الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد ابن الملك المنصور اسد الدين شير كوه الكبير ابن شادى بن مروان الأيّوبى فى ثالث صفر وهو يوم ذاك أحد أمراء دمشق.
وفيها توفى المسند أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن أبى بكر الحرّانى الحنبلىّ.
مولده بحرّان سنة ثمانى عشرة وستمائة، وسمع من ابن روزبة «1» والمؤتمن بن قميرة «2» ، وسمع بمصر من ابن الجميزىّ «3» وغيره وتفرّد بأشياء، وكان فيه دعابة ودين، وتلا بمكّة ألف ختمة.
وفيها توفّى قاضى قضاة الشافعيّة بحلب شمس الدين محمد بن محمد بن بهرام بها فى أوّل جمادى الأولى، وكان فقيها فاضلا.
وفيها توفّى الشيخ الإمام شرف الدين أبو زكريّا يحيى بن أحمد بن عبد العزيز الجذامىّ الإسكندرانى المالكىّ شيخ القراءات بها فى هذه السنة، وكان إماما عالما بالقراءات، وله مشاركة فى فنون. رحمه الله.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم لم يحرّر، وزاد البحر حتى بلغ ثمانى أذرع ونصفا ثم توقّف إلى ثامن مسرى، ثم زاد حتّى أوفى فى رابع توت. وبلغ ست عشرة ذراعا وخمس عشرة إصبعا.
[ما وقع من الحوادث سنة 706]
السنة التاسعة من ولاية الملك الناصر محمد بن قلاوون الثانية على مصر، وهى سنة ست وسبعمائة.
فيها وقع بين الأميرين: علم الدين سنجر البروانىّ وسيف الدين الطشلاقىّ على باب قلعة الجبل مخاصمة بحضرة الأمراء لأجل استحقاقهما فى الإقطاعات، لأنّ الطشلاقىّ نزل على إقطاع البروانىّ، وكان كل منهما فى ظلم وعسف. والبروانىّ من خواصّ بيبرس الجاشنكير، والطشلاقىّ من ألزام سلّار لأنه خشداشه، كلاهما مملوك الملك الصالح على ابن الملك المنصور قلاوون. ومات فى حياة والده قلاوون. فسطا الطشلاقىّ على البروانىّ وسفه عليه، فقام البروانىّ إلى بيبرس واشتكى منه فطلبه بيبرس وعنّفه، فأساء الطشلاقىّ فى ردّ الجواب وأفحش فى حقّ البروانىّ، وقال:
أنت واحد منفىّ تجعل نفسك مثل مماليك السلطان! فاستشاط بيبرس غضبا وقام ليضرب، فجرّد الطشلاقىّ سيفه يريد ضرب بيبرس، فقامت قيامة بيبرس وأخذ سيفه ليضربه، فترامى عليه من حضر من الأمراء وأمسكوه عنه، وأخرجوا الطشلاقىّ من وجهه بعد ما كادت مماليك بيبرس وحواشيه تقتله بالسيوف، وفى الوقت طلب بيبرس الأمير سنقر الكمالىّ الحاجب وأمر بنفى الطشلاقىّ إلى دمشق، فخشى سنقر من النائب سلّار ودخل عليه وأخبره، فأرسل سلّار جماعة من أعيان الأمراء إلى بيبرس، وأمرهم بملاطفته حتى يرضى عن الطشلاقىّ وأنّ الطشلاقىّ يلزم داره، فلمّا سمع بيبرس ذلك من الذين حضروا صرخ فيهم وحلف إن بات الطشلاقىّ الليلة بالقاهرة عملت فتنة كبيرة، فعاد الحاجب وبلّغ سلّار ذلك فلم يسعه إلّا السكوت لأنّهما (أعنى بيبرس وسلّار) كانا غضبا على الملك الناصر محمد وتحقّق كلّ منهما متى وقع بينهما الخلف وجد الملك الناصر طريقا لأخذهما واحدا بعد واحد، فكان كلّ من بيبرس وسلّار يراعى الآخر وقد اقتسما مملكة مصر، وليس للناصر معهما إلّا مجرّد الاسم فى السلطنة فقط. انتهى. وأحرج الطشلاقىّ من وقته وأمر سلّار الحاجب بتأخيره فى بلبيس حتّى يراجع بيبرس فى أمره، فعند
ما اجتمع سلّار مع بيبرس فى الخدمة السلطانية من الغد بدأ بيبرس سلّار بما كان من الطشلاقىّ فى حقّه من الإساءة، وسلّار يسكّنه ولا يسكن بل يشتدّ فأمسك سلار عن الكلام على حقد فى الباطن، وصار السلطان يريد إثارة الفتنة بينهما فلم يتمّ له ذلك. وتوجّه الطشلاقى إلى الشام منفيّا.
وفيها قدم البريد على الملك الناصر من حماة بمحضر ثابت على القاضى بأن ضيعة تعرف ببارين «1» بين جبلين فسمع للجبلين فى اللّيل قعقعة عظيمة فتسارع الناس فى الصباح إليهما، وإذا أحد الجبلين قد قطع الوادى وانتقل منه قدر نصفه إلى الجبل الآخر، والمياه فيما بين الجبلين تجرى فى الوادى فلم يسقط من الجبل المنتقل شىء من الحجارة، ومقدار النصف المنتقل من الجبل مائة ذراع وعشر أذرع، ومسافة الوادى الذي قطعه هذا الجبل مائة ذراع، وأن قاضى حماة خرج بالشهود حتى عاين ذلك وكتب به محضرا. فكان هذا من الغرائب.
وفيها وقعت الوحشة بين بيبرس الجاشنكير وسلّار بسبب كاتب بيبرس التاج ابن سعيد الدولة، فإنّه كان أساء السيرة «2» ، ووقع بين هذا الكاتب المذكور وبين الأمير سنجر الجاولى، وكان الجاولى صديقا لسلّار إلى الغاية؛ فقام بيبرس فى نصرة كاتبه، وقام سلّار فى نصرة صاحبه الجاولى، ووقع بينهما بسبب ذلك أمور؛ وكان بيبرس من عادته أنّه يركب لسلّار عند ركوبه وينزل عند نزوله، فمن يومئذ لم يركب معه وكادت الفتنة أن تقع بينهما، ثم استدركا أمرها خوفا من الملك الناصر واصطلحا بعد أمور يطول شرحها؛ وتكلّما فى أمر الوزر ومن يصلح لها، فعيّن سلار
كاتب بيبرس التاج بن سعيد الدولة المقدّم ذكره تقرّبا لخاطر بيبرس بذلك، فقال بيبرس: ما يرضى، فقال سلّار: دعنى وإيّاه، فقال بيبرس: دونك، وتفرّقا.
فبعث سلّار للتاج المذكور وأحضره فلمّا دخل عليه عبّس وجهه وصاح بإزعاج هاتوا خلعة الوزارة فأحضروها، وأشار إلى تاج الدولة المذكور بلبسها فتمنّع فصرخ فيه وحلف لئن لم يلبسها ضرب عنقه فخاف الإخراق به لما يعلمه من بغض سلار له فلبس التشريف، وكان ذلك يوم الخميس خامس عشر المحرّم من السنة وقبّل يد سلّار فشّ فى وجهه ووصاه؛ وخرج تاج الدولة بخلعة الوزارة من دار النيابة بقلعة الجبل إلى قاعة الصاحب بها، وبين يديه النّقباء والحجّاب، وأخرجت له دواة الوزارة والبغلة فعلّم على الأوراق وصرّف الأمور إلى بعد العصر ثم نزل الى داره.
وهذا كلّه بعد أن أمسك بيبرس سنجر الجاولى وصادره ثم نفاه إلى دمشق على إمرة طبلخاناه، وولّى مكانه أستادارا الأمير أيدمر «1» الخطيرىّ صاحب الجامع «2» ببولاق.
وفيها توفّى الصاحب شهاب الدين أحمد بن أحمد بن عطاء «1» الله الأذرعىّ الدمشقىّ الحنفى محتسب دمشق ووزيرها، وكان رئيسا فاضلا حسن السّيرة.
وفيها توفّى الأمير عزّ الدين أيبك بن عبد الله الطويل الخازندار المنصورىّ فى حادى عشر شهر ربيع الأوّل بدمشق، وكان ديّنا كثير البرّ والصدقات والمعروف.
وفيها توفّى الأمير بدر الدين بكتاش بن عبد الله الفخرىّ الصالحىّ النجمىّ أمير سلاح. أصله من مماليك الأمير فخر الدين «2» يوسف بن شيخ الشيوخ، ثم نقل إلى ملك الملك الصالح نجم الدين أيّوب، فترقّى فى الخدم حتّى صار من أكابر الأمراء، وغزا غير مرّة وعرف بالخير وعلوّ الهمّة وسداد الرأى وكثرة المعروف.
ولمّا قتل الملك المنصور لاچين أجمعوا على سلطنته فامتنع وأشار بعود السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون، وبعدها ترك الإمرة فى حال مرضه الذي مات فيه.
رحمه الله تعالى.
وفيها توفّى الأمير سيف الدين كاوركا «3» المنصورىّ أحد أعيان الأمراء بالديار المصريّة.
وفيها توفّى الأمير سيف الدين بلبان الجوكندار المنصورىّ، وكان ولى نيابة قلعة صفد وشدّ دواوين دمشق ثم نيابة قلعتها، ثم نقل إلى نيابة حمص فمات بها، وكان مشكور السيرة.
وفيها توفّى القاضى بدر الدين محمد بن فضل الله بن مجلّى العمرىّ الدمشقى أخو كاتب السرّ القاضى شرف الدين عبد الوهاب ومحيى الدين يحيى وقد جاوز سبعين سنة. وهذا أوّل بدر الدين من بنى فضل الله، ويأتى ذكر ثان وثالث، والثالث هو كاتب السر بمصر.
وفيها توفّى الأمير فارس الدين أصلم الردّادىّ «1» فى نصف ذى القعدة، وكان رئيسا حشيما من أعيان الدولة الناصرية.
وفيها توفّى الأمير بهاء الدين يعقوبا الشّهرزورىّ بالقاهرة فى سابع عشر ذى الحجّة، وكان أميرا حشيما شجاعا وهو من حواشى بيبرس الجاشنكير.
وفيها توفّى الطواشى عزّ الدين دينار العزيزى الخازندار الظاهرىّ فى يوم الثلاثاء سابع شهر ربيع الأوّل، وكان ديّنا خيّرا كثير الصدقات والمعروف.
وفيها توفّى ملك الغرب أبو يعقوب يوسف [بن يعقوب «2» ] بن عبد الحقّ، وثب عليه سعادة الخصىّ أحد مواليه فى بعض حجره وقد خضّب رجليه بالحنّاء وهو مستلق على قفاه فطعنه طعنات قطع بها أمعاءه، وخرج فأدرك وقتل، ومات السلطان من جراحه فى آخر يوم الأربعاء سابع ذى القعدة، وأقيم بعده فى الملك أبو ثابت عامر ابن الأمير أبى عامر [عبد الله «3» ] ابن السلطان أبى يعقوب هذا أعنى حفيده. وكان مدّة ملكه إحدى وعشرين سنة.
وفيها توفّى الطّواشى شمس الدين صواب السّهيلى بالكرك عن مائة سنة، وكان مشكور السيرة.
وفيها توفّى الشيخ ضياء الدين عبد العزيز بن محمد بن على الطوسىّ الفقيه الشافعىّ بدمشق فى تاسع عشرين جمادى «4» الأولى، وكان فقيها نحويّا مصنّفا شرح «الحاوى» فى الفقه و «مختصر ابن الحاجب» وغير ذلك.