الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أبواب
ما جاء في فتن الأهواء والبدع
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال «: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} وليسوا منك، هم أهل البدع وأهل الشبهات وأهل الضلالة من هذه الأمة» .
رواه ابن جرير والطبراني وابن مردويه، وفيه عباد بن كثير؛ قال البخاري والنسائي وغيرهما:"متروك الحديث". قال ابن كثير: "ولم يختلق هذا الحديث، ولكنه وهم في رفعه؛ فإنه رواه سفيان الثوري عن ليث - وهو ابن أبي سليم - عن طاوس عن أبي هريرة رضي الله عنه في الآية: أنه قال: "نزلت في هذه الأمة".
وعن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضي الله عنها: «يا عائش! {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} هم أصحاب البدع وأصحاب الأهواء من هذه الأمة» .
رواه: الطبراني، وابن مردويه، والبيهقي، وأبو نعيم. قال ابن كثير:"وهو غريب، ولا يصح رفعه".
وعن أبي برزة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى» .
رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.
وعن حذيفة رضي الله عنه: "أنه أخذ حجرين، فوضع أحدهما على الآخر، ثم قال لأصحابه: هل ترون ما بين هذين الحجرين من النور؟ قالوا: يا أبا عبد الله! ما نرى بينهما من النور إلا قليلا. قال: والذي نفسي بيده لتظهرن
البدع حتى لا يرى من الحق إلا قدر ما ترون ما بين هذين الحجرين من النور، والله لتفشون البدع حتى إذا ترك منها شيء؛ قالوا: تركت السنة".
رواه ابن وضاح.
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "يأتي على الناس زمان يصبح الرجل بصيرا ويمسي وما يبصر شعرة".
رواه نعيم بن حماد في "الفتن".
ورواه ابن أبي شيبة، ولفظه: قال: "والله إن الرجل ليصبح بصيرا ثم يمسي وما ينظر بشفر".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "والله ليركبن الباطل على الحق حتى لا تروا من الحق إلا شيئا خفيا".
رواه ابن أبي شيبة.
باب
فيما يعصم من الفتن
عن علي رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا إنها ستكون فتنة. فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: "كتاب الله؛ فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار؛ قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره؛ أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم» .
رواه الترمذي، وقال:"غريب".
وقد رواه الإمام أحمد بإسناد ضعيف، ولفظه: قال: سمعت رسول الله
وقد رواه ابن مردويه بنحوه مختصرا.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو رواية الترمذي.
وإسناده ضعيف.
باب
افتراق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو ثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة» .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، ومحمد بن نصر المروزي وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، والآجري في "كتاب الشريعة". وقال الترمذي:"حسن صحيح". وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه". قال الترمذي:"وفي الباب عن سعد وعبد الله بن عمرو وعوف بن مالك رضي الله عنهم ".
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله: «افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين ملة، ولن تذهب الأيام والليالي حتى تفترق أمتي على مثلها (أو قال: على مثل ذلك) ، فكل فرقة منها في النار؛ إلا واحدة،»
«وهي الجماعة» .
رواه: محمد بن نصر المروزي وأبو بكر الآجري في "كتاب الشريعة".
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية؛ لكان في أمتي من يصنع ذلك، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة؛ كلهم في النار إلا ملة واحدة. قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: "ما أنا عليه وأصحابي» .
رواه: الترمذي، ومحمد بن وضاح، ومحمد بن نصر، والحاكم، والآجري. وقال الترمذي:"هذا حديث حسن غريب".
وعن عوف بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة؛ فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة؛ فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة؛ فواحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار. قيل: يا رسول الله! من هم؟ قال: الجماعة» .
رواه ابن ماجه.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة؛ كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة» .
رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه، وهذا لفظه. قال في "الزوائد":"إسناده صحيح، رجاله ثقات".
ورواه أبو بكر الآجري من طرق عن أنس رضي الله عنه، وفي بعض
طرقه: «كلها في النار إلا السواد الأعظم» .
ورواه الطبراني في "معجمه الصغير"، ولفظه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة؛ كلهم في النار؛ إلا واحدة. قالوا: وما هي تلك الفرقة؟ قال: "ما أنا عليه اليوم وأصحابي» .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وأمتي تزيد عليهم فرقة؛ كلهم في النار إلا السواد الأعظم» .
رواه الطبراني في "الأوسط" و "الكبير". قال الهيثمي: وفيه أبو غالب؛ وثقه ابن معين وغيره، وبقية رجال "الأوسط" ثقات، وكذلك أحد إسنادي "الكبير".
وعن عمرو بن عوف رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ألا إن بني إسرائيل افترقت على موسى عليه السلام سبعين فرقة؛ كلها ضالة؛ إلا فرقة واحدة: الإسلام وجماعتهم، ثم إنها افترقت على عيسى عليه السلام على إحدى وسبعين فرقة؛ كلها ضالة إلا واحدة: الإسلام وجماعتهم، ثم إنكم تكونون على اثنتين وسبعين فرقة؛ كلها في النار إلا واحدة: الإسلام وجماعتهم» .
رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه كثير بن عبد الله، وهو ضعيف، وقد حسن الترمذي له حديثا، وبقية رجاله ثقات".
وقد رواه الحاكم في "مستدركه" من حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده: (فذكره بنحوه) .
وعن أبي الدرداء وأبي أمامة وواثلة بن الأسقع وأنس بن مالك رضي الله عنهم؛ قالوا: «خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتمارى في شيء من الدين،»
«فغضب غضبًا شديدًا لم يغضب مثله
…
(الحديث، وفيه) : "ذروا المراء؛ فإن بني إسرائيل افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وإن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة؛ كلها على الضلالة؛ إلا السواد الأعظم ". قالوا: يا رسول الله! ما السواد الأعظم؟ قال صلى الله عليه وسلم: "من كان على ما أنا عليه وأصحابي» .
رواه: الطبراني، والآجري. وفي إسناده ضعف.
وتفسير السواد الأعظم في هذا الحديث بأنهم من كان على ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، يدفع ما قد يتوهمه من قل نصيبه من العلم من أن السواد الأعظم المذكور في حديث أنس وحديث أبي أمامة رضي الله عنهما يراد به معظم المنتسبين إلى الإسلام وجمهورهم؛ نظرا منهم إلى ظاهر اللفظ.
فإن قيل: إن هذا الحديث ضعيف. قيل: قد تقدم ما يشهد له من حديث عبد الله بن عمرو وأنس رضي الله عنهم.
وروي أيضا عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما ما يؤيد ذلك، فروى العسكري عن سليم بن قيس العامري؛ قال: سأل ابن الكواء عليا رضي الله عنه عن السنة والبدعة وعن الجماعة والفرقة؟ فقال: " يابن الكواء! حفظت المسألة؛ فافهم الجواب: السنة والله سنة محمد صلى الله عليه وسلم، والبدعة ما فارقها، والجماعة والله مجامعة أهل الحق وإن قلوا، والفرقة مجامعة أهل الباطل وإن كثروا".
وقال عمرو بن ميمون الأودي: "صحبت معاذا باليمن، فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام، ثم صحبت بعده أفقه الناس: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فسمعته يقول: عليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة. ثم سمعته يوما من الأيام وهو يقول: سيلي عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن
مواقيتها؛ فصلوا الصلاة لميقاتها؛ فهي الفريضة، وصلوا معهم؛ فإنها لكم نافلة. قال: قلت: يا أصحاب محمد! ما أدري ما تحدثونا؟ قال: وما ذاك؟ قلت: تأمرني بالجماعة وتحضني عليها، ثم تقول: صل الصلاة وحدك وهي فريضة، وصل مع الجماعة وهي نافلة! قال: يا عمرو بن ميمون! قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية؛ تدري ما الجماعة؟ قلت: لا. قال: إن جمهور الجماعة الذين فارقوا الجماعة، الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك".
وفي رواية: فقال ابن مسعود رضي الله عنه وضرب على فخذي: "ويحك! إن جمهور الناس فارقوا الجماعة، وإن الجماعة ما وافق طاعة الله تعالى ".
قال نعيم بن حماد: "يعني: إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد وإن كنت وحدك؛ فإنك أنت الجماعة حينئذ".
رواه البيهقي في كتاب "المدخل "، ونقله أبو شامة في كتاب "الباعث على إنكار البدع والحوادث"، وابن القيم في كتاب "الإغاثة".
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وكان محمد بن أسلم الطوسي الإمام المتفق على إمامته مع رتبته أتبع الناس للسنة في زمانه، حتى قال: ما بلغني سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إلا عملت بها، ولقد حرصت على أن أطوف بالبيت راكبا فما مكنت من ذلك، فسئل بعض أهل العلم في زمانه عن السواد الأعظم الذين جاء فيهم الحديث: «إذا اختلف الناس؛ فعليكم بالسواد الأعظم» . فقال: محمد بن أسلم الطوسي هو السواد الأعظم".
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "وصدق والله؛ فإن العصر إذا كان فيه عارف بالسنة داع إليها؛ فهو الحجة وهو الإجماع وهو السواد الأعظم، وهو سبيل المؤمنين التي من فارقها واتبع سواها ولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم
وساءت مصيرا". انتهى.
وقد قال أبو نعيم في "الحلية": "حدثنا أبي: حدثنا خالي أحمد بن محمد ابن يوسف: حدثنا أبي؛ قال: قرأت على أبي عبد الله محمد بن القاسم الطوسي خادم ابن أسلم؛ قال: سمعت إسحاق بن راهويه يقول..... (وذكر في حديث رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال:) «إن الله لم يكن ليجمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم على ضلالة، فإذا رأيتم الاختلاف؛ فعليكم بالسواد الأعظم» . فقال رجل: يا أبا يعقوب! من السواد الأعظم؟ فقال: محمد بن أسلم وأصحابه ومن اتبعه. ثم قال: سأل رجل ابن المبارك، فقال: يا أبا عبد الرحمن! من السواد الأعظم؟ قال: أبو حمزة السكري. ثم قال إسحاق: في ذلك الزمان (يعني: أبا حمزة) ، وفي زماننا محمد بن أسلم ومن تبعه. ثم قال إسحاق: لو سألت الجهال: من السواد الأعظم؟ قالوا: جماعة الناس، ولا يعلمون أن الجماعة عالم متمسك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم وطريقه، فمن كان معه وتبعه فهو الجماعة، ومن خالفه فقد ترك الجماعة. ثم قال إسحاق: لم أسمع عالما منذ خمسين سنة أعلم من محمد بن أسلم ". انتهى ما ذكره أبو نعيم.
وجزم البخاري في (كتاب الاعتصام) من "صحيحه" أن الجماعة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزومها هم أهل العلم.
وقال أبو شامة في كتاب "الباعث على إنكار البدع والحوادث": "حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة؛ فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وإن كان المتمسك بالحق قليلا والمخالف له كثيرا؛ لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم". انتهى.
وقد نقل ابن القيم رحمه الله تعالى كلام أبي شامة في كتاب " الإغاثة"
واستحسنه.
وقد وصفت الفرقة الناجية في الأحاديث التي تقدم ذكرها بثلاث صفات:
إحداها: أنهم الجماعة.
الثانية: أنهم السواد الأعظم.
الثالثة: أنهم من كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين، وهذه الصفة تبين المراد من الصفتين قبلها وتدل على أن أهل الحق هم الجماعة والسواد الأعظم من كانوا وأين كانوا، ولو كانوا من أقل الناس. والله أعلم.
وقد روى اللالكائي عن أبي الطفيل؛ قال: "كان علي رضي الله عنه يقول: إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به، ثم يتلو هذه الآية: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ} ؛ يعني: محمدا والذين اتبعوه؛ فلا تغتروا؛ فإنما ولي محمد من أطاع الله، وعدو محمد من عصى الله وإن قربت قرابته".
وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: أنه لما قدم مكة حاجا؛ قام حين صلى صلاة الظهر، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة (يعني: الأهواء) ؛ كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة، وإنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه؛ لا يبقى عرق ولا مفصل إلا دخله» .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، ومحمد بن نصر المروزي في كتاب "السنة"، والحاكم في "مستدركه".
وزاد أحمد ومحمد بن نصر والحاكم: «والله يا معشر العرب! لئن لم تقوموا بما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم؛ لغيركم من الناس أحرى أن لا يقوم به» .
صححه الحاكم، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
قال الخطابي رحمه الله تعالى: " (الكلب) : داء يعرض للإنسان من عضة الكلب الكلب، وهو داء يصيب الكلب؛ كالجنون، وعلامة ذلك فيه: أن تحمر عيناه، وأن لا يزال يدخل ذنبه بين رجليه، وإذا رأى إنسانا ساوره، فإذا عقر هذا الكلب إنسانا عرض له من ذلك أعراض رديئة، منها: أن يمتنع من شرب الماء حتى يهلك عطشا، ولا يزال يستسقي، حتى إذا سقي الماء لم يشربه. ويقال: إن هذه العلة إذا استحكمت بصاحبها فقعد للبول؛ خرج منه هنات مثل صور الكلاب؛ فالكلب داء عظيم؛ إذا تجارى بالإنسان تمادى وهلك ". انتهى.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن في أمتي نيفًا وسبعين داعيًا؛ كلهم داع إلى النار، لو أشاء لأنبأتكم بآبائهم وأمهاتهم وقبائلهم» .
رواه أبو يعلى. قال الهيثمي: "وفيه ليث بن أبي سليم، وهو مدلس، وبقية رجاله ثقات".
باب
ما جاء في اتباع هذه الأمة لسنن أعداء الله
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا شبرًا وذراعًا ذراعًا، حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم. قلنا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: "فمن؟ !» .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها؛ شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع. فقيل: يا رسول الله! كفارس والروم؟ فقال: "ومن الناس إلا أولئك؟ !» .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري، وهذا لفظه.
ورواه ابن ماجه، ولفظه:«لتتبعن سنن من كان قبلكم؛ باعًا بباع، وذراعًا بذراع، وشبرًا بشبر، حتى لو دخلوا جحر ضب؛ لدخلتم فيه. قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: "فمن إذًا؟ !» .
ورواه: الإمام أحمد أيضا، والحاكم في "مستدركه"؛ بنحو رواية ابن ماجه، ثم قال الحاكم:"صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه بهذا اللفظ"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم؛ شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، وباعًا بباع، حتى لو دخلوا جحر ضب؛ لدخلتموه. قالوا: من يا رسول الله؟ اليهود النصارى؟ قال: "فمن إلا هم؟ !» .
رواه محمد بن نصر المروزي في "كتاب السنة"، وإسناده جيد.
وعن سهل بن سعد الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «والذي نفسي بيده؛ لتركبن سنن من كان قبلكم مثلًا بمثل، حتى لو دخلوا جحر ضب لاتبعتموهم. قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: "فمن إلا اليهود والنصارى؟ !» .
رواه: الإمام أحمد مختصرا، والطبراني بتمامه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «لتركبن سنن من كان قبلكم؛ شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع، وباعًا بباع، حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتم، وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق؛ لفعلتموه» .
رواه محمد بن نصر المروزي والبزار بأسانيد جيدة، والحاكم في "مستدركه"، وصححه، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية؛ لكان في أمتي من يصنع ذلك» .
رواه الترمذي، وقال:"هذا حديث حسن غريب".
وقد رواه محمد نصر المروزي في كتاب "السنة" بنحوه مختصرا، وإسناده حسن.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل، لتركبن طريقهم حذو القذة بالقذة، حتى لا يكون فيهم شيء إلا كان فيكم مثله، حتى إن القوم لتمر عليهم المرأة فيقوم إليها بعضهم فيجامعها، ثم يرجع إلى أصحابه يضحك إليهم ويضحكون إليه» .
رواه الطبراني.
وعن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: «لتسلكن سنن الذين من قبلكم حذو النعل بالنعل، ولتأخذن مثل مأخذهم؛ إن شبرًا فشبر، وإن ذراعًا فذراع، وإن باعًا فباع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتم فيه» .
رواه: محمد بن نصر المروزي في كتاب "السنة"، والآجري في كتاب
"الشريعة".
وعن شداد بن أوس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: «ليحملن شرار هذه الأمة على سنن الذين خلوا من قبلهم حذو القذة بالقذة» .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومحمد بن نصر المروزي والطبراني، والآجري.
وعن أبي واقد الليثي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده؛ لتركبن سنة من كان قبلكم» .
رواه الترمذي، وقال:"هذا حديث حسن صحيح".
ورواه أبو داود الطيالسي في "مسنده"، وابن حبان في "صحيحه"، ولفظهما:«إنكم ستركبون سنن من كان قبلكم» .
ورواه محمد بن نصر المروزي في كتاب "السنة" بنحوه، وأسانيده كلها جيدة.
وعن المستورد بن شداد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تترك هذه الأمة شيئًا من سنن الأولين حتى تأتيه» .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "لتتبعن أمر من كان قبلكم حذو النعل بالنعل، لا تخطئون طريقتهم ولا تخطئكم".
رواه الآجري في كتاب "الشريعة".
ورواه الحاكم في "مستدركه"، ولفظه:"لتسلكن طريق من كان قبلكم؛ حذو القذة بالقذة، وحذو النعل بالنعل، لا تخطئون طريقهم، ولا تخطئكم".
قال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ورواه محمد بن وضاح بزيادة كثيرة ولفظه: "لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، حتى لا يقول عبد: مه، مه؟ ولتركبن سنن الأمم قبلكم حذو النعل بالنعل؛ لا تخطئون طريقهم، ولا تخطئكم، حتى لو أنه كان فيمن كان قبلكم من الأمم أمة يأكلون العذرة رطبة أو يابسة؛ لأكلتموها، وستفضلونهم بثلاث خصال لم تكن فيمن كان قبلكم من الأمم: نبش القبور، وسمنة النساء؛ تسمن الجارية حتى تموت شحما، وحتى يكتفي الرجال بالرجال دون النساء، والنساء بالنساء دون الرجال، ايم الله إنها لكائنة، ولو قد كانت؛ خسف بهم ورجموا كما فعل بقوم لوط، والله ما هو بالرأي، ولكنه الحق اليقين".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "لا يكون في بني إسرائيل شيء؛ إلا كان فيكم مثله". فقال رجل: يكون فينا مثل قوم لوط؟ قال: "نعم".
رواه ابن أبي شيبة.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "أنتم أشبه الناس ببني إسرائيل، والله لا تدعون شيئا عملوه إلا عملتموه، ولا كان فيهم شيء إلا سيكون فيكم مثله ". فقال رجل: أيكون فينا مثل قوم لوط؟ فقال: "نعم، ممن أسلم وعرف نسبه".
رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب "السنة".
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتا وهديا، تتبعون عملهم حذو القذة بالقذة؛ غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا؟ ".
ذكره البغوي في "تفسيره".
وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "لتركبن سنة بني إسرائيل حذو النعل بالنعل (أو القذة بالقذة) ؛ غير أني لا أدري تعبدون العجل أم لا؟ ! ".
رواه ابن أبي شيبة.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "أنتم أشبه الناس سمتا وهديا ببني إسرائيل، لتسلكن طريقهم؛ حذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل ".
رواه ابن أبي شيبة.
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "إن أشبه الناس سمتا وهيئة ببني إسرائيل أنتم، تتبعون آثارهم حذو القذة بالقذة، لا يكون فيهم شيء إلا كان فيكم مثله". رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب "السنة".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قال: "لم يكن في بني إسرائيل شيء إلا وهو كائن فيكم".
رواه: نعيم بن حماد في "الفتن"، ومحمد بن نصر المروزي في كتاب "السنة".
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أنه قال: "والله ما من شيء كان ممن قبلكم إلا سيكون فيكم".
رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب "السنة".
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنه قال: "لتركبن سنة من كان قبلكم حلوها ومرها".
رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب "السنة".
وعن همام بن الحارث؛ قال: كنا عند حذيفة رضي الله عنه، فذكروا:
{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} ، فقال رجل من القوم: إنما هذا في بني إسرائيل. فقال حذيفة رضي الله عنه: "نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل، إن كان لكم الحلو ولهم المر، كلا والذي نفسي بيده؛ حتى تحذى السنة بالسنة حذو القذة بالقذة".
رواه محمد بن نصر المروزي في كتاب "السنة".
وعن بكر بن سوادة: أن موسى بن الأشعث حدثه أن الوليد حدثه: "أنه انطلق هو وأبيض - رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل يعودانه. قال: فدخلنا المسجد فرأينا الناس يصلون، فقلت: الحمد لله الذي جمع بالإسلام الأحمر والأسود. فقال أبيض: والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى لا تبقى ملة إلا ولها منكم نصيب. قلت: يبادرون يخرجون من الإسلام؟ قال: يصلون بصلاتكم، ويجلسون مجالسكم، وهم معكم في سوادكم، ولكل ملة منهم نصيب".
رواه عبدان في كتاب "الصحابة".
وهذه الموقوفات لها حكم الرفع؛ لأن فيها إخبارا عن أمر غيبي، وذلك لا يقال من قبل الرأي، وإنما يقال عن توقيف. والله أعلم.
باب
ما جاء في الخوارج
وهم أول من كفر المسلمين بالذنوب، ويكفرون من خالفهم في بدعتهم، ويستحلون دمه وماله.
قال البخاري رحمه الله تعالى في "صحيحه": "وكان ابن عمر رضي الله
عنهما يراهم شر خلق الله، وقال: إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين". انتهى.
وحكي عنهم أنهم لا يتبعون النبي صلى الله عليه وسلم إلا فيما بلغه عن الله تعالى من القرآن والسنة المفسرة له، وأما ظاهر القرآن إذا خالفه الرسول فلا يعملون إلا بظاهره. ذكر ذلك شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى.
ولهذا كانوا مارقين، مرقوا من الإسلام مروق السهم من الرمية؛ كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم.
وقد تواترت الأحاديث في ذكر الخوارج، وصحت من نحو من أربعين وجها، وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.
وبدعة الخوارج هي أول بدعة حدثت في الإسلام، وأول قرن طلع منهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو «ذو الخويصرة التميمي، الذي اعترض على النبي صلى الله عليه وسلم، وطعن عليه في قسمته العادلة بالاتفاق، وقال له في وجهه: اتق الله واعدل؛ فإنك لم تعدل! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ويلك! ومن يعدل إذا لم أكن أعدل» ؟ ! ، وسيأتي هذا الحديث قريبا إن شاء الله تعالى.
رواه: الإمام أحمد، والطبراني. وإسناد أحمد صحيح على شرط مسلم.
رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".
رواه أبو يعلى، والآجري؛ من طرق عن أنس رضي الله عنه، وكلها ضعيفة، وأحسنها ما رواه أبو يعلى من طريق يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه، قال الهيثمي:" يزيد الرقاشي ضعفه الجمهور، وفيه توثيق لين، وبقية رجاله رجال الصحيح". قال: "وقد صح قبله حديث أبي بكرة وأبي سعيد رضي الله عنهما". قال: "رواه البزار باختصار، ورجاله وثقوا على ضعف في بعضهم".
رواه أبو يعلى. قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح".
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والشيخان، وأبو داود، والنسائي.
وفي رواية للشيخين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: «بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهبية في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها. قال: فقسمها بين أربعة نفر: بين عيينة بن بدر، وأقرع بن حابس، وزيد الخيل، والرابع إما علقمة بن علاثة وإما عامر بن الطفيل. فقال رجل من أصحابه: كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء. قال: فبلغ ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحًا ومساءً؟ ! ". قال: فقام رجل؛ غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز»
وفي رواية لأحمد والشيخين والنسائي في "خصائص علي رضي الله عنه" عن أبي سعيد رضي الله عنه؛ قال: «بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسمًا أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله! اعدل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ويلك! ومن يعدل إن لم أعدل؟ ! قد خبت وخسرت إن لم أعدل". فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله! ائذن لي فيه أضرب عنقه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعه؛ فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه؛ فلا يوجد فيه شيء - وهو القدح - ثم ينظر إلى قذذه؛ فلا يوجد فيه شيء، سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة (أو مثل البضعة) تدردر،»
«يخرجون على حين فرقة من الناس» . قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتمس، فوجد، فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نعت.
هذا لفظ مسلم، وزاد أحمد والبخاري: قال: فنزلت فيه: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} .
قوله: «يخرج من ضئضئ هذا» .
قال الخطابي وابن الأثير وغيرهما: "الضئضئ الأصل". قال الخطابي: "يريد أنه يخرج من نسله الذين هو أصلهم، أو يخرج من أصحابه وأتباعه الذين يقتدون به ويبنون رأيهم ومذهبهم على أصل قوله".
قلت: وهذا الأخير أرجح، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم:«إن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم» ، وقوله في الحديث الآخر:«إن له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه» .
وهذا هو اختيار ابن كثير؛ قال: "لأن الخوارج لم يكونوا من سلالته، ولا أعلم أحدا منهم من نسله، وإنما أراد: "من ضئضئ هذا"؛ أي: من شكله وعلى صفته". انتهى.
وقد اختلف في معنى قوله: "قد خبت وخسرت"؛ بناء على اختلاف الرواية في ضبط هذين الحرفين، فروي بضم المثناة.
قال الحافظ ابن حجر في "فتح البارى": "بضم المثناة للأكثر، ومعناه ظاهر ولا محذور فيه، والشرط لا يستلزم الوقوع؛ لأنه ليس ممن لا يعدل حتى يحصل له الشقاء، بل هو عادل فلا يشقى، وحكى عياض فتحها، ورجحه
النووي، وحكاه الإسماعيلي عن رواية شيخه المنيعي من طريق عثمان بن عمر عن قرة، والمعنى: لقد شقيت؛ أي: ضللت أنت أيها التابع حيث تقتدي بمن لا يعدل أو حيث تعتقد في نبيك هذا القول الذي لا يصدر عن مؤمن". انتهى.
واختار هذا القول الأخير أبو العباس ابن تيمية وابن القيم رحمة الله عليهما:
قال شيخ الإسلام أبو العباس رحمه الله تعالى: " إذا جوز أن الرسول يجوز أن يخون ويظلم فيما ائتمنه الله عليه من الأموال وهو معتقد أنه أمين الله على وحيه؛ فقد اتبع ظالما كاذبا، وجوز أن يخون ويظلم فيما ائتمنه من المال من هو صادق أمين فيما ائتمنه الله عليه من خبر السماء، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيأمنني من في السماء ولا تأمنوني؟ !» ، أو كما قال؛ يقول صلى الله عليه وسلم: إن أداء الأمانة في الوحي أعظم، والوحي الذي أوجب الله طاعته هو الوحي بحكمه وقسمته". انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في "تهذيب السنن": "الصواب فتح التاء من "خبت وخسرت"، والمعنى: إنك إذا خائب خاسر إن كنت تقتدي في دينك بمن لا يعدل، وتجعله بينك وبين الله، ثم تزعم أنه ظالم غير عادل، ومن رواه بضم التاء لم يفهم معناه هذا". انتهى.
قلت: وضم التاء أرجح من نصبها لوجوه:
أحدها: أنه رواية الأكثر.
الثاني: ما جاء في "صحيح ابن حبان " في هذا الحديث: أن «الرجل لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: اعدل؛ فإنك لم تعدل. قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا ويلي! لقد شقيت إن لم أعدل» . فظاهر هذا السياق يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم عنى بذلك نفسه.
الثالث: أن في توجيه المعنى على النصب تكلفا، وأما الرفع؛ فليس فيه تكلف.
الرابع: أن الرفع يتأيد بأدلة كثيرة من القرآن:
كقوله تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} .
وقوله تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .
وقوله تعالى: {قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} .
وقوله تعالى: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ} .
وقوله تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} .
وقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} .
وقوله تعالى: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} .
وقوله تعالى: {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} .
والمعنى في هذه الآيات وفي الحديث أيضا: أنه لو فرض وجود الشرط؛ لكان المشروط، ولكن هذا كله محال وممتنع في حق الله تعالى وحق رسوله صلى الله عليه وسلم، والشرط لا يلزم منه الوقوع ولا الجواز أيضا؛ فإن الله سبحانه وتعالى أحد
صمد لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يكن له كفوا أحد، تعالى وتقدس وتنزه عما يقول الظالمون علوا كبيرا، وقد عصم الله تبارك وتعالى رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم من الشرك والظلم والجور والغي والضلال ومتابعة أهواء اليهود والنصارى والمشركين، وبرأه من كل نقص وعيب، وكذلك سائر الأنبياء والمرسلين؛ فكلهم معصومون مبرؤون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
والمقصود هنا أن توجيه المعنى على الرفع صحيح ولا محذور فيه. والله أعلم.
رواه الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
وعن أبي سلمة وعطاء بن يسار: أنهما أتيا أبا سعيد الخدري رضي الله عنه، فسألاه عن الحرورية: هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها؟ قال: لا أدري من الحرورية، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«يخرج في هذه الأمة (ولم يقل منها) قوم تحتقرون صلاتكم مع صلاتهم، فيقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم (أو حناجرهم) ، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، فينظر الرامي إلى سهمه إلى نصله إلى رصافه، فيتمارى في الفوقة هل علق بها من الدم شيء» .
متفق عليه.
وقد رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه؛ من حديث أبي سلمة عن أبي سعيد رضي الله عنه بنحوه.
وفي رواية لأحمد والبخاري عن أبي سلمة عن أبي سعيد رضي الله عنه: أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج فيكم قوم؛ تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وأعمالكم مع أعمالهم؛ يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية؛ ينظر في النصل فلا يرى شيئًا، ثم ينظر في القدح فلا يرى شيئًا، ثم ينظر في الريش فلا يرى شيئًا، ويتمارى في الفوق» .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، والنسائي في "خصائص علي رضي الله عنه ".
وفي رواية لهم عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين، يقتلها أولى الطائفتين بالحق» .
ورواه أبو داود الطيالسي في "مسنده"، ولفظه: قال: «تكون فرقة بين»
«طائفتين من أمتي، تمرق بينهما مارقة، تقتلها أولى الطائفتين بالحق» . وفي رواية لمسلم: «تكون في أمتي فرقتان، فتخرج من بينهما مارقة، يلي قتلهم أولاهم بالحق» .
ورواه الإمام أحمد، ولفظه: قال: «لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، دعواهما واحدة، تمرق بينهما مارقة، يقتلها أولاهما بالحق» .
ورواه الحاكم في "مستدركه" من حديث عبد الملك بن أبي نضرة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه مال، فجعل يضرب بيده فيه، فيعطي يمينًا وشمالًا، وفيهم رجل مقلص الثياب، ذو سيماء، بين عينيه أثر السجود، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب بيده يمينًا وشمالًا، حتى نفد المال، فلما نفد المال؛ ولى مدبرًا، وقال: والله ما عدلت منذ اليوم. قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلب كفيه ويقول: "إذا لم أعدل؛ فمن ذا يعدل بعدي؟ ! أما إنه ستمرق مارقة، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، ثم لا يعودون إليه حتى يرجع السهم على فوقه، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يحسنون القول ويسيئون الفعل، فمن لقيهم فليقاتلهم، فمن قتلهم فله أفضل الأجر، ومن قتلوه فله أفضل الشهادة، هم شر البرية، برئ الله منهم، يقتلهم أولى الطائفتين بالحق» .
قال الحاكم: "صحيح، ولم يخرجاه بهذه السياقة"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن الضحاك المشرقي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكر فيه قومًا يخرجون على فرقة من الناس مختلفة؛ يقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق.
رواه: الإمام أحمد، ومسلم.
وعن معبد بن سيرين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «يخرج ناس من قبل المشرق، ويقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه حتى يعود السهم إلى فوقه. قيل: ما سيماهم؟ قال: "سيماهم التحليق (أو قال: التسبيد) » .
رواه: الإمام أحمد، والبخاري، وعبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة".
(التسبيد) : بمعنى التحليق: قال أبو داود: " (التسبيد) : استئصال الشعر". وقال الجوهري: " (تسبيد الرأس) : استئصال شعره. و (التسبيد) أيضا: ترك الادهان ". وكذا قال ابن الأثير وغيره من أهل اللغة.
وعن يزيد الفقير؛ قال: قلت لأبي سعيد: إن منا رجالا هم أقرؤنا للقرآن، وأكثرنا صلاة، وأوصلنا للرحم، وأكثرنا صوما، خرجوا علينا بأسيافهم. فقال أبو سعيد رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» .
رواه الإمام أحمد، قال ابن كثير:"وإسناده لا بأس به، رجاله كلهم ثقات".
وعن عاصم بن شميخ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حلف واجتهد في اليمين؛ قال: «والذي نفس أبي القاسم بيده؛ ليخرجن قوم من أمتي؛ تحقرون أعمالكم مع أعمالهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية. قالوا: فهل من علامة يعرفون بها؟ قال: "فيهم رجل ذو يدية (أو ثدية) ، محلقي رؤوسهم» . قال أبو سعيد: فحدثني عشرون أو بضع وعشرون من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم: أن عليا رضي الله عنه ولي قتلهم. قال: فرأيت أبا سعيد بعدما كبر ويداه ترتعش يقول: قتالهم أحل عندي من قتال عدتهم من الترك.
رواه الإمام أحمد، وإسناده حسن.
وظاهر هذا الحديث يدل على أن أبا سعيد رضي الله عنه لم يشهد قتال الخوارج، والصحيح أنه قد شهد قتالهم؛ لما رواه الإمام أحمد والشيخان عن أبي سعيد رضي الله عنه: أنه قال: "أشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قاتلهم وأنا معه......" الحديث، وقد تقدم ذكره، وهو مقدم على ما في هذه الرواية، ويحتمل أن يكون المراد بتحديث العشرين أو البضع والعشرين أنهم شهدوا عند أبي سعيد رضي الله عنه بمثل ما شهد به هو من قتال علي رضي الله عنه للخوارج، وحينئذ فلا منافاة بين الروايتين. والله أعلم.
وعن قتادة عن أبي سعيد الخدري وأنس بن مالك رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون في أمتي اختلاف وفرقة؛ قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون حتى يرتد السهم على فوقه، هم شر الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم أو قتلوه، يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم. قالوا: يا رسول الله! ما سيماهم؟ قال: "التحليق» .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والحاكم في "مستدركه"، وهذا لفظ أحمد. وصححه الحاكم عن أنس رضي الله عنه، وقال:"على شرط الشيخين".
قال المنذري: "قتادة لم يسمع من أبي سعيد وسمع من أنس بن مالك. وقال الحاكم: لم يسمع هذا الحديث قتادة من أبي سعيد الخدري، إنما سمعه
من أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد. ثم ساق بإسناده عن قتادة عن على الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «مثلهم مثل رجل يرمي رمية، فيتوخى السهم حيث وقع، فأخذه، فنظر إلى فوقه فلم ير به دسمًا ولا دمًا، ثم نظر إلى ريشه فلم ير به دسمًا ولا دمًا، ثم نظر إلى نصله فلم ير به دسمًا ولا دمًا» ؛ كما لم يتعلق به شيء من الدسم والدم كذلك لم يتعلق هؤلاء بشيء من الإسلام".
ورواه الحاكم أيضا من حديث أنس وحده بنحو ما تقدم عنه وعن أبي سعيد، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه "، وأقره الذهبي في "تلخيصه".
ورواه أبو داود في "سننه" عن الحسن بن علي (يعني: الحلواني) عن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه (أي: نحو ما تقدم عن أبي سعيد وأنس رضي الله عنهما ، وقال:«سيماهم التحليق والتسبيد، فإذا رأيتموهم فأنيموهم» .
إسناده صحيح على شرط الشيخين.
ورواه ابن ماجه عن بكر بن خلف أبي بشر عن عبد الرزاق بنحوه مختصرا ولفظه: قال: «يخرج قوم في آخر الزمان (أو: في هذه الأمة) ؛ يقرؤون القرآن، لا يجاوز تراقيهم (أو: حلوقهم) ، سيماهم التحليق، إذا رأيتموهم (أو: إذا لقيتموهم) ؛ فاقتلوهم» .
إسناده صحيح.
ورواه الحاكم من طريق هشام بن يوسف الصنعاني عن معمر عن قتادة عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، وسيجيء قوم يعجبونكم وتعجبهم أنفسهم، الذين يقتلونهم أولى بالله منهم،»
«يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يدعون إلى الله وليسوا من الله في شيء، فإذا لقيتموهم؛ فأنيموهم. قالوا: يا رسول الله! انعتهم لنا. قال: "آيتهم الحلق والتسبيت» ؛ يعني: استئصال التقصير. قال: والتسبيت استئصال الشعر.
قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن مقسم مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل؛ قال: خرجت أنا وتليد ابن كلاب الليثي حتى أتينا عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما وهو يطوف بالبيت معلقا نعليه بيده، فقلنا له: هل حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كلمه التميمي يوم حنين؟ قال: نعم؛ «أقبل رجل من بني تميم، يقال له: ذو الخويصرة، فوقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعطي الناس؛ قال: يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أجل؛ فكيف رأيت؟ ". قال: لم أرك عدلت. قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "ويحك! إن لم يكن العدل عندي؛ فعند من يكون؟ ! ". فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله! ألا نقتله؟ قال: "لا؛ فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية؛ ينظر في النصل فلا يوجد شيء، ثم في القدح؛ فلا يوجد شيء، ثم في الفوق؛ فلا يوجد شيء، سبق الفرث والدم» .
رواه: الإمام أحمد، والطبراني باختصار. قال الهيثمي:"ورجال أحمد ثقات".
وعن عقبة بن وساج؛ قال: كان صاحب لي يحدثني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما في شأن الخوارج، فحججت، فلقيت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، فقلت: إنك بقية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد جعل الله
عندك علما، إن ناسا يطعنون على أمرائهم ويشهدون عليهم بالضلالة؟ قال: على أولئك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، «أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسقاية من ذهب أو فضة، فجعل يقسمها بين أصحابه، فقام رجل من أهل البادية، فقال: يا محمد! لئن كان الله أمرك بالعدل؛ فلم تعدل. فقال: "ويلك! فمن يعدل عليكم بعدي؟ ! ". فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في أمتي أشباه هذا؛ يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، فإن خرجوا فاقتلوهم، ثم إن خرجوا فاقتلوهم (قال ذلك ثلاثًا) » .
رواه البزار. قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح".
وعن شريك بن شهاب؛ قال: كنت أتمنى أن ألقى رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدثني عن الخوارج، فلقيت أبا برزة رضي الله عنه في يوم عرفة في نفر من أصحابه، فقلت: يا أبا برزة! حدثنا بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله في الخوارج. قال: أحدثك بما سمعت أذناني ورأت عيناي: «أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنانير، فكان يقسمها، وعنده رجل أسود مطموم الشعر، عليه ثوبان أبيضان، بين عينيه أثر السجود، فتعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه من قبل وجهه؛ فلم يعطه شيئًا، فأتاه من قبل يمينه؛ فلم يعطه شيئًا، ثم أتاه من خلفه؛ فلم يعطه شيئًا، فقال: والله يا محمد ما عدلت في القسمة منذ اليوم. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبًا شديدًا، ثم قال: "والله لا تجدون بعدي أحدًا أعدل عليكم مني" قالها ثلاثًا، ثم قال: "يخرج من قبل المشرق رجال، كأن هذا منهم، هديهم هكذا؛ يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لا يرجعون إليه (ووضع يده على صدره) ، سيماهم التحليق، لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم، فإذا رأيتموهم فاقتلوهم (قالها ثلاثًا) ؛ شر الخلق والخليقة (قالها ثلاثًا) » .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والنسائي، والحاكم في
"مستدركه"، وهذا لفظ أحمد، وفي رواية له:«لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم مع الدجال» . ورواه: أبو داود الطيالسي، والنسائي؛ بنحوه.
فيه الأزرق بن قيس: قال الهيثمي: "وثقه ابن حبان وبقية رجاله رجال الصحيح". وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي في "تلخيصه".
وعن عامر بن واثلة رضي الله عنه؛ قال: «لما كان يوم حنين أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل مجزوز الرأس (أو: محلوق الرأس) ؛ قال: ما عدلت. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فمن يعدل إذا لم أعدل أنا؟ ! " قال: فغفل عن الرجل، فذهب، فقال: "أين الرجل؟ ". فطلب، فلم يدرك، فقال: "إنه سيخرج في أمتي قوم سيماهم سيما هذا، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر في قدحه فلم ير شيئًا، ينظر في رصافه فلم ير شيئًا، ينظر في فوقه فلم ير شيئًا"» . رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".
وعن شهر بن حوشب؛ قال: لما جاءتنا بيعة يزيد بن معاوية قدمت الشام، فأخبرت بمقام يقومه نوف فجئته؛ إذ جاء رجل فاشتد الناس، عليه خميصة، وإذا هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، فلما رآه نوف؛ أمسك عن الحديث، فقال عبد الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنها ستكون هجرة بعد هجرة، ينحاز الناس إلى مهاجر إبراهيم، لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها، تلفظهم أرضوهم، تقذرهم نفس الله، تحشرهم النار مع القردة والخنازير، تبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا، وتأكل من تخلف» .
قال: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيخرج أناس من أمتي من قبل المشرق؛ يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج منهم قرن قطع، كلما خرج منهم قرن قطع، (حتى عدها زيادة على عشر مرات: كلما خرج منهم قرن قطع) ،»
رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: "وشهر ثقة، وفيه كلام لا يضر، وبقية رجاله رجال الصحيح".
وقد رواه: أبو داود الطيالسي في "مسنده"، والحاكم في "مستدركه"، وأبو نعيم في "الحلية"؛ بنحوه. وقال الحاكم:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وروى أبو داود في "سننه" طرفا من أوله.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج من أمتي قوم يسيئون الأعمال، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يحقر أحدكم عمله مع عملهم، يقتلون أهل الإسلام، فإذا خرجوا فاقتلوهم؛ فطوبى لمن قتلهم وطوبى لمن قتلوه، كلما طلع منهم قرن قطعه الله، كلما طلع منهم قرن قطعه الله، كلما طلع منهم قرن قطعه الله (فردد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين مرة أو أكثر وأنا أسمع) » .
رواه الإمام أحمد بهذا اللفظ، وإسناده ضعيف.
وقد رواه ابن ماجه بإسناد صحيح على شرط البخاري، ولفظه: قال: «ينشأ نشء، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج قرن قطع (قال ابن عمر رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كلما خرج قرن قطع؛ أكثر من عشرين مرة) ، حتى يخرج في عراضهم الدجال» .
وعن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن بعدي من أمتي (أو: سيكون بعدي من أمتي) قوم يقرؤون القرآن؛ لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية،»
«ثم لا يعودون فيه، وهم شر الخلق والخليقة» . فقال ابن الصامت: فلقيت رافع بن عمرو الغفاري أخا الحكم الغفاري. قلت: ما حديث سمعته من أبي ذر كذا وكذا (فذكرت له هذا الحديث) ؟ فقال: وأنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وابن ماجه.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج قوم في آخر الزمان: سفهاء الأحلام، أحداث (أو حدثاء) الأسنان، يقولون من خير قول الناس، يقرؤون القرآن بألسنتهم لا يعدو تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فمن أدركهم فليقتلهم؛ فإن في قتلهم أجرًا عظيمًا عند الله لمن قتلهم» .
رواه: الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي:" هذا حديث حسن صحيح".
وعن سويد بن غفلة؛ قال: قال علي رضي الله عنه: إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلأن أخر من السماء أحب إلي من أن أقول عليه ما لم يقل، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«سيخرج في آخر الزمان قوم: أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرًا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة» .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود الطيالسي، وأبو داود السجستاني، والنسائي.
وعن سويد بن غفلة أيضا عن علي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر الزمن قوم: يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من»
«الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، قتالهم حق على كل مسلم» .
رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط الشيخين، ورواه النسائي في "خصائص علي رضي الله عنه " بنحوه، وزاد في رواية:«سيماهم التحليق» .
وعن زيد بن وهب الجهني: أنه كان في الجيش الذين كانوا مع علي رضي الله عنه الذين ساروا إلى الخوارج، فقال علي رضي الله عنه: أيها الناس! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج قوم من أمتي يقرؤون القرآن، ليس قراءتكم إلى قراءتهم بشيء، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشيء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشيء، يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم صلى الله عليه وسلم؛ لاتكلوا على العمل، وآية ذلك أن فيهم رجلًا له عضد وليس له ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثدي، عليه شعرات بيض» . فذكر الحديث في قتلهم الخوارج؛ قال: وقتل بعضهم على بعض، وما أصيب من الناس يومئذ إلا رجلان، فقال علي رضي الله عنه: التمسوا فيهم المخدج. فالتمسوه فلم يجدوه. فقام علي رضي الله عنه بنفسه، حتى أتى ناسا قد قتل بعضهم على بعض، قال: أخروهم، فوجدوه مما يلي الأرض، فكبر ثم قال: صدق الله وبلغ رسوله. قال: فقام إليه عبيدة السلماني، فقال: يا أمير المؤمنين! آلله الذي لا إله إلا هو؛ لسمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: إي والله الذي لا إله إلا هو. حتى استحلفه ثلاثا وهو يحلف له.
رواه: مسلم، وأبو داود، والنسائي في "خصائص علي رضي الله عنه "، وعبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد المسند" وروايته مختصرة ورواه أيضا في كتاب "السنة" مطولا بنحو رواية مسلم، وأبي داود.
وعن محمد بن سيرين عن عبيدة: عن علي رضي الله عنه: "أنه ذكر الخوارج، فقال: فيهم رجل مخدج اليد (أو: مودن اليد، أو: مثدون اليد) ، لولا أن تبطروا لحدثتكم بما وعد الله الذين يقتلونهم على لسان محمد صلى الله عليه وسلم. قال: قلت: آنت سمعته من محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: إي ورب الكعبة، إي ورب الكعبة، إي ورب الكعبة".
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم، وابن ماجه، وعبد الله ابن الإمام أحمد، والنسائي في "خصائص علي رضي الله عنه ".
قال وكيع: " (مودن اليد) : ناقص اليد، و (المخدج) : ضامره، و (مثدون اليد) : فيها شعرات زائدة".
رواه عنه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة".
وقال ابن الأثير: " (مثدون اليد) ؛ أي: صغير اليد مجتمعها، و (المثدن) و (المثدون) : الناقص الخلق".
وعن عبيد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن الحرورية لما خرجت وهو مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ قالوا: لا حكم إلا لله. قال علي رضي الله عنه: كلمة حق أريد بها باطل؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف ناسا إني لأعرف صفتهم في هؤلاء، يقولون الحق بألسنتهم، لا يجوز هذا منهم (وأشار إلى حلقه) ، من أبغض خلق الله إليه، منهم أسود، إحدى يديه طبي شاة أو حلمة ثدي. فلما قتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ قال: انظروا. فنظروا، فلم يجدوا شيئا. فقال: ارجعوا، فوالله ما كذبت ولا كذبت (مرتين أو ثلاثا) . ثم وجدوه في خربة، فأتوا به حتى وضعوه بين يديه". قال عبيد الله: وأنا حاضر ذلك من أمرهم وقول علي فيهم.
رواه: مسلم، والنسائي في "خصائص علي رضي الله عنه "، وأبو بكر
الآجري في كتاب "الشريعة".
وزاد مسلم في رواية عن ابن حنين: أنه قال: "رأيت ذلك الأسود".
وعن أبي كثير مولى الأنصار؛ قال: "كنت مع سيدي مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث قتل أهل النهروان، فكأن الناس وجدوا في أنفسهم من قتلهم، فقال علي رضي الله عنه: يا أيها الناس! إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حدثنا بأقوام يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون فيه أبدا حتى يرجع السهم على فوقه، وإن آية ذلك أن فيهم رجلا أسود مخدج اليد، إحدى يديه كثدي المرأة، لها حلمة كحلمة ثدي المرأة، حوله سبع هلبات؛ فالتمسوه؛ فإني أراه فيهم، فالتمسوه، فوجدوه إلى شفير النهر تحت القتلى، فأخرجوه، فكبر علي رضي الله عنه، فقال: الله أكبر! صدق الله ورسوله. وإنه لمتقلد قوسا له عربية، فأخذها بيده، فجعل يطعن بها في مخدجته، ويقول: صدق الله ورسوله. وكبر الناس حين رأوه واستبشروا، وذهب عنهم ما كانوا يجدون".
رواه الإمام أحمد.
وعن طارق بن زياد؛ قال: خرجنا مع علي رضي الله عنه إلى الخوارج، فقتلهم، ثم قال: انظروا؛ فإن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه سيخرج قوم يتكلمون بالحق، لا يجوز حلوقهم، يخرجون من الحق كما يخرج السهم من الرمية، سيماهم أن منهم رجلًا أسود مخدج اليد، في يده شعرات سود» ، إن كان هو فقد قتلتم شر الناس، وإن لم يكن هو فقد قتلتم خير الناس، فبكينا، ثم قال: اطلبوا. فطلبنا، فوجدنا المخدج، فخررنا سجودا، وخر علي رضي الله عنه معنا ساجدا.
رواه: الإمام أحمد، والنسائي في "خصائص علي رضي الله عنه ".
وعن أبي جحيفة رضي الله عنه؛ قال: "قال علي رضي الله عنه حين فرغ من الحرورية: إن فيهم رجلا مخدج اليد، ليس على عضده عظم، في عضده حلمة كحلمة الثدي، عليها شعرات طوال عقف، فالتمس، فلم يوجد. قال: وأنا فيمن يلتمس، فما رأيت عليا رضي الله عنه جزع قط أشد من جزعه يومئذ. قالوا: ما نجده يا أمير المؤمنين! قال: ما اسم هذا المكان؟ قالوا: النهروان. قال: كذبتم؛ إنه لفيهم فالتمسوه. قال: فثورنا القتلى فلم نجده، فعدنا إليه فقلنا: يا أمير المؤمنين! ما نجده. قال: ما اسم هذا المكان؟ قلنا: النهروان. قال: صدق الله ورسوله وكذبتم؛ إنه لفيهم فالتمسوه. فالتمسناه، فوجدناه في ساقية، فجئنا به، فنظرت إلى عضده ليس فيها عظم وعليها كحلمة ثدي المرأة عليها شعرات طوال عقف".
رواه: عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة"، والخطيب البغدادي في "تاريخه".
وعن أبي الوضيء (واسمه عباد بن نسيب) ؛ قال: "شهدت عليا حيث قتل أهل النهروان؛ قال: التمسوا لي المخدج. فطلبوه في القتلى، فقالوا: ليس نجده. فقال: ارجعوا فالتمسوا، فوالله ما كذبت ولا كذبت. فرجعوا فطلبوه، فردد ذلك مرارا، كل ذلك يحلف بالله ما كذبت ولا كذبت، فانطلقوا فوجدوه تحت القتلى في طين، فاستخرجوه، فجيء به". فقال أبو الوضيء: "فكأني أنظر إليه؛ حبشي عليه ثدي، قد طبق إحدى يديه مثل ثدي المرأة، عليها شعرات مثل شعرات تكون على ذنب اليربوع".
رواه: أبو داود الطيالسي، وأبو داود السجستاني، وعبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد المسند"؛ بأسانيد صحيحة.
وفي رواية لعبد الله: "قال علي رضي الله عنه: لا يأتيكم أحد يخبركم
من أبوه. فجعل الناس يقولون: هذا مالك، هذا مالك. يقول علي رضي الله عنه: ابن من هو؟ ".
وفي رواية له أخرى: "قال علي رضي الله عنه: أما إن خليلي أخبرني بثلاثة إخوة من الجن، هذا أكبرهم، والثاني له جمع كثير، والثالث فيه ضعف".
قال الهيثمي: "رجاله ثقات".
وقد رواه الحاكم في "مستدركه"، وساق هذه الروايات مساقا واحدا، وذكر قصة مجيء ذي الثدية إلى الكوفة، فقال بعد قوله:"فجعل الناس يقولون: هذا مالك، هذا مالك": "يقول علي رضي الله عنه: ابن من هو؟ يقولون: لا ندري؟ فجاء رجل من أهل الكوفة، فقال: أنا أعلم الناس بهذا، كنت أروض مهرة لفلان ابن فلان، شيخ من بني فلان، وأضع على ظهرها جوالق سهلة أقبل بها وأدبر؛ إذ نفرت المهرة، فناداني، فقال: يا غلام! انظر؛ فإن المهرة قد نفرت. فقلت: إني لأرى خيالا كأنه غراب أو شاة. إذ أشرف هذا علينا، فقال: من الرجل؟ فقال: رجل من أهل اليمامة. قال: وما جاء بك شعثا شاحبا؟ قال: جئت أعبد الله في مصلى الكوفة. فأخذ بيده، ما لنا رابع إلا الله، حتى انطلق به إلى البيت، فقال لامرأته: إن الله تعالى قد ساق إليك خيرا. قالت: والله إني إليه لفقيرة؛ فما ذلك؟ قال: هذا رجل شعث شاحب كما ترين، جاء من اليمامة ليعبد الله في مصلى الكوفة، فكان يعبد الله فيه ويدعو الناس، حتى اجتمع الناس إليه. فقال علي رضي الله عنه: أما إن خليلي صلى الله عليه وسلم أخبرني أنهم ثلاثة إخوة من الجن: هذا أكبرهم، والثاني له جمع كثير، والثالث فيه ضعف".
قال الحاكم: "صحيح الإسناد"، وأقره الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي سعيد رضي الله عنه؛ قال: «حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين وهو يقسم........ (فذكر الحديث إلى أن قال:) "علامتهم رجل يده كثدي المرأة،»
«كالبضعة تدردر، فيها شعرات، كأنها سبلة سبع» . قال أبو سعيد رضي الله عنه: فحضرت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وحضرت مع علي رضي الله عنه قتلهم بنهروان. قال: فالتمسه علي رضي الله عنه، فلم يجده. قال: ثم وجده بعد ذلك تحت جدار على هذا النعت، فقال علي رضي الله عنه: أيكم يعرف هذا؟ فقال رجل من القوم: نحن نعرفه، هذا حرقوص، وأمه هاهنا. قال: فأرسل علي رضي الله عنه إلى أمه، فقال: من هذا؟ فقالت: ما أدري يا أمير المؤمنين، إلا أني كنت أرعى غنما لي في الجاهلية بالربذة، فغشيني شيء كهيئة الظلمة، فحملت منه، فولدت هذا.
رواه أبو يعلى. قال الهيثمي: "وفيه أبو معشر نجيح، وهو ضعيف يكتب حديثه".
قلت: وحديث أبي الوضيء يشهد له ويقويه.
وعن أبي مريم (وهو قيس الثقفي المدائني) ؛ قال: حدثنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن قومًا يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، طوبى لمن قتلهم وقتلوه، علامتهم رجل مخدج اليد» .
رواه: أبو داود الطيالسي، وعبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد المسند" وهذا لفظه، ورواتهما ثقات.
وعنه أيضا؛ قال: "إن كان ذلك المخدج لمعنا يومئذ في المسجد، نجالسه بالليل والنهار، وكان فقيرا، ورأيته مع المساكين يشهد طعام علي رضي الله عنه مع الناس، وقد كسوته برنسا لي". قال أبو مريم: "وكان المخدج يسمى نافعا، ذا الثدية، وكان في يده مثل ثدي المرأة، على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي، وعليه شعيرات مثل سبالة السنور".
رواه أبو داود.
وعن عاصم بن كليب عن أبيه؛ قال: كنت جالسا عند علي رضي الله عنه، فقال: إني دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عنده أحد إلا عائشة، فقال:«" يابن أبي طالب! كيف أنت وقوم كذا وكذا؟ ". قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "قوم يخرجون من المشرق؛ يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، فيهم رجل مخدج اليد كأن يديه ثدي حبشية» .
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد المسند"، وفي "كتاب السنة"، وإسناده جيد.
ورواه: أبو يعلى بزيادة فيه، والبزار بنحوه، ولفظ أبي يعلى: قال: كنت جالسا عند علي رضي الله عنه وهو في بعض أمر الناس؛ إذ جاءه رجل عليه ثياب السفر، فقال: يا أمير المؤمنين! فشغل عليا رضي الله عنه ما كان فيه من أمر الناس. فقال كليب: قلت: ما شأنك؟ فقال: كنت حاجا أو معتمرا (قال: لا أدري أي ذلك) . قال: فمررت على عائشة رضي الله عنها، فقالت: من هؤلاء القوم الذين خرجوا قبلكم يقال لهم: الحرورية؟ قال: فقلت: في مكان يقال له: حروراء، فسموا بذلك: الحرورية. فقالت: طوبى لمن شهد هلكتهم، أما والله لو شاء ابن أبي طالب لأخبركم، فمن ثم جئت أسأل عن ذلك؟ قال: وفرغ علي رضي الله عنه، فقال: أين المستأذن؟ فقام فقص عليه مثل ما قص علي. قال: فأهل علي رضي الله عنه ثلاثا، ثم قال: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس عنده أحد إلا عائشة. قال: فقال لي: «يا علي! كيف أنت وقوم يخرجون بمكان كذا وكذا (وأومأ بيده نحو المشرق) ؛ يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم (أو تراقيهم) ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، فيهم»
«رجل مخدج اليد، كأن يده ثدي حبشية» . ثم قال: نشدتكم بالله الذي لا إله إلا هو أحدثتكم أنه فيهم؟ قالوا: نعم. فذهبتم، فالتمستموه، ثم جئتم به تسحبونه كما نعت لكم. قال: ثم قال: صدق الله ورسوله (ثلاث مرات) .
قال الهيثمي: "رجاله ثقات".
وقد رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة" بنحوه، ورواته ثقات.
وعن علي رضي الله عنه: أنه قال: "لقد علم أولو العلم من آل محمد وعائشة بنت أبي بكر - فاسألوها - أن أصحاب ذي الثدية ملعونون على لسان النبي الأمي صلى الله عليه وسلم (وفي رواية: أن أصحاب النهروان) ".
رواه الطبراني في "الصغير" و "الأوسط" بإسنادين. قال الهيثمي: "ورجال أحدهما ثقات".
وعن يزيد بن أبي زياد؛ قال: "سألت سعيد بن جبير عن أصحاب النهر؟ فقال: حدثني مسروق؛ قال: سألتني عائشة رضي الله عنها، فقالت: أبصرت أنت الرجل الذي يذكرون ذا الثدية؟ قلت: لم أره، ولكن قد شهد عندي من قد رآه. قالت: فإذا قدمت الأرض فاكتب إلي شهادة نفر قد رأوه أمناء، فجئت والناس أسباع، فكلمت من كل سبع عشرة ممن قد رآه، فقلت: كل هؤلاء عدول. فقالت: قاتل الله فلانا؛ فإنه كتب إلي أنه أصابه بمصر".
قال يزيد: وحدثني من سمع عائشة رضي الله عنها تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنهم شرار أمتي يقتلهم خيار أمتي» ، وما كان بيني وبينه إلا ما كان بين المرأة وأحمائها.
رواه أبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة"، ورواه البيهقي في "دلائل
النبوة" من طريق عامر الشعبي عن مسروق........ (فذكره بنحوه) ، وفي آخره أن عائشة رضي الله عنها بكت، فلما سكنت عبرتها؛ قالت: "رحم الله عليا؛ لقد كان على الحق، وما كان بيني وبينه إلا كما يكون بين المرأة وأحمائها".
وعن سعد بن أبي وقاص: «أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر (يعني: ذا الثدية الذي يوجد مع أهل النهروان) ، فقال: "شيطان الردهة، يحتدره رجل من بجيلة؛ يقال له: الأشهب (أو ابن الأشهب) ، علامة في قوم ظلمة» . قال سفيان: قال عمار الدهني حين حدث: جاء به رجل منا من بجيلة، فقال: أراه من دهن، يقال له: الأشهب (أو ابن الأشهب) .
رواه: الإمام أحمد، وابن أبي شيبة مختصرا، ويعقوب بن سفيان، وأبو يعلى، والبزار. قال الهيثمي:"ورجاله ثقات".
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، والنسائي، وهذا لفظ البخاري، وفي رواية لأحمد ومسلم: قال: «يتيه قوم قبل المشرق، محلقة رؤوسهم» .
وعن أنس رضي الله عنه؛ قال: ذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - ولم أسمعه منه -: «إن فيكم قومًا، يتعبدون فيدأبون حتى يعجب بهم الناس وتعجبهم أنفسهم، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية» .
رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح".
وعن مسلم بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: «سيخرج قوم أحداث، أحداء، أشداء، ذليقة ألسنتهم بالقرآن، يقرؤونه لا يجاوز تراقيهم، فإذا لقيتموهم فأنيموهم، ثم إذا لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإنه يؤجر قاتلهم» .
رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط مسلم، ورواه الطبراني والبزار والحاكم بنحوه، وقال الحاكم:"صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، وأقره الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي غالب؛ قال: رأى أبو أمامة رضي الله عنه رؤوسا منصوبة على درج مسجد دمشق، فقال:«كلاب النار، شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتلى من قتلوه (ثم قرأ: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} إلى آخر الآية) » . قلت لأبي أمامة: أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لو لم أسمعه إلا مرة، أو مرتين، أو ثلاثا، أو أربعا (حتى عد سبعا) ؛ ما حدثتكموه.
رواه: الإمام أحمد، والترمذي وقال:"هذا حديث حسن ".
ورواه ابن ماجه، ولفظه: قال: «شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء، وخير قتيل من قتلوا، كلاب أهل النار، قد كان هؤلاء مسلمين فصاروا كفارًا» . قلت: يا أبا أمامة! هذا شيء تقوله؟ قال: بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية لأحمد عن أبي غالب؛ قال: لما أتي برؤوس الأزارقة، فنصبت على درج دمشق؛ جاء أبو أمامة رضي الله عنه، فلما رآهم؛ دمعت عيناه، فقال:«كلاب النار (ثلاث مرات) ، هؤلاء شر قتلى قتلوا تحت أديم السماء، وخير قتلى قتلوا تحت أديم السماء الذين قتلهم هؤلاء» . قال: فقلت: فما شأنك دمعت عيناك؟ قال: رحمة لهم؛ إنهم كانوا من أهل الإسلام. قال: قلنا: أبرأيك قلت: هؤلاء كلاب النار، أو شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إني لجريء! بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا ثنتين ولا ثلاث. قال: فعد مرارا.
ورواه أبو داود الطيالسي في "مسنده" مختصرا، ورواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة" من طرق عن أبي غالب عن أبي أمامة رضي الله عنه.
ورواه الطبراني في "الصغير" من طريق الوليد بن مسلم: حدثنا خليد بن دعلج: حدثنا أبو غالب؛ قال: "جيء برؤوس الخوارج، فنصبت على درج مسجد دمشق، فجعل الناس ينظرون إليها وخرجت أنا أنظر إليها، فجاء أبو أمامة رضي الله عنه على حمار وعليه قميص سنبلاني، فنظر إليهم، فقال: ما صنع الشيطان بهذه الأمة (يقولها ثلاثا) ؟ شر قتلى تحت ظل السماء هؤلاء، خير قتلى تحت ظل السماء من قتله هؤلاء، كلاب النار (يقولها ثلاثا) ، ثم بكى، ثم انصرف. قال أبو غالب: فاتبعته، فقلت: سمعتك تقول قولا قبل، أفأنت قلته؟ فقال: سبحان الله! إني إذا لجريء! بل سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا. فقلت له: رأيتك بكيت، فقال: رحمة لهم، كانوا من أهل الإسلام مرة. ثم قال لي: أما تقرأ؟ قلت: بلى. قال: فاقرأ من آل عمران. فقرأت، فقال: أما تسمع قول الله عز وجل: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} ؟ كان في قلوب هؤلاء زيغ فزيغ بهم. اقرأ رأس المائة. فقرأت، حتى إذا بلغت: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} ، فقلت: يا أبا أمامة! أهم هؤلاء؟ قال: نعم؛ هم هؤلاء ".
وقد رواه الإمام أحمد من وجه آخر، فقال: حدثنا أبو سعيد (يعني: مولى بني هاشم) : حدثنا عبد الله بن بحير: حدثنا سيار؛ قال: جيء برؤوس من قبل العراق، فنصبت عند باب المسجد، وجاء أبو أمامة رضي الله عنه.... (فذكر الحديث بنحو ما تقدم في حديث أبي غالب) .
ورواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة" من وجه آخر، فقال: حدثني أبو خيثمة زهير بن حرب: حدثنا عمر بن يونس الحنفي: حدثنا عكرمة بن
عمار: حدثنا شداد بن عبد الله؛ قال: "وقف أبو أمامة وأنا معه على رؤوس الحرورية بالشام (فذكر نحو ما تقدم في حديث أبي غالب، وفيه:) فقال له رجل: رأيتك دمعت عيناك، فقال: رحمة رحمتهم، كانوا مؤمنين فكفروا بعد إيمانهم، ثم قرأ هذه الآية: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} ........... الآية ".
إسناده صحيح على شرط مسلم.
وقد رواه الحاكم في "مستدركه" من حديث عكرمة بن عمار، فذكره بنحوه، وقال:"صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
ورواه عبد الله أيضا من وجه آخر، فقال: حدثنا أبي: حدثنا أنس بن عياض (وهو أبو ضمرة المدني) ؛ قال: سمعت صفوان بن سليم يقول: "دخل أبو أمامة الباهلي دمشق، فرأى رؤوس الحرورية....... (فذكر نحو ما تقدم، وفيه:) قال: أبكي لخروجهم من الإسلام، هؤلاء الذين تفرقوا واتخذوا دينهم شيعا".
إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وعن أبي غالب عن أبي أمامة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخوارج كلاب النار» .
رواه الطبراني.
وعن سعيد بن جهمان؛ قال: "أتيت عبد الله بن أبي أوفى وهو محجوب البصر، فسلمت عليه، قال لي: من أنت؟ فقلت: أنا سعيد بن جهمان. قال:
فما فعل والدك؟ قال: قلت: قتلته الأزارقة. قال: لعن الله الأزارقة، لعن الله الأزارقة، «حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم كلاب النار» . قال: قلت: الأزارقة وحدهم أم الخوارج كلها؟ قال: بل الخوارج كلها".
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، وإسناده جيد.
وفي رواية لأحمد بن سعيد بن جُهْمَان؛ قال: "كنا نقاتل الخوارج وفينا عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه
…
(فذكر الحديث وفيه:) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «طوبى لمن قتلهم وقتلوه» .
إسناده جيد.
وعن الأعمش عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الخوارج هم كلاب النار» .
رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه، وأبو بكر الآجري، وأبو نعيم في "الحلية".
باب
ما جاء في الروافض والنواصب
أما الروافض فهم الذين أفرطوا في حب علي رضي الله عنه وحب أهل بيته، وزعموا أنهم شيعة أهل البيت، وليسوا كذلك، وسموا رافضة لرفضهم زيد بن علي بن الحسين لما ترحم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وقيل: لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. ذكره أبو الحسن الأشعري في كتاب "المقالات".
وقد حدثت بدعتهم في خلافة علي رضي الله عنه بعد بدعة الخوارج.
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى: " أول بدعة حدثت في الإسلام بدعة الخوارج والشيعة، حدثتا في أثناء خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فعاقب الطائفتين: أما الخوارج فقاتلوه فقتلهم، وأما الشيعة فحرق غاليتهم بالنار، وطلب قتل عبد الله بن سبأ، فهرب منه، وأمر بجلد من يفضله على أبي بكر وعمر ".
وقال الشيخ أيضا في موضع آخر: " ابن سبأ هو أول من ابتدع الرفض، وكان منافقا زنديقا، أراد إفساد دين الإسلام كما فعل بولص صاحب الرسائل التي بأيدي النصارى، حيث ابتدع لهم بدعا أفسد بها دينهم، وكان يهوديا فأظهر النصرانية نفاقا لقصد إفساد ملتهم، وكذلك كان ابن سبأ يهوديا فقصد ذلك وسعى في الفتنة، فلم يتمكن، لكن حصل بين المؤمنين تحريش وفتنة، فقتل فيها عثمان بن عفان رضي الله عنه، وتبع ابن سبأ جماعات على بدعته وضلالته، وقال هؤلاء: إن عليا رضي الله عنه لم يمت، وإنما الذي قتله عبد الرحمن بن ملجم شيطان، وأما علي ففي السحاب، والرعد صوته، والبرق سوطه، وأنه ينزل إلى الأرض ويملأها عدلا، ويقولون عند الرعد: عليك السلام يا أمير المؤمنين".
وقال الشيخ أيضا في موضع آخر: "لما حدثت بدع الشيعة في خلافة علي رضي الله عنه؛ ردها، وكانت ثلاث طوائف: غالية، وسبابة، ومفضلة: فأما الغالية فإنه حرقهم بالنار؛ فإنه خرج ذات يوم من باب كندة، فسجد له أقوام، فقال: ما هذا؟ فقالوا: أنت هو الله! فاستتابهم ثلاثا فلم يرجعوا، فأمر في اليوم الثالث بأخاديد فخدت، وأضرم فيها النار ثم قذفهم فيها. وأما السبابة؛ فإنه لما بلغه أن ابن سبأ يسب أبا بكر وعمر طلب قتله، فهرب إلى قرقيسيا. وأما المفضلة؛ فقال: لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر؛ إلا جلدته حد المفتري". انتهى.
وقد قال عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد المسند": حدثنا عثمان بن أبي شيبة: حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة؛ قال: "قلت للحسن بن علي رضي الله عنهما: إن الشيعة يزعمون أن عليا يرجع! قال: كذب؛ أولئك الكذابون، لو علمنا ذاك ما تزوج نساؤه، ولا قسمنا ميراثه".
إسناده جيد.
وقد رواه الحاكم في "مستدركه" من طريق زهير بن معاوية؛ قال: سمعت أبا إسحاق يحدث عن عمرو بن الأصم؛ قال: "قلت للحسن بن علي رضي الله عنهما: إن هذه الشيعة يزعمون أن عليا مبعوث قبل يوم القيامة! قال: كذبوا والله؛ ما هؤلاء بشيعته، لو علمنا أنه مبعوث ما زوجنا نساءه ولا اقتسمنا ماله".
وقال ابن جرير: حدثنا ابن حميد: حدثنا جرير عن حصين بن عبد الرحمن عن عمران بن الحارث؛ قال: "بينما نحن عند ابن عباس رضي الله عنهما؛ إذ جاءه رجل، فقال له: من أين جئت؟ قال: من العراق. قال: من أيه؟ قال: من الكوفة. قال: فما الخبر؟ قال: تركتهم يتحدثون أن عليا رضي الله عنه خارج إليهم، ففزع، ثم قال: ما تقول لا أبا لك؟ ! لو شعرنا ما أنكحنا نساءه ولا قسمنا ميراثه".
ورواه الحاكم في "مستدركه" من حديث جرير به، وقال الذهبي في "تلخيصه":"صحيح".
وأما النواصب: فهم الذين أفرطوا في بغض علي رضي الله عنه.
قال ابن منظور في "لسان العرب": "النواصب: قوم يتدينون ببغضة علي رضي الله عنه ".
وقال صاحب القاموس: "النواصب، والناصبية، وأهل النصب:
المتدينون ببغضة علي رضي الله عنه؛ لأنهم نصبوا له؛ أي: عادوه". انتهى.
وعن ربيعة بن ناجذ عن علي رضي الله عنه؛ قال: دعاني النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا علي! إن لك من عيسى مثلًا: أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه، وأحبته النصارى حتى أنزلوه بالمنزل الذي ليس به» .
رواه: البخاري في "التاريخ الكبير"، والنسائي في "خصائص علي "، وعبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد المسند" وفي كتاب "السنة" وزاد:" ألا وإنه يهلك في اثنان: محب مفرط يقرظني بما ليس في، ومبغض مفتر يحمله شنآني على أن يبهتني، ألا إني لست بنبي، ولا يوحى إلي، ولكني أعمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ما استطعت، فما أمرتكم به من طاعة الله فحق عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم"، ورواه الحاكم في "مستدركه" وزاد:"وما أمرتكم بمعصية أنا وغيري فلا طاعة لأحد في معصية الله عز وجل، إنما الطاعة في المعروف".
وعن زاذان عن علي رضي الله عنه؛ قال: "مثلي في هذه الأمة كمثل عيسى ابن مريم: أحبته طائفة فأفرطت في حبه فهلكت، وأبغضته طائفة فأفرطت في بغضه فهلكت، وأحبته طائفة فاقتصرت في حبه فنجت".
ذكره عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة".
وعن أبي البختري أو عبد الله بن سلمة؛ قال: قال علي رضي الله عنه: "يهلك في رجلان: محب مفرط، ومبغض مفتر".
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة".
وعن أبي السوار؛ قال: قال علي رضي الله عنه: "ليحبني قوم حتى يدخلوا النار في حبي، وليبغضني قوم حتى يدخلوا النار في بغضي".
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة".
وعن أبي مريم؛ قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: "يهلك في رجلان: مفرط غال، ومبغض قال".
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة".
وعن أبي جحيفة رضي الله عنه؛ قال: سمعت عليا رضي الله عنه على المنبر يقول: "هلك في رجلان: محب غال، ومبغض غال".
رواه أحمد بن منيع. قال في "كنز العمال": "ورواته ثقات".
وعن الشعبي؛ قال: لقيت علقمة، فقال:"أتدري ما مثل علي في هذه الأمة؟ قال: قلت: وما مثله؟ قال: مثل ابن مريم، أحبه قوم حتى هلكوا في حبه، وأبغضه قوم حتى هلكوا في بغضه".
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة".
وعن الشعبي أيضا عن علقمة؛ قال: "لقد غلت هذه الشيعة في علي كما غلت النصارى في عيسى ابن مريم ". وكان الشعبي يقول: لقد بغضوا إلينا حديث علي.
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة".
وعن علي رضي الله عنه؛ قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «إن قومًا لهم نبز، يقال لهم: الرافضة، إن أدركتهم فاقتلهم؛ فإنهم مشركون» . قال علي رضي الله عنه: ينتحلون حبنا أهل البيت وليسوا كذلك، وآية ذلك أنهم يشتمون أبا بكر وعمر.
رواه: عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة"، ورواه اللالكائي في "السنة" بنحوه، وروى ابن أبي عاصم في "السنة" وابن شاهين المرفوع منه
بنحوه، وزادا:«قلت: يا نبي الله! ما العلامة فيهم؟ قال: "يقرظونك بما ليس فيك، ويطعنون على أصحابي ويشتمونهم» .
وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يظهر في أمتي في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة، يرفضون الإسلام» .
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد المسند" وفي كتاب "السنة"، ورواه البخاري في "التاريخ الكبير"، ولفظه:«يكون قوم نبزهم الرافضة، يرفضون الدين» ، وفي رواية لعبد الله ابن الإمام أحمد:«يجيء قوم قبل قيام الساعة يسمون الرافضة، برآء من الإسلام» .
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: " تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، شرها فرقة تنتحل حبنا وتفارق أمرنا".
رواه أبو نعيم في "الحلية".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يكون في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة، يرفضون الإسلام، فإذا رأيتموهم فاقتلوهم؛ فإنهم مشركون» .
رواه: عبد بن حميد، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني. قال الهيثمي:"رجاله وثقوا وفي بعضهم خلاف".
وفي رواية للطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده علي رضي الله عنه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«يا علي! سيكون في أمتي قوم ينتحلون حب أهل البيت، لهم نبز، يسمون الرافضة؛ قاتلوهم فإنهم مشركون» .
قال الهيثمي: "إسناده حسن".
وعن أم سلمة رضي الله عنها؛ قالت: كانت ليلتي وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندي، فأتته فاطمة، فسبقها علي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«يا علي! أنت وأصحابك في الجنة، ألا إنه ممن يزعم أنه يحبك أقوام يرفضون الإسلام ثم يلفظونه، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، لهم نبز، يقال لهم: الرافضة، فإن أدركتهم فجاهدهم؛ فإنهم مشركون. قلت: يا رسول الله! ما العلامة فيهم؟ قال: "لا يشهدون جمعة ولا جماعة، ويطعنون على السلف الأول"» .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "وفيه الفضل بن غانم، وهو ضعيف".
وعن فاطمة رضي الله عنها؛ قالت: «نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي، فقال: "هذا في الجنة، وإن من شيعته أقوامًا يلفظون الإسلام ويرفضونه، لهم نبز، يسمون الرافضة، من لقيهم فليقتلهم؛ فإنهم مشركون» .
رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات؛ إلا أن زينب بنت علي لم تسمع من فاطمة فيما أعلم".
وعن علي رضي الله عنه؛ قال: "يخرج في آخر الزمان قوم لهم نبز، يقال لهم: الرافضة، يعرفون به، ينتحلون شيعتنا وليسوا من شيعتنا، وآية ذلك أنهم يشتمون أبا بكر وعمر، أينما أدركتموهم فاقتلوهم؛ فإنهم مشركون".
رواه اللالكائي.
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "يهلك فينا أهل البيت فريقان: محب مطر، وباهت مفتر".
رواه ابن أبي عاصم.
وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "اللهم العن كل مبغض لنا غال وكل محب
لنا غال".
رواه: ابن أبي شيبة، وابن أبي عاصم، واللالكائي في "السنة".
باب
ما جاء في القدرية والمرجئة
فأما القدرية؛ فقال يحيى بن أبي كثير: "هم الذين يقولون: إن الله لم يقدر الشر".
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة".
وقال الشافعي: "القدري: الذي يقول: إن الله لم يخلق الشر حتى عمل به". رواه أبو نعيم في "الحلية".
وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "القدرية: هم الذين يزعمون أن الاستطاعة والمشيئة والقدرة إليهم، وأنهم يملكون لأنفسهم الخير والشر، والضر والنفع، والطاعة والمعصية، والهدى والضلالة؛ بدءا من أنفسهم، من غير أن يكون سبق لهم ذلك من الله أو في علم الله، وقولهم يضارع قول المجوسية والنصرانية".
وقال ابن الأثير في "جامع الأصول": " القدرية في إجماع أهل السنة والجماعة: هم الذين يقولون: إن الخير من الله، والشر من الإنسان، وإن الله لا يريد أفعال العصاة، وسموا بذلك لأنهم أثبتوا للعبد قدرة توجد الفعل بانفرادها واستقلالها دون الله تعالى، ونفوا أن تكون الأشياء بقدر الله وقضائه". انتهى.
وقد حدثت بدعة القدرية في آخر عصر الصحابة، فأنكرها عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم، وكذلك أئمة
التابعين ومن بعدهم من الأئمة.
وأما المرجئة؛ فقال إسحاق بن منصور: "قلت لأحمد: فسر لي المرجئة. قال: المرجئة تقول: الإيمان قول".
ذكره القاضي أبو الحسين في "الطبقات".
ورأيت في عقيدة منسوبة للإمام أحمد ما نصه: " المرجئة: هم الذين يزعمون أن الإيمان مجرد التصديق، وأن الناس لا يتفاضلون في الإيمان، وأن إيمانهم وإيمان الملائكة والأنبياء واحد، وأن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وأن الإيمان ليس فيه استثناء، وأن من آمن بلسانه ولم يعمل فهو مؤمن حقا. هذا كله قول المرجئة، وهو أخبث الأقاويل".
وقال حرب بن إسماعيل الكرماني صاحب الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه في "مسائله" المشهورة: "من زعم أن الإيمان قول بلا عمل فهو مرجئ، ومن زعم أن الإيمان هو القول والأعمال شرائع؛ فهو مرجئ، ومن زعم أن الإيمان يزيد ولا ينقص؛ فقد قال بقول المرجئة، ومن لم ير الاستثناء في الإيمان؛ فهو مرجئ، ومن زعم أن إيمانه كإيمان جبريل والملائكة؛ فهو مرجئ، ومن زعم أنه المعرفة في القلب وإن لم يتكلم لها؛ فهو مرجئ".
وهذا الذي قاله حرب كله من كلام الإمام أحمد رحمه الله تعالى، وقد ساقه بهذا اللفظ القاضي أبو الحسين في ترجمة أحمد بن جعفر بن يعقوب أبي العباس الفارسي الإصطخري.
وقال ابن الأثير في "النهاية": "المرجئة فرقة من فرق الإسلام، يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة، سموا مرجئة لاعتقادهم أن الله أرجأ تعذيبهم على المعاصي؛ أي: أخره عنهم، والمرجئة تهمز ولا تهمز، وكلاهما بمعنى التأخير".
وقال أيضا في "جامع الأصول": " المرجئة طائفة من فرق المسلمين، يقولون: إنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة. وهذا مذهب سوء؛ أما في جانب الكفر فصحيح أنه لا ينفع معه طاعة، وأما في جانب الإيمان فكيف لا تضر معه المعاصي؟ ! والقائل بهذا يفتح باب الإباحة؛ فإن الإنسان إذا علم أنه لا تضره المعاصي مع إيمانه؛ ارتكب كل ما تحدثه به نفسه منها، علما أنها لا تضره، وهؤلاء هم أضداد القدرية؛ فإن من مذهبهم أن الكبيرة إذا لم يتب منها يخلد صاحبها في النار وإن كان مؤمنا.
فانظر إلى هذا الاختلاف العظيم والتناقض الزائد في الآراء والأهواء، وانظر كيف هدى الله أهل الحق والعدل إلى أقوم طريق، فأثبتوا للمعاصي جزاء، ونفوا الخلود في النار عليها، الذي هو جزاء الكافرين". انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "المرجئة؛ بضم الميم وكسر الجيم بعدها ياء مهموزة ويجوز تشديدها بلا همز: نسبوا إلى الإرجاء، وهو التأخير؛ لأنهم أخروا الأعمال عن الإيمان، فقالوا: الإيمان هو التصديق بالقلب فقط، ولم يشترط جمهورهم النطق، وجعلوا للعصاة اسم الإيمان على الكمال، وقالوا: لا يضر مع الإيمان ذنب أصلا، وإن إيمان الصديقين وغيرهم بمنزلة واحدة". انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في "الكافية الشافية":
"
وكذلك الإرجاء حين تقر بال
…
معبود تصبح كامل الإيمان
فارم المصاحف في الحشوش وخ
…
رب البيت العتيق وجد في العصيان
واقتل إذا ما اسطعت كل موحد
…
وتمسحن بالقس والصلبان
واشتم جميع المرسلين ومن أتوا
…
من عنده جهرا بلا كتمان
وإذا رأيت حجارة فاسجد لها
…
بل خر للأصنام والأوثان
وأقر أن الله جل جلاله
…
هو وحده الباري لذي الأكوان
وأقر أن رسوله حقا أتى
…
من عنده بالوحي والقرآن
فتكون حقا مؤمنا وجميع ذا
…
وزر عليك وليس بالكفران
هذا هو الإرجاء عند غلاتهم
…
من كل جهمي أخي الشيطان
"
وقد حدثت بدعة الإرجاء في آخر عصر الصحابة رضي الله عنهم بعد بدعة القدرية، وتكلم فيها آكابر التابعين ومن بعدهم من الأئمة، وأنكروا على أهلها، وصاحوا بهم من كل جانب، وبدعوهم وضللوهم، وحذروا منهم، واستقر الأمر عند أهل السنة والجماعة على أن الإيمان قول وعمل؛ يزيد بالطاعة، وينقص بالمعصية، وأن المؤمنين يتفاضلون في الإيمان، وأنه يستثنى فيه ويعاب على من لا يستثني.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة، والقدرية» .
رواه: الترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي:"هذا حديث حسن غريب". قال: "وفي الباب عن عمر وابن عمر ورافع بن خديج رضي الله عنهم".
ورواه ابن ماجه أيضا من حديث ابن عباس وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم؛ قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: أهل الإرجاء، وأهل القدر» .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة، والقدرية» .
رواه أبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة".
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أمتي لا يردان علي الحوض ولا يدخلان الجنة: القدرية، والمرجئة» .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح؛ غير هارون بن موسى الفروي، وهو ثقة".
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال أمر هذه الأمة مواتيًا أو مقاربًا (أو كلمة تشبهها) ما لم يتكلموا في الولدان والقدر» .
رواه: البزار، والطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وابن حبان في "صحيحه". قال الهيثمي:"ورجال البزار رجال الصحيح".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أخر الكلام في القدر لشرار هذه الأمة» .
رواه: البزار، والطبراني في "الأوسط"، ولفظه: قال: «أخر الكلام في القدر لشرار أمتي في آخر الزمان» . قال الهيثمي: "ورجال البزار في أحد الإسنادين رجال الصحيح؛ غير عمر بن أبي خليفة، وهو ثقة".
وعن أني بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «القدرية والمرجئة مجوس هذه الأمة؛ فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم» .
رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح؛ غير هارون بن موسى الفروي، وهو ثقة".
وعن أبي حازم عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم» .
رواه: أبو داود، والحاكم في "مستدركه" وقال:"صحيح على شرط الشيخين إن صح سماع أبي حازم من ابن عمر، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه". وقال المنذري:"هذا منقطع، أبو حازم سلمة بن دينار لم يسمع من ابن عمر، وقد روي هذا الحديث من طرق عن ابن عمر ليس فيها شيء يثبت". انتهى.
وقد روى هذا الحديث أبو بكر الآجري من طريقين عن أبي حازم عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، ولكن قال أبو داود:"إن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنكره من حديث أبي حازم عن نافع ".
ورواه الآجري أيضا من طريق الجعيد بن عبد الرحمن عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه سيكون في آخر الزمان قوم يكذبون بالقدر، ألا وأولئك مجوس هذه الأمة، فإن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم» .
ورواه الطبراني في "الصغير" من حديث الجعيد به.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مجوس هذه الأمة المكذبون بأقدار الله: إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم، وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم» .
رواه: ابن ماجه، والطبراني، والآجري باختصار، ورواته ثقات.
وقد أعل هذا الحديث بأن بقية بن الوليد عنعنه مع كثرة تدليسه، وهذا تعليل ضعيف؛ لأن بقية بن الوليد رواه عن الأوزاعي، وهو من شيوخه، وقد قال ابن عدي:"إذا حدث بقية عن أهل الشام فهو ثبت".
وعن مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكل أمة مجوسًا، وإن مجوس هذه الأمة القدرية؛ فلا تعودوهم إذا مرضوا،»
رواه أبو بكر الآجري في كتاب "الشريعة" من طريقين، رجال أحدهما رجال الصحيح.
وقد أعل هذا الحديث بالانقطاع؛ قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "لم يسمع مكحول من أبي هريرة ".
وعن عمر مولى غفرة عن رجل من الأنصار عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكل أمه مجوس، ومجوس هذه الأمة الذين يقولون: لا قدر؛ من مات منهم فلا تشهدوا جنازته، ومن مرض منهم فلا تعودوهم، وهم شيعة الدجال، وحق على الله أن يلحقهم بالدجال» .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، وأبو داود السجستاني، وعبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة". قال المنذري:" عمر مولى غفرة لا يحتج بحديثه، ورجل من الأنصار مجهول، وقد روي من طريق آخر عن حذيفة ولا يثبت". انتهى.
وعن حذيفة أيضا رضي الله عنه: أنه قال: "لتتبعن أمر من كان قبلكم حذو النعل بالنعل، لا تخطئون طريقتهم ولا تخطئكم، ولتنقصن عرى الإسلام عروة فعروة، ويكون أول نقضها الخشوع، حتى لا ترى خاشعا، وحتى يقول أقوام: ذهب النفاق من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فما بال صلوات الخمس؛ لقد ضل من كان قبلنا، حتى ما يصلون بصلاة نبيهم، أولئك المكذبون بالقدر، وهم أسباب الدجال، وحق على الله أن يمحقهم".
رواه: الآجري، والحاكم، وهذا لفظ الآجري.
ولفظ الحاكم: قال: "أول ما تفقدون من دينكم الخشوع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة، ولتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، وليصلين النساء
وهن حيض، ولتسلكن طريق من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، وحذو النعل بالنعل؛ لا تخطئون طريقهم ولا تخطئكم، حتى تبقى فرقتان من فرق كثيرة، فتقول إحداهما: ما بال الصلوات الخمس؟ لقد ضل من كان قبلكم؛ إنما قال الله تبارك وتعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} ؛ لا تصلوا إلا ثلاثا. وتقول الأخرى: إيمان المؤمنين بالله كإيمان الملائكة ما فينا كافر ولا منافق. حق على الله أن يحشرهما مع الدجال".
قال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وفي رواية للحاكم عن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "إني لأعلم أهل دينين من أمة صلى الله عليه وسلم في النار: قوم يقولون: إن كان أولنا ضلالا، ما بال خمس صلوات في اليوم والليلة؟ ! إنما هما صلاتان: العصر، والفجر. وقوم يقولون: إنما الإيمان كلام، وإن زنى وإن قتل".
قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "نلخيصه".
وقد رواه: عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة"، والآجري في كتاب "الشريعة" بنحوه.
وعن نافع قال: كان لابن عمر رضي الله عنهما صديق من أهل الشام يكاتبه، فكتب إليه مرة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إنه بلغني أنك تكلمت في شيء من القدر؛ فإياك أن تكتب إلي؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون في أمتي أقوام يكذبون بالقدر» .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، وعبد الله ابن الإمام أحمد، والحاكم وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وفي رواية لأحمد عن نافع؛ قال: بينما نحن عند عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قعودا؛ إذ جاء رجل، فقال: إن فلانا يقرأ عليك السلام (لرجل من أهل الشام) . فقال عبد الله: بلغني أنه أحدث حدثا، فإن كان كذلك فلا تقرأن عليه مني السلام؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«إنه سيكون في أمتي مسخ وقذف، وهو في الزنديقية والقدرية» .
إسناده صحيح على شرط مسلم.
ورواه الترمذي وابن ماجه بنحوه، وعندهما أن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يكون في هذه الأمة (أو: في أمتي) خسف أو مسخ أو قذف، في أهل القدر» . هذا لفظ الترمذي، وقال:"هذا حديث حسن صحيح غريب". وفي رواية ابن ماجه: «يكون في أمتي (أو في هذه الأمة) مسخ وخسف وقذف، وذلك في أهل القدر» . فأفادت رواية ابن ماجه أن (أو) في رواية الترمذي بمعنى الواو، وليست للشك.
وعن نافع؛ قال: "قيل لابن عمر رضي الله عنهما: إن قوما يقولون: لا قدر! فقال: أولئك القدريون، أولئك مجوس هذه الأمة".
رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة".
وعن عطاء بن أبي رباح؛ قال: "أتيت ابن عباس رضي الله عنهما وهو ينزع من زمزم وقد ابتلت أسافل ثيابه، فقلت له: قد تكلم في القدر، فقال: أوقد فعلوها؟ قلت: نعم. قال: فوالله ما نزلت هذه الآية إلا فيهم: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ، أولئك شرار هذه الأمة؛ فلا تعودوا مرضاهم، ولا تصلوا على موتاهم، إن رأيت أحدا منهم فقأت عينيه بأصبعي هاتين".
رواه ابن أبي حاتم.
وعن ابن زرارة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه تلا هذه الآية: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ؛ قال: نزلت في أناس من أمتي يكونون في آخر الزمان يكذبون بقدر الله» .
رواه ابن أبي حاتم.
باب
ما جاء في أهل الرأي والقياس
عن عوف بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم، فيحلون الحرام ويحرمون الحلال» .
رواه: الطبراني في "الكبير"، والبزار. قال الهيثمي:"ورجاله رجال الصحيح ". ورواه الحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاكموه انتزاعًا، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم، فيبقى ناس جهال، يستفتون فيفتون برأيهم، فيضلون ويضلون» .
رواه البخاري بهذا اللفظ، وأصله متفق عليه.
وعنه رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لم يزل أمر بني إسرائيل معتدلًا حتى نشأ فيهم المولدون أبناء سبايا الأمم، فقالوا بالرأي، فضلوا وأضلوا» .
رواه ابن ماجه، وإسناده جيد، وقد رواه البزار بنحوه. قال ابن القطان:
"وإسناده حسن".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "ما من عام إلا الذي بعده شر منه، لا أقول عام أخصب من عام، ولا أمير خير من أمير، ولكن ذهاب علمائكم وخياركم، ويحدث قوم يقيسون الأمور برأيهم، فينهدم الإسلام وينثلم".
رواه: ابن وضاح، والدارمي، والطبراني، والبيهقي.
باب
ما جاء في الأئمة المضلين
عن ثوبان رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين» .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والدارمي، والبرقاني في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه". وقال الترمذي:"هذا حديث صحيح". وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن شداد بن أوس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني لا أخاف علي أمتي إلا الأئمة المضلين» .
رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط مسلم. ورواه أيضا: ابن جرير، والبزار، وابن مردويه، وابن حبان في "صحيحه".
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون» .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والدارمي، والطبراني، وفيه
راويان لم يسميا.
رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: "وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات".
وعن علي رضي الله عنه؛ قال: «كنا جلوسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم، فذكرنا الدجال، فاستيقظ محمرًا وجهه، فقال: "غير الدجال أخوف على أمتي عندي؛ أئمة مضلين» .
رواه أبو يعلى. قال الهيثمي: "وفيه جابر الجعفي، وهو ضعيف وقد وثق".
وعن عمير بن سعد - وكان عمر رضي الله عنه ولاه حمص - قال: «قال عمر رضي الله عنه لكعب: إني سائلك عن أمر فلا تكتمني! قال: والله ما أكتمك شيئا أعلمه. قال: ما أخوف ما تخاف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: أئمة مضلين. قال عمر رضي الله عنه: صدقت؛ قد أسر إلي وأعلمنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".
وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أخوف ما أخاف على أمتي من بعدي أئمة مضلين: إن أطاعوهم فتنوهم، وإن عصوهم قتلوهم» .
رواه الطبراني
وعن زياد بن حدير؛ قال: "قال لي عمر رضي الله عنه: هل تعرف ما يهدم الإسلام؟ قال: قلت: لا! قال: يهدمه: زلة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين".
رواه الدارمي.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أخوف ما أخاف على أمتي ثلاث: رجل قرأ كتاب الله تعالى، حتى إذا رئيت عليه بهجته، وكان عليه رداء الإسلام أعاره الله إياه؛ اخترط سيفه، فضرب به جاره، ورماه بالشرك (قيل: يا رسول الله! الرامي أحق به أو المرمي؟ قال: الرامي) ورجل آتاه الله سلطانًا، فقال: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، وكذب، ليس بخليفة أن يكون جنة دون الخالق. ورجل استخفته الأحاديث، كلما قطع أحدوثة حدث بأطول منها، إن يدرك الدجال؛ يتبعه» .
رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه شهر بن حوشب، وهو ضعيف يكتب حديثه". انتهى.
قلت: قد وثقه أحمد وابن معين وحسبك بتوثيقهما، ووثقه أيضا العجلي ويعقوب بن شيبة ويعقوب بن سفيان، وروى له البخاري تعليقا ومسلم، وصحح الترمذي حديثه. ويكفي هذا في قبول حديثه.
باب
ما جاء أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة
عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أجاركم من ثلاث خلال: لا يدعو عليكم نبيكم فتهلكوا جميعًا، وأن لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق، وأن لا تجتمعوا على ضلالة» .
رواه أبو داود.
وعن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سألت الله أن لا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها»
…
الحديث.
رواه: الإمام أحمد، والطبراني.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لا يجمع أمتي (أو قال: أمة محمد) على ضلالة، ويد الله على الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار» .
رواه: الترمذي، والحاكم، وأبو نعيم في "الحلية". وقال الترمذي وأبو نعيم:"غريب "
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أمتي لا تجتمع على ضلالة» ..... الحديث.
رواه ابن ماجه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يجمع الله أمتي على ضلالة أبدًا» .
رواه الحاكم في "مستدركه".
باب
ما جاء في الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «لن يزال قوم من أمتي ظاهرين على الناس حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون» .
رواه: الإمام أحمد، والشيخان.
وعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس» .
رواه الإمام أحمد، والشيخان. وزاد أحمد والبخاري: قال عمير بن هانئ: "فقال مالك بن يخامر: قال معاذ: وهم بالشام. فقال معاوية: هذا مالك يزعم أنه سمع معاذا يقول: وهم بالشام".
وعن ثوبان رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك» .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والبرقاني في "صحيحه". وقال الترمذي:"هذا حديث صحيح".
وعن جابر بن سمرة رضي الله عنهما؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لن يبرح هذا الدين قائمًا يقاتل عليه عصابة من المسلمين، حتى تقوم الساعة» .
رواه: أحمد، ومسلم.
وعن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي منصورين، لا يضرهم من خذلهم، حتى تقوم الساعة» .
رواه: الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه". وقال الترمذي:"هذا حديث صحيح".
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة» .
رواه: أبو داود الطيالسي، والطبراني في "الصغير" و "الكبير"، والحاكم
في "مستدركه". قال الهيثمي: "ورجال "الكبير" رجال الصحيح". قال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزال طائفة من أمتي قوامة على أمر الله، لا يضرها من خالفها» .
رواه ابن ماجه وإسناده جيد، ورواه البزار بنحوه. قال الهيثمي:"ورجاله رجال الصحيح؛ غير زهير بن محمد بن قمير، وهو ثقة".
ورواه: الإمام أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، ولفظهما: قال: «لا يزال على هذا الأمر عصابة على الحق، لا يضرهم خلاف من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله عز وجل وهم على ذلك» .
وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين على من نأواهم، حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال» .
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والحاكم وقال:"صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وعن جابر بنعبد الله رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة. قال: فينزل عيسى ابن مريم، فيقول أميرهم: تعال صل لنا! فيقول: لا؛ إن بعضكم على بعض أمراء؛ تكرمه الله هذه الأمة» .
رواه: الإمام أحمد، ومسلم.
وعن أبي أمامة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من جابههم إلا ما»
رواه: عبد الله ابن الإمام أحمد وجادة عن خط أبيه، والطبراني. قال الهيثمي:"ورجاله ثقات".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يضرهم خذلان من خذلهم، ظاهرين على الحق، إلى أن تقوم الساعة» .
رواه أبو يعلى. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة» .
رواه مسلم.
وعن عبد الرحمن بن شماسة المهري؛ قال: كنت عند مسلمة بن مخلد وعنده عبد الله بن عمرو بن العاص، فقال عبد الله:«لا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق، هم شر من أهل الجاهلية، لا يدعون الله بشيء إلا رده عليهم". فبينما هم على ذلك أقبل عقبة بن عامر، فقال له مسلمة: يا عقبة اسمع ما يقول عبد الله. فقال عقبة: هو أعلم، وأما أنا فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خالفهم، حتى تأتيهم الساعة وهم على ذلك. فقال عبد الله: أجل، "ثم يبعث الله ريحا كريح المسك، مسها مس الحرير، فلا تترك نفسا في قلبه مثقال حبة من الإيمان إلا قبضته، ثم يبقى شرار الناس، عليهم تقوم الساعة» .
رواه مسلم.
والمراد بالطائفة المذكورة في هذه الأحاديث: أهل السنة والجماعة.
وجزم البخاري أنهم أهل العلم، قال في (كتاب الاعتصام) من "صحيحه":"باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق يقاتلون» ، وهم أهل العلم ". وقال أيضا: "باب قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} ، وما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة، وهم أهل العلم ".
وقال الترمذي في "جامعه": "قال محمد بن إسماعيل: قال علي بن المديني: هم أصحاب الحديث".
وكذا قال ابن المبارك وأحمد بن سنان وابن حبان وغيرهم.
وبوب عليه ابن حبان في "صحيحه"، فقال:"ذكر إثبات النصرة لأصحاب الحديث إلى قيام الساعة".
وقال يزيد بن هارون وأحمد بن حنبل: "إن لم يكونوا أهل الحديث؛ فلا أدري من هم".
رواه عنهما الحاكم في "علوم الحديث".
قال القاضي عياض: "إنما أراد أحمد أهل السنة والجماعة ومن يعتقد مذهب أهل الحديث".
وعن علي بن المديني رواية أنهم العرب، واستدل بحديث:«لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة» . قال: "والمراد بالغرب: الدلو؛ أي: العرب؛ لأنهم أصحابها، لا يستقي بها أحد غيرهم".
ذكره يعقوب بن شيبة، ونقله عنه صاحب "المشارق" وغيره.
قلت: ويؤيد هذا القول ما رواه ابن ماجه من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه في ذكر الدجال، وفيه:«فقالت أم شريك بنت أبي العكر: يا رسول»
وأصل هذه القطعة ثابت في "صحيح مسلم " و "جامع الترمذي " من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: «أخبرتني أم شريك: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ليفرن الناس من الدجال في الجبال". قالت أم شريك: يا رسول الله! فأين العرب يومئذ؟ قال: "هم قليل» .
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب".
ويؤيده أيضا ما في "الصحيحين" و "مسند الإمام أحمد " عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في بني تميم: هم أشد أمتي على الدجال» .
وبنو تميم قبيلة كبيرة من العرب؛ ففي حديث أبي أمامة وحديث أبي هريرة رضي الله عنهما دليل على أن العرب هم الطائفة المنصورة التي تقاتل المسيح الدجال في آخر الزمان، ويدخل مع العرب تبعا من كان متمسكا بالكتاب والسنة من غيرهم.
قال النووي: "يحتمل أن هذه الطائفة مفرقة بين أنواع المؤمنين؛ منهم شجعان مقاتلون، ومنهم فقهاء، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد، وآمرون بالمعروف، وناهون عن المنكر، ومنهم أهل أنواع أخرى من الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين، بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض". قال: "وفيه دليل لكون الإجماع حجة، وهو أصح ما استدل به له من الحديث". انتهى.
واحتج به الإمام أحمد رحمه الله تعالى على أن الاجتهاد لا ينقطع ما دامت هذه الطائفة موجودة.
وقد اختلف في محل هذه الطائفة:
فقال ابن بطال: إنها تكون في بيت المقدس كما رواه الطبراني من حديث أبي أمامة رضي الله عنه: «قيل: يا رسول الله! أين هم؟ قال: ببيت المقدس. وقال معاذ رضي الله عنه: "هم بالشام» .
وفي كلام الطبري ما يدل على أنه لا يجب أن تكون في الشام أو في بيت المقدس دائما، بل قد تكون في موضع آخر في بعض الأزمنة.
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله تعالى: "ويشهد له الواقع، وحال أهل الشام وأهل بيت المقدس من أزمنة طويلة، لا يعرف فيهم من قام بهذا الأمر بعد شيخ الإسلام ابن تيمية وأصحابه في القرن السابع وأول الثامن؛ فإنهم في زمانهم على الحق؛ يدعون إليه، ويناظرون عليه، ويجاهدون فيه، وقد يجيء من أمثالهم بعد بالشام من يقوم مقامهم بالدعوة إلى الحق، والتمسك بالسنة، والله على كل شيء قدير.
ومما يؤيد هذا: أن أهل الحق والسنة في زمن الأئمة الأربعة وتوافر العلماء في ذلك الزمان وقبله وبعده لم يكونوا في محل واحد، بل هم في غالب الأمصار؛ في الشام منهم أئمة، وفي الحجاز، وفي مصر، وفي العراق، واليمن، وكلهم على الحق؛ يناضلون ويجاهدون أهل البدع، ولهم المصنفات التي صارت أعلاما لأهل السنة وحجة على كل مبتدع.
فعلى هذا؛ فهذه الطائفة قد تجتمع وقد تفترق، وقد تكون في الشام وقد تكون في غيره؛ فإن حديث أبي أمامة وقول معاذ لا يفيد حصرها بالشام، وإنما يفيد أنها تكون في الشام في بعض الأزمان لا في كلها".
قلت: الظاهر من حديث أبي أمامة وقول معاذ أن ذلك إشارة إلى محل هذه الطائفة في آخر الزمان عند خروج الدجال ونزول عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام.
ويدل على ذلك ما تقدم ذكره من حديث أبي أمامة الذي رواه ابن ماجه، وفيه:«فقالت أم شريك: يا رسول الله! فأين العرب يومئذ؟ قال: هم قليل، وجلهم يومئذ ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح» .... الحديث.
ويدل على ذلك ما رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والبخاري في "تاريخه"، والحاكم في "مستدركه"؛ من حديث عبد الله بن حوالة الأزدي رضي الله عنه؛ قال:«وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده علي رأسي (أو: على هامتي) ، ثم قال: " يابن حوالة إذا رأيت الخلافة قد نزلت الأرض المقدسة؛ فقد دنت الزلازل والبلابل والأمور العظام، والساعة يومئذ أقرب إلى الناس من يدي هذه من رأسك» .
قال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
وفي "المسند" أيضا و "جامع الترمذي " عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ستخرج نار من حضرموت (أو: من نحو بحر حضرموت) قبل يوم القيامة تحشر الناس. قالوا: يا رسول الله! فما تأمرنا؟ فقال: "عليكم بالشام» .
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث ابن عمر رضي الله عنهما".
وفي "المسند" أيضا و "سنن أبي داود " و "مستدرك الحاكم " عن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فسطاط المسلمين يوم الملحمة»
«الكبرى بأرض يقال لها: الغوطة، فيها مدينة يقال لها: دمشق، خير منازل المسلمين يومئذ» .
قال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".
قال المنذري في "تهذيب السنن": قال يحيى بن معين، وقد ذكروا عنده أحاديث من ملاحم الروم، فقال يحيى: ليس من حديث الشاميين شيء أصح من حديث صدقة بن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «معقل المسلمين أيام الملاحم دمشق» انتهى.
ففي هذه الأحاديث دليل على أن جل الطائفة المنصورة يكون بالشام في آخر الزمان، حيث تكون الخلافة هناك، ولا يزالون هناك ظاهرين على الحق، حتى يرسل الله الريح الطيبة، فتقبض كل من في قلبه إيمان؛ كما تقدم في الأحاديث الصحيحة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك» .
وقال معاذ: "وهم بالشام".
فأما في زماننا وما قبله؛ فهذه الطائفة متفرقة في أقطار الأرض كما يشهد له الواقع من حال هذه الأمة منذ فتحت الأمصار في عهد الخلفاء الراشدين إلى اليوم، وتكثر في بعض الأماكن أحيانا، ويعظم شأنها، ويظهر أمرها؛ ببركة الدعوة إلى الله تعالى وتجديد الدين.
ومن أعظم المجددين بركة في آخر هذه الأمة شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية وأصحابه في آخر القرن السابع من الهجرة وأول القرن الثامن.
ومن أعظم المجددين بركة في آخر هذه الأمة أيضا شيخ الإسلام محمد ابن عبد الوهاب وأولاده وأحفاده وغيرهم من علماء نجد الأعلام في آخر القرن الثاني عشر من الهجرة والقرن الثالث عشر والرابع عشر، وقد جعل الله تعالى
في دعوة هذا الشيخ بركة عظيمة، وأيدها بالجهابذة المحققين يجادلون من عارضها بالحجة والبرهان، وأيدها بالأبطال الشجعان يجالدون من عاندها بالسيف والسنان، فأصبح الإسلام ظاهرا عزيزا بعد طول اغترابه، وصارت الطائفة المنصورة دولة عظيمة ذات شوكة قوية وبأس شديد بعدما كانوا قليلا مستضعفين في الأرض يخافون أن يتخطفهم الناس، فآواهم الله وأيدهم بنصره ورزقهم من الطيبات لعلهم يشكرون.
فلله الحمد رب السموات ورب الأرض ورب العالمين، حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} .
باب
ما جاء في المجددين للدين
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» .
رواه: أبو داود، والحاكم في "مستدركه".
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في كتاب "النهاية": "وقد ادعى كل قوم في إمامهم أنه المراد بهذا الحديث، والظاهر - والله أعلم - أنه يعم حملة العلم من كل طائفة وكل صنف من أصناف العلماء؛ من مفسرين، ومحدثين، وفقهاء، ونحاة، ولغويين
…
إلى غير ذلك من الأصناف، والله أعلم ". انتهى كلامه رحمه الله تعالى، وما قاله حسن جدا.
وأما قصر الحديث على أشخاص معدودين، في كل مائة سنة واحد منهم؛ فهو بعيد جدا، والحديث لا يدل على ذلك؛ لأن لفظة (من) يراد بها الواحد ويراد بها الجماعة، وعلى هذا فحمل الحديث على الجماعة القائمين بنشر العلم وتجديد الدين أولى من حمله على واحد بعد واحد منهم.
ويؤيد هذا ما رواه الترمذي وحسنه عن عمرو بن عوف رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدين بدأ غريبًا ويرجع غريبًا؛ فطوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي» .
ورواه إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، ولفظه: قال: «إن هذا الدين بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ؛ فطوبى للغرباء. قيل: يا رسول الله! ومن الغرباء؟ قال: الذين يحيون سنتي من بعدي، ويعلمونها عباد الله» .
ويؤيده أيضا ما رواه ابن وضاح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنه قال: "الحمد لله الذي امتن على العباد بأن جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم؛ يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، ويحيون بكتاب الله أهل العمى...." إلى آخر خطبته رضي الله عنه.
فهذا يدل على أن التجديد يكون في جماعة من أهل العلم، ولا ينحصر في واحد بعد واحد منهم. والله أعلم.