المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فِي يَده مر فَقَتَلَهُمَا وَكَانَ ذَلِك سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخمْس - الوافي بالوفيات - جـ ٤

[الصفدي]

فهرس الكتاب

- ‌(الْجُزْء الرَّابِع)

- ‌(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)

- ‌(ربِّ أَعِنْ)

- ‌(ابْن عبيد الله)

- ‌(ابْن عبد المتكبر)

- ‌(ابْن عبد الْمجِيد)

- ‌(ابْن عبد المحسن)

- ‌(ابْن عبد الْملك)

- ‌(ابْن عبد الْمُنعم)

- ‌(ابْن عبد الْهَادِي)

- ‌(ابْن عبد الْوَاحِد)

- ‌(ابْن عبد الْوَلِيّ)

- ‌(ابْن عبد الْوَهَّاب)

- ‌(ابْن عتاب)

- ‌(ابْن عَتيق)

- ‌(ابْن عُثْمَان)

- ‌(ابْن عقيل)

- ‌(ابْن عَليّ)

- ‌(ابْن عمرَان)

- ‌(ابْن عمر)

- ‌(ابْن عَمْرو)

- ‌(ابْن عَوْف)

- ‌(ابْن عِيسَى)

- ‌(ابْن غَازِي)

- ‌(ابْن غَالب)

- ‌(ابْن غَسَّان)

- ‌(ابْن فَارس)

- ‌(ابْن فتح)

- ‌(ابْن الْفرج)

- ‌(ابْن الْفضل)

- ‌(ابْن فضل الله)

- ‌(ابْن الْقَاسِم)

- ‌(ابْن قَائِد)

- ‌(ابْن قرطاي)

- ‌(ابْن قلاوون)

- ‌(ابْن قنان)

- ‌(ابْن كثير)

- ‌(ابْن كرام)

- ‌(ابْن كشتغدي)

- ‌(ابْن كناسَة)

- ‌(ابْن لوي)

- ‌(ابْن اللَّيْث)

- ‌(ابْن ماهان)

- ‌(ابْن الْمُبَارك)

- ‌(ابْن المتَوَكل)

- ‌(ابْن الْمثنى)

- ‌(ابْن المجلي)

- ‌(ابْن محبب)

- ‌(ابْن مَحْبُوب)

- ‌(ابْن مُحرز)

- ‌(ابْن المحسن)

- ‌(ابْن مَحْمُود)

الفصل: فِي يَده مر فَقَتَلَهُمَا وَكَانَ ذَلِك سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخمْس

فِي يَده مر فَقَتَلَهُمَا وَكَانَ ذَلِك سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة

ابْن قَرَار صَاحب آمد نور الدّين مُحَمَّد بن قَرَار سلان بن دَاوُد نور الدّين صَاحب آمد وحصن كيفا

توفّي سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخمْس مائَة وَولي بعده ابْنه قطب الدّين سكمان ووزر لَهُ القوام بن سماقا)

3 -

(ابْن قرطاي)

الإربلي الْأَمِير مُحَمَّد بن قرطاي الإربلي أَبُو الْعَبَّاس الْأَمِير

كَانَ مليح الصُّورَة مهيباً من أُمَرَاء إربل فَلَمَّا مَاتَ صَاحب إربل قدم هَذَا إِلَى حلب فَأكْرمه الْعَزِيز وأقطعه خبْزًا وَله شعر حسن كأخيه

توفّي سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وست مائَة

وَمن شعره

(أما واشتياقي عِنْد خطرة ذكركُمْ

إِلَّا قسمٌ لَو تعلمُونَ عَظِيم)

(لَأَنْتُم وَإِن عذبتموني بهجركم

على كل حالٍ جنةٌ ونعيم)

(سلمتم من الوجد الَّذِي بِي عَلَيْكُم

وَمن مهجةٍ فِيهَا أسى وكلوم)

(فَلَا ذقتم مَا ذقت مِنْكُم فلي بكم

رسيس غرامٍ مقعدٌ ومقيم)

قلت هُوَ شعر جيد ومولده سنة سِتّ وست مائَة

3 -

(ابْن قلاوون)

السُّلْطَان الْأَعْظَم الْملك النَّاصِر مُحَمَّد بن قلاوون السُّلْطَان الْأَعْظَم الْملك النَّاصِر نَاصِر الدّين أَبُو الْفَتْح مُحَمَّد بَان السُّلْطَان الْملك الْمَنْصُور سيف الدّين قلاوون الصَّالِحِي

ولد الْملك النَّاصِر سنة أَربع وَثَمَانِينَ ووالده الْمَنْصُور على حصن المرقب محاصراً وَتُوفِّي يَوْم الْأَرْبَعَاء تَاسِع عشر ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وَسبع مائَة وَدفن لَيْلَة الْخَمِيس بِالْمَدْرَسَةِ المنصورية بَين القصرين وَأنزل على وَالِده

كَانَ ملكا عَظِيما دَانَتْ لَهُ الْعباد وملوك الْأَطْرَاف بِالطَّاعَةِ

وَلما قتل أَخُوهُ الْملك الْأَشْرَف خَلِيل على مَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تَرْجَمته فِي عَاشر الْمحرم سنة ثَلَاث وَتِسْعين وست مائَة وَقتل من قتل من قاتليه وَقع الِاتِّفَاق بعد قتلة بيدرا أَن يكون السُّلْطَان الْملك النَّاصِر أَخُوهُ هُوَ السُّلْطَان وزين الدّين كتبغا هُوَ النَّائِب والأمير علم الدّين الشجاعي هُوَ الْوَزير وأستاذ الدَّار وَاسْتقر ذَلِك

وَوصل إِلَى دمشق الْأَمِير سيف الدّين ساطلمش والأمير سيف الدّين بهادر التتري على الْبَرِيد فِي رَابِع عشْرين الْمحرم ومعهما كتاب من الْأَشْرَف مضمونه أننا استنبنا أخانا الْملك النَّاصِر نَاصِر الدّين مُحَمَّدًا وجعلناه ولي عهدنا حَتَّى إِذا توجهنا إِلَى لِقَاء الْعَدو يكون لنا من)

يخلفنا فَحلف النَّاس على ذَلِك وخطب الْخَطِيب ودعا للسُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف ثمَّ دَعَا لوَلِيّ عَهده الْملك النَّاصِر أَخِيه وَكَانَ ذَلِك تدبيراً من الشجاعي

وَفِي ثَانِي يَوْم ورد مرسوم من مصر بالحوطة على مَوْجُود بيدرا ولاجين وقراسنقر وطرنطاي الساقي وسنقرشاه وبهادر رَأس نوبَة

وَظهر الْخَبَر بقتل السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف واتفاق الْكَلِمَة على سلطنة الْملك النَّاصِر أَخِيه

واستقل زين الدّين كتبغا نَائِبا والشجاعي مُدبر الدولة وَقبض على جمَاعَة من

ص: 251

الْأُمَرَاء الَّذين اتَّفقُوا على قتلة الشّرف وهم الْأَمِير سيف الدّين نوغاي وَسيف الدّين الناق وعلاء الدّين الطنبغا الجمدار وشمس الدّين آقسنقر مَمْلُوك لاجين وحسام الدّين طرنطاي الساقي وَمُحَمّد خواجا وَسيف الدّين اروس وَكَانَ ذَلِك فِي خَامِس صفر فَأمر السُّلْطَان الْملك النَّاصِر بِقطع أَيْديهم وتسميرهم أَجْمَعِينَ وطيف بهم مَعَ رَأس بيدرا ثمَّ مَاتُوا إِلَى الْعشْرين من صفر فَبلغ كتبغا أَن الشجاعي قد عَامل النَّاس فِي الْبَاطِن على قَتله

فَلَمَّا كَانَ خَامِس عشْرين صفر ركب كتبغا فِي سوق الْخَيل وَقتل بسوق الْخَيل أَمِير يُقَال لَهُ البندقداري لِأَن جَاءَ إِلَى كتبغا وَقَالَ لَهُ ايْنَ حسام الدينأحضرهفق ال مَا هُوَ عِنْدِي فَقَالَ بل هُوَ عنْدك وَمد يَده إِلَى سَيْفه ليسله فَضَربهُ بلبان الْأَزْرَق مَمْلُوك كتبغا بِالسَّيْفِ وَحل كتفه وَنزل مماليك كتبغا فأنزلوه وذبحوه فِي سوق الْخَيل

وَمَال الْعَسْكَر من الْأُمَرَاء والمقدمين والتتار والأكراد إِلَى كتبغا وَمَال البرجية وَبَعض الخاصكية إِلَى الشجاعي لِأَنَّهُ أنْفق فيهم فِي يَوْم ثَمَانِينَ ألف دِينَار وَقرر أَن كل من أحضر راس أَمِير كَانَ اقطاعه لَهُ

وحاصر كتبغا القلعة وَقطع المَاء عَنْهَا فَنزل البرجية ثَانِي يَوْم من القلعة على حمية وقاتلوا كتبغا وهزموه إِلَى بِئْر الْبَيْضَاء فَركب الْأَمِير بدر الدّين البيسري وَبدر الدّين بكتاش أَمِير سلَاح وَبَقِيَّة الْعَسْكَر نصْرَة لكتبغا وردوهم وكسروهم إِلَى أَن أدخلوهم القلعة وجدوا فِي حصارها فطلعت السِّت وَالِدَة السُّلْطَان الْملك النَّاصِر إِلَى أَعلَى السُّور وَقَالَت ايش المرادفقالوا مَا لنا غَرَض غير إمْسَاك الشجاعي فاتفقت مَعَ الْأَمِير حسام الدّين لاجين الْأُسْتَاذ دَار وَأَغْلقُوا بَاب الْقلَّة وَبَقِي الشجاعي فِي دَاره محصوراً وتسرب الْأُمَرَاء الَّذين مَعَه وَاحِدًا بعد وَاحِد ونزلوا إِلَى كتبغا فَطلب الشجاعي الْأمان فطلبوه إِلَى السِّت وَإِلَى حسام الدّين لاجين أستاذ الدَّار ليستشيروه)

فِيمَا يَفْعَلُونَهُ فَلَمَّا توجه إِلَيْهِم ضربه ألاقوش المنصوري بِالسَّيْفِ قطع يَده ثمَّ ضربه أُخْرَى برا رَأسه ونزلوا بِرَأْسِهِ إِلَى كتبغا وَجَرت أُمُور وأغلقت أَبْوَاب الْقَاهِرَة خَمْسَة أَيَّام ثمَّ طلع كتبغا إِلَى القلعة سَابِع عشْرين صفر ودقت البشائر وَفتحت الْأَبْوَاب وجددت الْأَيْمَان والعهود للسُّلْطَان الْملك النَّاصِر وَأمْسك جمَاعَة من البرجية كَانُوا مَعَ الشجاعي

وَجَاء الْخَبَر إِلَى دمشق ثَالِث شهر ربيع الأول بقتل الشجاعي والحوطة على مَا يتَعَلَّق بِهِ وخطب الْخَطِيب يَوْم الْجُمُعَة حادي عشْرين ربيع الأول للسُّلْطَان الْملك النَّاصِر اسْتِقْلَالا بِالْملكِ وترحم على أَبِيه الْمَنْصُور وأخيه الْأَشْرَف

وَفِي عشْرين شهر رَجَب ورد الْبَرِيد من مصر بِالْحلف للسُّلْطَان الْملك النَّاصِر وَأَن يقرن مَعَه فِي الْأَيْمَان كتبغا وخطب الْخَطِيب بِالدُّعَاءِ للسُّلْطَان ولولي عَهده الْأَمِير زين الدّين كتبغا

وَفِي سلخ رَجَب ورد الْبَرِيد بِأَن السُّلْطَان الْملك النَّاصِر ركب فِي أبهة الْملك وشعار السلطنة ركب وشق الْقَاهِرَة دخل من بَاب النَّصْر وَخرج من بَاب زويلة عَائِدًا إِلَى القلعة وزين الدّين كتبغا والأمراء يَمْشُونَ فِي ركابه وَفَرح النَّاس بذلك ودقت البشائر

وَلم يزل مستمراً فِي الْملك إِلَى حادي عشر الْمحرم سنة أَربع وَتِسْعين فتسلطن زين الدّين كتبغا وَتسَمى الْملك الْعَادِل وَحلف لَهُ الْأُمَرَاء بِمصْر وَالشَّام وزينت لَهُ الْبِلَاد ودقت البشائر

وَجعل أتابكه الْأَمِير حسام الدّين لاجين وَتَوَلَّى الوزارة الصاحب فَخر الدّين عمر بن الخليلي وَصرف تَاج الدّين ابْن حَنى

وَحصل الغلاء الزَّائِد المفرط فِي أَيَّامه حَتَّى بلغ الإردب بِمصْر إِلَى مائَة وَعشْرين درهما

ص: 252

والرطل اللَّحْم بالدمشقي بسبعة دَرَاهِم والرطل اللَّبن بِدِرْهَمَيْنِ وَالْبيض سِتّ بيضات بدرهم ورطل بِثمَانِيَة دَرَاهِم وَلم يكن الشَّام مرخصاً وتوقفت الأمطار وفزع النَّاس

وَذَلِكَ فِي سنة خمس وَتِسْعين وست مائَة وَتبع ذَلِك وباء عَظِيم وفناء كَبِير ثمَّ أَن الغلاء وَقع بِالشَّام وَبَلغت الغرارة مائَة وَثَمَانِينَ درهما

ثمَّ قدم الْملك الْعَادِل كتبغا إِلَى دمشق بالعساكر فِي ذِي الْقعدَة سنة خمس وَتِسْعين وَلما عَاد الْعَادِل إِلَى مصر من نوبَة حمص وَكَانَ فِي سلخ الْمحرم سنة سِتّ وتعسين فَلَمَّا كَانَ بوادي فَحْمَة قتل حسام الدّين لاجين الْأَمِير سيف الدّين بتخاص وبكتوت الْأَزْرَق العادليين وَكَانَا عزيزان على الْعَادِل فَلَمَّا رأى الْعَادِل الهوشة خَافَ على نَفسه فَركب فرس النّوبَة وسَاق وَمَعَهُ)

خَمْسَة مماليك وَوصل إِلَى دمشق الْعَصْر وَنزل بالقلعة

وسَاق حسام الدّين لاجين بالخزائن وَركب فِي دست الْملك وَبَايَعَهُ الْجَيْش وَلم يخْتَلف عَلَيْهِ اثْنَان وَتسَمى بالمنصور وخطب لَهُ بالقدس وغزة وَجَاء الْخَبَر إِلَى دمشق بِأَن صفد زينت وَضربت البشائر بهَا وبالكرك ونابلس

وَوصل كجكن والأمراء من الرحبة فَلم يدخلُوا دمشق ونزلوا بِالْقربِ من مَسْجِد الْقدَم وَأظْهر كجكن سلطنة الْمَنْصُور حسام الدّين لاجين فتحقق الْعَادِل زَوَال ملكه وأذعن لَهُ بِالطَّاعَةِ وَاجْتمعَ الْأُمَرَاء وحلفوا للمنصور

وَفِي مستهل ربيع الأول سنة سِتّ وَتِسْعين خطب للمنصور بِدِمَشْق واستناب بِمصْر الْأَمِير شمس الدّين قراسنقر ثمَّ قبض عَلَيْهِ واستناب مَمْلُوكه منكوتمر وَجعل الْأَمِير سيف الدّين قبجق نَائِبا بِدِمَشْق

وجهز السُّلْطَان النَّاصِر إِلَى الكرك وَقَالَ لَهُ الْمَنْصُور لَو علمت أَنهم يخلون الْملك لَك وَالله لتركته وَلَكنهُمْ لَا يخلونه لَك وَأَنا مملوكك ومملوك والدك أحفظ لَك الْملك وَأَنت الْآن تروح إِلَى الكرك إِلَى أَن تترعرع وترتجل وتتخرج وتجرب الْأُمُور وتعود إِلَى ملكك بِشَرْط أَنَّك تُعْطِينِي دمشق وأكون بهَا مثل صَاحب حماة فِيهَا فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فاحلف لي أَن تبقي عَليّ نَفسِي وَأَنا أروح وَحلف كل مِنْهُمَا على مَا أَرَادَهُ الآخر

وَلما توجه إِلَى الكرك أَقَامَ بهَا إِلَى أَن قتل الْمَنْصُور حسام الدّين لاجين فِي شهر ربيع الآخر سنة ثَمَان وتعسين وست مائَة على مَا يذكر فِي تَرْجَمته

وَحلف الْأُمَرَاء للسُّلْطَان الْملك النَّاصِر وأحضروه من الكرك وملكوه وَهَذِه سلطنته الثَّانِيَة

وَاسْتقر فِي النِّيَابَة بِمصْر الْأَمِير سيف الدّين سلار وَفِي الأتابكية حسام الدّين لاجين استاد دَار وَفِي جُمَادَى الأولى من السّنة ركب السُّلْطَان الْملك النَّاصِر بِالْقَاهِرَةِ فِي دست الْملك والتقليد الحاكمي وعمره يَوْمئِذٍ خمس عشرَة سنة ورتب الْأَمِير جمال الدّين آقوش الأفرم نَائِبا بِدِمَشْق

وَفِي عود السُّلْطَان إِلَى الْملك ثَانِيًا قَالَ عَلَاء الدّين الوداعي وَمن خطه نقلت

(الْملك النَّاصِر قد أَقبلت

دولته مشرقة الشَّمْس)

(عَاد إِلَى كرسيه مثل مَا

عَاد سُلَيْمَان إِلَى الْكُرْسِيّ)

)

وَلما حضر التتار إِلَى الشَّام خرج السُّلْطَان بالعساكر إِلَى الشَّام للقاء الْعَدو فِي أَوَائِل سنة تسع

ص: 253

وَتِسْعين وست مائَة فَدخل دمشق فِي ثامن شهر ربيع الأول بَعْدَمَا طول الْإِقَامَة على غَزَّة وَأقَام فِي قلعة دمشق تِسْعَة أَيَّام

وعدى قازان والتتار الْفُرَات وَخرج السُّلْطَان لملتقى الْعَدو وسَاق إِلَى حمص وَركب بكرَة الْأَرْبَعَاء سَابِع عشْرين الشَّهْر الْمَذْكُور وسَاق إِلَى وَادي الخزندار فَكَانَت الْوَقْعَة والتحم الْحَرْب واستحر الْقَتْل ولاحت إمارات النَّصْر للْمُسلمين وثبتوا إِلَى الْعَصْر وَثَبت السُّلْطَان والخاصكية ثباتاً كلياً فَانْكَسَرت ميمنة الْمُسلمين وجاءهم مَا لَا قبل لَهُم بِهِ لِأَن الْجَيْش لم يتكامل يَوْمئِذٍ وَكَانَ الْجَيْش بضعَة وَعشْرين ألفا والتتار قَرِيبا من مائَة ألف فِيمَا قيل وشرعوا فِي الْهَزِيمَة واخذ الْأُمَرَاء السُّلْطَان وتحيزوا بِهِ وحموا ظُهُورهمْ وَسَارُوا على درب بعلبك وَالْبِقَاع وَبَعض الْعَسْكَر المكسور عبروا دمشق وَاسْتشْهدَ بالمصاف جمَاعَة من الْأُمَرَاء

وخطب بِدِمَشْق للْملك مظفر الدّين مَحْمُود قازان وَرفع فِي ألقابه وَتَوَلَّى الْأَمِير سيف الدّين قبجق النِّيَابَة عَن التتار بِدِمَشْق

وَملك قازان دمشق خلا القلعة فَإِن ارجواش قَامَ بحفظها وَأَبَان عَن حزم عَظِيم وعزم قويم

وجبى التتار الْأَمْوَال من دمشق وقاسى النَّاس مِنْهُم شَدَائِد وأهوالاً عَظِيمَة وَكَانَ إِذا قرروا على الْإِنْسَان عشرَة آلَاف دِرْهَم ينوبه ترسيم الْمغل القان وَقرر على كل سوق شَيْء من المَال واستخرجوه بِالضَّرْبِ والإحراق وَكَانَ مَا حمله وجيه الدّين ابْن المنجا إِلَى خزانَة قازان ثَلَاثَة آلَاف ألف وست مائَة ألف دِرْهَم خلاف مَا نَاب النَّاس من البرطيل والترسيم

وَلم يزل قازان بالغوطة نازلاً إِلَى ثَانِي عشر جُمَادَى الأولى فَرَحل طَالبا بِلَاده وتخلف بِالْقصرِ نَائِبه خطلوشاه فِي فرقة من الْجَيْش وَفِي رَجَب جمع قبجق العيان والقضاة إِلَى دَاره وحلفهم للدولة القازانية بالنصح وَعدم المداجاة ثمَّ إِن قبجق توجه هُوَ والصاحب عز الدّين ابْن القلانسي إِلَى مصر فِي نصف رَجَب وَقَامَ بِحِفْظ الْمَدِينَة وَأمر النَّاس ارجواش

وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشر شهر رَجَب أُعِيدَت الْخطْبَة للْملك النَّاصِر وَكَانَ مُدَّة إِسْقَاط ذَلِك مائَة يَوْم

وَأما السُّلْطَان فَإِنَّهُ دخل بعد الكسرة إِلَى مصر وتلاحق بِهِ الْجَيْش ونفق فِي العساكر واشتريت الْخَيل وآلات السِّلَاح بِالثّمن الغالي)

وَفِي يَوْم عَاشر شعْبَان قدم الأفرم نَائِب دمشق بعسكر دمشق وَقدم أَمِير سلَاح والميسرة المصرية ثمَّ دخلت الميمنة ثمَّ دخل الْقلب وَفِيهِمْ سلار وَتوجه سلار بالجيوش إِلَى الْقَاهِرَة

ثمَّ كثرت الأراجيف بمجيء التتار وانجفل النَّاس إِلَى مصر وَإِلَى الْحُصُون وَبلغ كِرَاء المحارة إِلَى مصر خمس مائَة دِرْهَم

ثمَّ فترت أَخْبَار التتار فِي شهر ربيع الأول سنة سبع مائَة ثمَّ دخل التتار إِلَى حلب وَشرع النَّاس فِي قِرَاءَة البُخَارِيّ وَقَالَ الوداعي فِي ذَلِك وَمن خطه نقلت

(بعثنَا على جَيش الْعَدو كتائباً

بخاريةً فِيهَا النَّبِي مقدم)

(فَردُّوا إِلَى الاردو بغيظٍ وخيبةٍ

واردوا وجيش الْمُسلمين مُسلم)

(فقوا لَهُم عودوا نعد ووراءكم

إِذا مَا أتيتم أَو أَبَيْتُم جَهَنَّم)

وَوصل السُّلْطَان إِلَى الْعَريش وَوصل غازان إِلَى حلب وَدخل جُمَادَى الأولى وَالنَّاس فِي أَمر مريج وَوصل بكتمر السلاحدار بِأَلف فَارس وَعَاد السُّلْطَان إِلَى مصر وانجفل النَّاس غنيهم

ص: 254

وفقيرهم وَنُودِيَ بالرحيل إِلَى مصر فِي الْأَسْوَاق وضج النِّسَاء والأطفال وغلقت أَبْوَاب دمشق واقتسم النَّاس قلعة دمشق بالشبر وَوَقع على غيارة التتار يزك حمص فكسروهم وَقتلُوا مِنْهُم نَحْو مائَة وَصحت الْأَخْبَار بِرُجُوع غازان من حلب فَبَلع النَّاس ريقهم وَهلك كثير من التتار بحلب من الثَّلج والغلاء وَعز اللَّحْم بِدِمَشْق فأبيع الرطل بِتِسْعَة دَرَاهِم ثمَّ دخل الأفرم والأمراء من المرج بعد مَا أَقَامُوا بِهِ أَرْبَعَة أشهر وَاسْتقر حَال النَّاس بعد ذَلِك

وَفِي شهر شعْبَان ألبس النَّصَارَى الْأَزْرَق وَالْيَهُود الْأَصْفَر والسامرة الْأَحْمَر وَسبب ذَلِك ان مغربياً كَانَ جَالِسا بِبَاب الْقلَّة عِنْد الجاشنكير وسلار فَحَضَرَ بعض الْكتاب النَّصَارَى بعمامة بَيْضَاء فَقَامَ لَهُ المغربي يتَوَهَّم أَنه مُسلم ثمَّ ظهر لَهُ أَنه نَصْرَانِيّ فَدخل إِلَى السُّلْطَان وفاوضه فِي تَغْيِير زِيّ أهل الذِّمَّة ليمتاز الْمُسلمُونَ عَنْهُم وَفِي ذَلِك يَقُول عَلَاء الدّين عَليّ بن مظفر الْكِنْدِيّ الوداعي وَمن خطه نقلت

(لقد ألزم الْكفَّار شاشات ذلةٍ

تزيدهم من لعنة الله تشويشا)

(فَقلت لَهُم مَا ألبسوكم عمائماً

وَلَكنهُمْ قد ألزموكم براطيشا)

وَقَالَ أَيْضا

(غيروا زيهم بِمَا غيروه

من صِفَات النَّبِي رب المكارم)

)

فَعَلَيْهِم كَمَا ترَوْنَ براطيش وَلكنهَا تسمى عمائم وَقَالَ أَيْضا

(لقد البسوا أهل الْكِتَابَيْنِ ذلةً

ليظْهر مِنْهُم كل من كَانَ كامنا)

(قلت لَهُم مَا ألبسوكم عمائماً

وَلَكنهُمْ قد ألبسوكم لعائنا)

وَفِي ذَلِك يَقُول شمس الدّين الطَّيِّبِيّ وَهُوَ أحسن من الأول

(تعجبوا لِلنَّصَارَى وَالْيَهُود مَعًا

والسامريين لما عمموا الخرقا)

(كَأَنَّمَا بالأصباغ منسهلاً

نسر السَّمَاء فأضحى فَوْقهم ذرقا)

وَفِي جُمَادَى الأولى سنة إِحْدَى وَسبع مائَة توفّي أَمِير الْمُؤمنِينَ الْحَاكِم بِأَمْر الله أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد العباسي وَدفن عِنْد السِّت نفيسة وَسَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي الأحمدين وَتَوَلَّى الْخلَافَة أَمِير الْمُؤمنِينَ المستكفي بِاللَّه أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان بِولَايَة الْعَهْد إِلَيْهِ من وَالِده الْحَاكِم وَقُرِئَ تَقْلِيده بعد عزاء وَالِده وَسَيَأْتِي ذكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي حرف السِّين فِي مَكَانَهُ

وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبع مائَة فتحت جَزِيرَة أرواد وَهِي بِقرب انطرسوس وَقتل بهَا عدَّة من الفرنج ودخلوا بالأسرى وهم مَا يُقَارب الْخمسين أَسِيرًا إِلَى دمشق

وَفِي شعْبَان من السّنة عدت التتار الْفُرَات وانجفل النَّاس وَخرج السُّلْطَان بجيوشه مكن مصر

وَفِي عَاشر شعْبَان كَانَ المصاف بَين التتار وَالْمُسْلِمين بِعرْض ان الْمُسلمُونَ ألفا وَخمْس مائَة وَعَلَيْهِم أسندمر واغرلوا العادلي وبهادرآص وَكَانَ التتار نَحوا من أَرْبَعَة آلَاف فانكسروا وَقتل مِنْهُم خلق كثير وَأسر مقدمهم

ثمَّ دخل من المصريين خمس تقادم وَعَلَيْهِم الجاشنكير والحسام أستاذ الدَّار ثمَّ دخل بعدهمْ ثَلَاثَة آلَاف

ص: 255

عَلَيْهِم أَمِير سلَاح ويعقوبا وأيبك الخازندار ثمَّ أَتَى عَسْكَر حلب وحماه متقهقراً من التتار وتجمعت العساكر إِلَى الجسورة بِدِمَشْق

واختبط النَّاس واختنق فِي أَبْوَاب دمشق غير وَاحِد وهرب النَّاس وَبَلغت الْقُلُوب الْحَنَاجِر وَوصل السُّلْطَان إِلَى الْغَوْر وغلقت أَبْوَاب دمشق وضج الْخلق إِلَى الله ويئس النَّاس من الْحَيَاة وَدخل شهر رَمَضَان وتعلقت الآمال ببركاته

وَوصل التتار إِلَى المرج وَسَارُوا إِلَى جِهَة الْكسْوَة وبعدوا عَن دمشق بكرَة السبت ثَانِي شهر)

رَمَضَان وَصعد النِّسَاء والأطفال إِلَى السطوح وكشفوا الرؤوس وضجوا وجأروا إِلَى الله وَوَقع مطر عَظِيم

وَوَقعت الظّهْر بطاقة بوصول السُّلْطَان واجتماع العساكر المحمدية بمرج الصفر ثمَّ وَقعت بعْدهَا بطاقة تَتَضَمَّن طلب الدُّعَاء وَحفظ أسوار الْبَلَد

وَبعد الظّهْر وَقع المصاف والتحم الْحَرْب فَحمل التتار على الميمنة فكسروها وَقتل مقدمها الحسام أستاذ الدَّار وَثَبت السُّلْطَان ذَلِك الْيَوْم ثباتاً زَائِدا عَن الْحَد وَاسْتمرّ الْقِتَال من الْعَصْر إِلَى اللَّيْل ورد التتار من حملتهم على الميمنة بِغَلَس وَقد كل حَدهمْ فتعلقوا بِالْجَبَلِ الْمَانِع وطلع الضَّوْء يَوْم الْأَحَد والمسلمون محدقون بالتتار فَلم يكن ضحوة إِلَّا وَقد ركن التتار إِلَى الْفِرَار وولوا الأدبار وَنزل النَّصْر ودقت البشائر وزين الْبَلَد

وَكَانَ التتار نَحوا من خمسين ألفا عَلَيْهِم خطلوشاه نَائِب غازان وَرجع قاوان من حلب فِي ضيق صدر من كسرة أَصْحَابه يَوْم عرض وبهذه الكسرة سَقَطت قواه لِأَنَّهُ لم يعد إِلَيْهِ من أَصْحَابه غير الثُّلُث وتخطفتهم أهل الْحُصُون وسَاق سلار وقبجق وَرَاء المنهزمين إِلَى القريتين وَلم ينكسر التتار مثل هَذِه الْمرة

وَحكى لي جمَاعَة من أهل دير يسير انهم كَانُوا يأْتونَ إِلَيْنَا عشْرين عشْرين وَأكْثر أَو أقل وَيطْلبُونَ منا أَن نعدي بهم الْفُرَات فِي الزواريق إِلَى ذَلِك الْبر فَمَا نعدي بمركب إِلَّا ونقتل كل من فِيهِ حَتَّى ان النِّسَاء كن يضربنهم بالفؤوس ونذبحهم فِي ذَلِك فَمَا تركنَا أحدا مِنْهُم يعِيش وَهَذِه الْوَاقِعَة إِلَى الْآن فِي قُلُوبهم وَكَانَ قد جَاءَ كتاب غازان يَقُول فِيهِ مَا جِئْنَا هَذِه الْمرة إِلَّا للفرجة فِي الشَّام فَقَالَ عَلَاء الدّين الوداعي وَمن خطه نقلت

(قُولُوا لقازانٍ بِأَن جيوشه

جَاءُوا ففرجناهم بِالشَّام)

(فِي سرحة المرج الَّتِي هاماتهم

منثورها وشقائق الْأَجْسَام)

(مَا كَانَ أشأمها عَلَيْهِم فُرْجَة

غمت وأبركها على الْإِسْلَام)

وَقَالَ لما انهزم

(أَتَى قازان عدوا فِي جنودٍ

على أَخذ الْبِلَاد غدوا حراصا)

(فَمَا كسبوا سوى قتلٍ وأسرٍ

وَأَعْطوهُ بحصاته حصاصا)

وأنشدني لنَفسِهِ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة نجم الدّين عَليّ بن دَاوُد القحفازي النَّحْوِيّ فِي ذَلِك)

(لما غَدا غازان فخاراً بِمَا

قد نَالَ بالْأَمْس وأغراه البطر)

(جَاءَ يرجي مثلهَا ثَانِيَة

فَانْقَلَبَ الدست عَلَيْهِ وانكسر)

ص: 256

وَقد نظم النَّاس فِي هَذِه الْوَاقِعَة وَمن أحسن مَا وقفت عَلَيْهِ فِي ذَلِك قَول شمس الدّين الطَّيِّبِيّ وَهِي تقَارب الْمِائَة بَيت وَلَكِن هَذَا الَّذِي وجدت مِنْهَا وَهُوَ

(برق الصوارم للأبصار يختطف

وَالنَّقْع يَحْكِي سحاباً بالدما يكف)

(أحلى وأغلى قيمَة وسناً

من ريق ثغر الغواني حِين يرتشف)

(وَفِي قدود القنا معنى شغفت بِهِ

لَا بالقدود الَّتِي قد زانها الهيف)

(وَمن غَدا بالخدود الْحمر ذَا كلفٍ

فإنني بحدود الْبيض لي كلف)

(وَلأمة الْحَرْب فِي عَيْني أحسن من

لَام العذار الَّذِي فِي الخد يَنْعَطِف)

(كِلَاهُمَا زردٌ هَذَا يُفِيد وَذَا

يردي فشانهما فِي الْفِعْل يخْتَلف)

(وَالْخَيْل فِي طلب الأوتار صاهلةٌ

ألذ لحناً من الأوتار تأتلف)

(مَا مجْلِس الشّرْب والأرطال دائرةٌ

كموقف الْحَرْب والأبطال تزدلف)

(والرزق من تَحت ظلا لرمح مقترنٌ

بالعز والذل يأباه الْفَتى الصلف)

(لَا عَيْش إِلَّا لفتيان إِذا انتدبوا

ثَارُوا وَإِن نهضوا فِي غمَّة كشفوا)

(بَقِي بهم مِلَّة الْإِسْلَام ناصرها

كَمَا يقي الدرة المكنونة الصدف)

(قَامُوا لقُوَّة دين الله مَا وهنوا

لما أَصَابَهُم فِيهِ وَلَا ضعفوا)

(وَجَاهدُوا فِي سَبِيل الله فانتصروا

من بعد ظلمٍ وَمِمَّا ساءهم أنفوا)

(لما أَتَتْهُم جموع الْكفْر يقدمهم

رَأس الضلال الَّذِي فِي عقله حنف)

(جَاءُوا وكل مقَام ظلّ مضطرباً

مِنْهُم وكل مقَام بَات يرتجف)

(فشاهدوا علم الْإِسْلَام مرتفعاً

بِالْعَدْلِ فاستيقنوا ان لَيْسَ ينْصَرف)

(لاقاهم الفيلق الجرار فانكسروا

خوف العوامل بالتأنيث فانصرفوا)

(يَا مرج صفر بيضت الْوُجُوه كَمَا

فعلت من قبل الْإِسْلَام يؤتنف)

(أَزْهَر روضك أزهى عِنْد نفحته

أم يانعات رؤسٍ فِيك تقتطف)

(غُدْرَان أَرْضك قد أضحت لواردها

ممزوجةً بدماء الْمغل تغترف)

(زلت على كتف الْمصْرِيّ أَرجُلهم

فَلَيْسَ يَدْرُونَ أَنى تُؤْكَل الْكَتف)

)

(آووا إِلَى جبل لَو كَانَ يعصهم

من موج فرج المنايا حِين يختطف)

(دارت عَلَيْهِم من الشجعان دائرةٌ

فَمَا نجا سالمٌ مِنْهُم وَقد زحفوا)

(ونكسوا مِنْهُم الْأَعْلَام فَانْهَزَمُوا

ونكصوهم على الأعقاب فانقصفوا)

(فَفِي جماجمهم بيض الظبى زبرٌ

وَفِي كلاكلهم سمر القنا قصف)

(فروا من السَّيْف ملعونين حَيْثُ سروا

وَقتلُوا فِي البراري حَيْثُمَا ثقفوا)

ص: 257

(فَمَا استقام لَهُم فِي أَعْوَج نهجٍ

وَلَا أجارهم من مانعٍ كنف)

(وملت الأَرْض قتلاهم بِمَا قذفت

مِنْهُم وضاق مِنْهَا المهمه الْقَذْف)

(وَالطير والوحش قد عافت لحومهم

فَفِي مزاج الضواري مِنْهُم قرف)

(ردوا فَكل طريقٍ نَحْو أَرضهم

تدل جاهلها الأشلاء والجيف)

(وأدبروا فَتَوَلّى قطع دابرهم

وَالْحَمْد لله قومٌ للوغى ألفوا)

(ساقوهم فسقوا شط الْفُرَات دَمًا

وطمهم بعباب السَّيْل فانحرفوا)

(وَأَصْبحُوا بعد لَا عينٌ وَلَا أثرٌ

عَن القلاع عَلَيْهَا مِنْهُم شعف)

(يَا برق بلغ إِلَى غازان قصتهم

وصف فقصتهم من فَوق مَا تصف)

(بشر بهلكهم ملك الْعرَاق لكَي

يعطيك حلوانها حلوان والنجف)

(وَإِن يسل عَنْهُم قل قد تَركتهم

كالنخل صرعى فَلَا تمرٌ وَلَا سعف)

(مَا أَنْت كفو عروس الشَّام تخطبها

جهلا وَأَنت إِلَيْهَا الهائم الدنف)

(قد مَاتَ قبلك آباءٌ بحسرتها

وَكلهمْ مغرمٌ مغرىً بهَا كلف)

(إِن الَّذِي فِي جحيم النَّار مَسْكَنه

لَا تستباح لَهُ الجنات والغرف)

(وَإِن تعودوا تعد أسيافنا لكم

ضربا إِذا قابلتها رضت الحجف)

(ذوقوا وبال تعديكم وبغيتكم

فِي أَمركُم ولكأس الخزي فارتشفوا)

(فَالْحَمْد لله معطي النَّصْر ناصره

وَكَاشف الضّر حَيْثُ الْحَال تنكشف)

وَفِي ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة كَانَت الزلزلة الْعَظِيمَة بِمصْر وَالشَّام وَكَانَ تأثيرها بالإسكندرية أعظم ذهب تَحت الرَّدْم بهَا عدد كَبِير وطلع الْبَحْر إِلَى نصف الْبَلَد واخذ الْجمال وَالرِّجَال وغرقت المراكب وَسَقَطت بِمصْر دور لَا تحصى وهدمت جَوَامِع ومآذن فَانْتدبَ الجاشنكير وسلار وَغَيرهمَا من الْأُمَرَاء والكبار وَأخذ كل وَاحِد مِنْهُم جَامعا وعمره وجدد لَهُ)

وقوفاً

وَفِي سنة ثَلَاث وَسبع مائَة توجه أَمِير سلَاح وعسكر من دمشق وقبجق فِي عَسْكَر حماه واسندمر فِي عَسْكَر السَّاحِل وقراسنقر فِي عَسْكَر حلب ونازلوا تل حمدون وأخذوها وَدخل بعض الْعَسْكَر الدربند وانحازوا ونهبوا وأسروا خلقا ودقت البشائر

وَفِي شَوَّال من خدابنده هَذِه السّنة توفّي غازان ملك التتار وَملك بعده أَخُوهُ مُحَمَّد الملقب

وَفِي سنة خمس وَسبع مائَة نَازل الأفرم بعساكره من دمشق جبل الجرد وَكسر الكسروانيين وَسَيَأْتِي ذَلِك إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي ترجمتهلأنهم كَانُوا وافض روكانوا قد آذوا الْمُسلمين وَقتلُوا المنهزمين من العساكر المصرية فِي نوبَة قازان الأولى الكائنة فِي سنة تسع وَتِسْعين وست مائَة

وَفِي سنة ثَمَان وَسبع مائَة ذهب السُّلْطَان فِي شهر رَمَضَان إِلَى الْحجاز وَأقَام بالكرك متبرماً من سلار الجاشنكير وحجرهم عَلَيْهِ ومنعهم لَهُ من التَّصَرُّف

قيل أَنه طلب يَوْمًا خروفاً رميساً فَمنع

ص: 258

مِنْهُ أَو قيل لَهُ حَتَّى يَجِيء كريم الدّين الْكَبِير لِأَنَّهُ كَانَ كَاتب الجاشنكير

وَأمر نَائِب الكرك بالتحول إِلَى مصر وَعند دُخُوله القلعة انْكَسَرَ بِهِ الجسر فَوَقع نَحْو خمسين مَمْلُوكا إِلَى الْوَادي وَمَات مِنْهُم أَرْبَعَة وتهشم جمَاعَة

وَأعْرض السُّلْطَان عَن أَمر مصر فَوَثَبَ لَهَا بعد أَيَّام الجاشنكير وتسلطن وخطب لَهُ وَركب بخلعة الْخلَافَة وَذَلِكَ عِنْدَمَا جَاءَتْهُم كتب السُّلْطَان باجتماع الْكَلِمَة فَإِنَّهُ ترك لَهُم الْملك

وَفِي سنة تسع وَسبع مائَة فِي شهر رَجَب خرج السُّلْطَان من الكرك قَاصِدا دمشق وَكَانَ قد سَاق إِلَيْهِ من مصر مائَة وَسَبْعُونَ فَارِسًا فيهم أُمَرَاء وأبطال وَجَاء مَمْلُوك السُّلْطَان إِلَى الأفرم يُخبرهُ بَان السُّلْطَان وصل إِلَى الخمان فَتوجه إِلَى السُّلْطَان بيبرس الْمَجْنُون وبيبرس العلائي ثمَّ ذهب بهادر آص لكشف الْقَضِيَّة فَوجدَ السُّلْطَان قد رد إِلَى الكرك

ثمَّ بعد أَيَّام ركب السُّلْطَان وَقصد دمشق بَعْدَمَا ذهب إِلَيْهِ قطلبك الْكَبِير والحاج بهادر وقفز سَائِر المراء إِلَى السُّلْطَان فقلق الأفرم ونزح بخواصه مَعَ عَلَاء الدّين ابْن صبح إِلَى شقيف ارنون فبادر بيبرس العلائي وآقجبا المشد وأمير علم فِي إصْلَاح الجتر والعصائب وأبهة الْملك فَدخل السُّلْطَان قبل الظّهْر إِلَى دمشق وَفتح لَهُ بَاب سر القلعة وَنزل النَّائِب وَقبل لَهُ الأَرْض)

فَلوى عنان فرسه إِلَى جِهَة الْقصر الأبلق وَنزل بِهِ ثمَّ عَن الأفرم حضر إِلَيْهِ بعد أَرْبَعَة أَيَّام فَأكْرمه وَاسْتمرّ بِهِ فِي نِيَابَة دمشق وَبعد يَوْمَيْنِ وصل نَائِب حماة قبجق واسندمر نَائِب طرابلس وتلقاهما السُّلْطَان وَفِي ثامن عشْرين الشَّهْر وصل قراسنقر نَائِب حلب

ثمَّ خرج لقصد مصر فِي تَاسِع رَمَضَان وَمَعَهُ الْأُمَرَاء ونواب الشَّام والأكابر والقضاة وَوصل غَزَّة وَجَاء الْخَبَر بنزول الجاشنكير عَن الْملك وانه طلب مَكَانا يأوي إِلَيْهِ وهرب من مصر مغرباً وهرب سلار مشرقاً

فَلَمَّا كَانَ بالريدانية لَيْلَة الْعِيد اتّفق الْأُمَرَاء عَلَيْهِ وهموا بقتْله فجَاء إِلَيْهِ بهاء الدّين ارسلان دوادار سلار وَقَالَ قُم الْآن اخْرُج من جَانب الدهليز واطلع إِلَى القلعة فرعاها لَهُ فَلم يشْعر النَّاس إِلَّا بالسلطان وَقد خرج رَاكِبًا فتلاحقوا بِهِ وركبوا فِي خدمته وَصعد إِلَى القلعة وَكَانَ الِاتِّفَاق قد حصل أَن قراسنقر يكون نَائِبا بِمصْر وقطلوبك الْكَبِير نَائِب دمشق

فَلَمَّا اسْتَقر الْحَال قبض السُّلْطَان فِي يَوْم وَاحِد على اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ أَمِيرا من السماط وَلم ينتطح فِيهَا عنزان وَأمر للافرم بصرخد ولقراسنقر بِدِمَشْق وَجعل بكتمر الجوكندار الْكَبِير نَائِبا بِمصْر وَجعل قبجق نَائِب حلب والحاج بهادر نَائِب طرابلس وقطلوبك الْكَبِير نَائِب صفد

وَفِي سنة عشر وَسبع مائَة وصل فِي الْمحرم اسندمر نَائِبا على حماة وفيهَا صرف القَاضِي بدر الدّين ابْن جمَاعَة عَن الْقَضَاء وَتَوَلَّى القَاضِي جمال الدّين الزرعي وَصرف السرُوجِي وَتَوَلَّى القَاضِي شمس الدّين الحريري قَضَاء الْحَنَفِيَّة طلب من دمشق

وَبعد أَيَّام قَلَائِل توفّي الْحَاج بهادر نَائِب طرابلس وَمَات بحلب نائبها قبجق فرسم لاسندمر بحلب وطرابلس لأفرم وَأمره السُّلْطَان بَان لَا يدْخل دمشق على مَا سَيَأْتِي فِي تَرْجَمته إِن شَاءَ الله تَعَالَى

وَفِي هَذِه الْأَيَّام أعْطى السُّلْطَان حماة لعماد الدّين إِسْمَاعِيل بن الْأَفْضَل وَجعله بهَا

وَفِي سنة إِحْدَى عشرَة فِي أَولهَا نقل قراسنقر من نِيَابَة دمشق إِلَى نِيَابَة حلب بَعْدَمَا امسك

ص: 259

اسندمر نَائِب حلب وَتَوَلَّى كراي المنصوري نِيَابَة دمشق

وَفِي شهر ربيع الآخر أيعد القَاضِي بدر الدّين ابْن جمَاعَة إِلَى منصبه بِالْقَاهِرَةِ وتقرر القَاضِي جمال الدّين الزرعي قَاضِي الْعَسْكَر ومدرس مدارس

وَفِي جُمَادَى الأولى أمسك كراي المنصوري نَائِب دمشق وَقيد وجهز إِلَى الْبَاب بَعْدَمَا امسك)

الْأَمِير سيف الدّين بكتمر والجوكندار النَّائِب بِمصْر وَأمْسك قطلوبك الْكَبِير نَائِب صفد وَحبس هُوَ وكراي بالكرك ثمَّ جَاءَ الْأَمِير جمال الدّين آقوش الأشرفي نَائِب الكرك إِلَى دمشق نَائِبا

وَفِي سنة اثْنَتَيْ عشرَة تسحب الْأَمِير عز الدّين الزردكاش وبلبان الدِّمَشْقِي وأمير ثَالِث إِلَى الأفرم وسَاق الْجَمِيع إِلَى عِنْد قراسنقر وَتوجه الْجَمِيع إِلَى عِنْد مهنا فأجارهم وعدوا الْفُرَات طَالِبين خدابنده ملك التتار على مَا سَيَأْتِي عَن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تَرْجَمَة الأفرم وَغَيره

وَفِي ربيع الأول طلب نَائِب دمشق الْأَمِير جمال الدّين الأشرفي إِلَى مصر وفيهَا أمسك بيبرس العلائي نَائِب حمص وبيبرس الْمَجْنُون وطوغان وبيبرس التاجي وكجلي والبرواني وحبسوا فِي الكرك وامسك بِمصْر جمَاعَة

وَفِي ربيع الآخر قدم الْأَمِير سيف الدّين تنكز إِلَى دمشق نَائِبا وسودي إِلَى حلب نَائِبا

وَفِي أَوَائِل رَمَضَان قويت الأراجيف بمجيء التتار ونازل خدابنده الرحبة على مَا تقدم فِي تَرْجَمته وانجفل النَّاس ثمَّ أَنه رَحل عَنْهَا

وَأما السُّلْطَان فَإِن عيّد بِمصْر وَخرج إِلَى الشَّام فوصل إِلَيْهَا فِي ثَالِث عشْرين شَوَّال وَصلى بالجامع الْأمَوِي وَعمل دَار عدل وَتوجه من دمشق إِلَى الْحجاز

وَفِي سنة ثَلَاث عشرَة وصل السُّلْطَان من الْحَج إِلَى دمشق ثمَّ توجه عَائِدًا إِلَى مصر

وَفِي سنة أَربع عشرَة وَسبع مائَة توفّي سودي نَائِب حلب وَحضر عوضه الْأَمِير عَلَاء الدّين الطنبغا

وَفِي سنة خمس عشرَة وَسبع مائَة توجه الْأَمِير سيف الدّين تنكز بعساكر الشَّام وَسِتَّة آلَاف من مصر إِلَى غَزْو ملطية وَفتحهَا وَسبوا ونهبوا وألقوا النَّار فِي جوانبها وَقتل جمَاعَة من النَّصَارَى

وَفِي سنة سِتّ عشرَة توفّي خدابنده ملك التتار وَملك بعده وَلَده بوسعيد على مَا سَيَأْتِي ذكره عَن شَاءَ الله تَعَالَى

وَفِي سنة إِحْدَى وَعشْرين وَسبع مائَة وَقع الْحَرِيق بِمصْر وَاحْتَرَقَ دور كَثِيرَة لِلْأُمَرَاءِ وَغَيرهم ثمَّ ظهر أَن ذَلِك من كيد النَّصَارَى لنه وجد مَعَ بَعضهم آلَة الإحراق من النفط وَغَيره فَقتل مِنْهُم وَأسلم عدَّة ورجم الْعَامَّة والحرافيش كريم الدّين الْكَبِير فَأنْكر السُّلْطَان ذَلِك وَقطع أَيدي أَرْبَعَة وَقيد جمَاعَة)

وفيهَا جرى الصُّلْح بَين السُّلْطَان وَبَين بوسعيد ملك التتار سعى فِي ذَلِك مجد الدّين السلَامِي مَعَ النوين جوبان والوزير عَليّ شاه

وَفِي سنة خمس وَعشْرين جهز السُّلْطَان من مصر نَحْو ألفي فَارس نجدةً لصَاحب الْيمن عَلَيْهِم الْأَمِير ركن الدّين بيبرس الْحَاجِب والأمير سيف الدّين طينال فَدَخَلُوا زبيد وألبسوا الْملك الْمُجَاهِد خلع السلطنة ثمَّ عَاد الْعَسْكَر فَبلغ السُّلْطَان أُمُور نقمها على الأميرين الْمَذْكُورين فاعتقلهما

وَفِي سنة سِتّ وَعشْرين حج الْأَمِير سيف الدّين أرغون النَّائِب وَلما حضر أمْسكهُ السُّلْطَان ثمَّ جهزه إِلَى حلب نَائِبا على مَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي تَرْجَمته

ص: 260

وَفِي سنة سبع وَعشْرين طلب الْأَمِير شَرق فالدين حُسَيْن بن حندر من دمشق إِلَى مصر ليقيم بهَا أَمِيرا وَطلب قَاضِي الْقُضَاة جلال الدّين الْقزْوِينِي إِلَى مصر ليَكُون بهَا حَاكما وفيهَا كَانَ عرس ابْنة السُّلْطَان على الْأَمِير سيف الدّين قوصون على مَا سَيَأْتِي فِي تَرْجَمته إِن شَاءَ الله تَعَالَى

وفيهَا كَانَت الكائنة بالإسكندرية وَتوجه الجمالي إِلَيْهَا وصادر الكارم والحاكة وَغَيرهم وَضرب القَاضِي وَوضع الزنجير فِي رقبته وَكَانَ ذَلِك أمرا فضيحاً

وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة دخل ابْن السُّلْطَان آنوك بن الخوندة طغاي على بنت الْأَمِير سيف الدّين بكتمر الساقي وَكَانَ عرساً عَظِيما حَضَره تنكز نَائِب الشَّام وَسَيَأْتِي ذكر ذَلِك فِي تَرْجَمَة آنوك عَن شَاءَ الله تَعَالَى

وَتوجه السُّلْطَان فِيهَا إِلَى الْحَج واحتفل المراء بِالْحَجِّ وَفِي الْعود توفّي الْأَمِير سيف الدّين بكتمر الساقي وَولده أَمِير أَحْمد

وفيهَا أمسك الصاحب شمس الدّين نَاظر دمشق وَأخذ خطه فِي مصر بألفي دِرْهَم على مَا سَيَأْتِي فِي تَرْجَمته إِن شَاءَ الله تَعَالَى

وَفِي سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ عمر نَائِب الشَّام الْأَمِير سيف الدّين تنكز قلعة جعبر وَصَارَت ثغراً للْمُسلمين

وَفِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة حضر مهنا أَمِير الْعَرَب إِلَى السُّلْطَان وداس بساطه بعد عناء عَظِيم وتسويف كثير فَأقبل عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ شَيْئا كثيرا وَعَاد إِلَى بِلَاده)

وَبهَا أخرج السُّلْطَان من السجْن ثَلَاثَة عشر أَمِيرا مِنْهُم بيبرس الْحَاجِب وتمر الساقي

وَفِي سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ توفّي بو سعيد رَحمَه الله تَعَالَى على مَا سَيَأْتِي فِي تَرْجَمته إِن شَاءَ الله تَعَالَى

وَفِي سنة أَرْبَعِينَ وَسبع مائَة أمسك السُّلْطَان الْأَمِير سيف الدّين تنكز رَحمَه الله تَعَالَى فِي ثَالِث عشْرين ذِي الْحجَّة على ماسيأتي فِي تَرْجَمته إِن شَاءَ الله تَعَالَى

فِي سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين توفّي آنوك رَحمَه الله تَعَالَى ولد السُّلْطَان وفيهَا توفّي السُّلْطَان الْملك النَّاصِر رَحمَه الله تَعَالَى وَعَفا عَنهُ بعد وَلَده بأشهر قَليلَة فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور

وَقَامَ فِي الْملك بعده وَلَده الْملك الْمَنْصُور أَبُو بكر بِوَصِيَّة أَبِيه على مَا سَيَأْتِي فِي تَرْجَمته رَحمَه الله تَعَالَى

وَكَانَ السُّلْطَان الْملك النَّاصِر ملكا عَظِيما محظوظاً مُطَاعًا مهيباً ذَا بَطش ودهاء وحزم شَدِيد وَكيد مديد فَلَمَّا حاول أمرا فانجزم عَلَيْهِ فِيهِ شَيْء يحاوله لِأَنَّهُ كَانَ يَأْخُذ نَفسه فِيهِ بالحزم الْبعيد وَالِاحْتِيَاط أمسك إِلَى أَن مَاتَ مائَة وَخمسين أَمِيرا وَكَانَ يلبس النَّاس على علاتهم ويصبر الدَّهْر الطَّوِيل على الْإِنْسَان وَهُوَ يكرههُ تحدث مَعَ أرغون الدوادار فِي إمْسَاك كريم الدّين الْكَبِير قبل الْقَبْض عَلَيْهِ بِأَرْبَع سِنِين وهمّ بإمساكك تنكز لما ورد من الْحجاز سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ بعد بكتمر ثمَّ أَنه أمهله ثَمَانِي سِنِين بعد ذَلِك

وَكَانَ مُلُوك الْبِلَاد الْكِبَار يهادونه ويراسلونه وَكَانَت ترد إِلَيْهِ رسل صَاحب الْهِنْد وبلاد أزبك وملوك الْحَبَشَة وملوك الغرب والفرنج وبلاد الأشكري وَصَاح بِالْيمن

وَأما بوسعيد ملك التتار فَكَانَت الرُّسُل لَا تَنْقَطِع بَينهمَا ويسمي كل مِنْهُمَا الآخر أَخا وَصَارَت الكلمتان وَاحِدَة والمملكتان وَاحِدَة ومراسيم السُّلْطَان تنفذ فِي بِلَاد بوسعيد وَرُسُله يتوجهون بأطلابهم وطبلخاناتهم بأعلامهم المنشورة

ولكما بعد الْإِنْسَان عَن بِلَاده وجد مهابته أعظم ومكانته

ص: 261

فِي الْقُلُوب أعظم

وَكَانَ سَمحا جواداً على من يقربهُ ويؤثره لَا يبخل عَلَيْهِ بِشَيْء كَائِنا مَا كَانَ

سَأَلت القَاضِي شرف الدّين النشو قلت أطلق يَوْمًا ألف ألف درهمقال نعم كثير وَفِي يَوْم وَاحِد أنعم على الْأَمِير سيف الدّين بشتاك بِأَلف ألف دِرْهَم فِي ثمن قَرْيَة يبْنى الَّتِي بهَا قبر أبي هُرَيْرَة على سَاحل الرملة وأنعم على مُوسَى ابْن مهنا بِأَلف ألف دِرْهَم)

وَقَالَ لي هَذِه ورقة فِيهَا مَا أبتاعه من الرَّقِيق أَيَّام مباشرتي وَكَانَ ذَلِك من شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ إِلَى سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَسبع مائَة فَكَانَ جملَته أَربع مائَة ألف وَسبعين ألف دِينَار مصرية كَذَا قَالَ

وَكَانَ ينعم على الْأَمِير سيف الدّين تنكز كل سنة يتَوَجَّه إِلَيْهِ إِلَى مصر وَهُوَ بِالْبَابِ بِمَا يزِيد على ألف ألف دِرْهَم وَلما تزوج سيف الدّين قوصون بابنة السُّلْطَان وَعمل عرسه حمل الْأُمَرَاء إِلَيْهِ شَيْئا كثيرا فَلَمَّا تزوج الْأَمِير سيف الدّين طغاي تمر بابنة السُّلْطَان الْأُخْرَى قَالَ السُّلْطَان مَا نعمل لَهُ عرساً لِأَن الْأُمَرَاء يَقُولُونَ هَذِه مصادرة وَنظر إِلَى طغاي تمر فَرَآهُ قد تغير فَقَالَ للْقَاضِي تَاج الدّين إِسْحَاق يَا قَاضِي اعْمَلْ لي ورقة بمكارمة الْأُمَرَاء لقوصون فَعمل ورقة وأحضرها فَقَالَ كم الْجُمْلَة قَالَ لَهُ خمسين ألف دِينَار فَقَالَ أعطيها من الخزانة لطغاي تمر وَذَلِكَ خَارِجا عَمَّا دخل مَعَ الزَّوْجَة من الجهاز

وَأما عطاؤه للْعَرَب فَأمر مَشْهُور زَائِد عَن الْحَد وَكَانَ راتبه من اللَّحْم لمطبخه ولرواتب الْأُمَرَاء وَالْكتاب وَغَيرهم فِي كل يَوْم سِتَّة وَثَلَاثِينَ ألف رَطْل لحم بالمصري وَأما نفقات العمائر إِلَى أَن مَاتَ فَكَانَ شَيْئا عَظِيما وَبَالغ فِي مشترى الْخُيُول فَاشْترى بنت الكردا بِمِائَتي ألف دِرْهَم وَبِمَا دونهَا إِلَى الْعشْرَة وَأما الْعشْرُونَ وَالثَّلَاثُونَ ألفا فكثير جدا

وغلا الْجَوْهَر فِي أَيَّامه واللؤلؤ وَمَا رأى النَّاس سَعَادَة ملكه ومسالمة الْأَيَّام لَهُ وَعدم حَرَكَة العادي فِي الْبر وَالْبَحْر هَذِه الْمدَّة الطَّوِيلَة من بعد شقحب إِلَى أَن مَاتَ

وَخلف من الْأَوْلَاد جمَاعَة مِنْهُم البنون وَالْبَنَات فَأَما البنون فَمَاتَ لَهُ عقيب حُضُوره من الكرك فِي الْمرة الْأَخِيرَة عَليّ وَمِنْهُم النَّاصِر أَحْمد وَقتل بالكرك ولإبراهيم وَتُوفِّي فِي حَيَاة وَالِده أَمِيرا والمنصور أَبُو بكر وَقتل بعد خلعه فِي قوص والأشرف كجك وَقَتله أَخُوهُ الْكَامِل شعْبَان وآنوك وَهُوَ ابْن الخوندة طغاي لم أر فِي الأتراك أحسن شكلاً مِنْهُ وَتُوفِّي قبل وَالِده بِنصْف سنة والصالح إِسْمَاعِيل وَتُوفِّي بعد ملكه مصر وَالشَّام ثَلَاثَة أَعْوَام ويوسف وَتُوفِّي فِي أَيَّام أَخِيه الصَّالح ورمضان وَتُوفِّي فِي أَيَّام أَخِيه الصَّالح والكامل شعْبَان وخلع ثمَّ قتل والمظفر حاجي وخلع ثمَّ قتل وحسين والناصر حسن وَالْملك الصَّالح صَالح

نوابه زين الدّين كتبغا الْعَادِل سيف الدّين سلار الْأَمِير ركن الدّين بيبرس الدوادار سيف الدّين بكتمر الجوكندار الْكَبِير سيف الدّين أرغون الدوادار مَمْلُوكه وَبعده لم يكن لَهُ نَائِب)

نوابه بِدِمَشْق الْأَمِير عز الدّين أيبك الْحَمَوِيّ جمال الدّين آقوش الأفرم شمس الدّين

ص: 262

قراسنقر سيف الدّين كراي جمال الدّين آقوش نَائِب الكرك سيف الدّين تنكز عَلَاء الدّين الطنبغا

وزراؤه علم الدّين الشجاعي تَاج الدّين ابْن حنا فَخر الدّين ابْن الخليلي مرَّتَيْنِ الْأَمِير شمس الدّين سنقر الأعسر سيف الدّين الْبَغْدَادِيّ نَاصِر الدّين الشيخي أيبك الْأَشْقَر وَسمي الْمُدبر ابْن عطايا ابْن النشائي ابْن التركماني وَسمي مُدبرا الصاحب أَمِين الدّين مَرَّات الْأَمِير سيف الدّين بكتمر الْحَاجِب الْأَمِير عَلَاء الدّين مغلطاي الجمالي وَلم يكن لَهُ بعده وَزِير

قُضَاته الشَّافِعِيَّة بِمصْر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد القَاضِي بدر الدّين ابْن جمَاعَة مرَّتَيْنِ القَاضِي جمال الدّين الزرعي القَاضِي جلال الدّين الْقزْوِينِي القَاضِي عز الدّين ابْن جمَاعَة

قُضَاته الشَّافِعِيَّة بِالشَّام القَاضِي إِمَام الدّين الْقزْوِينِي القَاضِي بدر الدّين ابْن جمَاعَة القَاضِي نجم الدّين ابْن صصرى القَاضِي جمال الدّين الزرعي القَاضِي جلال الدّين الْقزْوِينِي مرَّتَيْنِ الشَّيْخ عَلَاء الدّين القونوي القَاضِي علم الدّين الخنائي القَاضِي جمال الدّين ابْن جملَة القَاضِي شهَاب الدبن ابْن الْمجد عبد الله القَاضِي تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ

كتاب سره بِمصْر القَاضِي شرف الدّين ابْن فضل الله القَاضِي عَلَاء الدّين ابْن الْأَثِير القَاضِي مُحي الدّين ابْن فضل الله وَولده القَاضِي شهَاب الدّين القَاضِي شرف الدّين ابْن الشهَاب مَحْمُود القَاضِي عَلَاء الدّين ابْن فضل الله

كتاب سره بِالشَّام القَاضِي محيي الدّين ابْن فضل الله القَاضِي شرف الدّين ابْن فضل الله القَاضِي شهَاب الدّين مَحْمُود وَولده القَاضِي شمس الدّين مُحَمَّد القَاضِي محيي الدّين ابْن فضل الله وَولده القَاضِي شهَاب الدّين القَاضِي شرف الدّين ابْن الشهَاب مَحْمُود القَاضِي جمال الدّين ابْن الْأَثِير القَاضِي علم الدّين ابْن القطب القَاضِي شهَاب الدّين ابْن القيسراني القَاضِي شهَاب الدّين ابْن فضل الله

دواداريته الْأَمِير عز الدّين أيدمر مَمْلُوكه الْأَمِير بهاء الدّين أرسلان الْأَمِير سيف الدّين اُلجاي الْأَمِير صَلَاح الدّين يُوسُف الْأَمِير سيف الدّين بغا وَلم يُؤمر طبلخاناه الْأَمِير سيف الدّين طاجار)

نظار الْجَيْش بِمصْر ابْن الْحلِيّ القَاضِي فَخر الدّين مرَّتَيْنِ القَاضِي قطب الدّين ابْن شيخ السلامية القَاضِي شمس الدّين مُوسَى ابْن تَاج الدّين إِسْحَاق القَاضِي مكين الدّين ابْن قروينة القَاضِي جمال الدّين جمال الكفاة

الَّذين درجوا فِي أَيَّامه من الْخُلَفَاء الْحَاكِم بِأَمْر الله أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد المستكفي بِاللَّه أَبُو الرّبيع سُلَيْمَان

وَمن الْمُلُوك كيختوا ابْن هولاكو الْمُسْتَنْصر بِاللَّه يحيى بن عبد الْوَاحِد صَاحب إفريقية

ص: 263