الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القضية التي يعالجها البحث
مفهوم الوسطيَّة وحقيقتها ضلَّ فيها كثيرون، وبيان ذلك كما يلي:
1-
هناك من فهم أن الوسطيَّة تعني التَّنازل والتَّساهل، فإذا رأوا مسلمًا قد التزم الصّراط المستقيم، وسار على هدي النبوَّة، قالوا له: لماذا تُشدِّد على نفسك وعلى الآخرين ودين الله وسط؟ ولذلك نجد في واقعنا المعاصر أن أكثر الذين يُرمَون بالتَّطرف والغلوّ وأخيرًا بالأصوليَّة (1) هم من الذين التزموا بالمنهج على وجهه الصَّحيح.
ومن أسباب ذلك الجهل بحقيقة الوسطيَّة.
2-
وفي المقابل نجد فئة من المتحمِّسين المندفعين، يصفون أصحاب المنهج الحقّ، الذين لم يوافقوا هؤلاء على أفكارهم، ولم يسايروهم في حماسهم واندفاعهم يصفونهم بالتَّساهل والتَّهاون، وعدم الغيرة، بل وأحيانًا بالتَّنازل والممالأة.
ومنشأ ذلك - أيضًا - جهلهم بحقيقة الوسطيَّة، مع أنهم يدَّعونها، لكنهم لا يفهمونها على الوجه الصحيح.
3-
وهناك فئة ثالثة ليست من هؤلاء ولا أولئك، وهم حريصون على الالتزام بالمنهج الصحيح، ولكنَّهم يقعون في أخطاء أثناء ممارستهم للدعوة قولا أو فعلا، وسبب هذا الأمر عدم تصورهم لمنهج الوسطيَّة تصورًا شاملا، وقصرهم هذا المنهج على بعض آحاده.
(1) - بعض من يطلق هذه الصفات، يطلقها لأغراض لا تخفى، والمشكلة أن هناك من يصدّق ما يقولون جهلا أو سذاجة، أما الذين يتجاهلون فلا يعنيهم هذا البحث.
4-
والنتيجة التي نتوصل إليها من ذلك كله أن هذا المنهج بحاجة إلى تفصيل وبيان، لا لخفائه في ذاته، بل هو أوضح من الشمس في رابعة النهار، ولكن خفاءه من الأمور النسبيَّة التي تعود إلى بُعد كثير من الناس عن منهج القرآن والسنة، وضعف حصيلتهم العلميَّة، وممارستهم التعبديَّة والدعويَّة.
والخلاصة أنَّ هذا البحث معنيُّ بإيضاح مفهوم الوسطيَّة، وتحديد مدلولها في ضوء القرآن الكريم، تعريفًا وتأصيلا، وتحديدًا، وتطبيقًا.
وهذا هو المعنى الشّامل الذي نفهمه من قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (البقرة: من الآية 143) . فمن منطوق هذه الآية انْطَلَقْت، وفي ضوئها سرتُ وكتبتُ، ومن مفهومها موافقة ومخالفة حقَّقتُ وبيَّنتُ.
وكنت أضع القضيَّة التي جئت أعالجها نصب عيني في كل ما سطَّرتُ ودوَّنتْ.