الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الأصل السادس التصديق بكرامات الأولياء]
الأصل السادس
التصديق
بكرامات الأولياء
ومن أُصول عقيدة السلف الصَّالح، أَهل السنة والجماعة: التصديق بكرامات الأَولياء (1) وهي ما قد يُجريه الله تعالى على أَيدي بعض الصالحين من خوارق العادات إِكراما لهم؛ كما دلَّ على ذلك الكتاب والسنة، قال الله تبارك وتعالى:
(1) الكرامة: هي أَمر خارق للعادة وغير مقرون بدعوى النبوة ولا هو مقدمة لها؛ يُظهرُه الله على يد بعض عباده الصالحين- من الملتزمين بأحكام الشريعة- إِكراما لهم من الله عز وجل، فإذا لم يكن مقرونا بالإيمان الصحيح والعمل الصالح كان استدراجا. وقد وقع في الأُمم السالفة، كما في سورة الكهف وغيرها، وفي صدر هذه الأُمة من الصحابة والتابعين؛ كما حصل مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه:" يا سارية الجبل ". وغيرها كثيرة جدا، وفي كتب السنن الصحيحة والآثار المنقولة شيء كثير من الكرامات التي كرم الله تعالى به عباده الصالحين العاملين بكتابه وبسنة نبيه- صلى الله عليه وسلم -وما رواه آلاف من العلماء وغيرهم من الثقات وشاهدوه، وهي متواترة وموجودة في الأُمة وباقية فيها إلى ما شاء الله تعالى، ووقوع كرامات الأولياء في الحقيقة معجزة للأنبياء، لأن الكرامة لم تحصل لأحدهم إلا ببركة متابعته لنبيه وسيره على هدى دينه وشريعته، وهي من الأُمور الجائزة عقلا. وقد يكون ما يعطيه الله لعبده المؤمن من فتح آفاق العلم أمامه أفضل وأعظم من كل الخوارق المادية التي نسمع بها أو نقرأ عنها، ومن الكرامة التي نص عليها سلفنا؛ الاستقامةُ على الكتاب والسنة، وطاعتهما والرضا بحكمهما، والتوفيق في العلم والعمل. وإن عدم حصول الكرامة لبعض المسلمين؛ لا يدل على ضعف إِيمانهم، لأن الكرامة تقع لأسباب منها: تقوية إِيمان العبد، ولهذا لم يرَ كثير من الصحابة شيئا من الكرامات لقوة إيمانهم وكمال يقينهم، ومنها أيضا: إِقامة الحجة على العدو، والكرامة لا تقيد من ناحية العقل، وإنما تقيد بضوابط الشرع، وللكرامة شروط منها: أن لا تناقض حكما شرعيا، ولا قاعدة دينية، وأن تكون لحي، وأن تكون لحاجة؛ فإِن فقد أَحد هذه الشروط؛ فليست بكرامة بل هي إِما خيال، وإما وهم وإما إلقاء من الشيطان. والكرامة لا يَثبُت بها حكم من الأحكام الشرعية، ولا ينتفي بها حكم شرعي أيضا ذلك أن للأحكام الشرعية مصادرها المعروفة من كتاب الله وسنة رسوله والإجماع، وإذا أجرى الله الكرامة على يدي مسلم؛ فينبغي له أن يشكر الله على هذه المنحة والنعمة، ويسأل الله تعالى الثبات وعدم الفتنة إِن كانت ابتلاء واختبارا، وأن يكتم أمرها وأن لا يتخذها وسيلة للتفاخر والتباهي أمام الناس فإن ذلك يوردُ موارد الهلكة، وكم من أُناس خسروا الدنيا والآخرة حين استدرَجهُم الشيطان من هذا الطريق؛ فأصبحت تلك الأعمال وبالا عليهم. واعلم أن لأولياء الرحمن صفات ذكرها الله تعالى في كتابه الكريم في كثير من الآيات، وجمعت في سورة الفرقان: من الآية، 63- 74، وذكرها النبي- صلى الله عليه وسلم في كثير من الأحاديث ومن هذه الصفات على سبيل المثال: الإيمان بالله وبملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره، والتقوى: وهي الخوف من الله، والعمل بسنة نبيه- صلى الله عليه وسلم والاستعداد ليوم اللقاء، والحب في الله والبغض في الله، وأن رؤيتهم تُذكرُ بالله، وهم يمشون على الأرض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، ويبيتون لربهم سُجدا وقياما، ويقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم، وإذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يَقتُروا، ولا يدعون مع الله إِلها آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إِلا بالحق، ولا يزنون، ولا يشهدون الزور، وإذا مروا باللغو مروا كراما، وإذا ذُكروا بآيات ربهم لم يَخروا عليها صُما وعميانا، ودعاؤهم: ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إِماما. . وغيرها من الصفات الثابتة في الكتاب والسنة.
(2)
سورة يونس: الآيات، 62 - 64.
وقال النَبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إِن اللهَ تبارك وتعالى يَقُولُ مَنْ عَادَى لِي وَلِيَاَّ فَقَدْ آذَنْتهُ بِالحَرْبِ» (1) .
ولكن لأَهل السُّنَة والجماعة ضوابط شرعية في تصديق الكرامات، وليس كل أَمرٍ خارق للعادة يكون كرامة؛ بل قد يكون استدراجا أَو يدخل فيها ما ليس منها من الشعوذة وأَعمال السحرة والشياطين والدجالين، والفرق واضح بين الكرامة والشعوذة:
* فالكرامة: من الله وسببها الطاعة، وهي مختصة بأهل الاستقامة: قال الله تبارك وتعالى: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} [الأنفال: 34](2) * والشعوذة: من الشيطان وسببها الأَعمال الكفرية والمعاصي، وهي مختصة بأهل الضلال: قال الله تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121](3) .
(1) رواه البخاري.
(2)
سورة الأنفال: الآية، 34.
(3)
سورة الأنعام: الآية، 121.
وأَهل السُّنة والجماعة: يصدقون بأن في الدنيا سحرا وسحرة (1) قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ} [يونس: 80](2) وقال: {وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 116](3) وقال: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} [البقرة: 102](4) .
إلا أنهم لا يضرون أحدا إلا بإذن الله، قال تعالى:{وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ} [البقرة: 102](5) .
(1) قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: (السحر: عُقَد ورقى وكلام، يتكلم به، أو يكتبه، أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور، أو قلبه، أو عقله من غير مباشرة له، وله حقيقة فمنه ما يقتل وما يمرض، وما يأخذ الرجل عن امرأته؛ فيمنعه وطأها، ومنه ما يفرق بين المرء وزوجه، وما يُبَغض أحدهما إلى الآخر، أو يُحببُ اثنين، وهذا قول الشافعي. . . وقال: إِذا ثبت هذا فإِن تعلم السحر وتعليمه حرام لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم، قال أصحابنا: ويكفر الساحر؛ بتعلمه وفعله سواء اعتقد تحريمه أو إِباحته. . ثم قال عن حقيقة السحر: ولولا أن السحر له حقيقة لما أمر الله تعالى بالاستعاذة منه، قال تعالى: (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ) إِلى قوله: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) سورة البقرة: الآية، 102) . انظر:" المغني "، ج 8، ص150- 151.
(2)
سورة يونس: الآية، 80.
(3)
سورة الأعراف: الآية، 116.
(4)
سورة البقرة: الآية، 102.
(5)
سورة البقرة: الآية، 102.
ومن اعتقد بأن السحر يضر، أَو ينفع بغير إذن الله؛ فقد كفر. ومن اعتقد إِباحته وجب قتله؛ لأَنَّ المسلمين أَجمعوا على تحريمه، والساحر يستتاب؛ فإِن تاب وإلّا ضُربت عنقه.
ومن أصول عقيدة أَهل السنَّة والجماعة: التصديق بالرّؤيا الصالحة، وهي جزء من النبوة، والفراسة الصادقة للصالحين حق، قال الله تعالى:{إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102](1) .
قال النَبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَمْ يَبْقَ مِنَ النبوةِ إِلَّا المبَشِّرات» قالوا: وما المبشرات؛ قال: «الرؤيا الصالِحة» (2) .
وأَهل السنة والجماعة: يؤمنون بأَن الله تعالى خلق شياطين الجن توسوس لبني آدم وتتربص بهم، وتتخبطهم، قال الله تعالى:
(1) سورة الصافات: الآية، 102.
(2)
رواه البخاري.
{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121](1) وأَنَّ الله يسلطهم على مَن يشاء مِن عباده لحكمة، قال تعالى:{وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَولَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [الإسراء: 64](2) .
ويحفظ الله من كيد الشياطين ومكرهم مَن يشاء مِن عباده. قال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ - إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ} [النحل: 99 - 100](3) .
(1) سورة الأنعام: الآية، 121.
(2)
سورة الإسراء: الآية، 64.
(3)
سورة النحل: الآيتان، 99 - 100.