المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب قطع السرقة - النجم الوهاج في شرح المنهاج - جـ ٩

[الدميري]

الفصل: ‌كتاب قطع السرقة

‌كتاب قطع السرقة

ــ

كتاب قطع السرقة

لو عبر بكتاب السرقة .. كان أولى، وهي- بفتح السين وكسر الراء-: أخذ مال الغير خفيه من حرز مثله، مأخوذة من المسارقة ، ويجوز إسكان رائها مع فتح السين وكسرها.

والأصل فى الباب قبل الاجماع: قوله تعالى: {والسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} واختلفو: هل هي عموم خص، أو مجمل بين على وجهين.

قرأ عيسى بن عمر: (والسارق والسارقه) بالنصب على إضمار فعل يفسره الظاهر، وفضلها سيبويه على قراءة العامه من أجل الأمر، فإن (زيدا اضربه) أحسن من (زيد اضربه)، قال أبو عبيد: كان الغالب على عيسى بن عمر حب النصب ، وكذلك قرأ:{براءة من الله ورسوله} و {الشعراء يتبعهم الغاوون} و {سورة أنزلناها} و {لواحة للبشر} وقرأ: {ق والقران المجيد} وقرأ:

: {حَمَّالَةَ الحَطَبِ} وقرأ {فالق الإصباح} وقرأ: {قل إن صلاتيَ ونسكى ومحياي ومماتي} بفتح الياء فيهن.

وقطع النبى صلى الله عليه وسلم الخيار بن عدي بن نوفل والمرأة المخزومية.

واسمها مرة، وقيل: فاطمة بنت الأسود، وفي (النسائي) [71/ 8]: أنه أمر بلالا فقطع يدها، وقال صلى الله عليه وسلم في امرأة شريفة:(لو سرقت .. لقطعت يدها)

وأول من حكم بقطع السارق فى الجاهلية الوليد بن المغيرة.

ص: 149

يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهِ فِي المَسْرُوقِ أُمُورٌ: كَوْنُهُ رُبُعَ دِينَارٍ

ــ

قال: (يشترط لوجوبه فى المسروق أمور: كونه ربع دينار)

أركان السرقه ثلاثة: المسروق، والسرقة، والسارق.

فالمسروق شرطه: أن يبلغ ربع دينار، فلا يقطع فيما دونه؛ لما روى مسلم [1684/ 2] عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقطع السارق إلا في ربع دينار فصاعدا) والمراد: ربع مضروب ، سواء كان صحيحا أو قراضة.

وقطع ابن بنت الشافعي بالقطع فى كل مسروق، ولم يعتبر النصاب، وبه قال الحسن وداوود؛ لعموم الاية، ولقوله صلى الله عليه وسلم:(لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده) متفق عليه [خ 6783 – م 1687].

وأجيب بأن المراد: بيضة الحديد ، وقيل: أراد به يتدرج من القليل إلى الكثير ولما نظم أبو العلاء المعي أحمد بن عبد الله بن سليمان بيته الذى شكك به على الشريعة وهو قوله [من البسيط]:

يد بخمس مئين عجد وديت .... مابلها قطعت في ربع دينار

أجابه القاضي عبد الوهاب بقوله [من البسيط]:

صيانة النفس أغلاها وأرخصها

خيانة المال فافهم حكمة الباري

يعنى: لما كانت أمينة. كانت ثمينة ، فلما خانت .. هانت.

والنصاب عند أبي حنيفة عشرة دراهم أو ما يساوى ذلك، وعند مالك ثلاثة

ص: 150

خَالِصًا أَوْ قِيمَتَهُ،

ــ

دراهم؛ لما روى الشيخان [خ6795 - م1686] أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته وفي لفظ: ثمنه ثلاثة دراهم).

وفي (الموطأ [2/ 832] أن سارقًا سرق أترجة قيمتها ثلاثة دراهم، فقطع عثمان يده.

قال مالك: هي الأترجة التي يأكلها الناس.

وعن أحمد روايتان كالمذهبيين.

وقال سليمان بن يسار: لا تقطع الخمس إلا في خمس، أراد: خمسة دنانير، وبه قال ابن ابي ليلى، فلو شهد شاهدان: أن المسروق نصاب، وآخران: أنه دونه .. لا قطع.

قال: (خالصًا)، فلو سرق تبرًا أو مغشوشًا، فلو بلغ خالصة ربعًا .. قطع، والا .. فلا.

و (الدينار) هو المثقال بوزن مكة، ولا يشترط أن يكون لواحد، بل يقطع بسرقته وان كان لجماعة.

وقوله: (خالصًا) حال من دينار، ومجيء الحال من المضاف اليه قليل، لكن سوغ ذلك هنا كونه بعضًا مما له أضيف.

قال: (أو قيمته)؛ لما ثبت في (الصحيح) أن النبي صلي الله عليه وسلم

قال: (تقطع اليد في ربع دينار وفيما قيمته ربع دينار) والمراد: قيمته في ذلك الزمان والمكان، وذلك يختلف باختلافهما.

والمعتبر: قيمة يوم الاخراج من الحرز، ويصدق السارق في قيمته الا أن تقوم بينة، وانما يقوم بغالب نقد البلد، فان سرق ما يساوى نصابا فتقصت قيمته بعد ذلك .. لم يسقط القطع؛ لأنه كان نصابًا حال السرقة.

ونبه بقوله: (أو قيمته) على أن الاصل في التقويم الذهب الخالص، حتى لو سرق دراهم أو غيرها .. قومت به، فان بلغت قيمته ربع دينار مضروبًا .. قطع، والا .. فلا، وخالف الدرامي والفوراني وصاحب (الذخائر) فجعلوا الدراهم

ص: 151

وَلَوْ سَرَقَ رُبُعًا سَبِيكَةً لَا يُسَاوِي رُبُعًا مَضْرُوبًا .. فَلَا قَطْعَ فِي الأَصَحِّ، وَلَوْ سَرَقَ دَنَانِيرَ ظَنَّهَا فُلُوسًا لَا تُسَاوِي رُبُعًا .. قُطِعَ، وَكَذَا ثَوْبٌ رَثٌّ فِي جَيْبِهِ تَمَامُ رُبُعٍ جَهِلَهُ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ مَرَّتَيْنِ:

ــ

والدنانير أصلين في التقويم؛ لظاهر الحديث.

وشملت عبارة المصنف: المصحف ولحم الأضحية، وقال أبو حنيفة: لا قطع في سرقة المصحف.

وقال ابن حبيب– من أصحاب مالك-: لا قطع في سرقة لحم الاضحية.

قال: (ولو سرق ربعًا سبيكة) وكذا حليًا (لا يساوي ربعًا مضروبًا .. فلا قطع في الاصح)؛ لأن في الحديث لفظ (الدينار) وهو اسم للمضروب.

والثاني: يقطع؛ لبلوغ العين قدر النصاب، ونسبة ابن الصباغ والبغوي الى الاكثرين، وهو المذهب في (الحاوي) و (البيان)

وعكسه: خاتم زنته دون ربع وقيمته ربع بالصفة .. قال في (اصل الروضة) لا قطع فيه على الاصح، وليس في (الشرحين) فيه تصحيح، بل مقتضى كلام الرافعي: ترجيح القطع.

ولو سرق فلوسًا ظنها دنانير .. قطع ان بلغت نصابًا.

قال: (ولو سرق دنانير ظنها فلوسا لا تساوي ربعًا. قطع)، لأنه قصد سرقة عينها، ولا يشترط علم السارق ببلوغ المسروق نصابًا).

قال: (وكذا ثوب رث في جيبة تمام ربع جهله في الاصح)؛ لأنه أخرج نصابًا من حرزه على قصد السرقة والجهل يجني المسروق لا يؤثر كالجهل بصفته.

والثاني: لا يجب؛ لأنه لم يقصد سرقة نصاب، ويخالف ما ظنه فلوسًا؛ فانه قصد سرقة عينها.

قال: (ولو اخرج نصابًا من حرز مرتين) المراد: أنه أخرج النصاب في دفعتين أو دفعات، لا أنه أخرج النصاب ثم أعادة ثم أخرجه.

ص: 152

فَإِنْ َتَخلَل عِلْمُ الْمَالِكِ وَإِعَادَةُ الْحِرْزِ .. فَالإِخْرَاجُ الثَّانِي سَرِقَةٌ أُخْرَى، وَاِلَّا. قُطِعَ فِي الأَصَحِّ. وَلَوْ نَقَبَ وِعَاءَ حَنْطَةٍ وَنَحْوِهَا فَانْصَبَّ نِصَابٌ .. قُطِعَ فِي الأَصَحِّ

ــ

قال: (فإن تخلل علم الملك واعادة الحرز) أي: ببناء البيت أو إغلاق الباب.

قال: (فالإخراج الثاني سرقة أخرى)، فان كان في كل دفعة دون نصاب لم يقطع.

قال: (والا) أي: وان لم يتخلل على الملك واعادة الحرز) .. قطع في الاصح)؛ لأنه أخرج نصابًا كاملًا من حرز مثله فأشبه ما اذا طر الجيب وأخذ نصابًا

والثاني: لا يقطع؛ لأنه أخذ النصاب من حرز مهتوك.

والثالث: اعاد وسرق بعد ما اشتهر هتك الحرز وعلم الناس .. فلا قطع.

والرابع: ان كان في ليلته .. قطع، أو بعدها .. فلا.

والخامس: ان لم يطل الفصل .. قطع، والا .. فلا.

والسادس: ان كان يخرج شيئًا فشيئًا فيضعه خارج الحرز حتى تم نصاب ولو يفارق الحرز. قطع، وان ذهب بالمسروق الى بيتة ثم عاد .. فلا قطع.

قال: (ولو نقب وعاء حنطة ونحوها فانصب نصاب .. قطع في الاصح)؛ لا نه هتك الحرز وفوت المال ويعد بذلك سارقًا، ومثله: لو طر جيبة فوقع من المال؛ فقد روى البيهقي [8/ 269] عن فقهاء المدينة: أنهم كانوا يقولون على الطرار القطع.

وليفز بذلك فيقال: شخص قطع بسرقة ولو يدخل حرزًا ولو يأخذ مالًا؟

والوجه الثاني لا قطع، وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه خرج بسبب لا مباشر، وسواء نصب دفعة واحدة او شيئا فشيئا على الاصح.

و (الوعاء) ظرف الشيء، والجمع: أوعية، وعبر في (المحرر) بالكندوج، وهم بضم الكاف، وهى لفظة عجمية، والمراد بها: الوعاء، وعبر بها في (المهذب) فى (باب بيع النحل) وأراد بها: الخلية.

ص: 153

وَلَوِ اشْتَرَكَا فِي إِخْرَاجِ نِصَابَيْنِ قُطِعَا ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ سَرَقَ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أِوْ كَلِبًا أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ بِلَا دَبْغٍ .. فَلَا قَطْعَ ، فَإِنْ بَلَغَ إِنَاءُ الخَمْرِ نِصَابًا .. قُطِعَ عَلَى الصَّحِيحِ

ــ

قال: (ولو اشتركا في إخراج نِصابين)؛ بأن نقبا وحملا المال دُفعة واحدة (قطعا)؛ لأن كلًا منهما سرق نِصابًا، وسواء كان ما أخرجاه ثقيلًا كالحديد أو خفيفًا كالثوب، خلافًا لمالك في أحد قوله.

قال القمولي: هذا إذا كان كل واحد منهما يطيق حمل ما يساوى نِصابًا ، فلو كان أحدهما لا يطيق حمله والآخر يطيق فحملا ما فوقه .. فلا قطع على الأول، وهو ظاهر، ولا يقال: إنهما لم يشتركان في هذه الحالة، لأن الإشراك حاصل بأدنى جزء.

فلو كان أحدهما صبيًا أو مجنونًا .. قطع المكلف.

قال: (وإلا .. فلا)؛ لأن كلًا منهما لم يسرق إلا بعض نصا، وليس كالشركة في القتل حيث يجب القصاص عليهما، لأن مقصود القصاص وقاية الروح، وعن مالك وأحمد: يقطعان.

قال: (ولو سرق خمرًا أو خنزيرًا أو كلبًا أو جلد ميتة بلا دبغ .. فلا قطع)؛ لأنها لا تعد مالًا، سواء سرقها مسلم أو ذمي وسرقت من مسلم أو ذمي.

وقال عطاء: إذا سرقها من ذمي قطع؛ لأنهم يعدونها مالًا.

وكان الأولى أن يقول ك ولو أخرج خمرًا .. الخ؛ لأنه بذلك لا يعد سارقا.

واحترز بغير المدبوغ عن المدبوغ؛ فإنه يقطع به، إذ يصح بيعه على الجديد، أما على القديم .. فلا.

ولو دخل الحرز وقطع أليه شاه وأخرجها .. لم يقطع؛ لأنها ميتة.

قال: (فأن بلغ إناء الخمر .. نِصابًا قطع على الصحيح)؛ لأنه سرق نصابًا لا شبهة له فيه، كما إذا سرق إناء فيه بول .. فإنه يقطع بالإنفاق كما قال الماوردى

ص: 154

وَلَا قَطْعَ فِي طُنبُورٍ وَنَحْوِهِ، وَقِيلَ: إِنْ بَلَغَ مُكسَّرُهُ نِصابًا .. قُطِعَ. قُلْتُ: الثَّانِي أ! صَحُّ، وَاللهُ أَعْلَمُ. الثَّانِي: كَوْنُهُ مِلْكًا لِغَيْرِهِ

ــ

وغيره وما وقع في (البيان) من حكاية وجهين فيه .. معترض.

والوجه الثاني: لا قطع؛ لأن الذي فيه مُستحق الإزالة.

والمصنف أطلق الخلاف، ومحله؛ إذا أخرجه بقصد السرقة، فإن قصد بإخراجه إراقته .. لم يقطع قطعًا كما فى آلات الملاهي، وبه صرح بعض الأصحاب، وخصه ابن داود بما إذا كانت لمسلم فإن كانت لذمي .. قطع قطعًا.

وتعبيره ب (الصحيح) مخالف لتعبير (الروضة) بالأصح.

قال: (ولا قطع في طنبور ونحوه) كالمزمار، وكذا كل ما سلط الشرع على كسره؛ لأن التوصل إلى إزالة المعصية مندوب إليه فصار شبهة.

قال الإمام: ولأن المحرز فيه غير متحقق، لجواز الهجوم لأجله، وهذا منصوص (المختصر).

قال: (وقيل: إن بلغ مُكسّره نِصابًا .. قطع)؛ لأنه سرق نصابًا من حرز مثله، وهذا منصوص (الأم) ، وصححه الأكثرون لا جرم.

قال المصنف: (قلت: الثاني أصح والله أعلم)؛ لأنه مال يقوم على متلفه فأشبه ما لو سرقه مفصلًا.

وموضع الخلاف: إذا كان ذلك لمسلم ، فإن كان لذمي .. قطع قطعًا، ومحله: ما لم يكن عليها ذهب أو فضة، فإن كان وهو يبلغ نصابًا .. فأرجح الوجهين: وجوب القطع، فإن سرق آنية ذهب أو فضة .. ففي (المهذب) و (التهذيب) يقطع.

قال الرافعي: والوجه ما قاله في (البيان) إنه مبنى على جواز اتخاذهما ، فإن جاوزناه .. قطع، وإلا .. فلا.

قال: (الثاني: كونه ملكًا لغيره) ، سوا كان لله كرتاج للكعبة أو لآدمي، وسواء كان الآدمي معينًا أو غير معين، كما لو سرق الذمي من بيت المال.

ولا قطع على من سرق مال نفسه من يد غيره؛ كيد المرتهن والمستأجر والمستعير

ص: 155

فَلَوْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ إِخْرَاجِهِ مِنَ الحِرْزِ، أَوْ نَقَصَ فِيهِ عَنْ نِصَابٍ بِأَكْلٍ وَغَيْرِهِ .. فَلَا قَطْعَ، وَكَذَا لَوِ ادَّعَى مِلْكَهُ عَلَى النَّصِّ

ــ

والمودع وعامل القراض والوكيل والشريك والغاصب، سواء كان الملك قويًا أو ضعيفًا، كما إذا سرق المشترى المبيع من البائع بعد انقضاء الخيار، أو قبله وقلنا: إنه ملكه وأو الموقوف عليه العين الموقوفة وقلنا: إنا ملكه، فأما على قولنا: الملك في زمن الخيار للبائع والموقوف ليس ملك الموقوف عليه .. فلا قطع أيضًا لشبهة الملك.

قال: (فلو ملكه بإرث أو غيره قبل إخراجه من الحرز، أو نقص فيه عن نصاب بأكل وغيره .. فلا قطع) ، أما الأولى .. فلأنه لم يخرج إلا ملكه .. وأما الثانية .. فلأنه لم يخرج نصابًا.

واحترز عما إذا نقص بعد الإخراج، فإنه يقطع قطعًا.

قال: (وكذا لو ادعى ملكه على النص) والمراد: ادعى ملكًا سابقًا على السرقة، وكذلك لو ادعى ملكًا بعضه، لأن ما يدعيه محتمل فصار شبهة في القطع، وهذا سماه الشافعي: السارق الظريف.

روى أصحاب الغريب عن عمر أنه قال: (إذا كان اللص ظريفًا .. لم يقطع) أي: إذا كان بليغًا جيد الكلام يحتج عن نفسه بما يسقط الحد.

والظرف في اللسان: البلاغة، وفي الوجه: الحسن، وفي القلب: الذكاء.

ويشهد للنص من السنة: ما رواه مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مر عيسى بن مريم برجل يسرق فنهاه، فقال: إنما آخذ مالي؛ فقال: صدق الله وكذبت عيني).

والفرق بينه وبين ما إذا قامت عليه بينه: أنه زنى بامرأة معينة فقال: كانت زوجتي حين وطئتها أو كانت أمة، فقال: بأعينها مالكها فإن الحد لا يسقط بهذه الدعوى؛ أنه أذن له في قطعها، بل يقتص منه بلا خلاف.

ويقابل النص قول مخرج– أو وجه ضعيف لأبى إسحاق-: إن ذلك لا يسقط

ص: 156

وَلَوْ سَرَقَا وَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا لَهُ أَوْ لَهُمَا وَكَذَّبَهُ الآخَرُ .. لَمْ يُقْطَعِ المُدّعِى وَقُطِعَ الآخَرُ فِي الأَصَحِّ

ــ

القطع؛ لئلا يتخذه الناس وسيلة إلى إسقاط القطع، وتأول قائله النص على ما إذا أقام المدعى بينة على ما أدعاه ..

قال الرويانى في (الحلية) وله وجه في زمان الفساد.

ومحل هذا الوجه أو القول المخرج: ما إذا حلف مدعى السرقة؛ أن العين له ولم يأذن في أخذهما، أما إذا لم يحلف وحلف المدعى عليه .. فلا قطع وجهًا واحدًا.

وقال أحمد: لا يقطع مدعى الملك، وعنه: يقطع، وعنه: إذا كان معروفًا بالسرقة .. قطع، وإلا .. فلا، وهو حسن.

كل هذا بالنسبة إلى القطع، أما المال .. فلا يقبل قوله فيه، بل يصدق المأخوذ منه.

ولو أقر المسروق منه: أن المال كان ملك السارق .. فلا قطع بلا خلاف؛ لاحتمال صدقه فكان شبهة، وكذا لو أقر: انه كان أذن له في أخذهما، سواء صدقه السارق أم لا، وإن وهبها منه بعد الرفع إلى السلطان .. قطع، لأن الذي سرق رداء صفوان أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعه، فقال صفوان: أنا أبيعه وأنسئه ثمنه قال: فعلا كان قبل إن تأتيني به).

ثم إذا قلنا: يسقط القطع بدعوى الملك .. هل سيفصله القاضي سعيًا في سقوط الحد؟ فيه تردد للإمام، رجح المصنف: انه لا يستفصله؛ لأنه إغراء بإدعاء الباطل.

ولو قامت بينة على العبد بسرقة فادعى: إن المال المسروق لسيده .. سقط القطع عنه إن صدقه السيد أو سكت، وإن كذبه .. فوجهان.

قال: (ولو سرقا وادعاه أحدهما له أو لهما وكذبه الآخر .. لم يقطع المدعى)؛ لاحتمال صدقه (وقطع الآخر في الأصح)؛ لأنه مقر بأنه سرق نصابًا لا شبهة له فيه، وهذا مفرع على النص.

ص: 157

وَإِنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزٍ شَرِيكِهِ مُشْتَرَكًا .. فَلَا قَطْعَ فِي الأَظْهَرِ وَإِنْ قَلَّ نَصِيبُهُ.

الثَّالِثُ: عَدَمُ شُيْهَةٍ فِيهِ؛ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَالٍ أَصْلٍ وَفَرْعٍ وَسَيِّدٍ

ــ

والثاني: لا، لأنه ادعى ما لو صدقه فيه لسقط القطع.

وهما كالوجهين فيما لو شهد اثنان على إنسان بقتل يوجب القصاص فأقتص منه ثم رجعا وقال أحدهما: أخطأنا، والآخر: تعمدنا؛ فإنه لا قصاص على مدعى الخطأ وفي الآخر وجهان.

قال: (وإن سرق من حرز شريكه مشتركًا .. فلا قطع في الأظهر وإن كل نصيبه)؛ لأنه له في كل جزء حقًا فأشبه وطء الجارية المشتركة.

والثاني: يقطع؛ إذ لا حق له في نصيب الشريك.

قال: (الثالث: عدم شبهة فيه) ، لما تقدم من أول (حد الزنا) من درء الحدود بالشبهات.

قال: (فلا قطع بسرقة مال أصل وفرع)؛ لشبهة الحق في المال ، وفي حديث الحسن:(أنت ومالك لأبيك).

والأجداد والجدات من كل جهة كالأب والأم،

سوا اتفق دينهما أو اختلف، وقد تقدم: أنه لو وطئ الأصل الرقيق جارية قرعة الحر .. لم يحد للشبهة.

وقال أبو ثور: يقطع كل منهما سرقة مال الآخر؛ لعموم الآية.

وعن مالك: أنه يقطع الولد بسرقة مال الأبوين، بخلاف العكس كالقصاص.

وخرج بـ (الأصل والفرع) ما عداهما كالأخوة وغيرهم؛ فإنه يقطع بسرقة مالهم خلافًا لأبى حنيفة.

قال: (وسيد) بالإجماع، قاله ابن المنذر، ولأن عمر أتى يعيد سرق مرآة لزوج سيده قيمتها ستون درهمًا، فقال:(خادمكم آخذ متاعكم) رواه مالك [2/ 839]، ولرواية أبى داود [4412]:(إن سرق المملوك فبعه) ، وسواء في ذلك المدبر

ص: 158

وَالأَظْهَرُ: قَطْعُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بِالاخَرِ

ــ

والمبعض وأم الولد، وكذا المكاتب في الأصح، وكذلك عبد مكاتبه، قاله الماوردي.

ولو سرق سيد المبعض من مال المبعض .. قال القفال: لا قطع؛ لأن له في بدنه شبهة، وقال أبو علي السنجي: يقطع؛ لأنه لا شبهة له في ذلك النصف.

قال: (والأظهر: قطع أحد الزوجين بالآخر)؛ لعموم الآية.

والثاني: لا؛ للشبهة.

والثالث_ وصححه ابن أبي عصرون_: يقطع الزوج دون الزوجة.

والخلاف مفروض فيما إذا كانت الزوجة لا تستحق علي الزوج شيئًا حين السرقة، فإن استحقت عليه نفقة أو كسوة .. فلا قطع عليه إذا أخذت بقصد ذلك.

ثم شرط المال المذكور: أن يكون محرزًا، فإن كان في حرزهما .. فلا قطع بلا خلاف، وهذا القيد ذكره في (المحرر) ، واهمله المصنف؛ لما سبق في اشتراط ذلك في كل مسروق.

فروع:

سرق مستحق الزكاة ممن هي عليه، فإن كان من غير جنسه .. قطع، وإن كان منه وكان متعينًا للصرف وقلنا: إنها تتعلق تعلق شركة .. فلا قطع كالمال المشترك، قاله البغوي وصاحب (الكافي).

ومن لا يقطع بسرقة مال شخص .. لا يقطع عبده بسرقة مال ذلك الشخص، فلا يقطع العبد بسرقة مال أبي سيده وابنه.

وفي قطع عبد أحد الزوجين بسرقة مال الآخر الخلاف؛ لأن يد العبد كيد سيده.

ولو كان لرجل زوجتان سرقت إحداهما مال الأخري أو سرق مال زوجة أبيه أو ابنه، فالمذهب: وجوب القطع، وقيل: علي الخلاف فيما إذا سرق أحد الزوجين مال الآخر.

ص: 159

وَمَنْ سَرَقَ مَالَ بَيْتَ الْمَالِ: إنْ أُفْرِزَ لِطَائِفَةٍ لَيْسَ هُوَ مِنْهُمْ .. قُطِعَ، وَإِلَّا .. فالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ لَهُ حَقٌ فِي الْمَسْرُوقِ كَمَالِ المَصَالِحِ وَكَصَدَقَةٍ وَهُوَ فَقِيرٌ .. فَلَا، وَإِلَّا .. قُطِعَ،

ــ

قال: (ومن سرق مال بيت المال: إن أفرز لطائفة ليس هو منهم .. قطع) بلا خلاف؛ لأنه لا شبهة له فيه.

قال الإمام: وكذا الفيء المعد للمرتزقة تفريعا علي أنه ملكهم.

قال: (وإلا) أي: وإن سرق غير المفرز لهم) .. فالأصح: أنه إن كان له حق في المسروق كمال المصالح وكصدقه وهو فقير .. فلا، وإلا .. قطع)؛ للشبهة أيضا، ولأن رجلا سرق منه في زمن عمر فلم يقطعه، وعليه حمل قول علي رضي الله عنه:(ليس علي من سرق من بيت المال قطع).

ويقابل الأصح وجهان:

أحدهما: لا يقطع مطلقا غنيا كان أو فقيرا، سواء سرق من مال الصدات أم من مال المصالح؛ لأنه لذوي الحاجات.

والثاني: يقطع مطلقا كسائر الأموال.

والمصنف أطلق منع القطع في مال المصالح، ومحله: في المسلم، أما الذمي إذا سرق نصابا منها .. فالصحيح: أنه يقطع، ولا نظر إلي الإنفاق عليه عند الحاجة؛ لأنه مشروط للصمان، كذا صححه الرافعي هنا، وصحح في (باب اللقيط) أنه ينفق عليه من غير رجوع.

ويستثني من قطع الغني بالصدقة: ما إذا كان غارما وأخذ لإصلاح ذات البين، وكذلك إذا لأخذه للغزو.

ولو زني المسلم بجارية بيت المال .. فالأصح: أنه يحد وإن لم يقطع بسرقة ماله.

ولو كفن مسلم من بيت المال فسرق نباش كفنه .. قطع؛ إذ لم يبق لغير الميت فيه حق، كما لو كساه حيًا.

ص: 160

وَالْمَذْهَبُ: قَطْعُهُ بِبَابِ مَسْجِدٍ وَجُذُوعِهِ لَا حُصُرِهِ وَقَنَادِيلَ تُسْرَجُ. وَالأَصَحُّ: قَطْعُهُ بِمَوْقُوفٍ،

ــ

قال: (والمذهب: قطعه بباب مسجد وجذوعه)؛ لأن ذلك يعد لتحصين المسجد وعمارته لا للانتفاع به.

وخرج الإمام وجهاَ: أنه لا يقطع؛ لأنه من أجزاء المسجد والمساجد يشترك فيها المسلمون كبيت المال، وحكاه الماوردي عن ابن أبي هريرة.

وكذلك حكم سرقة التأزير والبواري وسائر الأموال الموضوعة فيه، وكذلك إذا سرق ستر الكعبة وهو محرز بالخياطة كما قطع به الجمهور، ونقل ابن كج فيه وجهين: ثانيهما: لا؛ لأنه ليس له مالك معين فأشبه مال بيت المال.

و (التأزير) ما يستر به أسفل الجدار من خشب ونحوه.

قال: (لا حُصره وقناديل تسرج)؛ لأنه ذلك لمصلحة المسلمين فله فيه حق كمال بيت المال، وهذا هو الفرق بينه وبين الباب والجذوع.

أما التي لا تسرج فهي كالأبواب.

كل هذا في المسلم، أما الذمي .. فيقطع بها قطعاَ، ويقطع بسرقة بكرة البئر المسبلة عند الفوراني، وقال البغوي: الظاهر: أنها كحصر السمجد؛ لأنها لمنفعة الناس.

ويقطع بسرقة حلقة الباب المسمرة التي تساوي نصابًا؛ لأنها محرزة.

والممتبن حرز للتبن إن كان في البنيان، فإن كان في الصحراء .. فلا يسمي متبنًا، فلا بد من حارس.

قال: (والأصح: قطعه بموقوف) أي: علي غيره؛ لأنه مال محرز.

هذا إذا لم يكن له فيه استحقاق ولا شبهة، فإن كان كما لو وقف علي جماعة هو

ص: 161

وَأُمِّ وَلَدٍ سَرَقَهَا نَائِمَةً أَوْ مَجْنُونَةً. الرَّابِعُ: كَوْنُهُ مُحْرَزًا بِمُلَاحَظَةٍ أَوْ حَصَانَةٍ مَوْضِعِهِ؛ ......

ــ

أحدهم، أو شبهة استحقاق كما لو سرق أبو الموقوف عليه أو ابنه أو وقف علي الفقراء فسرق فقير .. فلا قطع قطعًا.

ولو سرق مالَا موقوفًا علي الجهات العامة أو علي وجوه الخير .. لا يقطع وإن كان السارق ذميًا؛ لأنه تبع للمسلمين في المصالح؛ قاله الروياني.

والوجه الثاني في مسألة الكتاب: لا قطع؛ لأنه لا ملك فيه للآدميين، بل هو ملك لله وحدخ.

وقيل: إن قلنا: الملك لله .. قطع بلا خلاف.

قال: (وأم ولد سرقها نائمة أو مجنونة)؛ لأنها مملوكة مضمونة بالقيمة كالعبد القن.

والثاني: لا؛ لنقصان الملك، وبه جزم الزبيلي وابن القطان.

واحترز بكونها (نائمة أو مجنونة) عما إذا كانت عاقلة مستيقظة؛ فلا قطع لسرقتها لقدرتها علي الامتناع، فلو سرقها مكرهة فكالنائمة، وإنما خصها بالذكر؛ لأنها محل الوجهين.

ولو سرق عبدًا صغيرًا او مجنونا أو بالغًا أو أعجميا لا يميز .. قطع بلا خلاف إذا كان محرزًا.

والمبعضة والمكاتبة لا قطع بسرقتهما؛ لأن مظنة الحرية شبهة مانعة من القطع.

قال: (الرابع: كونه محرزًا بملاحظة أو حصانة موضعه)، فلا قطع في سرقة ما ليس بمحرز؛ لما روي أبو داوود [4390] والنسائي [85/ 8] مرفوعًا:(لا قطع في شئ من الماشية إلا فيما آواه المراح، ومن سرق من التمر شيئًا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن .. فعليه القطع).

ونقل ابن المنذر وغيره فيه الإجماع.

و (الجرين) الموضع الذي يجفف فيه التمر، وهو له كالبيدر للحبوب.

ص: 162

فَإِنْ كَانَ بِصَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ .. اشْتُرِطَ دَوَامُ لِحَاظٍ، وَإِنْ كَانَ بِحِصْنٍ .. كَفَي لِحَاظٌ مُعْتَادٌ. وَإِصْطَبْلٌ حِرْزُ دَوَابَّ .....

ــ

ولا شك أن الحرز يختلف باختلاف الأموال والأحوال والأوقات، فقد يكون الشئ حرزًا في وقت دون وقت بحسب صلاح أحوال الناس وفسادها وقوة السلطان وضعفه، وضبطه الغزالي بما لا يعد صاحبة مضيعًا.

واستثني بعضهم قاطع الطريق؛ فإنه يقطع إذا أخذ المال وهو من غير حرز، وأجيب بأنه غير سارق.

وأورد علي حصر المصنف في (الملاحظة والحصانة) النائم علي ثوبه؛ فإنه لا ملاحظة منه وليس الثوب بموضع حصين ومع ذلك يقطع سارقه كما سيأتي.

والجواب: ان النص ورد به في اسرق رداء صفوان بالقطع.

قال: (فإن كان بصحراء أو مسجد .. اشترط دوام لحاظٍ) أي: إذا فقدت الحصانة كالصحراء أو المسجد أو الشارع .. اشترط مداومة اللحاظٍ؛ لأنه بذلك محرز عرفًا.

و (الحصانة) بفتح الحاء والصاد: التحصين، وهو المنع.

و (اللحاظ) بكسر اللام: المراعاة، مصدر لاحظ، وبالفتح: مؤخر العين من جانب الأذن.

قال: (وإن كان بحصن .. كفي لحاظ معتاد) المقصود بهذا: أن الركن الأعظم في كون المال محرزًا الملاحظة، فلا تغني حصانة الموضع عن أصل الملاحظة، فالدار المنفردة في طرف البلد وإن تناهت حصانتها أو القلعة المحكمة ليست حرزًا إلا بملاحظة، لكن لا يشترط دوامها.

هذا قول جملي، وتفصيله بمسائل ذكرها المصنف، والعرف في جميع ذلك محكم.

قال: (وإصطبل حرز دواب) ولو كانت نفيسة كثيرة الثمن، مهما كان الإصطبل متصلًا بالدور، فلو كان منفصلًا عنها .. فلا بد من الحاظ.

و (الإصطبل) بكسر الهمزة، وهي همزة قطع أصلية.

ص: 163

لَا آنِيَةٍ وَثِيَابٍ، وَعَرْصَةُ دَارٍ وَصُفَّتُهَا حِرْزُ آنِيَةٍ وَثِيَابٍ بِذْلَةٍ [لا حُلِيٍّ وَنَقْدٍ]

ــ

وقوله: (دواب) مكسور منون؛ لأن غير المنصرف إذا أضيف انجر بالكسر.

قال: (لا آنية وثياب)؛ لأن إخراج الدواب مما يظهر ويبعد الاجتراء عليه، بخلاف ما يخف ويسهل حمله.

الذي ذكرخ في (الثياب) مقيد بالنفيس، أما الخسيس كالجل ونحوه مما جت العادة بوضعه هناك .. فهو حرز له تبعًا، صرح به الزنجاني وغيره، وهو ظاهر، وتلحق به آنية الإصطبل كالسطل ونحوه، وآلات الدواب؛ من سرج ولجام وغيرهما

مما جرت العادة بوضعه فيه.

قال: (وعرصة دار وصفتها حرز آنية وثياب بذلة)؛ لقضاء العرف بذلك.

أما الثياب النفيسة .. فحرزها الدور وبيوت الخانات والأسواق المنيعة، فإذا سرق المتاع من الدكاكين وهناك حارس باللي .. قطع.

ولو ترك الأمتعة علي باب الحانوت ونام فيه، أو غاب عنه وضم بعض الأمتعة إلي بعض وربطها بحبل، أو علق عليها شبكة، أو وضع لوحين علي باب الحانوت مخالفين .. كفي إحرازًا في النهار؛ لأن الجيران والمارة ينظرونها.

والمراد بـ (العرصة) صحن الدار، و (الصفة) معرفة، وجمعها: صفف.

وكل ما كان حرزًا لنوع .. فهو حرز لما دونه.

[قال: (لا حلي ونقد)]

ص: 164

وَلَوْ نَامَ بِصَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ عَلَي ثَوْبٍ أَوْ تَوَسَّدَ مَتَاعًا .. فَمُحْرَزٌ، وَلَوِ انْقَلَبَ فَزَالَ عَنْهُ .. فَلَا، وَثَوْبٌ وَمَتَاعٌ وَضَعَهُ بِقُرْبِهِ بِصَحْرَاءَ إِنْ لَاحَظَهُ .. فَمُحْرَزٌ، وَإِلًا .. فَلَا. وَشَرْطُ المُلَاحِظِ: قُدْرَتُهُ عَلَي مَنْعِ سَارِقٍ بِقُوَّةٍ أَوْ اسْتِغَاثَةٍ

ــ

قال: (ولو نام بصحراء أو مسجد علي ثوب أو توسد متاعًا .. فمحرز)؛ لقضاء العرف بذلك، ويدل له حديث سارق رداء صفوان بن أمية الذي رواه مالك غيره، ولهذا قال الشافعي: ورداء صفوان كان محرزًا باضطجاعه عليه.

وهكذا أخذ الخاتم من يده، قال إبراهيم المروروذي: إلا أن يكون مخلخلًا في يده أو كان في الأنملة العليا.

وكذلك الحكم لو أخذ المداس من رجله أو العمامة من رأسه.

قال: (ولو انقلب فزال عنه .. فلا)؛ لأنه لم يبق محرزًا، وكذا لو رفع السارق النائم عن الثوب أولًا ثم أخذ الثوب.

وألحق في (المحرر) بتوسد المتاع: العيبة التي تجعل فيها الأمتعة، وهي الجمدان، فلو كان معه هميان فيه دراهم فتوسده ونام .. قال الماوردي والروياني: لا يكون محرزًا حتي يشده في وسطه، بخلاف الثوب؛ لأن الاحتراز يختلف باختلاف المحرز.

قال: (وثوب ومتاع وضعه بقربه بصحراء إن لاحظه .. فمحرز)؛ للعرف.

قال: (وإلا .. فلا) أي: وإن لم يلاحظه؛ بأن ولاده ظهره أو ذهل عنه .. فلا قطع؛ لأنه غير محرز.

والأصح: أنه يشترط: أن لا يكون في الموضع زحمة الطارقين.

والخلاف جار في الخبارز والبزاز وغيرهما إذا كثرت الزحمة علي باب حوانيتهم.

قال: (وشرط الملاحظ: قدرته علي منع سارق بقوة أو استغاثة) ، فالضعيف الذي لا يبالي السارق به لا أثر له، وكذلك إذا كان النائم بعيدًا عن الغوث .. فهو ضائع مع ماله.

فلو تنازعا في الملاحظ، فقال السارق: كان غافلًا أو نائمًا ضائع، وقال

ص: 165

وَدَارٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنِ العِمَارَةِ إِنْ كَانَ بِهَا قَوِيٌّ يَقْظَانُ .. حِرْزٌ مَعَ فَتْحِ الْبَابِ وَإِغْلَاقِهِ، وَإِلَّا .. فَلَا، وَمُتَّصِلَةٌ حِرْزٌ مَعَ إِغْلَاقِهِ وَحَافِظٍ وَلَوْ نَائِمٍ،

ــ

المالك عكسه .. قال في (البسيط) اندرأ عنه الحد بذلك.

قال: (ودار منفصلة عن العمارة إن كان بها قوي يقظان .. حرز مع فتح الباب وإغلاقه)؛ لاقتصاء العرف ذلك.

قال: (وإلا .. فلا)؛ للعرف أيضًا.

وعبارة المصنف تشمل صورًا:

منها: أن لا يكون فيها أحد.

ومنها: أن يكون فيها من لا يبالي به.

ومنها: أن يكون فيها نائم والباب مفتوح فليست حرزًا، فإن كان مغلقًا والنائم قوي .. فوجهان: أجاب أبو حامد ومتابعوه بأنه محرز. قال المصنف: وهذا قوي، وفي (الشرح الصغير) أنه أقرب، والذي يقتضيه إطلاق) المحرر) و (الكتاب) والبغوي والإمام خلافه.

قال: (ومتصلة حرز مع إغلاقه وحافظ ولو نائم)؛ لأن السارق علي خطر من اطلاعه وتنبيهه بحركاته واستغاثته بالجيران.

ص: 166

وَمَعَ فَتْحِتِه وَنَوْمِهِ غَيْرُ حِرْزٍ لَيْلًا، وَكَذَا نَهَارًا فِي الأَصَحُ، وَكَذَا يَقْظَانُ تَغَفَّلَهُ سَارِقٌ فِي الأَصَحِّ،

ــ

.

ــ

قال: (ومع فتحه ونومه غير حرز ليلًا)؛ لأنه مضيع.

قال: (وكذا نهارًا في الأصح) كما لو لم يكن فيها أحد والباب مفتوح.

والثاني: يكون محرزًا؛ اعتمادًا علي نظر الجيران، وهذا الوجه محله في زمن الأمن، أما زمن الخوف والنهب .. فكالليالي، نقله الرافعي عن (التهذيب) وغيره.

أما لو فتح صاحب الدار بابها وأذن للناس في الدخول عليه لشراء متاعه .. فوجهان- لم يصحح الرافعي منهما شيئا_: والراجح: أنه إن دخل مشتريًا وسرق .. لم يقطع، وإن دخل سارقًا .. قطع كسارق الثياب من الحمام، وصرح الرافعي بذلك في آخر الباب.

والمصنف أطلق: أن المفتوحة غير حرز، ويرد علي باب الدار المفتوحة نفسه والأبواب المنصوبة داخلها؛ فإن جميعها محرزة بتركيبها، وكذلك سقفها ورخامها، فكلام المصنف محمول علي المنقول فيها.

وإذا كان الباب مفتوحًا لكنه مردود بحيث إنه إذا فتح ظهر له صرير أيقظ النائم ..

ففي (الاستذكار) أن ذلك حرز، وفي معناه: إذا كان خلف الباب المردود نائم بحيث لو فتح أصابهه الباب وانتبه.

قال: (وكذا يقظان تغفله سارق في الأصح)؛ لتقصيره بإهمال المراقبة مع فتح الباب.

والثاني: أنها حرز؛ لأنه تقصير من قبل المراقب.

ولو كان يبالغ في الملاحظة بحيث يحصل الإحراز بمثله في الصحراء وانتهز السارق الفرصة .. فلا خلاف في وجوب القطع.

ص: 167

فَإِنْ خَلَتْ .. فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهَا حِرْزٌ نَهَارًا زَمَنَ أَمْنٍ وَإِغْلَاقِهِ، فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ .. فَلَا. وَخَيْمَةٌ بِصَحْرَاءَ إِنْ لَمْ تُشَدَّ أَطْنَابُهَا وَتُرْخَي أَذْيَالُها .. فَهِيُ وَمَا فِيهَا كَمَتَاعٍ بِصَحْرَاءَ، وَإِلَّا .. فَحِرْزٌ بِشَرْطِ حَافِظٍ قَوِيِّ وَلَوْ نَائِمِ،

ــ

قال: (فإن خلت) أي: الدار (.. فالمذهب: أنها حرز نهارًا زمن أمن وإغلاقه، فإن فقد شرط .. فلا)، قال الرافعي: وهذا هو الظاهر، وهو الجواب في (التهذيب).

وينبغي أن يكون ما بعد طلوع الفجر إلي الإسفار في حكم الليل، وما بعد غروب الشمس إلي انقطاع الطارق وأخذ الناس في النوم من النهار، ولم يتعرضوا له.

خادثه:

أغلق الباب نهارًا ووضع المفتاح في حش من الباب، فأخذه السارق وفتح الباب .. أفتي الشيخ بأنه لا قطع عليه؛ لأنه وضع المفتاح هناك تفريط فتكون شبهة دارئة للحد، فإن صح ذلك .. وجب استثناؤه من إطلاق المصنف: أن الدار المغلفة نهارًا حرز.

قال: (وخيمة بصحراء إن لم تشد أطنانهًا وترخي أذيالها .. فهي وما فيها كمتاع بصحراء) ، فيأتي فيها ما تقدم، فلو كانت مضروبة بين العمائر .. فهي كمتاع بين يديه في السوق.

وتقدم في (باب صلاة المسافر) الكلام علي لفظ الخيمة.

قال: (وإلا) أي: وإن شدت أطنانها وأرسلت أذيالها) .. فحرز بشرط حافظ قوي فيها ولو نائم)؛ للعرف، فإن لم يكن فيها أحد ولا يقربها .. فليست محرزة لا هي ولا ما فيها.

وقيل: الخيمة محرزة دون ما فيها.

وقال أبو خنيفة: يجب القطع بسرقة ما فيها، ولا يجب بسرقتهما معًا.

والأصح: أنه لا يشترط إسبال باب الخيمة إذا كان فيها نائمًا.

ص: 168

وَمَاشِيَةٌ بِأَبْنِيَةٍ مُغْلَقَةٍ مَتَّصِلَةٍ بِالْعِمَارَةِ مُحْرَزَةٌ بِلَا حَافَظٍ، وَبِبِريَّةٍ يُشْتَرَطُ حَافِظٌ وَلَوْ نَائِمٌ،

ــ

ولو شدها بالأوتاد ولم يرسل أذيالها وكان يمكن الدخول فيها من كل وجه .. فهي محرزة دون ما فيها.

وقوله: (فيها) يقتضي: اعتبار الحصول فيها، وليس كذلك؛ فقد صرح الشيخان بأن النوم بقربها كهو فيها. وينبغي أن يكون المستيقظ بقربها كذلك، بل أولي، لكن يرد علي إطلاقة: ما لو نام فيها فنجاه السارق ثم سرق .. فلا قطع؛ لأنها لم تكن حرزًا حين سرق كما تقدم في الثوب المفروش تحته.

وقوله: (قوي) ليس في (المحرر)، وعبارة (الشرح) و (الروضة) تفهم:

أن محل اشتراط القوة عند عدم الغوث.

قال: (وماشية بأبنية مغلقة متصلة بالعمارة محرزة بلا حافظ)؛ للعرف، كذا أطلقوه، وينبغي أن يكون محله: إذا أحاطت به المنازل الآهلة، فإن كانت متصلة بالعمارة ولها جانب آخر من جهة البرية .. أن يلحق بالبرية.

واحترز بـ (المغلقة) عما إذا كان الباب مفتوحًا؛ فلا بد من حافظ، سواء كان متيقظًا أو نائمًا.

قال: (وببرية يشترط حافظ ولو نائم)؛ للعادة، فإن كان الباب مفتوحًا .. اشترط الاستيقاظ.

واشترط الماوردي في النائم: أن يكون هناك ما يوقظه لو سرقت من كلب ينبح أو أجراس تحرك، فإن أخل بهذا عند نومه .. لم يكن محرزًا.

ص: 169

وَإِبِلٌ بِصَحْرَاءَ مُحْرَزَةٌ بِحَافِظٍ يَرَاهَا، وَمَقْطُورَةٌ يُشْتَرَطُ الْتِفَاتُ قَائِدِهَا إِلَيْهَا كُلَّ سَاعَةٍ بِحَيْثُ يَرَاهَا، وَأَنْ لَا يَزِيدَ قِطَارٌ عَلَي تِسْعَةٍ،

ــ

وشرط الحافظ هنا: أن يكون قويًا علي دفع السارق.

قال: (وإبل بصحراء محرزة بحافظ يراهل) أي: يري الجميع ويبلغها صوته إذا زجرها، فإن لم ير البعض لكونه في وهدة أو خلف جبل .. فذلك البعض غير محرز.

والمراد بكونها (بصحراء) أنها ترعي.

والخيل والبغال والحمير في المرعي كالإبل، وكذا الغنم إذا ارتفع الراعي علي نشز بحيث يراها ويبلغها صوته وإن تفرقت.

وسكت آخرون عن اعتبار بلوغ الصوت اكتفاء بالنظر؛ لأنه إذا قصد ما يراه أمكنه العدول إليه.

قال: (ومقطورة يشترط التفات قائدها إليها كل ساعة بحيث يراها)؛ لأنها تعد بذلك محرزة، فلو ركب الحافظ أولها .. فهو كقائدها، وإن ركب غير الأول .. فهو لما بين يديه كسائق ولما وراءه كقائد، وفي بلوغ الصوت ما سبق.

قال: (وأن لا يزيد قطار علي تسعة) أي: عشرة إلا واحدًا؛ للعادة الغالبة في ذلك، فإن زاد .. فكغير المقطورة.

وقال ابن الصلاح: سبعة بالباء الموحدة بعد السين، وفيما قاله نظر؛ فإن الروياني والمروروذي ضبطاه بذلك.

وقال الماوردي: القطار لا يزيد علي خمسة.

والأصح في (الشرح) و (الروضة) توسط ذكره السرخسي: أنه في الصحراء

ص: 170

وَغَيْرُ مَقْطُورَةٍ لَيْسَتْ مُحْرَزضةً فِي الأَصَحِّ،

ــ

لا يتقدر القطار بعدد، وفي العمران تعتبر العادة؛ وهي من سبعة إلي عشرة، فإن زاد .. فالزيادة غير محرزة، فكلام (المنهاج) مخالف لما في (الشرح) و (الروضة)، وسببه: اضطراب العرف، والأشبه: الرجوع في كل مكان إلي عرفه.

والخيل والبغال والحمير لا يعتاد فيها القطر.

و (القطار) بكسر القاف: ما كان بعضه إثر بعض، وجمعه: قطر.

قال: (وغير مقطورة ليست محرزة في الأصح)؛ لأنها لا تسير كذلك في الغالب.

والثاني: أنها كالمقطرة، ورجحه الروياني وصاحب (الإفصاح) ، وقال في (الشرح الصغير) إنه أولي الوجهين، ورجحه أبو علي الطبري والقضاة الثلاثة: الماوردي والحسين والروياني، وصاحب (الكافي) والإمام والغزالي وغيرهم، لكن الأول هو المنصوص في (الأم) ، فهو المعتمد وإن خالفه الأكثرون، وليس في (الشرح) ولا في (الروضة) تصحيح لشئ من الوجهين، فإن قلنا بالثاني .. فالمعتبر: أن يقرب منها ويقع نظره عليها.

وإذا كانت البهائم في منزل الاستراحة والمبيت، فإن كانت إبلًا مناخة وليس معها أحد .. فغير محرزة، وإن كان معها حافظها .. فهي محرزة بعقالها، وإن نام الحافظ عنها أو اشتغل وإن لم تكن معقولة .. اشترط أن ينظر إليها ويلاحظها.

وإن كانت خيلًا أو بغالًا أو حميرًا .. فقيل: هي كالإبل، وقال الماوردي: يضم بعضها إلي بعض وتربط ويكون معها من يحفظها متيقظًا أو نائمًا.

فروع:

المتاع الذي علي الدابة المحرزة محرز يقطع سارقه، سواء سرقه مع وعائه أو دونه أو مع الدابة، ولو سرق الجمل وصاحبه نائم عليه .. لم يقطع، وإن سرق بقرة فتبعها عجلها .. لم يكن العجل محرزًا، إلا إذا كان قريبًا منه بحيث يراه إذا التفت وكان

ص: 171

وَكَفَنٌ فِي قَبْرٍ بِبَيْتٍ مُحْرِزٍ مُحْرِزٌ،

ــ

يلتفت كل ساعة كما تقدم في قائد القطار.

ولو دخل المراح وحلب من لبن الغنم أو جز من صوفها ما يبلغ نصابًا وأخرجه .. قطع، ولا يشترط كون اللبن من واحدة منها علي الأصح.

قال: (وكفن في قبر ببيت محرز محرز) فمحرز الأول بكسر الراء، وهو مجرور صفة لبيت، والثاني بفتح الراء، وهو مرفوع خبر قوله:(وكفن).

والمراد: أن سارق الكفن المحرز يقطع؛ لعموم الأمر بقطع السارق.

وروي البيهقي [معرفة17184]: أن النبي صل الله عليه وسلم: (من سرق قطعناه).

وروي أيضًا [معرفة17178]: (أن النبي صل الله عليه وسلم لعن المختفي) وهو نباش القبور.

وقالت عائشة: (سارق موتانا كسارق أحيانا).

وقال الشعبي: النباش سارق.

وروي البخاري في (تاريخه)[104/ 4]: أن ابن الزبير قطع نباشًا.

وفي قول قديم: لا يقطع في الكفن مطلقًا؛ لأنه موضوع للبلي، وبه قال أبو حنيفه.

قال الإمام: وكذلك لو كانت مقبرة محفوفة بالعمارة، أو كان عليها حراس.

ولا فرق بين أن يكون الكفن من مال الميت أو أجنبي أو بيت المال كما تقدم.

ومقتضي ما في (الروضة) أن حارس المقبرة إذا سرق منها لا يقطع.

هذا في الكفن المشروع وهو خمسة أثواب أو ثلاثة، فإن كفن في زائد علي ذلك أو في ثوب حرير لرجل أو فرش ونحوه .. فلا قطع في الأصح.

والطيب الزائد علي القدر المستحب لا يقطع به علي المشهور.

واقتصاره علي (الكفن) يقتضي: أنه لو وضع فيه غيره فسرق .. لا قطع، وهو

و

ص: 172

وَكَذَا بِمَقْبَرَةٍ بِطَرَفِ الْعِمَارَةِ فِي الأَصَحِّ، لا بِمَضْيَعَةٍ فِي الأَصَحَّ

ــ

الأصح، بخلاف الكفن؛ فإن الشرع جعله حرزًا له للضرورة.

ولو وضع في تابوت فسرق .. لا قطع؛ للنهي عنه.

وينبغي اشتراط كون القبر محترمًا، فلو دفن في أرض مغصوبة فسرق منه .. لم يقطع كما سيأتي.

ولا بد من اعتبار كون الميت محترمًا؛ ليخرج به الحربي، ولم أر من تعرض له. ولا فرق في وجوب القطع بين أن يكون القبر كمُل طمه أو لا.

وفي (فتاوي البغوي) لو وضع الميت علي الأرض ونصبت عليه الحجارة .. كان كالقبر فيقطع بسرقة كفنه.

قال في (الروضةينبغي أن لا يقطع إلا إذا تعذر الحفر؛ لأنه ليس بدفن.

ولو كانوا في بحر فطرح الميت في الماء فأخذ رجل كفنه .. لم يقطع؛ لأنه لا يعد إحرازًا، فأشبه ما لو وضع بالأرض فغيبته الريح، قاله البغوي في (فتاويه)، قال الرافعي: وقد يتوقف فيه.

قال: (وكذا بمقبرة بطرف العمارة في الأصح)؛ لأنه حرز في العادة، وقيده الماوردي بما إذا كان القبر عميقًا، فإن كان قريبًا إلي وجه الأرض .. فلا قطع.

والثاني: المنع؛ لأنه ليس دونه باب مغلق ولا عليه حارس، فصار كالمتاع الموضوع هناك.

ومحل الخلاف: إذا لم كين لها حارس، فإن كان .. قطع بلا خوف.

قال: (لا بمضيعة في الأصح)؛ لأن السارق لا يحتاج إلي انتهاز فرصة.

والثاني: أن القبر حرز للكفن بكل حال؛ لأن النفوس تهاب الموتي، وكذلك لا يعد الدافن للميت في ذلك مضيعًا، ونسب هذا ابن الرفعة إلي جماعة كثيرين.

تتمة:

إذا سرق كفن الميت أو ضاع .. وجب تكفينه ثانيًا من تركته، فإن لم يكن .. فهو كمن مات ولا تركة له.

ص: 173

فَصْلٌ.

يُقْطَعُ مُؤَجَّرُ الْحرْز

ــ

وقال الماوردي: إذا كفن من ماله ثم قسمت التركة ثم سرق الكفن .. استحب للورثه تكفينه ثانيًا، ولا يلزمهم ذلك، وقواه المصنف.

وفي مالك الكفن إذا كان من التركة أوجة:

أصحها: الورثة، والميت أحق به ما دام باقيًا، فإذا بلي .. تصرفوا فيه بالفريضة.

والثاني: أنه باق علي ملك الميت.

فعلي هذا: إذا أكله سبع أو أظهره سيل .. الأصح: أنه يكونلبيت المال، وجزم ابن الصباغ والقاضي والإمام بأنه لورثته.

والثالث: أنه لله تعالي، فإذا ظهر بعد البلي .. كان ليت المال، قال الرافعي: بلا خلاف، وقال القاضي: يكون للورثة، كذا نقله القمولي.

وإن قلنا بالأصح .. فالوارث الخصم في سرقة، فإن سرقه وارثه أو ولده .. لا قطع، وإن قلنا: لله .. فالخصم الحاكم، فإن كفن من بيت المال أو كفنه أجنبي ..

فالأصح: أنه باق علي ملك المكفن أو بيت المال كما لو أعار أرضًا يدفن فيها.

قال: (فصل: يقطع مؤجر الحرز) خلافًا لأبي حنيفة.

لنا: أنه لا شبهة له فيه ومنفعته مستحقة بعقد الإجارة والإحراز من المنافع، وهذا بخلاف ما إذا وطئ أمته المزوجة .. فإنه لا يحد؛ لأن الشبهة قائمة في المحل.

ص: 174

وَكَذَا مُعِيرُهُ فِي الأَصَحِّ،

ــ

قال الرافعي: وفي هذا الاستدلال إعلام بأن التصوير فيمن استحق بالإجارة إيواء المتاع دون من استأجر لزراعة فآوي ماشية مثلًا، وتبعه في (الروضة) علي ذلك، فإطلاق الكتاب أيضًا محمول عليه هذا إذا سرق في مدة الإجازة، فإن كان بعد انقضائها .. ففيه الخلاف الآتي في المعير.

كل ذلك في الإجازة الصحيحة، أما الفاسدة .. فلا يأتي فيها خلاف.

قال: (وكذا معيره في الأصح) ، هو المنصوص؛ لأنه سرق النصاب من حرز محترم.

والثاني: لا يقطع؛ لأن المنفعة ملك المعير فلم يهتك حرز الغير.

والثالث: أن دخل بنيَّة السرقة وأخذِ المال .. قطع، أو بنيَّة الرجوع في العارية .. فلا، ومحل الخلاف: في العارية الجائزة، فإن كانت لازمة يمتنع الرجوع فيها .. قطع قطعًا.

والذي أطلقه المصنف من قطع المعير محله: إذا لم يتقدمه رجوع، فإن رجع أولًا في العارية بالقول وامتنع المستعير من الرد بعد التمكن .. فلا قطع قطعًا؛ لأن المستعير حينئذ يتصرف فيه بغير حق فكان كالغاصب.

هذا إذا استعمله في الوجه المأذون له فيه، فلو استعار للزراعة فغرس ودخل المعير فسرق من الغراس .. لم يقطع، علي قياس ما قاله الرافعي في صورة الإجازة السابقة.

فرع:

أرتهن دارًا وأحرز فيها متاعاَ .. لم يقطع سارقه، سواء سرقه الراهن أو غيره؛ لأن منافع الرهن للراهن فصار المرتهن كالغاضب.

ص: 175

وَلَوْ غَصَبَ حِرْزًا .. لَم يُقْطَعْ مَالِكُهُ، وَكَذَا أَجْنَبيٌّ فِي الأَصَحِّ، ولوْ غضبَ مَالًا وَأَحْرَزَهُ بحرْزهِ فسرَقَ الْمَالِكُ منْهُ مَالَ الغَاصب أوْ أجْنبِيٌّ الْمغْصُوبَ .. فلَا قطْعَ فِي الأصحِّ

ــ

قال: (ولو عصب حرزًا .. لم يقطع مالكه) أي: بسرقة ما أحرزه الغاصب فيه؛ لأن له الدخول والهجوم عليه فلا يكون محرزًا عنه، كذا جزم به الرافعي.

وفيه وجه في (التنبيه) أنه يقطع؛ لأنه مال محرز لا شبهة له فيه، وهذا لا يعرف في غيره.

قال: (وكذا أجنبي في الأصح)؛ لأن الإحراز من المنافع والغاصب لا يستحقها.

والثاني: يقطع؛ لأنه لا حق للأجنبي فيه وليس له الدخول.

قال: (ولو غصب مالًا وأحرزه بحرزه فسرق المالكُ منه مالَ الغاصب أو أجنبيٌّ المغصوب .. فلا قطع في الأصح) ، أما في المالك .. فلأن له دخول الحرز وهتكه لأخذ ماله، فالذي يأخذ من الغاصب يأخذه وهو غير محرز عنه.

ووجه مقابله: أنه إذا أخذ المال .. هتك الحرز للسرقة لا لأياخذ ماله فيقطع.

وأما إذا سرق المغصوب أجنبي .. فلأنه حرز لم يرضه المالك وهو في يده بغير حق.

ووجه مقابله: أنه سرق نصابًا من حرز مثله لا شبهة له فيه.

والخلاف جار سواء عرف السارق أنه مغصوب أم لا.

وخص بعضهم الوجهين في المسألة الأولي بما إذا تميز مال الغاصب عن ماله، سواء أخذه وحده أو مع مال نفسه، وإلا .. لم يقطع جزمًا.

فرع:

سرق الطعام عام القحط والمجاعة، فإن كان يوجد بثمن غال .. قطع، وإن كان لا يوجد ولا يقدر عليه .. لم يقطع جزمًا، وعلي هذا يحمل ما جاء عن عمر رضي الله

ص: 176

وَلَا يُقْطَعُ مُخْتلسٌ وَمُنْتهبٌ وَجاحدُ وَديعةٍ. وَلَوْ نَقَبَ وَعَادَ فِي لَيْلَةٍ أُخْري فسَرقَ .. قُطع في الأصحَّ

ــ

عنه: (أنه لا قطع في المجاعة) ، كذا استدل به الرافعي وغيره، وهو غريب.

قال: (ولا يقطع مختلس ومنتهب) هذا هو الركن الثاني، وهو نفس السرقة.

والدليل عيل أنه لا يقطع المختلس: ما روي الأربعة عن جابر: أن النبي صل الله عليه وسلم قال: (ليس علي المختلس والمنتهب والخائن قطع).

و (المختلس) الذي يعتمد العرب، و (المنتهب) يعتمد القوة والغلبة، وكل منهما يأخذ عيانًا والسارق يأخذ خفية فاختلفا.

قال: (وجاحد وديعة)؛ لأنه لم يوجد منه أكثر من حبسه عن مالكه والكذب في جحوده، وليس واحد منهما موجبًا للقطع، وكذا الحكم في الخائن، وهو: من يأخذ بعضها، وحديث المخزومية التي كانت تستعير المتاع وتجحده ذكره للتعريف، فإنها اشتهرت بذلك؛ لا أن ذلك سبب القطع، ويدل له ما في (الصحيحين) [خ3475 - م1688]: أن قريشًا أهمهم شأنها لما سرقت.

وقال أحمد في المسائل الثلاثة: عليهم القطع.

لكن كان ينبغي للمصنف أن يمثل بجاحد العارية؛ فإنه موضع الخلاف بيننا وبينه.

قال: (ولو نقب وعاد في ليله أخري فسرق .. قطع في الأصح) كما لو نقب في أول الليل وأخرج المال في آخره.

والثاني: لا يقطع؛ لأنه عاد بعد هتك الحرز، فصار كما لو جاء غيره وأخذ المال.

ص: 177

قُلتُ: هذَا إِذَا لمْ يعْلَمِ الْمالِكُ وَلَمْ يظْهَرْ للطارقِينَ، وَإِلَاّ .. فلَا يُقْطَعُ قطعًا، واللهُ أعْلمُ. ولَو نَقَبَ وَأَخْرَجَ غَيْرُهُ .. فلَا قطْعَ،

ــ

قال: (قلت: هذا إذا لم يعلم المالك النقب ولم يظهر للطارقين)؛ بأن كان خفياَ.

قال: (وإلا .. فلا يقطع قطعًا والله أعلم)؛ لانتهاك الحرز، وهذا محكي عن النص، وهو الصواب في التعبير، ووقع في بعض النسخ:(وإلا .. فيقطع قطعًا) ، وهو غلط، والذي بخط المصنف الأول، وهذا التفصيل ذكره الرافعي في (شرحيه) ، وأهمله في (المحرر) ، إلا أن ادعاءه نفي الخلاف ممنوع؛ ففي (البحر) للروياني التصريح به، ولهذا لم يذكره في (الروضة)، علي أن ما جزم به هنا من عدم القطع عند الاشتهار مخالف لما صححه فيما إذا أخرج نصاباَ دفعات: أنه يجب القطع علي الأصح وغن عاد بعد الاشتهار، والصواب: إجراء الخلاف في الموضعين.

وخرج بقوله: (ثم عاد في ليلة اخري) ما إذا نقب وأخرج النصاب عقب النقب؛ فإنه يقطع بلا خلاف؛ لأنه أفعاله المتواصلة كالفعل الواحد.

قال: (ولو نقب وأخرج غيره .. فلا قطع)؛ لأن الناقب لم يسرق والآخذ أخذ من غير حرز، لكن علي الأول ضمان الجدار، وعلي الثاني رد المال.

وقيل: في قطع المخرج قولان، فلو كان صاحب الدار فيها وهو يلاحظها .. قطع المخرج؛ لأنها محرزة، وإن كان نائمًا .. فلا علي الأصح، كمن نام والباب مفتوح، كذا قالي الرافعي.

قال ابن الرفعة: وهذا منه إشارة إلي أن كون السرقة بالنهار؛ لأنه محل الوجهين كما قررنا، أما بالليل .. فقد جزم بأنها ليست محفوظة بالنائم.

كل هذا إذا كان المخرج مميزًا، فلو نقب ثم أمر من لا يميز أو عبدًا أعجميًا بلإخراج ففعل .. وجب القطع علي الآمر علي المشهور.

ص: 178

وَلَوْ تَعَاوَنَا فِي النَّقْب وانْفَرَد أَحَدُهُمَا بالأخْراج، أَوْ وَضعَهُ ناقِبٌ بقُرْب النَّقْبِ فأخْجهُ آخرُ .. قْطعَ الْمخرجُ، وَلَوْ وَضَعَهُ نقْبهِ فأخَذّهُ خَارِجٌ وَهُوَ يُسَاوي نصَابيْنِ .. لَمْ يُقْطعَا فِي الأظْهَرِ

ــ

قال: (ولو تعاونا في النقب وانفرد أحدهما بالإخراج، أو وضعه ناقب بقرب النقب فأخرجه آخر .. قطع المخرج)؛ لأنه السارق، وهذا مع قوله:(ولو نقب وأخرج غيره .. فلا قطع) في غاية التباين؛ فإن غير الناقب إذا لم يقطع فيما إذا كان هو الداخل والسارق فبطريق الأولي أن لا يقطع مع عدم الدخول وتقريب الناقب له من النقب، والغلط حصل من الاختصار.

وعبارة (المحرر)(ولو تعاونا علي النقب وانفرد أحدهما بالإخراج .. فالقطع علي المخرج، وكذا إن دخل أحدهما ووضع المتاع قريباَ من النقب فأدخل الأخر يده وأخرجه) اهـ

فعلم أن صورة المسألة في ناقبين، فتوهم المصنف أنها في ناقب واحد، فوهم.

قال: (ولو وضعه بوسط نقبه فأخذه خارج) أي: قد شاركه في النقب (وهو يساوي نصابين .. لم يقطعا في الأظهر)؛ لأن كلًا منهما لم يخرجه من تمام الحرز.

والثاني: يقطعان؛ لاشتراكهما في الهتك والإخراج، ولئلا يصير ذلك طريقًا إلي إسقاط الحد، وهذا رواه الحارث بن شريح والبقال عن القديم

ولو ناول الداخل الخارج من فم النقب .. لم يقطع واحد منهما، ويسمي هذا

ص: 179

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

السارق: الظريف، كذا حكاه في (البحر) عن الشعبي.

واحترز المصنف عما إذا كان دون نصابين؛ فإنه لا قطع عليهما جزمآ.

فروع:

الأول: علم قرداّ النزول إلى الدار واخراج المتاع فنقب الحرز وأرسل القرد وأخرج المتاع .. قال القفال: ينبغي أن لا يجب القطع، وهو يشكل بما إذا علَّمه القتل ثم أرسله علي إنسان فقتله، فإنه يضمنه.

ويفرق بأن القطع إنما يجب بالمباشرة دون السبب، بخلاف القتل.

الثانى: نقب مقعد وأعمى وحمل الأعمى المقعد وأخذ المال .. فهل يقطعان أو لا، أو يقطع الآخذ دون الحامل؟ فيه أوجه: أصحهما: الثالث.

ولو أخذ الأعمى المال بدلالة المقعد .. فقيل: يقطعان، والأصح: يقطع الأعمى فقط.

ولو كانا بصيرين سالمين فأخذ أحدهما المال وحمله الآخر وأخرجه والمال معه ..

فهل يقطعان أو المحمول فقط؟ فيه وجهان: اصحهما: الثانى.

ولو أخذ المقعد المال وحمله الأعمى .. وجب القطع علي المقعد، ولا يجعل حامل حامل المال حاملا للمال، ولهذا لو حلف لا يحمل طبقًا فحمل رجلا وذلك الرجل علي يده طبق

ولم يحنث الحالف.

الثالث: كان في البستان أترج والماء يدخل من أحد طرفيه ويخرج من الآخر، فجمع النار والوقود في ظرف ووضعه في الماء حتى دخل البستان، فعلا الدخان وأسقط الأترج في الماء وخرج الطرف الآخر فأخذه، أو رمى الأشجار بالأحجار ونحوها حتى تناثرت الثمرة في الماء وخرجت .. لم يقطع علي الصحيح.

ص: 180

وَلَو رَمَاهُ إِلَى خَارجِ حِرزِ، اَوُ وَضَعَهُ بِمَاءِ جَارِ أَو ظَهرِ دَأبةِ سَائرةِ، أَو عَرّضَهُ لِرِيِحِ هَابةِ فأَخَرجَتُهُ .. قُطِعَ، أَو وَاقِفَهِ فَمَشَت بِوَضعِهِ .. فَلَا فِىِ الأَصَحُ. وَلا يَضمَنُ حُرٌ بيدٍ، وَلَا يُقطًعَ سَارِقُهُ ،

ــ

قال: (ولو رماه إلى خارج حرز، أو وضعه بماء جار أو ظهر دابة سائرة، أو عرضه لريح هابة فأخرجته .. قطع) ، أما الأولى .. فكما لو أخرجه بيده.

وصورتها: أن يدخل الحرز فيأخذ المال ويرميه إلى خارج الحرز، فيلزمه القطع، سواء أخذه الرامى أو تركه فضاع أو أخذه غيره.

وقيل: أن لم يأخذه .. فلا قطع، كما لو أتلفه في الحرز.

وأما الثانية

فلأنه المخرج.

واحترز بـ (الجارى) عن الراكد، لكنه إن حركه بيده حتى خرج .. كان كالجارى، وإن حركه غيره حتى خرج .. فالقطع علي المحرك، وإن زاد الماء بانفجار نهر أو مجاء سيل فخرج به .. لم يقطع علي الأصح.

وأما الثالثة .. فلأنه إخراج مال من حرزه، وكذلك لو سيرها هو من باب أولى، وهى

مذكورة في (المحرر).

وأما الرابعة فلتسببه.

واحترز بـ (الهايَّة) عما إذا كانت راكدة ووضعه علي طرف النقب فهبت وأخرجته؛ فالظاهر: إنه لا يجب.

قال: (أو واقفه فمشت بوضعه .. فلا في الأصح)؛ لأن لها اختيارًا في السير.

والثانى: نعم؛ لأن الخروج حصل بفعله، فإنها إذا أثقلت بالحمل

سارت.

والثالث: إن سارت عقب الوضع .. قطع، وإلا

فلا، حكاه الماوردى، وهو كالخلاف في فتح القفص عن الطائر.

قال: (ولا يُضمن حرً بيدِ، ولا يقطع سارقه) وإن كان صغيرًا؛ لأنه ليس بمال.

وعن مالك يجب القطع بسرقته؛ لما روي الدارقطني [202/ 3] عن عائشة: (أن

ص: 181

وَلَوَ سَرَقَ صَغِيرًا بِقِلَادهِ .. فَكَذَا فِى اَلأَصَحَ. وَلَو نَامَ عَبدُ عَلَى بَعِيرِ فَقَادَهُ وَأَخرَجَهُ عَنِ اَلَقَافِلَه .. قَطِعَ، أَو حُرٌ .. فَلَا فِى اَلأَصَحَّ

ــ

النبي صل الله عليه وسلم أتى برجل كان يسرق الصبيان ثم يخرج بهم فيبيعهم في أرض أخري فأمر بقطعه) لكنه ضعيف أو محمول علي الأرقاء.

والحكم فيهم: أن العبد الصغير الذى لا يميز إذا أخذه من حرزه .. يجب القطع بسرقته، والمجنون والأعجمى الذى لايميز كالصغير.

وإن كان الصغير مميزًا فأخذه وهو نائم أو سكران أو مضبوط .. فهو كغير المميز،

وأن دعاه وخدعه ببيعه باختياره .. فلا قطع، والمكاتب والمبعض كالحر.

قال: (ولو سرق صغيرًا) أى: حرًا (بقلاده .. فكذا في الأصح)؛ لأن يده علي ما معه، ولهذا لو كان علي اللقيط مال .. فهو له، كمن سرق جملًا وصاحبه راكبه.

والثانى: يقطع؛ لأنه سرق نصابًا.

والوجهان جاريان سواء أخذه علي صورة السرقه أم لا، وخصهما الزبيلي بما إذا

نزع الحلى والثياب عن الصبي، فإن لم ينزعهما .. فلا قطع قطعًا، ويتعين أن يكون مراده بما إذا نزعهما بعد الإخراج من الحرز.

والخلاف في القلادة جار فيما إذا كان معه مال.

وموضع الوجهين: إذا كان الصغير في موضع لا ينسب لتضييع، وإلا .. لم يقطع بلا خلاف.

واحترز بـ (الصغير) عن البالغ العاقل؛ فلا خلاف أنه لا يقطع إذا حمله نائمًا أو مكرهًا وعليه حلى، وطرد بعضهم الخلاف فيه.

ولو سرق كلبًا في عنقه قلاده .. قطع، وحرز الكلب حرز الدواب ..

قال: (ولو نام عبد علي بعير فقاده وأخرجه عن القافله .. قطع)؛ لأنه كان محرزًا بالقافلة.

والثانى: المنع؛ لأن يده علي البعير، وإنما تتحقق السرقة عند إزالتها.

قال: (أو حر .. فلا في الأصح)؛ لأن البعير والمتاع بيده.

ص: 182

وَلَوَ نَقَلَ من بِيتِ مُغلَقِ إلِى صَحنِ دَارِ بَابُهَا مَفتُوحٌ .. قُطِعَ، وَإِلأَ .. فَلَا، وَقِيلَ: إِن كَانَا مُغلَقَينِ .. قطِعَ. وَبَيتُ خَانِ وصَحْنُهُ كَبَيتٍ وَدَارِ فِى ألأَصَحُ

ــ

والثانى: يقطع مطلقًا؛ لأنه أخرج نصابًا من الحرز إلى محل الضياع.

والثالث: إن كان الراكب قويًا لا يقاومه السارق .. لم يقطع، أو ضعيفًا لا يبالي به قطع.

وأطلق المصنف (الحر والعبد) ومراده: البالغين والعاقلين.

قال: (ولو نقل من بيت مغلق إلى صحن دار بابها مفتوح .. قطع)؛ لأنه أخرجه إلى موضع الضياع.

ومراده بقوله: (بابها مفتوح) أنه كان مفتوحًا، لا ما فتحه هو سواء تركه مفتوحًا أم أغلقه ..

فلو كانت الدار مشتركة بين سكان وانفرد كل ساكن ببيت أو حجره فيها .. فهى مسألة الخان الآتيه، وكذلك بيوت المدرسة والرباط.

قال: (وألا .. فلا) أى: إذا كان باب البيت مفتوحًا وباب الدار مغلقًا لم يقطع؛ لأنه لم يخرجه عن تمام الحرز، وكذا إذا كانا مفتوحين؛ لأن المال ضائع إذا لم يكن محرزًا باللحاظ.

قال: (وقيل: إن كانا مغلقين .. قطع)؛ لأنه أخرجه من حرز.

والأصح: المنع؛ لأنه لم يخرجه إلى تمام الحرز، فأشبه ما إذا أخرج من الصندوق إلى البيت ولم يخرج من البيت.

والثالث: إن كان الصحن حرزًا .. لم يقطع، وإلا

قطع.

قال: (وبيت خان وصحته كبيت ودار في الأصح) ، فيفترق الحال بين أن يكون باب الخان مفتوحًا أو مغلقًا، كما إذا أخرج من البيت إلى صحن الدار.

والثانى: يجب القطع بكل حال؛ لأن صحن الخان ليس حرزًا لصاحب البيت، بل هو مشترك بين السكان، فهو كالسكة المشتركة بين أهلها.

ص: 183

فَصْلٌ:

لَا يُقطَعُ صَبِىٌ وَمَجنُونٌ

ــ

وموضع الخلاف: إذا كان السارق من غير سكانه، فإنه كان منهم وسرق من البيت والحجرة المقفلين .. قطع، وإن سرق من العرصة .. لم يقطع.

تتمه:

دخل الحمام ليغتسل فسرق ثياب بعض الداخلين أو مئزر الحمام ونحوه وأخرجه .. لم يقطع، وإن دخل ليسرق، فإن كان هناك حافظ الحمامي أو غيره .. قطع، وإن لم يكن حافظ أو كان

لكنه نائم أو اشتغل عن الحفظ .. لم يقطع.

ولو نزع ثيابه والحمامي أو الحارس جالس ولم يسلمها إليه ولا استحفظه بل دخل علي العاده فسرقت .. فلا قطع ولا ضمان علي الحمامي ولا علي الحارس، وقيل: يقطع للعادة.

ولو سرق السفن من الشط وهى مشدودة .. قطع.

ولو ابتلع جوهرة في الحرز وخرج .. فقيل: يقطع؛ وقيل: لا، والأصح: إن حرجت منه .. قطع، وإلا .. فلا.

قال: (فصل) عقده للركن الثالث وهو السارق.

وشرطه: التكليف والاختيار والالتزام، فإذا حصل ذلك .. وجب القطع من غير فرق بين الرجل والمرأه، والحر والعبد.

وكان ابن عباس يرى أن العبد الآبق إذا سرق لا قطع عليه، وبقوله قال أبو حنيفه؛ بناء

علي أن القضاء علي الغائب لايجوز؛ إذ في قطعه قضاء علي سيده الغائب.

وقال الشافعى: لا تزيده معصية الله بالإباق خيرًا.

قال: (لايقطع صبي ومجنون)؛ لرفع القلم عنهما.

واستدل له الرافعى بأن النبي صل الله عليه وسلم أتى بجارية سرقت فوجدها لم تحض فلم يقطعها، وهو غريب، لكن نص في (الإملاء) علي أن الصبي يعزر،

ص: 184

وَمُكْرَه، وَيُقْطَعُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ بِمَالِ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ، وَفِي مُعَاهدٍ أَقْوَالٌ: أَحْسَنُها إنْ شُرِطَ قَطْعُه بِسَرِقَه .. قُطِعَ، وَإلَّا .. فَلَا. قُلْتُ: الأَظْهرُ عِنْدَ الجُمْهورِ: لَا قَطْعَ، والله أَعْلَمُ

..

ــ

وكذلك المجنون الذي له نوع تمييز، قال له القاضي حسين، وكان ينبغي أن يقول:(وحربي)؛ لأنه غير ملتزم بالأحكام.

قال: (ومكره) ، للخبر المشهور.

ولا يجب القطع علي المكره– بكسر الراء– جزمًا كالمكره علي الزنا.

قال: (ويقطع مسلم وذمي بالمال مسلم وذمي) ، أما قطع المسلم بمال المسلم ..

فبالإجماع، وأما قطعه بمال الذمي .. فهو المشهور، لأنه معصوم بذمته.

وقيل: لا يقطع كما لا يقتل المسلم بالذمي، وهذا شاذ.

وفي قطع الذمي بالسرقه ثلاثه أوجه:

أصحها: يقطع مطلقًا.

والثاني: لا يقطع إلا برضاه بحكمنا.

والثالث: إن سرق مال مسلم .. قطع قطعًا، وإن سرق مال ذمي .. لم يقطع إلا برضاه، وفي إقامه الحد عليه بالزنا هذه الأوجه.

قال: (وفي معاهد) وكذا من دخلها بأمان (أقوال: أحسنها إن شرط قطعه بسرقه .. قطع، وإلا .. فلا)؛ لأنه إذا عوهد علي هذا الشرط .. فقد إلتزمه.

والثاني: لا قطع مطلقًا ،وهو المنصوص في أكثر كتبه، ورجحه الأصحاب.

والثالث: يقطع مطلقًا كالذمي.

والمصنف وافق (المحرر) في التعبير بـ (الأحسن) ، وعباره (الشرح الصغير) أقربها، وفي (الروضه) و (أصلها) أظهرها – عند الأصحاب، وهو نصه في أكثر كتبه_: لا يقطع، وهو موافق لما في (المنهاج) حيث قال:

(قلت: الأظهر عند الجمهور: لا قطع والله أعلم) ، لأنه لم يلتزم الأحكام فأشبه الحربي.

ص: 185

وَتَثْبُتُ السَّرِقَه بِيَمِينِ المُدَّعِي المَرْدُودَه فِي الأَصَحْ،

ــ

وقال الماوردي: محل الخلاف: إذا سرق مال مسلم أو ذمي، فإن سرق مال معاهد .. فلا قطع قطعًا ولا نحده بقذفه.

وفي انتقاض عهده بالسرقه أوجه: ثالثها: إن شرط أن لا يسرق .. انتقض، وإلا .. فلا

ولا خلاف أنه يطالب برد ما سرقه إن كان باقيًا، ويبدله إن كان تالفًا.

ولو سرق مسلم مال المعاهد .. قال الإمام: فيه التفصيل كعكسه.

قال: (وتثبت السرقه بيمين المدعي المردوده في الأصح) ، لأنها كالإقرار أو كالبينه، والقطع يثبت بالأمرين جميعًا، فأشبه القصاص، فإنه يثبت باليمين المردوده، وهذا هو الأظهر في (المحرر).

والثاني: لا يثبت القطع بها؛ لأنه حق الله تعالي، فأشبه ما إذا قال: أكره أمتي علي الزنا فحلف المدعي بعد نكول المدعي عليه، فإنه يثبت المهر دون حد الزنا، وصححه الرافعي والمصنف في (الدعاوي) ، وفي (الحاوي الصغير) ها هنا، وأفتى به الشيخ عماد الدين بن يونس، وهو ظاهر نص (الأم) و (المختصر) ، وهو المذهب المفتى به.

ولم يصحح الشيخان ها هنا شيئًا من الوجهين، بل نقلا القطع عن العراقيين وإبراهيم المروروذي، ومقابله عن ابن الصباغ والعمراني وغيرهما.

فرع:

أقر بالسرقه ثم أقيمت عليه البينه ثم رجع .. سقط عنه القطع علي الصحيح) ،

لأن الثبوت كان بالإقرار، صرح به القاضي حسين، وقد تقدم نظير هذا في الزاني إذا رجع بعد الإقرار وإقامه البنيه.

ص: 186

وَبِإِقْرَارِ السَّارِقِ،

ــ

فرع:

أخذ المقر بالسرقه ليقطع فهرب .. هل يسقط عنه القطع؟ قال الشيخ: لم أره مسطورًا لأصحابنا، إنما كلام صاحب (المبسوط) من الحنفيه يقتضي السقوط، ثم قال: والأرجح: عدمه، لكنه لا يتبع ولا يطالب.

ورأيت في (البيان والتحصيل) سئل سحنون عن اللصوص إذا ولوا يتبعون؟

فقال: نعم يتبعون ولو بلغوا برك الغماد.

قال: (وبإقرار السارق) ، مؤاخذه له بقوله.

والمراد: إقرار بعد الدعوى، فإن أقر قبلها .. فالأصح: لا يقطع في الحال، بل يوقف إلي حضور المالك وطلبه كما سيذكره المصنف.

ولا يشترط تكرار الإقرار كما في سائر الحقوق، لقوله صل الله عليه وسلم:(من ابدي لنا صفحته .. أقمنا عليه حد الله تعالي)

ولم يفرق بين أن يتكرر أو لا يتكرر، والحديث المذكور رواه مالك [2/ 825] والشافعي [أم6/ 145] عن زيد بن أسلم مرسلًا، وأسنده الحاكم [4/ 244] والبيهقي [8/ 329] من روايه ابن عمر بإسناد صحيح علي شرط الشيخين.

وعن أحمد: لا يقطع حتى يقر مرتين، للحديث الآتي في المسأله بعدها.

كل هذا بالنسبه إلي الحر، أما العبد .. فقد تقدم في أول (باب الإقرار) حكم إقراره بالعقوبات وأن السيد يقضي فيه بعمله، بخلاف الحر.

فرع:

لا يجب القطع بالإقرار المطلق بالسرقه، وفي شرب الخمر يجب الحد به. وبالزنا فيه وجهان: أصحهما: لا نوجبه.

والفرق: أن اسم السرقه متحقق فلا قطع كما في الشبهه، والمتبادر من شربه المسكر أنه شربه حرامًا.

ص: 187

وَالمَذْهبُ: قَبولُ رُجُوعِه. وَمَنْ أَقَرَّ بِعُقُوبَه لله تَعَالَي .. فَالصَّحِيحُ: أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَه بِالرُّجُوعِ

ــ

قال: (والمذهب: قبول رجوعه) بالنسبه إلي القطع؛ لأنه حق لله تعالي فيسقط كما يسقط حد الزنا، وقد روي أبو أميه المخزومي: أن النبي صل الله عليه وسلم أتي بلص قد اعترف ولم يوجد معه متاع، فقال رسول الله صل الله عليه وسلم:(ما إخالك سرقت) قال: بلي، فأعاد عليه مرتين أو ثلاثًا، فأمر به فقطع وجيء به، فقال:(استغفر الله وتب إليه) فقال: أستغفر الله وأتوب إليه، فقال:(اللهم تب عليه) ثلاثًا - رواه أبو داوود [4380] والنسائي [سك 7428] وابن ماجه [2597] ، وفي سنده مجهول، وأنكر علي إمام الحرمين قوله: متفق علي صحته- فلو لم يكن الرجوع مقبولًا. لم يكن للحث عليه معنيً.

وحاصل ما في المسأله ثلاث طرق: يقبل مطلقًا، لا يقبل مطلقًا، يقبل ويسقط القطع إذا رجع.

قال: (ومن أقر بعقوبه لله تعالي .. فالصحيح: أن للقاضي أن يعرض له الرجوع) فيقول له: لعلك غضبت. لعلك أخذت من غير حرز، وفي الشرب: لعلك لم تعلم أنه مسكر، وفي الإقرار بالزنا: لعلك فاخذت أو قبلت أو لمست؛ لأن النبي صل الله عليه وسلم قال لماعز: (لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت) رواه البخاري.

وقال الإمام: تذكر مسأله الرجوع بحضرته ويذكر حكمها، وقيل: لا يعرض له مطلقًا، وقيل: إن لم يعلم جواز الرجوع .. عرض له ، وإلا .. فلا.

كل هذا إذا كان المقر جاهلًا بالحد) إما لقرب عهده بالإسلام أو لكونه نشأ بباديه بعيده عن العلماء، والخلاف في الجواز فقط.

واحترز بـ (حقوق الله تعالي) عن حقوق الآدميين، فلا يتعرض في السرقه لما يسقط الغرم، بل في دفع القطع.

واحترز بـ (الإقرار) عما إذا ثبت بالبينه. فإن القاضي لا يحمله علي الإنكار.

ص: 188

وَلَا يَقُولُ: ارْجِعْ

ــ

قال: (ولا يقول: ارجع)؛ لأن في ذلك إبطالًا لإقامه الحدود التي أمر الله بها. وفي جواز التعرض للشهود بالتوقف وجهان:

أحدهما: لا يستجيب، وصححه في (البحر).

والثاني: يستجيب، لعموم الأمر بالستر.

وصحح المصنف: أنه إن رأي المصلحه في الستر .. ستر، وإلا .. فلا.

فرع:

يصح العفو عن القطع قبل علم الإمام، لقوله صل الله عليه وسلم في خبر صفوان بن أميه:(هلا كان قبل أن تأتيني به) رواه الشافعي [1/ 335] ومالك [2/ 834] وأبو داوود [4394] والنسائي [8/ 69] وابن ماجه [2595] والبيهقي [8/ 265] والحاكم [4/ 380] وقال: صحيح الإسناد.

وروي: أن الزبير شفع في سارق فقيل له: حتى يبلغ الإمام، فقال:(إذا بلغ الإمام فلعن الله الشافع والمشفع كما قاله رسول الله صل الله عليه وسلم))

وروي: أن معاويه بن أبي سفيان أتي بلصوص فقطعهم حتى بقي واحد منهم فقال [من الطويل]:

يميني أمير المؤمنين أعيذها

بعفوك أن تلقي نكالًا يشينها

يدي كانت الحسنى فلو تم سترها

وإن تعدم الحسناء عونًا تعينها

فلا خير في الدنيا وكانت خبيثه

إذا ما شمالي فارقتها يمينها

فقال معاويه: (كيف أصنع بك وقد قطعت أصحابك؟!) فقالت أم السارق:

يا أمير المؤمنين اجعلها من ذنوبك التي تستغفر الله منها، فخلى سبيله، فكان أول حد ترك في الإسلام).

ص: 189

وَلَوْ أَقَرَّ بِلَا دَعْوَى أَنَّه سَرَقَ مَالَ زَيْدٍ الغَائِبِ .. لَمْ يُقْطَعْ فِي الْحَالِ، بَلْ يُنْتَظَرُ حُضُورُه فِي الأَصَحِّ،

ــ

وسيأتي حكم الشفاعه في الحدود في تتمه (حد الخمر).

قال: (ولو أقر بلا دعوى أنه سرق مال زيد الغائب .. لم يقطع في الحال، بل ينتظر حضوره في الأصح) أي: ومطالبته، لأنه ربما حضر وذكر: أنه كان أباحه له فيسقط الحد وإن كذبه السارق لأجل الشبهه.

والثاني: يقطع في الحال، لظهور الموجب للقطع، فأشبه ما إذا أقر: أنه زنى بفلانه، فإنه لا يشترط حضورها.

وفي (سنن ابن ماجه)[2588] بسند فيه ابن لهيعه: أن عمرو بن سمره أخا عبد الرحمن بن سمره أتى النبي صل الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني سرقت جملًا لبني فلان، فأرسل إليهم، فقالوا: إنا افتقدنا جملًا لنا، فأمر بقطع يده، فقطعت، فحين وقعت الأرض قال:(الحمد لله الذي طهرني منك أردت أن تدخلي جسدي النار).

فإن قلنا: لا تقطع في الحال .. ففي حبسه إلي حضور المالك أوجه:

أحدها: يحبس إلي أن يقدم، كمن عليه قصاص لغائب أو صبي، وصححه في (الكفايه).

والثاني: لا.

والثالث: إن قصرت المسافه ورجي حضوره عن قرب .. حبس، وإلا .. فلا.

والرابع: إن كانت العين تالفه .. حبس ليغرم، وإن كانت باقيه .. أخذت منه ولم يحبس مطلقًا، ثم إن قربت المسافه .. حبس، أو بعدت .. فلا.

والخامس: إن كانت العين باقيه .. وأخذت منه ولم يحبس مطلقًا، وقال القاضي: إنه المذهب.

ص: 190

أَوْ أَنَّه أَكْرَه أَمَه عَلَى الزِّنَا .. حُدَّ فِي الحَالِ فِي الأصَحِّ. ويَثْبُتُ بِشَهادَه رَجُلَيْنِ، فَلَوْ شَهدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ .. ثَبَتَ المَالُ وَلَا قَطْعَ، وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ الشَّاهدِ شُرُوطَ السَّرِقَه

ــ

ولو أقر بغصب مال من غائب .. لم يحسبه الحاكم عليه، لأنه لا مطالبه له بمال الغائب إلا أن يموت وله ورثه أطفال، وهل للحاكم انتزاعه منه؟ فيه خلاف تقدم في بابه.

ولو سرق مال صبي أو مجنون .. قال ابن كج: إن انتظرنا حضور الغائب .. انتظر بلوغه وإفاقته، وإلا .. قطعناه في الحال.

قال: (أو أنه أكره أمه غائب علي الزنا .. حد في الحال في الأصح)؛ لأن حد لا يتوقف علي الطلب.

وقال ابن سريج وغيره: ينتظر حضور المالك؛ لاحتمال أن يقر: أنه كان وقفها عليه، فتصير شبهه مسقطه.

قال: (ويثبت) أي: القطع (بشهاده رجلين) كسائر العقوبات غير الزنا، فإنه خص بمزيد عدد لفحش أمره.

قال: (فلو شهد رجل وامرأتان .. ثبت المال ولا قطع) ، كما لو علق الطلاق أو العتق علي غصب أو سرقه

العسقلاني رحمه الله ما لفظه: (هذه حكايه مختلقه ما أشك أنها من وضع الروافض، ينبغي تبرئه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها) أهـ كلامه جزاه الله خيرًا

فشهد رجل وامرأتان علي الغصب أو السرقه .. ثبت المال دون الطلاق والعتق، كذا نظره الرافعي هنا، وذكر فيه تفصيلًا في (الشهادات).

وقيل: في ثبوت المال قولان، وهذا بخلاف ما إذا شهدوا بالقتل العمد، فإنه لا يثبت القصاص ولا الديه، وكذلك الحكم لو أقام المدعي شاهدًا واحدًا وحلف معه.

قال: (ويشترط ذكر الشاهد شروط السرقه) ، فلا تقبل شهادته مطلقًا ، لاختلاف المذاهب فيها، وفي شروط تعلق القطع بها: فلا بد وأن يبين السارق بالإشاره إلي عينه إن كان حاضرًا، ويذكر اسمه ونسبه بحيث يحصل التمييز إن كان غائبًا، ويكفي عند حضوره أن يقول: سرق هذا.

وعن ابن سريج: يشترط أن يقول: هذا بعينه، وليس بشيء.

ص: 191

وَلَوِ اخْتَلَفَ شَاهدانِ كَقَوْلِه: سَرَقَ بُكْرَه، وَالآخَرِ: عَشِيَّه .. فَبَاطِلَه. وَعَلَي السَّارِقِ رَدُّ مَا سَرَقَ،

ــ

ويجب أن يبين قدر المسروق والمسروق منه وكون السرقه في الحرز.

وعن القاضي أبي الطيب وغيره: أن الشاهد يقول أيضًا: ولا أعلم له فيه شبهه.

وقال صاحب (الشامل) وذكر هذا تأكيد، لأن الأصل عدم الشبهه.

وقد تقدم في (باب الرده) عد المواضع التي لا تسمع فيها البينه إلا مفصله.

قال: (ولو اختلف شاهدان كقوله: سرق بكره، والآخر: عشيه .. فباطله)؛ لأنها شهاده علي فعل لم يتفقا عليه.

وكذا لو قال أحدهما: كبشًا أبيض، وقال الآخر: أسود .. فهما شهادتان علي شيئين مختلفين وبطلانها بالنسبه إلي القطع، وللمشهود له أن يحلف مع أحدهما ويأخذ الغرم، أو معهما ويأخذ غرم ما شهدا به، وهذا يؤخذ من قول (المحرر) لم يثبت بشهادتهما شيء، وهو أولى من تعبير المصنف بـ (البطلان).

ولو شهد واحد بسرقه كبش وآخر بسرقه كبشين .. ثبت الواحد وتعلق به القطع إن بلغ نصابًا.

وكما يشترط التفصيل في الشهاده يشترط في الإقرار بها، فلا يقطع من أقر بالسرقه مطلقًا، لأنه قد يظن غير السرقه سرقه، واسم السرقه يقع علي ما يقطع به وعلى غيره.

قال: (وعلي السارق رد ما سرق)، ففي الحديث الصحيح:(علي اليد ما أخذت حتى تؤديه) ، وبمذهبنا قال أحمد.

وقال أبو حنيفه: إن قطع .. لم يغرم، وإن غرم .. لم يقطع.

وقال مالك: إن كان غنيًا .. ضمن، وإلا .. فلا.

لنا: أن القطع لله والغرم للآدمي فلا يمنع أحدهما الآخر.

وكذا إن كان للمسروق منفعه استوفاها أو عطلها .. وجبت أجرتها كالمغصوب، ولو أعاد المال المسروق إلي الحرز .. لم يسقط القطع ولا الضمان عنه.

ص: 192

فَإِنْ تَلِفَ .. ضَمِنَه وَتُقْطَعُ يَمِينُه، فإن سَرَقَ ثَانِيًا بَعْدَ قَطْعِها .. فَرِجْلُه اليُسْرَى،

ــ

وقال أبو حنيفه: يسقطان.

وعن مالك: لا ضمان ويقطع، كذا في (البحر) ، ولو قيل بعكس هذا .. لكان مذهبًا لدرء الحدود بالشبهات.

قال: (فإن تلف .. ضمنه)؛ جبرًا لما فات.

قال: (وتقطع يمينه) بالإجماع وإن كان أعسر.

وقرأ ابن مسعود: (والسارق والسارقه فاقطعوا أيمانهما) ، والقراءه الشاذه لخبر الواحد في وجوب العمل، كما جزم به الرافعي والشيخ أبو حامد والقضاه: أبو الطيب والحسين والماوردي والمَحاملي، ونص عليه في موضعين من (البويطي).

وقال إمام الحرمين: الظاهر من مذهب الشافعي: أنه لا يحتج بها، فقلده في ذلك المصنف فجزم به في (شرح المسلم) في قوله:(شغلونا عن الصلاه الوسطى صلاه العصر) وفي غيره، والصواب: الأول.

وأورد الإمام في (البرهان) علي الحنفيه أنهم يقولون: القراءه الشاذه يعمل بها، وعندهم العدل إذا انفرد في الحديث بزياده لا يقبل خبره، مثل:(علي كل حر وعبد من المسلمين) ، ولا شك أن القراءه الشاذه راويها عدل انفرد، فينبغي أن لا تقبل كغيره.

والحكمه في قطع اليمين: أن البطش بها أقوى فكانت البداءه بها أردع.

وفي (معجم الطبراني)[طب 18/ 299]: (أن النبي صل الله عليه وسلم أتي بسارق فقطع يمينه) ، وكذا فعله الخلفاء الراشدون.

وظاهر قوله: (وتقطع يمينه) أن الإمام لو وكله في قطعها فباشر ذلك من نفسه .. لا يقع الموقع ، وهو كذلك كما صرح به الرافعي في (الوكاله).

قال: (فإن سرق ثانيًا بعد قطعها .. فرجله اليسري)) ، لما روي الشافعي: أن

ص: 193

وَثَالَثًا .. يَدَه اليَسْرَى، وَرَابِعًا .. رِجْلُه اليُمْنَى، وَبَعْدَ ذَلِكَ .. يُعَزَّرُ

ــ

النبي صل الله عليه وسلم قال في السارق: (أن سرق .. فاقطعوا يده، ثم إن سرق .. فاقطعوا رجله) ، وكذا فعله أبو بكر وعمر ولا مخالف لهما.

وإنما يقطع بعد اندمال اليد لئلا يفضي التوالي إلي الهلاك، وخالف موالاتهما في الحرابه، لأن قطعهما ثم حد واحد.

قال: (وثالثًا. ويده اليسرى، ورابعًا .. رجله اليمني)) ، للخبر المذكور.

قال القفال: والمعني في هذا الترتيب: أن اعتماد السارق في السرقه علي البطش والمشي، فإنه بيده يأخذ وبرجله ينقل فتعلق القطع بهما، وإنما قطع في الثالثه، لأن اعتماد السرقه علي البطش والمشي، ولم يكن بد من تفويت أحد جنسي المنفعه فقدم الأهم قياسًا علي المحاربه، فإن الرجل اليسرى تقطع بعد اليد اليمني، لأن السرقه مرتين تعدل الحرابه شرعًا.

وقال أبو حنيفه وأحمد: إن سرق ثالثًا .. لم يقطع. بل يعزر.

لنا: ما سبق.

قال: (وبعد ذلك .. يعزر) ، لأن القطع ثبت بالكتاب والسنه ولم يثبت بعد ذلك شيء، والسرقه معصيه فتعين التعزيز.

ص: 194

وَيُغْمَسُ مَحَلُّ قَطْعِه بِزَيْتٍ أَوْ دُهن مَغْلِيٍّ،

ــ

وعن القديم قول: إنه يقتل بعد الرابعه، لما روي الأربعه) عن جابر قال: جيء بسارق إلي رسول الله صل الله عليه وسلم فقال: (اقتلوه) قالوا: إنما سرق! قال: (اقطعوه)، ثم جيء به ثانيًا فقال:(اقتلوه) قالوا: إنما سرق! قال (اقطعوه)، ثم جيء به ثالثه، ، فأمر بقتله، فقالوا: إنما سرق! فقال: (اقطعوه) ، ثم جئ به بعد الرابعه، فأمر بقتله، فقتلوه.

والجواب: أنه ضعيف، وانعقد الاجتماع علي خلافه، وعلى تقدير صحته أجيب عنه بأنه منسوخ، وقيل: مؤول بالمستحل.

قال: (ويغمس محل قطعه بزيت أو دهن مغلي) لينقطع الدم، لأنه لو استمر .. هلك.

وفي (المستدرك)[4/ 381] عن أبي هريره: أن النبي صل الله عليه وسلم أتى بسارق شمله، فقالوا: يا رسول الله؛ إن هذا سرق، فقال:(ما أخاله سرق) فقال السارق: بلى يا رسول الله، فقال صل الله عليه وسلم:(اذهبوا به فاقطعوا يده واغمسوه بزيت).

والمعنى فيه: سد أفواه العروق لينقطع الدم.

وقوله: (بزيت أو دهن) يقتضي امتناعه بغيرهما، لكن الشافعي في (الأم) اقتصر علي الحسم بالنار، وكذلك الشيخ أبو محمد والماوردي في (الإقناع) وابن سراقه.

وقال الشاشي: بالزيت أو النار.

وفصل الماوردي في (الحاوي) ، فجعل الزيت للحضري والنار للبدوي؛ لأنها عادتهم.

وقوله: (مغلي) بفتح الميم، من أغليت، يقال: غلت القدر تغلي غليًا وغليانًا وأغليتها أنا، ولا يقال: غليت كما تقدم في (صلاه الجمعه).

ص: 195

قِيلَ: هوَ تَتِمَّه لِلْحَدِّ، وَالأَصَحُّ: أَنَّه حَقٌ لِلْمَقْطُوعِ؛ فَمُؤْنَتُه عَلَيْه، وَلِلإِمَامِ إهمَالُه

ــ

قال: (قيل: هو تتمه للحد) ، فيجب علي الإمام فعله، ومؤنته في بيت المال) ، لأن فيه زياده إيلام، وما زال الولاه يفعلونه على كراهه من المقطوعين. ولم يراعوا ذلك في قطع الأطراف قصاصًا.

قال: (والأصح: أنه حق للمقطوع؛ فمؤنته عليه، وللإمام إهماله)؛ لأن الغرض المعالجه ودفع الهلاك عنه بنزف الدم.

وما صححه من وجوب المؤنه عليه محله: إذا لم ينصب الإمام من يقيم الحدود ويرزقه من المصالح، فإن فعل ذلك .. لم يجب علي المقطوع، وهذه المسأله مكرره، لأنه سبق من المصنف في (باب القصاص) أن أجره الجلاد علي الجاني.

فرع:

إذا أريد قطع يد السارق سيق إلى موضع القطع من غير عنف ولا سب ولا تعيير، ويجلس إن أمكن، وتخلع يده بحبل وتجر بعنف، ثم تقطع بحديده ماضيه دفعه واحده.

ويستحب أن تعلق في عنقه تنكيلًا، لأن النبي صل الله عليه وسلم أمر بذلك، رواه أبو داوود [4411] والنسائي [8/ 92] وابن ماجه [2587] ، وحسنه الترمذي [1447].

ص: 196

وَتُقْطَعُ الْيَدُ مِنَ الكُوعِ، والرِّجْلُ مِنْ مَفْصِلِ القَدَمِ

ــ

وقيل: تعلق ثلاثه أيام، وقيل: لا تعلق، والخبر ضعيف، لأن في إسناده الحجاج بن أرطاه، وقيل: الأمر فيه إلي رأي الإمام.

ولا يقطع في حر ولا برد شديدين، ولا الحامل حتى تضع وتبرأ من النفاس، ولا في مرض يرجى برؤه.

قال: (وتقطع اليد من الكوع) بالإجماع.

وفي (الدارقطني)[3/ 204]: أن النبي صل الله عليه وسلم أمر بذلك في سارق رداء صفوان.

وروي البيهقي عن أبي بكر وعمر أنهما قالا: إذا سرق السارق فاقطعوا يده من الكوع).

وروي البخاري عن علي: أنه قطع منه.

والمعنى فيه: أن البطش بالكف، وما زاد من الذراع تابع، ولهذا يجب في الكف ديه اليد.

وعن بعض السلف: تقطع من الأصابع، لأن اليد تطلق عليها، قال تعالى:

{فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هاذَا مِنْ عِنْدِ اللَّه}

وإنما يكتب بالأصابع.

والجواب: أن الكتابه تكون بالقلم، ولو كان المراد ما باشرته .. لكانت ثلاثه أصابع.

واستدلوا أيضا بما في (البخاري) عن ابن عباس [5456]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أكل أحدكم طعامًا .. فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها).

وقال الخوارج: تقطع اليد من المنكب، لأنها حقيقه في ذلك.

و (الكوع) تقدم بيانه في (الديات).

قال: (والرجل من مفصل القدم) ، لما رواه سعيد بن منصور وابن المنذر عن

ص: 197

وَمَنْ سَرَقَ مِرَارًا بِلَا قَطْعٍ .. كَفَتْ يَمِينُه وَإِنْ نَقَصَتْ أَرْبَعَ أَصَابعَ. قَلْتُ: وَكَذَا لَوْ ذَهبَتِ الخَمْسُ فِي الأَصَحِّ، وَالله أَعْلَمُ. وَتُقْطَعُ يَدٌ زَائِدَه إِصْبَعًا فِي الأَصَحْ،

ــ

عمر: أنه كان يقطع رجل السارق من المفصل.

وعن أبي ثور: تقطع من معقد الشراك، وهو مذهب علي.

و (المفصل) تقدم: أنه بفتح الميم وكسر الصاد، واحد مفاصل الأعضاء.

قال: (ومن سرق مرارًا بلا قطع .. كفت يمينه) ، لأن السبب واحد فتداخلت لحصول الحكمه، وهو الزجر، وقياسًا على حد الزنا والشرب مرارًا.

فإن قيل: إذا لبس في الإحرام أو تطيب في مجالس .. تعددت الكفاره على الصحيح مع أن السبب واحد؟ .. فالجواب: أن في ذلك حقًا لآدمي، لأن الكفاره تصرف إليه فلم تتداخل، بخلاف الحد.

قال: (وإن نقصت أربع أصابع) فيكتفي بها، لحصول الإيلام والتنكيل، ولإطلاق اسم اليد عليها مع نقص أصابعها كما تطلق عليها مع زيادتها، فشملها عموم الآيه.

ومقتضى كلام المصنف: أنه لا خلاف في ذلك، وليس كذلك، ففي (شرح الكفايه) للصيمري: إن ذهب أكثر الأصابع .. قطعت رجله اليسرى.

وحكى الرافعي عن القاضي أبي حامد: أن يمينه إن نقصت الإبهام .. لم تجزئ.

قال: (قلت: وكذا لو ذهبت الخمس في الأصح والله أعلم) ، لما ذكرناه، وهذا الذي صححه الأكثرون، ورواه الحارث بن شريح البقال.

والثاني: لا يكفي، بل تقطع الرجل اليسرى، لأن اليد عباره عما يبطش ولم يبق من آله البطش شيء، وهو محكي عن النص، فكان ينبغي أن يعبر بـ (الأظهر).

ويجري الخلاف فيما لو سقط بعض الكف وبقي محل القطع.

قال: (وتقطع يد زائده إصبعا في الأصح)؛ لإطلاق الآيه، فإن اسم اليد يتناولها، ولا يشبه القصاص؛ فإنه مبني علي المساواه، والمقصود هنا الزجر والتنكيل.

ص: 198

وَلَوْ سَرَقَ فَسَقَطَتْ يَمِينُه بِآفَه .. سَقَطَ القَطْعُ، أَوْ يَسَارُه .. فَلَا عَلَى المَذْهبِ

ــ

والثاني: لا تقطع، كما لا تقطع في القصاص ست أصابع بخمس.

فعلى هذا: تقطع الرجل اليسرى.

قال: (ولو سرق فسقطت يمينه بآفه) أي: أو بجنايه) .. سقط القطع)؛ لأنه تعلق بعينها وقد زالت.

وقيل: يعدل إلى الرجل، كما لو فات محل القصاص، وكذا لو شلت يده بعد السرقه وخشي من قطعها تلف النفس .. فهو كما لو سقطت.

وقوله: (بآفه) يقتضي: أنها لو سقطت بقصاص أو غيره .. لم يسقط ويعدل إلي الرجل، وليس كذلك، بل لا فرق، قاله القاضي حسين والبغوي والروياني.

قال: (أو يساره .. فلا علي المذهب) ، لوجود اليمين، وهي محل القطع.

وعن أبي إسحاق: أن القطع يسقط في اليمين علي قول كما في مسأله الجلاد، قال الرافعي: وضعفه كل من نقله.

تتمه:

لو كان علي معصمه كفان ولم تتميز الأصليه منهما .. فالمنقول: أنهما تقطعان.

وعن البغوي: تقطع إحداهما، واستحسنه الرافعي، وجزم به في (التحقيق) ، وصوبه ف ي (شرح المهذب) ، وصححه ابن الصلاح.

وعلى هذا: لو سرق ثانيًا .. قطعت الثانيه.

لكن يشكل على المصنف: أنه صحح في الخنثى المشكل كما سبق في موضعه:

أنه لا يختن في أحد فرجيه، معللًا بأن الجرح مع الإشكال ممتنع.

ولو قيل بإجراء وجه ثالث: أنه لا تقطع واحده منهما .. لم يبعد؛ لأن الزائده لا يجوز قطعها وقد التبست بالأصليه.

ص: 199

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خاتمه

روى أحمد [6/ 45] وأبو داوود [1492] عن عطاء عن عائشه: أن النبي صل الله عليه وسلم قال لها وقد دعت عليى سارق سرق لها ملحفه: (لا تسبخي عنه بدعائك عليه).

ومعناه: لا تخففي عنه الإثم الذي استحقه بالسرقه.

قال الخطابي: ومن هذا سبائخ القطن، وهي القطع المتطايره عند الندف، وقال الشاعر:

فسَبخ عليك الهم واعلم بأنه

إذا قدر الرحمن شيئًا فكائن

وهذا يدل على أن الظالم يخفف عنه بدعاء المظلوم عليه، ويدل له ما رواه أحمد في (كتاب الزهد) عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: بلغني أن الرجل ليظلم مظلمه، فلا يزال المظلوم يشتم الظالم وينتقصه حتى يستوفي حقه ويكون للظالم الفضل عليه.

وفي (الترمزي)[3552] عن عائشه: أن النبي صل الله عليه وسلم قال: (من دعا على من ظلمه .. فقد انتصر).

وفي (كتاب اللطائف) للقاضي أبي يوسف: أن امرأه من بني إسرائيل كانت صوامه قوامه سرقت لها امرأه دجاجه، فنبت ريش الدجاجه في وجه السارقه وعجزوا عن إزالته عن وجهها، فسألوا عن ذلك بعض علمائهم فقال: لا يول هذا الريش إلا بدعائها عليها، قال: فأتتها عجوز فذكرتها بدجاجتها، فلم تزل بها إلى أن دعت علي سارقتها دعوه، فسقطت من وجهها ريشه، فلم تزل تكرر ذلك إلي أن سقط جميع الريش.

فإن قيل: مدح الله المنتصر من البغي، ومدح العافي عن الجرم؟ .. قال ابن العربي: فالجواب: أن الأول محمول على ما إذا كان الباغي وقحًا ذا جرأه وفجور، والثاني على من وقع منه ذلك نادرًا، فتقال عثرته بالعفو عنه.

وقال الواحدي: إن كان الانتصار لأجل الدين .. فهو المحمود، وإن كان لأجل

ص: 200

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

النفس. فهو مباح لا يحمد عليه.

واختلف العلماء في التحليل من الظلامه علي ثلاثه أقوال:

فكان ابن المسيب لا يحلل أحدًا عرض ولا مال.

وكان سليمان بن يسار وابن سيرين يحللان منهما.

ورأى مالك التحليل في العرض دون المال.

ص: 201

باب قاطع الطريق

ــ

باب قاطع الطريق

سمي بذلك؛ لامتناع الناس من المرور خوفًا منه. وجمعه: قطاع وقطع، كحائض وحيض.

و (الطريق) تذكر وتؤنث.

والأصل في الباب: قوله تعالي:

{إِنَّمَا جَزَآءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّه وَرَسُولَه وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا} الآيه.

قال عامه الفقهاء: نزلت في قطاع الطريق من المسلمين وغيرهم).

وفي (سنن أبي داوود)[4369]: أنها نزلت في العرنيين، وحديثهم في) الصحيحين).

وفي (النسائي)[7/ 101]: أنها نزلت في المحاربين من الكفار لأن محاربه الله والرسول إنما تكون منهم، والأول أصح، لقوله تعالي:

{إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْه}

ولو كان المراد: الكفار .. لم يسقط عنهم القتل وإن تابوا بعد القدره، والمحاربه لله ولرسوله قد تكون من المسلمين، وقال تعالى:

{فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَاذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ الله وَرَسُولِه} ، وقال صل الله عليه وسلم: قال الله تعالى: {من آذي لي وليًا .. فقد آذنته بالمحاربه}

ص: 202

هوَ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ لَه شَوْكَه،

ــ

وانعقد الاجتماع علي أصل حدهم.

قال: (هو مسلم مكلف له شوكه) ، فالكفار ليس لهم حكم قطاع الطريق وإن أخافوا السبيل وتعرضوا للأنفس والأموال، عملًا بمقتضي سبب نزول الآيه.

والمراهقون لا عقوبه عليهم، لكن يضمنون المال والنفس كما في غير قطع الطريق.

و (الشوكه) شده اليأس والنجده.

والمراد هنا: أن يعتمدوا العدد والقوه وشهر السلاح، ويستوي فيه السيف والدبوس والقوس والعصا، قال البندنيجي: وكذا الحجاره، قال القاضي حسين: ويكفي اللكم واللطم باليد من القوي.

وما ذكره من اشتراط الإسلام تبع فيه (المحرر)، ومقتضاه: أن أهل الذمه لا يكونون قطاعًا، وجرى عليه في (الكفايه) ، وأغرب فنقله عن الأصحاب، وهو لا يعرف لغير الرافعي، والصواب: أن حكمهم حكم المسلمين في ذلك، لالتزامهم الأحكام؛ فقد نص الشافعي عليه في (الأم) صريحًا، وحكاه عنه ابن المنذر في (الأشراف)، فالصواب: التعبير بالتزام الأحكام ليخرج الحربي، وكذا المعاهد في الأصح، فإنهما لا يضمنان نفسًا ولا مالًا.

ص: 203

لَا مُخْتَلِسُونَ يَتَعَرَّضُونَ لِآخِرِ قَافِلَه يَعْتَمِدُونَ الْهرَبَ. وَالَّذِينَ يَغْلِبُونَ شِرْ ذِمَه بِقُوَّتِهمْ قُطَّاعٌ فِي حَقِّهمْ، لَا لشقَافِلَه عَظِيمَه، وَحَيْثُ يَلْحَقُ غَوْثٌ فَلَيْسُوا بِقُطَّاعٍ، وَفَقَدُ الْغَوْثِ يَكُونُ لِلْبُعْدِ أَوْ لِضَعْفٍ، ......

ــ

وكان ينبغي أن يستثني السكران من (المكلف) علي رأيه كما فعل في (الطلاق) وغيره؛ فإن له حكم القاطع وليس بمكلف عنده.

وفهم من عبارته: أنه لا يشترط في قاطع الطريق الذكوره، وهو كذلك، فلو اجتمع نسوه لهن قوه وشوكه .. فهن قاطعات طريق، قال الشافعي: لأني وجدت الأحكام علي الرجال والنساء في الحدود واحده.

وقال أبو حنيفه: لا حد علي المرأه، ويلزمها القصاص بالقتل وضمان المال.

وكذلك لا يشترط شهر السلاح ولا العدد، بل الواحد إذا كان له فضل قوه يغلب بها الجماعه .. فهو قاطع طريق.

قال: (لا مختلسون يتعرضون لآخر قافله يعتمدون الهرب) ، فليسوا قطاع طريق، لعدم الشكوه ، بل حكمهم كيرهم في القصاص والضمان.

قال: (والذين يغلبون شر ذمه بقوتهم قطاع في حقهم) وإن لم يكثر عددهم؛ لاعتمادهم علي الشوكه بالنسبه إلي الشر ذمه.

و (الشرذمه) بالذال المعجمه: الطائفه من الناس.

قال: (لا لقافله عظيمه) ، لأنه يتأتى دفعهم ومقاومتهم، وإنما هم مختلسون.

قال: (وحيث يلحق غوث) أي: بالسلطان القوي وغيره (فليسوا بقطاع) ، بل منتهبون؛ لإمكان الاستغاثه.

قال: (وفقد الغوث يكون للبعد أو لضعف) أي: لبعد السلطان وبعد أعوانه، أو لضعف السلطان، لتمكنهم من الاستيلاء والقهر مجاهرة.

و (الغوث) الاستغاثه، وهو: أن يقول الرجل: واغوثاه.

ولو دخل جمع بالليل دارًا ومنعوا أهلها من الاستغاثه مع قوه السلطان وحضوره.

فالأصح: أنهم قطاع، وقيل: مختلسون، وقيل: سراق.

ص: 204

وَقَدْ يَغْلِبُونَ وَاَلُحَالَه هذِه فِي بَلَدٍ فَهمْ قٌطَّاعٌ. وَلَوْ عَلِمَ اٌلِإمَامُ قوْمًا يُخِيفُونَ اٌلطَّرِيقَ وَلَمً يَاخُذُوا مَالًا وَلَا نَفُسًا .... عَزَّرَهمٌ بِحَبْسٍ وَغَيْرِه، وَإِذَا أَخَذَ اَلَقَاطِعُ نِصَابَ اَلسَّرِقِه .... قَطَعَ يَدَه اَليُمْنَى وَرِجلَه اَليُسْرَى،

ــ

قال: (وقد يَغلبون والحاله هذه) أي: عند ضعف السلطان أو بعده أو بعد أعوانه (في بلد فهم قطاع) ، لوجود الشروط فيهم.

وأبو حنيفه لا يرى الخارجين من البلد قطاعًا، زاد مالك: ولا قريبًا منه بثلاث مراحل.

قال: (ولو علم الإمام قومًا) وكذا واحدًا (يخيفون الطريق ولم يأخذوا مالًا ولا نفسًا .. عزرهم بحبس وغيره) ، لأنهم تعرضوا للدخول في معصيه عظيمه، فيعزرهم علي ذلك كما يُعزَّر علي مقدمات الزنا والشرب والسرقه، وهذا تفسير النفي من الأرض في الآيه الكريمه.

وعباره (المحرر) و (الشرح) ينبغي أن يعزرهم، وعباره (الروضه) كعباره الكتاب، والأمر في الجنس هذا التعزير وقدره راجع إلي الإمام.

وقيل: يتعين الحبس.

فعلى الأصح: للإمام ترك تعزيرهم إن رآه مصلحه.

وعلي الثاني: ليس له إلا أن تظهر توبتهم، لأن سببه قطع الطريق فيتحتم كالقطع، وإذا أراد حبسهم ..... قال ابن سريج: الأولى حبسهم في غير موضعهم، لأنه أحوط وأبلغ في الزجر

والإيحاش.

وقيل: يتقدر حبسهم لسته أشهر، كيلا يزيد علي تغريب العبد الزاني، وقيل: يتقدر بسنه،

وقيل: يضرب دون ثمانين، وقيل: بالنفي إلى حيث يراه.

وكلام المصنف صريح في أن الإمام يقضي فيهم بعلمه وإن قلنا: لا يقضي به في الحدود، لما في ذلك من حق الآدمي.

وظاهر كلامه: الجمع بين الحبس والتغريب، وسيأتي نظيره في التعزير.

قال: (وإذا أخذ القاطع نصاب السرقه .... قطع يده اليمني ورجله اليسري) ، لأنه

ص: 205

فَإِنْ عَادَ .... فَيُسْرَاه وَيُمٌنَاه، ......

ــ

حد واحد، سواء كان النصاب لواحد أو جماعه، فإن أخذ دون النصاب .... عزر من غيرقطع،

وتعتبر القيمه في موضع الأخذ إن جرت العاده فيه بالبيع والشراء، وإلا

فيعتبر أقرب موضع إليه، ولا تعتبر قيمته عند استسلام الناس لأخذ أموالهم، لأنه لا قيمه له في تلك الحاله.

ويبدأ بقطع يده ثم برجله ويحسم موضع القطع منهما كما في السارق، ويجوز أن تحسم اليد ثم تقطع الرجل، وأن تقطعا جميعًا ثم تحسما، ولا يشهر المقطوع بعد قطعه، إلا أن يرى الإمام ذلك رادعًا لأهل الفساد.

ويدفن المقطوع إلا أن يري الإمام إبقاءه معه لينزجر الناس به، فإن التمسها المقطوع .. فهو أحق بها ليتولى دفنها، فإن أراد استبقاءها لتدفن معه إذا مات .... منع.

قال: (فإن عاد

فيسراه ويمناه) ، للآيه المتقدمه، وهي وإن اقتضي ظاهرها التخيير ..

فالمراد بها: الترتيب، لقول ابن عباس وغيره في القطاع: (إذا قتلوا وأخذوا المال

قتلوا وصلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال

قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا .. قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف) وهذا من ابن عباس إما بتوقيف أو لغه، وكلاهما حجه لا سيما وهو ترجمان القرآن.

ووقع في (الوسيط) أن النبي صلي الله عليه وسلم فسره بذلك، والصواب: أنه من كلام ابن عباس.

ولأن الله تعالى بدأ بالأغلظ، فكان مرتبًا ككفاره الظهار والقتل، فلو اريد التخيير .... لبدئ بالأخف ككفاره اليمين ، وهكذا عُرْف القرآن.

وإنما قطع من خلاف، لئلا يفوت جنس المنفعه، فاليمين لأخذ المال، والرجل لأجل المحاربه.

وكلام المصنف يفهم: أنه لا يشترط أن يكون من حرز، وهو وجه، لأن الحرز

ص: 206

وَإِنْ قَتَلَ .... قُتِلَ حَتْمًا،

ــ

لا يؤثر مع القاهر، ولأنه تفاحشت جنايته فغلظ عليه، لكن المشهورالذي جزم به الأكثرون: أنه يعتبر.

والحرزهنا: أن يكون مع مالكه أو بحيث يراه ويقدر أن يدفع عنه من ليس بغالب، فإذا كان المأخوذ دون نصاب

فلا قطع في الأصح، وإذا كان له فيه شبهه كالوالد يأخذ مال الولد أو عكسه

ففيه قولان:

أحدهما: لا قطع كالسرقه.

والثاني: تقطع يده ورجله، لأنه محض حق الله تعالى، فإذا كانت يده اليمنى ورجله اليسرى مفقودتين عند المحاربه .. نزل ذلك منزله أخذه المال مره ثانيه، فتقطع يده اليسرى ورجله اليمنى.

فلو كانت يمناه أو رجله اليسرى مفقوده

فالأصح: الاكتفاء بالموجوده.

والثاني: أن الموجود يتبع المفقود.

قال: {وإن قَتل} أي: عمدًا محضًا عدوانًا من يكافئه وهو معصوم، وكان القتل لأخذ المال) .. قتل حتمًا) ، لقوله تعالى {أَن يُقَتَّلُواُ} فأوجب القتل وحتمه، لأن كل معصيه فيها عقوبه في غير المحاربه تجب فيها زياده عند المحاربه كأخذ المال، ولا زياده هنا إلا التحتم،

ومعناه: أنه لا يسقط بعفو ولي القصاص ولا بعفو السلطان، ويستوفيه الإمام، لأنه حد من حدود الله تعالى.

قال الشيخ عز الدين: وإنما تحتم كما تحتم حد الزنا من جهه: أنهم ضموا إلي جنايتهم إخافه السبيل في منع كل مجتاز بها، بخلاف من قتل إنسانًا أو سرق ماله في خفيه.

ثم بعد القتل يدفع إلي أهله ليغسلوه ويصلوا عليه.

وقال أبو حنيفه: لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه كالباغي.

وحكم الجرح في المحاربه والموت بعد أيام قبل الظفر والتوبه حكم القتل صبرًا،

ص: 207

وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ اَلْمَالَ

قُتِلَ ثُمَّ صُلِبَ ثَلَاتًا ثُمَّ يُنَزَّلُ، وَقِيلَ: يَبْقَى حَتَّى يَسِيلَ صَدِيدُه،

وَفِي قَوْلٍ: يُصْلَبُ قَلِيلًا ثُمَّ يُنَزَّلُ فَيُقْتَلُ

ــ

قاله الإمام، وأبدي احتمالًا– ورجحه-: أنه لا يتحتم.

أما إذا قتل خطأ أو شبه عمد

فإنه لا يُقتل، وحكم الديه كما في غير المحاربه، ولو قتل معصومًا لا يكافئه عمدًا .... لم يقتل به في الأصح.

قال: (وإن قَتل وأخذ المال) أي: نصابًا)

قُتل ثم صلب ثلاثًا يُنزَّل) ، لما تقدم عن ابن عباس.

وإنما صلب بعد القتل، لأن في صلبه قبله زياده تعذيب، وقد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تعذيب الحيوان كما رواه البخاري وأبو داوود [(2807)].

والحاكم، وقال: (إذا قتلتم

فأحسنوا القتله).

وإنما صلب ثلاثًا، ليشتهر الحال ويتم النكال، فإن خيف تغيره قبل الثلاث فقيل: يبقى مصلوبًا حتى يتم الثلاث، لظاهر النص.

والأصح: أنه ينزل، لئلا يفوت الغسل وغيره، وحمل النص علي زمن البرد.

وشرط بعضهم: أن لا يتأذى به الأحياء.

قال: (وقيل: يبقي حتي يسيل صديده) ، لأن في ذلك أشتهار الحاله،

وقال في (الروضه) ويتهرأ ولا ينزل بحال.

والصلب علي خشبه ونحوها، وقيل: يطرح بالأ رض حتي يسيل صديده.

و) الصديد) ماء رقيق يخرج من الجرح مختلط بدم.

والخشبه التي يصلب عليها سميت صلبيًا، لسيلان صليب المصلوب عليها.

قال: (وفي قول: يصلب قليلًا ثم يُنزَّل فيقتل) ، لأن الصلب إذا كان عقوبه

وجب أن يكون في الحياه، لأنه لا حد علي ميت، ولأنه أزجر، وبه قال أبو حنيفه.

ص: 208

وَمَنْ أَعَانَهُم وَكَثَّرَ جَمْعَهُم

عُزِّرَ بِحَبْسٍ وَتَغْرِيبٍ وَغَيرِهمَا، وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ التَّغْرِيبُ إِلَى حَيَثُ يَرَاه

ــ

وعلى هذا: كيف يقتل؟ أيترك بلا طعام ولا شراب حتى يموت أو يجرح حتي يموت أو يترك مصلوبًا ثلاثًا ثم ينزل فيقتل؟ فيه أوجه، والوجه الثالث أقرب إلي ما في الكتاب، فإن الثلاثه قليل.

فروع:

الأول: تقام عليهم الحدود في الموضع الذي حاربوا فيه إذا شاهدهم فيه من يرتدع بهم من الناس، فإن كانوا في مفازه .... ففي أقرب بلد.

الثاني: إذا مات حتف أنفه

روي الحارث بن شريح البقال عن الشافعي: أنه لا يصلب بعد موته، والفرق: أن قتله حد يستوفي فيكمل بصلبه، وموته مسقط لحده ، فسقط تابعه.

وخرج بعض الأصحاب وجها: أنه يصلب.

الثالث: إذا قلنا بالصحيح: أنه يقتل ثم يصلب

فالأصح: أنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ثم يصلب مكفنًا.

قال: (ومن أعانهم وكثر جمعهم .. عزر بحبس وتغريب وغيرهما) كسائر المعاصي، وروى أبو يعلي الموصلي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كثر سواد قوم .. فهو منهم)

و (الواو) في قوله: (بحبس وتغريب وغيرهما) بمعني (أو) كما صرح به في (المحرر)

وفيه الخلاف السابق في المخيف كما أشار إليه الماوردي.

قال: (وقيل: يتعين التغريب إلي حيث يراه) أي: الإمام، لأن النفي عقوبه مقصوده يرجع فيها إلي رأي الإمام، وعلي هذا: هل يعزره في المنفي إليه بضرب وحبس وغيرهما أو يكفي النفي؟ فيه وجهان:

ص: 209

وَقَتْلُ القْاطِع يُغَلَّبُ فِيه مَعْنَى الْقِصَاص، وَفِى قَوْلٍ: الْحَدُّ، فَعَلَى الأَوَّلِ: لَا يُقْتَلُ بِوَلَدِه وَذِمّىّ، وَلَوْمَاتَ .. فَدِيَه، وَلَوْ قَتَلَ جَمْعًا .. قُتِلَ بِوَاحِدٍ، وَلِلْبَاقِينَ الّديَاتُ، وَلَوْ عَفَا وَلِيُّه بِمَالٍ .. وَجَبَ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ وَيُقْتَلُ حَدًّا ..

ــ

الأشبه فى (الشرح الصغير) جواز الاقتصاد على النفى.

وقال المصنف: الأصح: أنه إلى رأى الإمام بما تقتضيه المصلحه.

قال: (وقتل القاطع يُغلَّب فيه معنى القصاص)؛ ولانه قتل فى مقابله قتل. فعلى هذا: عليه الكفاره.

قال: (وفى قول: الحد) لانه لا يصح العفو عنه ويتعلق استيفاؤه بالسلطان لا بالولى، والقولان فيما يغلب منهما، وهذه الطريقه الصحيحه. وقال آخرون: هل يتمحص حق الله تعالى أم فيه أيضًا حق آدمى؟ قولان.

قال: (فعلى الأول: لا يقتل بولده وذمى)؛ لعدم المكافأه، وهذا تفريغ على الخلاف، فعلى هذا: تجب الديه، وكذا لا يقتل الحر بعبد، تجب القيمه.

وعلى الثانى: نعم.

قال: (ولومات .. فديه) أى: من تركته.

وعلى الثانى: لا شئ.

قال: (ولو قتل جمعًا .. قتل بواحد، وللباقين الديات) كالقصاص. ولو فرعنا على الثانى .. قتل بهم ولا ديه، لكن عبارته تقتضى جواز قتله بغير الأول، وليس كذلك، بل إن قتلهم بالترتيب .. قتل بالأول.

قال: (ولو عفا بمال .. وجب وسقط القصاص ويقتل حدًا) كمرتد استوجب القصاص

وعفى عنه، وإن فرعنا على الثانى .. لغا العفو.

والذى ذكره المصنف من إيجاب الديه للعافى تبع فيه (المحر)، و (المحر) تبع فيه الفورانى، ولم يقل به أحد من العلماء وهو مخالف لظاهر نص الشافعى وكلام العراقيين وجمع من المراوزه.

ص: 210

وَلَوْ قَتَلَ بِمُثَقَّلٍ أَوْ بِقَطْعِ عُضْوٍ .. فُعِلَ بِه مثْلُه. وَلَوْ جَرَحَ فَانْدَمَلَ .. لَمْ يَتَحَتَّمْ قِصَاصٌ فِى الأَظْهرِ. وَتَسْقُطُ عُقُوبَاتٌ تَخُصُّ الْقَاطِعَ بِتَوْبَتِه قَبْلَ الْقُدْرَه عَلَيْه،

ــ

والمعتمد: أنه لا ديه على القولين معًا؛ لأن القاطع لم يستفد بالعفو شيئًا لتحتم قتله بالمحاربه.

قال: (ولو قَتل بمثقل أو قطع عضو .. فُعل به مثله) كما فى القصاص. وعلى الثانى: يقتل كالمرتد بالسيف.

ومن ثمره الخلاف أيضا: مالو تاب قبل أن يقدر عليه .. لم يسقط القصاص على الأول، ويسقط على الثانى.

قال: (ولو جرح فاندمل .. لم يتحتم قصاص فى الأظهر)؛ لأن التحتم تغليظ لحق الله تعالى فاختص بالنفس كالكفاره، ولأن الله تعالى لم يذكر الجراح فى آيه المحاربه فكان باقيًا على أصله فى غيرها.

وعلى هذا: فيتخير المجروح بين القصاص والعفو على مال أو غيره.

والثانى: يتحتم كالنفس.

والثالث: يتحتم فى اليدين والرجلين؛ لأنهما مما يستحقان فى المحاربه دون الأنف والأذن والعين وغيرهما.

تنبيه:

قوله: (جرح) المراد به: أنه جرح جرحًا يجب فيه القصاص كقطع اليد والرجل وغيرهما، فإن كان غيرهما كالجائفه .. ففيها المال.

واحترز بقوله: (اندمل) عن السارى إلى النفس؛ فإنه قتل، وقد تقدم فى قوله:(بقطع عضو)، ولو عبر بقوله: لم يتحتم الجرح .. كان أولى.

وكان ينبغى التعبير بالمشهور الدال على ضعف الخلاف؛ فإنه شديد الضعف.

قال: (وتسقط عقوبات تخص القاطع بتوبته قبل القدره عليه)؛ لقوله تعالى:

ص: 211

لَاَ بَعْدَها عَلَى الْمَذْهبِ،

ــ

{إلَاّ الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ}

والمراد ب (العقوبات) تحتم القتل والصلب وقطع الرجل، وكذا اليد فى الأصح.

وفى (الكفايه) و (المطلب) أن المصنف اختار منع سقوط قطع اليد، وهو سهو؛ فقد صرح فى (التصحيح) بأن الأصح السقوط، وفى (الروضه) بأنه المذهب، وهو وارد على إطلاقه هنا، فإنه يقتضى: أنه لا يسقط إلا قطع الرجل، فإنها التى تخص القاطع، ولو قال: يسقط حق الله .. لا ستقام. واحترز عما لا يختص، كاصل القصاص وضمان المال؛ فلا يسقط. وفى الضمان وجه ضعيف: انه يسقط فلا يبقى عليه شئ اصلًا.

وفى قوله قديم: لا يسقط عنه شئ أصلًا، بناء على الخلاف فى سقوط الحد بالتوبه.

و (التوبه) الرجوع عن الذنب، وهى واجبه من كل معصيه، فإن كانت بين العبد وبين الله تعالى .. فلها شروط: الإقلاع، الندم، العزم على ألا يعود إليها.

وإن تعلقت بآدمى .. زادت شرطًا رابعًا: وهو البراءه من حق صاحبها برد الظلامه أو العفو ن وسيأتى بيان ذلك فى (الشهادات).

قال: (لا بعدها على المذهب)؛ لمفهوم الآيه، وإلا .. لما كان للتخصيص بقوله:{مِن ٌقَبْلِ} فائده، والفرق من جهه المعنى: انه بعد القدره متهم؛ لقصد دفع الحد ن بخلاف ما قبلها؛ فإنها بعيده عن التهمه، قريبه من الحقيقه.

والطريق الثانى: جريان قولين، كالقولين فى سقوط حد الزانى والسارق بالتوبه.

والمراد ب) التوبه) قبل القدره الثانيه، فلو ظفرنا به فادعى سبق توبته .. فنقل فى (الكفايه) عن (الأحكام السلطانيه) أنه إن لم تظهر أمارتها .. لم يصدق، وإلا .. فوجهان محتملان.

ص: 212

وَلَا تَسْقُطُ سَائِرُ الْحُدُودِ بِها فى الأَظْهرِ

ــ

قال: (ولا تسقط سائر الحدود فى الأظهر) كحد الزنى والسرقه والشرب؛ وبهذا قال أبو حنيفه؛ لأن العمومات الوارده فيها لم تصل بين ما التوبه وما بعدها؛ بخلاف قاطع الطريق.

والثانى: تسقط بها؛ لقوله تعالى {فَمَن تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِه وأَصْلَحَ فَإنَّ اللَّه يَتُوبُ عَلَيْه} ؛ وقال صلى الله عليه وسلم (التوبه تجب ما قبلها).

وروى مسلم [2703] عن أبى هريره: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها .. تاب الله عليه)؛ وتقدم فى أول) الجنائز) حديث: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له).

وفى (المستدرك)[4/ 244] عن ابن عمر: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا هذه القاذورات التى نهى الله عنها؛ فمن ألم بشئ منها .. فليستتر بستر الله وليتب إلى الله؛ فإنه من يبد لنا صفحته .. نقم عليه الحد).

فلولا أنها تسقط الحد .. لكان فيه حث على كتمان الحق وصحح هذا جماعه؛ منهم: ابن خيران

والحليمى والماوردى والمحاملى والرويانى وصاحب (المهذب) والبندنيجى والعمرانى؛ وهو المنصوص فيه (الأم) أيضًا؛ ولأنه محض حق الله تعالى فاشبه المحاربه.

فإذا قولنا بسقوط حد القطع بالتوبه بعد القدره أو بسقوط حد الزنا والسرقه والشرب بها .. فهل يسقط بنفس التوبه أو يتوقف على إصلاح العمل؟ فيه وجهان:

أحدهما: نعم؛ قال العراقيون والبغوى والرويانى؛ وصححه فى (الشرح الصغير) ونسبه الإمام غلى القاضى حسين ونسب مقابله إلى سائر الأصحاب.

تتمه:

موضع الخلاف فى السقوط وعدمه فى ظاهر الحكم؛ أما فيما بينه وبين الله تعالى .. فيسقط بلا خلاف؛ لأن التوبه تسقط أثر المعصيه؛ كذا نبه عليه فى زوائد (الروضه) فى (باب السرقه) وهو كما قال.

فَصْلٌ:

ص: 213

مَنْ لَزِمَه قِصَاصٌ وَقَطْعٌ وَحَدُّ قَذْفٍ وَطَالَبُوه .. جُلِدَ ثُمَّ قُطِع ثُمَّ قُتِلَ؛ وَيُبَادَرُ بِقَتْلِه بَعْدَ قَطْعِه لَا قَطْعِه بَعْدَ جَلْدِه إِنْ غَابَ مُسْتَحِقُّ قَتْلِه؛

ــ

ومرادهم ب (الحدود) حدود الله خاصه؛ فلا يسقط حد القذف والقصاص بالتوبه قطعًا على المشهور.

وخرج فيهما وجه ضعيف؛ قال في (البحر) وهو تخريج كاسد؛ وحكاه ابن كَجٌ قولًا قديمًا فى (حد القذف)؛ وهو غريب.

نعم؛ يستثنى من إطلاق المصنف تارك الصلاه كسلًا؛ فإنه يقتل حدًا على الصحيح؛ ومع ذلك لو حضر عند الحاكم وتاب: سقط عنه قطعًا من غير تخريج على القولين؛ لأن القتل موجبه الإصرار على الترك لا الترك الماضى وإن كان يأثم به؛ فإذا تاب وصلى .. بان أن لا سبب؛ فلذلك سقط عنه الحد بالإتفاق؛ ثم إذا أقيم الحد فى الدنيا .. لم يقم فى الآخره؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (فالله أعدل من أن يُثنى على عبده العقوبه فى الآخره)؛ كذا قال الجيلى؛ ثم قال: وكذا حقوق الآدميين إذا استوفيت أو عفا عنها.

وقال البندنيجى: إذا مات قبل استيفاء الحدود .. سقط ما كان لله؛ وحسابه على الله؛ إن شاء .. عذبه؛ وإن شاء .. غفر له.

قال: (فصل: من لزمه قصاص وقطعٌ وحدٌّ قذفٍ وطالبوه .. جلد ثم قطع ثم قتل)؛ تقديمًا للأخف؛ ولأن ذلك أقرب إلى استيفاء الجميع.

قال: (ويبادر بقتله بعد قطعه لا قطعه بعد جلده إن غاب مستحق قتله)؛ لأنه قد يهلك بالموالاه فيفوت قصاص النفس.

ص: 214

وَكَذَا إنْ حَضَرَ وَقَاَلَ: عَجَّلُوا اَلْقَطْعَ فِى اَلأَصَحَّ. وَإذَا أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ حَقَّه .. جُلِدَ؛ فَإِذَا بَرِاءَ .. قُطِعَ؛ وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ الطَّرَفِ ..

جُلِدَ؛ وَعَلَى مُسْتَحِقَّ النَّفْسِ الصَّبْرُ حَتَّى يُسْتَوْفَى الطَّرَفُ؛ فَإِنْ بَادَرَ فَقَتَل .. فَلِمُسْتَحِقَّ الطَّرَفِ دِيَتُه؛ وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ اَلْجَلْدِ .. فَاُلْقِيَاسْ: صَبْرُ الآخَرَيْنِ. وَلَوِ اجْتَمَعَ حُدُودٌ لله تَعَالى .. قُدَّمَ اَلأَخَفُّ فَاَلأخَفُّ؛

ــ

قال: (وكذا إن حضر وقال: عجلوا القطع فى الأصح)؛ خوفًا من هلاكه بالموالاه.

والثانى: يبادر؛ لأن التأخير كان لحقه وقد رضى بالتقديم.

وخص الإمام الوجهين بمن خيف موته بالموالاه حيث يتعذر قصاص النفس؛ ورأى الجزم بالبدار فى غير ذلك.

قال: (وإذا أخر مستحق النفس حقه .. جلد؛ فإذا براء .. قطع)؛ ولا يقطع البرء؛ خشيه ان يفوت قصاص نفسه.

قال: (ولو أخر مستحق الطرف .. جلد)؛ وحينذ يتعذر القتل لحق مستحق الطرف.

قال: (وعلى مستحق النفس الصبر حتى يستوفى الطرف)؛ لئلا يفوت حقه.

قال: (فإن بادر فقتل. فلمستحق الطرف ديته)؛ لأنه فات عليه ومستحق النفس استوفى حقه.

قال: (ولو اجتمع حدود لله تعالى .. قدم الأخف فالأخف) أى: وجوبًا سعيًا فى إقامه الجميع؛ كالشرب والزنا والسرقه والرده؛ فأخفها حد الخمر فيقام أولًا؛ ثم يمهل حتى يبرأ؛ ثم يجلد للزنا ويمهل؛ ثم يقطع؛ فإذا لم يبق إلا القتل .. قتل بغير إمهال؛ لأن الأشق لو قدم .. لطال الإنتظار إلى البرء.

وهل يقدم قطع السرقه على التغريب؟ قال ابن الرفعه: لم أر لهم تعرضًا لذلك.

ص: 215

أَوْ عُقُوبَاتٌ لله تَعَالَى وَلِلآدَمِيَّينَ .. قُدَّمَ حَدُّ قَذْفٍ عَلَى زِنًا؛ وَالأَصَحُّ: تَقْدِيمُه عَلَى حَدَّ شُرْبٍ؛ وأَنَّ اَلْقَصَاصَ قَتْلًا وَقَطْعًا يُقَدَّمُ عَلَى الزَّناَ

ــ

وعلم من قوله: (الأخف فالاخف) انه لو اجتمع معه التعزير .. فهو المقدم؛ لأنه أخف من حقوق الآدمى؛ قاله الماوردى.

ولو اجتمع قطع سرقه وقطع محاربه .. قطعت يده اليمنى لهما؛ وهل تقطع الرجل معها؟ وجهان: الأصح: نعم؛ وقيل تؤخر حتى تبرأ اليد.

قال: (أو عقوبات لله تعالى وللأدميين .. قدم حد القذف على زنًا)؛ كذا نص عليه؛ واختلفوا فى علته:

فقال أبو اسحاق لأنه حق آدمى؛ وهو الأصح.

وقال ابن أبى هريره: لأنه أخف؛ فيقدم على الشرب على الأول؛ وعكسه على الثانى؛ فلذلك قال:

(والأصح: تقديمه على حد شرب؛ وأنَّ القصاص قتلًا وقطعًا يقدم على الزنا)؛ وهذا بناء على المعنيين أيضًا؛ ويجريان فى الزنا وقصاص الطرف والإمهال بعد كل عقوبه إلى الاندمال.

تتمه:

من زنى مرارًا وهو بكر حد لها حدًا واحدًا وكذا لو سرق أو شرب مرارًا؛ ولو زنى أو شرب فأقيم عليه الحد ثم زنى أو شرب: أقيم عليه حد آخر؛ فإن لم يبرأ من الأول .. أمهل حتى يبرأ.

ص: 216

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولو أقيم عليه بعض الحد فارتكب الجريمه ثانيًا .. دخل الباقى فى الحد الثانى وإذا زنى فجلد ثم زنى قبل التغريب .. جلد ثانيًا وكفاه تغريب واحد.

ولو جدل خمسين فزنى ثانيًا .. جلد مائه وغرب ودخل فى المائه الخمسون الباقيه.

ولو زنى وهو بكر ثم زنى قبل يحد وقد احصن .. فهل يكتفى بالرجم ويدخل فيه الجلد أو يجمع بينهما؟ وجهان فى (الشرحين) و (الروضه) من غير ترجيح.

قال فيه (المهمات) والصحيح: وجوب الحد.

وعلى هذا: لو زنى العبد ثم عتق ثم زنى قبل الإحصان .. فالأصح: أنه يجلد مائه فقط.

ويدخل الأقل فى الأكثر؛ لإتحاد الجنس؛ كما صرح به الشيخان وصاحب (التنبيه) فى (كتاب اللعان).

خاتمه

يثبت قطع الطريق بشهاده رجلين لا بشهاده رجل وأمرأتين؛ ويشترط فى الشهاده التفصيل وتعيين القاطع ومن قتله أو اخذ ماله وإذا شهد إثنان من الرفقه على واحد؛

أو جماعه بقطع الطريق على واحد أو جماعه فإن لم يتعرضا فى شهادتهما إلى: أنهم قصدوا أنفسهما ومالهما .. قبلت شهادتهما؛ ولهما أن يشهدا بذلك وإن كانوا تعرضوا له ما؛ وليس للقاض أن يبحث: هل هما من الرفقه أو لا؛ فإن بحث .. لم يلزمهما الجواب؛ ولو طلبا بعد شهادتهما حقهما منهم؛ فإن كان قبل الحكم .. امتنع الحكم؛ وإن كان بعده .. فلا؛ إن قالا: قطعوا علينا الطريق وأخذوا مالنا ومال رفاقنا .. لم تقبل شهادتهما على المذهب

ص: 217

كتاب الأشربة

ص: 219