الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن يُقِر بالشهادتين بلسانه ويعتقد وحدانية الله بقلبه، ولكن قصر في أَداء بعض أَركان الإِسلام بجوارحه لم يكتمل إيمانه، ومن لم يُقر بالشهادتين أَصلا لا يثبتُ له اسم الإِيمان ولا الإِسلام.
[الاستثناء في الإِيمان]
وأَهل السُّنَّة والجماعة: يَرون الاستثناء في الإِيمان، أَي القول " أَنا مؤمن إِن شاء الله " ولا يجزمون لأنفسهم بالإِيمان، وذلك من شدة خوفهم من الله، وإثباتهم للقدر، ونفيهم لتزكيةِ النَّفس؛ لأَن الإِيمان المطلق يشمل فعل جميع الطاعات، وترك جميع المنهيات، ويمنعون الاستثناء إِذا كان على وجه الشك في الإيمان. والأَدلة على ذلك كثيرة في الكتاب والسنة وآثار السلف، وأَقوال العلماء، قال الله تعالى:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا - إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23 - 24](1) .
وقال: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: 32](2) .
وكان النَّبِي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول حين يدخل المقبرة: «السلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الديارِ مِنَ المُؤْمِنينَ وَالمُسْلِمين وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَاحِقُون، أَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ العافِية» (3) .
(1) سورة الكهف: الآيتان، 23 - 24.
(2)
سورة النجم: الآية، 32.
(3)
رواه مسلم.
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (مَنْ شَهدَ عَلَى نَفْسِه أَنهُ مُؤمن؛ فَلْيَشْهَد أَنَّهُ في الجَنةِ)(1) .
وقال جرير: سمعتُ منصورَ بن المعتمر، والمغيرة، والأعمش والليث، وعمارة بن القَعقاع، وابن شُبرمة، والعلاء بن المسيِّب ويزيد بن أَبي زياد وسفيان الثوري، وابن المبارك، ومَن أَدركت:(يَسْتَثْنُونَ في الإِيمانِ، ويَعيبُونَ عَلَى مَنْ لا يَسْتَثْنِي)(2) .
وسُئلَ الإِمام أَحمد بن حنبل عن الإِيمان؛ فقال: (قَوْلٌ وَعَمَل وَنِية) . قيل له: فإِذا قال الرجل: مؤمن أَنت؟ قال: (هَذه بِدْعَة) . قيل له: فما يَرد عليه؟ قال: يقول: (مُؤْمِن إِنْ شَاءَ اللهُ)(3) .
والعبد- عند أَهل السّنَّةِ والجماعة- لا يُسلب وصف الإِيمان منه بفعل ما لا يكفر فاعله من المحذورات، أَو ترك ما لا يكفر تاركه من الواجبات، والعبد لا يخرج من الإِيمان إِلا بفعل ناقض من نواقضه.
ومرتكب الكبيرة لا يخرج من الإِيمان، فهو في الدُّنيا مؤمن ناقص الإِيمان؛ مؤمن بإِيمانه فاسق بكبيرته، وفي الآخرة تحت مشيئة الله، إِن شاء غفر له، وإن شاء عذَّبه.
(1) أخرجها الإمام اللالكائي في: " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ".
(2)
أخرجها الإمام اللالكائي في: " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ".
(3)
أخرجها الإمام اللالكائي في: " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ".
والإِيمان يقبل التبعيض والتجزئة، وبقليله يُخرج الله مِن النار مَن دخلها، قال النَّبِيُ صلى الله عليه وعلى آله وسلم:«لا يَدْخُل النار مَنْ كَانَ في قَلْبهِ مِثْقالُ حَبَّة مِنْ خَرْدَل مِنْ إِيمان» (1) .
ولذلك فأَهل السنَّة والجماعة لا يُكفِّرونَ أَحدا من أَهل القبلة بكل ذنب إِلا بذنب يزول به أَصل الإِيمان، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48](2) .
وقال النَبِيَ صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أَتَانِي جِبْريل- عليه السلام فَبَشرنِي أَنَهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أمَّتِك لا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئا دَخَلَ الجَنّة، قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَق؛ قَالَ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سرَقَ» (3) .
وقال أَبو هريرة رضي الله عنه: (الإِيمانُ نَزَه؛ فَمَنْ زَنَا فَارَقَهُ الإِيمانُ، فَإِنْ لامَ نَفْسَهُ وَراجَعَ؛ راجعَه الإِيمان)(4) .
(1) رواه مسلم.
(2)
سورة النساء: الآية، 48.
(3)
رواه البخاري ومسلم.
(4)
أَخرجه الإمام اللالكائي في: " شرح أُصول اعتقاد أَهل السنة والجماعة ".
وقال أَبو الدرداء رضي الله عنه: (مَا الإِيمانُ؛ إِلَّا كَقَمِيصِ أَحَدكُمْ يَخْلَعُهُ مرة وَيَلْبَسُهُ أخرى، وَاللهِ مَا أَمِنَ عَبد عَلَى إِيمانهِ إِلَّا سُلِبَهُ فَوجدَ فَقْدَه)(1) .
وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنه أَنه كان يدعو غلمانه غلاما غلاما، فيقول:(أَلا أزوجك؟ ما من عبد يزني؛ إِلا نزع الله منه نور الإِيمان)(2) .
وسأَله عكرمة، كيف ينزع منه الإِيمان؛ قال:(هكذا- وشبك بين أَصابعه ثمَ أَخرجها- فإِن تاب عاد إِليه هكذا- وشبك بين أَصابعه)(3) .
(1) أَخرجه الإمام اللالكائي في: " شرح أُصول اعتقاد أَهل السنة والجماعة ". يقول الإمام البخاري رحمه الله: (لقيت أكثر من ألف رجل من أَهل العلم؛ أَهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر: لقيتهم كرات قرنا بعد قرن ثم قرنا بعد قرن، أَدركتهم وهم متوافرون منذ أكثر من ست وأَربعين سنة- ويذكر أَسماء العلماء وهم أكثر من خمسين عالما ثم يقول: - واكتفينا بتسمية هؤلاء كي يكون مختصرا وأن لا يطول ذلك، فما رأيت واحدا منهم يختلف في هذه الأَشياء: أن الدين قول وعمل، لقول الله: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [سورة البينة: 5] . . . ثم يسرد بقية اعتقادهم) . انظر: (شرح أصول اعتقاد أهل السنة " للالكائي.
(2)
انظر: " فتح الباري " ج 12، ص 59.
(3)
رواه البخاري.