الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الأصل الثامن وجوب طاعة ولاة أمر المسلمين بالمعروف]
الأصل الثامن
وجوب
طاعة ولاة أمر
المسلمين بالمعروف
ومن أُصول عقيدة السلف الصالح، أَهل السُّنَّة والجماعة:
أَنَهم يرون وجوب طاعة ولاة أُمور المسلمين ما لم يأمرُوا بمعصية؛ فإِذا أَمَرُوا بمعصية فلا تجوز طاعتهم فيها، وتبقى طاعتهم بالمعروف في غيرها، عملا بقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59](1) .
ولقول رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَنْ أَطَاعَني فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى الله، ومَنْ يُطعِ الأَميرِ فَقَدْ أَطاعَني، ومَنْ يَعصِ الأميرَ فَقدْ عَصاني» (2)
(1) سورة النساء: الآية، 59.
(2)
متفق عليه.
وقوله: «اسْمَعُوا وَأَطِيْعُوا، وإِن اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِي كأنَ رَأْسَهُ زَبِيبَة» (1) .
وقوله: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ للأَمِير، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأخِذَ مَالُك؛ فَاسمَعْ وَأَطِع» (2) .
فأَهل السنة والجماعة: يقولون إِن طاعة أُولي الأَمر في المعروف أَصل عظيم من أُصولِ العقيدة، ومن هنا أَدرجها أَئمَة السلف في جملة العقائد، وقل أَن يخلو كتاب من كتب العقائد إِلا تضمن تقريرها وشرحها وبيانها، وهي فريضة شرعية لكلِّ مسلم؛ لأنها أَمر أَساسي لوجود الانضباط في دولة الإسلام.
(1) رواه البخاري.
(2)
رواهما مسلم.
(3)
رواهما مسلم.
وأَهل السنة والجماعة: يرون الصلاة والجُمَع والأَعياد خلف الأُمراء والولاة، والأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد والحج معهم أَبرارا كانوا أَو فجارا، والدعاء (1) لهم بالصلاح والاستقامة، ومناصحتهم (2) إِذا كان ظاهرهم صحيحا، ويُحرمون الخروج عليهم بالسيف إِذا ارتكبوا مخالفة دون الكفر، والصبر على ذلك لأَمره صلى الله عليه وسلم طاعتهم في غير معصية ما لم يحصل منهم كفر بواح، وأَن لا يقاتلوا في الفتنة، وقتال من أَراد تفريق أَمر الأُمة بعد الوحدة.
(1) الدعاء لولاة الأمور بالصلاح والاستقامة والهداية من طريقة السلف الصالح. قال الإمام الفضيل بن عياض رحمه الله: (لو كان لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان، فأمِرنا أن ندعو لهم بالصلاح ولم نؤمر أن ندعو عليهم، وإن جاروا وظلموا؛ لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين) . ولأن في صلاحهم صلاح الأمة. وقال الحسن البصري رحمه الله: (اعلم- عافاك الله- أن جور الملوك نقمة من نقم الله تعالى، ونقم الله لا تلاقى بالسيوف، وإنما تُتقى وتُستَدفع بالدعاء والتوبة والإنابة والإقلاع عن الذنوب، إن نقم الله متى لقيت بالسيف كانت هي أقطع. وقيل: سمع الحسن رجلا يدعو على الحجاج، فقال: لا تفعل- رحمك الله- إنكم من أنفسكم أوتيتُم، (إنما نخاف إِن عُزلَ الحجاجُ أو مات أن تليكم القردة والخنازير)" آداب الحسن البصري " لابن الجوزي، ص119.
(2)
قال الإمام النووي رحمه الله: (وأما النصيحة لأئمة المسلمين؛ فمعاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه وأمرهم به، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه) . شرح صحيح مسلم: ج 2، ص241.
قال النبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «خِيارُ أَئمتِكُمُ الذِينَ تُحِبونَهُمْ وَيُحِبونَكُمْ، وَيُصَلونَ عَليْكُمْ وَتُصَلونَ عَلَيْهِمْ. . وَشِرارُ أئمتكُمُ الذِينَ تُبْغضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونكُم وَتَلْعَنونَهُمْ وَيَلْعَنونَكُمْ» قيل: يا رسول الله أَفلا نُنابِذُهُم بالسيف؟ فقالَ: «لا، مَا أَقَامُوا فيكُمُ الصلاةَ، وَإِذَا رَأَيتْمْ مِنْ ولاتِكُمْ شَيْئا تَكْرَهُونَه فَاكْرَهُوا عَمَلَه، وَلَا تَنزعُوا يَدا مِن طَاعَة» (1) .
وقال: «إنهُ يُسْتَعمَلُ عَلَيْكُمْ أمَراءُ فَتَعْرفونَ وَتنكِرُون؛ فَمَن كَرِهَ فَقَدْ بَرئ، وَمَنْ أَنكَرَ فَقَدْ سَلمَ، وَلَكِنْ مَن رَضِيَ وَتابع» . قالوا: يا رسول الله! أَلا نُقاتلهم؟ قالَ: «لا؛ مَا صلوا» (2)
(1) رواهما مسلم.
(2)
واعلم أن من ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به، أو غلبهم بسيفه حتى صار خليفة، وجبت طاعته وحرم الخروج عليه. قال الإمام أحمد:(ومن غَلبَ عليهم- يعني الولاةَ- بالسيف حتى صار خليفة، وسمي أمير المؤمنين؛ فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيتَ ولا يراهُ إماما برا كان أو فاجرا) . " الأحكام السلطانية "، لأبي يعلى: ص23. وقال الحافظ في الفتح: (وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتَغلب، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من حقنِ الدماء، وتسكين الدهماء) ج 13، ص9. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وقل من خرج على إِمام ذي سلطان؛ إِلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير) منهاج السنة ج 2 ص241. وأما من عطل منهم شرع الله ولم يحكم به وحكم بغيره؛ فهؤلاء خارجون عن طاعة المسلمين فلا طاعة لهم على الناس؛ لأنهم ضيعوا مقاصد الإمامة التي من أجلها نُصبوا واستحقوا السمع والطاعة وعدم الخروج، ولأن الوالي ما استحق أن يكون كذَلك إلا لقيامه بأمور المسلمين، وحراسة الدين ونشره، وتنفيذ الأحكام وتحصين الثغور، وجهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة، ويوالي المسلمين ويعادي أعداء الدين؛ فإذا لم يحرس الدين، أو لم يقم بأمور المسلمين؛ فقد زال عنه حق الإمامة ووجب على الأُمة- متمثلة بأهل الحل والعقد الذين يرجع إِليهم تقدير الأمر في ذلك- خلعه ونصب أخر ممن يقوم بتحقيق مقاصد الإمامة؛ فأهل السنة عندما لا يجوزون الخروج على الأئمة بمجرد الظلم والفسوق- لأن الفجور والظلم لا يعني تضييعهم للدين- فيقصدون الإمام الذي يحكم بشرع الله؛ لأن السلف الصالح لم يعرفوا إمارة لا تحافظ على الدين فهذه عندهم ليست إمارة، و (إنما الإمارة هي ما أقامت الدين ثم بعد ذلك قد تكون إمارة بَرة، أو إِمارة فاجرة. قال علي بن أَبي طالب رضي الله عنه: " لا بد للناس؛ من إِمارة برة كانت أو فاجرة، قيل له: هذه البرة عرفناها فما بال الفاجرة؟! قال: يُؤمن بها السبُل وتُقام بها الحدود ويُجاهد بها العدو ويُقسم بها الفيء) " منهاج السنة، لابن تيمية: ج 1 ص146.
أَما طاعتهم في المعصية فلا يجوز، عملا بما جاء في السنة من النهي عن ذلك، قال النبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«السمْعُ والطاعَةُ عَلَى المرْءِ المسْلِمِ، فيما أَحَب وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَر بِمَعْصِيَة، فإِذَا أمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سمْع وَلَا طَاعَة» (1) وقال: «لا طاَعَةَ في مَعْصِيَةِ اللهِ إِنما الطاعةُ في المعْروف» (2)
(1) رواه البخاري.
(2)
متفق عليه.
وعلى الإمام أَن يتقي الله في الرعية، ويعلم أنما هو أجيرٌ استأجره الله تعالى على الأمة لرعايتها، ولخدمة دين الله وشريعته، ولتنفيذ حدوده على العام والخاص، وعلى الإِمام أَن يكون قويا لا تأخذه في الله لومة لائم، أَمينا على الأمة، وعلى دينهم، ودمائهم وأَموالهم، وأعراضهم ومصالحهم، وأمنهم، وشأنهم، وسلوكهم، وأَن لا ينتقم لنفسه، ويكون غضبه لله تعالى.
قال النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَا مِنْ عَبْد يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعية، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاش لِرَعيتِه؛ إِلَّا حرمَ اللهُ عَلَيهِ الجَنَّة» (1) .
(1) رواه مسلم.