الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولا: تعريف اليسر والوسع:
قال البقاعي في تفسيره - نقلا عن الحرالي-: اليسر عمل لا يُجهد النّفس ولا يُثقل الجسم (1) .
ونقل هذا القول القاسمي في تفسيره (2) .
وقال الرازي: في معنى الوسع: إنَّه ما يقدر الإنسان عليه في حال السّعة والسّهولة، لا في حال الضّيق والشِّدَّة، وأمّا أقصى الطّاقة فيسمَّى جهدًا لا وسعًا، قال: وغلط من ظنَّ أن الوسع بذل المجهود (3) .
وقال ابن منظور في تعريف اليسر: (4) .
اليسر: اللّين والانقياد.
والميسرة: السّعة والغنى.
وتيسير الشيء واستيسر: تسهّل.
واليسر: ضدّ العسر.
ويقول الدكتور / صالح بن حميد بعد أن ذكر بعض هذه الأقوال:
(1) - انظر: تفسير البقاعي (3 / 62) .
(2)
- انظر: تفسير القاسمي (3 / 427) .
(3)
- انظر: تفسير الرازي (14 / 79) .
(4)
- انظر: لسان العرب مادة (يسر) .
يظهر من ذلك أن اليسر والوسع: ما يُقدم عليه الإنسان من غير أن يلحقه مشقَّة زائدة، ومن غير أن يحتاج لبذل كلّ ما لديه من طاقة ومجهود، وعقّب قائلا: ومن هذا فإنّ ما ذكره ابن حزم في أصول الأحكام من أنَّ: (العسر والحرج ما لا يستطاع، أمَّا ما استطيع فهو يسر) . ليس بدقيق، ولا سيَّما في إطلاق الشرع، إذ أنَّ هناك أمورًا يستطيع المكلّف عملها، مع لحوق مشقَّة أو عسر، فجاء التَّخفيف فيها إلى ما هو أيسر، ولو بذل غاية جهده وطاقته لقام بها، ومنه يتبين أن عدم الاستطاعة ليست معيار العسر الشّرعي (1) .
وأختم أقوال العلماء في تعريف اليسر والوسع بما قاله الزمخشري: "إن الوسع هو ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه، ولا يحرج فيه، فالله لا يكلّف النّفس إلا ما يتّسع فيه طوقها، ويتيّسر عليه دون مدى غاية الطّاقة والمجهود، فقد كان في طاقة الإنسان أن يصلّي أكثر من الخمس، ويصوم أكثر من شهر، ويحجّ أكثر من حجّة"(2) .
هذا ما يتعلّق بتعريف اليسر والوسع، أمّا رفع الحرج فإنَّ تعريفه يستلزم تعريف الحرج أولا: قال في لسان العرب:
الحرج: الإثم.
وقال أحمد بن يحيى: والتّحريج: التّضييق.
وقال ابن الأثير: الحرج في الأصل: الضيق.
(1) - انظر: رفع الحرج في الشريعة الإسلامية ص (46) .
(2)
- انظر: الكشاف (1 / 408) .
وقيل: الحرج: أضيق الضّيق، ونسبه للزَّجَّاج في موضع آخر. وحرَّج فلان على فلان: إذا ضيَّق عليه (1) .
هذا تعريف الحرج في اللغة، أمَّا في الاصطلاح:(كل ما أدَّى إلى مشقَّة زائدة في البدن أو النَّفس أو المال حالا أو مآلا)(2) .
قال ابن عباس في قوله- تعالى-: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (الحج: من الآية 78) . توسعة الإسلام، ما جعل الله من التّوبة والكفّارات (3) .
وقال الضّحاك في تفسير الآية: جعل الدّين واسعًا ولم يجعله ضيِّقًا (4) .
وقال مقاتل بن حيان: لم يضيق الدّين عليكم ولكن جعله واسعًا لمن دخله، وذلك أنَّه ليس مما فرض عليهم فيه إلا وقد ساق إليهم عند الاضطرار فيه رخصة (5) .
(1) - انظر: لسان العرب مادة (حرج) .
(2)
- انظر: رفع الحرج في الشريعة الإسلامية ص (47) .
(3)
- انظر: تفسير الطبري (17 / 206) .
(4)
- انظر: تفسير الطبري (17 / 207) .
(5)
- انظر: الدر المنثور (4 / 372) .
وبعد هذا التّعريف للحرج يكون رفع الحرج هو:
(إزالة ما يؤدّي إلى هذه المشاقّ الموضَّحة في التَّعريف. ويتوجه الرّفع والإزالة إلى حقوق الله سبحانه وتعالى لأنَّها مبنيَّة على المسامحة، ويكون ذلك إمّا بارتفاع الإثم عند الفعل، وإمَّا بارتفاع الطّلب للفعل، وحينما يرتفع كل ذلك ترتفع حالة الضّيق التي يعانيها المكلّف حينما يستشعر أنَّه يقدم على ما لا يُرضي الله، وهذا هو الحرج النفسيّ والخوف من العقاب الأخرويّ.
كما يرتفع الحرج الحسيّ حينما يكون التّكليف شاقًّا فيأتي العفو من الله سبحانه وتعالى إمَّا بالكفّ عن الفعل الموقع في الحرج، وإمَّا بإباحة الفعل عند الحاجة إليه) (1) .
ففي قوله، عليه السلام، حينما سئل عن التّرتيب بين أعمال يوم النّحر من الرّمي والحلق والطّواف والنَّحر:«افعل ولا حرج» (2) . إباحة لترك التّرتيب بين هذه الشَّعائر، ورفع للإثم عمَّن لم يرتّب كترتيب رسول الله، صلى الله عليه وسلم في نسكه حينما قال:«خذوا عنِّي مناسككم» (3) .
وبعد أن تبيَّن لنا معنى التّيسير والوسع ورفع الحرج أذكر الأدّلة على ذلك من الكتاب والسنَّة، وأقوال السَّلف في ذلك:
(1) - رفع الحرج في الشريعة الإسلامية ص (48) .
(2)
- أخرجه البخاري (2 / 187، 188) . ومسلم (2 / 948، 949) رقم (1306) . وأبو داود (2 / 211) رقم (2014) . والنسائي (5 / 272) رقم (3067) . وابن ماجه (2 / 1013، 1014) رقم (3050، 3051، 3052) .
(3)
- أخرجه مسلم (2 / 943) رقم (1297) . وأبو داود (2 / 201) رقم (1970) . وأحمد (3 / 301، 318، 332، 337، 367، 378) . والنسائي (5 / 270) رقم (3062) وغيرهم.