المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الزنا ــ كتاب الزنا لغة الحجاز فيه القصر، قال الله تعالى: {ولا - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٩

[الدميري]

الفصل: ‌ ‌كتاب الزنا ــ كتاب الزنا لغة الحجاز فيه القصر، قال الله تعالى: {ولا

‌كتاب الزنا

ــ

كتاب الزنا

لغة الحجاز فيه القصر، قال الله تعالى:{ولا تَقْرَبُوا الزِّنَى} ولغة نجد المد، قال الفرزدق (من الطويل)

أيا حاضر من يزن يعرف زناؤه

ومن يشرب الخرطوم يصبح مسكرًا

أي: مخمورًا.

واتفق أهل الملل على تحريمه، وهو من أفحش المحرمات الكبائر، قال الله تعالى:(ولا تقربوا الزنى إنه كان فحشة).

وفي (الصحيحين)[خ 4477 - م76] عن ابن مسعود قال: قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم عند الله؟ قال:(أن تجعل لله ندًا وهو خلقك) قلت: ثم أي؟ قال: (أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك) قلت: ثم أي؟ قال: (أن تزني بحليلة جارك)، فأنزل الله تصديقها:{والَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ ولا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَاّ بِالْحَقِّ ولا يَزْنُونَ ومَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} ، وقال تعالى:{الزَّانِيَةُ والزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} ، و (الشيخ والشيخة إن زنيا فارجموهما البتة)، وهذه نسخ لفظهما وبقي حكمهما.

وروى مسلم [1690] عن عبادة بن الصامت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خذوا عني خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر البكر جلد مئة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مئة والرجم).

واشتهر الرجم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة ماعز والغامدية واليهوديين، وعلى ذلك جرى الخلفاء بعده وبلغ حد التواتر.

ص: 101

إِيلَاجُ الذَّكَرِ بِفَرْجٍ مُحَرَّمٍ لِعَنْتِهِ خَالٍ عَنِ الشُّبْهَةِ مُشْتهىً .. يُوجِبُ الْحَدَّ، وَدُبُرُ ذَكَرٍ وَأُنْثَى كَقُبُلٍ عَلَى الْمَذْهَبِ

ــ

قال: (إيلاج الذكر بفرج محرم لعينه خال عن الشبهة مشتهي .. يوجب الحد) بالنص والإجمال، فإذا انتفى من هذا الضابط قيد .. انتفى الوجوب، وسيبين المصنف ما احترز عنه.

وإطلاقه (الذكر) يشمل وغيره، والسليم والأشل والملفوف في خرقة وغيره.

والأصح: وجوب الغسل به، وقيد في (الروضة) بقدر الحشفة منه، فلو غيب بعضها .. عزر، وتعزيره أغلظ بالاستمتاع بما دون الفرج.

وشمل لفظ الفرج: القبل والدبر، وأحرج ما عداهما.

وخرج بـ (محرم) إيلاج الصبي والمجنون.

وبقوله: (لعينه) وطء الحائض.

وبقوله: (خال عن الشبهة) شبهة المحل والطريق والفاعل، لقوله صلى الله عليه وسلم:(ادرؤوا الحدود بالشبهات) ذكره البيهقي في (المعرفة)[16873] عن على مرفوعًا.

ورواه الترمذي [1424] والحاكم [4/ 384] من رواية عائشة بلفظ: (ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كانت لكم مخرج .. فخلوا سبيله، فإن الإمام أنن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة) قال الحاكم: صحيح الإسناد، وقال الترمذي والبيهقي [8/ 238] الأصح: أنه موقوف.

وخرج بـ (المشتهى) وطء البهيمة والميتة.

قال: (ودبر ذكر وأنثى كقبل على المذهب)، فيرجم المحصن، ويجلد ويغرب غيره، لأنه زنا بدليل، لقوله تعالى:{ولا تقربوا الزنى إنه كان فحشة} .

وقال تعالى: {أتأتون الفحشة} .

وروى البيهقي [8/ 133] عن أبي موسى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى الرجل الرجل .. فهما زانيان).

ص: 102

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وملخص ما في عقوبته أقوال:

أحدهما: ما ذكره المصنف.

والثاني: عقوبته القتل، محصنًا كان أو غيره، لما روى أحمد [1/ 300] وأبو داود [4457] والترمذي [1456] والحاكم [4/ 355]- وقال: صحيح الإسناد- عن عكرمة عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوه، واقتلوا المفعول به) وفي رواية (فارجموا الأعلى والأسفل).

وعلى هذا: في كيفية قتله ثلاثة أوجه:

أصحها في زوائد (الروضة) بالسيف كالمرتد.

والثاني: يرجم تغليظًا عليه، وبه قال أحمد ومالك.

والقول الثالث: يهدم عليه جدار، أو يرمي من شاهق حتى يموت كما فعل الله بقوم لوط.

ص: 103

وَلَا حَدَّ بِمُفَاخَذَةٍ

ــ

والرابع- وبه قال أبو حنيفة-: واجبه التعزيز كالبهيمة.

قال الرافعي: ومنهم من لم يثبته، قال ابن الرافعة: وهم العراقيون، وأسقطه من (الروضة).

ودخل في إطلاقه: دبر عبده، والمذهب: أنه كالأجنبي، وقيل: قولان، لقيام الملك، كما لو وطئ أخته المملوكة، وهو ضعيف، لأن الملك يبيح الإتيان في القبل في الجملة، وهذا المحل لا يباح بحال.

وأما المفعول به، فإن كان صغيرًا أو مجنونًا أو مكرهًا .. فلا حد عليه ولا مهر له، لأن منفعة بضع الرجل غير متقومة.

وإن كان مكلفًا طائعًا، فإن قلنا: إن الفاعل يقتل .. قتل المفعول به بما يقتل به الفاعل، وإن قلنا: حده حد الزنا .. جلد المفعول به وغرب، محصنًا كان أو غيره.

وإن وطئ امرأة أجنبية في دبرها. فطريقان:

أصحهما: أنه كاللواط بذكر، فيجئ في الفاعل القولان، وتكون عقوبة المرأة الجلد والتغريب على الأصح.

وقيل: هو زنا في حقها، فترجم المحصنة، وتجلد وتغرب غيرها.

ولو وطئ زوجته أو أمته في دبرها .. فالمذهب: أن واجبه التعزيز إن تكرر منه فعل ذلك.

قال: (ولا حد بمفاخذة) هذا الذي احترز عنه بالإيلاج.

وفي (سنن أبي داود)[4463] عن ابن مسعود قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني عالجت امرأة في أقصى المدينة فأصبت منها دون أن أمسها فأنا هذا، فأقم على ما شئت، فقال عمر: قد سترك الله لو سترت على نفسك، فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه شيئًا، فانطلق الرجل، فأتبعه النبي صلى الله عليه

ص: 104

وَوَطْءِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ فِي حَيْضٍ وَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ، وَكَذَا أَمَتُهُ الْمُزَوَّجَةُ وَالْمُعْتَدَّةُ، وَكَذَا مَمْلُوكَتُهُ الْمَحْرَمُ،

ــ

وسلم رجلًا فدعاهن فتلا عليه: {وأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ} الآية، فقال الرجل من القوم: يا رسول الله، أله خاصة أم للناس؟ فقال:(للناس كافة).

وأشار بـ (المفاخذة) إلى أن جميع مقدمات الوطء وإيلاج بعض الفاحشة وإتيان المرأة المرأة لا حد فيها، لما روى الشيخان: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز: (لعلك قبلت أو لمست)، بل واجب هذا التعزيز ومراتبها مختلفة فيه.

ولو وجدنا رجلًا وامرأة أجنبيين تحت لحاف ولم نعرف غير ذلك .. لم نحدهما، ويجب التعزيز.

ولو وجدنا امرأة خلية حبلى، أو ولدت وأنكرت .. فلا حد.

قال في زوائد (الروضة) وكذا لو لم تنكر ولم تعترف بل سكتت .. فلا حد، وإنما يجب الحد ببينة أو اعتراف.

والاستمناء باليد عن أحمد الترخص فيه.

ومذهبنا: القطع بتحريمه، وأن على فاعله التعزيز، وقد تقدم في كتاب (كتاب النكاح) حيث ذكره الرافعي والمصنف.

قال: (ووطئ زوجته وأمته في حيض وصوم وإحرام)، لأن تحريم ذلك ليس لعينه، بل تحريم وطء الحائض، للأذى ومخامرة النجاسة.

ووطء الصائمة والمحرمة، لحق العبادة، فلا يتعلق بذلك حد، ومثله وطء الأمة قبل الاستبراء.

قال: (وكذا أمته المزوجة والمعتدة)، لشبه الملك.

قال: (وكذا مملوكته المحرم) أيك بنسب أو رضاع، وهذا أيضًا من الشبهة في المحل.

قال في (المحرر) وقد تكون في الواطئ، كما إذا وجد على فراشه فوطئها على ظن أنها زوجته أو أمته، وهذه ساقطة من (المنهاج)، وسواء ليلة الزفاف وغيرها، ويصدق بيمينه في هذا الظن.

ص: 105

وَمُكْرَهٌ فِي الأَظْهَرِ،

ــ

قال: (ومكره في الأظهر)، لرفع القلم عنه، وفي (البخاري) عن نافع: أن صفية بنت أبي عبيد أخبرته: أن عبدًا وقع على وليدة فاستكرهها حتى افتضها، فجلده عمر ولم يجلدها من أجل أنه استكرهها.

وروى الترمذي [1453] نحوه مرفوعًا.

والثاني: يجب فيهما، أما في الأولى .. فلأنه وطء لا يستباح بحال فأشبه اللواط.

وأما الثانية .. فلأن انتشار الآلة لا يكون إلا عن شهوة واختيار، أما المرأة .. فيتصور فيها ذلك.

والخلاف في المسألة الثانية وجهان، وقال الغزالي: قولان، فتبعه (المحرر) و (المنهاج).

ومسألة المكره دخيلة هنا، وكان ينبغي أن يذكرها عند الشروط مع التكليف والعلم بالتحريم.

فرع:

زنى مكرهًا وأتت منه بولد .. لا يلحقه، لأنا لا نعرف كون الولد منه، والشرع منع النسب، كذا في (الوسيط) في أوائل الباب الثاني من (كتاب الرهن).

وفي (التتمة) في (أبواب العدد) أن الولد ينسب إليه في هذه الحالة، ولم يتعرض الأصحاب للمرأة إذا زنت وهي مضطرة .. هل يسقط بذلك عنها الحد أو لا؟

وفي (سنن البيقهي)[8/ 236] أن عمر أتى بامرأة جهدها العطش فمرت على راع فاستسقته، فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها، ففعلت، فشاور الناس في رجمها/ فقال علي:(هذه مضطرة أرى أن تخلي سبيلها)، ففعل، ستأتي المسألة في أواخر فرع في (كتاب الأطعمة).

ص: 106

وَكَذَا كُلُّ جِهَةٍ أَبَاحَ بِهَا عَالِمٌ كَنِكَاحٍ بِلَا شُهُودٍ عَلَى الصَّحِيحِ،

ــ

قال: (كذا كل جهة أباح بها عالم كنكاح بلا شهود على الصحيح)، درءًا للحدود بالشبهات، وهذه شبهة اختلاف العلماء، فكل جهة صححها بعض العلماء ا، أباح الوطء بها .. لا حد فيها على المذهب وإن كان الوطء يعتقد التحريم، فالنكاح بلا شهود خالف فيه مالك، وبلا ولي خالف فيه أبو حنيفة، وكذلك لو شهد شاهد زور بالطلاق وحكم الحاكم بالفرقة ثم تزوجها أحدهما ووطئ .. فلا حد عليه في أشبه الوجهين، لأن أبا حنيفة يجعلها منكوحة في الحكم كما ذكره الرافعي في (كتاب القضاء).

وكذلك شبهة غيرهما كمذهب ابن عباس في نكاح المتعة، للاختلاف في الصحة، سواء كان الواطئ يعتقد تحريمه أم لا.

والثاني: يجب على من اعتقد التحريم دون غيره، واختاره الصير في جماعة، وهذه الصورة التي احترز عنها بقوله:(خال عن الشبهة).

ص: 107

لَا بوَطء مَيتته في الأَصَحُ، وَلًا بَهيمَة في الأَظٌهَر

ــ

قال: (لا بوطء ميتته في الأصح)؛ لأنه مما ينفر الطبع عنه، لكنه يعزز.

والثاني: يحد؛ لأنه إيلاج في فرج لا شبهة فيه فلا مهر لها عليه بلا خلاف.

والثالث: إن كانت ممن لا يحد بوطئها في الحياة كالزوجة .. فلا حد، والإ .. فيحد، حكاه المصنف في (باب الغسل) من (شرح المهذب)، واختاره في (نكت الوسيط)، والوجهان الأولان جاريان فيما لو لاط بميت، وهذه الصورة والتي بعدها احترز عنهما بقوله:(مشتهَى).

قال: (ولا بهيمة في الأظهر)؛ لأن الطبع السليم يأباه، وبهذا قال أبو حنيفة، وفي (سنن البيهقي) [8/ 234] عن ابن عباس:(ليس على الذي يأتي البهيمة حد) وهذا لا يقوله الإ توفيقًا، وإذا انتفي الحد .. ثبت التعزيز.

والثاني: واجبة القتل، محصنًا كان أو غيره؛ لما روي أصحاب السنن الأربعة والحاكم [4/ 355] عن ابن عباس: أن النبي صلي

الله عليه وسلم قال: (من أتى بهيمة .. فاقتلوه واقتلوها معه).

والثالث: عليه حد الزنا، فيفرق بين المحصن وغيره.

وفي البهيمة أوجه: أصحها: تذبح المأكولة دون غيرها.

وقبل: تذبح مطلقًا؛ لظاهر الحديث، واختلفوا في علة ذلك:

ص: 108

وَيُحَدُّ فِي مُسْتَاجَرَةٍ وَمُبِيحَةٍ ....

ــ

فقيل: لاحتمال أن تأتي بولد مشوه الخلق؛ فإنه روي: أن راعيًا أتى بهيمة فولدت خلقًا مشوهًا.

فعلى هذا: لا تذبح إلا إذا كانت أنثى وقد أتاها في الفرج.

وقيل: لأن في بقائها تذكارًا للفاحشة فيعير بها، وهذا هو الأصلح.

فعلى هذا: لا فرق بين الذكر والأنثى.

والأصلح: حل أكلها إذا ذبحت، وقيل: لا يحل؛ للأمر بقتلها.

وحيث وجب الذبح والبهيمة لغيره، فإن كانت مأكولة وقلنا: يحل أكلها .. لزم الفاعل ما بيت قيمتها حية ومذبوحة، وإلا .. لزم جميع القيمة في الأصلح، وقيل: قيمتها في بيت المال، وفي وجه: لا شئ لصاحبها؛ لأن الشرع أوجب قتلها للمصلحة.

ولو مكنت المرأة قردًا من نفسها .. كان الحكم كما لو أتى الرجل بهيمة، حكاه البغوي وغيره.

ولا يثبت اللواط وإتيان البهيمة إلا بأربعة عدول.

وقيل: إن قلنا: إن الواجب التعزير .. كفى عدلان، وهو ضعيف مخالف للنص.

قال: (ويحد في مستأجرة) ليزني بها؛ لأنه عقد باطل لا يوجب شبهة؛ لضعف مدركه، بخلاف النكاح بلا ولي.

واستثني الجرجاني في (التحرير) ما إذا اعتقد إباحته، ومقتضى كلام المصنف وغيره: أنه لا فرق.

وقال أبو حنيفة: إذا أباحت المرأة لزوجها أمتها .. سقط الحد، وكذلك الحكم فيما إذا أباح وطء جاريته لغيره علي الأصح إن هلم التحريم.

ص: 109

وَمَحْرَمٍ وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا

ــ

قال الرافعي: ويشبه أن لا يجئ مذهب عطاء في إباحة المرأة بضعها؛ لأن السيد يبيح ما أبيح له، والمرأة بخلافة.

قال: (ومحرم) أي: بنسب أو رضاع أو مصاهرة.

قال: (وإن كان تزوجها)؛ لأنه وطء صادف محلًا ليس فيه ملك ولا شبهة ملك، وهو مقطوع بتحريمه فيتعلق به الحد؛ لقوله تعالي:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} الآية، فجعله أغلظ من الزنا؛ حيث قال في الزنا:{وَسَاءَ سَبِيلًا} وزاد هنا: {وَمَقْتًا} ، فكن أولي بالعقوبة. وقال أبو حنيفة: لا حد في هذه الصورة، وتصير صورة العقد شبهة. وقال أحمد وإسحاق: يقتل ويؤخذ ماله، لما روى ابن ماجه [2608] عن معاوية بن قرة عن أبيه:(أن رجلًا عرس في زمن النبي صلي الله عليه وسلم بامرأة أبيه، فبعث النبي صلي الله عليه وسلم إليه فضرب عنقه وخمس ماله).

قال ابن أني خثيمة في (تاريخه) قال يحيى بن معين: حديث صحيح، وقد تقدمت الإشارة إلى هذا في ميراث المرتد.

وهكذا لو نكح من طلقها ثلاثًا، أو لاعن منها، أ، نكح من تحته أربه خامسة، أو أخت زوجته ووطئها عالمًا بالحال.

ولم يعتدوا بخلاف داوود في إباحة الخامسة. وكذا لو نكح مرتدة أو معتدة أو مزوجة أو نكح الكافر مسلمة ووطئ.

ولو نكح وثنية أو مجوسية ووطئها .. ففي (التهذيب) يجب الحد، وفي (جمع الجوامع) لا حد في المجوسية؛ للخلاف، قال الرافعي: وهي القياس إذا نحقق الخلاف.

ولو زنى في دار الحرب .. وجب علبه، خلافًا لأبي حنيفة، ثم الأصلح: أن للإمام أن يقيمه هناك إن لم يخف فتنة.

ص: 110

وَشَرْطُهُ: التَّكْلِيفُ

ــ

فرع:

وطئ زوجته أو أمته ظانًا أنها أجنبية يزني بها .. عصى الله تعالى ولا حد عليه، ولا يعاقب في الدار الآخره عقاب الزانى؛ لانتفاء مفسده الزنا، بل يعاقب عقاب المجترئ على معاصي الله المخالف لأمره، وكذا من شرب شرابًا ظنه خمرًا فبان غيره، أو قتل إنسانًا يظنه معصومًا فبان غير معصوم.

ونقل ابن الصلاح عن الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني: (أن الرجل إذا وطئ امرأته على ظن أنها أجنبية .. عليه الحد، قال: وهذا يتبادر الفقيه إلى إنكاره، ولكن الحقائق الأصولية آخذة بضبعيه؛ فإن الأحكام ليست صفات للأعيان) اهـ ووقع في زمن ابن الفركاح بدمشق السؤال عن رجل يجامع زوجته ويفكر حالة الجماع في غيرها حتى يتخيل أنه يطأ الأجنبية .. هل يأثم بذلك فاعله أو يستحب له؟ فقال: لك أجد فيه نقلًا، ثم استدل بحديث:(إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسهم) على عدم المؤاخذة بذلك.

والمسألة سئل عنها الفقيه العلامة سراج الدين عمر البزري صاحب (إشكالات المهذب) و (الفتاوى المشهورة)؟ فأجاب فيها بأنه لا يأثم بذلك وجودًا وعدمًا، لكن يكره له ذلك، وللشيخ بحث في (باب إحياء الموات) قريب من هذا يتلخص منه: عدم التحريم.

قال: (وشرطه: التكليف)، فلا حد على صبي ولا مجنون، وهذا يخرج بتقيد المصنف الوطء بكونه حرامًا؛ فإن فعلهما لا يوصف بالتحريم، لكن يؤديهما وليهما بما يزجرهما عن ذلك.

قال الروياني: ولو زنى وعنده أنه ليس ببالغ فبان بالغا .. ففي وجوب الحد عليه وجهان.

وقد غلط الجيلي فنسب إلى صاحب (البحر) ذكر وجهين في وجوب الحد علي الصبي، وليس فيه إلا ذكرناه.

ص: 111

إِلَّا السَّكْرَانَ، وَعِلْمُ تَحْرِيمِهِ. وَحَدُّ المُحْصَنِ: الرَّجْمُ،

ــ

قال: (السكران)؛ فإنه يحد وهو غير مكلف، وهذه ليست في المحرر) ولا في (الروضة) و (الشرحين)، وقد تقدم في (كتاب الطلاق) الاعتراض عليه في استثنائها، وأن الشافعي مص على: أنه مكلف.

قال: (وعلم تحريمه)، علا حد على من جهل تحريم الزنا لبعده عن أهل العلم أو قرب عهده بالإسلام؛ لما روي البيهقي [8/ 239] عن سعيد بن المسيب أنه قال: ذكر الزنا بالشام فقال الرجل: زنيت البارحة، فقالوا: ما تقول؟! قال: ما علمت أن الله حرمه، فكتبوا يذلك إلى عمر فكتب إليهم:(إن كان علم أن الله حرمه .. فحدوه، وإن لم يكن قد علم .. فأعلموه، فإن عاد .. فارجموه).

أما إذا علم التحريم وجهل وجوب الحد .. فالصحيح: الجزم بوجوب الحد عليه.

وإن نشأ بين المسلمين وادعى الجهل به .. لم يقبل منه.

قال: (وحد المحصن: الرجم) رجلا كان أو امرأة؛ لأن عمر خطب فقال: (الرجم حق على من زنى من الرجال والنساء إذا كان محصنًا أو قامت البينة أو كان حمل أو اعترف، وايم الله لولا أن يقول الناس: زاد عمر كتاب الله .. لكتبتها) رواه البخاري [6829] ومسلم [1691] وأبو داوود [4417] والترمزي [1432] والنسائي مختصرًا [سك7116] ومطولًا [سك7118] وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكره أحد.

وفي (الصحيحين)[خ2696 - م1698]: انه عليه الصلاة والسلام قال: (لأقضين بينكما بكتاب الله عز وجل وقضي على المرأة بالرجم، وأجمع العلماء عليه.

وقال جماهير العلماء: الواجب الرجم فقط.

وفالت طائفة: يجب الجلد مع الرجم، منهم علي بن أبي طالب والحسن وأحمد وإسحاق وابن المنذر، مستدلين بما سبق في حديث عبادة بن الصامت، وبما روى الطبراني [8/ 239]: أن عليا جلد شراحة الهمدانية ثم رجمها وقال: (جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 112

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لنا: (أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزًا ولم يجلده) رواه أحمد [5/ 96]، وهو حجة عليه، و (رجم الغامدية) ولم برد أنه جلدها.

وحديث عبادة في المجلد منسوخ بفعل النبي صلى الله عليه وسلم، أو محمول علي من زنى وهو بكر ثم زنى وهو محصن.

وأما أثر على .. فمنقطع؛ لأنه من رواية الشعبي عن على وهو لم يدركه أصلًا.

وحكى القاضي عياض عن طائفة من المحدثين: أنه يجب الجمع بينهما إذا كان شيخًا ثيبًا، وإن كان شابًا اقتصر علي الرجم.

قال المصنف: وهو مذهب باطل لا أصل له.

كل هذا إذا زنى وهو محصن، فلو زنى وهو بكر ثم زني قبل إقامة الحد عليه وقد أحصن .. فسيأتي حكمه في تتمة (باب قاطع الطريق)

فائدة:

الإحصان والتحصين في اللغة: المنع، قال الله تعالي:(لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَاسِكُمْ)

وورد في الشرع بمعني الإسلام، وبمعنى البلوغ، وبمعنى العقل، وقد قيل كل منها في قوله تعالى:{فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ} .

وورد بمعنى الحرية، ومنه:{فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} .

وبمعنى العفة، ومنه:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} .

وبمعنى التزويج، ومنه:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} .

وبمعنى الإصابة في النكاح الصحيح: ومنه: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} ، وهو المراد هنا.

ص: 113

وَهُوَ: مُكَلَّفٌ حُرٌ

ــ

قال الجوهري: يقال: أحصن الرجل فهو محصن، بفتح الصاد، وهو أحد ما جاء على: أفعل فهو مفعل.

وكذلك ألفح الرجل- أي: أفلس- فهو ملفح بفتح الفاء.

وأسهب- إذا كثر كلامه- فهو مسهب، بفتح الهاء، ولا يقال بكسرها، فهذه الثلاثة جاء اسم الفعل فيها بالفتح، وهي نوادر لا نظير لها.

عجيبة:

في (البخاري)[3849]: قال عمرو بن ميمون الأودي: رأيت في الجاهلية قردة زنت، فرجمها القردة، ورجمتها معهم.

قال أبو بكر بن العربي: هذه الحكاية ثبتت في بعض النسخ وسقطت من بعضها.

وقال الحميدي: هي في غير رواية الفربري في (كتاب أيام الجاهلية)، ولعلها من المقحمات في (كتاب البخاري)، لكنه روى القصة في (تاريخه الكبير) ولم يقل فيها: إن القردة زنت، فإن صحت هذه الرواية .. فإنما أخرجها البخاري دليلا على أن عمرو بن ميمون أدرك زمان الجاهلية ولم يبال بظنه الذي ظنه.

وذكر أبو عمر في (الإستيعاب)[2/ 535] عمرو بم ميمون وقال: إنه رأى الرجم في الجاهلية بين القردة إن صح ذلك؛ لأن رواته مجهولون لا يحتج بهم، وهذا عند العلماء منكر؛ إضافة الزنا إلى غير مكلف وإقامة الحدود علي البهائم، ولو صح .. لكانوا من الجن، لأن العبادات والتكليفات في الجن والإنس دون غيرهما.

قال: (وهو) أي: المحصن (مكلف)، فإذا انتفي التكليف .. انتفي الإحصان بل أصل الحد.

قال: (حر)، فليس الرقيق والمكاتب وأم الولد والمبعض بمحصن وأن كان مكلفًا، سواء أصاب في نكاح صحيح أم لا.

وإنما اعتبرت الحرية؛ لأنها صفة كمال وشرف والشريف يصون نفسه هما يدنس عرضه، والرقيق مبتذل مهان؛ إذ ل يتحاشى عما يتحاشى عنه الحر.

ص: 114

وَلَوْ ذِمَّيٌّ غَيَّبَ حَشَفَتَهُ بِقُبُلٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ لَا فَاسِدٍ فِي الأَطْهَرِ، وَالأَصَحُّ: اشْتِرَاطُ التَّغْيِيبِ حَالَ حُرِّيَتِهِ وَتَكْلِيفِهِ،

ــ

ولذلك قالت هند بنت عتبة عند البيعة: (أو تزني الحرة).

قال: (ولو دمي)؛ لأن النبي صلى لله عليه وسلم رجم اليهوديين وكانا قد أحصنا، رواه الشيخان [خ3635 - م1699] وغيرهما.

وخالف في ذلك أبو حنيفة ومالك فقالا: شرط الإحصان: الإسلام.

وكان ينبغي أن يقول: ولو ذميًا، علي أنه خبر لـ (كان) المحذوفة، وقد تقدم له نظير ذلك في شروط الصلاة والظهار وغيرهما.

قال: (غيب حشفته بقبل في النكاح صحيح) لأن الشهوة مركبة في النفوس فإذا وطئ في نكاح صحيح .. فقد مالها، فحقه أن يمتنع من الحرام، فالواطئ في الدبر أو في كلك اليمين أو في نكاح فاسد ليس بمحصن، والمراد: أنه غيب حشفته أو قدرها قبل أن يزني وهو بهذه الصفات.

ولفظة (القبل) من زيادات (لمنهاج) ولابد منها؛ فقد قال الأصحاب: حكم الدبر حكم القبل إلا في الإحصان والإحلال والفيئة والعنة، ولا يتغير به إذن البكر.

ولا يشترط كونه ممن ينزل.

ويحصل بوطء في الحيض والإحرام وعدة الشبهة، ولا يحصل بالوطء بملك اليمين.

قال: (لا فاسد في الأظهر)؛ لأنه حرام فلا تحصل به صفة كمال.

والثاني- ويحكي عن القديم-: أنه يفيد الإحصان؛ لأن الفاسد كالصحيح في العدة والنسب فكذا في الإحصان، والخلاف جار في الوطء بالشبهة، وهو كالخلاف في أنه هل يحصل التحليل بالوطء في النكاح الفاسد؟

قال: (والأصح: اشتراط التغييب حال حريته وتكليفه)، وبه قال أبو حنيفة وملك؛ لأن شرط الإصابة: أن يحصل بأكمل الجهات، وهو النكاح الصحيح، فاشترط حصولها من كامل.

ص: 115

وَأَنَّ الكَامِلَ الزَّانِيَ بِنَاقِصٍ مَحْصَنٌ

ــ

والثاني: ل يشترط ذلك؛ فإنه وطء يحصل به لتحليل.

والثالث: أن وطء الصبي يعتبر دون العبد؛ لأن الرق يوجب نقصان النكاح فلا ينكح إلا اثنين، بخلاف الصغير.

وقيل: عكسه؛ لأن الصغير يمنع كمال اللذة والرق لا يمنع، وجميع م ذكره المصنف حد لإحصان المرأة أيضًا.

أظهرها: لا يشترط، فإذا كان أحدهما كاملًا دون الآخر، كما إذا وطئ الحر المكلف أمة أو صبية أمجنونة بنكاح صحيح .. ثبت الإحصان له دونها، وكذلك العكس؛ لأنه حر مكلف وطئ في نكاح صحيح، فأشبه ما إذا كانا كاملين.

والقول الثاني: لا يكون بذلك محصنًا؛ لأنه وطء ل يصير أحد الواطئين به محصنًا فكذلك الآخر، كالوطء بالشبهة.

ص: 116

وَالْبِكْرِ الحُّرِّ: مِئَةُ جَلْدَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ

ــ

والثالث: إن كان نقصان الناقص منهما بالرق .. صار الكامل به محصنًا، وإن كان بصغر أو جنون .. فلا. والفرق: أن تأثير الرق في الحدود دون تأثير الصغر والجنون؛ فإنهما يسقطان أصل الحد، بخلاف الرق. وروي البيهقي [8/ 216] عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: أنه سئل عن الأمة هل تحصن الحر؟ قال: نعم، قيل: عمن تروي هذا؟ قال: أدركنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون ذلك.

وقال الإمام: هذا الخلاف في صغيرة أو صغير لا يشتهيه الجنس الآخر، فإذا كان مراهقًا .. أحصن قطعًا. وظاهر عبارة المصنف: أن الكامل إذا زنى بناقص محصن علي الأصح، وليس كذلك، بل هو محصن يرجم بلا خلاف.

وعبارة المحرر) وأنه إذا وجدت الإصابة والرجل في حال الكمال دون المرأة، وبالعكس يكون الكامل محصنًا، وكان بعض شراح الكتاب يغير لفظة (الزاني) بالباني، أي: الناكح؛ ليوافق عبارة (المحرر)، ورد عليه بأنه أنما يقال: بنى علي أهله، ل بنى بهم، كما قال الجوهري وغيره.

ثم إن عطف المسألة على ما قبلها يقتضي: أن الخلاف وجهان، وهو في (الشرح) قولان وطريقة، وفي (الروضة) ثلاثة أقوال.

قال: (والبكر الحر: مئة جلده وتغريب عام)؛ للأحاديث المتقدمة.

والمراد بـ (البكر) هنا: غير المحصن رجلًا كان أو امرأة.

قال الروياني: سمي جلدًا؛ لاتصاله بالجلد، وأشار بعطف (التغريب) بـ (الواو) إلي أنه لا يشترط الترتيب بين الجلد والتغريب، فيقدم الإمام ما شاء منهما، لكن الأولى: أن يكون التغريب بعد الجلد.

وعند أبو حنيفة: التغريب ليس من الحد، وإنما هو تعزير يتعلق برأي الإمام. وعن مالك: لا تغريب المرأة.

ص: 117

إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ فَمَا فَوْقَهَا،

ــ

وأفهم قوله: (وتغريب عام) أنه لو تغرب بنفسه سنة لا يكفي، بل لابد من تغريب الحاكم؛ لأن المقصود تنكيله، وعن ابن كج والماوردي الاعتداد به، فلو جلد نفسه .. لم يكف بالاتفاق.

والفرق: أن الجلد حق يستوفي منه به فلم يجز أن يكون مستوفيًا، والتغريب انتقال من بلد إلي بلد وقد وجد.

وأول مدة التغريب: ابتداء السفر، لا من حين الوصول إلي مكانه علي الصحيح: وينبغي للإمام أن يثبت أول مدته في ديوانه، فإن لم يفعل وادعي المحدود انقضائها ولا بينة .. صدق؛ لأنه من حقوق الله تعالي، ويحلف استحبابًا.

قال: (إلي مسافة قصر)؛ لأن ما دونها في حكم الحضر؛ لتواصل الأخبار فيها، والمقصود: إيحاشه بالبعد عن أهله ووطنه.

ولأن أبا بكر غرب إلي فدك، وهي قرية بخيبر بينها وبين المدينة مرحلتان.

وفي وجه: يجوز دون مسافة القصر بحيث ينطلق عليه اسم الغربة وتلحقه في المقام به وحشة؛ لإطلاق الخبر.

والثالث: يجوز إلي موضع لو خرج المبكر إليه .. لم يرجع في يومه إليه، وهي مسافة العدوى.

وظاهرة عبارة (الحاوي الصغير) المنع من التغريب إلي زيادة علي مرحلتين، فلو رجع المغرب إلي البلد الذي غرب منه .. رد إلي ما غرب إليه، والأصح: أنه يستأنف المدة، وقيل: يبني.

قال: (فما فوقها)؛ لعموم ما تقدم، هذا إذا رآه الإمام؛ لأن عمر غرب إلي الشام، وعثمان إلي مصر، وعلي إلي البصرة.

وقال المتولي: إن كان علي مسافة القصر موضع صالح .. لم يجز أن يغربه إلي ما فوقه، والصحيح: الجواز مطلقًا، وبه قطع الجمهور.

ص: 118

وَإِذَا عَيَّنَ الإِمَامُ جِهَةً .. فَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ غَيْرِهَا فِي الأَصَحِّ، وَيُغَرَّبُ غَرِيبٌ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا إلَي غَيْرِ بَلَدِهِ،

ــ

قال: (وإذا عين الإمام جهة .. فليس له طلب غيرها في الأصح)؛ لأن الحاكم يقيمه علي الزاني كرهًا فكان المراعي فيه رأي الإمام، ولأن ذلك أليق بالزجر والتأديب.

والثاني – ورجحه الإمام-: له ذلك؛ لأن المقصود إيحاشه بالبعد عن الوطن بقدر كرحلتين، وهما كالوجهتين فيما إذا عينت المرأة كفءً والولي غيره، وقد تقدم: أن الأصح: إجابة الولي المجبر، فهو كالمرجح هنا.

قال البغوي: ولا يرسله الإمام إرسالًا، بل يغربه إلي بلد معين.

وإذا غرب إلي بلد معين .. فهل يمنع من الانتقال إلي بلد آخر؟ وجهان: أصحهما: لا، وبه قطع المتولي، واختاره الإمام، وصحح الروياني الجواز، ولا يعتقل في الموضوع الذي غرب إليه، لكن يحفظ بالمراقبة والتوكيل به حتي يكون كالحبس له.

فإن احتيج إلي الاعتقال خوفًا من رجوعه .. اعتقل، وكذلك إذا خيف من تعرضه للنساء وإفسادهن .. يحبس؛ كفًا عن الفساد.

قال: (ويغرب غريب من بلد الزنا إلي غير بلده)؛ تنكيلًا وإبعادًا له عن موضع الفاحشة.

كل هذا في غريب له وطن، فإن لم يكن له وطن كما إذا هاجر الحربي إلي دار الإسلام ولم يتوطن في بلد .. فقال المتولي: يتوقف الإمام إلي أن يستوطن في بلد ثم يغربه.

وقال القاضي: يغرب من المكان الذي قصده، وهو أفقه، وأيده ابن الرفعة بأن المسافر إذا زني في الطريق .. يغرب إلي غير مقصده.

وإن انقضت المدة .. فله الرجوع إلي وطنه عند الأكثرين.

وقال الماوردي: هذا إذا لم يعين له الإمام موضعًا، فإنه عينه .. لم يجز له الرجوع منه الإ بإذنه، فإن رجع بغير إذنه .. عزر، كما لو خرج من حبسه.

ص: 119

فَإِنْ عَادَ إلَي بَلَدِهِ .. مُنِعَ فِي الأَصَحِّ. وَلَا تُغَرَّبُ امْرَأَةٌ وَحْدَهَا فِي الأَصَحِّ، بَلْ مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ

ــ

فروع:

لا يمكن المغرب أن يحمل معه أهله وعشيرته، وله أن يحمل معه جارية يتسري بها وما يحتاجه للنفقة لنفسه ولمن يخدمه وهو يشعر بأنه ليس له أخذ ما زاد علي ذلك.

وقال الماوردي والروياني: له حمل ما يتجر فيه.

ولو كان عليه دين .. هل يغرب قبل أدائه أو يؤخر حتي يوفيه؟ وكذلك لو أفلس وحجر عليه أو كان مستأجرًا لعين؟ الظاهر في الجميع: أنه لا يؤخر لأجل ذلك؛ لأن الرافعي قال في المعتدة عن الوفاة: إذا زنت .. تغرب ولا تؤخر لانقضاء العدة.

وقد تعرض الدرامي لمسألة المستأجر بالنسبة إلي العبد المؤجر، فإن قلنا: يغرب .. فللمستأجر الصبر أو الفسخ.

وقيل: لا يغرب حتي تنقضي المدة.

وقال ابن كج: نفقته الزائدة علي مؤنة الحضر في بيت المال.

والصواب في زوائد (الروضة) أن الجميع في ماله.

قال: (فإن عاد إلي بلده .. منع في الأصح)؛ معاملة له بنقيض قصده، وتعبيره بـ (الأصح) يقتضي: أن الخلاف وجهان، وليس كذلك، بل يقابله احتمال للغزالي: أنه لا يتعرض له.

قال: (ولا تغرب امرأة وحدها في الأصح، بل مع زوج أو محرم)؛ لما تقدم من قوله صلي الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ليلة الإ مع ذي محرم).

ولأن القصد تأديبها وإذا خرجت وحدها .. هتكت جلباب الحياء.

والثاني: تغرب وحدها؛ لأنه سفر واجب فأشبه سفر الهجرة، كذا أطلق الخلاف جماعة، وخصه الإمام والغزالي بأمن الطريق، والإ .. امتنع سفرها وحدها جزمًا.

ص: 120

وَلَوْ بِأُجْرَةٍ، فَإِنِ امْتَنَعَ بِأُجْرَةٍ .. لَمْ يُجْبَرْ فِي الأَصَحِّ. وَالْعَبْدِ: خَمْسُونَ،

ــ

وفي الاكتفاء بالنسوة الثقات عند أمن الطريق وجهان: أصحهما: أنهن كالمحرم، وربما اكتفي بعضهم بواحدة ثقة، وشرط بعضهم: أن يكون معها زوج أو محرم.

وينبغي أن يلحق الأمرد الحسن بالمرأة؛ في أنه لا يغرب الإ بمحرم علي الأصح.

قال: (ولو بأجرة)؛ لأنها من تتمات ما يجب عليها، والأصح: أنها في مالها، وقيل: من بيت المال.

قال: (فإن امتنع بأجرة .. لم يجبر في الأصح) كما في الحج، ولأنه تعذيب من لم يذنب بذنب غيره.

والثاني: يجبر؛ للحاجة إلي إقامة الواجب، وهو رأي ابن سريج.

فعلي هذا: إذا كان لها محرمان أو محرم وزوج .. فمن يقدم منهما؟

قال الرافعي: لم يتعرضوا له.

وقال في (الروضة) الأرجح: يقدم الإمام باجتهاده من شاء منهما.

قال: (والعبد: خمسون؛ لقوله تعالي: (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَاب) والقتل لا يتنصف فتعين أن يكون في الجلد.

وروي مال [2/ 827] وأحمد [1/ 104] عن علي: أنه أتي بعبد وأنه زنيا، فجلدهما خمسين خمسين.

ولا فرق في ذلك بين الذكر والأنثى بجامع الرق، لكن هل يعتبر معها ما يعتبر في الحرة من خروج محرم؟ الأشبه: نعم؛ لعموم الحديث.

وسواء القن والمكاتب وأم الولد، وفي المبعض ثلاثة أوجه:

أصحها: أنه ككامل الرق، كما في النكاح والطلاق والعدة.

والثاني: أن الحد يقسط علي ما فيه من الحرية والرق، فيكون علي حد النصف ثلاثة أرباع الحد، وقياسه: أن يغرب تسعة أشهر، وألزم قائله بجواز أن ينكح ثلاث نسوة.

ص: 121

وَيُغَرَّبُ نِصْفَ سَنَةٍ، وَفِي قَوْلٍ: سَنَةً، وَفِي قَوْلٍ: لَا يُغَرَّبُ. وَيَثْبُتُ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إِقْرَارٍ

ــ

الثالث: إن كان بينهما مهايًا فزني في نوبته .. فكحر، والإ .. فكعبد.

قال: (ويغرب نصف سنة)؛ لأنها تتنصف، فأشبهت الجلد.

وروي البيهقي [8/ 243] وأبو عمر: أن أمة لابن عمر زنت فجلدها وغربها إلي فدك.

قال الشافعي: أستخير الله تعالي في نفيه نصف سنة.

قال: (وفي قول: سنة)؛ لأن ما لا يتعلق بالطبع لا يفترق فيه الحال بين الحر والعبد كمدة العنة والإيلاء.

قال: (وفي قول: لا يغرب)؛ لأن في ذلك تفويتًا لحق السيد، وادعي القاضي أبو الطيب: أنه الأظهر، وبه قال مالك وأحمد؛ لقوله صلي الله عليه وسلم:(إذا زنت امة أحدكم .. فليجلدها، ثم إن زنت .. فليجلدها)، ولم يذكر التغريب، ولأن العبد لا أهل له في موضع غالبًا فلا يستوحش بالتغريب.

والجواب: أنه إذا ألف موضعًا شق عليه فراقه ولا يبالي بحق السيد في العقوبات، كما يقتل بالردة وتقطع يده إذا سرق.

قال: (ويثبت بينة)؛ لقوله تعالي: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَاتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} .

قال: (أو إقرار)؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم رجم ماعزًا والغامدية بإقرارهما، وقال:(اغد يا أنس إلي امرأة هذا، فإن اعترفت .. فارجمها).

ص: 122

مَرَّةً، وَلَوْ أَقَرَّ ثُمَّ رَجَعَ .. سَقَطَ،

ــ

ثم هل يشترط في الإقرار به التفسير كالشهادة به أو لا كالقذف؛ فإنه لو قال: زنيت .. كان قاذفًا؟ فيه وجهان: قال في زوائد (الروضة) هنا: الاشتراط أقوي، ويستأنس له بحديث ماعز، وصححه في (أصلها) في (كتاب السرقة)، وساء شهدوا بالزنا في مجلس أو مجالس متفرقة.

ولو شهدوا ثم غابوا وماتوا .. فللحاكم أن يحكم بشهادتهم ويقيم الحد.

وتقبل الشهادة بالزنا بعد تطاول الزمن.

قال: (مرة)؛ لأنه عليه الصلاة والسلام علق الرجم علي مجرد الإقرار في قوله: (فإن اعترفت .. فارجمها).

وإنما كرر ذلك علي ماعز؛ لأنه عليه الصلاة والسلام شك في عقله ورشده، ولذلك سأل أهله: أبه جنون؟ أو كرر ذلك لعله يرجع، ووافقنا علي ذلك مالك.

واشترط أو حنيفة وأحمد: أن يقر أربع مرات في أربع مجالس.

وظاهر عبارة المصنف: أن القاضي لا يستوفيه إذا علمه، وهو الأصح كما بينه المصنف في (القضاء)، لكن السيد يستوفيه بعلمه؛ للنص.

وأنه لا يثبت باليمين المردودة فيما إذا قذف شخصًا بالزنا وطلب منه المقذوف حد القذف، فطلب يمينه علي انه ما زني، فرد عليه اليمين فحلف: أنه زان، وهو ما ذكره الرافعي في (الدعاوي)، وقياس ما ذكره المصنف من ثبوت السرقة باليمين المردودة: أن يكون الحكم كذلك هنا.

قال: (ولو أقر ثم رجع .. سقط)؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم عرض لماعز بالرجوع.

وكيفية الرجوع الصريح أن يقول: كذبت فيما أقررت به، أو رجعت عنه، وكذا: لم أزن علي الصحيح، أو كنت فأخذت، أو لمست فاعتقدت أن ذلك زنا.

وهل يستحب الرجوع؟ فيه وجهان: رجح في (الروضة) هنا: استحبابه، وخالف في (كتاب الشهادات)، ولا فرق بين أن يرجع قبل الشروع في إقامة الحد عليه أو بعده، فإن أقيم عليه بعض الحد .. سقط الباقي، وقد تقدم في (كتاب

ص: 123

وَلَوْ قَالَ: لَا تَحُدُّونِي أَوْ هَرَبَ .. فَلَا فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنَاهَا وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ: أَنَّهَا عَذْرَاءُ .. لمَ ْتُحَدَّ هِيَ وَلَا قَاذِفُهَا،

ــ

اللعان) أن المقذوف إذا أقر بالزنا فسقط عن قاذفه الحد ثم رجع .. لا يكون رجوعه مقتضيًا لثبوت الحد علي قاذفه وإن أسقطه عن نفسه، والرجوع عن الإقرار بشرب الخمر كالرجوع عن الإقرار بالزنا.

وفي الرجوع عن الإقرار بالسرقة خلاف يأتي في موضعه.

ولو قامت البينة بما يوجب حد الله تعالي فأقر به .. هل يعتمد علي البينة أو الإقرار؟ فيه وجهان.

فعلي الأول: لو رجع عن الإقرار .. لم يسقط الحد.

وعلي الثاني: يسقط سواء تقدم الإقرار أم تأخر.

وقال الماوردي: الأصح عندي: أن الإقرار إن تقدم .. كان وجوب الحد به ويسقط بالرجوع عنه، وإن تقدمت البينة .. كان وجوبه بها فلا يسقط بالرجوع.

قال: (ولو قال: لا تحدوني أو هرب .. فلا في الأصح)؛ لأنه قد صرح بالإقرار ولم يصرح بالرجوع، لكنه يخلي ولا يتبع، فلو اتبع فرجم .. فلا ضمان؛ لأنه صلي الله عليه وسلم لم يوجب عليهم في إتباع ماعز شيئًا.

والثاني/ يسقط/ لإشعاره بالرجوع، وجعل الماوردي قوله:(لا حد علي) رجوعًا وفيه احتمال.

قال: (ولو شهد أربعة بزناها وأربع نسوة: أنها عذراء .. لم تحد هي ولا قاذفها)

لما فرغ من مسقط الإقرار .. شرع في مسقط البينة، وذلك بأمور: منها: التدافع، والكلام في عدد شهود الزنا ورجوعهم مذكور في (كتاب الشهادات).

فإذا شهد أربع علي امرأة بالزنا وشهد أربع نسوة: أنها عذراء .. فلا حد للشبهة؛ لأن الظاهر من حال العذراء: أنها ما أصيبت، والحد يدرأ بالشبهات، ولا يحد قاذفها؛ لقيام الشهادة علي الزنا واحتمال لأن العذرة زالت ثم عادت لترك المبالغة في الافتضاض، ولذلك لا يجب حد القذف علي الشهود.

ولو أقامت هي أربعة علي أنه أكرهها علي الزنا وطلبت المهر وشهد أربع نسوة علي

ص: 124

وَلَوْ عَيَّنَ شَاهِدٌ زَاوِيَةً لِزِنَاهُ وَالْبَاقُونَ غَيْرَهَا .. لمَ ْيَثْبُتْ. وَيَسْتَوْفِيهِ الإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ مِنْ حُرِّ وَمُبَعَّضٍ،

ــ

أنها عذراء .. فلا حد عليه للشبهة، وعليه المهر؛ لأنه يثبت مع الشبهة، ولا يجب عليها حد القذف بشهادة الشهود.

ولو شهد أربعة علي امرأة بالزنا وشهد ربع نسوة: أنها رتقاء .. فليس عليها حد الزنا، ولا عليهم حد القذف؛ لأنهم رموا بالزنا من لا يأتي من الزنا.

و (العذراء) بالذال المعجمة: البكر/ الجمع: العذاري والعذراوات، سميت بذلك؛ لتعذر جماعها وصعوبته.

وقوله: (وأربع نسوة: أنها عذراء) لا ينحصر في ذلك، فلو شهد به رجلان ..

كان الحكم كذلك، وإنما ألحق المصنف (الهاء) في شهود الزنا وحذفها في شهود العذرة؛ للتنبيه علي ذكورة الأولين وأنوثة الآخرين.

قال: (ولو عين شاهد زاوية لزناه والباقون غيرها .. لم يثبت) هذا الاختلاف في المكان، وهو مانع من ثبوت الحد بالنسبة إلي الرجل والمرأة؛ لأن نصاب الشهادة لم يتفق علي صفة واحدة، فأشبه ما إذا قال بعضهم: زني بالغداة، وقال بعضهم: بالعشي.

وقال أبو حنيفة: لا تسقط الشهادة بذلك؛ لاحتمال أن يطأها في زوايا، وفي زمنين مختلفين.

وفي وجوب حد القذف عليهم خلاف سيأتي، لأنه لم يتم عددهم.

قال: (ويستوفيه الإمام أو نائبه)؛ لأنه يحتاج إلي نظر واجتهاد، ولم يقم حد في زمن النبي صلي الله عليه وسلم وخلفائه الإ بإذنهم، وكذا سائر الحدود.

وفي (تتمة التتمة) قول غريب عن رواية القفال: أن لغير الإمام استيفاؤه حسبة كالأمر بالمعروف، وأيضًا فقد قال الله تعالي:{فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ} وهذا الخطاب عام.

قال: (من حر ومبعض)، أما الحر .. فلما ذكرناه، وأما المبعض .. فلأنه لا ولاية عليه للسيد، كذا به الشيخان.

ص: 125

وَيُسْتَحَبُّ حُضُورُ الإِمَامِ وَشُهُودُهُ. وَيَحُدُّ الرَّقِيقَ سَيِّدُهُ

ــ

وفيه وجه حكاه الإمام عن الصيدلاني: أنه كالمدبر، قال: وهو خطأ.

قال: (ويستحب حضور الإمام وشهوده) أي: شهود الزنا؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم أمر برجم ماعز والغامدية ولم يحضرهما، وقياسًا علي الجلد.

ويستحب أن يستوفي بحضرة جماعة أقلهم أربعة؛ لقوله تعالي: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} .

وقال أحمد: يكفي حضور واحد، وقال عطاء اثنان، وقال الزهري: ثلاثة، وقال الحسن: عشرة، وقال ربيعة: خمسة.

والمستحب أن يبدأ الإمام بالرجم إن ثبت بالإقرار، وإن ثبت بالبينة .. فالمستحب أن يبدأ الشهود.

قال: (ويحد الرقيق سيده) أي: الجامع لشروط الولاية العالم بقدر الحدود وكيفيتها وإن لم يأذن الإمام؛ لقوله صلي الله عليه وسلم: (إذا زنت أمة أحدكم .. فليجلدها).

وفي (سنن أبي داوود)[4468] و (النسائي)[سك 7201]: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: (أقيموا الحدود علي ما ملكت أيمانكم)، وله أن يفوض ذلك إلي غيره.

خرج ابن القاص قولًا في العبد بالمنع إلحاقًا له بالإجبار علي النكاح والمشهور: الأول.

وحكي في (التنبيه) وجهًا: أنه إن ثبت بالبينة .. لم يجز للسيد إقامته، وهو غريب.

وإنما الخلاف في أنه هل يسمع البينة؟ ولهذا حمله المصنف في (نكته) علي ما إذا ثبت بالبينة عند السيد، قال: فإن ثبت عند الحاكم .. جاز للسيد استيفاؤه قطعًا.

ص: 126

أَوِ الإِمَامُ، فَإِنْ تَنَازَعَا .. فَالأَصَحُّ: الإمَامُ، وَأَنَّ السَّيِّدَ يُغَرِّبُهُ،

ــ

قال الشيخ عز الدين في (القواعد) وإنما يقيم السيد الحد ويعزر إذا لم يكن بينهما عداوة ظاهرة.

ويستحب للسيد أن يبيع الأمة إذا زنت ثالثة، ويجب عليه أن يبين ذلك لمشتريها.

قال: (أو الإمام)؛ لعموم ولايته، فأيهما فعل .. وقع الموقع.

وقال القاضي حسين في (أسرار الفقه) الأولي اجتماعهما كما في الشريكين.

وهل الأولي أن يقيمه السيد لأنه أستر أو يفوضه إلي الإمام خروجًا من الخلاف؟ فيه وجهان: أصحهما عند المصنف: الأول.

قال: (فإن تنازعا .. فالأصح: الإمام)؛ لعموم ولايته.

والثاني: السيد؛ لغرض استصلاح الملك.

والثالث: إن كان جلدًا .. فالسيد، وغن كان قتلًا أو قطعًا .. فالإمام، وهذه احتمالات للإمام.

وتعبير المصنف بـ (الأصح) يقتضي: أنها أوجه للأصحاب، وليس كذلك.

فإن كان العبد مشتركًا .. أقام عليه الحد ملاكه، وتوزع السياط بحسب الملك، فإن حصل كسر .. فوض إلي أحدهم.

ويستثني من إطلاق المصنف: ما لو زنا ذمي ثم نقض العهد ثن استرق؛ فغن الحد في هذه الحالة يقيمه عليه الإمام لا السيد؛ لأنه لم يكن مملوكًا يومئذ، كذا قاله الرافعي، لكنه قال بعده: لو زنا عبد فباعه سيده .. فإقامة الحد عليه للمشتري؛ اعتبارًا بحالة الاستيفاء.

وقياسه لو سرق ثم عتق: أن يكون الاستيفاء للإمام لا للسيد.

قال: (وأن السيد يغربه) كما يجلده؛ لأنه بعض الحد.

والثاني: لا؛ لأنه صلي الله عليه وسلم قال: (فليجلدها) ولم يقل: فليغربها.

والجواب: أن ذلك مسكوت عنه، وقد غرب عمر أمة إلي فدك كما تقدم.

ومؤنة تغريبه في بيت المال، فإن فقد .. فعلي السيد، وعليه نفقته في زمن

ص: 127

وَأَنَّ الْمُكَاتَبَ كَحُرِّ، وَأَنَّ الكَافِرَ والْفَاسِقَ وَالمُكَاتَبَ يَحُدُّونَ عَبِيدَهُمْ، وَأَنَّ السَّيِّدَ يُعَزِّرُ

ــ

التغريب، وقيل: في بيت المال.

وقال الدرامي: إن نفاه الإمام .. فالنفقة في بيت المال، وإن نفاه السيد .. فعليه.

قال: (وأن المكاتب كحر)؛ لخروجه عن قبضة السيد، فلا يقيم الحد عليه الإ الإمام.

والثاني: كالقن؛ لأنه عبد ما بقي عليه درهم.

هذا في الكتابة الصحيحة، أما الفاسدة .. فكالقن.

قال: (وأن الكافر والفاسق والمكاتب يحدون عبيدهم)؛ لعموم: (أقيموا الحدود علي ما ملكت أيمانكم)، وهذا ينظر إلي استصلاح الملك، وهو الأصح.

والثاني: لا؛ نظرًا إلي معني الولاية، وهذا هو المنصوص الراجح في (المهمات).

وموضع الخلاف: إذا كان عبد الكافر كافرًا، فإن كان مسلمًا .. فليس له إقامة الحد عليه بحال.

قال: (وأن السيد يعزر)، كما أن له التأديب لحق نفسه.

والثاني: لا؛ لأنه غير مضبوط فيحتاج إلي نظر واجتهاد فاختص بالإمام.

والخلاف في حقوق الله تعالي، أما حقوق نفسه .. فيستوفيها قطعًا، ويلتحق به حق غيره من الآدميين.

ولو أقر عبده بموجب حد .. أقامه عليه، فلو كان السيد امرأة .. فهل تقيم هي الحد أو السلطان أو وليها؟ أوجه: أصحها: أولها؛ لأنه استصلاح، وقد روي مالك

ص: 128

[وَيَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ بِالْعُقُوبَةِ]

ــ

والشافعي [1/ 362] والبيهقي [8/ 245]: أن فاطمة جلدت أمة لها زنت، وعائشة قطعت يد جارية لها سرقت، وحفصة قتلت جارية لها سحرتها. وهل تقيمه بنفسها أو تأمر رجلًا؟ فيه وجهان، وهو نظير ما إذا ثبت لها القصاص مع جماعة .. هل تدخل في القرعة أو لا؟ كما تقدم.

وفي (كتاب ابن كج) أن السيد ل يحد عبيد مكاتبه وإن قلنا: يحد المكاتب؛ لأنه لا تصرف له فيهم.

وهل يقيم الأب والجد وولي الطفل الحد علي رقيق الطفل؟ وجهان.

قال الرافعي: يشبه أن يقال: إن قلنا: الحد لاستصلاح الملك .. أقاموا، وإن قلنا: للولاية .. فلا.

وللسيد جلد رقيقه في القذف والشرب، وسيأتي في آخر الباب الآتي حكم العبد إذا قذف زوجته المملوكة، وأن الأصح: أن السيد يلاعن بينهما.

[قال: (ويسمع البينة بالعقوبة)].

ص: 129

وَالرِّجْمُ بِمَدَرٍ وَحِجَارَةٍ مُعْتَدِلَةٍ، وَلَا يُحْفَرُ لِرَجُلٍ، وَالأَصَحُّ: اسْتِحْبَابُهُ لِلْمَرْأَةِ إِنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةً،

ــ

قال: (والرجم بمدر) وهو الطين المستحجر، ففي (صحيح مسلم) [1694] في قصة ماعز:(ورميناه بالعظام والمدر).

قال: (وحجارة معتدلة)، فلا يكون بصخر مذقف ولا بحصيات خفيفة يطول بها التعذيب، بل يحيط الناس له ويرمونه من جوانبه، قال الماوردي.

والاختيار: أن الحجر ملء الكف، وأن يكون موقف الرامي بحيث لا يبعد عنه فيخطئه ولا يقرب منه فيؤذيه، ويختار أن يتوقي الوجه، فلو قتل بالسيف .. وقع الموقع.

قال: (ولا يحفر لرجل) سواء ثبت زناه ببينة أو إقرار، كذا جزم به الشيخان وفيه نظر، ففي (صحيح مسلم) من حديث بريدة: أنه لما أقر ماعز الرابعة .. حفر له حفرة ثم أمر به فرجم.

وفي (مسند أحمد) أنه حفر له إلي الصدر، لأن الرجم فيها أسهل، وقد أمر النبي صلي الله عليه وسلم بإحسان القتلة.

والجواب: أن في (صحيح مسلم) عن أبي سعيد: (ما حفزنا له)، ولأجل هذا مال المصنف في (شرح مسلم) إلي التخيير مطلقًا، وفيه نظر؛ لأن الواقعة واحدة فتعين الترجيح، وقد تظاهرت الأحاديث علي أنه هرب واتبعوه، وأنه عليه الصلاة والسلام قال:(هلا تركتموه) وهذا يرجح: أنه لم يحفر له.

وفي (الأحكام السلطانية) و (التنبيه) أنه إن ثبت زناه بالبينة .. حفر له إلي وسطه، أو بإقراره .. فلا.

قال: (والأصح: استحبابه للمرأة إن ثبت ببينة)؛ سترًا لها، ولأن الظاهر من الشهود عدم الرجوع، وإن كان بالإقرار .. فلا؛ لأنه ربما عنَ لها فرجعت فهربت،

ص: 130

وَلَا يُؤَخَّرُ لِمَرَضٍ وَحَرِّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ، وَقِيلَ: يُؤَخَّرُ إِنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ. وَيُؤَخَّرُ الجَلْدُ لِمَرَضٍ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ بُرْؤُهُ .. جُلِدَ لَا بِسَوْطٍ، بَلْ بِعِثْكَالٍ عَلَيْهِ مِئَةُ غُصْنٍ،

ــ

ولا تتمكن من ذلك إذا كانت في حفرة.

والثاني: يحفر لها مطلقًا؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم حفر للغامدية وكانت مقرة.

والثالث: أنه راجع إلي خيرة الإمام؛ إن شاء .. حفر، وإن شاء .. ترك؛ لأنه عليه الصلاة والسلام حفر للغامدية دون الجهنية وهما مقرتان.

قال: (ولا يؤخر لمرض وحر وبرد مفرطين)؛ لأن نفسه مستوفاة فلا فرق بينه وبين الصحيح.

قال: (وقيل: يؤخر إن ثبت بإقرار)؛ لاحتمال الرجوع، ومنهم من عكس ذلك، ومنهم من قال: يؤخر مطلقًا، لكن تستثني صورتان:

إحداهما: الحامل؛ فإنها تؤخر إلي الوضع وانقضاء مدة الفطام كما تقدم في استيفاء القصاص، سواء كان الحمل من زنًا أو محترمًا، والمصنف استغني بذكر المسألة هناك عن ذكرها هنا.

والثانية: إذا أقر بالزنا ثم جن .. فإنه لا يحد حال جنونه؛ لأنه قد يرجع، بخلاف ما إذا ثبت زناه بالبينة ثم جن، قاله الرافعي في (باب الردة).

قال: (ويؤخر الجلد لمرض) هذا إذا رجي برؤه منه كالحمى والصداع وما يزول عادة؛ لأن المقصود الردع دون القتل.

وقيل: لا يؤخر بل يضرب بما يحمله؛ مبادرة لإقامة حدود الله تعالي.

قال: (فإن لم يرج برؤه .. جلد لا بسوط، بل بعثكال عليه مئة غصن)؛ لما روي الشافعي [1/ 362] عن سهل بن حنيف: (أن رجلًا مقعدًا زني بامرأة فأمر النبي صلي الله عليه وسلم أن يجلد بأثكال النخل).

وفي (سنن أبي داوود)[4467] عن أب أمامة: أن بعض الأنصار أخبره: أنه اشتكي منهم رجل أضني فعاد جلده علي عظمه، فدخلت عليه جارية لبعضهم، فهش لها فوقع عليها، فأمر النبي صلي الله عليه وسلم أن يأخذوا له مئة شمراخ فليضربوه بها ضربة واحدة.

ص: 131

وَإِنْ كَانَ خَمْسُونَ ضُرِبَ ضَرْبَتَيْنِ، وَتَمَسُّهُ الأَغْصَانُ أَوْ يَنْكَبِسُ بَعْضُهَا عَلَي بَعْضٍ لِيَنَالَهُ بَعْضُ الأَلَمِ، فَإِنْ بَرِئَ .. أَجْزَأَهُ. وَلَا جَلْدَ فِي حَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ،

ــ

قال: (وإن كان خمسون .. ضرب ضربتين)؛ ليحمل المئة، وعلي هذا القياس: لا يتعين العثكال بل النعال وأطراف الثياب كذلك.

و (العثكال) بكسر العين المهملة وفتحها، حكاهما ابن سيده، وبإسكان الثاء المثلثة، ويقال فيه: عثكول بضم العين وأثكال بإبدالها همزة مضمومة ومكسورة، وهو: الذي يكون فيه الرطب بمنزلة العنقود للعنب.

قال: (وتمسه الأغصان أو ينكبس بعضها علي بعض ليناله بعض الألم)، وهذا القدر الذي يسمي ضربًا، والإ .. لبطلت حكمة الحد، فلا يكفي الوضع، وهذا بخلاف الأيمان حيث اكتفي فيها بالضرب الذي لا يؤلم؛ لأن الأيمان مبناها علي العرف، والحدود علي الزجر وهو لا يحصل الإ بالإيلام.

وفي (النهاية) وجه: أنه لا يشترط الإيلام، وهو ضعيف، فإن شك في الإصابة .. لم يكف.

قال: (فإن برئ) أي: بعدما ضربناه) .. أجزأه)، بخلاف المعضوب إذا حج عنه ثم شفي؛ لأن الحد مبني علي الدرء.

فإن برئ قبل ذلك .. حد لا محالة.

قال: (ولا جلد في حر وبرد مفرطين) بل يؤخر إلي اعتدال الوقت؛ خشية الإهلاك، وكذلك القطع في السرقة، بخلاف القصاص.

فلو كان في بلد لا يزول عنه الحر أو البرد .. قال الماوردي: لا نؤخر حده ولا ننقله إلي بلد معتدل، لكن نقابل إفراط الحر أو البرد بتخفيف الضرب؛ حتي يسلم فيه من الهلاك.

فرع:

قطع السرقة يؤخر إلي البرء، فإن كان لا يرجي زوال مرضه .. قطع علي الصحيح؛ لئلا يفوت الحد.

ص: 132

وَإِذَا جَلَدَ الإِمَام فِي حَرٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ مَرَضٍ .. فَلَا ضَمَانَ عَلَى النَّص فَيَقْتَضِي أَنَّ التَّاخِير مُسْتَحَبْ

ــ

ولو وجب حد القذف علي مريض .. قال ابن كج: يقال للمستحق: اصبر إلي البرء أو اقتصر علي العثكال.

وفي (التهذيب) يجلد بالسوط سواء رجي برؤه أم لا؛ لأن حقوق الآدميين مبنية علي الضيق.

وحد الشرب كحد الزنا.

قال: (وإذا جلد الإمام في حر أو برد أو مرض .. فلا ضمان علي النص)؛ لن التلف حصل من واجب عليه، هذا هو المنصوص هنا، ونص فيما إذا ختن أقلف في شدة الحر أو البرد فهلك: أنه يضمن، والأصح/ تقريرهما.

والفرق أن الجلد ثبت بالنص والختان بالاجتهاد، وإذا ضمن .. فهل يضمن الكل أو البعض؟ فيه وجهان: أصحهما: ضمان النصف.

واقتصاره علي الضمان في الحر والبرد والمرض يشعر بوجوبه إذا كان الزاني نضو الخلق لا يحتمل السياط فحده بها فمات، وهو كذلك؛ لأن حد مثله بالعثكال لا بالسياط، وهو الذي يفهمه كلام الرافعي، لكن حكي في (الكفاية) في (باب حد الخمر) عن القاضي أبي الطيب: أنه نقل عن النص: أنه لا ضمان في هذه الصورة، وهو مشكل.

قال: (فيقتضي أن التأخير مستحب) هو كما قال، لكن قال في) الروضة)

المذهب: وجوبه، وبالاستحباب جزم في (الوجيز).

وإذا فرعنا علي وجوب الضمان .. فالأصح: وجوب التأخير مطلقًا.

تتمة:

قال الماوردي: يندب أن يعرض علي المرجوم التوبة قبل رجمه، وإن حضر صلاة .. أمر بها، وإن تطوع بصلاة .. مكن من ركعتين، وإن استسقي ماء .. أسقي، وإن استطعم .. لم يطعم؛ لأن الشرب لعطش سابق والأكل لشبع مستقبل.

ص: 133

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولا يربط ولا يقيد؛ ليتقي بيديه.

ومن قتل حدًا بالرجم وغيره .. يغسل ويكفن ويصلي عليه ويدفن في مقابر المسلمين.

* * *

خاتمة

يستحب لمن ارتكب كبيرة توجب حدًا لله تعالي أن يستر علي نفسه ولا يقر به علي المذهب؛ فقد صح الأمر بذلك كما أخرجه الحاكم من حديث ابن عمر وصححه [4/ 244].

واتفقوا علي أنه لا يجب عليه إظهاره ليحد؛ بخلاف ما إذا قذف أو قتل؛ فإنه يجب عليه الإقرار، وقال البغوي: يستحب.

وفي استحباب كتم الشهادة في حدود الله تعالي وجهان:

قال الرافعي: أصحهما: لا؛ لئلا تتعطل الحدود.

وصحح المصنف: أن الشاهد إذا رأي المصلحة في الشهادة .. شهد، وإن رآها في الستر .. ستر، وجزم الرافعي والمصنف في (الشهادات) بأن الأفضل الستر مطلقًا.

* * *

ص: 134

كتاب حد القذف

ص: 135