المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ موقف اليهود من أنبياء الله ورسله - الوسطية في ضوء القرآن الكريم

[ناصر العمر]

الفصل: ‌ موقف اليهود من أنبياء الله ورسله

ولنأخذ‌

‌ موقف اليهود من أنبياء الله ورسله

(1) .

1-

أنّهم فرّقوا بين الله ورسله، وآمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعض، بمجرّد التّشهّي والعادة، لا عن دليل قادهم إلى ذلك، فإنه لا سبيل إلى ذلك، بل بمجرّد الهوى والعصبية (2) قال - تعالى -:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} (النساء:150) وهذا الأمر وإن كان يشترك فيه اليهود والنصارى، ولكنه في اليهود أكثر.

2-

أنهم خذلوا أنبياءهم، ونقضوا العهود التي أخذوها عليهم، قال - سبحانه -:{وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} (المائدة: من الآية 12) .

(1) - انظر: في ذلك رسالة وسطيَّة أهل السنة ص (286) وما بعدها.

(2)

- انظر: تفسير ابن كثير (2 / 396) .

ص: 157

وآيات أخذ العهد والميثاق على بني إسرائيل كثيرة جدًا (1) ولكن ماذا كانت النتيجة: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ} (المائدة: من الآية 13) . ونقض العهد والغدر يُنبئ عن مكانة الأنبياء في نفوسهم وعقيدتهم فيهم.

3-

أنهم تنقّصُوا بعض الأنبياء والرسل، عليهم الصلاة والسلام، ورموهم بارتكاب كبائر الذنوب، ورموهم بالنقائص والعيوب، والتوراة - المحرفة - مليئة بهذا اللون، وفيها من الخزي والعار ما ينَدى له الجبين.

فنسبوا لهارون، عليه السلام، أنّه صنع لهم العجل الذي عبدوه من دون الله، ورموا نبي الله سليمان، عليه السلام، بأنه في أواخر أيّامه مال إلى ممالأة نسائه على عبادة الأوثان، وبني لهن المعابد والأوثان، وأنّه لم يكن مخلصًا في إيمانه بربه عز وجل.

واتهموا نوحًا، عليه السلام، بأنّه كان يشرب الخمر، واتهموا داود ولوطًا، عليهما السلام، بالزنا، إلى غير ذلك من النقائص والتهم التي يقشعرّ لها قلب كل مؤمن (2) .

(1) - انظر: تفصيل ذلك في كتاب العهد والميثاق في القرآن للمؤلف حيث تجد فصلا خاصًّا بذلك.

(2)

- انظر: تفصيل ذلك وأدلته في وسطيَّة أهل السنة ص (289) .

ص: 158

ولا يُستغرب ذلك على أولئك الذين رموا رسولهم ونبيهم موسى، عليه السلام، بالنقائص والعيوب. فقال - سبحانه - مخبرًا عنهم، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} (الأحزاب:69) .

4-

قتلهم الأنبياء والرّسل، وقد ذكر الله ذلك في القرآن في أكثر من موضع:{أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} (البقرة: من الآية 87) . وقال: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ} (المائدة:70) . وقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} (البقرة: من الآية 61) .

ومن أشهر من قتل اليهود من الأنبياء زكريا وابنه يحيى، عليهما السلام (1) .

(1) - انظر: تفسير الطبري 6 / 284 ووسطيَّة أهل السنة ص (296) .

ص: 159

هذه عقيدة اليهود في أنبياء الله ورسله، والذي ينظر إلى مواقفهم مع موسى، عليه السلام، وهو نبيهم ومنقذهم من فرعون، يجد العجب (1) . {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ} (الصف: من الآية 5) . فكل من وقف من الأنبياء والرسل موقف تفريط وجفاء في اليهود أسوة وقدوة.

(1) - انظر: تفصيل ذلك في ظلال القرآن تفسير سورة الصف، وكتاب العهد والميثاق في القرآن للمؤلف في فصل نقض بني إسرائيل للعهد.

ص: 160

أمّا النصارى فإن عقيدتهم في الأنبياء والرسل تتلخص في موقفين (1) :

الأول: التفريط والجفاء مع أنبياء الله ورسله - عدا عيسى، عليه السلام، فلم يؤمنوا ببعضهم، وكفروا بمحمد، صلى الله عليه وسلم قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} (النساء:150) . قال ابن جرير رحمه الله {وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ} (النساء: من الآية 150) يعني أنهم يقولون: نصدق بهذا ونكذب بهذا، كما فعلت اليهود في تكذيبهم عيسى ومحمد، صلى الله عليه وسلم وتصديقهم بموسى وسائر الأنبياء قبلهم بزعمهم، (2) وكما فعلت النصارى من تكذيبهم محمدًا، صلى الله عليه وسلم وتصديقهم بعيسى وسائر الأنبياء قبله بزعمهم (3) .

(1) - انظر: وسطيَّة أهل السنة ص (301) .

(2)

- تحفظ الطبري رحمه الله في مكانه، لأنهم في الحقيقة لم يؤمنوا بهم جميعًا.

(3)

- انظر: تفسير الطبري (9 / 351) .

ص: 161

وقال - تعالى - مبينًا كفرهم بمحمد، صلى الله عليه وسلم {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} (الصف:6) .

الثاني: الغلو والإفراط، ويتمثل ذلك في غلوهم في عيسى، عليه السلام، حيث رفعوه فوق المكانة التي جعله الله فيها، وأنزلوه فوق المنزلة التي أنزله الله إياها - زعموا -.

فلم يؤمنوا به عبدًا لله، ورسولا نبيًا، وإنما جعلوه هو الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة!! بل عبدوه من دون الله عز وجل وأضافوا إليه من الأفعال والأعمال ما لا يصح إضافته ونسبته إلا إلى الله عز وجل (1) .

قال - تعالى -: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} (المائدة: من الآية 72) . {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} (المائدة: من الآية 73) . {وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} (التوبة: من الآية 30) .

(1) - انظر: وسطيَّة أهل السنة ص 301.

ص: 162

وقال صلى الله عليه وسلم «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا: عبد الله ورسوله» (1) .

وهذان الموقفان - أي موقف اليهود وموقف النصارى - يمثلان مواقف الناس في الأنبياء والرسل في جانب الإفراط والتفريط والغلو والجفاء (2) . أمّا الموقف الحق وهو الذي قررّه القرآن وبينه، فإنه بين هذين الموقفين، فهو وسط بين الغلو والجفاء، والإفراط والتفريط، ويمكن تلخيصه فيما يلي:

(1) - أخرجه البخاري (4 / 142) وأحمد (1 / 23، 24، 47، 55) .

(2)

- قد تكون هناك مواقف لبعض اليهود تتشابه مع موقف النصارى، كقول بعضهم «عزيز ابن الله» وكذلك قد تكون هناك مواقف لبعض النصارى تشابه موقف اليهود، كخذلان بعضهم لعيسى وعدم نصرته، والعبرة بالموقف لا بالأشخاص سواء أكانوا من اليهود أم النصارى أم المشركين أم غيرهم.

ص: 163