الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
(المطروحي الْحَاجِب)
آقوش الْأَمِير جمال الدّين المطروحي الْحَاجِب شيخ مليح الشكل مديد الْقَامَة ظَاهر الهيبة كَانَ حاجباً جَلِيلًا عَاقِلا ناهضاً أعطي الطبلخاناه آخر عمره بعد الْوَقْعَة قيل إِن الكسروانيين أباعوه)
للفرنج وَتُوفِّي سنة تسع وَتِسْعين وسِتمِائَة
3 -
(الأفرم)
آقوش الْأَمِير جمال الدّين الأقرم نَائِب دمشق كَانَ من البرجية تمتّع بِدِمَشْق وَسكن الْقصر الأبلق وَقضى بِهِ الْعَيْش الرغد وَكَانَ خيرا لَا يحب الظُّلم وَلَا يسفك الدَّم وأحبه أهل دمشق وَكَانَ ينادم الشَّيْخ صدر الدّين ابْن الْوَكِيل وَبدر الدّين ابْن الْعَطَّار وَالْملك الْكَامِل وَغَيرهم من المطابيع المحتشمين وَلم يزل فِي أرغد عيشٍ وأهناه إِلَى أَن تحرّك الْملك النَّاصِر فِي الكرك وخامر أُمَرَاء دمشق وراحوا إِلَى الكرك وَاحِدًا بعد وَاحِد وَبَقِي هُوَ وَحده بِدِمَشْق فَلَمَّا قَارب السُّلْطَان دمشق هرب هُوَ والأمير عَلَاء الدّين ابْن صبح إِلَى الْجَبَل فَلَمَّا قدم السُّلْطَان إِلَى دمشق بعث لَهُ الْأمان فَحَضَرَ إِلَيْهِ وَتوجه مَعَه إِلَى مصر وَخرج مملكاً بصرخذ على عَادَة كتبغا ثمَّ جعل نَائِبا لطرابلس فَلَمَّا هرب قراسنقر لاقاه إِلَى أثْنَاء الطَّرِيق وَدخل مَعَ قراسنقر إِلَى بِلَاد التتار وَأَقْبل عَلَيْهِمَا خربندا
أَخْبرنِي القَاضِي شهَاب الدّين ابْن فضل الله قَالَ الأفرم من مماليك الْمَنْصُور الْقدَم جركسي الأَصْل وَكَانَ من السلاحدارية وَهُوَ من أكَابِر البرجية وَكَانَ مغرى بالنشاب والعلاج والصراع واللكام والثقاف وتأمر وَهُوَ على هَذَا وَكَانَ محباً للصَّيْد لَا يكَاد يصبر عَنهُ وَكَانَ وَاسع السماط قَلِيل الْعَطاء لَيْسَ لبخلٍ بِهِ وَلَكِن لضيق ذَات يَده كَانَ فَقِيرا لَا يكَاد يملك شَيْئا أَكثر مَا ملك سَبْعَة آلَاف دِينَار وَلما كَانَ بِمصْر أَيَّام الْمَنْصُور كَانَ يتَمَنَّى الْخُرُوج إِلَى الشَّام وتحدث مَعَ بعض الخاصكية فِي هَذَا فعرضوا بِهِ للمنصور فَقَالَ آقوش الأفرم يُرِيد يروح إِلَى الشَّام لَا بُد لَهُ من نِيَابَة الشَّام إِلَّا مَا هُوَ فِي أيامي وَقَالَ حَدثنِي جلال الدّين مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الْمَعْرُوف بِابْن البيع الْموقع عَن الشهَاب الرُّومِي أَن الأفرم حَدثهُ أَنه قَالَ كَانَ يتَرَدَّد إِلَيّ وَأَنا بِمصْر فَقير مغربي كَانَ فِي القرافة الْكُبْرَى فَقَالَ لَهُ يَوْمًا يَا آقوش إِذا صرت نَائِب الشَّام أيش تُعْطِينِي فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي مَا أَنا قدر هَذَا فَقَالَ لَهُ لابد لَك من هَذَا أيش تُعْطِينِي فَقَالَ يَا سَيِّدي الَّذِي تَقول فَقَالَ تَتَصَدَّق بألفي دِرْهَم ألف عِنْد السيدة نفيسة وَألف عِنْد الشَّافِعِي فَقَالَ يَا سَيِّدي بِسم الله فَضَحِك المغربي وَقَالَ مَا أَظُنك إِلَّا تنساها وَمَا تعود تذكرها إِلَّا إِذا جِئْت هَارِبا إِلَى مصر قَالَ فو الله لقد جعلت كَلَام الْفَقِير ممثلاً بَين عَيْني حَتَّى وليت النِّيَابَة فأنسانيه الله ثمَّ مَا ذكرته حَتَّى دخلت نوبَة غازان إِلَى مصر هَارِبا فَبينا أَنا أَسِير فِي القرافة إِذْ)
مَرَرْت بمَكَان الْفَقِير فَذكرت قَوْله فأحضرت من فوري الدَّرَاهِم وتصدفت بهَا
وَنقل الأفرم من مصر إِلَى الشَّام أَمِيرا قبل النِّيَابَة وَأقَام بهَا مُدَّة طَوِيلَة فِي مجَالِس أنس وَلَهو وطرب يغشى النَّاس ويغشونه فَلَمَّا كَانَت أَيَّام الْعَادِل كتبغا وَتقدم حسام الدّين لاجين وَصَارَ نَائِب
مصر اشْتَدَّ عضد الأفرم بِهِ لِأَنَّهُمَا كَانَا ابْني خالةٍ فَلَمَّا تسلطن لاجين كَانَ الأفرم بِدِمَشْق يكاتبه ثمَّ طلبه إِلَى مصر وَصَارَ حاجباً بِمصْر تِلْكَ الْمدَّة كلهَا يبيت عِنْده وَيُصْبِح بالقلعة فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْخَمِيس وَهُوَ الْيَوْم الَّذِي قتل لاجين فِي عشيته نزل الأفرم تِلْكَ اللَّيْلَة وَبَات بِالْمَدِينَةِ فِي دَاره وَهِي دَار الشريف ابْن ثَعْلَب وَبَات بهَا هُوَ والأمير شرف الدّين حُسَيْن بن حيدر أَخْبرنِي الْأَمِير شرف الدّين قَالَ بَينا نَحن تِلْكَ اللَّيْلَة وَإِذا بِالْبَابِ يطْرق وَقَائِل يَقُول خلوا الْأَمِير يكلم السُّلْطَان وَآخر فِي آخر فِي الْحَث فِي طلبه فهم الأفرم بِفَتْح الْبَاب فَقلت لَهُ تأن على نَفسك فخاطري قد حَدثنِي بِأَمْر وأخشى على السُّلْطَان من أمرٍ حدث فانتبه لنَفسِهِ وَقَالَ مَا الْعَمَل قلت تحيل على من يخرج إِلَى السُّوق ويكشف الْخَبَر فدلينا مَمْلُوكا من السَّطْح فَمَا لبث أَن عَاد إِلَيْنَا بالْخبر فخرجنا على حمية وركبنا وطلعنا إِلَى خيل الأفرم وَكَانَت خَارج الْبَلَد فأخذنا الْخَيل وانعزلنا فِي القليوبية وَاجْتمعَ عَلَيْهِ مملوليكه وَأَصْحَابه واللاجينية وَنشر أَعْلَامه ودق طبلخاناته وَبَقِي ينْتَقل حول بركَة الْحجَّاج إِلَى المرج إِلَى عكرشة إِلَى مَا دون بلبيس وَهُوَ على غَايَة الحذر إِلَى أَن ترددت الرُّسُل بَينه وَبَين أُمَرَاء القلعة وتأكدت الْأَيْمَان بَينهم وهم بالطلوع إِلَى القلعة ثمَّ إِنَّه رد من الثغرة وفل أَكثر من كَانَ مَعَه وَكَاد يُؤْخَذ فَأتى الله بالأمير بدر الدّين بكتاش أَمِير سلَاح والأمراء المجردين بحلب فانضم إِلَيْهِ الأفرم فَكَانَ مَعَه إِلَى أَن قتل كرجي وطغجي وتقدر الْأَمر على طلب السُّلْطَان الْملك النَّاصِر من الكرك بِإِجْمَاع رَأْي سَبْعَة من الْأُمَرَاء كَانَ الأفرم سادسهم وَكَانَت الْكتب تصدر بخطوط السَّبْعَة وَخط الأفرم السَّادِس فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ الدولة الناصرية جهز الأفرم إِلَى دمشق كالحافظ لَهَا فوصل إِلَيْهَا على الْبَرِيد وَحكم فِيهَا بِغَيْر تقليدٍ مُدَّة انْتهى أَو كَمَا قَالَ
ثمَّ إِن الأفرم سعى لَهَا سعيها فَجَاءَهُ التَّقْلِيد بنيابة دمشق والتشريف وَاسْتمرّ تِلْكَ الْمدَّة إِلَى أَن حضر النَّاصِر من الكرك فِي الْمرة الثَّانِيَة قَالَ القَاضِي شهَاب الدّين وَكَانَ هُوَ والجاشنكير متظاهرين لما يجمعهما من البرجية قَالَ حَدثنِي وَالِدي قَالَ دخلت يَوْمًا على الأفرم وَهُوَ فِي بَقِيَّة حديثٍ يتشكى فِيهِ افتيات سلار وبيبرس وَمَا هما فِيهِ والتفت إِلَيّ وَقَالَ يَا فلَان وَالله هَذَا)
بيبرس لما كُنَّا فِي البرج كَانَ يخدمني وَكَانَ يحك رجْلي فِي الْحمام وَيصب عَليّ المَاء وَإِذا رَآنِي وَالله مَا يعْقد إِلَّا إِذا قلت لَهُ اقعد وَأما سلار فَمَا هُوَ منا وَلَا لَهُ قدر أيش أعمل فِي دمشق وَالله لَوْلَا هَذَا الْقصر الأبلق والميدان الْأَخْضَر وَهَذَا النَّهر الْمليح مَا خليتهم يفرحون بِملك بِمصْر ثمَّ قَالَ لي وَالِدي إِنَّه لما تسلطن الجاشنكير عز ذَلِك على الأفرم وَوجد فِي نَفسه لتقدمه عَلَيْهِ ثمَّ رأى أَنه خوشداشه وَأَنه أحب إِلَيْهِ من سلار ثمَّ كَانَ يَقُول وَالله عمِلُوا نحساً كَانَ ابْن أستاذنا وَهُوَ حوله أصلح وَلم يزل على هَذَا حَتَّى تحتم الْأَمر فخاف الْقَتْل فَانْصَرف بكليته إِلَى الجاشنكير
وَكَانَت أَيَّام نيابته ممزقةً فِي الصيود وَرمي النشاب وَالْخلْوَة بِنَفسِهِ وَمَعَ هَذَا لَا يخل بِالْجُلُوسِ للْأَحْكَام والتصدي لمصَالح الْإِسْلَام وَقَضَاء حوائج النَّاس وتحصين الْحُصُون وَتَحْصِيل
الحواصل وسد الثغور وملئها بالذخائر والحواصل وعمارتها بالزردخانات والآلات لَا يزَال يتقاضى هَذَا بِنَفسِهِ ويتوكل بِهِ حَتَّى يكون إِلَّا أَنه كَانَ رجلا يسمع كَلَام كل قَائِل وَيبقى أَثَره فِي قلبه إِلَّا أَنه لَا يرتب عَلَيْهِ شرا وَلَا أذيةً وأبلى فِي نوبَة غازان الأولى بلَاء حسنا وَقَاتل قتالاً عَظِيما وَلما وَقعت الْهَزِيمَة على الْمُسلمين وعاث فيهم أهل كسروان أثر ذَلِك فِي قلبه فَلَمَّا عَاد إِلَى دمشق توجه إِلَيْهِم ونازلهم فَلم يحصل مِنْهُم على طائل واشتغل بأراجيف التتار إِلَى أَن فرغوا من نوبَة مرج الصفر فَجعل كسروان دأبه وَكتب إِلَى أسندمر نَائِب طرابلس وَطلب نَائِب صفد وجمعوا الرِّجَال وَأَحَاطُوا بِالْجَبَلِ من كل جِهَة وَتردد الشَّيْخ الْعَلامَة الإِمَام تَقِيّ الدّين بَينهم وَبينهمْ فَلم يفد فيهم فأظهره الله عَلَيْهِم وظفره بهم وكتبت كتب البشائر بذلك وَأحسن مَا وَقع فِيهَا كتاب كتبه الشَّيْخ كَمَال الدّين ابْن الزملكاني افتتحه بقوله تَعَالَى ويسألون عَن الْجبَال فقُلْ يَنْسِفهُا ربّي نَسْفاً ومدح الأفرم فِيهَا بعدة مدائح جمعهَا شمس الدّين الطَّيِّبِيّ هِيَ وَكَثِيرًا مِمَّا كتب فِي هَذِه الْوَاقِعَة وسماها وَاقعَة كسروان
وَلم يزل الأفرم على نيابته فِي أرغد عَيْش وَأعظم تمكن وَتصرف حَتَّى بلغ من أمره أَنه كَانَ يكْتب تواقيه بوظائف كَبِيرَة ويبعثها إِلَى مصر ليعلم السُّلْطَان عَلَيْهَا وكتبت فِي دمشق عَن السُّلْطَان بِالْإِشَارَةِ الْعَالِيَة الأميرية الكافلية الجمالية كافل الشَّام أعزها الله تَعَالَى وشكا إِلَيْهِ ضوء بن صباح أحد قصاد الْخدمَة أَن جامكيته نقصت فَقَالَ من فعل ذَلِك فَقَالَ لَهُ ابْن سعيد الدولة وَكَانَ ابْن سعيد الدولة إِذْ ذَاك مشير الدولة وجليس السُّلْطَان وَمَكَان ثقته وَلَا يعلم)
السُّلْطَان المظفر على شَيْء حَتَّى يكْتب عَلَيْهِ ابْن سعيد الدولة يحْتَاج إِلَى الْخط الشريف فَكتب الأفرم إِلَى ابْن سعيد الدولة هَكَذَا ابْتِدَاء والك يَا ابْن سعيد الدولة مَا أَنْت إِلَّا ابْن تعيس الدولة والك وصلت إِلَى أَنَّك تقطع جوامك القصاد الَّذين هم عين الْإِسْلَام وَمن هَذَا وأشباهه وَالله إِن عدت تعرضت لأحد فِي الشَّام بعثت من يقطع رَأسك وَيَجِيء بِهِ فِي مخلاة وجهز بِهِ مَمْلُوكا من مماليكه على الْبَرِيد قصدا وَأمره أَن يُعْطِيهِ الْكتاب فِي وسط المحفل وَيَقُول لَهُ من نِسْبَة مَا فِي الْكتاب فَفعل ذَلِك فَدخل إِلَى السُّلْطَان وَأرَاهُ الْكتاب فقرأه ثمَّ أطرق زَمَانا وَقَالَ لَهُ أَرض الأفرم وَإِلَّا أَنا وَالله بالبرا مِنْك وَالله إِن عمل مَعَك شَيْئا مَا نقدر ننفعك وَلم يزل كَذَلِك إِلَى أَن حضر السُّلْطَان من الكرك وقفز الْأُمَرَاء إِلَى السُّلْطَان الْملك النَّاصِر وَبَقِي الأفرم وَحده فهرب الأفرم هُوَ وَابْن صبح الْأَمِير عَلَاء الدّين إِلَى شقيف أرنون ثمَّ إِنَّه أَمن فَحَضَرَ إِلَى دمشق فَأكْرمه السُّلْطَان وَأقرهُ على نِيَابَة دمشق فِي الرّكُوب وَالنُّزُول وَالْوُقُوف وَقِرَاءَة الْقَصَص وسافر مَعَه إِلَى مصر على تِلْكَ الْحَال فَلَمَّا اسْتَقر السُّلْطَان على تخت الْملك أعْطى الأفرم صرخذ على عَادَة كتبغا الْعَادِل لما أَخذهَا بعد الْملك وَأخرج سلار إِلَى الشوبك فَجَاءَت الْأَخْبَار إِلَى السُّلْطَان أَن الأفرم وسلار يتراسلان فولى الأفرم نِيَابَة طرابلس وَقَالَ لَهُ لَا تدخل دمشق خشيَة أَن تنشب أَظْفَاره فِيهَا وَيقوم أَهلهَا مَعَه لمحبتهم لَهُ فَتوجه إِلَى طرابلس على مشاريق مرج دمشق وَأقَام بطرابلس وَهُوَ على وَجل فَكَانَ يخرج بعد الْعشَاء مختفياً هُوَ من يَثِق إِلَيْهِ من دَار السلطنة كل لَيْلَة إِلَى مَكَان ينامون فِيهِ بالنوبة وخيلهم مَعَهم وَرُبمَا هوموا على ظُهُور
الْخَيل ثمَّ أَتَاهُ مَمْلُوك كَانَ لَهُ بِمصْر وَقَالَ لَهُ السُّلْطَان رسم لَك بنيابة حلب ورسم أَنَّك تروح إِلَى مصر لتلبس تشريفك وَتَأْخُذ تقليدم وتعود فطار خوفًا وَكَانَ فِي مرج حِين فَأَتَاهُ فِي الْحَال مَمْلُوك صهره أيدمر الزرد كاش يعرفهُ بِأَنَّهُ مَأْخُوذ ويحرضه على الْخُرُوج فَخرج
قَالَ القَاضِي شهَاب الدّين وَحكى لي عماد الدّين إِبْرَاهِيم بن الشهَاب الرُّومِي إِن الأفرم مَا خرج إِلَى مرج حِين إِلَّا بنية الهروب وَقَالَ كنت عِنْده قبل خُرُوجه إِلَى مرج حِين يَوْمًا فَبينا نَحن قعُود نَأْكُل إِذْ جَاءَ إِلَيْهِ مَمْلُوك من مماليك قراسنقر فَسلم عَلَيْهِ ثمَّ قعد فَأكل حَتَّى فَرغْنَا وَخرجت المماليك وَلم يبْق عِنْده إِلَّا الجمدارية للنوبة وَأَنا لَا غير فَتقدم إِلَيْهِ الْمُلُوك وَقَالَ لَهُ أَخُوك يسلم عَلَيْك وَقد بعث لَك معي هَدِيَّة فَقَالَ وَأَيْنَ الْكتاب قَالَ مَا معي كتاب قَالَ فالمشافهة قَالَ مَا معي مشافهة قَالَ إِلَّا أيش قَالَ هَدِيَّة لَا غير قَالَ هَاتِهَا فَخرج خرقَة)
فَحلهَا ثمَّ نَاوَلَهُ تفاحةً ثمَّ نَاوَلَهُ بعْدهَا مئزراً أسود ثمَّ نَاوَلَهُ بعده نصفيةً هَكَذَا على التَّرْتِيب ثمَّ خرج فَقَالَ لَهُ اقعد قَالَ مَا معي دستور بأنني أقعد بعد إِيصَال الْهَدِيَّة فَوَجَمَ الأفرم وساره فِي أُذُنه ثمَّ أعطَاهُ نَفَقَة وسفره لوقته فَلَمَّا خرج قَالَ لي أتعرف أيش هِيَ هَذِه الْهَدِيَّة فَقلت لَا وَالله يَا خوند لَا يكثر الله لَهُ خيرا فَقَالَ أسكت والك بعث يَقُول إِن كنت تُرِيدُ أَنَّك تشم هَوَاء الدُّنْيَا مِثْلَمَا تشم هَذِه التفاحة فأته فِي اللَّيْل الَّذِي هُوَ مثل هَذَا المئزر وَإِلَّا فَهَذِهِ النصفية كفنك قَالَ فعجبت لسرعة فطنة الأفرم لقصده وَمَا رمز عَلَيْهِ وَخرج الأفرم ولاقاه الزردكاش وسارا مَعًا وَعبر الأفرم على مرج الأسل وَبِه الْعَسْكَر الْمصْرِيّ مُجَردا لمَنعه من اللحاق بقرًا سنقر فَلَمَّا أشرف على المرج وَرَأى الْعَسْكَر قَالَ شدوا لي حَماما وَكَانَ حصاناً لَهُ يعْتَمد عَلَيْهِ فَرَكبهُ وَعَلِيهِ كبر أطلس أَحْمَر وكوفية وَرمحه فِي يَده ثمَّ قَالَ للثقل يكاسرون ويعبرون فَلَمَّا عبروا لم يتَعَرَّض إِلَيْهِم أحد ثمَّ أَمر الطّلب أَن يعبر مفرقاً وَقَالَ لِأَن هَؤُلَاءِ وَمَا أَنا فيهم ظنُّوا أنني فِي الصَّيْد وَمَا الْقَصْد إِلَّا أَنا فَمَا يعارضونهم لِئَلَّا أجفل أَنا فَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ لأَنهم عبروا عَلَيْهِم مفرقين وَلم يتَعَرَّضُوا وَلما تعدوهم أقبل هُوَ وَحده وشق العساكر وَلم يفْطن لَهُ أحد وَلَا عرف أَنه الأفرم وَلما خَرجُوا من الْمضيق اجْتَمعُوا وَرفع الْعِصَابَة فَوق رَأسه وَسَار وَلم يتبعهُ أحد وَلما قرب من قراسنقر مَا اجْتمعَا إِلَّا بعد مراسلات عديدة وأيمان ومواثيق لِأَن الأفرم تخيل فِي نَفسه أَن قراسنقر فعل ذَلِك مكيدةً للقبض عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ حازماً لَهُ فكرة فِي العواقب وَلما اجْتمعَا سارا فِي الْبَريَّة قَاصِدين مهنا بن عِيسَى وَكَانَ قراسنقر قد ترامى إِلَى مهنا وترامى الأفرم إِلَى أَخِيه مُحَمَّد
قَالَ القَاضِي شهَاب الدّين حكى لي سنجر الْبَيْرُوتِي وَكَانَ أكبر مماليك الأفرم قَالَ لما فارقا أَطْرَاف الْبِلَاد الْتفت الأفرم إِلَى جِهَة الشَّام وَأنْشد من الطَّوِيل
(سيذكرني قومِي إِذا جد جدهم
…
وَفِي اللَّيْلَة الظلماء يفتقد البدرُ)
وَبكى فَقَالَ لَهُ قراسنقر روج بِلَا فشار نبكي عَلَيْهِم وَلَا يَبْكُونَ علينا فَقَالَ مَا بِي إِلَّا فِرَاق ابْني مُوسَى فَقَالَ أَي بغاية بصقت فِي رَحمهَا جَاءَ مِنْهَا مُوسَى وَعلي وخليل وَذكر
أَسمَاء
قَالَ وَلم ندخل ميافارقين إِلَّا وَقد أملق ونفد مَا كَانَ مَعَه وَمَا كَانَ يقوم بِهِ إِلَّا قراسنقر وألجأتنا الضَّرُورَة إِلَى أنني كنت أحطب والأفرم ينفح النَّار والمماليك ينَام هُنَا وَهنا مَا فيهم من يرحمه وَلَا من ينْفخ النَّار عَنهُ وَيَقُول لي والك ياسنجر تبصر فَأَقُول لَهُ أَبْصرت فيتنهد)
وتترغرغ عَيناهُ بالدموع فَلَمَّا وصلنا إِلَى بيُوت سوتاي أضافنا ضِيَافَة عَظِيمَة وَنصب لنا خيمةً كَبِيرَة كَانَ كسبها من الْمُسلمين وَعَلَيْهَا ألقاب السُّلْطَان الْملك النَّاصِر فَلَمَّا قَامَ الأفرم ليتوضأ قَالَ لي والك يَا سنجر كَيفَ نعاند الْقُدْرَة وَنحن فِي الْمَكَان وَقد خرجنَا من بِلَاده وَهُوَ فَوق رؤوسنا وَإِذا كَانَ الله رَفعه كَيفَ نقدر نَحن نضعه قَالَ سنجر وَمن حِين وصلنا إِلَى بيُوت سوتاي عَاد إِلَيْنَا ناموس الإمرة ومشت المماليك مَعَه على الْعَادة وَأجْرِي علينا من الرَّوَاتِب مَا لم تحتج مَعَه إِلَى شَيْء آخر وَلم نزل كَذَلِك حَتَّى وصلنا الأردو فازداد إكرامنا وتوالى الإنعام علينا وَركب خربندا يَوْمًا وَدَار حَتَّى انْتهى إِلَيْنَا فَوقف وَخرج لَهُ الأفرم وَضرب لَهُ جوكاً وَقدم لَهُ خيلاً بسروجها ولجمها وَأَشْيَاء أخر فقبلها واستدعى بشرابٍ فَشرب مِنْهُ وَأمْسك أياقاً للأفرم فَضرب لَهُ جوكاً وشربه فَأمر لَهُ بِخَمْسِينَ توماناً فقبضناها من خواجا عَليّ شاه ثمَّ أعطَاهُ همذان وقصدته الفداوية مَرَّات وَلم يظفروا بِهِ وقفز عَلَيْهِ مرّة وَاحِد مِنْهُم والأفرم قَاعد وقدامه بيطار ينعل لَهُ فرسا فأمسكه بِيَدِهِ وضمه إِلَى إبطه وَلم يزل كَذَلِك حَتَّى أخذناه وَقَررهُ ثمَّ قَتله قَالَ وأحضر الْأَطِبَّاء فملأوا فمي زيتاً وأعطوني محاجم وَبقيت أمتص الْجرْح ثمَّ إِنَّهُم عالجوه وَبرئ ثمَّ إِن الأفرم مَاتَ حتف أَنفه بِقَضَاء الله وَقدره بهمذان بعد الْعشْرين وَسَبْعمائة وَدفن بهَا
وَلما كَانَ بصرخذ كتب إِلَيْهِ الشَّيْخ صدر الدّين من دمشق قرين فَاكِهَة وحلوى من الطَّوِيل
(أيا جيرةً بِالْقصرِ كَانَ لَهُم مَغْنى
…
رحلتم فَعَاد الْقصر لفظا بِلَا معنى)
(وأظْلمَ لمّا غَابَ نور جماله
…
وَقد كَانَ من شمس الضُّحَى نوره أَسْنَى)
(فَلَا تحسبوا أنّ الديار وطيبها
…
زمانكمُ لَا وَالَّذِي أذهب الحُسْنا)
(لقد كَانَت الدُّنْيَا بكم فِي اغضارةٍ
…
ونُعمْى فَأعمى الله عينا أصابتنا)
(وَلَا رقْت الآصالُ إلاّ صبَابَة
…
وَلَا حَرّكتْ ريحْ الصِّبَا طَربا غُصْنا)
(يَعِزُّ عَلَيْهِم بُعدُ داريَ عنهمُ
…
وَقد كنتُ مِنْهُم قابَ قوسين أَو أدنى)
(وأنّي أُلَاقِي مَا لقيتُ من الَّذِي
…
لقلبيَ قد أصمْى وجسميَ قد أضنى)
(لقد كنتمُ يَا جيرةَ الحيّ رَحْمَة
…
أيادكمُ تمحو الْإِسَاءَة بِالْحُسْنَى)
فَجَاءَتْهُ الْهَدِيَّة والأبيات صُحْبَة قاصده وَكَانَ الأفرم قد خرج للصَّيْد فَقَالَ للخازندار كم مَعَك فَقَالَ ألف دِينَار فَقَالَ مَا تَكْفِي الشَّيْخ صدر الدّين يَا صبيان أقرضوني حوائصكم فَأَخذهَا)
وَهِي عشرُون حياصةً وجهزها قرين الدَّرَاهِم إِلَيْهِ وَقَالَ لقاصده سلم على الشَّيْخ وَقل لَهُ من الوافر