الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
إن
الحكم على الانحراف وبيانه
وسيلة مباشرة للوصول إلى الطريق الصحيح، والمنهج المستقيم، فبعد بيان خطأ هؤلاء الذين انحرفت عقيدتهم وضلوا في رسل الله نأتي إلى بيان المنهج الحق في أنبياء الله ورسله، كما قرره القرآن الكريم، ودعا إليه في أكثر من موضع.
قال قتادة: أمر الله المؤمنين أن يؤمنوا ويصدّقوا بأنبيائه ورسله كلهم، ولا يفرقوا بين أحد منهم (1) .
وقال سبحانه: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} (البقرة: من الآية 285) .
(1) - انظر: تفسير الطبري (1 / 568) .
وبين الله عبودية الأنبياء والرسل فقال سبحانه: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} (الإسراء:3) . وقال: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} (صّ:45) .
أمّا عيسى فقد بينّ الله المنهج الحق فيه فقال: {لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ} (النساء: من الآية 172) . وقال: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} (المائدة: من الآية 75) وقال: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} (النساء: من الآية 171){إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (آل عمران:59) .
أمّا محمد صلى الله عليه وسلم فقال فيه - سبحانه-:
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى} (الإسراء: من الآية 1) . وقال: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} (النجم:10) . وقال له الله عز وجل {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} (الأنعام: من الآية 50) .
وقال مبينًا حق رسوله على أمته: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} (الفتح: من الآية 9) . وقال: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف: من الآية 157) . وقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} (المائدة: من الآية 92) . وبينّ الله بشرية الأنبياء والرسل، فقال:{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} (الكهف: من الآية 110) . وقال: {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} (إبراهيم: من الآية 11) . وقال: {قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا} (الإسراء: من الآية 93) . ومما يرسم منهج التوسط في الأنبياء قوله - سبحانه -: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} (الرعد: من الآية 38) . وقال منكرًا على المشركين قولهم في محمد، صلى الله عليه وسلم {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ
وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} (الفرقان: من الآية 7) . فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} (الفرقان: من الآية 20) .
ومما سبق من الآيات اتضح لنا منزلة الأنبياء والرسل، وعلوّ مقامهم، والمنهج الحق فيهم، فلا يجوز الغلو فيهم مع الغالين قال، صلى الله عليه وسلم «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله» (1) . وقال، صلى الله عليه وسلم «يا أيها الناس قولوا بقولكم ولا يستجرينكم الشيطان، أنا محمد بن عبد الله، ورسول الله، والله ما أحبّ أن ترفعوني فوق ما رفعني الله عز وجل» (2) .
وكذلك لا يجوز الحطّ من قدرهم أو انتقاصهم، بل يجب احترامهم والإيمان بهم وعدم التفريق بينهم، وكذلك يجب توقيرهم وحفظ جنابهم، فهم صفوة الخلق وأرفعهم مكانة ومنزلة. {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} (الأنعام: من الآية 90) .
(1) - أخرجه البخاري (4 / 142) وأحمد (1 / 23، 24، 47، 55) .
(2)
- أخرجه أحمد (3 / 241) واللفظ له، وأبو داود (4 / 254) رقم (4806) وصححه الألباني كما في صحيح الجامع رقم (4418) .
إن ما ذكرته من تقرير الإسلام لمنهج الوسطيَّة في باب الإيمان بالله ورسله دليل عملي على ما عداه من أبواب الاعتقاد، كالإيمان بالملائكة والكتب واليوم الآخر وبالقدر خيره وشرّه.
وكما ذكرت سابقًا فليس المراد هو استقصاء ما ورد في ذلك، وإنما المراد إرساء قواعد الوسطيَّة وبيان أنّها منهج إلهي، فمن انحرف عنها فقد ضلّ سواء السبيل.
ولذلك جاء قوله تعالى في سورة المائدة: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} (المائدة:77) .
بل قال قبل ذلك في سورة النساء: {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} (النساء: من الآية 171) . وهاتان الآيتان جاءتا في سياق تقرير مسألة من مسائل الاعتقاد، وهي قضية اعتقاد النصارى في عيسى ابن مريم، عليه السلام، كما سبق بيانها.
وفي إطار تقرير منهج الوسطيَّة في العقيدة يأتي قوله - تعالى - {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ} (البقرة: من الآية 130) . وملّة إبراهيم، عليه السلام، هي الملة الحنيفيَّة السمحة لا إفراط فيها ولا تفريط.
قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: فمن ترك طريقه هذا ومسلكه وملته واتبع طرق الضلالة والغي فأيّ سفه أعظم من هذا؟! قال أبو العالية وقتادة: نزلت هذه الآية في اليهود، أحدثوا طريقًا ليست من عند الله، وخالفوا ملة إبراهيم فيما أحدثوه، ويشهد لصحة هذا القول قوله - تعالى -:{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (آل عمران:67)(1) .
وفي سورة يونس {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا} (يونس: من الآية 105) . قال ابن كثير: أي أخلص العبادة لله وحده، {حَنِيفًا} (يونس: من الآية 105) أي منحرفًا عن الشرك، ولهذا قال:{وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يونس: من الآية 105)(2) .
(1) - انظر: تفسير ابن كثير (1 / 185) .
(2)
- انظر: تفسير ابن كثير (2 / 434) .
وفي يوسف: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (يوسف: من الآية 40) . قال ابن كثير في تفسيرها: أي هذا الذي أدعوكم إليه من توحيد الله وإخلاص العمل له هو الدين المستقيم الذي أمر الله به (1) .
(1) - انظر: تفسير ابن كثير (2 / 479) .