الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الصِّيَالِ وَضَمَانِ الوِلَاةِ
لَهُ دَفْعُ كُلِّ صَائِلٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ طِرِفٍ أَوْ بُضْعٍ أَوْ مَالٍ،
ــ
كتاب الصيال وضمان الولاة
الصيال والمصاولة: المواثبة، والصائل: الظالم.
والمصنف رحمه الله أدرج في الباب حكم الختان وإتلاف البهائم، وعقد في (الروضة) لإتلاف البهائم بابًا، وذكر حكم الختان في (باب ضمان إتلاف الإمام)، وافتتحه في (المحرر) بقوله صلى الله عليه وسلم:(انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا) وهو في (البخاري)[2443] عن أنس، واستؤنش له أيضًا بقوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} .
قال: (له دفع كل صائل)، سواء كان الصائل كافرًا أو مسلمًا، قريبًا أو أجنبيًا، حرًا أو عبدًا، فيجوز للمصول عليه دفعه.
قال: (على نفس أو طرف أو بُضع أو مال)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من قتل دون دينه .. فهو شهيد، ومن قتل دون دمه .. فهو شهيد، ومن قتل دون ماله .. فهو شهيد، ومن قتل دون أهله .. فهو شهيد) رواه أبو داوود [4739] وصححه الترمذي [1421]، وفي (الصحيحين)[خ 2480 - م 141] ذكر المال فقط).
وجه الدلالة: أنه لما جعله شهيدًا دل على أن له القتل والقتال، ومحل ذلك: إذا لم يجد ملجأ كحصن ونحوه، فلو استطاع الهرب .. وجب عليه كما سيأتي؛ لأنه نوع من الدفع، والدفع عن البضع أولى من الدفع عن المال؛ لأنه لا يباح بالإباحة، وفي معناه من قصد الاستمتاع بأهله فيما دون الفرج.
وألحق الروياني الأخت والبنت بالزوجة، وقال: يلزمه الدفع عن الثلاثة.
فَإِنْ قَتَلَهُ .. فَلَا ضَمَانَ،
ــ
ولا فرق في المال بين القليل والكثير؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (حرمة مال المسلم كحرمة دمه))، وكان الشيخ زين الدين الكتناني يستشكل: أنهم لم يفرقوا بين المال القليل والكثير، ويقول: كيف يكون المقدر في السرقة بربع دينار وما فيه سوى قطع الطرف، والدفع قد يؤدي إلى هلاك النفس والمال فيه قليل.
ولا فرق على المذهب بين أن يكون ملكًا له أو لأجنبي، حتى لو رأى إنسانًا يتلف مال نفسه دفعه عنه، بل يجب على أصح، أو رأه يشرخ رأس حماره.
فروع:
سئل ابن تيمية عن جند قاتلوا عربًا نهبوا أموال تجار ليردوه إليهم؟ فقال: هم مجاهدون في سبيل الله، ولا ضمان عليهم بقود ولا دية ولا كفارة.
ولو صال قوم على النفس والبضع والمال .. قدم الدفع عن النفس على الدفع عن البضع والمال، والدفع عن البضع على المال، والمال الخطير على الحقير، قال الشيخ عز الدين: إلا أن يكون صاحب الحقير لا مال له غيره .. ففيه نظر.
ولو صال اثنان على متساويين في نفسين أو بضعين أو مالين ولم يتيسر دفعهما معًا .. دفع أيهما شاء.
ولو صال أحدهما على صبي باللواط والآخر على امرأة بالزنا .. فيحتمل أن يبدأ بصاحب الزنا للإجماع على وجوب الحد فيه، ويحتمل أن يقدم الآخر؛ إذ ليس إلى حله سبيل، ولما فيه من إبطال شهامة الرجال.
قال: (فإن قتله) أي: دفعًا) .. فلا ضمان) بقود ولا دية ولا كفارة؛ لما روى مسلم] 140 [عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله؛ أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: (فلا تعطه) قال: إن
وَلَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ مَالٍ، وَيَجِبُ عَنْ بُضْعٍ،
ــ
قاتلني؟ قال: (فاقتله) قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: (أنت شهيد) قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: (هو في النار).
ولأنه مأمور بدفعه، وفي الأمر بالقتال والضمان منافاة، والمعنى فيه: أنه أبطل حرمة دمه بإقدامه.
فإن قيل: قال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث) وليس هذا منها .. فالجواب: أن المباح هنا ليس القتل بل الدفع، فإن أدى إلى القتل .. فهو سراية متولدة من فعل مباح من غير قصد إلى القتل، أو معنى الحديث: لا يحل قتله صبرًا.
فرع:
صالت حامل على إنسان فدفعها فألقت جنينها ميتًا .. فالأصح: لا يضمنه، كما لو تترس المشرك في القتال بمسلم واضطر المسلم إلى الرمي فقتله، ومن هذا يعلم أن دفع الحامل كدفع غيرها، ويشبه أن يخرج على تترس المشركين بالصبيان، وسيأتي نظيرها في الهرة الحامل أنا أتلفت طيرًا ونحوه.
قال: (ولا يجب الدفع عن مال) أي: لنفسه؛ فإنه تجوز إباحته للغير.
هذا في الجماد، أما الحيوان .. فالرقيق المعصوم كالحر، وكذا غيره من الحيوان كما قاله البغوي، فيجب الدفع عنه ما لم يخش على نفسه؛ لحرمة الروح.
قال: (ويجب عن بضع) لأنه لا سبيل إلى إباحته، وظاهر كلام الرافعي وغيره: أنه لا خلاف فيه، وشرط البغوي والمتولي للوجوب: أن لا يخاف على نفسه.
وفي (سنن البيهقي)[8/ 337]: أن امرأة خرجت تحتطب فتبعها رجل فراودها عن نفسها فرمته بفهر فقتلته، فرفع ذلك لعمر فقال:(فقيل الله، والله لا يودى هذا أبدًا) ولم يخالفه أحد، فكان إجماعًا.
وَكَذَا نَفْسٌ قَصَدَهَا أَوْ بَهِيمَةٌ، لَا مُسْلِمٌ فِي الأَظْهَرِ
ــ
قال: (وكذا نفس قصدها كافر)؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ، ولأنه إن كان مرتدًا أو حربيًا .. فلا حرمة له، وإن كان ذميًا .. فبالصيال بطلت حرمته، والاستلام للكافر ذل في الدين.
قال: (أو بهيمة)؛ لحقارتها، وهذا لا خلاف فيه، فيجب دفعها؛ لاستبقاء، المهجة.
قال: (لا مسلم في الأظهر)؛ لقوله تعالى: {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ} ، وهذا وإن كان شرع من قبلنا .. فقد ورد في شرعنا ما يقرره، وهو ما رواه أحمد [2/ 100] عن ابن عمر: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يمنع أحدكم أنا جاء شخص يقتله أن يكون مثل ابني آدم القاتل في النار والمقتول في الجنة).
وفي (الترمذي)[2194] و (أبي داوود)[4258]: (كن كخير ابني آدم)، وفيه:(كن عبد الله المقتول، ولا تكن القاتل)
قال ابن الصلاح: لم أجده في الكتب الخمسة وغيرها، والعجب من إمام الحرمين كيف قال: إنه صحيح، لكن صح: أن عثمان منع عبيده أن يدفعوا عنه وكانوا أربع مئة، وقال:(من ألقى سلاحه .. فهو حر).
وخالف المضطر؛ فإن في القتل شهادة بخلاف ترك الأكل.
والثاني: يجب كما يجب على المضطر. إحياء نفسه بالأكل.
وقال القاضي أبو الطيب: إنه المشهور الذي قال به سائر الأصحاب.
وأما ترك عثمان رضي الله عنه القتال .. فلأنه علم أن لا حياة له؛ لأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأخبره بذلك كما رواه أحمد في (مسنده)[1/ 72].
وأنا قلنا: لا يجب الدفع .. فهل تركه مباح أومندوب؟ فيه خلاف.
وَالدَّفْعُ عَنْ غَيْرِهِ كَهُوَ عَنْ نَفْسِهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ قَطْعًا
ــ
قال الإمام: ولا خلاف في استحباب الإيثار وإن أدى إلى هلاك المؤثر؛ فهو من شيم الصالحين، كما يؤثر المضطر مضطرًا آخر.
قال: (والدفع عن غيره كهو عن نفسه) ، فيجب حيث يجب، وينتفي حيث ينتفي، ففي (مسند أحمد) [3/ 487] عن سهل بن حُنيف: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أنلَّ عنده مسلم فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره .. أنلَّه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة). قال: (وقيل: يجب قطعًا)؛ لأن له الإيثار بحق نفسه دون غيره.
وفي المسألة طريقة ثالثة: أنه لا يجب قطعًا، ونسبها الإمام إلى معظم الأصوليين؛ لأن شهر السلاح مُحرِّك للفتن، وليس ذلك من شأن آحاد الناس، بل ذلك للأئمة.
وعلى ذلك: هل يحرم أو يجوز؟ فيه خلاف عنهم، وجزم في (الوجيز) بتحريمه. قال الإمام نصر: لا يختص الخلاف بالصائل، بل من أقدم على محرم من شرب خمر أو غيره .. فهل للآحاد منعه بما يجرح أو يأتي على النفس؟ فيه وجهان: قال الأصوليون: لا، والفقهاء: نعم، قال الرافعي: وهو الموجود في المذهب، حتى قالوا: له هجم البيت لإراقته وتفصيل الطنبور ويمنعهم، فإن أبوا .. قاتلهم، وإن أتى على أنفسهم .. فلا ضمان، ومحل القول بالوجوب: ما أنا لم يخف على نفسه، كما جزم به الرافعي هنا وإن اقتضى كلامه في (السير) خلافه.
وقوله: (كهو) كثيرًا ما يستعمله المصنف وغيره من الفقهاء، وهو قليل؛ فإن الكاف لا تجر الا الظاهر فقط، وجرها ضمير الغائب قليل، وقد تقدم هذا في) باب صلاة العيدين) وغيره.
تذنيب:
قال في (الإحياء) مهما قدر على حفظ مال غيره من الضياع من غير أن يناله تعب في بدنه أو خسران في ماله .. وجب عليه، وهو أقل درجات حقوق المسلم،
وَلَوْ سَقَطَتْ جَرَّةٌ وَلَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ إِلَّا بِكَسْرِهَا .. ضَمِنَهَا فِي الأَصَحِّ. وَيُدْفَعُ الصَّائِلُ بِالأَخَفِّ، فَإِنْ أَمْكَنَ بِكَلَامٍ أَوِ اسْتِغَاثَةٍ .. حَرُمَ الضَّرْبُ، أَوْ بِضَرْبٍ بِيَدٍ .. حَرُمَ بِسَوْطٍ .. حَرُمَ بِعَصَا، أَوْ بِقَطْعِ عُضْوٍ .. حَرُمَ قَتْلٌ،
ــ
ولا خلاف أن مال المسلم أنا كان يضيع بظلم ظالم أو كان عنده شهادة لو أداها لرجع الحق إليه .. وجب عليه ذلك وعصى بكتمانها.
وفي معنى ترك الشهادة: ترك كل دفع لا ضرر فيه على الدافع، فإن كان يتعب بإخراج البهائم عن الزرع .. لم يلزمه ذلك، وإن كان لا يتعب بتنبيه صاحب الزرع من نومه أو بإعلامه .. لزمه ذلك، وإن تشوش من ذلك .. لم يلزمه.
قال: (ولو سقطت جرة ولم تندفع عنه إلا بكسرها .. ضمنها في الأصح)؛ لأنه لا قصد لها ولا اختيار، بخلاف البهيمة.
والثاني: لا يضمنها كما لا يضمن البهيمة، ومثل الجرة لو حالت بهيمة بين جائع وطعامه ولم يصل إليه إلا بقتلها.
قال الرافعي: ويمكن أن يصحح هنا عدم الضمان كوطء المحُرِم جرادًا عمَّ المسالك، ولا يخفى أن المسألة مصورة بما أنا كانت موضوعة في غير محل عدوان، وإلا .. لم يضمن قطعًا، كما أنا رفعت بروشن ونحوه من المنحرفات، أو وضعها على معتدل مائلةً، أو على حالة يغلب عليها السقوط .. لم يضمنها الكاسر؛ لأن متلفها واضعها.
قال: (ويدفع الصائل بالأخف)؛ لقوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، والمراد: بحسب ما يقتضيه الحال؛ لأنه جوز للضرورة ولا ضرورة في الأصعب مع إمكان الأسهل.
قال: (فإن أمكن بكلام أو استغاثة .. حرم الضرب، أو بضرب بيد .. حرم بسوط، أو بسوط .. حرم بعصا، أو بقطع عضو .. حرم قتل)؛ لأنه محل ضرورة، فلو ضربه فولى هاربًا أو سقط فبطل صيالة فضربه ضربة أخرى .. فالثانية مضمونة بالقصاص وغيره، فإن مات منهما .. لم يجب قصاص النفس، ووجب نصف الدية؛ لأنه حصل من مضمون وغير مضمون، ولو عاد بعد الجراحتين إلى الصيال فضربه ثالثة
وَإِنْ أَمْكَنَ هَرَبٌ .. فَالْمَذْهَبُ: وُجُوبُهُ وَتَحْرِيمُ قِتَالٍ. وَلَوْ عُضَّتْ يَدُهُ .. خَلَّصَهَا بِالأَسْهَلِ مِنْ فَكِّ لَحْيَيْهِ وَضَرْبِ شِدْقَيْهِ، فَإِنْ عَجَزَ فَسَلَّهَا فَنَدَرَتْ أَسْنَانُهُ .. فَهَدَرٌ
ــ
فمات منها .. فعليه ثلث الدية.
ويستثنى من مراعاة التدريج: أنا رآه يولج في أجنبية؛ فله أن يبدأه بالقتل وإن اندفع بدونه، قاله الماوردي والروياني؛ فإنه في كل لحظة مواقع، فلو كان الصائل يندفع بالسوط والعصا ولم يجد الدافع إلا سيفًا أو سكينًا .. فالصحيح: أن له الضرب به، كما لو وجد الظافر غير جنس حقه.
قال: (وإن أمكن هرب .. فالمذهب: وجوبه وتحريم قتال)؛ لأنه ضرب من الدفع وهو مأمور بتخليص نفسه بالأسهل فالأسهل، والهرب أسهل الأمرين، ومثل الهرب الالتجاء إلى حصن أو قبة كما تقدم.
والثاني: له أن يثبت ويقاتل؛ بناء على وجوب الدفع.
والطريق الثاني: إن تيقن النجاة بهرب .. وجب، وإلا .. فلا؛ حملًا للنص على الحالين.
ومقتضى كلامه: أنه أنا قاتل مع إمكان الهرب .. لزمه القصاص أنا قتل، والذي صرح به البغوي لزوم الدية.
قال: (ولو عُضت يده .. خلَّصها بالأسهل من فك لحييه وضرب شدقيه، فإن عجز فسلها فندرت أسنانه .. فهدر)؛ لأن النفس لا تضمن في الدفع فكذا الأبعاض. وقال مالك: أنا سقطت الأسنان .. ضمنها، وكذلك أنا فك اللحيين.
واحتج الجمهور بما روى الشيخان [خ 6892 - م 1673/ 18] عن عمران بن حصين: أن رجلًا عض يد رجل فنزع يده من فيه فوقعت ثنيتاه، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:(يعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل! لا دية لك).
قال الشافعي: وسواء كان العاض ظالمًا أو مظلومًا؛ لأن العض حرام بكل حال، واليه أشار في الحديث بقوله:(كما يعض الفحل).
ولو أمكنة التخلص بضرب فيه .. لا يعدل إلى غيره، فإن لم يمكنه إلا ببعج بطنه أو فقء عينه أو عصر خصيتيه .. جاز على الصحيح.
وَمَنْ نَظَرَ إِلَى حُرَمِهِ فِي دَارِهِ مِنْ كَوَّةٍ أَوْ ثَقْبٍ عَمْدًا فَرَمَاهُ
ــ
والمعضوض في الحديث أجير ليعلى بن أمية، وقيل: هو يعلى، والأول أشهر.
فائدة:
العض بالضاد أنا كان بجارحة، وما كان بغيرها .. فهو بالظاء، نحو: عظت الحرب، وعظ الزمان، قال: الفرزدق [من الطويل]:
وعظ زمان يا ابن مروان لم يدع .... من المال إلا مسحَتًا أو مجلَّف
قال أبو الغوث: المسحَت: المهلك، والمجلف: الذي بقيت منه بقية، يريد: إلا مسحتًا، أو هو مجلف، وهو الذي ذهبت أمواله.
وقالت عنبة أم حاتم الطائي [من الطويل]:
لعمري لقد ما عظني الدهر عظة .... فآليت أن لا أمنع الدهر جائعا
فقولا لهذا اللائم اليوم أعفني ..... فإن أنت لم تفعل فعض الأصابعا
تذنيب:
سكت المصنف تبعًا للرافعي عن تقديم الإنذار بالقول، وهو لا يجب بلا خلاف، وكلام صاحب (التقريب) يقتضي طرد الخلاف فيه، فلو تنازعا في أنه أمكنه الدفع بشيء فعدل إلى ما هو أغلظ منه .. فالقول قول المعضوض بيمينه، كذا جزم به في (البحر) ، وليكن الحكم كذلك في الصائل.
قال: (ومن نظر إلى حُرَمه في داره من كَوَّة أو ثَقب عمدًا فرماه) أي: في حالة
بِخَفِيفٍ كَحَصَاةٍ فَأَعْمَاهُ، أَوْ أَصَابَ قُرْبَ عَيْنِهِ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ .. فَهَدَرٌ،
ــ
نظره) بخفيف كحصاة فأعماه، أو أصاب قرب عينه فجرحه فمات .. فهدر) مع إمكان زجره بالكلام؛ لما روى البخاري [6888] عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اطلع في بيت قوم بغير أننهم ففقؤوا عينه .. فلا جناح عليهم (، وفي رواية: (فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه.
وفي (ابن حبان)[6004] و (النسائي)[سك 7036]: (من اطلع في بيت قوم بغير أننهم ففقؤوا عينه .. فلا دية له ولا قصاص) قال البيهقي في (خلافياته) إسناده صحيح.
وفي (الصحيحين)[خ 6901 - م 2156] عن سهل بن سعد: أن رجلًا اطلع في حجرة من حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه مِدرىً يحكُّ به رأسه، فلما رآه صلى الله عليه وسلم .. قال له: لو علمت أنك تنظر .. لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر).
وهذا الناظر هو الحكم بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس، وكان من مسلمة الفتح، وهو الذي مر على النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(ويل لأمتي مما في صلب هذا) ، ونفاه إلى الطائف؛ لأنه كان إذا تكلم النبي صلى الله عليه وسلم اختلج بوجهه، فقال له: كن كذلك، فلم يزل يحرك شفتيه وذقنه حتى مات، ولعنه النبي صلى الله عليه وسلم وابنه مروان في ظهره، ولم يزل منفيًا إلى خلافة عثمان.
والمخالف في المسألة أبو حنيفة ومالك، فقالا: لا يجوز رمي الناظر، ويجب ضمانه؛ لأنه يمكنه دفعه عن النظر بالاحتجاب عنه وسد الكوى والإنذار بالكلام ونحوه، ولأن النظر ليس أولى من الدخول عليه، ولو دخل داره .. لم يكن له أن يفقأ عينه بالاتفاق.
تنبيه:
شمل قوله: (من نظر) الرجل والمرأة والمراهق، وهو كذلك على الأصح،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لكن في جواز رمي المراهق نظر؛ لأنه غير مكلف، ولهذا لا يقام عليه شيء من الحدود.
فإن لم يكن فيها حُرَم بل المالك وحده، فإن كان مكشوف العورة .. فله الرمي، وإلا .. فلا في الأصح.
واحترز بـ) داره) عما لو كشف عورته في شارع أو مسجد فنظره غيره .. فإنه لا يجوز له رميه؛ لأنه موضع لا يختص بقوم دون قوم.
ولو كانت الدار ملك الناظر، فإن كان من فيها مستأجرًا .. فله الرمي، أو غاصبًا .. فلا، وإن كان مستعيرًا .. فوجهان أطلقهما الشيخان: والأقوى: جواز رميه، كما يقطع بسرقة ما فيها.
ويقاس بـ) الكوة والثقب) شق الباب، سواء وقف الناظر في شارع، أو سكة منسدة الأسفل، أو ملك نفسه؛ إذ ليس للواقف في ملكه مد النظر إلى حُرَم الناس.
واحترز بقوله: (عمدًا) عما إذا كان اتفاقًا أو خطأ؛ فإنه لا يرمى إذا علم بذلك صاحب الدار.
فلو ادعى المرمي عدم القصد .. فلا شيء على الرامي؛ لأن الاطلاع حصل والقصد باطن، وهو ذهاب إلى جواز الرمي من غير تحقق قصده، وفي كلام الإمام ما يدل على المنع حتى يتبين الحال، قال الرافعي: وهو حسن، ويؤيده حديث سهل بن سعد المتقدم، فلو نظر من الباب المفتوح أو كوة واسعة .. لم يرم إذا كان مارًا، وكذا إذا وقف وتعمد في الأصح.
واحترز بـ) الخفيف) عما إذا رماه بثقيل كحجر كبير، أو رشقه بسهم؛ فإنه يتعلق به القصاص والدية على الصحيح؛ لتعديه.
بِشَرْطِ عَدَمِ مَحْرَمٍ وَزَوْجَةٍ لِلْنَاظِرِ، قِيلَ: وَاسْتِتَارِ الْحُرَمِ، قِيلَ: وَإِنْذَارٍ قَبْلَ رمْيِهِ
ــ
وقوله: (قرب عينه) أفهم: أنه إذا أصاب موضعًا بعيدًا من عينه .. فإنه لا يضمن.
قال الرافعي: إن كان بعيدًا لا يخطئ من العين إليه .. ضمن، وإن كان قريبًا .. فلا.
وقال البغوي: إن أصاب موضعًا بعيدًا من عينه بلا قصد .. لم يضمن.
قال: (بشرط عدمِ محرم وزوجة للناظر) ، فإن كان ذلك .. لم يجز رميه بلا خلاف كما قاله في (الوسيط)؛ لأن له في النظر شبهة، وكذلك لو كان الناظر محرمًا لحُرَم صاحب البيت .. فلا يرمى إلا أن تكون متجردة؛ إذ ليس للمحرم النظر إلى ما بين السرة والركبة.
وقيل: يجوز رميه، وإن كان له فيها محرم، حكاه أبو الفرج الزاز، واستدل له بما روى مالك [2/ 963] عن عطاء بن يسار: أن رجلًا قال: يا رسول الله؛ أستأذن على أمي؟ قال: (نعم) قال: يا رسول الله؛ إني معها في البيت؛ قال: (استأذن عليها) فقال: إني خادمها، فقال:(استأذن عليها، أتحب أن تراها عريانة؟!) قال: لا، قال:(فاستأذن عليها) لكنه مرسل.
فلو كان للناظر في البيت مال .. فهو كما لو كان له فيه حُرَم.
قال: (قيل: واستتار الحُرَم) أي: قيل: يشترط في جواز الرمي عدم استتار الحُرَم، فإن كن مستترات أو كن في بيت أو منعطف لا يمتد النظر إليهن .. لا يجوز قصد عينه؛ لعدم الاطلاع على شيء.
والأصح: عدم اشتراط ذلك؛ لعموم الأخبار، ولأن الحُرَم لا يدرى متى يستترن وينكشفن فيحسم باب النظر.
وفي عبارة المصنف نظر؛ فإن الأصح في (الشرح) و (الروضة) و (المحرر) أنه لا يشترط عدم استتار الحرم فيكون مقابله عدم استتارهن.
قال: قيل: وإنذار قبل رميه)؛ جريًا على قياس الدفع بالأهون فالأهون.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والأصح: يجوز رميه قبل الإنذار.
وفي عبارة المصنف قلق؛ لأن تقديرها بشرط عدم مَحرم وبشرط عدم استتار الحرم.
وقيل: يشترط تقدم الإنذار.
وعبارة (المحرر) والأظهر: أنه لا فرق بين أن تكون الحُرَم في الدار مستترات أو منكشفات، وأنه لا يجب تقديم الإنذار على الرمي، وهي أوضح من عبارة الكتاب.
فروع:
لو وضع أذنه في شق الباب أو وقف من وراء الباب يسمع .. لم يجز رمي أذنه في الأصح.
وحكم النظر من سطح أو منارة كالنظر من شق الباب على الأصح؛ إذ لا تفريط من صاحب الدار.
ولو وضح الأعمى عينه في شق الباب فرماه .. ضمن.
ولو انصرف الناظر قبل الرمي .. لم يجز أن يتبعه ويرميه بلا خلاف، كالصائل إذا أدبر.
ولو دخل بيت رجل بغير إذنه .. كان له دفعه بما يتيسر، ولا يتعين قصد عضو
منه، وقيل: تتعين الرجل؛ لأنها الجانية، كما يتعين قصد العين في النظر.
والخيمة في الصحراء كالبيت في البنيان.
ولو أخذ المتاع وخرج .. فله أن يتبعه ويقاتله إلى أن يطرحه.
ولا يجوز دخول بيت شخص إلا بإذنه مالكًا كأن أو مستأجرًا أو مستعيرًا، فإن كان أجنبيًا أو قريبًا غير محرم .. فلا بد من إذن صريح، سواء كان الباب مغلقًا أو مفتوحًا.
وأن كان محرمًا، فإن كان ساكنًا مع صاحبه فيه .. لم يلزمه الاستئذان، ولكن
وَلَوْ عَزَّرَ وَلِيُّ وَوَالٍ وَزَوْجٌ وَمُعَلِّمٌ .. فَمَضْمُونٌ،
ــ
عليه أن يشعره بدخوله بنحنحة أو شدة وطء: ليستتر العريان.
وإذ لم يكن ساكنًا، فإن كان الباب مغلقًا .. لم يدخل إلا بإذن وإذ كان مفتوحًا .. فوجهان.
قال: (ولو عزر ولي ووال وزوج ومعلم .. فمضمون) لما فرغ من الصيال تكلم في ضمان الولاة، والعقوبة من الوالي إما حد أو تعزير، فالتعزير إذا حصل منه إتلاف .. وجب ضمانه؛ لأنه يتبين بالهلاك أنه تجاوز الحد المشروع، واحتج له بما روى البيهقى [8/ 322] عن الصحابة: أنهم حكموا في التي بعث إليها عمر لريبة فأجهضت ذا بطنها بوجوب دية الجنين.
وادعى القاضي أبو الطيب الإجماع على ضمان الزوج، وقيس عليه الباقي بجامع إرادة الإصلاح بضرب لم يقدره الشارع في آدمي.
واحترز بذلك عن المستأجر إذا ضرب الدابة المستاجرة الضرب المعتاد فهلكت .. فإنه لا يضمن؛ لأنها لا تتأدب إلا بالضرب، بخلاف الآدمي.
والمراد ب (كونه مضمونًا) أن الواجب فيه دية شبه العمد ووراء ما ذكره المصنف أوجه:
أحدها: لا ضمان فيه، حكاه الشاشي وابن يونس، وقال ابن الرفعة: إنه لم يره لغيرهما، وإليه ذهب جماهير العلماء.
والثاني: أنه لا ضمان إذا عزر لحق أدمي؛ بناء على أنه واجب إذا طلب المستحق فصار كالحد.
والثالث: إن كان من جنس ما يجب فيه الحد كسرقة ما دون النصاب والزنا فيما دون الفرج .. لم يجب الضمان، وسواء ضرب المعلم بإذن الأب أم بغيره.
واقتصار المصنف على هذه الأربع يخرج السيد في عبده؛ فإنه غير مضمون. وكذا لو ضرب بإذن السيد لا ضمان؛ لأنه لو أمر بقتله فقتله .. لم يجب الضمان، فإذا قا السيد لآخر: اضرب عبدي، فضربه فمات .. لم يضمن: لأن لفظ الضرب مطلقًا لا تقييد فيه، كذا نقله الرافعي في (كتاب الرهن) عن النص والإمام هنا عن
وَلَوْ حَدَّ مُقَدَّرًا .. فَلَا ضَمَانَ. ولَوْ ضُرِبَ شَارِبٌ بِنِعَالٍ وَثِيَابٍ .. فَلَا ضَمَانَ عَلَى اٌلصَّحِيحِ، وَكَذَا أَرْبَعُونَ سَوْطًا عَلَى الْمَشْهُورِ،
.....
ــ
العراقيين، ثم قال: وفية نظر؛ لأن الضرب يخالف القتل.
كل هذا إذا لم يسرف المعزر ويظهر منه قصد القتل، فإن كان كذلك .. لزمه القصاص أو الدية المغلظة.
قال: (ولو حدَّ مقدرًا) أي: فمات) .. فلا ضمان)؛ لأن الحق قتله، سواء في ذلك الحد والقطع؛ لأنها منصوص عليها، وحكي ابن المنذر الإجماع.
نعم: لو أقيم الحد في حر مفرط أو برد كذلك .. فقيه خلاف تقدم، والظاهر: أنه لا ضمان.
قال: (ولو ضرب شارب بنعال وثياب .. فلا ضمان على الصحيح) كما في سائر الحدود.
والثاني: يضمن؛ بناء على أنه لا يجوز أن يحد بذلك، فعدوله عن الجنس الواجب أوجب الضمان.
قال: (وكذا أربعون سوطًا على المشهور)؛ لأن الصحابة أجمعت على أنه يضرب أربعين جلدة وقد جلد بسوط الحدود فلا يتعلق به ضمان، كالجلد في الزنا والقذف.
والثاني: أنه يضمن؛ لأن تقديره بالأربعين كان بالاجتهاد.
وفي (الصحيحين)[خ 6778 - م 1707/ 39] عن علي: (ما كنت لأقيم حدًا على أحد فيموت منه فأجد منه في نفسي إلا شارب الخمر؛ فإنه إن مات وديته، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسنه) قال البيهقي: إنما أراد به _ والله أعلم-: أنه عليه الصلاة والسلام لم يسنه زيادة على الأربعين، أو لم يسنه بالسياط، وقد سنه بالنعال وأطراف الثياب بمقدار أربعين، وهذا نص عليه في (الأم) وعليه الجمهور.
فإن أوجبنا .. ضمن الجميع، وقيل: النصف، وقيل: يوزع على التفاوت بين
أَوْ أَكْثَرُ .. وَجَبَ قِسْطُهُ بِاٌلْعَدَدِ، وَفي قَوْلٍ: نِصْفُ دِيَةٍ، وَيَجْرِيَانِ فِي قَاذِفٍ جُلِدَ أَحَدًا وَثَماَنِينَ
ــ
ألم السياط والضرب بالنعال وأطراف الثياب، وهو شيء لا يتأتّى ضبطه.
ووقع في (الكفاية) أن المصنف صحح الثاني، وهو وهم.
قال: (أو أكثر .. وجب قسطه بالعدد)؛ نظرًا للزائد على الحد فقط، فلو ضربه إحدى وأربعين فمات .. ضمن جزءًا من أحد وأربعين جزءًا من ديته؛ لأن الضرب يقع على ظاهر البدن فهو قريب التماثل فقسط الضمان على عدده.
فعلى هذا: لو كان الزائد عشرة .. ضمن خمس الدية، أو أربعين .. ضمن نصفها، أو خمسين .. ضمن خمسة أسباعها.
قال: (وفي قول: نصف دية)؛ لأنه مات من مضمون وغير مضمون، فأشبه ما لو جرح نفسه عشر جراحات وجرحه أخر جراحة فمات.
والفرق على المذهب: أن الجراحات قد يحصل من واحدة منها غرر لم يحصل من غيرها.
وفي قول ثالث: يجب ألجميع؛ لأنه عدل عن الجنس الواجب في الحد إلى غيره.
قال: (ويجريان في قاذف جُلد أحدًا وثمانين)، كذا في أصل المصنف ذكره؛ لإرادة السوط، وفي (المحرر) إحدى؛ لإرادة الجلدة، وهو أحسن؛ لموافقة القرآن، قال تعالى:{مِئَةَ جَلْدَةٍ} ، {ثَمَانِينَ جَلْدَةً} ففي قول: يجب نصف دية.
والأظهر: جزء من إحدى وثمانين جزءًا، ولم يتعرض في (الروضة) للثالث؛ وهو: وجوب كل الدية، ولا مجيء له؛ لأن لنا في الأربعين في حد الشرب قولًا: إنه مضمون، بخلاف حد القذف.
وإذا أمر الإمام الجلاد بثمانين في الشرب فزاد واحدة ومات المحدود .. ففيه أوجه:
أصحهما: توزع الدية على إحدى وثمانين جزءا فتسقط أربعون وتلزم الإمام أربعون ويلزم الجلاد جزء.
وَلِمُسْتَقِلِّ قَطْعُ سِلْعَةٍ إِلَاّ مَخُوفَةً لَا خَطَرَ فِي تَرْكِهَا، أَوِ اٌلْخَطَرُ فِي قَطْعِهَا أَكْثَرُ،
ــ
والثاني: يسقط ثلث الدية، وعلى الإمام ثلثها، وعلى الجلاد ثلثها؛ لأنه مات من ثلاثة أنواع: ضرب جائز، وضرب واجب، وضرب محرم، فتسقط حصة الواجب، وتجب حصة الأخيرين.
والثالث: يسقط نصفها ويجب نصفها عليهما نصفين؛ لأنه مات من مضمون وغير مضمون.
والرابع: يجب نصفها عليهما، على الإمام منه أربعون جزءًا، وعلى الجلاد جزء، وما لزم الجلاد .. فهو على عاقلته، وما لزم الإمام .. فهل هو على عاقلته أو على بيت المال؟ فيه الخلاف الآتي.
قال: (ولمستقل قطع سلعة)؛ لأن له غرضًا في إزالة الشين ولا ضرر فيه كالفصد والحجامة، سواء قطع ذلك بنفسه أو أذن فيه لغيره.
و (المستقل) هو: البالغ العاقل، فخرج ضدهما.
و (السلعة) بكسر السين: خراج كهيئة الغدة بين اللحم والجلد يكون من الحمصة إلى البطيخة، وحكي فتح سينها مع سكون اللام وفتحها.
قال شرحبيل الجعفي: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وبكفي سلعة، فقلت: يا رسول الله؛ إن هذه السلعة قد حالت بيني وبين قائم سيفي أن أقبض عليه وحالة بيني وبين عنان الدابة، فقال:(ادن مني) فدنوت منه؛ فقال: (افتح كفك) ففتحتها، ثم قال:(اقبض يدك) فقبضتها، ثم قال:(افتحها) ففتحتها، ثم تنفس فيها، ثم لم يزل يطحنها ويدلكها بيده حتى رفعها وما أدري لها أثرًا.
قال: (إلا مخوفة لا خطر في تركها، أو الخطر في قطعها أكثر)، فيمتنع القطع في هاتين الصورتين؛ لقوله تعالى:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فإن كان الخطر في الإبقاء: أكثر .. فله القطع؛ لرجاء زيادة السلامة فيه.
وَلِأَبٍ وِجِدِّ قَطْعُهَا مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ مَعَ اٌلْخَطَرِ إِنْ زَادَ خَطَرُ اٌلتَّرْكِ، لَا لِسُلْطَانٍ، وَلَهُ وَلِسُلْطَانٍ قَطْعُهَا بِلَا خَطَرٍ، وَفَصْدٌ وَحِجَامَةٌ، فَلَوْ مَاتَ بِجَائِزٍ مِنْ هَذَا فَلَا ضَمَانَ فِي الأَصَحِّ،
ــ
والمراد بـ (المخوفة) مخوفة القطع، فلو تساوى خطر القطع والترك
…
فالأصح: جواز القطع: إذ لا معنى للمنع فيما لا خطر فيه.
قال المصنف: ويجوز الكي وقطع العروق للحاجة، ويستحب تركه.
قال: (ولأب وجدً قطعها من صبي ومجنون مع الخطر إن زاد خطر الترك) بسبب أن القطع يحتاج إلى شفقة تامة ونظر دقيق، كما أن للأب والجد تزويج البكر الصغيرة دون السلطان.
فإن استوي الأمران .. جاز للأب والجد القطع في هذه الحالة، كذا جزم به في (الكفاية) والمصحح في (الروضة) .... : المنع.
وحكم قطع الأكلة حكم قطع السلعة.
واقتصار المصنف على (الصبي والمجنون)، يفهم: أن السفيه يخالفهما، وإطلاقهم يقتضي المنع من ذلك.
قال: (لا لسلطان)؛ لأن القطع الخطر يحتاج إلى شفقة كاملة.
وفي معنى السلطان: الوصي والقيم، فلو قال: لا لغيرهما .. كان أولى، وسيد العبد في معنى الأب، بل أولى؛ للحاجة إلى صلاح ملكه.
قال: (وله) أي: ولمن ذكر من أب وجد (ولسلطان قطعها بلا خطر) إذ لكل منهم ولاية ماله وصيانته عن التضييع فصيانة بدنه أولى، وليس للأجنبي فعل ذلك بحال، فإن فعل وسرى إلى النفس .. وجب القصاص.
قال: (وفصدٌ وحجامةٌ) أي: إذا أشار الأطباء بذلك.
وفي (جمع الجوامع) للروياني: أن ذلك لا يجوز لسلطان؛ لأن نظره وتصرفه مختص بالمال، وهذا قضية كلام الأكثرين.
قال: (فلو مات بجائز من هذا .. فلا ضمان في الأصح) لئلا يمنح من ذلك فيتضرر الصغير.
فَلَوْ فَعَلَ سُلْطَانٌ بِصَبِيِّ مَا مُنِعَ .. فَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهَ، وَمَا وَجَبَ بِخَطَأِ الإِمَامِ فِي حَدَّ أَوْ حُكْمٍ .. فَعَلَى عَاقِلَتِهِ، وَفَي قَوْلٍ: فِي بَيْتِ الْمَالِ ......
ــ
والثاني: يضمن؛ لأنه جائز بشرط سلامة العاقبة كالتعزير، ويجري ذلك في السلطان أيضًا حيث جوزنا له، والضمان هنا بالنسبة إلى الدية كما صرح به الإمام، أما القود .. فلا يجب قطعًا.
واحترز ب (الجائز) عما لو مات بممنوع منه؛ فإنه يضمن، كما إذا قطع الأب أو الجد حيث لا يجوز لهما القطع .. فتجب الدية على المشهور.
قال: (فلو فعل سلطان بصبي ما منع .. فدية مغلظة في ماله)؛ لتعديه، أما الدية .. فلا خلاف فيها كما قاله الرافعي في الكلام على رقوم (الوجيز)، وأما كونها في ماله .. فهو المذهب، وقيل: فيه القولان في خطئه كما سيأتي؛ لأنه قصد الإصلاح.
والمراد ب (السلطان) الأمير أو القاضي، ومقتضى التقييد به: أن الأب أو الجد إذا فعل ما منع منه .. لم يضمن، والصحيح: الضمان أيضًا في ماله، فلو حذف المصنف لفظة (السلطان) كما فعل في الأولى .. كان أولى.
وقيل: لا يجب الضمان على الأب أصلًا: لأن ولايته أتم لعموم شفقته.
قال: (وما وجب بخطأ الإمام في حد أو حكم .. فعلى عاقلته)؛ لقصة عمر في الإجهاض، وكغيره من الناس.
واحترز ب (خطئه) عما يتعدى به؛ فهو فيه كآحاد الناس، وبقوله:(في حد أو حكم) عن خطئه فيما لا يتعلق بذلك؛ فإنه فيه كآحاد الناس، كما إذا رمى صيدا فأصاب آدميًا .. فتجب الدية على عاقلته بالإجماع، لكنه يخرج خطؤه في التعزير مع أنه كالحد.
قال: (وفي قول: في بيت المال)؛ لأن خطأه قد يكثر، فلو أو جبناه على عاقلته .. لأجحف بهم، وعمد خطئه كخطئه.
ومحل القولين: إذا لم يظهر منه تقصير، فإن ظهر .. فلا خلاف: أن الذي يلزمه لا يضرب على بيت المال.
وَلَوْ حَدَّهُ بِشَاهِدَيْنِ فَبَانَا عَبْدَيْنِ أَوْ ذِمِّيِّيْنِ أَوْ مُرَاهِقَيْنِ: فَإِنْ قَصَّرَ فِي اخْتِبَارهِمَا .. فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَإلَاّ .. فَالقَوْلَانِ، فَإِنْ ضَمَّنَّا عَاقِلَتَهُ أوْ بَيْتَ الْمَالِ .. فَلَا رُجُوعَ عَلَى الذِّمِّيَّيْنِ وَالْعَبْدَيْنِ فِي الأَصَحَّ،
..
ــ
وأما الكفارة .. فقيها قولان مرتبان، وأولى بأن لا تجب على بيت المال. هذا كله إذا كان الخطأ في النفس، فإن كان في المال .. فقولان:
أحدهما: يتعلق بماله.
والثاني: ببيت المال.
قال: (ولو حده بشاهدين فبانا عبدين أو ذميين أو مراهقين: فإن قصر في اختبارهما .. فالضمان عليه)؛ لأن الهجوم على القتل ممنوع منه بالإجماع، وكذلك لو بانا امرأتين أو فاسقين، ولا يتعلق ببيت المال ولا بالعاقلة.
والمراد ب (الضمان) الدية لا القود، وبه أجاب في (الحاوي الصغير).
فلو قال القاضي: تعمدت ذلك .. فالأظهر: الوجوب؛ فإن الهجوم على القتل ممنوع بالإجماع.
وذكره (الرق والكفر والصبا) مثال، ولو قال: غير مقبولي الشهادة عليه ..
لشمل ما لو بانا فاسقين أو عبدين أو أصلين أو فرعين.
ولو قال: كافرين .. كان أعم؛ لأن المستأمنين كذلك، والحربيان كذلك، لكنهما لا يضمنان.
قال: (وإلا) أي: إذا لم يقصر) .. فالقولان) في أن الضمان على عاقلته أو في بيت المال.
وما ذكره الشيخان من التقصير وغيره .. تبعا فيه الإمام، والجمهور أطلقوا حكاية القولين في الضمان من غير تفصيل، وهو ظاهر ما في (الأم) و (المختصر).
قال: (فإن ضمنا عاقلته أو بيت المال .. فلا رجوع على الذميين والعبدين في الأصح)؛ لأنهما يزعمان أنهما صادقان ولم يوجد منهما تعد فيما صدر منهما، وإنما ألقاضي منسوب إلى التقصير في بحثه.
وَمَنْ حَجَمَ أَوْ فَصَدَ بِإِذْنٍ .. لَمْ يَضْمَنْ،
ــ
والثاني: نعم؛ لأنهما غرا القاضي.
والثالث: يثبت الرجوع للعاقلة دون بيت المال، فإن أثبتنا الرجوع .. طولب الذميان في الحال.
والأصح: تعلقه بذمة العبدين، وقيل: برقبتهما.
وأما المراهق، فإن قلنا: يتعلق برقبة العبدين .. نزل ما وجد منه منزلة الإتلاف، وإلا .. فقوله لا يصلح للالتزام فلا رجوع عليه، وإلا .. فلا.
وأما إذا بانا فاسقين .. ففي الرجوع عليهما أوجه:
أحدها: نعم كالعبدين.
والثاني: لا؛ لأن العبد مأمور بإظهار حاله، بخلاف الفاسق.
والثاني: الأصح: إن كانا متجاهرين بالفسق .. ثبت الرجوع؛ لأن عليهما أن يمتنعا من الشهادة، وإلا .. فلا، كذا قاله الرافعي هنا، وقال في أخر الباب السادس من (الشهادات) الذي قطع به العراقيون: أنه لا ضمان عليهما.
قال: (ومن حجم أو فصد بإذن .. لم يضمن)؛ لأنهما لو ضمنا لأحجما عن الحجم ونحوه وكذلك من قطع سلعة، بخلاف من قطع يدًا صحيحة بإذن صاحبها فمات منه حيث يوجب الدية على قول؛ لأن الإذن هناك لا يبيح القطع، وهنا الفعل جائر لغرض صحيح.
فرع:
في (ودائع ابن سريج) أن الطبيب إذا عالج أو فصد فقتل أو أزمن، إن كان من أهل الحذق بالصنعة .. فلا قود ولا دية بالإجماع، وإن كان ممن لا علم لديه .. فعليه القود في النفس، والقصاص فيما دونها؛ للتعزير، وفي هذا رد لما في (فتاوى ابن الصلاح) من تخصيص عدم الضمان بما إذا قال له: داو بهذا الدواء، فأما إذا لم ينص عليه بعينه .. فلا ضمان.
وَقَتْلُ جَلَاّدٍ وَضَرْبُهُ بِأَمْرِ الإِمَامِ كَمُبَاشَرَةِ الإِمَامِ إِنْ جَهِلَ ظُلْمَهُ وَخَطَأَهُ، وَإِلَاّ. . فَالْقِصَاصُ وَالضَّمَانُ عَلَى الْجَلَاّدِ إِنْ لَمْ يَكُنْ إِكْرَاهٌ. وَيَجِبُ خِتَانُ الْمَرْأَةِ ِبِجُزْءٍ مِنَ اللَّحْمَةِ بِأَعْلَى الْفَرْجِ، وَالرَّجُلِ بِقَطْع مَا يُغَطِّى حَشَفَتَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ،
…
....
ــ
قال: (وقتْل جلاد وضرْبه بأمر الإمام كمباشرة الإمام إن جهل ظلمه وخطأه)؛ لأنه كالآلة، والمباشر في الحقيقة هو الإمام، فتعلق الضمان به؛ لأنا لو ضمنا الجلاد .. لم يتول أحد الجلد.
قال الإمام: وهذا من النوادر؛ لأنه قاتلٌ مباشرٌ مختار، ولا يتعلق به حكم في القتل بغير حق، ولا كفارة، لكن استحب الشافعي أن يكفِّر؛ لمباشرته القتل.
قال: (وإلا .. فالقصاص والضمان على الجلاد إن لم يكن إكراه)؛ لتعديه، إذ كان من حقه لما علم الحال أن يمتنع؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
هذا إذا قلنا: أمر الإمام ليس بإكراه، وهو الأصح، فإن قلنا: إكراه .. فالضمان عليهما والقصاص على الإمام، وكذا الجلاد في الأظهر.
وصورة ما ذكره المصنف: أن يعلم خطأه في نفس الأمر، فإن كان في محل الاجتهاد كقتل المسلم بالكافر والحر بالعبد، فإن اعتقدا أنه غير جائز .. فالقود عليهما، وان اعتقد الجلاد منعه والإمام جوازه .. فالقصاص على الجلاد في الأصح، وإن كان بالعكس .. فتيل ببنائه على الوجهين، وضعفه الإمام.
وقيل: الجلاد كالمستقل، كذا في (الشرح) و (الروضة) والذي ضعفه الإمام جزم به الماوردي والروياني.
قال: (ويجب ختان المرأة بجزء من اللحمة بأعلى الفرج، والرجل بقطع ما يغطي حشفته بعد البلوغ)، أما الوجوب .. فأحسن ما استدل له بقوله تعالى:{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} وكان من ملته الختان؛ لأنه اختتن وهو ابن ثمانين سنة-كما رواه البخاري [3356] ومسلم [2370] أو ابن مئة وعشرين-كما رواه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ابن حبان [6204]- أو سبعين - كما قاله الماوردي – بالقدوم، وهو اسم آلة أو اسم مكان.
وفي (الصحيحين)[خ 5889 - م 257]: (الفطرة خمس) وعد منها الختان، وفي (أبي داوود) [360]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل أسلم: (ألق عنك شعر الكفر واختتن).
ولأنه قطعُ عضوٍ لو لم يجب .. لم يجز، ولأن العورة تكشف له، فدل على وجوبه، قاله ابن سريج وغيره.
وقيل: سُنةٌ في حقِّهما؛ لقول الحسن: قد أسلم الناس ولم يختتنوا.
وروى أحمد [5/ 75] والبيهقي [8/ 325]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء لكنه ضعيف.
وقيل: واجب للذكور سنة للإناث، قال المحب الطبري: وهو قول أكثر أهل العلم.
وأما الكيفية .. فهو ما ذكره المصنف، ويكفي قطع ما يقع عليه الاسم في الأنثى مما بأعلى الفرج فوق مخرج البول، وهو يشبه عرف الديك، فإذا قطعت بقي أصله كالنواة، وتقليله أفضل، ولهذا قال المصنف:(بجزء)، فقد روى الحاكم [3/ 603] وأبي داوود [5229] والبيهقي [8/ 324] عن أم عطية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها - وكانت تختن النساء -: (يا أم عطية؛ أشمي ولا تنهكي؛ فإنه أسري للوجه وأحظى عند الزوج) أي: أكثر لماء الوجه ودمه، وأحسن في جماعها.
ولو ولد مختونًا .. أجزأه.
وأول من اختتن من النساء هاجر.
وَيُنْدَبُ تِعْجِيلُهُ فِي سَابِعِهِ،
ــ
وولد من الأنبياء مختونًا أربعة عشر آدم وشيث ونوح وهود وصالح ولوط وشعيب ويوسف وموسى وسليمان وزكريا ويحيى وحنظلة بن صفوان نبي أصحاب الرس ونبينا صلى الله عليه وسلم لكن روى ابن عساكر [3/ 410] عن أبي بكرة موقوفًا: (أن جبريل ختن النبي صلى الله عليه وسلم حين طهر قلبه).
وروي أبو عمر في (الإستيعاب)[1/ 22] عن عكرمة عن ابن عباس: (أن عبد المطلب ختن النبي صلى الله عليه وسلم يوم سابعه وجهل له مأدبة وسماه محمدًا).
وقوله: (بعد البلوغ) متعلق بقوله: (يجب)؛ إذ لا تكليف قبله؛ لأن ابن عباس سئل: كم سنك حين قبض النبي صلى الله عليه وسلم. قال: (وأنا يومئذ مختون وكانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك) رواه البخاري [6299].
والمشهور: أنه على الفور، فلا يؤخر إلا لعذر كمرض وحر وبرد، أما قبل البلوغ .. فلا خلاف في عدم وجوبه.
وقيل: يلزم الولي ختانه في الصغر، ويعصي الأب بتركه حتى يبلغ، حكاه في (البيان) عن الصيدلاني.
وللوجوب بعد البلوغ شرطان لم يذكرهما المصنف:
أحدهما: عدم الخوف عليه، فإن خيف من ختانه .. امتنع.
والثاني: العقل، فلو بلغ مجنونًا .. لم يجب ختانه على المذهب.
قال: (ويندب تعجيله في سابعه)؛ لما روى الحاكم [4/ 237] عن عائشة (أن
فَلَوْ ضَعُفَ عَنِ احْتِمَاِلِه. أُخِّرَ، وَمَنْ خَتَنَهُ فِي سِنِّ لَا يَحْتَمِلُهُ .. لَزِمَهُ الْقِصَاصُ إِلَاّ وِالِدًا، فَإنِ احْتَمَلَهُ وَخَتَنَهُ وَلِىٌ .. فَلَا ضَمَانَ فِي الأَصَحِّ،
ــ
النبي صلى الله عليه وسلم ختن الحسن والحسين يوم السابع من ولادتهما).
وفي (شرح التلخيص) للشيخ أبي علي: أنه لا يجوز في السابع؛ لأن الصبي لا يطيقه، ولأن اليهود يفعلونه، فالأولى مخالفتهم، وتبعه الغزالي في (الإحياء)، قال: وتأخيره إلى أن يثغر الولد أحب وأبعد عن الخطر.
وعبارة المصنف تقتضي: أنه لا يكره ختانه قبل السابع، والذي ذكره الروياني، وجزم به في (التحقيق)، ونقله في (شرح المهذب) عن الماوردي: أنه يكره، فإن أخر عن السابع .. استحب في الأربعين، فإن أخر .. استحب في السنة السابعة.
في وجه: لا يجوز ختنه قبل عشر سنين؛ لأنه أمر بضربه بعد عشر، فدل على أن بدنه لا يحتمل الألم قبلها، وقوله خارق للإجماع.
وصحح في (الروضة) هنا، وفي (باب السواك) من (شرح المهذب) وفي) نكت التنبيه) أن يوم الولادة لا يحسب من السبعة، وصحح في (شرح مسلم) حسبانه منها، وكذلك في (الروضة) و (المجموع) في (العتيقة)، والفتوى على عدم الحساب؛ فإنه المنصوص في (البويطي).
قال: (فلو ضعف عن احتماله) أي: في اليوم السابع) .. أخر)؛ لزوال الضرر.
قال: (ومن ختنه في سن لا يحتمله .. لزمه القصاص) لتعديه؛ لأنه غير جائز في
هذه الحالة قطعًا.
قال: (إلا والدًا)؛ للبعضية، وكذلك الجد، وتجب عليهما الدية.
قال: (فإن احتمله وختنه ولي .. فلا ضمان في الأصح) لأنه لا بد منه.
والثاني: يلزمه؛ لأن الختان غير واجب في الحال فأشبه قطع السلعة.
وشمل قوله: (ولى) الأب والجد، وكذا الأم عند عدمهما، وكذا الحاكم والوصي، لكن لنا وجه: أن السلطان لا يجوز له حجم الصغير وفصده، ومجيئه هنا أولى.
وَأُجْرَتُهُ فِي مَالِ الْمَخْتُونِ
ــ
قال: (وأُجرته في مال المختون)؛ لأنه لمصلحته فأشبه أجرة تعليم الفاتحة، فإن لم يكن له مال .. فعلى من تجب عليه النفقة.
وفي وجه: أنها على الوالد إذا اختتنه صغيرًا.
تتمة:
الصحيح في زوائد (الروضة) و (شرح المهذب) أن الخنثى المشكل لا يجوز ختانه في صغره ولا في كبره؛ لأن الجرح مع الإشكال ممنوع، ولم يذكر الرافعي المسألة، ويسأل عن الفرق بينها وبين ما تقدم فيمن سرق وله كفان، فإن مقتضى ما صححه أولًا: أن لا تقطع واحدة منهما؛ لأن الزائدة لا يجوز قطعها وقد التبست الأصلية بها، بل أولى؛ لأن لها بدلًا بخلاف الختان.
وفي وجه: يجب ختان المشكل، وادعى ابن الرفعة: أنه المشهور.
وعلى هذا: فيختن في فرجيه معًا ويختن نفسه إن أحسن ذلك، وإلا .. اشتري له أمة تختنه، فإن عجز عنها .. تولاه الرجال أو النساء؛ للضرورة.
ومن خلق له ذكران عاملان ولم يتميز الأصلي منهما .. ختنا جميعًا، وإن تميز الأصلي .. ختن وحده، وهل يعرف العامل بالجماع أو بالبول؛ وجهان.
ومن مات بغير ختان .. لم يختن في الأصح، وقيل: يختن، وقيل: يختن الكبير دون الصغير.
وسئل ابن الصلاح عن صبي ربط غرلته بخيط فشمرت وانقطع الخيط فصار كالمختو ن بحيث لا يمكن ختانه؟ فأجاب بأنه إن صار بحيث لا يمكن ختانه .. سقط عنه الوجوب، وان أمكن، فإن كانت الحشفة قد انكشفت كلها .. سقط أيضًا، وإلا .. وجب قطع ما يمكن قطعه منها.
وقطع السرة من المولود واجب على الولي؛ ليمتنع الطعام من الخروج، قاله ابن الرفعة حكمًا وتعليلًا، ولم ينقله عن أحد.
فَصْلٌ:
مَنْ كَانَ مَعَ دَابَّةٍ أَوْ دَوَابَّ .. ضَمِنَ إِتْلَافَهَا نَفْسًا وَمَالًا لَيْلًا وَنَهارًا،
ــ
وفي (كتاب المدخل) لابن الحاج المالكي: أن السنة في ختان الذكور إظهاره، وفي ختان الإناث إخفاؤه.
قال: (فصل:
من كان مع دابة أو دواب .. ضمن إتلافها نفسًا ومالًا ليلًا ونهارًا)؛ لأنها في يده فكانت جنايتها كجنايته.
وسواء كان راكبًا أو سائقًا أو قائدًا مالكًا أو مستأجرًا أو مستعيرًا أو مودعًا أو غاصبًا، سواء أتلفت بيدها أو رجلها أو بذنبها.
قال الشافعي: وأما من ضمن في إتلاف يدها دون إتلاف رجلها .. فقد تحكم، أشار بذلك إلى أبي حنيفة؛ فإنه قال ذلك محتجًا بما روى أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرجل جبار وهذا غير محفوظ، لم يروه عن الزهري سوى سفيان بن الحسين، وهو معروف بسوء الحفظ.
وأما الحديث الذي فيه: (النار جبار) .. فباطل، قال أحمد: أهل اليمن يكتبون (النار)(النير)، ويكتبون (البير) مثل ذلك، فهو تصحيف.
وفي وجه ضعيف: أن يد الغاصب كالعدم.
وقيل: إن كانت مما يساق كالغنم فساقها .. لم يضمن، وإن كانت مما يقاد فساقها. . ضمن.
ولو كان معها سائق وقائد .. فالضمان عليهما نصفين، وفي الراكب مع السائق أو القائد وجهان:
أحدهما: عليهما نصفين.
والثاني: يختص الراكب بالضمان؛ لقوة يده وتصرفه، وليس في (الروضة)
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تصحيح لأحد الوجهين، والأصح منهما: أن اليد للراكب خاصة، كذا ذكره الرافعي في آخر (كتاب الصلح).
فلو اجتمع سائق وقائد وراكب .. فوجهان:
أحدهما: يختص الضمان بالراكب.
والثاني: يكون عليهم أثلاثًا.
ولو كان عليها راكبان فهل يجب الضمان عليهما أو يختص بالأول دون الرديف؟ فيه أيضًا وجهان.
تنبيهات:
أحدها: أشار المصنف بقوله: (مع دابة) إلي أنها طوع يديه، واحترز بذلك عما لو انفلتت منه وأتلفت شيئًا .. فلا ضمان؛ لخروجها عن يده.
الثاني: حيث أطلقوا ضمان النفس في هذا الباب .. فهو على العاقلة كحفر البئر ونصب الحجر، كما نقله الشيخان في آخر الباب عن البغوي وأقراه.
وإنما عبر المصنف وغيره ب (الضمان) .. تأسيًا بالحديث الوارد في الباب، وقد أطلق ابن الصلاح ذلك في فتواه، وأنكره عليه ابن عبد السلام.
الثالث: يستثنى من إطلاقه: ما لو كان راكبًا دابة فنخسها إنسان بغير إذنه مغافصة، فرمت راكبها أو ربحت فأتلفت مالًا .. فالضمان على الناخس على الأصح، وفي وجه: عليهما.
ولو غلبته دابته فاستقبلها إنسان وردها فأتلفت في انصرافها .. فالضمان على الراد كما تقدم في (موجبات الدية).
ولو كال راكبها لا يقدر على ضبطها، فعضت علي اللجام وركبت رأسها وقهرته .. فلا ضمان عليه.
ولو كان على دابة فسقطت ميتة فأتلفت شيئًا، أو مات الراكب وسقط على شيء .. لم يضمن.
وَلَوْ بَالَتْ أَوْ رَاثَتْ بِطَرِيقٍ فَتَلِفَ بِهِ نَفْسٌ أِوْ مَالٌ .. فَلَا ضَمَانَ، وَيَحْتَرِزُ عَمَّا لَا يُعْتَادُ كَرَكْضٍ شَدِيدٍ فِي وَحَلٍ، فَإِنْ خَالَفَ .. ضَمِنَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ
ــ
وكذا لو انتفخ ميت وتكسر بسبب انتفاخه قارورة، بخلاف الطفل يسقط على قارورة؛ فإنه يضمن، لأن للطفل فعلًا، بخلاف الميت.
ولو أركب أجنبي صبيًا دابته فأتلفت شيئًا .. فالضمان عليه؛ لتعديه.
قال: (ولو بالت أو راثت بطريق فتلف به نفس أو مال .. فلا ضمان)؛ لأن الطريق لا يخلو عنه، والمنع من ذلك مما لا سبيل إليه، أما لو وقفها فيه فبالت أو راثت فتلف به شيء .. فالأصح: لا ضمان أيضًا واسعًا كان الطريق أو ضيقًا. وألحق الإمام - وتبعه في (الروضة) - بذلك ما تتلفه من ثياب وفاكهة وغيره بالغبار الذي يثيره مشيها، أو بالوحل في الشتاء؛ لتعذر دفع ذلك، فلو ضمناه .. لاقتضى المنع من الطروق في الشوراع.
وما جزم به المصنف هنا من عدم الضمان .. صرح ألرافعي في (باب الإحرام) بخلافه، فجزم بأنها إذا بالت في الطريق فهلك به صيد أو آدمي أو بهيمة .. يلزمه ضمانة، وحذق من (الروضة) الآدمي والبهيمة، لكنه ذكرهما في (شرح المهذب).
والصواب: تضمين المالك بذلك؛ لأن الارتفاق بالطريق مشروط بسلامة العاقبة كالجناح والروشن، وقد حكاه ابن الرفعة عن الأصحاب، وبه جزم الماوردي والروياني وابن الصباغ والبندنيجي.
ولو أوقفها في موضع ليس له أن يوقفها فيه .. ضمن.
واحترز بقوله: (بطريق) عما لو وقع ذلك في ملكه؛ فلا ضمان، نص عليه في (المختصر)، وذكره الرافعي في (موجبات الدية)، كما إذا كسر حطبًا في ملكه فطارت شظاة فأصابت عين إنسان، وحكي ابن عبد البر في ذلك الإجماع.
قال: (ويحترز عما لا يعتاد كركض شديد في وحل، فإن خالف .. ضمن ما تولد منه)؛ لتعديه، وكذا لو ساق الإبل في الأسواق غير مقطرة.
واحترز ب (الركض الشديد) عن المشي المعتاد فيه؛ فلا يضمن ما يحدث منه.
وَمَنْ حَمَلَ حَطَبًا عَلَى ظَهْرِهِ أَوْ بَهِيمَةٍ فَحَكَّ بِنَاءً فَسَقَطَ بِهِ .. ضَمِنَهُ، فَإِنْ دَخَلَ سُوقًا فَتَلِفَ بِهِ مَالٌ أَوْ نَفْسٌ .. ضَمِنَ إِنْ كَانَ زِحَامٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَتَمَزَّقَ بِهِ ثَوْبٌ .. فَلَا، إِلَاّ ثَوْبَ َأَعْمَى وَمُسْتَدْبِرِ الْبَهِيمَةِ فَيَجِبُ تَنْبِيهُهُ، وَإِنَّمَا يَضْمَنُ إِذَا لَمْ يُقَصِّرْ صَاحِبُ الْمَالِ، فَإِنْ قَصَّرَ بِأَنْ وَضَعَهُ بِطَرِيقٍ أَوْ عَرَّضَهُ لَلدَّابَّةِ .. فَلَا،
…
ــ
واقتضى كلام المصنف: أن الأغنام إذا سيقت في الأسواق فأتلفت شيئًا .. فلا ضمان؛ لأنه معتاد، وهو وجه حكاه ابن كَج في الغنم دون الإبل والبقر، وفرق بينهما بأن العادة جرت بسَوق الغنم دون الإبل والبقر، لكن المشهور-كما قاله الرافعي-: إطلاق الحكم في البهائم من غير فرق بين حيوان وحيوان.
قال: (ومن حمل حطبًا على ظهره أو بهيمة فحكَّ بناء فسقط به .. ضمنه)؛ لحصول التلف بفعله، ولم يفرقوا بين الليل والنهار ولا بين الحائط المائل وغيره.
قال: (فإن دخل سوقًا فتلف به مال أو نفس .. ضمن إن كان زحام)، سواء كان صاحب الثوب مستقبلًا أو مستدبرًا؛ لتعرضه لما لا يعتاد.
قال: (فإن لم يكن وتمزق به ثوب .. فلا) أي: إذا كان مستقبل البهيمة؛ لأن التقصير منه.
قال: (إلا ثوب أعمى ومستدبر البهيمة فيجب تنبيهه)، فإن لم ينبهها .. فالضمان عليه؛ لتقصيره، وما جزم به محله إذا لم يكن من صاحب الثوب حدث، فإن علق الثوب في الحطب فجذبه وجذبته البهيمة .. فعلى صاحب الدابة نصف الضمان كالمتصادمين، قاله القفال في (الفتاوى).
ونظيره: لو كان يمشي فوقع مقدم نعله على مؤخر مداس غيره وتمزق .. فإنه يلزمه نصف الضمان؛ لأنه تمزق بفعله وفعل صاحبة، وينبغي أن يقال: إن تمزق مؤخر مداس السابق .. فالضمان على اللاحق، وإن تمزق مقام اللاحق .. فلا ضمان على السابق.
قال: (وإنما يضمن إذا لم يقصر صاحب المال، فإن قصر بأن وضعه بطريق أو عرضة للدابة .. فلا)؛ لأنه المضيع لماله.
وَإِنْ كَانَتِ الدَّابَّةُ وَحْدَهَا فَأَتْلَفَتْ زَرْعًا أَوْ غَيْرَهُ نَهَارًا .. لَمْ يَضْمَنْ صَاحِبُهَا، أَوْ لَيْلًا .. ضَمِنَ،
ــ
وألحق به القفال في (الفتاوى) ما إذا كان يمشي من جهة وحمار الحطب من أخرى فمر على جنب الحمار وأراد أن يتقدم الحمار فتعلق بثوبه الحطب ومزقها .. فلا ضمان على السائق: لأنه جني بمروره على الجنب فقيل له: لو أن رجلًا وضع الحطب على قارعة الطريق فمر عليه رجل فتعلق به ثوبه وتمزق؟ قال: لا ضمان على واضع الحطب إذا كان الطريق واسعًا.
قال: (وإن كانت الدابة وحدها فأتلفت زرعًا) أي: محوطًا (أو غيره نهارًا .. لم يضمن صاحبها) أي: إذا اعتاد أهل البلد تسييبها نهارًا للرعي في الموات بلا راع. ودخل في قوله: (أو غيره) ما إذا ابتلعت جوهرة ونحوها؛ فإن صاحبها يضمنها إذ كان معها، أو وجد منه تقصير: بأن طرح لؤلؤة غيره بين يدي دجاجة، وإلا .. فوجهان:
أحدهما: يفرق بين الليل والنهار كالزرع.
والثاني: يضمن ليلًا ونهارًا.
وإذا أوجبنا الضمان فطلب صاحب الجوهرة ذبحها ورد الجوهرة .. فقد سبق بيانه في (الغصب).
قال: (أو ليلًا .. ضمن)؛ لما روى مالك [2/ 747]. والشافعي [1/ 195] وأحمد [4/ 295] وأبي داوود [3565] والنسائي [سك 5753] وابن حبان [6008] والحاكم [2/ 48] والدارقطني [3/ 155] والبيهقي [8/ 341] عن معمر عن الزهري، عن حرام – بالراء- ابن مُحَيَّصة الأنصاري:(أن ناقة كانت للبراء، فدخلت حائطًا فأفسدت فيه، فكلم رسول الله صلى الله وسلم فيها، فقضى أن حفظ الحوائط بالنهار على أهلها، وأن حفظ الماشية بالليل على أهلها، وأن على أهل الماشية ما أصابت ماشيتهم بالليل).
قال الشافعي: فأخذنا بهذا الحديث: لثبوته واتصاله ومعرفة رجاله، وقال الحاكم: إنه صحيح الإسناد، وبهذا يرد على ابن حزم في قوله: إنه خبر لا يصح.
وروى البيهقي [8/ 342] عن الشعبي، عن شريح: أنه كان يضمن ما أفسدت
إِلَاّ أَنْ [لَا] يُفَرِّطَ فِي رَبْطِهَا، أَوْ حَضَرَ صَاحِبُ الزَّرْعِ وِتَهَاوَنَ فِي دِفْعِهَا، وَكَذَا إِنْ كَانَ الزَّرْعُ فِي مَحُوطٍ لَهُ بَابٌ تَرَكَهُ مِفْتُوحًا فِي الأَصَحِّ
ــ
الغنم بالليل ولا يضمن ما أفسدت بالنهار، وتأول هذه الآية:{وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} وكان يقول: النفش بالليل والهمل بالنهار، وأتي بشدة أكلت عجينًا وبشاة أكلت غزلًا .. فقضى فيهما بالضمان ليلًا لا نهارًا.
أما في القرى العامرة والبلدان المتجاورة التي لا يمكن المرعي إلا في ساقية أو نهر بين المزارع ونحو ذلك .. فالأصح: أنه لا يجوز إرسالها نهارًا وعلية ضمان ما أتلفته، وقيل: لا يضمن؛ للخبر، وهذا وارد على إطلاق المصنف.
وإنما افترق الحال بين الليل والنهار؛ لأن العادة أن أصحاب الزرع والبساتين يحفظونها نهارًا، والعادة في البهائم حفظها ليلًا.
قال الإمام: ولم يعلقوا الضمان برقية البهائم كما علقوها برقية العبد؛ لأن الضمان فيما تتلفه البهيمة محال على تقصير صاحبها، والعبد ذو ذمة ملتزمة.
ولو جرت عادة بلد بحفظ الهذارع ليلًا والمواشي نهارًا .. انعكس الحكم في الأصح، فيضمن ما أتلفته نهارًا لا ليلًا.
قال: (إلا أن [لا] يفرط في ربطها)؛ بأن ربطها وأغلق الباب واحتاط على العادة ففتح الباب لص أو أنهدم الجدار فخرجت ليلًا .. فلا ضمان؛ لعدم التقصير منه، وعلي هذه ونحوه حمل قوله صلى الله عليه وسلم:(العجماء جرحها جبار) كما هو في الصحيحين) وغيرهما.
و (العجماء) البهيمة، سميت بذلك؛ لأنها لا تتكلم.
و (الجُبَار) الهدر الذي لا شيء فيه.
قال: (أو حضر صاحب الزرع وتهاون في دفعها)؛ لتفريطه.
قال: (وكذا إن كان الزرع في محوط له باب تركه مفتوحًا في الأصح)؛ لأنه مقصر بفتح الباب.
والثاني: يضمن؛ لإطلاق الحديث.
وَهِرَّةٌ تُتِلفُ طَيْراَ أَوْ طعامًا إن عُهِدَ مِنْهَا ذَلِكَ .. ضَمِنَ مَالِكُهَا فِي الأَصَحِّ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا،
ــ
فروع:
إذا كان للدابة التي في يده ولد سائب فأتلف شيئًا .. ضمنه، وكذا لو كان يقود جملَا وعلية مقطر فأتلف المقطر شيئًا .. ضمنه.
وإذا أرسل دابة في البلد فأتلفت شيئًا .. ضمنه على الأصح.
وإذا دخلت البهيمة المزرعة فصاح عليها رب الزرع فخرجت إلى زرع الجار، فإن اقتصر على تنفيرها عن زرع نفسه .. لم يضمن، وإن تبعها بعد الخروج من زرعه حتى أوقعها في زرع الغير .. ضمن.
وفي (فتاوى البغوي) أن الريح إذا هاجت وأظلم النهار فتفرقت الغنم وأفسدت الزرع .. لا ضمان على الراعي في أظهر القولين.
ولو أرسل الطيور -كالحمام ونحوها- فكسرت على الجيران شيئًا أو التقطت حبًا فلا ضمان على صاحبها؛ لأن العادة إرسالها كذلك.
قال: (وهرة تتلف طيرًا أو طعامًا إن عهد منها ذلك .. ضمن مالكها في الأصح ليلًا ونهارًا)، كما يضمن مرسل الكلب العقور ما أتلفه: لأن مثل هذه ينبغي ربطها وكف شرها.
والثاني: لا ضمان، سواء أتلفت ليلًا أو نهارًا؛ لآن العادة لم تجر بربطها.
والثالث: يضمن مطلقًا.
والرابع: أنها كالدابة، يضمن ما تتلفه بالليل دون النهار.
والخامس: عكسه، وهذا الحكم في الجمل والحمار الذين عرفا بعقر الدواب وإتلافها.
والمرأة التي دخلت النار في هرة كانت كافرة، رواه الحافظ أبو نعيم في (تاريخ
وَإِلَاّ .... فَلَا فِي الأَصَحِّ
ــ
أصبهان)، ورواه البيهقي في (البعث والنشور) عن عائشة، فاستحقت العذاب بكفرها وظلمها.
وقال القاضي عياض في (شرح مسلم) يحتمل أنها كانت كافرة، ونفى المصنف في (شرحه) هذا الاحتمال، وكأنهما لم يطَّلعا على النقل في ذلك.
قال: (وإلا .. فلا في الأصح)؛ لأن العادة صون الطعام عنها.
والثاني: يفرق بين الليل والنهار كما سبق.
والأصح: أن هذه الهرة يجوز قتلها في حال عدوها دون غير هذه الحالة.
وجوز القاضي قتلها في حال سكونها إلحاقًا لها بالفواسق الخمس، فيجوز قتلها، ولا يختص بحال ظهور الشر.
قال الإمام: وقد انتظم لي من كلام الأصحاب: أن الفواسق مقتولات لا يعصمها الاقتناء، ولا يجري الملك عليها، ولا أثر لليد والاختصاص فيها.
تتمة:
ينبغي تقييد جواز القتلى بما إذا لم تكن حاملًا: لأن في قتلها حينئذ قتل أولاد لم تتحقق منهم جناية، وسكتوا عن ضابط العادة في ذلك، والظاهر: أنه يأتي فيه خلاف مرتين أو ثلاثًا كما في الكلب المعلم.
* * *
خاتمة
سئل القفال عن حبس الطيور في الأقفاص لسماع أصواتها وغير ذلك؛ فأجاب بالجواز إذا تعهدها مالكها بما تحتاج إليه؛ لأنها كالبهيمة تربط.
* * *
كتاب السير