الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
(الْمعز صَاحب الْيمن)
)
إِسْمَاعِيل بن طغتكين بن أَيُّوب بن شادي الْملك الْمعز ابْن سيف الْإِسْلَام صَاحب الْيمن ورد بَغْدَاد فَأكْرم وتلقوه وَكَانَ منهمكاً على اللَّهْو وَالشرب قَلِيل الْخَيْر وَكتب مَعَه منشور إِلَى أَبِيه بِالرِّضَا عَنهُ وَلما توفّي أَبوهُ ولي بعده ثمَّ ادّعى النُّبُوَّة وَقبل ذَلِك ادّعى أَنه أموي ورام الْخلَافَة وَأظْهر الْعِصْيَان فزثب عَلَيْهِ أَخَوان من امرائه فقتلاه وَولي الْيمن بعده أَخُوهُ أَيُّوب ولقب النَّاصِر وَكَانَ صَغِيرا وَكَانَت قتلته سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة وَكَانَ لما ادّعى تلقب بِالْإِمَامِ الْهَادِي بِنور الله الْمعز لدين الله أَمِير الْمُؤمنِينَ ومدحه الشُّعَرَاء وَمن شعره فِي هَذَا الْمَعْنى من الطَّوِيل
(وإنّي أَنا الْهَادِي الْخَلِيفَة وَالَّذِي
…
أدوس رِقَاب الغُلب بالضُّمَّر الجُرْدِ)
(وَلَا بدّ من بَغْدَاد أطوي ربوعَها
…
وأنْشرها نشر السماسر للبُرْدِ)
(وأنصب أعلامي على شُرفاتها
…
وأُحيي بهَا مَا كَانَ أسّسه جدّي)
(ويُخْطَبُ لي فِيهَا على كل منبرٍ
…
وأظْهرِ دين الله فِي الغَور والنجدِ)
3 -
(الْكَاتِب)
إِسْمَاعِيل بن عباد بن مُحَمَّد بن وزيران أَبُو الْقَاسِم الْكَاتِب الْأَصْبَهَانِيّ ذكره السلَفِي وَقَالَ هُوَ من بَيت الرياسة وَالْكِتَابَة فَاضل فِي الْأَدَب والنحو بارع فِي الترسل وخطه فِي غَايَة الْجَوْدَة وَكَانَ سمع مَعنا الحَدِيث على شُيُوخنَا
3 -
(الصاحب ابْن عباد)
إِسْمَاعِيل بن عباد بن الْعَبَّاس بن عباد الْوَزير الملقب بالصاحب كَافِي الكفاة أَبُو الْقَاسِم من الطالقان وَهِي ولَايَة بَين قزوين وأبهر وَهِي عدَّة قرى يَقع عَلَيْهَا هَذَا الِاسْم وبخراسان بَلْدَة غير هَذِه يَقع عَلَيْهَا هَذَا الِاسْم خرج مِنْهَا جمَاعَة من الْعلمَاء قَالَ فِيهِ الرستمي شاعره من الْكَامِل
(يَهْني ابنَ عبّاد بن عبّاس بن عب
…
د الله نُعمى بالكرامة تُرْدف)
ومدحه أَبُو المرجى الْأَهْوَازِي بقصيدة لما ورد الأهواز مِنْهَا من السَّرِيع
(إِلَى ابْن عبّادٍ أبي القاسمِ ال
…
صاحبِ إِسْمَاعِيل كَافِي الكفاه)
فَاسْتحْسن جمعه بَين اسْمه ولقبه وكنيته وَاسم أَبِيه فِي بَيت وَاحِد وَذكر وُصُوله إِلَى بَغْدَاد وَملكه إِيَّاهَا فَقَالَ)
وَيشْرب الجُند هَنِيئًا بهَا فَقَالَ لَهُ أمسك فَأمْسك فَقَالَ تُرِيدُ أَن تَقول من بعد مَاء الريّ مَاء الفُراه فَقَالَ كَذَا وَالله فَضَحِك وَقَالَ السلَامِي يهجوه من الرمل
(يَا ابنَ عبّاد ابْن عبا
…
س بن عبد الله حِرْها)
(تُنْكِرَ الجبْرَ وأُخرج
…
تَ إِلَى دنياك كَرْها)
وَقَالَ فِيهِ أَيْضا يمدحه من الْكَامِل
(ورِث الوزارة كَابِرًا عَن كابرٍ
…
موصولةَ الإسنادِ بالإسنادِ)
(يَروي عَن العبّاس عبّادٌ وزا
…
رَتَه وإسماعيلُ عَن عبّادِ)
كَانَ أَبُو الْقَاسِم وَزِير مؤيد الدولة بن ركن الدولة بن بويه وأخيه فَخر الدولة وَكَانَت وزارته ثَمَانِي عشرَة سنة وشهراً وَاحِدًا وَهُوَ أول من سمي الصاحب من الوزراء لِأَنَّهُ صحب مؤيد الدولة من الصَّبِي وَسَماهُ الصاحب فغلب عَلَيْهِ هَذَا اللقب وَقيل لِأَنَّهُ كَانَ صَاحب ابْن العميد
وَتُوفِّي سنة خمس وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَفِي سنة أَربع وَعشْرين وثلاثمائة مَاتَ وَالِده عباد وَهِي السّنة الَّتِي ولد فِيهَا الصاحب أَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل وَكَانَ من أهل الْعلم سمع أَبوهُ أَبَا خَليفَة الْفضل بن الْحباب وَغَيره من البغداديين والرازيين والأصبهانيين وصنف كتابا فِي أَحْكَام الْقُرْآن نصر فِيهِ مَذْهَب الاعتزال وَلما مَاتَ الصاحب أَبُو الْقَاسِم إِسْمَاعِيل أغلقت لَهُ مَدِينَة الرّيّ وَاجْتمعَ النَّاس على بَاب قصره ينتظرون خُرُوج جنَازَته وَحضر مخدومه فَخر الدولة وَسَائِر القواد وَقد غيروا لباسهم فَلَمَّا خرج نعشه صَاح النَّاس بأجمعهم صَيْحَة وَاحِدَة وقبلوا الأَرْض وَمَشى فَخر الدولة أَمَام الْجِنَازَة وَقعد للجنازة أَيَّامًا ورثاه أَبُو سعيد الرستمي فَقَالَ من الطَّوِيل
(أبعْدَ ابْن عبّادٍ يَهشُّ إِلَى السُّرى
…
أَخُو أملٍ أَو يُستماح جوادُ)
(أَبى الله إلاّ أَن يموتا بِمَوْتِهِ
…
فَمَا لَهُم حَتَّى الْمعَاد معادُ)
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم ابْن أبي الْعَلَاء الشَّاعِر الْأَصْبَهَانِيّ رَأَيْت فِي الْمَنَام كَأَن قَائِلا يَقُول لي لِمَ لمْ تَرث الصاحب مَعَ فضلك وشعرك فَقلت ألجمتني كَثْرَة محاسنه فَلم أدر بِمَا أبدأ مِنْهَا وَخفت أَن أقصر وَقد ظن بِي الاسيتفاء لَهَا فَقَالَ أجز مَا أقوله فَقلت قل فَقَالَ من الطَّوِيل)
فَقَالَ هما اصْطَحَبا حَيَّيْنِ ثّم تعانقا
فَقلت ضَجيعَين فِي لحدٍ ببابِ ذَرِيِه
فَقَالَ إِذا ارتحل الثاوونَ عَن مستقرّهم
فَقلت أَقَامَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فِيهِ
وَكَانَ الصاحب نادرة عصره وأعجوبة دهره فِي الْفَضَائِل والمكارم أَخذ الْأَدَب عَن ابْن العميد وَابْن فَارس وَسمع من أَبِيه وَمن غير وَاحِد وَحدث وأملي وَاتخذ لنَفسِهِ بَيْتا سَمَّاهُ بَيت التَّوْبَة وَجلسَ فِيهِ أسبوعاً وَأخذ خطوط الْفُقَهَاء بِصِحَّة تَوْبَته وَخرج متحنكاً متطلساً بزِي أهل الْعلم وَقَالَ للنَّاس قد علمْتُم قدمي فِي الْعلم فَكل أقرّ لَهُ بذلك وقالك قد علمْتُم أَنِّي متبلس بِهَذَا الْأَمر الَّذِي أَنا فِيهِ وَجَمِيع مَا أنفقته من صغري إِلَى وقتي هَذَا من مَال أبي وجدي ثمَّ مَعَ هَذَا كُله لَا أَخْلو من تبعات أشهد الله وأشهدكم أَنِّي تائب إِلَى الله عز وجل من كل ذَنْب أذنبته ولبث فِي ذَلِك الْبَيْت أسبوعاً ثمَّ خرج فَقعدَ للإملاء وَحضر النَّاس الْكثير إِلَى الْغَايَة كَانَ الْمُسْتَمْلِي الْوَاحِد لَا يقوم بالإملاء حَتَّى انضاف إِلَيْهِ سِتَّة كل يبلغ صَاحبه وَكَانَ الأول ابْن الزَّعْفَرَانِي الْحَنَفِيّ وَكَانَ إِذْ ذَاك رئيسهم فَمَا بَقِي فِي الْمجْلس أحد من أهل الْعلم إِلَّا وَقد كتبه حَتَّى القَاضِي عبد الْجَبَّار وَهُوَ قَاضِي الْقُضَاة بِالريِّ
وَقَالَ الصاحب حضرت مجْلِس ابْن العميد عَشِيَّة من عشايا رَمَضَان وَقد حَضَره الْفُقَهَاء والمتكلمون للمناظرة وَأَنا إِذْ ذَاك فِي ريعان شَبَابِي فَمَا تفوض الْمجْلس وَانْصَرف الْقَوْم إِلَّا وَقد حل الْإِفْطَار فأنكرت ذَلِك فِي نَفسِي واستقبحت إغفاله أَمر إفطار الْحَاضِرين مَعَ وفور رياسته واتساع حَاله واعتقدت أَن لَا أخل بِمَا أخل بِهِ إِذا قُمْت مقَامه فَكَانَ الصاحب لَا يدْخل)
عَلَيْهِ أحد فِي رَمَضَان بعد الْعَصْر كَائِنا من كَانَ فَيخرج من دَاره إِلَّا بعد الْإِفْطَار عِنْده وَكَانَت دَاره لَا تَخْلُو كل لَيْلَة من ليَالِي رَمَضَان من ألف نفس مفطرة وَكَانَت صدقاته وقرباته تبلغ فِي شهر رَمَضَان مبلغ مَا يُطلقهُ فِي السّنة كلهَا وَكَانَ فِي الصغر إِذا أَرَادَ الْمُضِيّ إِلَى الْمَسْجِد ليقْرَأ تعطيه والدته دِينَارا فِي كل يَوْم ودرهماً وَتقول لَهُ تصدق بِهَذَا على أول فَقير تَلقاهُ فَجعل هَذَا دأبه فِي شبابه إِلَى أَن كبر وَمَاتَتْ والدته وَهُوَ على هَذَا يَقُول للْفراش فِي كل لَيْلَة اطرَح تَحت المطرح دِينَارا ودرهماً لئلاّ ينساه فَبَقيَ على هَذَا مُدَّة ثمَّ إِن الْفراش نسي لَيْلَة من اللَّيَالِي أَن يطْرَح لَهُ الدِّرْهَم وَالدِّينَار فانتبه وَصلى وقلب المطرح ليَأْخُذ الدِّرْهَم وَالدِّينَار فَمَا رآهما فتطير من ذَلِك وَظن أَنه لقرب أَجله فَقَالَ للفراشين شيلوا كل مَا هُنَا من الْفرش وأخرجوه وَأَعْطوهُ لأوّل فَقير تلقونه حَتَّى يكون كَفَّارَة لتأخير هَذَا فَلَقوا أعمى هاشمياً يتكئ على يَد امْرَأَة فَقَالُوا تقبل هَذَا فَقَالَ مَا هُوَ فَقَالُوا
مطرح ديباج ومخاد ديباج فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ فأعلموا الصاحب بأَمْره فَأحْضرهُ وسقاه شرابًا بَعْدَمَا رش عَلَيْهِ المَاء فَلَمَّا أَفَاق سَأَلَهُ فَقَالَ اسألوا هَذِه الْمَرْأَة إِن لم تصدقوني فَقَالَ لَهُ اشرح فَقَالَ أَنا رجل شرِيف ولي ابْنة من هَذِه الْمَرْأَة خطبهَا رجل فزوجناه ولي سنتَيْن آخذ الْقدر الَّذِي يفضل عَن قوتنا أَشْتَرِي لَهَا بِهِ قِطْعَة صفراء وطفرية وَمَا أشبه ذَلِك فَلَمَّا كَانَ البارحة قَالَت أمهَا اشْتهيت لَهَا مطرح ديباج ومخاد ديباج فَقلت من أَيْن لي ذَلِك وَجرى بيني وَبَينهَا خُصُومَة إِلَى أَن سَأَلتهَا أَن تَأْخُذ بيَدي وتخرجني حَتَّى أمضي على وَجْهي فَلَمَّا قَالَ لي هَؤُلَاءِ هَذَا الْكَلَام حق لي أَن يغشى عَليّ
فَقَالَ لَا يكون الديباج إِلَّا مَعَ مَا يَلِيق بِهِ هاتم الأنماطيين فجيء بهم فَاشْترى مِنْهُم الجهاز الَّذِي يَلِيق بذلك المطرح وأحضر زوج الصبية وَدفع إِلَيْهِ بضَاعَة سنية
واستدعى فِي بعض الْأَيَّام شرابًا فأحضروا قدحاً فَلَمَّا أَرَادَ أَن يشربه قَالَ لَهُ أحد خواصه لَا تشربه فَإِنَّهُ مَسْمُوم وَكَانَ الْغُلَام الَّذِي نَاوَلَهُ وَاقِفًا فَقَالَ للمحذر لَهُ مَا الشَّاهِد على صِحَة قَوْلك قَالَ تجربه فِي الَّذِي ناولك إِيَّاه فَقَالَ لَا أستجيز ذَلِك وَلَا أستحله قَالَ فجربه فِي دجَاجَة قَالَ التَّمْثِيل بِالْحَيَوَانِ لَا يجوز ورد الْقدح وَأمر بِقَلْبِه وَقَالَ للغلام انْصَرف عني وَلَا تدخل دَاري وَأمر بِإِقْرَار جاريه وجرايته عَلَيْهِ وَقَالَ لَا يدْفع الْيَقِين بِالشَّكِّ والعقوبة بِقطع الرزق نذالة
وَقَالَ الصاحب أنفذ إِلَيّ أَبُو الْعَبَّاس تاش الْحَاجِب رقْعَة فِي السِّرّ بِخَط صَاحبه نوح بن)
مَنْصُور ملك خُرَاسَان يُرِيدنِي فِيهَا على الانحياز بِحَضْرَتِهِ ليلقي إِلَيّ مقاليد ملكه ويعتمدني لوزارته ويحكمني فِي ثَمَرَات بِلَاده قَالَ فَكَانَ فِيمَا اعتذرت إِلَيْهِ من تركي امْتِثَال أمره طول ذيلي وَكَثْرَة حاشيتي وصبيتي وحاجتي لنقل كتبي خَاصَّة إِلَى أَرْبَعمِائَة جمل فَمَا الظَّن بِمَا يَلِيق بهَا من تجمل مثلي وَكَانَ يَقُول لجلسائه نَحن بِالنَّهَارِ سُلْطَان وبالليل إخْوَان وَكَانَ مكي المنشد قديم الصُّحْبَة للصاحب والخدمة فأساء إِلَيْهِ غير مرّة فَلَمَّا كثر ذَلِك مِنْهُ أَمر بحبسه فِي دَار الضَّرْب وَكَانَت فِي جواره فاتفق أَن الصاحب صعد سطح دَاره وأشرف على دَار الضَّرْب فناداه مكي فاطَّلَعَ فَرَآه فِي سواءِ الْجَحِيم فَضَحِك الصاحب وَقَالَ اخْسَأوا فِيهَا وَلَا تكلِّمون ثمَّ أَمر بِإِطْلَاقِهِ وَدخل إِلَى الصاحب رجل لَا يعرفهُ فَقَالَ أَبُو من فَأَنْشد الرجل من الطَّوِيل
(وتتّفق الأسماءُ فِي اللَّفْظ والكُنى
…
كثيرا ولكنْ لَا تلاقى الخلائقُ)
فَقَالَ لَهُ اجْلِسْ يَا أَبَا الْقَاسِم وَقَالَ الصاحب مَا قطعني إِلَّا شَاب ورد علينا إِلَى أَصْبَهَان بغدادي فقصدني فَأَذنت لَهُ وَكَانَ عَلَيْهِ مرقعة وَفِي رجلَيْهِ نعل طاق فَنَظَرت إِلَى حاجبي فَقَالَ لَهُ وَهُوَ يصعد إِلَيّ اخلع نعلك فَقَالَ وَلم لعَلي أحتاج إِلَيْهَا بعد سَاعَة فغلبني الضحك وَقلت أتراه يُرِيد أَن يصفعني وَقَالَ مُحَمَّد بن الْمَرْزُبَان كُنَّا بَين يَدَيْهِ لَيْلَة فنعس وَأخذ إِنْسَان يقْرَأ سُورَة الصافات فاتفق أَن بعض هَؤُلَاءِ الأجلاف من أهل مَا وَرَاء النَّهر نعس أَيْضا وضرط ضرطةً مُنكرَة فانتبه وَقَالَ يَا
أَصْحَابنَا نمنا على وَالصَّافَّات وانتبهنا على والمرسلات
وَقَالَ أَيْضا انفلتت لَيْلَة ضرطةٌ من بعض الْحَاضِرين وَهُوَ فِي الجدل فَقَالَ على حِدته كَانَت بيعَة أبي بكر خُذُوا فِيمَا أَنْتُم فِيهِ يَعْنِي أَنه قيل فِي بيعَة أبي بكر رضي الله عنه إِنَّمَا كَانَت فلتة وَقَالَ قوم من إصبهان للصاحب لَو كَانَ الْقُرْآن مخلوقاً لجَاز أَن يَمُوت وَلَو مَاتَ الْقُرْآن فِي آخر شعْبَان بِمَاذَا كُنَّا نصلي التَّرَاوِيح فِي رَمَضَان فَقَالَ الصاحب لَو مَاتَ الْقُرْآن لَكَانَ يَمُوت رَمَضَان وَيَقُول لَا حَيَاة لي بعْدك وَلَا نصلي التَّرَاوِيح ونستريح وَيُقَال إِن ابْن أبي الحظيري أَتَى إِلَيْهِ يَوْمًا فَقَامَ لَهُ فَمر مسرعاً لأَجله فضرط فَقَالَ يَا مَوْلَانَا الصاحب هَذَا صرير التخت فَقَالَ بل صفير التحت فَذهب وَقد استحيى وَانْقطع فَكتب إِلَيْهِ من الْبَسِيط
(قٌل للحظيريّ لَا تذهبْ على خَجَلٍ
…
من ضرطةٍ أشبهتْ ناياً على عودِ)
(فإنّها الريحُ لَا تَسطيعُ تُمْسِكها
…
إِذْ لستَ أنتَ سليمانَ بن داودِ)
)
وَكَانَ الصاحب قد ولى عبد الْجَبَّار الأسداباذي قَضَاء الْقُضَاة بهمذان وَالْجِبَال فَاسْتَقْبلهُ يَوْمًا وَلم يترجل لَهُ وَقَالَ أَيهَا الصاحب أُرِيد أَن أترجل للْخدمَة وَلَكِن الْعلم يَأْبَى ذَلِك وَكَانَ يكْتب فِي عنوان كِتَابه إِلَى الصاحب داعيه عبد الْجَبَّار بن أَحْمد ثمَّ كتب وليه عبد الْجَبَّار بن أَحْمد ثمَّ كتب عبد الْجَبَّار بن أَحْمد فَقَالَ الصاحب لندمائه أطنه يؤول أمره إِلَى أَن يكْتب الْجَبَّار وَقَالَ ابْن بابك سَمِعت الصاحب يَقُول مدحت وَالْعلم عِنْد الله بِمِائَة ألف قصيدة شعرًا عربيةٍ وفارسية وَقد أنفقت أَمْوَالِي على الشُّعَرَاء والأدباء وَالزُّوَّارِ والقصاد مَا سررت بِشعر وَلَا سرني شَاعِر كَمَا سرني أَبُو سعيد الرستمي الْأَصْبَهَانِيّ بقوله ورث الوزارة كَابِرًا عَن كابرٍ الْبَيْتَيْنِ
كتب عَامل إِلَيْهِ رقْعَة إِن رأى مَوْلَانَا أَن يَأْمر بإشغالي بِبَعْض أشغاله فعل فَوَقع الصاحب تحتهَا من كتب إشغالي لَا يصلح لأشغالي وَوَقع إِلَى أبي الْحسن الشقيقي الْبَلْخِي من نظر لدينِهِ نَظرنَا لدنياه فَإِن آثرت الْعدْل والتوحيد بسطنا لَك الْفضل والتمهيد وَإِن أَقمت على الْجَبْر فَمَا لكسرك جبر وَلما كَانَ بِبَغْدَاد قصد القَاضِي أَبَا السَّائِب عتبَة بن عبيد لقَضَاء حَقه فتثاقل فِي الْقيام لَهُ وتحفز تحفزاً أرَاهُ بِهِ ضعفا عَن حركته وقصور نهضته فَأخذ الصاحب بضبعه وأقامه وَقَالَ نعين القَاضِي على قَضَاء حُقُوق إخوانه فَخَجِلَ القَاضِي أَبُو السَّائِب وَاعْتذر إِلَيْهِ وَوجد يَوْمًا بعض ندمائه متغير السحنة فَقَالَ مَا الَّذِي بك قَالَ حَما فَقَالَ لَهُ الصاحب قَه فَقَالَ لَهُ النديم وه فَاسْتحْسن ذَلِك مِنْهُ وخلع عَلَيْهِ قلت إِنَّمَا قَالَ لَهُ الصاحب قه لِأَنَّهُ لَا يُقَال إِلَّا حميا فأضاف إِلَيْهَا الْقَاف وَالْهَاء لتصير حماقه فلطف النديم وظرف فِي زِيَادَة الْوَاو وَالْهَاء ليصير ذَلِك قهوة ضرب الصاحب معلمه يَوْمًا فَأَنْشد يَقُول من الْبَسِيط
(أودعتني العلمَ فَلَا تجهلِ
…
كم مِقْولٍ يجني على المقتلِ)
(أَنْت وَإِن علَّمتَني سوقةٌ
…
وَالسيف لَا يُبقي على الصّيقْلِ)
وَسَأَلَ أَبَا الْحسن عَليّ بن عِيسَى الربعِي عَن مَسْأَلَة فَأجَاب جَوَابا أَخطَأ فِيهِ فَقَالَ لَهُ أصبت فَقبل الأَرْض شكرا فَلَمَّا رفع رَأسه قَالَ لَهُ عين الْخَطَأ وعزل الصاحب عَاملا بقم فَكتب إِلَيْهِ أَيهَا الْعَامِل بقم قد عزلناك فَقُمْ وَمَا عظم وزيراً مخدومه وَمَا عظم فَخر الدولة الصاحب ابْن عباد قَالَ الصاحب مَا اسْتَأْذَنت على فَخر الدولة قطّ وَهُوَ فِي مجْلِس أنسه إِلَّا انتقلا إِلَى مجْلِس الحشمة وَأذن لي فِيهِ وَمَا أذكر أَنه تبذل بَين يَدي أَو مازحني قطّ إِلَّا مرّة وَاحِدَة فَإِنَّهُ)
قَالَ لي بَلغنِي أَنَّك تَقول إِن الْمَذْهَب مَذْهَب الاعتزال والنيك نيك الرِّجَال فأظهرت الْكَرَاهَة لانبساطه وَقلت بِنَا من الْجد مَا لَا نفرغ مَعَه للهزل ونهضت وَقَالَ الصاحب يَوْمًا كَانَ أَبُو الْفضل يَعْنِي ابْن العميد سيداً وَلَكِن لم يشق غبارنا وَلَا أدْرك شوارنا وَلَا فسخ عذارنا وَلَا عرف غرارنا وَلَا فِي علم الدّين وَلَا فِيمَا يرجع إِلَى نفع الْمُسلمين فَأَما ابْنه فقد عَرَفْتُمْ قدره فِي هَذَا وَفِي غَيره طياش قلاش لَيْسَ عِنْده إِلَّا قاش وقماش مثل ابْن عَيَّاش والهروي الْحَوَاشِي وَولدت والشعري فِي طالعي وَلَوْلَا دقيقة لأدركت النُّبُوَّة وَقد أدْركْت النُّبُوَّة إِذْ قُمْت بالذب عَنْهَا والنصرة لَهَا فَمن ذَا يجارينا أَو يمارينا أَو يبارينا أَو يغارينا ويسارينا ويشارينا وَلم يكن الصاحب يقوم لأحد من النَّاس وَلَا يُشِير إِلَى الْقيام وَلَا يطْمع أحد فِي ذَلِك مِنْهُ من أَرْبَاب السيوف أَو الأقلام أَمِيرا كَانَ أَو مَأْمُورا وَنزل بالصيمرة عِنْد عودة من الأهواز فَدخل عَلَيْهِ شيخ من الْمُعْتَزلَة زاهد يعرف بِعَبْد الله بن إِسْحَاق فَقَامَ لَهُ فَلَمَّا خرج قَالَ مَا قُمْت لأحد مثل هَذَا الْقيام مُنْذُ عشْرين سنة وَإِنَّمَا فعل ذَلِك لزهده لِأَنَّهُ كَانَ أحد أبدال دهره
وَلم يجْتَمع بِبَاب أحد من الْمُلُوك وَالْخُلَفَاء والوزراء مثل مَا اجْتمع بِبَاب الرشيد كَأبي نواس وَأبي الْعَتَاهِيَة والعتابي والنمري وَمُسلم بن الْوَلِيد وَأبي الشيص وَابْن أبي حَفْصَة وَمُحَمّد بن مناذر وجمعت حَضْرَة الصاحب بأصبهان والري وجرجان مثل أبي الْحُسَيْن السلَامِي والرستمي وَأبي الْقَاسِم الزَّعْفَرَانِي وَأبي الْعَبَّاس الضَّبِّيّ وَالْقَاضِي الْجِرْجَانِيّ وَأبي الْقَاسِم ابْن أبي الْعَلَاء وَأبي مُحَمَّد الخازن وَأبي هَاشم الْعلوِي وَأبي الْحسن الْجَوْهَرِي وَبني المنجم وَابْن بابك وَابْن القاشاني والبديع الهمذاني وَإِسْمَاعِيل الشَّاشِي وَأبي الْعَلَاء الْأَسدي وَأبي الْحسن الغويري وَأبي دلف الخزرجي وَأبي حَفْص الشهرزوري وَأبي معمر الْإِسْمَاعِيلِيّ وَأبي الْفَيَّاض الطَّبَرِيّ وَأبي بكر الْخَوَارِزْمِيّ ومدحه مُكَاتبَة الرضي الموسوي وَأَبُو إِسْحَاق الصابي وَابْن الْحجَّاج وَابْن سكرة وَابْن نباتة وَغَيرهم وَأما المتنبي فَإِنَّهُ قَالَ بَلغنِي أَن أَصْبَهَان غليماً معطاء وَلم يدْخل إصبهان وَلَا مدحه وَكَانَ الصاحب لما بلغه وُصُوله تِلْكَ الْبِلَاد أباع دَارا لَهُ بِخَمْسِينَ ألف دِرْهَم وأرصدها للمتنبي إِن جَاءَ إِلَيْهِ ومدحه فَلَمَّا بلغه مَا قَالَه المتنبي أعرض عَنهُ وتتبع شعره وأملي رِسَالَة على ذمّ شعره وَأما أَبُو حَيَّان التوحيدي فَإِنَّهُ أملي فِي ذمه وذم ابْن العميد مجلدةً سَمَّاهَا ثلب الوزيرين أَتَى فِيهَا بقبائح فَمن ذَلِك مَا ذكره فِي حق الصاحب أَنه نَاظر بِالريِّ يَهُودِيّا هُوَ رَأس الجالوت فِي إعجاز الْقُرْآن فَرَاجعه الْيَهُودِيّ فِيهِ طَويلا وماتنه)
قَلِيلا وتنكد عَلَيْهِ حَتَّى احتد وَكَانَ ينْقد وتستشيط وتلتهب وتختلط كَيفَ يكون الْقُرْآن عِنْدِي آيَة وَدلَالَة ومعجزةً من جِهَة نظمه وتأليفه فَإِن كَانَ النّظم
والتأليف بديعين وَكَانَ البلغاء فِيمَا يدعى عَنهُ عاجزين وَله مذعنين وَهَا أَنا أصدق عَن نَفسِي وَأَقُول مَا عِنْدِي أَن رسائلك وكلامك وفقرك وَمَا تؤلفه وتباده بِهِ نظماً ونثراً هُوَ فَوق ذَلِك أَو مثل ذَلِك وَقَرِيب مِنْهُ وعَلى حالٍ لَيْسَ يظْهر لي أَنه دونه وَأَن ذَلِك سيستعلى عَلَيْهِ بِوَجْه من وُجُوه الْكَلَام أَو بمرتبة من مَرَاتِب البلاغة فَلَمَّا سمع ابْن عباد هَذَا فتر وخمد وَسكن عَن حركته وانحمص ورمه بِهِ وَقَالَ وَلَا هَكَذَا يَا شيخ كلامنا حسن وبليغ وَقد أَخذ من الجزالة خطا وافراً وَمن الْبَيَان نَصِيبا ظَاهرا وَلَكِن الْقُرْآن لَهُ المزية الَّتِي لَا تجْهَل والشرف الَّذِي لَا يخمل وَأَيْنَ مَا خلقه الله على أتم حسنٍ وبهاء مِمَّا يخلقه العَبْد بطلبٍ وتكلف هَذَا كُله يَقُوله وَقد خبا حميه وتراجع مزاجه وَصَارَت ناره رَمَادا مَعَ إعجاب شديدٍ قد شاع فِي أعطافه وَفَرح غالبٍ قد دب فِي أسارير وَجهه لِأَنَّهُ رأى كَلَامه شُبْهَة للْيَهُود وَأهل الْملَل وَقَالَ كَانَ ينشد شعره وَهُوَ يلوي رقبته ويجحظ حدقته وينزي أَطْرَاف مَنْكِبَيْه ويتشايل ويتمايل كَأَنَّهُ الَّذِي يتخبَّطه الشيّطان من المسِّ
وَقَالَ دخل يَوْمًا دَار الْإِمَارَة الفيرزان الْمَجُوسِيّ فِي شَيْء خاطبه بِهِ فَقَالَ إِنَّمَا أَنْت مجش محش مخش لَا تهش وَلَا تبش وَلَا تمتش قَالَ الفيرزان أَيهَا الصاحب بَرِئت من النَّار إِن كنت أَدْرِي مَا تَقول إِن كَانَ رَأْيك أَن تَشْتمنِي فَقل مَا شِئْت بعد أَن أعلم فَإِن الْعرض لَك وَالنَّفس لَك فدَاء لست من الزنج وَلَا من البربر كلمنا على الْعَادة الَّتِي عَلَيْهَا الْعَمَل وَالله مَا هَذَا من لُغَة آبَائِك الْفرس وَلَا من أهل دينك من أهل السوَاد وَقد خالطنا النَّاس فَمَا سمعنَا مِنْهُم هَذَا النمط فَقَامَ الصاحب مغضباً قَالَ وَكَانَ كلفه بالسجع فِي الْكَلَام والقلم عِنْد الْجد والهزل يزِيد على كلف كل من رَأَيْنَاهُ قلت لِابْنِ الْمسيب أَيْن يبلغ ابْن عباد فِي عشقه للسجع قَالَ يبلغ بِهِ ذَلِك لَو أَنه رأى سجعةً ينْحل بموقعها عُرْوَة الْملك ويضطرب بهَا حَبل الدولة وَيحْتَاج من أجلهَا إِلَى غرم ثقيل وكلفة صعبة وتجشم أمورٍ وركوب أهوال لَكَانَ لَا يخف عَلَيْهِ أَن يفرج عَنْهَا ويخليها بل يَأْتِي بهَا ويستعملها وَلَا يعبأ بِجَمِيعِ مَا وصفت من عَاقبَتهَا وَقَالَ فِيهِ بعض الشُّعَرَاء من الْكَامِل
(متلقّب كَافِي الكفاة وإنّما
…
هُوَ فِي الْحَقِيقَة كَافِر الكفارِ)
)
(السجع سجعُ مهوَّسٍ والخطّ خَ
…
طُّ منَقْرَسٍ وَالْعقل عقل حمارِ)
قلت وعَلى الْجُمْلَة من رجالات الْوُجُود وَأَيْنَ آخر مثله وَلَكِن أَبُو حَيَّان زَاد فِي التمالئ عَلَيْهِ لنَقص حَظّ ناله مِنْهُ فتمحل لَهُ مثالب وَادّعى لَهُ معايب من الْخَفِيف
(لَو أَرَادَ الأديب أَن يهجُوَ البد
…
ر رَمَاه بالخطّة الشنعاءِ)
وَمن تصانيف الصاحب الْمُحِيط باللغة عشر مجلدات رسائله الْكَافِي رسائل كتاب الزيدية الأعياد وفضائل النوروز الْإِمَامَة فِي تَفْضِيل عَليّ بن أبي طَالب وَتَصْحِيح إِمَامَة من تقدمه الوزراء لطيف عنوان المعارف فِي التَّارِيخ الْكَشْف عَن مساوئ المتنبي مُخْتَصر أَسمَاء الله تَعَالَى وَصِفَاته الْعرُوض الْكَافِي جَوْهَرَة الجمهرة نهج