الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الأصل العاشر موقف أهل السنة من أهل الأهواء والبدع]
[يُبْغِضُون أَهل الأَهواء والبدع الذين أَحدثوا في الدِّين ما ليس منه]
الأصل العاشر
موقف أهل السنة
من
أهل الأهواء والبدع
ومن أُصول عقيدة السَّلف الصالح؛ أَهل السنة والجماعة:
أَنهم يُبْغِضُون أَهل الأَهواء والبدع؛ الذين أَحدثوا في الدِّين ما ليس منه، ولا يُحبُّونهم، ولا يَصحَبونهم، ولا يَسمعون كلامهم، ولا يُجالسونهم، ولا يُجادلونهم في الدين، ولا يُناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أَباطيلهم، وبيان حالهم وشرهم، وتحذير الأُمَّة منهم، وتنفير الناس عنهم.
قال النَّبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «مَا مِنْ نَبيّ بَعَثَهُ اللهُ في أمةٍ قَبْلي إِلَا كانَ لَهُ مِنْ أمَّتهِ حَواريون وَأَصْحَابٌ يَأخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتدُونَ بِأمْرِه؛ ثُمَّ إِنها تَخلفُ مِن بَعدِهم خُلُوفٌ يَقُولونَ ما لا يَفْعَلُون، وَيَفْعَلُونَ مَا لا يُؤْمَرُون؛ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤمِن، وَمَنْ جَاهَدَهُم بِلِسانِه فَهُوَ مُؤْمِن،
وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَراءَ ذَلِكَ مِن الإِيمانِ حَبةُ خَرْدَل» (1) .
وقال: «سَيَكُونُ في آخِرِ أمتي أناس يُحَدثُونَكُم مَا لَمْ تَسْمَعوا أَنتُم ولا آباؤُكُم، فَإِياكُم وَإِياهُم» (2) .
وأَهل السنة والجماعة يعرفون البدعة: بأَنها ما استحدِثَ بعد النَّبي- صلى الله عليه وآله وسلم من الأَهواء، وما ابتُدعَ من الدِّين بعد الكمال، وهي كل أَمرٍ لم يأتِ على فعله دليل شَرعي من الكتاب والسُّنَّة، وهي أَيضا ما أُحْدِثَ في الدين من طريقة تضاهي الشريعة بقصد التعَبد والتقَرب إِلى الله ولذا فالبدعة تقابل السُّنة، غير أَن السُّنة هدى والبدعة ضلَال.
والبدعة: عندهم نوعان؛ نوع شرك وكفر، ونوع معصية منافية لكمال التوحيد. والبدعة وسيلة من وسائل الشرك، وهي قصد عبادة الله تعالى بغير ما شرع به، والوسائل لها حكم المقاصد، وكلُّ ذريعة إِلى الشرك في عبادة الله أَو الابتداع في الدِّين يجب سدها؛ لأَن الدِّين قد اكتمل، قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3](3) .
(1) صحيح سنن أبي داود: للألباني.
(2)
رواه مسلم.
(3)
سورة المائدة: الآية، 3.
وقال النبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «منْ أَحْدَثَ في أَمْرِنا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْه فَهُوَ رَد» (1) وقال: «مَنْ عَمِلَ عَمَلا لَيْس عَلَيْهِ أَمْرُنا فَهُوَ رَد» (2) وقال: «فإِن خَيْرَ الحَدِيثِ كتابُ اللهِ، وَخَيْرَ الهَدي هَدي مُحمد، وَشَر الأمُورِ مُحْدَثاتُها، وكُل بِدْعَة ضَلالة» (3) .
وأَهل السنة والجماعة: لا يرون أَن البدعة على مرتبة واحدة؛ بل هي متفاوتة بعضها يُخرج من الدِّين، وبعضها بمثابة كبائر الذنوب، وبعضها يُعد من الصغائر، ولكنها كلها تَشْتَرِكُ في وصف الضلالة؛ فالبدعة الكلية عندهم ليست كالبدعة الجزئية، والمركبة ليست كالبسيطة،
(1) متفق عليه.
(2)
رواهما مسلم.
(3)
رواهما مسلم. أول بدعة ظهرت في الدين التفريق بين الصلاة والزكاة، وادعاء أن الزكاة لا تؤدى إِلا للرسول- صلى الله عليه وسلم فتصدى لهم الصديق- رضي الله عنه وقاتلهم وقضى عليهم قبل أن يستفحل أمرهم، ولو تركهم على ذلك لأصبحت دعواهم دينا إلى يومنا هذا، وفي عهد عمر ظهرت بعض البدع الصغيرة فأماتها رضي الله عنه، وفي عهد عثمان حدثت أوائل الفتنة الكبرى وهي الخروج على الإمام الحق بالسيف، وانتهت بدعتهم بمقتله رضي الله عنه، وكان هذا بداية فتنة الخوارج إِلى يومنا هذا ثم توالت البدع؛ فجاءت القدرية، والمرجئة، والرافضة، والزنادقة، والفرق الباطنية، والجهمية، ومنكرو الأسماء والصفات. . إِلى غيرها من البدع، وكلما ظهرت البدع كان أهل السنة لهم بالمرصاد، ولا يزال الصراع بين أهل الحق وأهل الباطل باقيا إِلى يومنا هذا وإلى يوم الدين، وأهل السنة يكشفون اللثام في كل زمان ومكان عن كل قولٍ أو فعل يخالف القرآن والسنة وإجماع الأمة.
والحقيقية ليست كالإضافية، لا في ذاتها، ولا في حكمها؛ كما أَن البدع مختلفة في حكمها فبعضها كفر، وبعضها فسق؛ فهي متفاوتة في أَحكامها، وكذلك يتفاوت حكم فاعلها، ومن هذا فإِن أَهل السُّنة لا يطلقون حكما واحدا على أَهل البدع، بل يتفاوت الحكم من شخص إِلى آخر بحسب بدعته؛ فالجاهل والمتأول ليسا كالعالم بما يدعو إِليه، والعالم المجتهد ليس كالعالم الداعي لبدعته والمتبع للهوى، ولذا فأهل السنَّة لا يعاملون المستتر ببدعته كما يعاملون المظهر لها، أَو الداعي إِليها لأَن الداعي إِليها يتعدى ضرره إِلى غيره فيجب كفه، والإِنكار عليه علانية، ولا تبقى له غيبة، ومعاقبته بما يردعه عن ذلك؛ فهذه عقوبة له حتى ينتهي عن بدعته؛ لأنه أَظهر المنكرات فاستحق العقوبة.
ولذا فأهل السُّنة يقفون مع كل موقفا يختلف عن الآخر، ويرحمون عامة أَهل البدع ومقلِّديهم، ويدعون لهم بالهداية، ويرجون لهم اتباع السنة والهدى، ويبيِّنونَ لهم ذلك حتى يتوبوا، ويحكمون عليهم بالظاهر، ويكلون سرائرهم إِلى الله تعالى، إِذا كانت بدعتهم غير مكفرة.
علامات أَهل الأَهواء والبدع ولأَهل الأَهواء والبدع علامات، تظهر عليهم ويُعرفون بها، وقد أَخبر الله عنهم في كتابه، كما أخبر عنهم رسول الله- صلى الله
عليه وعلى آله وسلم- في سنته، وذلك تحذيرا للأمة منهم، ونهيا عن سلوك مسلكهم، ومن علامتهم:
الجهل بمقاصد الشريعة، والفرقة والتفرق ومفارقة الجماعة، والجدل والخصومة، واتباع الهوى، وتقديم العقل على النقل، والجهل بالسنة، والخوض في المتشابه، ومعارضة السنَّة بالقرآن، والغلو في تعظيم الأشخاص، والغلو في العبادة، والتشبه بالكفار، وإطلاق الألقاب على أَهل السُّنة، وبغض أَهل الأَثر، ومعاداتهم لحملة أَخبار النبي- صلى الله عليه وسلم والاستخفاف بهم، وتكفير مخالفيهم بغير دليل، واستعانتهم على أَهل الحق بالولاة والسلاطين.
وأَهل السنة والجماعة: يرون أُصول البدع أَربعة:
الروافض، والخوارج، والقدرية، والمرجئة؛ ثم تشعّب من كل فرقة فرق كثيرة؛ حتى استكملوا اثنتين وسبعين فِرقة، كما أَخبر بذلك النبِي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
ولأَهل السنة والجماعة: جهود محمودة في الردِّ على أَهل الأَهواء والبدع، حيث كانوا دائما لهم بالمرصاد، وأَقوالهم في أَهل البدع كثيرةٌ جدا، نذكر منها ما تيسر:
قال الإمام أَحمد بن سنان القطان رحمه الله تعالى:
(لَيْسَ في الدنيا مُبْتَدع؛ إِلا وهو يُبْغضُ أَهلَ الحَديث، فإِذا ابْتَدَعَ الرجُلُ نُزِعَتْ حَلاوَةُ الحَديثِ من قَلْبِه)(1) .
وقال الإِمام أَبو حاتم الحنظلي الرازي رحمه الله تعالى: (عَلامةُ أَهلِ البدَعِ الوَقيعةُ في أَهلِ الأَثَر، وعَلَامةُ الزنادِقَة تَسْميَتُهُم أَهلَ الأَثَرِ حَشوية، يُريدونَ إِبْطالَ الآثار، وَعَلامَةُ الجهمية تَسْميَتُهم أهلَ السنة مُشبهة، وَعَلامَةُ القَدَرية تَسْميَتُهم أَهلَ السنة مُجْبِرَة، وعَلامَةُ المرجئَة تَسْميَتُهم أَهلَ السنة مُخالفة وَنُقصانية، وَعَلامَةُ الرافضَة تَسْمِيَتُهِم أَهلَ السُّنَّة ناصِبَة، ولا يَلْحقُ أَهل السنة إِلَّا اسْم وَاحِد، ويَسْتَحِيلُ أَنْ تَجْمَعَهُمْ هَذهِ الأَسْماء (2) .
وقيل للإِمام أَحمد بن حنبل رحمه الله: ذكروا لابن قتيلة بمكة أَصحاب الحديث، فقال: أَصحاب الحديث قومُ سوء! فقام أَحمد بن حنبل وهو ينفض ثوبه ويقول: (زنْديق، زنْديق، زنْديق؛ حتى دَخَلَ البَيْت)(3) .
والله تعالى حفظ أَهل الحديث وأَهل السنة من كلِّ هذه المعايب التي نسبت إِليهم، وهم ليسوا إِلَّا أَهل السنة السنية،
(1) " التذكرة للإمام النووي.
(2)
" كتاب أصل السنة واعتقاد الدين، للرازي.
(3)
" شرح السنة " للإمام أبي محمد الحسن بن خلف البربهاري.
والسِّيرة المرضية، والسبيل السوية، والحجة البالغة القوية، وقد وفَّقهم الله لاتباع كتابه، والاقتداء بسُنة نبيِّه- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وشرح صدورهم لمحبته، ومحبة أَئمة الدِّين، وعلماء الأُمة العاملين ومن أَحب قوما فهو منهم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَب» (1) .
فمن أَحب رسولَ اللهِ- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وأَصحابه- رضي الله عنهم والتابعين لهم، وأتباع التابعين من أَئمة الهدى، وعلماء الشريعة، وأَهل الحديث والأثر من القرون الثلاثة الأُولى المفضلة، ومن تبعهم إِلى يومنا هذا؛ فاعلم أَنه صاحب سنة (2)
(1) رواه البخاري.
(2)
حكم الصلاة خلف أَهل البدع: اعلم أن خلاصة أقوال أهل السنة في هذه المسألة ما يلي: أن الصلاة لا تجوز خلف الكافر الأصلي والمرتد. ترك الصلاة خلف مستور الحال ومَن لم تُعرَف عقيدته؛ بدعة لم يقل به أحد من السلف. الأصل النهي عن الصلاة خلف المبتدع تقبيحا لبدعته وتنفيرا عنه؛ فإن وقعت صحت. حكم ترك الصلاة والترحم على أَهل البدع: إن من مات كافرا أصليا، أو مرتدا عن دينه، أو كُفرَ ببدعته وأقيمت عليه الحجة بعينه؛ فإنه لا تجوز الصلاة، ولا الترحم عليه، وهذا مجمع عليه. من مات عاصيا، أو متلبسا ببدعة لا تخرج من الدين؛ فإنه يشرع للإمام ولمن يقتدي به من أهل العلم ترك الصلاة عليه زجرا للناس وتحذيرا لهم من معصيته وبدعته، ولا يعني تحريم ذلك على الجميع؛ بل الصلاة عليه والدعاء له فرض كفاية، ما دام أنه لم يمت كافرا، ولم يصر ممن يحكم عليه بالخلود في النار.