: أن الإبل والبقر أفضل من الغنم، لكن قال أبو نصر محمد بن هبة الله البندنيجي صاحب (المعتمد): ليس للشافعي نص في غير الغنم في العقيقة، وعندي لا يجزئ غيرها.

وظاهر عبارة المصنف أنه لا بد من التصدق بشيء من اللحم، وهو كذلك، وأغرب في (الوجيز) فقال: التصدق بالمرقة يغني عن التصدق باللحم، قال الرافعي: ولا يوجد لغيره.

ص: 524

وَيُسَنُّ طَبْخُهَا، وَلَا يُكْسَرُ عَظْمٌ،

ــ

واقتصار المصنف على ما ذكر من إلحاقها بالأضحية يوهم الحصر، وليس كذلك؛ فالهدية والادخار وقدر المأكول وامتناع البيع ووجوب النية وتعين الشاة فيها بالنذر كذلك.

قال: (ويسن طبخها) رواه البيهقي عن عطاء بن أبي رباح، وعن عائشة أنه السنة.

ويقال: تطبخ بخل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (نعم الإدام الخل) والأصح بحلو تفاؤلاً بحلاوة أخلاق الولد، والأصح: أنه لا يكره الحامض.

وإذا طبخ .. لا يتخذ دعوة، بل الأفضل أن يبعث به مطبوخًا إلى الفقراء، نص عليه، فإن دعاهم .. فلا بأس.

وظاهر عبارة المصنف: أن جميعها يطبخ، وليس كذلك، بل تستثنى رجل الشاة، فإنها تعطى للقابلة من غير طبخ؛ لأن فاطمة فعلت ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، رواه الحاكم [3/ 179] وقال: صحيح الإسناد.

وهذه القابلة سلمى خادمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي امرأة أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وهي التي قبلت إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي غسلت فاطمة مع علي وأسماء بنت عميس.

قال: (ولا يكسر عظم) تفاؤلاً بسلامة أعضاء المولود.

وفي (البيهقي)[9/ 302] عن عائشة أنها قالت: (السنة شاتان متكافئتان عن الغلام، وعن الجارية شاة، وتطبخ جدولاً، ولا يكسر عظم، ويأكل ويطعم ويتصدق، وذلك يوم السابع).

ورواه المصنف من كلام عطاء بن أبي رباح، فلو كسره .. فالأصح لا كراهة؛ لأنها طيرة وقد نهي عنها.

ص: 525

وَأَنْ تُذْبَحَ يَوْمَ سَابِعِ وِلَادَتِهِ،

ــ

قال: (وأن تذبح يوم سابع ولادته)؛ لما روى أصحاب السنن الأربعة عن الحسن عن سمرة – ولم يسمع منه غيره-: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل غلام رهين بعقيقته، تذبح عنه يوم السابع، ويحلق رأسه ويسمى) هذه هي الراوية الصحيحة كما قال أبو داوود.

وفي رواية ضعيفة: (ويحلق رأسه ويدمى) قال قتادة: بأن يأخذ منه صوفة ويستقبل بها أوداجها ثم توضع على يافوخ الصبي حتى يسيل الدم على رأسه ثم يغسل ويحلق، وهذا مكروه عند الشافعي؛ لأنه فعل الجاهلية، كذا وقع في (الشرح) و (الروضة)، والمشهور: تحريم التضمخ بالنجاسة.

واختلف في معنى: (رهين)، فقيل: لا ينمو نمو مثله حتى يعق عنه، قال الخطابي: وأجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد ابن حنبل: أنه إذا لم يعق عنه .. لم يشفع في والديه يوم القيامة، ونقله الحليمي عن عطاء الخراساني ومحمد بن مطرف، وهما إمامان عالمان متقدمان على أحمد. والأصح: أنه يحسب من السبعة يوم ولادته، وقد سبق في (باب ضمان الولاة) تصحيح خلافه، فإن ولد ليلاً .. حسب اليوم الذي يليه قطعًا، نص عليه في (البويطي).

فروع:

يستحب أن يعق عن من مات بعد الأيام السبعة والتمكن من الذبح.

ص: 526

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقيل: تسقط بالموت، فإن مات قبلها .. ففي (شرح المهذب) في آخر الباب: يستحب، وفي (الكفاية): لا يستحب؛ لأنه لم يدرك الوقت المطلوب، وهذا هو المعروف.

ولا بأس بلطخ رأس المولود بالخلوق والزعفران.

وقيل: يستحب، وهو المذكور في (المهذب)، ورجحه المصنف.

وفعل العقيقة أفضل من التصدق بثمنها كالأضحية.

والمختار: أنه لا يجاوز بها مدة النفاس، فإن أخرها

لم يتجاوز بها مدة الرضاع، فإن تجاوزها .. فلا يتجاوز مدة الحضانة وهي سن التمييز، فإن تجاوزها .. فلا يتجاوز مدة البلوغ، لإن تجاوزها .. سقطت عن غيره، وهو مخير في العق عن نفسه في الكبر، روي أنه صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعدما أنزلت عليه (سورة البقرة)، ولكنه ضعيف أنكره البيهقي [9/ 300] وغيره.

فائدتان:

إحداهما: قال في (الإحياء): لا أرى رخصة في تثقيب آذان الصبية لأجل تعليق حلي الذهب فيها؛ فإن ذلك جرح مؤلم، ومثله موجب للقصاص فلا يجوز إلا لحاجة مهمة كالفصد والحجامة والختان، والتزين بالحلي غير مهم، فهذا وإن كان معتادًا .. فهو حرام، والمنع منه واجب، والاستئجار عليه غير صحيح، والأجرة المأخوذة عليه حرام. اهـ

فإن قيل: في (البخاري)[5189] في حديث أم زرع: أناس من حلي أذني.

وفيه أيضًا [4895]: فجعلن يلقين من أقراطهن وخواتيمهن في ثوب بلال .. فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر على التعليق لا على التثقيب.

وفي (الرعاية) للحنابلة: أن تثقيب آذان البنات للزينة جائز، ويكره للصبيان.

وفي (فتاوى قاضي خان) من الحنفية: لا بأس بتثقيب آذان الصبية؛ لأنهم كانوا يفعلونه في الجاهلية ولم ينكره عليهم النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 527

وَيُسَمَّى فِيهِ،

ــ

قال الحسن بن إسحاق بن راهويه: ولد أبي إسحاق مثقوب الأذنين، فمضى جدي راهويه إلى الفضل بن موسى فسأله عن ذلك فقال: يكون ابنك رأسًا إما في الخير وإما في الشر.

الثانية: روى الحاكم: أن محمد بن نصر المروزي كان يتمنى على كبر سنه أن يولد له ولد، فولد له، فلما بشر به .. رفع يديه وقال:{الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وهَبَ لِي عَلَى الكِبَرِ إسْمَاعِيلَ} ، ثم مسح وجهه بباطن كفيه، فاستعمل في تلك الكلمة الواحدة ثلاث سنن: تسمية الولد، وحمد الله على الموهبة، وتسميته إسماعيل.

قال: (ويسمى فيه)؛ للحديث المتقدم، ويجوز قبله وبعده.

ولو مات قبل التسمية .. استحب تسميته، بل تستحب تسمية السقط، فإن لم يعلم أذكر هو أم أنثى .. سمي بما يسمى به الذكر والأنثى كحمزة وطلحة وهند.

وأحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن ونحوهما، ولا تكره التسمية بأسماء الملائكة والأنبياء وياسين وطه، خلافًا لمالك، وعن الحارث بن مسكين أنه كره التسمية بأسماء الملائكة؛ ففي كتاب أبي عمرة محمد بن يوسف بن يعقوب الكندي في قضائه مصر قال: شهد رجل عند الحارث بن مسكين، فقال له الحارث: ما اسمك؟ قال: جبريل، قال له الحارث: لقد ضاقت عليك أسماء بني آدم حتى تسميت بأسماء الملائكة، فقال له الرجل: كما ضاقت الأسماء حتى تسميت باسم الشيطان فإن اسمه الحارث.

وكره مالك أيضًا التلقيب بالمهدي، وأباحها بالهادي.

وفي (مسند الحارث بن أبي أسامة)[مطالب 3101]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كان له ثلاثة من الولد ولم يسم أحدهم محمدًا

فقد جهل).

وتكره الأسماء القبيحة كحرب ومرة وكليب وشيطان وظالم، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أخنع اسم عند الله تعالى رجل تسمى بشاه شاه ملك

ص: 528

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأملاك، لا ملك إلا الله) فتحرم التسمية بذلك، وفي (شرح الأذرعي) عن القاضي أبي الطيب التحريم في قاضي القضاه، وأفظع منه حاكم الحكام، وفي (منهاج الحليمي): يحرم أن يقال: الطبيب؛ فإن الطبيب الله تعالى.

ويستحب تغيير الاسم القبيح باسم حسن، والاسم الذي فيه تزكية بغيره، روى البخاري في (الأدب) [824] والبيهقي في (الشعب) [5230] وابن عبد البر عن عبد الله بن الحارث بن أبزى عن أمه رائطة بنت مسلم عن أبيها أنه قال: شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حنينًا فقال: (ما اسمك؟) قلت: غراب، قال:(أنت مسلم) وإنما غير اسمه لما فيه من البعد، ولأنه من خبيث الطير، وغير اسم عتلة بن المنذر السلمي حين أتاه فقال:(ما اسمك) قال: عتلة، قال (أنت عتبة) كأنه كره العتلة لما فيها من الغلظة والشدة.

والألقاب الحسنة لا ينهى عنها؛ فقد لقب الصديق بعتيق وعمر بالفاروق وحمزة بأسد الله وخالد بسيف الله، وما زالت الألقاب الحسنة في الجاهلية والإسلام.

قال الزمخشري: إلا ما أحدثه الناس في زماننا من التوسع، حتى لقبوا السفلة بألقاب العلية، وهب أن العذر مبسوط فما أقول في تلقيب من ليس من الدين في قبيل ولا دبير بفلان الدين، وهي لعمرو الله القضية التي لا تساغ.

ومعنى اللقب: اسم زائد على الاسم يشعر بضعة المسمى أو رفعته، والمقصود به الشهرة، فما كان مكروهًا .. نهي عنه.

ويكره كراهة شديدة تسمية البنت بست الناس أو ست العرب أو ست القضاة أو العلماء، واللفظ أيضًا غير صحيح.

والجمع بين اسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته مكروه، ونص الشافعي على أن

ص: 529

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

التكني بأبي القاسم لا يجوز، سواء كان اسمه محمدًا أم لا.

قال الرافعي: ومنهم من حمله على كراهة الجمع بين اسمه صلى الله عليه وسلم وكنيته، وجوز الانفراد، ويشبه أنه أصح، وضعفه المصنف، واختار مذهب مالك وهو الجواز مطلقًا، وكان محمد بن الحنفية يكنى بأبي القاسم، وكذلك محمد بن أبي بكر الصديق، ومحمد بن طلحة بن عبيد الله، ومحمد بن سعد بن أبي وقاص، ومحمد بن عبد الرحمن بن عوف، ومحمد بن جعفر بن أبي طالب، ومحمد بن حاطب بن أبي بلتعة، ومحمد بن الأشعت بن قيس، وآخرون.

وكان لطلحة عشرة من الولد الذكور سماهم أسماء الأنبياء: محمد السجاد، وعمران وموسى ويعقوب وإسماعيل وإسحاق وزكريا ويوسف وعيسى ويحيى.

وكان للزبير عشرة سماهم أسماء الشهداء: عبد الله وعروة والمنذر وعاصم والمهاجر وخالد وعمرو ومصعب وحمزة وجعفر، فاجتمع طلحة والزبير فقال له الزبير: إنك سميت أبناءك أسماء الأنبياء، وأنا سميت أبنائي أسماء الشهداء، والنبوة قد انقطعت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الشهادة فباقية، فقال: فعلت ذلك تبركًا بهم.

وكان للعباس عشر بنين: الفضل وعبد الله وعبيد الله وقثم وعبد الرحمن ومعبد والحارث وكثير وعون وتمام، تباعدت قبور خمسة منهم تباعدًا شديدًا، فعبد الله بالطائف، وعبيد الله بالمدينة، والفضل بالشام، ومعبد بأفريقية، وقثم بسمرقند.

وكان لأنس بن مالك عشرة كلهم حمل العلم، وهم النضر وموسى وعبد الله وعبيد الله وزيد وأبو بكر وعمر ومالك وثمامة ومعبد.

وكان للحسن بن عرفة صاحب (الجزء المشهور) عشرة أولاد سماهم بأسماء العشرة، قال أبو نعيم.

وكذلك عبد الرحمن بن أبي ليلى قتل بدير الجماجم عن عشرة بنين له.

ص: 530

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وممن ولد له في الإسلام مئة مولود جعفر بن سليمان الهاشمي، وعبد الله بن عمير الليثي، وخليفة بن السعدي.

ومن غريب ما ذكر في كثرة أولاد الصحابة: أن أبا ليلى رضي الله عنه وقع إلى الأرض من صلبه ثلاث مئة ولد، قاله ابن أبي خثيمة، وذكر غيره أنه شهد وقعة الجمل ومعه سبعون من بنيه.

وذكر الحافظ أبو نعيم: أن بهية بنت عبد الله البكرية وفدت مع أبيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا لها ولولدها، قال: فولدت ستين ولدًا أربعين رجلًا وعشرين امرأة، استشهد منهم عشرون في سبيل الله عز وجل.

وفي تفسير القرطبي عند قوله تعالى: {السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ} عن ابن عباس أنه قال: إذا كان يوم القيامة .. أخرج الله تعالى أهل التوحيد من النار، وأول من يخرج من وافق اسمه اسم نبي، حتى إذا لم يبق فيها من وافق اسمه اسم نبي .. قال الله تعالى لباقيهم:(أنتم المسلمون وأنا السلام، وأنتم المؤمنون وأنا المؤمن) فيخرجهم من النار ببركة هذين الاسمين.

وفي كتاب (الخصائص) لابن سبع: عن ابن عباس أنه قال: (إذا كان يوم القيامة .. نادى مناد: ألا ليقم من اسمه محمد فليدخل الجنة؛ لكرامة محمد نبيه صلى الله عليه وسلم.

وقال مالك: سمعت أهل المدينة يقولون: ما من أهل بيت فيهم اسم محمد إلا رزقوا رزق خير، قال ابن رشد: يحتمل أن يكونوا عرفوا ذلك بالتجربة، أو عندهم في ذلك أثر.

والتسمي بعبد النبي .. قيل: يجوز إذا قصد به النسبة إليه صلى الله عليه وسلم، ومال الأكثرون إلى المنع خشية التشريك واعتقاد حقيقة العبودية، كما أنه لا يجوز التسمية بعبد الكعبة وعبد العزى وعبد علي وعبد الحسين وقنبر وهو عبد علي، كل هذا من مبتدعات الشيعة والرافضة.

ص: 531

وَيُحْلَقَ رَاسُهُ بَعْدَ ذَبْحِهَا، وَيُتَصَدَّقَ بِزِنَتِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً، وَيُؤَذَّنَ فِي أُذُنِهِ حِينَ يُولَدُ،

ــ

ويسن أن يهنأ الوالد بالولد بما جاء عن الحسن وهو: بارك الله في الموهوب لك، وشكرت الواهب، وبلغ أشده ورزقت بره، وأن يرد المهنأ يبارك الله لك وبارك عليك.

قال: (ويحلق رأسه بعد ذبحها، ويتصدق بزنته ذهبًا أو فضة)؛ لما روى الشافعي: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة لما ولدت الحسن والحسين أن تحلق شعورهما، وأن تتصدق بزنته فضة، ففعلت ذلك، وفعلته في سائر أولادها من الإناث).

وهن والذكور في ذلك سواء، قال الماوردي: ومن الناس من كرهه في الإناث؛ لأن حلق رؤوسهن مثلة.

وقال البندنيجي: حلق الرأس يكون قبل الذبح، ونقل عن النص.

وفي (المهذب) وغيره: أنه بعده، وقوة لفظ الخبر تعطيه، قال المصنف: فهو أرجح، ولا خلاف أن الذهب أفضل.

قال: (ويؤذن في أذنه حين يولد)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بالحسن والحسين، رواه أبو داوود [5064] والترمذي [1514] والحاكم [3/ 179].

والحكمة فيه: أنه أول قدومه إلى الدنيا ينخسه الشيطان، فناسب أن يطرد عنه؛ فإنه يدبر عند سماع الأذان والإقامة كما في الحديث في (الصحيح).

وفي (مسند رزين): (أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في أذن مولود (سورة الإخلاص)، ومناسبته ظاهرة.

والمراد: في أذنه اليمين، واستحب جماعة الإقامة في اليسرى بعد الأذان في اليمنى كما كان يفعله عمر بن عبد العزيز.

ويستحب قراءة {وإنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} ، نقله في (البحر) عن الأصحاب.

ص: 532

وَيُحَنَّكَ بِتَمْرٍ

ــ

وفي (كتاب ابن السني): عن الحسن بن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام الصلاة في أذنه اليسرى .. لم تضره أم الصبيان) وهي التابعة من الجن، وقيل: مرض يأخذهم في الصغر.

قال: (ويحنك بتمر)؛ لحديث أبي موسى الثابت في (الصحيحين)[خ5467 - م 2145] قال: ولد لي غلام، فأتيت به النبي صلى الله عليه وسلم، فسماه إبراهيم وحنكه بتمر ودعا له بالبركة ودفعه إلي، وكان أكبر أولاد أبي موسى.

و (التحنيك): أن يمضغ التمر ونحوه ويجعل في حنك المولود حتى ينزل إلى جوفه شيء منه، وينبغي أن يكون المحنك من أهل الخير، وممن ترجى بركته.

ولا يتعين التمر، بل في معناه الرطب، فإن لم يكن .. فالعسل؛ لأنه شفاء، فإن لم يكن .. فشيء حلو، وغير ما مسته النار أولى مما مسته كما قيل في فطر الصائم.

تتمة:

قال ابن سراقة: آكد الدماء المسنونة الهدايا ثم الضحايا ثم العقيقة ثم العتيرة ثم الفرع، وفي (الصحيحين) [خ5473 - م1976]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا فرع ولا عتيرة)

فـ (الفرع) بفتح الفاء والراء: أول نتاج البهيمة كانوا يذبحونه ولا يملكونه؛ رجاء البركة في الأم وكثرة نسلها.

ص: 533

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و (العتيرة): ذبيحة كانوا يذبحونها في العشر الأول من شهر رجب، سموها الرجبية، وفي استحبابهما وجهان:

أحدهما: لا، وعلى هذا: ففي كراهتها وجهان: المنصوص: لا

والثاني: تستحبان، ورواه المصنف عن النص وصححه، وأجاب عن الحديث بنفي الوجوب، أو نفي ما كانوا يذبحونه لأصنامهم.

وقال الروياني في (البحر): كان ابن سريج يذبح العتيرة في شهر رجب، وانفرد بذلك من بين سائر العلماء.

*

*

*

خاتمة

يكره تبييض اللحية بالكبريت وغيره، ونتفها أول طلوعها إيثارًا للمرودة، وتصفيفها طاقة فوق طاقة تحسينًا، والزيادة فيها، والنقص منها بازيادة في شعر العذارين، ونتف جانب العنفقة، وتركها شعثة، والنظر إليها إعجابًا وافتخارًا ويحرم خضابها بالسواد على الصحيح؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(إن الله يبغض الشيخ الغربيب) وهو الذي يسود شيبته بالخضاب.

ولو قيل بتحريم نتف الشيب .. لم يبعد؛ لما روى عمرو بن شعيب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تنتفوا الشيب؛ فإنه نور المسلم يوم القيامة) حسنه الترمذي [2821]، ونص الشافعي على تحريم نتف اللحية وحلقها.

وفي (الإحياء) كل أهل الجنة جرد مرد إلا هارون فله لحية تبلغ سرته، وكذلك

ص: 534

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

رويناه في (مشيخة ابن كليب)، لكن الذهبي عدها من الموضوعات [ميزان 6/ 234].

وفي (تاريخ دمشق)[3/ 512 - 513] عن أبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث الإسراء: (ثم صعدت إلى السماء الخامسة؛ فإذا أنا بهارون، ونصف لحيته بيضاء ونصفها أسود، تكاد لحيته تضرب سرته من طولها، قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا المجيب في قومه، هذا هارون بن عمران) اهـ

وجمع هارون: هارونون.

*

*

*

ص: 535

كتاب الأطعمة

ص: 537