الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الأصل الخامس الموالاة والمعاداة في عقيدة أهل السنة]
الأصل الخامس
الموالاة والمعاداة
في
عقيدة أهل السنة (1) ومن أُصول عقيدة السَّلف الصالح؛ أَهل السُّنة والجماعة:
الحب في الله والبغْضُ في الله، أَي الحب والولاءُ للمؤمنين، والبغضُ للمشركينَ والكفار والبراءة منهم، قال الله تعالى:
(1) الموالاة لغة: هي المحبة، فكل من أحببتَه ابتداء من غير مكافأة؛ فقد أوليته وواليته، والولاية ضد العداوة. ومجمل القول في الموالاة أو الولاء: أنه المحبة والنصرة والاتباع، واللفظ مشعر بالقرب والدنو من الشيء. المعاداة لغة: مصدر عادى يعادي معاداة. والعداء والعداوة: الخصومة والمباعدة؛ وهي الشعور المتمكن في القلب في قصد الإضرار وحب الانتقام، والعدو ضد الصديق. وملخصه: أنها التباعد والاختلاف، وهي ضد الموالاة. الموالاة والمعاداة شرعا: أصل الموالاة الحب، وأصل المعاداة البغض، وينشأ عنهما من أعمال القلب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة والمعاداة؛ كالنصرة والأنس والمعاونة والجهاد والهجرة. فالموالاة إذن: الاقتراب من الشيء والدنو منه عن طريق القول أو الفعل أو النية، والمعاداة ضد ذلك. ومن هنا نعلم أنه لا يكاد يوجد فرق بين المعنيين اللغوي والشرعي، وأَن الله قد أَوجب على المؤمنين أن يقدموا كامل الموالاة للمؤمنين، وكامل المعاداة للكافرين، ولا يتم الولاء للمؤمنين إلا بالبراء من المشركين؛ فهما متلازمان.
{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة: 71](1) وقال تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران: 28](2) .
وأَهل السنَّة والجماعة: يعتقدون أَن الموالاة والمعاداة من الأصول المهمة، ولها مكانة عظيمة في الشرع تتضح من الوجوه الآتية:
أَولا - أَنها جزء من شهادة (لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) فإِنَّ معناها البراءةُ من كل ما يُعبدُ من دون الله، كما قال الله تعالى:
{أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36](3) .
ثانيا - أَنها أَوثق عرى الإيمان، قال النبي- صلى الله عليه وسلم:
«أَوْثقُ عُرَى الإِيمان: الموالَاةُ في الله والمعاداةُ في الله، والحب في الله، والبغضُ في اللَّه» (4) .
ثالثا - أَنَّها سبب لتذوق القلب حلاوة الإِيمان ولذَّة اليقين.
(1) سورة التوبة: الآية، 71.
(2)
سورة آل عمران: الآية، 28.
(3)
سورة النحل: الآية، 36.
(4)
انظر: " سلسلة الأحاديث الصحيحة، للألباني؛ برقم:(998) .
قال النَّبِيُ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ثَلاثٌ مَنْ كُن فيهِ وَجَدَ حَلَاوةَ الإِيمان: مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولهُ أَحَب إِليهِ ممّا سِواهُمَا، وَمَنْ أَحَب عَبْدا لَا يُحِبهُ إِلَا للهِ، وَمَنْ يَكْرَهُ أَنْ يَعودَ في الكُفْر بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى في النَّارِ» (1) .
رابعا - أَنه بتحقيق هذه العقيدة يستكمل الإِيمان، وقال- صلى الله عليه وسلم:
«مَنْ أَحبَ لله، وَأَبْغَضَ لله، وَأَعْطَى لله، وَمَنعَ لله؛ فَقَد اسْتكمَلَ الإِيمان» (2) .
خامسا - لأَن من أحب غير الله ودينه، وكره الله ودينه وأَهله، كان كافرا بالله، قال الله تعالى:{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 14](3) .
سادسا - أَنَّها الصلة التي على أَساسها يقوم المجتمع المسلم.
قال النبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُم حَتَى يُحِبّ لأَخِيهِ مَا يُحبّ لِنَفْسِهِ» (4)
(1) متفق عليه.
(2)
صحيح سنن أبي داود: للألباني.
(3)
سورة الأنعام: الآية، 14.
(4)
رواه البخاري.
وأَهل السنة والجماعة: يعتقدون بأن الموالاة والمعاداة واجبةٌ شرعا؛ بل من لوازم شهادة: (لا إلَهَ إِلا اللهُ) وشرط من شروطها، وهي أَصل عظيم من أُصول العقيدة والإيمان يجب على المسلم مراعاته، وقد جاءت النصوص الكثيرة لتأكيد هذا الأَصل، منها قوله تعالى:{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [التوبة: 24](1) وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة: 1](2) .
وأَهل السُّنَّة والجماعة: يقَسِّمُونَ النَّاس في الموالاة والمعاداة إِلى ثلاثة أَقسام: أولا- مَن يستحق الولاء المطلق: وهم المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله، وقاموا بشعائر الدِّين مخلصين له، قال الله تعالى:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ - وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 55 - 56](3) .
(1) سورة التوبة: الآية، 24.
(2)
سورة الممتحنة: الآية، 1.
(3)
سورة المائدة: الآيتان، 55 - 56.
ثانيا- مَن يستحق الولاء من جهة والبراء من جهة أخرى: مثل المسلم العاصيِ الذي يهمل بعض الواجبات، ويفعل المحرمات التي لا تصل إِلى الكفر؛ فيجب مناصحة هؤلاء، والإنكار عليهم، ولا يجوز السكوت على معاصيهم، بل ينكر عليهم ويؤمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وتقام عليهم الحدود والتعزيرات حتى يكفوا عن معاصيهم، ويتوبوا من سيئاتهم؛ كما فعل النبي- صلى الله عليه وسلم مع عبد الله بن حمار عندما أُتِيَ به وهو شارب للخمر، ولعنه بعض الصحابة؛ فقال- صلى الله عليه وسلم:«لَا تَلْعَنوهُ إِنه يُحب الله وَرَسُولَه» (1) . ومع هذا فقد أَقام عليه الحد.
ثالثا- مَن يستحق البراء المطلق: وهو المشرك والكافر، سواء كان يهوديا، أَو نصرانيا، أَو مجوسيا، أَو ملحدا، أَو وثنيا، وهذا الحكم ينطبق أَيضا على من فعل المكفرات من المسلمين؛ كدعاء غير الله، أو الاستغاثة بغيره، أَو التوكُّل على غيره، أَو سَبِّ الله ورسوله أَو دينه، أَو فصل الدِّين عن الحياة اعتقادا بأنَّ الدِّين لا يلائم هذا العصر، أَو نحو ذلك- بعد
(1) رواه البخاري.
إقامة الحجة عليهم- فعلى المسلمين أَن يجاهدوهم ويضيقوا عليهم، ولا يتركوهم يَعيثُونَ في الأَرض الفساد، قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التحريم: 9](1) وقال: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22](2) .
وأَهل السنة والجماعة: يرون أَنَّ الموالاة في الله لها حقوق يجب أَن تؤدى، منها: أَولا - الهجرة من بلاد الكفر إِلى بلاد المسلمين، ويُستثنى من ذلك المستضعف، ومَن لا يستطيع الهجرة لأَسباب شرعية.
ثانيا - نصرة المسلمين، ومعاونتهم بالنفس والمال واللسان، ومشاركتهم في أَفراحهم وأَحزانهم.
ثالثا - أَن يحب للمسلمين ما يحبه لنفسه؛ من الخير ودفع الشر، وعدم السخرية منهم، والحرص على محبَّتهم ومجالستهم ومشاورتهم.
(1) سورة التحريم: الآية، 9.
(2)
سورة المجادلة: الآية، 22.
رابعا - أَداء حقوقهم من عيادة المريض، واتباع الجنائز، والرفق بهم، والدعاء والاستغفار لهم، والسلام عليهم، وعدم غشهم في المعاملة، ولا أكل أموالهم بالباطل.
خامسا - عدم التجسس عليهم، ونقل أَخبارهم وأَسرارهم إِلى عدوهم، وكف الأَذى عنهم، وإصلاح ذات بينهم.
سادسا - الانضمام إِلى جماعة المسلمين، وعدم التفرق عنهم، والتعاون معهم على البر والتقوى والأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وأَهل السُّنة والجماعة: يرون المعاداة في الله تقتضي أُمورا، منها: أولا - بغض الشرك والكفر وأَهله، إضمار العداوة لهم.
ثانيَاَ - عدم اتخاذ الكفار أَولياء وعدم موادّتهم، ومفاصلتهم مفاصلة كاملة؛ حتى لو كانوا من ذوي القربى.
ثالثا - هجر بلاد الكفر، وعدم السفر إِليها إِلا لضرورة مع القدرة على إِظهار شعائر الدِّين.
رابعا - عدم التشبه بهم فيما هو من خصائصهم، دينا ودنيا؛ فالدّين كشعائر دينهم، والدنيا كطريقة الأكل والشرب واللباس، ونحوها من عادتهم، وما لم ينتشر في المسلمين، لأَنَّ ذلك يورث
نوعا من المودة والموالاة في الباطن، والمحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر.
خامسا - أَلا يناصِرَ الكفار، ولا يمدحهم، ولا يعينهم على المسلمين، ولا يستعين بهم؛ إلا عند الضرورة وعلى كفار أَمثالهم، ولا يَرْكَن إِليهم، وهجر صحبتهم ومجالسهم، ولا يتخذهم بطانة له يحفظون سره، ويقومون بأهم أَعماله.
سادسا - أَلا يشاركهم في أَعيادهم وأَفراحهم، ولا يهنئهم عليها، وكذلك لا يعظمهم ولا يخاطبهم؛ بالسيد والمولى، ونحوها.
سابعا - أَلَّا يستغفر لهم، ولا يترحم عليهم.
ثامنا - عدم المداهنة والمجاملة والمداراة لهم على حساب الدين.
تاسعا - عدم التحاكم إِليهم، أَو الرضى بحكمهم، وترك اتباع أَهوائهم ومتابعتهم في أَي أَمر من أمورهم؛ لِأَنَّ متابعتهم يعني ترك حكم الله ورسوله.
عاشرا - أَلا يبدأهم بتحية الإسلام: " السَلَامُ عَلَيْكُمْ ".