الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[تقديم وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد]
الوجيز في عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة تقديم معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الحمد لله المتفرد بصفات الكمال والجمال والجلال، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته، ولا ند له في ربوبيته، ولا مثيل له في أسمائه وصفاته:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد: فقد كان الناس قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم في جاهلية جهلاء؛ يعيشون في ظلمات من الشرك
والجهل، وتسيطر عليهم الخرافات، ويتطاحنون في نزاعات وصراعات قبلية، يسبي بعضهم بعضا، ويقتل بعضهم بعضا، يعيشون في تخلف وهمجية وفرقة، شعارهم:
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه
…
يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
حتى إذا أذن الله لشمس الإسلام أن تشرق بعث محمدا صلى الله عليه وسلم ليعلن للبشرية أنه: " لا إله إلا الله، ولا معبود بحق سواه ".
لقد جاء بالتوحيد الذي هو حق الله على العبيد، والغاية العظمى من الخلق:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] به بعث الرسل وأنزلت الكتب، ورفع من أجله علم الجهاد.
ثلاث عشرة سنة في مكة والنبي- صلى الله عليه وسلم يدعو إليه، ويغرس جذوره في أعماق النفوس، ويبني أسسه ودعائمه في سويداء القلوب، ويثبت أركانه في الوجدان؛ حتى اتضحت سبيله للسالكين، وبانت معالمه للراغبين، فأظهر الله الحق وأزهق الباطل، وأضاءت القلوب أنوار التوحيد الخالص، فجلته من أوضار الشرك، وصقلته من أدران التنديد.
لقد جاء النبي- صلى الله عليه وسلم والقلوب أرض جرداء فسقاها من نمير التوحيد، وأرواها من سلسبيل الإخلاص، وساقها إلى الله دليل المتابعة، فاهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، فعزت الأمة بعد ذلتها، واجتمعت بعد فرقتها، وصارت غالبة بعد أن كانت مغلوبة.
بقيت العقيدة على صفائها ونقائها وطهرها، حتى إذا قضى الله أمرا كان مفعولا، ودخل في دين الله من لم يتشرب قلبه التوحيد الخالص، حدث في الناس الخلل، وتفرقت بهم السبل، وراجت المذاهب المنحرفة، والأفكار الهدامة، وأطلت الفتن برأسها، وفشت البدع ببؤسها، حتى إذا زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا؛ قيض الله من أئمة الهدى، وأعلام الدجى من يعيد الناس إلى مشكاة النبوة وقلعة الإيمان، ويكشف لهم زيوف الباطل، ويدحض شبه المبطلين، ويردهم إلى منهج السلف الصالح.
إن المتبصر في تاريخ الأمة الإسلامية؛ ليرى أن عزتها وعلوها وغلبتها ودينونة الأمم لها مرتبطة بصفاء عقيدتها، وصدق توجهها إلى الله، واتباعها لأثر النبي- صلى الله عليه وسلم وسيرها على منهج السلف الصالح، واجتماعها على أئمتها، وعدم منازعتهم
في ذلك، وأن ذلها وضعفها وانخذالها، وتسلط الأمم عليها مرتبط بانتشار البدع والمحدثات في الدين، واتخاذ الأنداد والشركاء مع الله، وظهور الفرق الضالة، ونزع يد الطاعة، والخروج على الأئمة.
إن الانحرافات العقدية، والحيدة عن منهج السلف الصالح، والانخداع بزخرف قول أرباب المذاهب المنحرفة هو الذي فرق الأمة، وأضعف قوتها، وكسر شوكتها، والواقع شاهد على ذلك، ولا مخرج لها من ذلك إلا بالرجوع إلى ما كان عليه النبي- صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأئمة الهدى، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. وإن النكوص عن جادة التوحيد، والرغبة عن منهج السلف الصالح، منافاة للعدل، ومجافاة للعقل. قال تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25]
وإن أعظم القسط التوحيد، وهو رأس العدل وبه قوامه، وإن أظلم الظلم الشرك، قال تعالى حكاية عن لقمان في وصيته لابنه:{يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي- صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عز وجل: " وإني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري» [رواه الطبراني في " مسند الشاميين " والبيهقي في " شعب الإيمان " والديلمي في " مسند الفردوس "] .
وإن أعظم الفرية أن تشرك بالله وقد خلقك.
وإذا كان الله- سبحانه وتعالى قد أمر بالإصلاح، ونهى عن الفساد والإفساد، فقال تعالى:{وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]
فإن أعظم الإفساد أن تفسد عقائد الناس، وتصوراتهم، وأفكارهم، ويقطع عليهم الطريق في مسيرهم إلى الله ويحاد بهم عن الفطرة التي فطرهم الله عليها، ففي الحديث:
«كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» [رواه مسلم] .
ويعضده قول النبي صلى الله عليه وسلم:
«ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم، مما علمني يومي
هذا: كل ما نحلته عبدا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا. . .» [رواه مسلم] .
ولا شك أن هذا أعظم الظلم وأشنعه، كيف لا، وقد صار عاقبة ذلك خسران الدنيا والآخرة.
وفي هذه الأزمنة المتأخرة التي حدثت فيها الغير، وتزينت الدنيا لخطابها، كشف أهل الأهواء عن أقنعتهم، وانتشرت بدعهم، وأحييت مذاهب أسلافهم بعد أن كانت بائدة، ونبشت كتب لهم كانت منسية، وظهرت أفكار جديدة، وبرزت جماعات معاصرة متباينة في مقاصدها، مختلفة في توجهاتها، متناقضة في غاياتها ووسائلها، كلما خرجت جماعة أو فرقة لعنت أختها، وتطاول أناس على قامة التوحيد والسنة، ولوثرا أفكار الناس، وأفسدوا عليهم عقائدهم، وهونوا عليهم أمر الشرك، ورفعوا أعلام الفتن، ونازعوا ذوي السلطان في سلطانهم، وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى، واتبعوا غير سبيل المؤمنين.
مما يوجب على الغيورين من علماء الأمة ودعاة السنة المقتفين للأثر؛ القيام بواجب الإبانة عن أصول الديانة، وتبيين معالم منهج السلف، وإيضاح سبيله، وتقريب كتب أئمة الهدى، وإبرازها
بالتحقيق وشرح عبارات الأئمة، وبيان مقاصدهم والعناية بأمر التوحيد والمنهج في دروسهم وخطبهم ومحاضراتهم ومؤلفاتهم، وإرشاد العباد إلى اتباع خطى النبي- صلى الله عليه وسلم ولزوم سنته، والسير على أثر أصحابه امتثالا لقوله تعالى:
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31]
وقول النبي صلى الله عليه وسلم:
فهذا هو الصراط المستقيم، الموصل إلى رضا رب العالمين.
قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]
وهو السبيل الذي دعا إليه رسوله محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى:
وهو عقيدة الفرقة الناجية التي أخبر عنها النبي- صلى الله عليه وسلم بقوله:
«لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم؛ حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك» . [رواه البخاري: باب " 28 "، حديث (3641) ] .
وهي التي بقيت على ما كان عليه النبي- صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ ففي الحديث أنه- صلى الله عليه وسلم قال: (. . . «وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة؛ كلهم في النار إلا ملة واحدة» قال- أي عبد الله بن عمرو راوي الحديث-:
من هي يا رسول الله؟ قال:
«ما أنا عليه وأصحابي» [رواه الترمذي] .
ومن هنا تأتي أهمية العناية بهذا الأمر، وتربية الناشئة عليه، وتصحيح مسيرة الصحوة إليه؛ حتى لا تتشعب بها السبل، فتضل في متاهات الأهواء والفتن.
وقد وفق الله- سبحانه وتعالى عددا من مشايخنا، وعلمائنا، ونفرا من طلبة العلم المخلصين إلى الاهتمام بهذا الموضوع تدريسا، وتحقيقا، وتأليفا، وكان منهم:
الأخ الشيخ عبد الله بن عبد الحميد الأثري في كتابه الماتع: (الوجيز في عقيدة السلف الصالح)
وقد رغب إلي في قراءته والتقديم له، وباطلاعي عليه وقراءتي له ألفيته قد أجاد فيه وأفاد، وبذل فيه جهدا مشكورا، وذكر فيه مجمل اعتقاد السلف بأسلوب أخاذ، وعبارة سهلة، وعرض حسن، وقد وفق في تبويبه وترتيبه، وقد جاءت هذه الطبعة التي نحن بصدد التقديم لها، فظهرت منقحة ومصححة، مستدركا فيها ما فاته في سابقها من ملحوظات يسيرة.
وإن مما يميز هذا الكتاب اعتماده على المصادر الأصلية، وعنايته بذكر عبارات السلف، وحشد الأدلة من الكتاب والسنة، وذكر أقوال الصحابة والتابعين وأئمة السلف.
وإن هذا الكتاب وأمثاله لمما تقر به عيون الموحدين، وتفرح به قلوبهم، وتشرق به حلوق المناوئين، وتضيق به صدورهم:
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [يوسف: 21]
والنبي- صلى الله عليه وسلم يقول:
«ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر؛ إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام وأهله، وذلا يذل به الكفر وأهله» [رواه الإمام أحمد] .
وإذ أشكر لفضيلته عنايته بهذا الموضوع، وحرصه عليه، وإخراج هذا الكتاب، فإني أسال الله أن يجزيه خير الجزاء، وأن يبارك في جهوده، وأن يحفظ لهذه الأمة عقيدتها، وأن يوفق العلماء إلى السير بها إلى ما يحبه ويرضاه، اقتداء بالنبي- صلى الله عليه وسلم واقتفاء لأثر أصحابه واتباعا لمنهج أئمة السلف.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ
وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
جمادى الأولى 1421