المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بابالنهي عن تكثير السواد في الفتن - إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة - جـ ١

[حمود بن عبد الله التويجري]

الفصل: ‌بابالنهي عن تكثير السواد في الفتن

‌باب

النهي عن تكثير السواد في الفتن

عن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كثر سواد قوم؛ فهو منهم، ومن رضي عمل قوم؛ كان شريك من عمل به» .

رواه أبو يعلى.

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "وله شاهد عن أبي ذر رضي الله عنه في "الزهد" لابن المبارك غير مرفوع".

وعن محمد بن عبد الرحمن أبي الأسود؛ قال: "قطع على أهل المدينة بعث، فاكتتبت فيه، فلقيت عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما، فأخبرته، فنهاني عن ذلك أشد النهي، ثم قال: أخبرني ابن عباس رضي الله عنهما: أن ناسا من المسلمين كانوا مع المشركين، يكثرون سواد المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتي السهم، فيرمى به، فيصيب أحدهم، فيقتله، أو يضرب فيقتل، فأنزل الله: {الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} الآية ".

رواه البخاري.

وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يغزو جيش الكعبة، فإذا كانوا ببيداء من الأرض؛ يخسف بأولهم وآخرهم. قالت: قلت: يا رسول الله! كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم؟ ! قال: يخسف بأولهم وآخرهم، ثم يبعثون على نياتهم» .

متفق عليه، وهذا لفظ البخاري.

قال المهلب: "في هذا الحديث أن من كثر سواد قوم في المعصية مختارا أن العقوبة تلزمه معهم".

ص: 130

وقال النووي: "في هذا الحديث من الفقه: التباعد من أهل الظلم، والتحذير من مجالستهم ومجالسة البغاة ونحوهم من المبطلين؛ لئلا يناله ما يعاقبون به. وفيه أن من كثر سواد قوم جرى عليه حكمهم في ظاهر عقوبات الدنيا ". انتهى.

باب

قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}

عن مطرف - وهو ابن عبد الله بن الشخير - قال: قلنا للزبير رضي الله عنه: يا أبا عبد الله! ما جاء بكم؟ ! ضيعتم الخليفة حتى قتل ثم جئتم تطلبون بدمه؟ ! قال الزبير: "إنا قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} ، لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت".

رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.

وعن الحسن؛ قال: قال الزبير بن العوام رضي الله عنه: "نزلت هذه الآية ونحن متوافرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} ، فجعلنا نقول: ما هذه الفتنة؟ ! وما نشعر أنها تقع حيث وقعت".

رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.

وعن مجاهد في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} ؛ قال: "هي أيضا لكم".

رواه ابن جرير.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}

ص: 131

قال: "أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم، فيعمهم الله بالعذاب ".

رواه ابن جرير.

قال ابن كثير: "وهذا تفسير حسن جدا". قال: "والقول بأن هذا التحذير يعم الصحابة وغيرهم، وإن كان الخطاب معهم، هو الصحيح، ويدل عليه الأحاديث الواردة في التحذير من الفتن ". انتهى.

وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس» . فكتبنا له ألفا وخمسمائة رجل، فقلنا: نخاف ونحن ألف وخمسمائة؟ ! فلقد رأيتنا ابتلينا حتى إن الرجل ليصلي وحده وهو خائف.

رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وابن ماجه، وهذا لفظ البخاري.

ولفظ مسلم: قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«أحصوا لي كم يلفظ بالإسلام. فقلنا: يا رسول الله! أتخاف علينا ونحن ما بين الستمائة والسبعمائة. قال: "إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا ". فابتلينا، حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سرًا» .

ورواه ابن أبي شيبة بهذا اللفظ.

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "يشبه أن يكون أشار بذلك إلى ما وقع في أواخر خلافة عثمان رضي الله عنه من ولاية بعض أمراء الكوفة؛ كالوليد بن عقبة؛ حيث كان يؤخر الصلاة أو لا يقيمها على وجهها، وكان بعض الورعين يصلي وحده سرا ثم يصلي معه خشية من وقوع الفتنة. وقيل: كان ذلك حين أتم عثمان الصلاة في السفر، وكان بعضهم يقصر سرا وحده خشية الإنكار عليه. ووهم من قال: إن ذلك كان أيام قتل عثمان؛ لأن حذيفة لم يحضر ذلك.

ص: 132

وفي ذلك علم من أعلام النبوة؛ لما فيه من الإخبار بالشيء قبل وقوعه، وقد وقع أشد من ذلك بعد حذيفة في زمن الحجاج وغيره". انتهى.

وقول من قال: إن ذلك كان أيام قتل عثمان رضي الله عنه؛ محتمل؛ لأن حذيفة رضي الله عنه بقي بعد قتل عثمان رضي الله عنه أربعين يوما أو نحوها. والله أعلم.

باب

قول الله تعالى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}

عن جابر رضي الله عنه؛ قال: «لما نزلت هذه الآية: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بوجهك"، قال: {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} ؛ قال: "أعوذ بوجهك"، {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا أهون (أو: هذا أيسر) » .

رواه: البخاري، والنسائي، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن مردويه، وابن حبان في "صحيحه".

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ قال: «أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مررنا على مسجد بني معاوية، فدخل، فصلى ركعتين، وصلينا معه، وناجى ربه عز وجل طويلا؛ قال: سألت ربي عز وجل ثلاثًا: سألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها» .

رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وابن أبي شيبة، وابن خزيمة، وابن حبان.

ص: 133

وعن جابر بن عتيك رضي الله عنه: أنه قال: «جاءنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في حرة بني معاوية (قرية من قرى الأنصار) ، فقال لي: هل تدري أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجدكم هذا؟ فقلت: نعم. فأشرت إلى ناحية منه. فقال: هل تدري ما الثلاث التي دعا بهن فيه؟ فقلت: نعم. فقال: أخبرني بهن. فقلت: دعا أن لا يظهر عليهم عدوا من غيرهم ولا يهلكهم بالسنين فأعطيهما، ودعا بأن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعها. قال: صدقت؛ فلا يزال الهرج إلى يوم القيامة» .

رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما؛ قال: «خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حرة بني معاوية. قال: فصلى ثماني ركعات، فأطال فيهن، ثم التفت إلي، فقال: "حبستك يا حذيفة؟ ". قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "إني سألت الله ثلاثًا، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة: سألته أن لا يسلط على أمتي عدوًا من غيرهم فأعطاني، وسألته أن لا يهلكهم بغرق فأعطاني، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعني» .

رواه: ابن إسحاق، وابن مردويه من طريقه.

وعن جابر بن عتيك رضي الله عنه؛ قال: «سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد بني معاوية ثلاثًا، فأعطاه اثنتين ومنعه واحدة: سأله أن لا يهلك أمته جوعًا وأن لا يظهر عليهم عدوًا فأعطيهما، وسأله أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعها» .

رواه الطبراني بإسناد فيه ضعف.

«وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل لي: خرج قبل. قال: فجعلت لا أمر بأحد؛ إلا قال: مر قبل، حتى مررت، فوجدته قائما يصلي. قال: فجئت حتى قمت خلفه. قال: فأطال الصلاة، فلما قضى»

ص: 134

«صلاته؛ قلت: يا رسول الله! قد صليت صلاة طويلة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني صليت صلاة رغبة ورهبة، إني سألت الله عز وجل ثلاثًا، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة: سألته أن لا يهلك أمتي غرقًا فأعطاني، وسألته أن لا يظهر عليهم عدوًا ليس منهم فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فردها علي» .

رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه. ورواته كلهم ثقات.

وعن أبي مالك الأشجعي عن نافع بن خالد الخزاعي عن أبيه - وكان من أصحاب الشجرة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى والناس حوله صلى صلاة خفيفة تامة الركوع والسجود. قال: فجلس يوما فأطال الجلوس حتى أومأ بعضنا إلى بعض: أن اسكتوا؛ إنه ينزل عليه، فلما فرغ قال له بعض القوم: يا رسول الله! لقد أطلت الجلوس حتى أومأ بعضنا إلى بعض أنه ينزل عليك. قال: لا؛ ولكنها كانت صلاة رغبة ورهبة، سألت الله فيها ثلاثًا فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألت الله أن لا يعذبكم بعذاب عذب به من كان قبلكم فأعطانيها، وسألت الله أن لا يسلط على أمتي عدوًا يستبيحها فأعطانيها، وسألته أن لا يلبسكم شيعًا وأن لا يذيق بعضكم بأس بعض فمنعنيها» . قال أبو مالك: فقلت له: أبوك سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، سمعته يقول إنه سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم عدد أصابعي هذه العشر الأصابع.

رواه: ابن جرير، وابن مردويه، والبزار، والطبراني؛ بأسانيد، قال الهيثمي:"ورجال بعضها رجال الصحيح؛ غير نافع بن خالد ". وقد ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه أحد.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر صلى سبحة الضحى ثماني ركعات، فلما انصرف؛ قال: إني صليت صلاة رغبة ورهبة، وسألت ربي ثلاثًا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة: سألته أن لا يبتلي»

ص: 135

«أمتي بالسنين ففعل، وسألته أن لا يظهر عليهم عدوهم ففعل، وسألته أن لا يلبسهم شيعًا فأبى علي» . رواه: الإمام أحمد، والنسائي. ورواته كلهم ثقات.

وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه؛ قال: «وافيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة صلاها كلها حتى كان مع الفجر، فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته، فقلت: يا رسول الله! لقد صليت الليلة صلاة ما رأيتك صليت مثلها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أجل؛ إنها صلاة رغب ورهب، سألت ربي عز وجل فيها ثلاث خصال فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة: سألت ربي عز وجل أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم قبلنا فأعطانيها، وسألت ربي عز وجل أن لا يظهر علينا عدوًا من غيرنا فأعطانيها، وسألت ربي عز وجل أن لا يلبسنا شيعًا فمنعنيها» .

رواه: الإمام أحمد، والترمذي، والنسائي، وابن جرير، وابن حبان في "صحيحه". وقال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح". قال: "وفي الباب عن سعد وابن عمر رضي الله عنهم ".

وعن ثوبان رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة بعامة، وأن لا يسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد! إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك: أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا» .

رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، والبرقاني في "صحيحه". وقال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح".

ص: 136

وزاد أحمد وأبو داود وابن ماجه والبرقاني: «وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين، وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة، ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان، وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين، لا نبي بعدي، ولا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله» .

وقد رواه الحاكم في "مستدركه" بهذه الزيادة، وبزيادة أكثر منها، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن شداد بن أوس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله زوى لي الأرض حتى رأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها، وإني أعطيت الكنزين: الأبيض والأحمر، وإني سألت ربي عز وجل أن لا يهلك أمتي بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوًا فيهلكهم بعامة، وأن لا يلبسهم شيعًا، وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض، فقال: يا محمد! إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني قد أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوًا ممن سواهم فيهلكهم بعامة، حتى يكون بعضهم يهلك بعضًا وبعضهم يقتل بعضًا وبعضهم يسبي بعضًا» . قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لا أخاف على أمتي إلا الأئمة المضلين، فإذا وضع السيف في أمتي؛ لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة» .

رواه: الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط مسلم، ورواه أيضا: ابن جرير، والبزار، وابن مردويه.

وعن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سألت»

ص: 137

«ربي عز وجل أربعًا، فأعطاني ثلاثًا ومنعني واحدة، سألت الله أن لا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها، وسألت الله أن لا يظهر عليهم عدوًا من غيرهم فأعطانيها، وسألت الله أن لا يهلكهم بالسنين كما أهلك الأمم قبلهم فأعطانيها، وسألت الله عز وجل أن لا يلبسهم شيعًا وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض؛ فمنعنيها» .

رواه: الإمام أحمد، والطبراني. وفيه راو لم يسم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «سألت ربي لأمتي أربع خلال، فمنعني واحدة وأعطاني ثلاثًا: سألته أن لا تكفر أمتي صفقة واحدة فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط عليهم عدوًا من غيرهم فأعطانيها، وسألته أن لا يعذبهم بما عذب به الأمم قبلهم فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها» .

رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".

وقد رواه: ابن أبي حاتم، وابن مردويه؛ بنحوه.

ورواه ابن مردويه أيضا مختصرا، ولفظه:«سألت ربي ثلاثًا، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة: سألته أن لا يسلط على أمتي عدوًا من غيرهم فأعطاني، وسألته أن لا يهلكهم بالسنين فأعطاني، وسألته أن لا يلبسهم شيعًا وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعني» .

ورواه البزار بنحوه.

وعن علي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سألت ربي ثلاث خصال، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة. فقلت: يا رب! لا تهلك أمتي جوعًا. فقال: هذه لك. قلت: يا رب! لا تسلط عليهم عدوًا من غيرهم (يعني: أهل»

ص: 138

«الشرك) فيجتاحهم. قال: ذلك لك. قلت: يا رب! لا تجعل بأسهم بينهم. قال: فمنعني هذه» .

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه أبو حذيفة الثعلبي، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «دعوت ربي عز وجل أن يرفع عن أمتي أربعًا، فرفع الله عنهم ثنتين، وأبي علي أن يرفع عنهم ثنتين: دعوت ربي أن يرفع الرجم من السماء، والغرق من الأرض، وأن لا يلبسهم شيعًا، وأن لا يذيق بعضهم بأس بعض، فرفع الله عنهم الرجم من السماء والغرق من الأرض، وأبى الله أن يرفع اثنتين: القتل والهرج» .

رواه ابن مردويه.

وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه؛ قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«تزعمون أني من آخركم وفاة، ألا وإني من أولكم وفاة، وستتبعوني أفنادًا، يضرب بعضكم رقاب بعض» .

رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والطبراني، وابن حبان في "صحيحه".

قال الهيثمي: "ورجال أحمد رجال الصحيح".

وقد رواه ابن عساكر في "تاريخه" بنحوه، قال في "كنز العمال":"ورجاله ثقات".

وعن معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

رواه: أبو يعلى، والطبراني. قال الهيثمي:"ورجالهما ثقات".

وعن سلمة بن نفيل السكوني رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستأتوني أفنادًا يفني بعضكم بعضًا»

الحديث.

ص: 139

رواه: الإمام أحمد، والطبراني، والبزار، وأبو يعلى. قال الهيثمي:"ورجاله ثقات".

وقد رواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه: قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوحى إليه، فقال:«إني غير لابث فيكم ولستم لابثين بعدي إلا قليلًا، وستأتوني أفنادًا يفني بعضكم بعضًا، وبين يدي الساعة موتان شديد، وبعده سنوات الزلازل» .

باب

ابتداء ظهور الفتن من العراق وكثرتها فيه وفيما يليه من المشرق

عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رأس الكفر نحو المشرق، والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم» .

رواه: الإمام أحمد والشيخان، والترمذي.

وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستقبل المشرق يقول: «ألا إن الفتنة هاهنا، ألا إن الفتنة هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان» .

رواه: الإمام أحمد، والشيخان.

وفي رواية لمسلم عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عند باب حفصة، فقال بيده نحو المشرق: الفتنة هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان؛ قالها مرتين أو ثلاثا» . وقال عبيد الله بن سعيد - وهو أحد شيوخ مسلم - في روايته: «قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عند باب عائشة» . ورواه الإمام

ص: 140

أحمد، وقال:«كان قائما عند باب عائشة» .

وقد رواه: مالك، وأحمد، والبخاري؛ من حديث عبد الله بن دينار: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشار بيده نحو المشرق فقال: "ها إن الفتن من هاهنا، إن الفتن من هاهنا، إن الفتن من هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان» .

هذا لفظ إحدى روايات أحمد.

ورواه: الإمام أحمد أيضا، والشيخان، والترمذي؛ من حديث الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قام إلى جنب المنبر، فقال:«الفتنة هاهنا الفتنة هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان (أو قال: قرن الشمس) » .

هذا لفظ البخاري، ولفظ مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو مستقبل المشرق: «ها إن الفتنة هاهنا، ها إن الفتنة هاهنا، ها إن الفتنة هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان» .

وفي رواية الترمذي: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فقال:«هاهنا أرض الفتن (وأشار إلى المشرق) حيث يطلع قرن الشيطان (أو قال: قرن الشمس) » .

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

ورواه: الإمام أحمد، ومسلم أيضا؛ من حديث حنظلة (وهو ابن أبي سفيان المكي) ؛ قال: سمعت سالما يقول: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده نحو المشرق ويقول: ها إن الفتنة هاهنا، ها إن الفتنة هاهنا، ها إن الفتنة هاهنا، من حيث يطلع الشيطان قرنيه» .

هذا لفظ أحمد.

وفي رواية له أخرى عن حنظلة عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر

ص: 141

رضي الله عنهما؛ قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده يؤم العراق: ها إن الفتنة هاهنا، ها إن الفتنة هاهنا، ها إن الفتنة هاهنا (ثلاث مرات) من حيث يطلع قرن الشيطان» .

وفي هذه الرواية فائدة جليلة، وهي البيان بأن منشأ الفتن من جهة العراق لا من جهة نجد التي هي أرض العرب؛ ففيها رد على من زعم من الزنادقة أن المراد بذلك أرض العرب.

ورواه: الإمام أحمد، ومسلم أيضا؛ من حديث عكرمة بن عمار عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال:«خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيت عائشة رضي الله عنها، فقال: رأس الكفر هاهنا، من حيث يطلع قرن الشيطان؛ يعني: المشرق» .

ورواه مسلم أيضا من حديث ابن فضيل عن أبيه؛ قال: سمعت سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: يا أهل العراق! ما أسألكم عن الصغيرة وأركبكم للكبيرة! سمعت أبي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الفتنة تجيء من هاهنا (وأومأ بيده نحو المشرق) ، من حيث يطلع قرنا الشيطان» ، وأنتم يضرب بعضكم رقاب بعض، وإنما قتل موسى الذي قتل من آل فرعون خطأ، فقال الله عز وجل له:{وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} .

وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «من هاهنا جاءت الفتن (نحو المشرق) ، والجفاء وغلظ القلوب في الفدادين أهل الوبر عند أصول أذناب الإبل والبقر، في ربيعة ومضر» .

رواه البخاري.

وعن ابن عون عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

ص: 142

«اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا. قالوا: وفي نجدنا. قال: "اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا". قالوا: وفي نجدنا. قال: "هنالك الزلازل والفتن، منها (أو قال: بها) يطلع قرن الشيطان» .

رواه: الإمام أحمد، والبخاري، والترمذي، وقال:"هذا حديث حسن صحيح غريب".

ورواه الإمام أحمد أيضا من حديث عبد الرحمن بن عطاء عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا (مرتين) . فقال: رجل: وفي مشرقنا يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من هنالك يطلع قرن الشيطان، ولها تسعة أعشار الشر» .

قال الهيثمي: "رجاله رجال الصحيح؛ غير عبد الرحمن بن عطاء، وهو ثقة، وفيه خلاف لا يضر".

وقد رواه الطبراني في "الأوسط"، ولفظه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «"اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا". فقال رجل: وفي مشرقنا يا رسول الله! فقال: "اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا". فقال رجل: وفي مشرقنا يا رسول الله! فقال: "اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا، إن من هنالك يطلع قرن الشيطان، وبه تسعة أعشار الكفر، وبه الداء العضال» .

ورواه الإمام أحمد أيضا من حديث بشر بن حرب: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «"اللهم بارك لنا في مدينتا، وفي صاعنا، ومدنا، ويمننا، وشامنا". ثم استقبل مطلع الشمس فقال: "من هاهنا يطلع قرن الشيطان، من هاهنا الزلازل والفتن» .

وعن سالم بن عبد الله عن أبيه: أن عمر رضي الله عنه؛ قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «"اللهم بارك في صاعنا وفي مدنا"، فرددها ثلاث مرات، فقال»

ص: 143

«رجل: يا رسول الله! ولعراقنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بها الزلازل والفتن، ومنها يطلع قرن الشيطان» .

رواه أبو نعيم في "الحلية".

وعن سالم عن أبيه رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «"اللهم بارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في مكتنا، وبارك لنا في شامنا، وبارك لنا في يمننا، وبارك لنا في صاعنا ومدنا". فقال رجل: يا رسول الله! وفي عراقنا. فأعرض عنه، فقال: "فيها الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان» .

رواه أبو نعيم في "الحلية".

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أيضا؛ قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، ثم أقبل على القوم، فقال:«"اللهم بارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في مدنا وصاعنا، اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا". فقال رجل: والعراق يا رسول الله! قال: "من ثم يطلع قرن الشيطان وتهيج الفتن» .

رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".

وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: «دعا نبي الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا، وبارك لنا في شامنا ويمننا". فقال رجل من القوم: يا نبي الله! وعراقنا. قال: "إن بها قرن الشيطان، وتهيج الفتن، وإن الجفاء بالمشرق» .

رواه الطبراني في "الكبير". قال المنذري والهيثمي: "ورواته ثقات".

وعن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يخرج إلى العراق، فقال له كعب الأحبار:"لا تخرج إليها يا أمير المؤمنين! فإن بها تسعة أعشار السحر، وبها فسقة الجن، وبها الداء العضال".

ص: 144

ذكره في "الموطأ".

وقد رواه عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه؛ قال: "أراد عمر رضي الله عنه أن يسكن العراق، فقال له كعب: لا تفعل؛ فإن فيها الدجال، وبها مردة الجن، وبها تسعة أعشار السحر، وبها كل داء عضال"؛ يعني: الأهواء.

قال الخطابي: " (القرن) : الأمة من الناس يحدثون بعد فناء آخرين، وقرن الحية: أن يضرب المثل فيما لا يحمد من الأمور".

نقله عنه الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"؛ قال: "وقال غيره: كان أهل المشرق يومئذ أهل كفر، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الفتنة تكون من تلك الناحية، فكان كما أخبر، وأول الفتن كان من قبل المشرق، فكان ذلك سببا للفرقة بين المسلمين، وذلك مما يحبه الشيطان ويفرح به. وكذلك البدع نشأت من تلك الجهة. وقال الخطابي: نجد من جهة المشرق، ومن كان بالمدينة؛ كان نجده بادية العراق ونواحيها، وهي مشرق أهل المدينة، وأصل نجد ما ارتفع من الأرض، وهو خلاف الغور؛ فإنه ما انخفض منها، وتهامة كلها من الغور، ومكة من تهامة".

قال الحافظ ابن حجر: "وعرف بهذا وهاء ما قاله الداوودي أن نجدا من ناحية العراق؛ فإنه توهم أن نجدا موضع مخصوص، وليس كذلك، بل كل شيء ارتفع بالنسبة إلى ما يليه يسمى المرتفع نجدا والمنخفض غورا".

قلت: وقد تقدم ما رواه سالم عن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنه؛ قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده يؤم العراق: "ها إن الفتنة هاهنا....» الحديث، وهذه الرواية فيها تعيين المراد مما أبهم في غيرها من الروايات؛ كقولهم:"وفي نجدنا "، وقولهم:"وفي مشرقنا"؛ فالمراد بذلك كله أرض العراق وما يليه من المشرق.

ص: 145

وقد وقع مصداق ذلك، فكان قتل عثمان رضي الله عنه على أيدي أهل العراق ومن مالأهم من أجلاف أهل مصر، وبقتله انفتح باب الفتن إلى يوم القيامة. وكانت في العراق أيضا وقعة الجمل وصفين وقتل فيه الحسين بن علي رضي الله عنهما وأصحابه. وكانت فيه أيضا فتنة المختار وفتنة الحجاج وغير ذلك من الفتن العظيمة. وكذلك كانت فتنة بني العباس ودعاتهم في العراق وخراسان. وكذلك فتن الأهواء المضلة؛ فكلها ظهرت أول ما ظهرت بأرض العراق؛ كفتنة الخوارج، والرافضة، والقدرية، والمرجئة، والمعتزلة، والجهمية، ثم انتشرت بعد ذلك في أرجاء الأرض، وآخر ذلك فتنة المسيح الدجال، وهي أعظم فتنة تكون على وجه الأرض، وقد جاء في بعض الأحاديث: أنه يخرج من خراسان، وفي بعضها: أنه يخرج من العراق، وستأتي الأحاديث بذلك في ذكر الدجال إن شاء الله تعالى.

وعلى هذا؛ فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم أراد بقوله: «قرني الشيطان» : أول الفتن وآخرها وما بين ذلك من الفتن العظيمة، ويحتمل أنه أراد بذلك فتنة الهرج وفتنة الأهواء المضلة. والله أعلم بمراد رسوله صلى الله عليه وسلم.

باب

أمان الناس من الفتن في حياة عمر بن الخطاب رضي الله عنه

عن ربعي - وهو ابن حِراش - عن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: كنا عند عمر رضي الله عنه، فقال: أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه. فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وجاره؟ قالوا: أجل. قال: تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة، ولكن أيكم سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الفتن التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم، فقلت: أنا. قال:

ص: 146

أنت لله أبوك. قال حذيفة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها؛ نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها؛ نكت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير على قلبين: على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مُرْبَادًا كالكوز مُجْخِيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا؛ إلا ما أشرب من هواه» . قال حذيفة: وحدثته أن بينك وبينها بابا مغلقا يوشك أن يكسر. قال عمر: أكسرا لا أبا لك؟ ! فلو أنه فتح لعله كان يعاد. قلت: لا بل يكسر. وحدثته أن ذلك الباب رجل يقتل أو يموت؛ حديثا ليس بالأغاليط.

رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وأبو نعيم في "الحلية".

وعن أبي وائل شقيق بن سلمة عن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: كنا عند عمر رضي الله عنه، فقال: أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة كما قال؟ قال: فقلت: أنا. قال: إنك لجريء، وكيف قال؟ قال: قلت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» . فقال عمر: ليس هذا أريد، إنما أريد التي تموج كموج البحر. قال: فقلت: ما لك ولها يا أمير المؤمنين؟ ! إن بينك وبينها بابا مغلقا. قال: أفيكسر الباب أم يفتح؟ قال: قلت: لا؛ بل يكسر. قال: ذلك أحرى أن لا يغلق أبدا. قال: فقلنا لحذيفة: هل كان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم؛ كما يعلم أن دون غد الليلة؛ إني حدثته حديثا ليس بالأغاليط. قال: فَهِبْنا أن نسأل حذيفة: من الباب؟ فقلنا لمسروق: سله. فسأله، فقال: عمر.

رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، وابن أبي شيبة، والشيخان، والترمذي، وابن ماجه. وهذا لفظ مسلم.

ص: 147

وفي رواية أبي داود الطيالسي: "فقال عمر: فأخبرني عن الباب؛ يكسر كسرا أم يفتح فتحا؟ قال: بل يكسر كسرا. فقال عمر: إذا لا يغلق إلى يوم القيامة. قال أبو وائل: قلنا لمسروق: سل حذيفة عن الباب: من هو؟ فسأله؟ فقال: الباب عمر ".

وفي رواية للبخاري: "فقال: الباب عمر ".

وعن قدامة بن مظعون رضي الله عنه: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أدرك عثمان بن مظعون وهو على راحلته وعثمان على راحلته على ثنية الأثاية من العرج، فقطعت راحلته راحلة عثمان وقد مضت راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام الركب، فقال عثمان بن مظعون: أوجعتني يا غلق الفتنة! فلما استسهلت الرواحل دنا منه عمر بن الخطاب، فقال: يغفر الله لك أبا السائب! ما هذا الاسم الذي سميتنيه؟ فقال: لا والله؛ ما أنا سميتكه، سماك رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا هو أمام الركب يقدم القوم، مررت يوما ونحن جلوس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«هذا غلق الفتنة (وأشار بيده) ، لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش هذا بين ظهرانَيكم» .

رواه: البزار، والطبراني.

وعن أبي ذر رضي الله عنه: أنه لقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأخذ بيده فغمزها، وكان عمر رجلا شديدا، فقال: أرسل يدي يا قفل الفتنة! فقال عمر: وما قفل الفتنة؟ ! قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وقد اجتمع عليه الناس، فجلست في آخرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا تصيبكم فتنة ما دام هذا فيكم» .

رواه الطبراني في "الأوسط". قال الحافظ ابن حجر: "ورجاله ثقات". وقال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح؛ غير السري بن يحيى، وهو ثقة ثبت،

ص: 148

ولكن الحسن البصري لم يسمع من أبي ذر فيما أظن".

وعن معاذ رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال باب الفتنة مغلقًا عن أمتي ما عاش لهم عمر بن الخطاب، فإذا هلك عمر تتابعت عليهم الفتن» .

رواه الديلمي.

وروي: "أن عمر رضي الله عنه دخل على أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهما، فوجدها تبكي، فقال: ما يبكيك؟ ! قالت: هذا اليهودي - لكعب الأحبار - يقول: إنك باب من أبواب جهنم. فقال عمر: ما شاء الله! ثم خرج فأرسل إلى كعب فجاءه، فقال: يا أمير المؤمنين! والذي نفسي بيده؛ لا ينسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة. فقال: ما هذا؟ مرة في الجنة ومرة في النار؟ ! فقال: إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم؛ تمنع الناس أن يقتحموا فيها، فإذا مت اقتحموا".

رواه الخطيب في "الرواة عن مالك ".

وعن خالد بن الوليد رضي الله عنه؛ قال: "كتب إلي أمير المؤمنين - يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين ألقى الشام بوانيه بثنية وعسلا، فأمرني أن أسير إلى الهند - والهند في أنفسنا يومئذ البصرة - قال: وأنا لذلك كاره. قال: فقام رجل، فقال: اتق الله يا أبا سليمان! فإن الفتن قد ظهرت. فقال: وابن الخطاب حي؟ ! إنما تكون بعده والناس بذي بليان وذي بليان، فينظر الرجل فيفكر هل يجد مكانا لم ينزل فيه مثل ما نزل بمكانه الذي هو به من الفتنة والشر فلا يجد، وتلك الأيام التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يدي الساعة، أيام الهرج، فنعوذ بالله أن تدركنا وإياكم تلك الأيام".

رواه: الإمام أحمد، والطبراني في "الكبير" و "الأوسط". قال الهيثمي:

ص: 149

"ورجاله ثقات، وفي بعضهم ضعف".

وقد ذكر هذا الأثر ابن كثير في "تاريخه" عن عزرة بن قيس؛ قال: "خطبنا خالد بن الوليد رضي الله عنه، فقال: إن أمير المؤمنين عمر بعثني إلى الشام، فحين ألقى بوانيه بثنية وعسلا؛ أراد أن يؤثر بها غيري ويبعثني إلى الهند. فقال رجل من تحته: اصبر أيها الأمير! فإن الفتن قد ظهرت. فقال خالد: أما وابن الخطاب حي؛ فلا، وإنما ذاك بعده".

وروى ابن عساكر في "تاريخه" عن عزرة بن قيس: "أن رجلا قال لخالد بن الوليد رضي الله عنه: إن الفتن قد ظهرت. فقال: أما وابن الخطاب حي فلا؛ إنها إنما تكون بعده"، ثم ذكر بقيته بنحو ما تقدم في رواية أحمد والطبراني.

وروى: نعيم بن حماد في "الفتن"، وابن عساكر في "تاريخه"؛ عن عزرة بن قيس أيضا؛ قال:"قام رجل إلى خالد بن الوليد بالشام وهو يخطب، فقال: إن الفتن قد ظهرت. فقال خالد: أما وابن الخطاب حي فلا؛ إنما ذاك إذا كان الناس بذي بلى وذي بلى، وجعل الرجل يذكر الأرض ليس بها مثل الذي يفر إليها منه ولا يجده؛ فعند ذلك تظهر الفتن".

وروى ابن أبي شيبة عن طارق بن شهاب؛ قال: "جلد خالد بن الوليد رضي الله عنه رجلا حدّا، فلما كان من الغد؛ جلد رجلا آخر حدّا، فقال رجل: هذه والله الفتنة؛ جلد أمس رجلا في حد، وجلد اليوم رجلا في حد. فقال خالد: ليس هذه بفتنة، إنما الفتنة أن تكون في أرض يعمل فيها بالمعاصي، فتريد أن تخرج منها إلى أرض لا يعمل فيها بالمعاصي، فلا تجدها".

قوله: "بوانيه" أي: خيره وما فيه من السعة والنعمة. قاله ابن الأثير وابن منظور في "لسان العرب". قال ابن منظور: "ويقال: ألقى عصاه وألقى بوانيه".

ص: 150

قال ابن الأثير: "و (البواني) في الأصل: أضلاع الصدر، وقيل: الأكتاف والقوائم، الواحدة: بانية".

وقوله: "بثنية": قال ابن منظور: "وفيه قولان: قيل: البثنية: حنطة منسوبة إلى بلدة معروفة بالشام من أرض دمشق (قال ابن الأثير: وهي ناحية من رستاق دمشق، يقال بها: البثنية) . والآخر: أنه أراد البثنية الناعمة من الرملة اللينة، يقال لها: بثنة، وتصغيرها بثينة، فأراد خالد أن الشام لما سكن وذهبت شوكته وصار لينا لا مكروه فيه خصبا كالحنطة والعسل؛ عزلني". قال: "والبثنة: الزبدة الناعمة؛ أي: لما صار زبدة ناعمة وعسلا صرفني؛ لأنها صارت تجبى أموالها من غير تعب".

وقوله: "بذي بليان وذي بليان": هذا مثل للبعد والتفرق.

قال ابن منظور في "لسان العرب": "وهو بذي بلي وبلي، وبلى وبلى، وبليان وبليان؛ بفتح الباء واللام: إذا بعد عنك حتى لا تعرف موضعه".

وقال صاحب "القاموس": "وهو بذي بلى؛ كـ (حتى) و (إلا) و (رضي) ويكسر، وبليان؛ محركة وبكسرتين مشددة الثالث: إذا بعد عنك حتى لا تعرف موضعه".

ثم ذكر ابن منظور عن أبي عبيد: أنه قال: "أراد تفرق الناس، وأن يكونوا طوائف وفرقا من غير إمام يجمعهم، وكذلك كل من بعد عنك حتى لا تعرف موضعه فهو بذي بلي، وهو من بل في الأرض: إذا ذهب، أراد ضياع أمور الناس بعده". وكذا قال ابن الأثير في "النهاية". قال ابن منظور: "وفيه لغة أخرى: بذي بليان؛ يعني: بكسر الباء واللام المشددة".

وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: "كان عمر بن الخطاب حائطا حصينا على الإسلام، يدخل الناس فيه ولا يخرجون منه، فانثلم الحائط،

ص: 151

والناس يخرجون منه ولا يدخلون فيه".

رواه ابن وضاح.

وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "ما بينكم وبين أن يرسل عليكم الشر فراسخ إلا موت عمر ".

رواه: ابن أبي شيبة، ونعيم بن حماد في "الفتن"، وابن عساكر في "تاريخه".

باب

ما جاء في سنة خمس وثلاثين وسنة سبعين

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين، فإن يهلكوا فسبيل من هلك، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عامًا. قال: قلت: أمما مضى أم مما بقي؟ قال: "مما بقي"» .

رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، وأبو داود السجستاني، وابن حبان في "مستدركه"، وقال:"صحيح على شرط مسلم "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وفي رواية أبي داود الطيالسي والحاكم وبعض روايات أحمد: «فقال عمر: يا رسول الله! بما مضى أو بما بقي؟ قال: بما بقي» .

قال الخطابي: "دوران الرحى كناية عن الحرب والقتال، شبهها بالرحى الدوارة التي تطحن الحب؛ لما يكون فيها من تلف الأرواح وهلاك الأنفس، قال الشاعر يصف حربا:

فدارت رحانا واستدارت رحاهم

سراة النهار ما تولى المناكب

ص: 152

وقال صعصعة بن صوحان جد الفرزدق: أتيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين رفع يده عن مرحى الجمل؛ يريد: حرب الجمل".

وقال ابن الأثير: "إن كان أراد سنة خمس وثلاثين من الهجرة؛ ففيها خرج أهل مصر وحصروا عثمان رضي الله عنه، وجرى فيها ما جرى، وإن كانت ستا وثلاثين؛ ففيها كانت وقعة الجمل، وإن كانت سبعا وثلاثين؛ ففيها كانت وقعة صفين".

وقوله: "وإن يقم لهم دينهم": قال الخطابي: "يريد بالدين هاهنا الملك؛ قال زهير:

لئن حللت بجو في بني أسد

في دين عمرو وحالت بيننا فدك

يريد: ملك عمرو وولايته".

قال: "ويشبه أن يكون أريد بهذا ملك بني أمية وانتقاله عنهم إلى بني العباس، وكان ما بين أن استقر الأمر لبني أمية إلى أن ظهرت الدعوة بخراسان وضعف أمر بني أمية ودخل الوهن فيهم نحوا من سبعين سنة". انتهى.

وروى عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر عن أبي إسحاق عن رجل عن ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال: "إذا كانت سنة خمس وثلاثين حدث أمر عظيم، فإن تهلكوا فبالحري، وإن تنجوا فعسى، وإذا كانت سبعين رأيتم ما تنكرون".

باب

ما جاء في قتل عثمان رضي الله عنه وظهور الفتن بسبب قتله

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه؛ قال: «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حائط من حيطان المدينة، فجاء رجل فاستفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "افتح له»

ص: 153

«وبشره بالجنة". ففتحت له؛ فإذا هو أبو بكر، فبشرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فحمد الله. ثم جاء رجل فاستفتح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "افتح له وبشره بالجنة". ففتحت له؛ فإذا هو عمر، فأخبرته بما قال النبي صلى الله عليه وسلم فحمد الله. ثم استفتح رجل، فقال لي: "افتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه". فإذا عثمان، فأخبرته بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، ثم قال: الله المستعان» .

رواه: الإمام أحمد، والشيخان، والترمذي، وهذا لفظ البخاري.

وعند مسلم: أن عثمان رضي الله عنه قال: اللهم صبرا، أو: الله المستعان. وفي رواية لأحمد: فجعل يقول: اللهم صبرا حتى جلس......

وعن نافع بن عبد الحارث رضي الله عنه؛ قال: «خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل حائطًا، فقال: "أمسك علي الباب". فجاء حتى جلس على القف ودلى رجليه، فضرب الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر. فقلت: يا رسول الله! هذا أبو بكر. قال: "ائذن له وبشره بالجنة ". فدخل، فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على القف، ودلى رجليه في البئر. ثم ضرب الباب، فقلت: من هذا؟. قال: عمر. قلت: يا رسول الله! هذا عمر. قال: "ائذن له وبشره بالجنة". ففعلت، فجاء، فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على القف، ودلى رجليه في البئر. ثم ضرب الباب، فقلت: من هذا؟ قال: عثمان. قلت: يا رسول الله! هذا عثمان. قال: "ائذن له وبشره بالجنة معها بلاء". فأذنت له وبشرته بالجنة، فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على القف، ودلى رجليه في البئر» .

رواه: الإمام أحمد، والطبراني. قال الهيثمي:"ورجال أحمد رجال الصحيح".

قال ابن كثير: "هكذا وقع في هذه الرواية، فيحتمل أن أبا موسى ونافع بن عبد الحارث كانا موكلين بالباب أو أنها قصة أخرى ".

ص: 154

وقد رواه الإمام أحمد عن عفان عن وهيب عن موسى بن عقبة: سمعت أبا سلمة ولا أعلمه إلا عن نافع بن عبد الحارث: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطًا، فجلس على قف البئر، فجاء أبو بكر، فاستأذن، فقال لأبي موسى: "ائذن له وبشره بالجنة". ثم جاء عمر، فقال: "ائذن له وبشره بالجنة". ثم جاء عثمان، فقال: "ائذن له وبشره بالجنة وسيلقى بلاء» .

قال ابن كثير: "وهذا السياق أشبه من الأول، على أنه قد رواه النسائي من حديث صالح بن كيسان عن أبي الزناد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن نافع بن عبد الحارث عن أبي موسى الأشعري. فالله أعلم". انتهى.

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ قال: «كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في حش من حشان المدينة، فاستأذن رجل، فقال: "ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه"؛ فإذا هو عثمان رضي الله عنه، فجعل يقول: اللهم صبرًا؛ حتى جلس. فقلت: أين أنا. فقال: "أنت مع أبيك» .

رواه البخاري في "التاريخ الكبير" بإسناد صحيح، ورواه الإمام أحمد بزيادة ونقص.

ورواه الطبراني، ولفظه: قال: «كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم بحش من حشان المدينة، فجاء رجل، فاستأذن، فقال: "قم فائذن له وبشره بالجنة". فقمت فأذنت له؛ فإذا هو أبو بكر، فبشرته بالجنة، فجعل يحمد الله حتى جلس. ثم جاء رجل فاستأذن فقال: "قم فائذن له وبشره بالجنة". فقمت فأذنت له؛ فإذا هو عمر، فأذنت له وبشرته بالجنة، فجعل يحمد الله حتى جلس. ثم جاء خفيض الصوت، فقال: "قم فائذن له وبشره بالجنة في بلوى تصيبه". فقمت فأذنت له؛ فإذا هو عثمان، فبشرته بالجنة على بلوى تصيبه، فقال: اللهم صبرًا؛ حتى جلس. قلت: يا رسول الله! فأين أنا؟ قال: "أنت مع أبيك» .

ص: 155

قال الهيثمي: "بعض رجال الطبراني وأحمد رجال الصحيح".

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: «وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسواف وبلال معه، فدلى رجليه في البئر وكشف عن فخذيه، فجاء أبو بكر يستأذن، فقال: "يا بلال! ائذن له وبشره بالجنة ". فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودلى رجليه في البئر، وكشف عن فخديه. ثم جاء عمر يستأذن، فقال: "ائذن له يا بلال وبشره بالجنة ". فدخل فجلس عن يسار رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودلى رجليه في البئر، وكشف عن فخديه. ثم جاء عثمان يستأذن، فقال: "ائذن له يا بلال وبشره بالجنة على بلوى تصيبه". فدخل عثمان، فجلس قبالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودلى رجليه في البئر، وكشف عن فخديه» .

رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح؛ غير شيخ الطبراني علي بن سعيد، وهو حسن الحديث".

(الأسواف) : موضع بالمدينة شامي البقيع.

وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه؛ قال: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "انطلق حتى تأتي أبا بكر، فتجده في بيته جالسًا محتبيًا، فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك: أبشر بالجنة. ثم انطلق حتى تأتي الثنية، فتلقى عمر فيها على حمار تلوح صلعته، فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك: أبشر بالجنة، ثم انطلق حتى تأتي السوق، فتلقى عثمان فيها يبيع ويبتاع، فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة بعد بلاء شديد". فانطلقت إلى أبي بكر، فوجدته في بيته جالسًا محتبيًا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة. فقال: وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: في مكان كذا وكذا. فقام إليه. ثم أتيت الثنية؛ فإذا فيها عمر على حمار تلوح صلعته كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم،»

ص: 156

«فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة. فقال: وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: في مكان كذا وكذا. فانطلق. ثم انطلقت حتى أتيت السوق، فلقيت عثمان فيها يبيع ويبتاع كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة بعد بلاء شديد. فقال: وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأخذ بيدي، فجئنا جميعًا حتى أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له عثمان: يا رسول الله! إن زيدًا أتاني فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر بالجنة بعد بلاء شديد؛ فأي بلاء يصيبني يا رسول الله؟ ! والذي بعثك بالحق ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعتك. فقال: "هو ذاك» .

رواه الطبراني في "الأوسط" و "الكبير"، وزاد فيه:«إن الله مقمصك قميصًا، فإذا أرادك المنافقون على خلعه؛ فلا تخلعه» . قال الهيثمي: "فيه عبد الأعلى بن أبي المساور، وقد ضعفه الجمهور، ووثق في رواية عن يحيى بن معين، والمشهور عنه تضعيفه..... وقد رواه البيهقي بنحوه، وقال: عبد الأعلى ضعيف".

وعن قيس بن أبي حازم عن أبي سهلة عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «"ادعوا لي بعض أصحابي ". قلت: أبو بكر؟ قال: "لا". قلت: عمر؟ قال: "لا". قلت: ابن عمك علي؟ قال: "لا". قالت: قلت: عثمان؟ قال: "نعم". فلما جاء قال: "تنحي". فجعل يساره ولون عثمان يتغير، فلما كان يوم الدار وحصر فيها؛ قلنا: يا أمير المؤمنين ألا تقاتل؟ ! قال: لا؛ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدًا، وإني صابر نفسي عليه» .

رواه: الإمام أحمد بإسناد جيد، والحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

ص: 157

وروى الترمذي طرفا من آخره، ولفظه: عن قيس: حدثني أبو سهلة؛ قال: قال لي عثمان يوم الدار: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إلي عهدا؛ فأنا صابر عليه» .

ثم قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

ورواه ابن ماجه عن قيس بن أبي حازم عن عائشة رضي الله عنها؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: «"وددت أن عندي بعض أصحابي". قلنا: يا رسول الله! ألا ندعو لك أبا بكر؟ فسكت. قلنا: ألا ندعو لك عمر؟ فسكت. قلنا: ألا ندعو لك عثمان؟ قال: "نعم". فجاء، فخلا به، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يكلمه ووجه عثمان يتغير» . قال قيس: فحدثني أبو سهلة مولى عثمان: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال يوم الدار: " «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا فأنا صائر إليه (وفي رواية: وأنا صابر عليه) » . قال قيس: فكانوا يرونه ذلك اليوم.

إسناده صحيح على شرط الشيخين، ورواه ابن حبان في "صحيحه" بنحوه.

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: «أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن عفان، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأينا إقبال رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان؛ أقبلت إحدانا على الأخرى، فكان من آخر كلمة أن ضرب منكبه وقال: "يا عثمان! إن الله عسى أن يلبسك قميصًا، فإن أرادك المنافقون على خلعه؛ فلا تخلعه حتى تلقاني (ثلاثًا) » . فقلت لها: يا أم المؤمنين فأين كان هذا عنك؟ ! قالت: نسيته، والله ما ذكرته.

قال: فأخبرته معاوية بن أبي سفيان، فلم يرض بالذي أخبرته حتى كتب إلى أم المؤمنين: أن اكتبي إلي به، فكتبت إليه به كتابا.

رواه: الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه. وهذا لفظ أحمد، ورواية

ص: 158

الترمذي مختصرة، وقال:"هذا حديث حسن غريب".

ورواه الإمام أحمد أيضا عن عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن عبد الله بن أبي قيس: حدثني النعمان بن بشير رضي الله عنهما؛ قال: كتب معي معاوية إلى عائشة رضي الله عنها كتابا، فدفعت إليها كتابه، فحدثتني أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعثمان:«إن الله لعله يقمصك قميصًا، فإن أرادك أحد على خلعه فلا تخلعه (ثلاث مرات) » . قال النعمان: فقلت ك يا أم المؤمنين فأين كنت عن هذا الحديث؟ فقالت: يا بني! والله أنسيته.

إسناده صحيح على شرط مسلم.

وقد رواه ابن حبان في "صحيحه" من طريق زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح، وفيه أن عائشة رضي الله عنها قالت للنعمان بن بشير رضي الله عنهما: ألا أحدثك بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى. قالت: «إني عنده ذات يوم أنا وحفصة، فقال صلى الله عليه وسلم: "لو كان عندنا رجل يحدثنا". فقلت: يا رسول الله! أبعث إلى عمر فيجيء فيحدثنا؟ قالت: فسكت. قالت: فدعا رجلًا، فأشار إليه بشيء دوننا، فذهب فجاء بعثمان، فأقبل عليه بوجهه، فسمعته يقول صلى الله عليه وسلم: "يا عثمان إن الله يقمصك قميصًا، فإن أرادوك على خلعه؛ فلا تخلعه (ثلاثًا) » . قلت: يا أم المؤمنين! فأين كنت عن هذا الحديث؟ قالت: يا بني! أنسيته كأني لم أسمعه قط.

ورواه الطبراني في "الأوسط" من حديث أبي عبد الله الجسري؛ قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها، فذكر الحديث، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يا عثمان! عسى أن يقمصك الله قميصًا، فإن أرادك المنافقون على خلعه؛ فلا تخلعه (ثلاث مرات) » . فقال لها النعمان بن بشير: يا أم المؤمنين! أين كنت عن

ص: 159

هذا الحديث؟ ! فقالت: نسيته ورب الكعبة حتى قتل الرجل.

وفي رواية عند الطبراني أيضا: "فما فجأني إلا وعثمان جاث على ركبتيه قائلا: أظلما وعدوانا يا رسول الله؟ ! فحسبت أنه أخبره بقتله".

قال الهيثمي: "أحد إسنادي الطبراني حسن".

وقال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: حدثنا محمد بن كناسة الأسدي أبو يحيى: حدثنا إسحاق بن سعيد عن أبيه؛ قال: بلغني أن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: ما استمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة؛ فإن عثمان جاءه في نحر الظهيرة، فظننت أنه جاءه في أمر النساء، فحملتني الغيرة على أن أصغيت إليه، فسمعته يقول:«إن الله ملبسك قميصًا تريدك أمتي على خلعه؛ فلا تخلعه» . فلما رأيت عثمان يبذل لهم ما سألوه إلا خلعه؛ علمت أنه عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي عهد إليه.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: «ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة، فمر رجل، فقال: "يقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلومًا". قال: فنظرت؛ فإذا هو عثمان بن عفان» .

رواه: الإمام أحمد، والترمذي، وقال:"هذا حديث حسن غريب".

وعن موسى بن عقبة؛ قال: حدثني جدي أبو أمي أبو حبيبة: أنه دخل الدار وعثمان محصور فيها، وأنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يستأذن عثمان في الكلام، فأذن له فقام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «"إنكم تلقون بعدي فتنة واختلافًا". فقال له قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله؟ ! قال: "عليكم بالأمين وأصحابه"، وهو يشير إلى عثمان بذلك» .

رواه: الإمام أحمد، والحاكم في "مستدركه"، وقال "صحيح الإسناد

ص: 160

ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه"، وفي رواية الحاكم: قال: «عليكم بالأمير وأصحابه» .

ورواه الحاكم أيضا من حديث موسى ومحمد وإبراهيم بني عقبة؛ قالوا: حدثنا أبو أمنا أبو حسنة؛ قال: شهدت أبا هريرة.............. فذكره بنحو ما تقدم، وصححه هو والذهبي.

وعن عبد الله بن حوالة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «" يابن حوالة: كيف تفعل في فتن تخرج من أطراف الأرض كأنها صياصي بقر؟ ! " قلت: لا أدري؛ ما خار الله لي ورسوله. قال: "اتبعوا هذا" ورجل مقفي حينئذ، فانطلقت فسعيت، فأخذت بمنكبه، فأقبلت بوجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قلت: هذا؟ قال: "نعم". فإذا هو عثمان بن عفان» .

رواه: الإمام أحمد، والطبراني. قال الهيثمي:"ورجالهما رجال الصحيح".

وعن مرة البهزي رضي الله عنه؛ قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق من طرق المدينة، فقال:«"كيف تصنعون في فتنة تثور في أقطار الأرض كأنها صياصي بقر؟ ! " قالوا: نصنع ماذا يا رسول الله؟ قال: "عليكم هذا وأصحابه (أو: اتبعوا هذا وأصحابه) " قال: فأسرعت حتى عييت، فأدركت الرجل، فقلت: هذا يا رسول الله؟ قال: "هذا ". فإذا هو عثمان بن عفان» .

رواه: الإمام أحمد، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم وصححه.

وعن أبي الأشعث الصنعاني: أن خطباء قامت بالشام، وفيهم رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقام آخرهم رجل يقال له: مرة بن كعب رضي الله عنه، فقال:«لولا حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ما قمت، وذكر الفتن فقربها، فمر رجل مقنع في ثوب، فقال: "هذا يومئذ على الهدى". فقمت إليه؛ فإذا هو»

ص: 161

«عثمان بن عفان، فأقبلت عليه بوجهه، فقلت: هذا؟ قال: "نعم» .

رواه: الترمذي، والحاكم، وهذا لفظ الترمذي، وقال:"هذا حديث حسن صحيح". قال: "وفي الباب عن ابن عمر وعبد الله بن حوالة وكعب بن عجرة ". وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

ورواه الطبراني من حديث جبير بن نفير؛ قال: بينا نحن معسكرين مع معاوية رضي الله عنه بعد قتل عثمان رضي الله عنه، فقام مرة بن كعب البهزي رضي الله عنه، فقال: أنا والله لولا شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ما قمت هذا المقام. فلما سمع معاوية رضي الله عنه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أجلس الناس؛ قال: «بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس؛ إذ مر بنا عثمان بن عفان مترجلًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتخرجن فتنة من تحت رجلي (أو من تحت قدمي) هذا، ومن اتبعه يومئذ على الهدى". فقمت حتى أخذت بمنكبي عثمان حتى بينته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: هذا؟ قال: "نعم؛ هذا ومن اتبعه يومئذ على الهدى» . فقام عبد الله بن حوالة الأزدي من عند المنبر، فقال: إنك لصاحب هذا. قال: نعم. قال: أما والله إني حاضر ذلك المجلس، ولو كنت أعلم أن لي في الجيش مصدقا لكنت أول من تكلم به. قال الهيثمي:"رجاله وثقوا".

وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه؛ قال: «ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقربها وعظمها. قال: ثم مر رجل مقنع في ملحفة، فقال: "هذا يومئذ على الحق". قال: فانطلقت مسرعًا أو محضرًا، وأخذت بضبعيه فقلت: هذا يا رسول الله؟ قال: "هذا". فإذا هو عثمان بن عفان» .

رواه: الإمام أحمد، وابن ماجه.

وعن جابر رضي الله عنه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فتنة، فقال أبو بكر: أنا»

ص: 162

«أدركها؟ فقال: "لا". فقال عمر: أنا يا رسول الله أدركها؟ قال: "لا". فقال عثمان: يا رسول الله! فأنا أدركها؟ قال: "بك يبتلون» .

رواه البزار. قال الهيثمي: "وفيه ماعز التميمي، ذكره ابن أبي حاتم ولم يجرحه أحد، وبقية رجاله ثقات".

وعن عثمان رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك ستبتلى بعدي؛ فلا تقاتلن» .

رواه أبو يعلى. قال الهيثمي: "وشيخه غير منسوب، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات، وقد رواه الحافظ الضياء المقدسي من طريق أبي يعلى وصححه".

وعن أبي عون الأنصاري: أن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال لابن مسعود رضي الله عنه: هل أنت منته عما بلغني عنك؟ فاعتذر بعض العذر، فقال عثمان: ويحك! إني قد سمعت وحفظت وليس كما سمعت، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«سيقتل أمير وينتزي منتز» . وإني أنا المقتول وليس عمر، إنما قتل عمر واحد وإنه يجتمع علي.

رواه الإمام أحمد، ورواته ثقات؛ إلا أنه منقطع بين عثمان وأبي عون.

وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تقتلوا إمامكم، وتجتلدوا بأسيافكم، ويرث دنياكم شراركم» .

رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، وابن ماجه.

وعن عبد الله بن حوالة الأزدي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من نجا من ثلاث؛ فقد نجا (ثلاث مرات) : موتي، والدجال، وقتل خليفة مصطبر بالحق يعطيه» .

رواه: الإمام أحمد، والطبراني، والحاكم في "مستدركه". قال الهيثمي:

ص: 163

"ورجال أحمد رجال الصحيح؛ غير ربيعة بن لقيط، وهو ثقة". وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث من نجا منها؛ فقد نجا: من نجا عند موتي فقد نجا، ومن نجا عند قتل خليفة يقتل مظلومًا وهو مصطبر يعطي الحق من نفسه؛ فقد نجا، ومن نجا من فتنة الدجال فقد نجا» .

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه إبراهيم بن يزيد المصري، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".

وعن عمر بن ربيعة: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل إلى كعب الأحبار، فقال:"يا كعب! كيف تجد نعتي؟ ". قال: أجد نعتك قرنا من حديد. قال: "وما قرن من حديد؟ ! ". قال: أمير شديد لا تأخذه في الله لومة لائم. قال: "ثم مه؟ ". قال: ثم يكون من بعدك خليفة تقتله فئة ظالمة. قال: "ثم مه؟ ". قال: ثم يكون البلاء.

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".

وعن ثمامة بن حزن القشيري؛ قال: «شهدت الدار حين أشرف عليهم عثمان رضي الله عنه، فقال: ائتوني بصاحبيكم اللذين ألباكم علي. قال: فجيء بهما كأنهما جملان (أو كأنهما حماران) . قال: فأشرف عليهم عثمان رضي الله عنه، فقال: أنشدكم بالله والإسلام؛ هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال رسول الله: "من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة "، فاشتريتها من صلب مالي، فأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر. قالوا: اللهم نعم. فقال: أنشدكم بالله والإسلام؛ هل تعلمون أن المسجد»

ص: 164

«ضاق بأهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة"، فاشتريتها من صلب مالي، وأنتم اليوم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين. قالوا: اللهم نعم. قال: أنشدكم بالله والإسلام؛ هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من مالي؟ قالوا: اللهم نعم. ثم قال: أنشدكم بالله والإسلام؛ هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة ومعه أبو بكر وعمر وأنا، فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض. قال: فركضه برجله، فقال: "اسكن ثبير؛ فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان". قالوا: اللهم نعم. قال: الله أكبر! شهدوا لي ورب الكعبة أني شهيد (ثلاثًا) » .

رواه: الترمذي، والنسائي، وعبد الله ابن الإمام أحمد، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن". قال: "وقد روي من غير وجه عن عثمان رضي الله عنه ".

وعن عبد الملك بن عمير عن ابن أخي عبد الله بن سلام؛ قال: "لما أريد عثمان رضي الله عنه؛ جاء عبد الله بن سلام رضي الله عنه، فقال له عثمان: ما جاء بك؟ قال: جئت في نصرتك. قال: اخرج إلى الناس فاطردهم عني؛ فإنك خارج خير لي منك داخل. قال: فخرج عبد الله بن سلام إلى الناس، فقال: أيها الناس! إنه كان اسمي في الجاهلية فلان، فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، ونزلت في آيات من كتاب الله، نزلت في: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ، ونزلت في: {كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} ، إن لله سيفا مغمودا عنكم، وإن الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي نزل فيه نبيكم؛ فالله الله في هذا الرجل أن تقتلوه، فوالله إن قتلتموه لتطردن جيرانكم الملائكة، ولتسلن سيف الله المغمود عنكم فلا يغمد إلى يوم القيامة. قال: فقالوا: اقتلوا اليهودي، واقتلوا عثمان ".

رواه الترمذي، وقال:"هذا حديث غريب". قال: "وقد رواه شعيب بن

ص: 165

صفوان عن عبد الملك بن عمير عن ابن محمد بن عبد الله بن سلام عن جده عبد الله بن سلام ".

قلت: وهذه الرواية عند الطبراني من طريق عبد الملك بن عمير: أن محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام استأذن على الحجاج بن يوسف، فأذن له، فدخل وسلم، وأمر رجلين مما يلي السرير أن يوسعا له، فأوسعا له، فجلس، فقال له الحجاج: لله أبوك، أتعلم حديثا حدثه أبوك عبد الملك بن مروان عن جدك عبد الله بن سلام؟ قال: فأي حديث؟ قال: حديث المصريين حين حصروا عثمان. قال: قد علمت ذلك الحديث: "أقبل عبد الله بن سلام رضي الله عنه وعثمان رضي الله عنه محصور، فانطلق، فدخل عليه، فوسعوا له حتى دخل، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين! فقال: وعليك السلام، ما جاء بك يا عبد الله بن سلام؟ ! قال: جئت لأثبت حتى أستشهد أو يفتح الله لك، ولا أرى هؤلاء القوم إلا قاتلوك، فإن يقتلوك فذاك خير لك وشر لهم. فقال عثمان: أسألك بالذي لي عليك من الحق؛ لما خرجت إليهم؛ خير يسوقه الله بك، وشر يدفعه الله بك. فسمع وأطاع، فخرج عليهم، فلما رأوه اجتمعوا وظنوا أنه قد جاءهم ببعض ما يسرون به، فقام خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد؛ فإن الله عز وجل بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بشيرا ونذيرا؛ يبشر بالجنة من أطاعه، وينذر بالنار من عصاه، وأظهر دينه على الدين كله ولو كره المشركون، ثم اختار له المساكن، فاختار له المدينة، فجعلها دار الهجرة، وجعلها دار الإيمان، فوالله ما زالت الملائكة حافين بالمدينة منذ قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم، وما زال سيف الله مغمودا عنكم مذ قدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم. ثم قال: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، فمن اهتدى؛ فإنما يهتدي بهدى الله، ومن ضل؛ فإنما يضل بعد البيان والحجة، وإنه لم يقتل نبي فيما مضى؛ إلا قتل به سبعون ألف مقاتل؛ كلهم يقتل به، ولا قتل خليفة قط؛ إلا

ص: 166

قتل به خمسة وثلاثون ألف مقاتل؛ كلهم يقتل به، فلا تعجلوا على هذا الشيخ بقتل، فوالله لا يقتله رجل منكم؛ إلا لقي الله يوم القيامة ويده مقطوعة مشلولة، واعلموا أنه ليس لوالد على ولد حق إلا لهذا الشيخ عليكم مثله. قال: فقاموا، فقالوا: كذبت اليهود، كذبت اليهود. فقال: كذبتم والله، وأنتم آثمون، ما أنا بيهودي، وإني لأحد المسلمين، يعلم الله بذلك ورسوله والمؤمنون، وقد أنزل الله في القرآن:{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} ، وقد أنزل الآية الأخرى:{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} . قال: فقاموا، فدخلوا على عثمان فذبحوه كما يذبح الحلان. قال شعيب: فقلت لعبد الملك بن عمير: ما الحلان؟ ! قال: الحمل. قال: وقد قال عثمان لكثير بن الصلت: يا كثير! أنا والله مقتول غدا. قال: بل يعلي الله كعبك ويكبت عدوك. قال: ثم أعادها الثالثة، فقال مثل ذلك. قال: عم تقول يا أمير المؤمنين؟ ! قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر، فقال لي: يا عثمان! أنت عندنا غدا، وأنت مقتول غدا؛ فأنا والله مقتول. قال: فقتل، فخرج عبد الله بن سلام إلى القوم قبل أن يتفرقوا، فقال: يا أهل مصر! يا قتلة عثمان! قتلتم أمير المؤمنين، أما والله؛ لا يزال عهد منكوث ودم مسفوح ومال مقسوم، لا سقيتم".

قال الهيثمي: "رجاله ثقات".

وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه: "أنه قال حين هاج الناس في أمر عثمان: أيها الناس! لا تقتلوا هذا الشيخ واستعتبوه؛ فإنه لن تقتل أمة نبيها فيصلح أمرهم حتى يهراق دماء سبعين ألفا منهم، ولن تقتل أمة خليفتها فيصلح أمرهم حتى يهراق دماء أربعين ألفا منهم، فلم ينظروا فيما قال، وقتلوه. فجلس لعلي في الطريق، فقال: أين تريد؟ فقال: أريد أرض العراق. قال: لا تأت

ص: 167

العراق، وعليك بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فوثب إليه أناس من أصحاب علي، وهموا به، فقال علي رضي الله عنه: دعوه؛ فإنه منا أهل البيت. فلما قتل علي رضي الله عنه؛ قال عبد الله لابن معقل: هذه رأس الأربعين، وسيكون على رأسها صلح، ولن تقتل أمه نبيها؛ إلا قتل به سبعون ألفا، ولن تقتل أمة خليفتها؛ إلا قتل به أربعون ألفا".

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح".

وعن عبد الرحمن بن جبير؛ قال: "سمع عبد الله بن سلام رضي الله عنه رجلا يقول لآخر: قتل عثمان بن عفان، فلم ينتطح فيه عنزان. فقال ابن سلام رضي الله عنه: أجل؛ إن البقر والمعز لا تنطح في قتل الخليفة، ولكن ينتطح فيه الرجال بالسلاح، والله ليقتلن به أقوام إنهم لفي أصلاب آبائهم ما ولدوا بعد".

رواه محمد بن عائذ، وذكره ابن كثير في "تاريخه".

وعن عدي بن حاتم رضي الله عنه؛ قال: "قال رجل لما قتل عثمان: لا ينتطح فيه عنزان. قلت: بلى وتفقأ فيها عيون كثيرة".

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وإسناده حسن".

وعن قيس بن عباد؛ قال: سمعت عليا رضي الله عنه يوم الجمل يقول: اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان، ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان، وأنكرت نفسي، وجاؤوني للبيعة، فقلت: والله إني لأستحي من الله أن أبايع قوما قتلوا رجلا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة» ، وإني لأستحي من الله أن أبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يدفن بعد. فانصرفوا، فلما دفن رجع الناس فسألوني البيعة، فقلت: اللهم إني مشفق مما أقدم عليه. ثم جاءت عزيمة فبايعت؛ فلقد قالوا: يا أمير المؤمنين! فكأنما صدع

ص: 168

قلبي، وقلت: اللهم خذ مني لعثمان حتى ترضى.

رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن محمد بن حاطب: أنه قال لعلي رضي الله عنه: إنا قادمون المدينة والناس سائلونا عن عثمان؛ فماذا نقول فيه؟ قال: فتكلم عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر فقالا وقالا، فقال لهما علي: يا عمار! ويا محمد! تقولان: إن عثمان استأثر وأساء الإمرة، وعاقبتم والله فأسأتم العقوبة، وستقدمون على حكم عدل يحكم بينكم. ثم قال:"يا محمد بن حاطب! إذا قدمت المدينة، وسئلت عن عثمان؟ قل: كان والله من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثم اتقوا وآمنوا، ثم اتقوا وأحسنوا، والله يحب المحسنين، وعلى الله فليتوكل المؤمنون".

رواه الحاكم في "مستدركه".

وعن ميمون بن مهران: أنه ذكر أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "ما يسرني أني أخذت سيفي في قتل عثمان وأن لي الدنيا وما فيها ".

رواه الحاكم في "مستدركه".

وعن طلق بن خشاف؛ قال: "وفدنا إلى المدينة لننظر فيم قتل عثمان، فانطلقت حتى أتيت عائشة رضي الله عنها، فسلمت عليها، فردت السلام وقالت: من الرجل؟ قلت: من أهل البصرة. قالت: ومن أي أهل البصرة؟ قلت: من بكر بن وائل. فقالت: ومن أي بكر بن وائل؟ فقلت: من بني قيس بن ثعلبة. فقالت: من آل فلان؟ فقلت لها: يا أم المؤمنين! فيم قتل عثمان أمير المؤمنين؟ قالت: قتل والله مظلوما، لعن الله قتلته، أقاد الله من ابن أبي بكر به، وساق الله إلى أعين بني تميم هوانا في بيته، وأراق الله دماء ابني بديل على ضلالة، وساق الله إلى الأشتر سهما من سهامه. فوالله؛ ما من القوم رجل إلا

ص: 169

أصابته دعوتها".

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح؛ غير طلق، وهو ثقة".

وقد روى البخاري في "التاريخ الكبير" طرفا منه، وهو قول عائشة في عثمان:"إنه قتل مظلوما، ولعن الله قتلته".

وعن محمد بن سيرين: "أن محمد بن أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة وكعبا ركبا سفينة في البحر، فقال محمد: يا كعب! أما تجد سفينتنا هذه في التوراة كيف تجري؟ قال: لا؛ ولكن أجد فيها رجلا أشقى الفتية من قريش، ينزو في الفتنة نزو الحمار؛ فاتق لا تكن أنت هو". قال ابن سيرين: "فزعموا أنه كان هو".

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح".

وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "أول الفتن قتل عثمان، وآخر الفتن خروج الدجال، والذي نفسي بيده لا يموت رجل وفي قلبه مثقال حبة من حب قتل عثمان إلا تبع الدجال إن أدركه، وإن لم يدركه آمن به في قبره".

ذكره ابن كثير في "تاريخه" عن الأعمش عن زيد بن وهب عن حذيفة، وقد رواه: ابن أبي شيبة مختصرا، وابن عساكر في "تاريخه" مطولا بنحو ما ذكر هاهنا.

وعن محمد بن سيرين: أن حذيفة رضي الله عنه قال: "اللهم إن كان قتل عثمان بن عفان خيرا؛ فليس لي فيه نصيب، وإن كان قتله شرا فأنا منه بريء، والله لئن كان قتله خيرا ليحلبنه لبنا، وإن كان قتله شرا ليمتص به دما".

ص: 170

رواه ابن أبي الدنيا.

وعن أبي عبد الله البحراني: "أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما في مرضه الذي هلك فيه كان عنده رجل من إخوانه وهو يناجي امرأته، ففتح عينيه، فسألهما؟ فقالا خيرا. فقال: إن شيئا تسرانه دوني ما هو بخير! قال: قتل الرجل (يعني: عثمان) . قال: فرجع، ثم قال: اللهم إني كنت من هذا الأمر بمعزل، فإن كان خيرا فهو لمن حضره وأنا منه بريء، وإن كان شرا فهو لمن حضره وأنا منه بريء، اليوم تغيرت القلوب يا عثمان. الحمد لله الذي سبق بي الفتن قادتها وعلوجها".

رواه محمد بن عائذ، وذكره ابن كثير في "تاريخه".

وعن الحسن؛ قال: لما حضر حذيفة الموت؛ قال: "الحمد لله الذي سبق بي الفتنة قادتها وعلوجها".

رواه أبو نعيم في "الحلية".

وعن قتادة عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: أنه قال: "لو كان قتل عثمان هدى لاحتلبت به الأمة لبنا، ولكنه كان ضلالا، فاحتلبت به الأمة دما".

رواه الحسن بن عرفة، ورجاله رجال الصحيح؛ إلا أنه منقطع بين قتادة وأبي موسى.

وعن قيس بن أبي حازم؛ قال: سمعت سعيد بن زيد رضي الله عنه يقول: "لقد رأيتني وإن عمر موثقي على الإسلام، ولو انقض أحد مما فعلتم بعثمان كان محقوقا أن ينقض".

رواه البخاري، وفي رواية:"ولو أن أحدا ارفض للذي صنعتم بعثمان؛ لكان محقوقا أن يرفض ".

ص: 171

ومعنى (ارفض) : زال من مكانه، ومعنى (انقض) : سقط.

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "وإنما قال ذلك سعيد لعظم قتل عثمان، وهو مأخوذ من قوله تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا} ".

وعن زهدم الجرمي؛ قال: "خطب ابن عباس رضي الله عنهما، فقال: لو لم يطلب الناس بدم عثمان لرموا بالحجارة من السماء".

رواه محمد بن سعد، وذكره ابن كثير في "تاريخه"، قال:"وقد روي من غير هذا الوجه عنه".

باب

ما جاء في واقعة الجمل ومسير عائشة رضي الله عنها إلى العراق

عن مطرف - وهو ابن عبد الله بن الشخير - قال: قلت للزبير رضي الله عنه: يا أبا عبد الله ما جاء بكم؟ ضيعتم الخليفة حتى قتل، ثم جئتم تطلبون بدمه؟ ! قال الزبير:"إنا قرأناها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} ، لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت".

رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح، وقد تقدم ذكره وذكر ما رواه الحسن عن الزبير في ذلك.

وعن قيس بن أبي حازم؛ قال: " جاء الزبير رضي الله عنه إلى عمر رضي الله عنه يستأذنه في الغزو. فقال عمر: اجلس في بيتك، فقد غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ". قال: "فردد ذلك عليه، فقال عمر في الثالثة أو التي تليها: اقعد في

ص: 172

بيتك؛ فوالله إني لأجد بطرف المدينة منك ومن أصحابك أن تخرجوا فتفسدوا على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ".

رواه: البزار، والحاكم في "مستدركه"، وصححه الذهبي في "تلخيصه".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، وتكون بينهما مقتلة عظيمة، ودعواهما واحدة» .

متفق عليه.

وعن الشعبي؛ قال: "قالت عائشة رضي الله عنها لأبي بكر رضي الله عنه: إني رأيت بقرا تنحر حولي. قال: إن صدقت رؤياك قتلت حولك فئة".

رواه: ابن أبي شيبة، ونعيم بن حماد في "الفتن"، وابن أبي الدنيا.

وعن مسروق؛ قال: "قالت لي عائشة رضي الله عنها: إني رأيتني على تل وحولي بقر تنحر. فقلت لها: لئن صدقت رؤياك لتكونن حولك ملحمة. قالت: أعوذ بالله من شرك، بئس ما قلت. فقلت لها: فلعله إن كان أمرا سيسوؤك. فقالت: والله لئن أخر من السماء أحب إلي من أن أفعل ذلك

" الحديث. رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: " لو حدثتكم أن أمكم تغزوكم أتصدقوني؟ ! ". قالوا: أوحق ذلك؟ ! قال: "نعم".

رواه: نعيم بن حماد في "الفتن"، وابن عساكر في "تاريخه".

وعنه رضي الله عنه: أنه قال لرجل: "ما فعلت أمك؟ ". قال: قد ماتت قال: "أما إنك ستقاتلها". فعجب الرجل من ذلك حتى خرجت عائشة.

ص: 173

رواه ابن أبي شيبة.

وعن خيثمة بن عبد الرحمن؛ قال: "كنا عند حذيفة رضي الله عنه، فقال بعضنا: حدثنا يا أبا عبد الله ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: لو فعلت لرجمتموني". قال: "قلنا: سبحان الله! أنحن نفعل ذلك؟! قال: أرأيتكم لو حدثتكم أن بعض أمهاتكم تأتيكم في كتيبة كثير عددها شديد بأسها؛ صدقتم به؟ قالوا: سبحان الله! ومن يصدق بهذا؟ ! ثم قال حذيفة: أتتكم الحميراء في كتيبة، يسوقها أعلاجها، حيث تسوء وجوهكم. ثم قام فدخل مخدعا".

رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن زيد بن وهب؛ قال: "بينا نحن حول حذيفة رضي الله عنه؛ إذ قال: كيف أنتم وقد خرج أهل بيت نبيكم صلى الله عليه وسلم فرقتين يضرب بعضهم وجوه بعض بالسيف؟ ! فقلنا: يا أبا عبد الله! وإن ذلك لكائن؟ ! فقال بعض أصحابه: يا أبا عبد الله! فكيف نصنع إن أدركنا ذلك الزمان؟ قال: انظروا الفرقة التي تدعو إلى أمر علي فالزموها؛ فإنها على الهدى".

رواه البزار. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنه سيكون بعدي اختلاف أو أمر، فإن استطعت أن تكون السلم؛ فافعل» .

رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد المسند"، ورواته ثقات.

وعن أبي رافع رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: «إنه سيكون بينك وبين عائشة أمر. قال: أنا يا رسول الله؟ قال: "نعم". قال: أنا أشقاهم يا رسول الله؟ قال: "لا، ولكن إذا كان ذلك؛ فارددها إلى مأمنها» .

ص: 174

رواه: الإمام أحمد، والبزار، والطبراني. قال الهيثمي:"ورجاله ثقات".

وعن أم سلمة رضي الله عنها؛ قالت: «ذكر النبي صلى الله عليه وسلم خروج بعض أمهات المؤمنين، فضحكت عائشة، فقال لها: "انظري يا حميراء أن لا تكوني أنت" ثم التفت إلى علي، وقال: "يا علي! إن وليت من أمرها شيئًا؛ فارفق بها» .

رواه: الحاكم، والبيهقي. وقال الحاكم:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". وقال ابن كثير: "هذا حديث حسن غريب جدا".

قلت: وله شاهد مما قبله وما بعده.

وعن قيس بن أبي حازم: «أن عائشة رضي الله عنها لما نزلت على الحوأب؛ سمعت نباح الكلاب، فقالت: ما أظنني إلا راجعة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لنا: "أيتكن ينبح عليها كلاب الحوأب؟ ! ". فقال لها الزبير: ترجعين؟ عسى الله أن يصلح بك بين الناس» .

رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والبزار، وابن حبان في "صحيحه" والحاكم في "مستدركه".

قال الحافظ ابن حجر: "وسنده على شرط الصحيح".

وقال الهيثمي: "رجال أحمد رجال الصحيح".

وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه: «ليت شعري! أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، تخرج فينبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها وعن يسارها قتلى كثير، ثم تنجو بعدما كادت؟ !» .

رواه البزار. قال الهيثمي والحافظ ابن حجر: "رجاله ثقات". ورواه أيضا ابن أبي شيبة بنحوه.

ص: 175

(الأدبب) : بهمزة مفتوحة ودال ساكنة ثم موحدتين الأولى مفتوحة.

قال ابن الأثير: "أراد الأدب، فأظهر الإدغام لأجل الحوأب، والأدب: الكثير وبر الوجه". قال: "والحوأب: منزل بين مكة والبصرة".

قلت: وهو بفتح الحاء وسكون الواو وبعدها همزة ثم موحدة. وفي رواية لأحمد: أنه من مياه بني عامر.

وعن عمير بن سعيد؛ قال: "كنا جلوسا مع ابن مسعود وأبو موسى عنده، وأخذ الوالي رجلا فضربه وحمله على جمل، فجعل الناس يقولون: الجمل الجمل. فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن! هذا الجمل الذي كنا نسمع؟ ! قال: فأين البارقة".

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح".

(البارقة) : السيوف؛ يريد أن الجمل الذي كانوا يسمعون عنه يكون عنده مقتلة تبرق فيها السيوف؛ أي: تلمع عند الضرب بها، وليس هذا به.

وعن الحسن - وهو البصري - عن أبي بكرة رضي الله عنه؛ قال: لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل، لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن فارسا ملكوا ابنة كسرى؛ قال:«لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» .

رواه: الإمام أحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي، وهذا لفظ البخاري.

ولفظ الترمذي؛ قال: «لقد عصمني الله بشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما هلك كسرى؛ قال: "من استخلفوا؟ " قالوا: ابنته. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» . قال: فلما قدمت عائشة - يعني: البصرة - ذكرت قول رسول الله، فعصمني الله به. قال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح".

ص: 176

ورواه الحاكم في "مستدركه" بنحوه، ورواه أيضا من وجه آخر، ولفظه: قال: لما كان يوم الجمل؛ أردت أن آتيهم أقاتل معهم، حتى ذكرت حديثا سمعته رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه بلغه أن كسرى أو بعض ملوك الأعاجم مات فولوا أمرهم امرأة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا يفلح قوم تملكهم امرأة» .

قال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، وقد تقدم أن البخاري رواه، ولكن بغير هذا اللفظ.

وقد رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده" عن عيينة بن عبد الرحمن بن جوشن عن أبيه عن أبي بكرة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» .

عيينة وأبوه كل منهما ثقة.

وروى: ابن أبي شيبة، والبزار، والبيهقي؛ بإسناد ضعيف عن أبي بكرة رضي الله عنه: أنه قيل له: ما منعك أن تقاتل مع أهل البصرة يوم الجمل؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج قوم هلكى لا يفلحون، قائدهم امرأة، قائدهم في الجنة» .

قال ابن كثير: "وهذا منكر جدا".

وروى عمر بن شبة من طريق مبارك بن فضالة عن الحسن: أن عائشة رضي الله عنها أرسلت إلى أبي بكرة رضي الله عنه، فقال: إنك لأم، وإن حقك لعظيم، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» .

وعن عبد الله بن زياد الأسدي؛ قال: "لما سار طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم إلى البصرة؛ بعث علي رضي الله عنه عمار بن ياسر وحسن بن علي رضي الله عنهما، فقدما علينا الكوفة، فصعدا المنبر، فكان الحسن بن

ص: 177

علي فوق المنبر في أعلاه، وقام عمار أسفل من الحسن، فاجتمعنا إليه، فسمعت عمارا يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة، ووالله إنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك تعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي".

رواه البخاري.

وعن أبي وائل؛ قال: "قام عمار رضي الله عنه على منبر الكوفة، فذكر عائشة، وذكر مسيرها، وقال: إنها زوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكنها مما ابتليتم".

رواه: الإمام احمد، والبخاري، وهذا لفظه.

وعن أبي وائل أيضا؛ قال: "كنت جالسا مع أبي مسعود وأبي موسى وعمار رضي الله عنهم، فقال أبو مسعود: ما من أصحابك أحد إلا لو شئت لقلت فيه؛ غيرك، وما رأيت منك شيئا منذ صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعيب عندي من استسراعك في هذا الأمر. قال عمار: يا أبا مسعود! وما رأيت منك ولا من صاحبك هذا شيئا منذ صحبتما رسول الله صلى الله عليه وسلم أعيب عندي من إبطائكما في هذا الأمر. فقال أبو مسعود - وكان موسرا -: يا غلام! هات حلتين، فأعطى إحداهما أبا موسى والأخرى عمارا، وقال: روحا فيه إلى الجمعة".

رواه: الإمام احمد، والبخاري.

وعن أبي يزيد المدينى؛ قال: "قال عمار بن ياسر رضي الله عنه لعائشة رضي الله عنها لما فرغوا من الجمل: ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليكم (يشير إلى قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} . فقالت: أبو اليقظان؟ قال: نعم. قالت: والله إنك - ما علمت - لقوال بالحق. قال: الحمد لله الذي قضى لي على لسانك".

ص: 178

رواه ابن جرير. قال الحافظ ابن حجر: "وسنده صحيح".

وعن هشام وقيس وعن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: "وددت أني كنت ثكلت عشرة مثل الحارث بن هشام وأني لم أسر مسيري مع ابن الزبير ".

رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن محمد بن قيس؛ قال: "ذكر لعائشة رضي الله عنها يوم الجمل. قالت: والناس يقولون: يوم الجمل؟ ! قالوا: نعم. قالت: وددت أني كنت جلست كما جلس أصحابي، وكان أحب إلي أن أكون ولدت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ومثل عبد الله بن الزبير ".

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه أبو معشر نجيح، وهو ضعيف يكتب حديثه، وبقية رجاله ثقات".

وعن قتادة؛ قال: «"لما ولى الزبير رضي الله عنه يوم الجمل؛ بلغ عليًا رضي الله عنه، فقال: لو كان ابن صفية يعلم أنه على حق ما ولى. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيهما في سقيفة بني ساعدة، فقال: "أتحبه يا زبير؟ ". فقال: وما يمنعني؟ ! قال: "فكيف بك إذا قاتلته وأنت ظالم له؟ ! "» . قال: "فيرون أنه إنما ولى لذلك".

رواه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة، وهو مرسل صحيح الإسناد.

وعن أبي جرو المازني؛ قال: «شهدت عليًا والزبير رضي الله عنهما حين تواقفا، فقال له علي: يا زبير! أنشدك الله، أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنك تقاتلني وأنت ظالم"؟ ! قال: نعم. ولم أذكر إلا في موقفي هذا» . ثم انصرف.

ص: 179

رواه: أبو يعلى، والبيهقي؛ بإسناد ضعيف.

وعن يزيد الفقير عن أبيه وعن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي عن أبيه - دخل حديث أحدهما في حديث صاحبه - قالا: «لما دنا علي وأصحابه من طلحة والزبير، ودنت الصفوف بعضها من بعض؛ خرج علي رضي الله عنه وهو على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنادى: ادعوا لي الزبير بن العوام؛ فإني علي، فدعي له الزبير، فأقبل حتى اختلفت أعناق دوابهما، فقال علي: يا زبير! نشدتك بالله أتذكر يوم مر بك رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في مكان كذا وكذا، فقال: "يا زبير! تحب عليًا؟ ". فقلت: ألا أحب ابن خالي وابن عمي وعلى ديني؟ ! فقال: "يا علي! أتحبه؟ ". فقلت: يا رسول الله! ألا أحب ابن عمتي وعلى ديني؟ فقال: "يا زبير! أما والله لتقاتلنه وأنت ظالم له". فقال الزبير: بلى، والله؛ لقد نسيته منذ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ذكرته الآن، والله لا أقاتلك.» فرجع الزبير على دابته يشق الصفوف، فعرض له ابنه عبد الله بن الزبير، فقال: ما لك؟ فقال: ذكرني علي حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول:«لتقاتلنه وأنت ظالم له» ؛ فلا أقاتله. فقال: وللقتال جئت؟ ! إنما جئت لتصلح بين الناس ويصلح الله بك هذا الأمر. قال: قد حلفت أن لا أقاتله. قال: فأعتق غلامك خير وقف حتى تصلح بين الناس. فأعتق غلامه، ووقف، فلما اختلف أمر الناس ذهب على فرسه.

رواه البيهقي. قال ابن كثير: "وهو غريب".

وعن عبد الرحمن بن أبزى؛ قال: "انتهى عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي إلى عائشة رضي الله عنها يوم الجمل وهي في الهودج، فقال: يا أم المؤمنين! أتعلمين أني أتيتك عندما قتل عثمان، فقلت: ما تأمريني؟ فقلت: الزم عليا؟ فسكتت. فقال: اعقروا الجمل! فعقروه، فنزلت أنا وأخوها محمد، فاحتملنا هودجها، فوضعناه بين يدي علي، فأمر بها، فأدخلت بيتا".

ص: 180

رواه ابن أبي شيبة، قال الحافظ ابن حجر:"وسنده جيد".

وعن عمرة بنت عبد الرحمن؛ قالت: "لما سار علي رضي الله عنه إلى البصرة؛ دخل على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها يودعها، فقالت: سر في حفظ الله وفي كنفه؛ فوالله إنك لعلى الحق والحق معك، ولولا أني أكره أن أعصي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه أمرنا صلى الله عليه وسلم أن نقر في بيوتنا؛ لسرت معك، ولكن والله لأرسلن معك من هو أفضل عندي وأعز علي من نفسي، ابني عمر ".

رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن أبي سعيد التيمي عن أبي ثابت مولى أبي ذر؛ قال: كنت مع علي رضي الله عنه يوم الجمل، فلما رأيت عائشة رضي الله عنها واقفة؛ دخلني بعض ما يدخل الناس، فكشف الله عني ذلك عند صلاة الظهر، فقاتلت مع أمير المؤمنين، فلما فرغ ذهبت إلى المدينة، فأتيت أم سلمة رضي الله عنها، فقلت: إني والله ما جئت أسأل طعاما ولا شرابا ولكني مولى لأبي ذر. فقالت: مرحبا. فقصصت عليها قصتي، فقالت: أين كنت حين طارت القلوب مطائرها؟ قلت: إلى حيث كشف الله ذلك عني عند زوال الشمس. قالت: أحسنت؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «علي مع القرآن والقرآن مع علي، لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض» .

رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح الإسناد، وأبو سعيد التيمي هو عقيصاء: ثقة مأمون، ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

قلت: عقيصاء اسمه دينار: قال النسائي: "ليس بالقوي". وقال البخاري: "يتكلمون فيه". وذكر الذهبي في "الميزان" عن الدارقطني أنه قال: "متروك الحديث". وقال السعدي: "غير ثقة". وذكر ابن حجر في "لسان

ص: 181

الميزان" عن ابن معين أنه قال: "ليس بشيء". وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد": "متروك الحديث".

وعلى هذا ففي تصحيح الحاكم والذهبي لهذا الحديث نظر، والله أعلم.

وعن جري بن سمرة؛ قال: "لما كان من أهل البصرة الذي كان بينهم وبين علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ انطلقت حتى أتيت المدينة، فأتيت ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، وهي من بني هلال، فسلمت عليها، فقالت: ممن الرجل؟ قلت: من أهل العراق. قالت: من أي أهل العراق؟ قلت: من أهل الكوفة. قالت: من أي أهل الكوفة؟ قلت: من بني عامر. قالت: مرحبا؛ قربا على قرب، ورحبا على رحب، فمجيء ما جاء بك؟ قلت: كان بين علي وطلحة الذي كان، فأقبلت فبايعت عليا. قالت: فالحق به؛ فوالله ما ضل ولا ضل به؛ حتى قالتها ثلاثا".

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح؛ غير جري بن سمرة، وهو ثقة".

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: كنا عند بيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من المهاجرين والأنصار، فقال:«ألا أخبركم بخياركم؟ ". قالوا: بلى. قال: "الموفون المطيبون، إن الله يحب الخفي التقي". قال: ومر علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: "الحق مع ذا، الحق مع ذا» .

رواه أبو يعلى. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".

وسيأتي حديث سعد بن أبي وقاص وأم سلمة رضي الله عنهما بنحوه في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى.

وعن قيس بن عباد؛ قال: "قال علي رضي الله عنه لابنه الحسن بن علي

ص: 182

يوم الجمل: يا حسن! ليت أباك مات منذ عشرين سنة. قال: فقال له الحسن: يا أبت! قد كنت أنهاك عن هذا. قال: يا بني! لم أر أن الأمر يبلغ هذا".

رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة"، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

وعن محمد بن حاطب: "أن الحسن بن علي رضي الله عنهما؛ قال: يا أبت! قد كنت أنهاك عن هذا المسير؛ فغلبك على رأيك فلان وفلان. قال: قد كان ذاك يا بني، ولوددت أني مت قبل هذا بعشرين سنة".

رواه الحاكم في "مستدركه".

باب

ما جاء في وقعة صفين وقتل عمار بن ياسر رضي الله عنه

عن حرملة بن عمران؛ قال: سمعت يزيد بن أبي حبيب يحدث محمد بن يزيد بن أبي زياد الثقفي؛ قال: "اصطحب قيس بن خرشة وكعب ذو الكتابين (يعني: كعب الأحبار، وإنما سماه ذا الكتابين لأنه قرأ التوراة والقرآن) ، حتى إذا بلغا صفين وقف كعب ساعة، فقال: لا إله إلا الله؛ ليهراقن من دماء المسلمين بهذه البقعة شيء لا يهراق ببقعة من الأرض. فغضب قيس، ثم قال: وما يدريك يا أبا إسحاق ما هذا؟ هذا من الغيب الذي استأثر الله به! فقال كعب: ما من الأرض شبر إلا وهو مكتوب في التوراة التي أنزل الله على موسى ما يكون عليه وما يخرج فيه إلى يوم القيامة".

رواه: الحسن بن سفيان في "مسنده"، والطبراني، وابن عبد البر في "الاستيعاب"، وهو مرسل.

وقد تقدم حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا»

ص: 183

«تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، وتكون بينهما مقتلة عظيمة، ودعواهما واحدة» .

متفق عليه.

وتقدم أيضا قول حذيفة رضي الله عنه: "انظروا الفرقة التي تدعو إلى أمر علي؛ فالزموها؛ فإنها على الهدى".

رواه البزار. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".

وتقدم أيضا قول أم سلمة رضي الله عنها لعلي رضي الله عنه: "إنك لعلى الحق، والحق معك".

رواه الحاكم، وقال:"صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وتقدم أيضا حديث أبي ثابت مولى أبي ذر عن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «علي مع القرآن والقرآن مع علي» .

رواه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وتقدم أيضا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «أن عليًا رضي الله عنه لما مر من عند النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحق مع ذا، الحق مع ذا» .

رواه أبو يعلى. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".

وتقدم أيضا حديث جري بن سمرة عن ميمونة رضي الله عنها: أنها أمرته أن يلحق بعلي رضي الله عنه، وقالت:«والله ما ضل ولا ضل به» .

رواه الطبراني.

وقد رواه الحاكم في "مستدركه" عن جري بن كليب العامري؛ قال: "لما

ص: 184

سار علي رضي الله عنه إلى صفين كرهت القتال، فأتيت المدينة، فدخلت على ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها، فقالت: ممن أنت؟ قلت: من أهل الكوفة. قالت: من أيهم؟ قلت: من بني عامر. قالت: رحبا على رحب، وقربا على قرب؛ فمجيء ما جاء بك؟ قال: قلت: سار علي إلى صفين، وكرهت القتال، فجئنا إلى هاهنا. قالت: أكنت بايعته؟ قال: قلت: نعم. قالت: فارجع إليه؛ فكن معه، فوالله ما ضل ولا ضل به".

قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان، دعواهما واحدة، تمرق بينهما مارقة، يقتلها أولاهما بالحق» .

رواه الإمام أحمد، وإسناده حسن.

وعن محمد بن إبراهيم التيمي: أن فلانا دخل المدينة حاجا، فأتاه الناس يسلمون عليه، فدخل سعد رضي الله عنه، فسلم، فقال: وهذا لم يعنا على حقنا على باطل غيرنا. قال: فسكت عنه. فقال: ما لك لا تتكلم؟ فقال: هاجت فتنة وظلمة، فقلت لبعيري: إخ! إخ! فأنخت حتى انجلت، فقال رجل: إني قرأت كتاب الله من أوله إلى آخره، فلم أر فيه: إخ! إخ! فقال: أما إذ قلت ذاك؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «علي مع الحق (أو: الحق مع علي) حيث كان» . قال: من سمع ذلك؟ قال: قاله في بيت أم سلمة. قال: فأرسل إلى أم سلمة رضي الله عنها، فسألها؟ فقالت: قد قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي. فقال الرجل لسعد: ما كنت عندي قط ألوم منك الآن. فقال: ولم؟ قال: لو سمعت هذا من النبي صلى الله عليه وسلم لم أزل خادما لعلي حتى أموت.

ص: 185

رواه البزار. قال الهيثمي: "وفيه سعد بن شبيب، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح".

وقد ذكره ابن كثير في "تاريخه" عن كثير النواء عن عبد الله بن بديل؛ قال: دخل سعد رضي الله عنه على معاوية رضي الله عنه، فقال له: ما لك لم تقاتل معنا؟ فقال: إني مرت بي ريح مظلمة، فقلت: إخ! إخ! فأنخت راحلتي حتى انجلت عني، ثم عرفت الطريق فسرت. فقال معاوية رضي الله عنه: ليس في كتاب الله إخ! إخ! ولكن قال الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} ، فوالله ما كنت مع الباغية على العادلة، ولا مع العادلة على الباغية. فقال سعد رضي الله عنه: ما كنت لأقاتل رجلا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت مني بمنزلة هارون من موسى؛ غير أنه لا نبي بعدي» . فقال معاوية: من سمع هذا معك؟ ! فقال: فلان وفلان وأم سلمة. فقال معاوية: أما إني لو سمعته منه صلى الله عليه وسلم لما قاتلت عليا.

وفي رواية من وجه آخر: أن هذا الكلام كان بينهما وهما بالمدينة في حجة حجها معاوية، وأنهما قاما إلى أم سلمة رضي الله عنها، فسألاها فحدثتهما بما حدث به سعد رضي الله عنه، فقال معاوية رضي الله عنه:"لو سمعت هذا قبل هذا اليوم؛ لكنت خادما لعلي حتى يموت أو أموت".

قال ابن كثير: "وفي إسناد هذا ضعف".

وعن عبد الله بن سلمة؛ قال: رأيت عمارا يوم صفين شيخا كبيرا آدم طوالا أخذ الحربة بيده ويده ترعد، فقال: "والذي نفسي بيده؛ لقد قاتلت بهذه الراية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وهذه الرابعة، والذي نفسي بيده؛ لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر؛ لعرفت أن مصلحينا على الحق وأنهم على

ص: 186

الضلالة".

رواه: الإمام أحمد، والطبراني؛ إلا أنه قال:"لقد قاتلت صاحب هذه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وهذه الرابعة". قال الهيثمي: "ورجال أحمد رجال الصحيح". ورواه الحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".

وعن عبد الله بن سلمة أيضا: أن عمارا رضي الله عنه قال: "والله؛ إني لأرى قوما ليضربنكم ضربا يرتاب له المبطلون، والله؛ لو قاتلوا حتى بلغوا بنا سعفات هجر؛ لعلمت أن صاحبنا على الحق، وهم على الباطل".

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".

وعن سيار أبي الحكم؛ قال: "قالت بنو عبس لحذيفة رضي الله عنه: إن أمير المؤمنين عثمان قد قتل؛ فما تأمرنا؟ قال: آمركم أن تلزموا عمارا. قالوا: إن عمارا لا يفارق عليا. قال: إن الحسد هو أهلك الجسد، وإنما ينفركم من عمار قربه من علي، فوالله؛ لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن عمارا لمن الأحباب، وهو يعلم أنهم إن لزموا عمارا كانوا مع علي ".

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات؛ إلا أني لم أعرف الرجل المبهم".

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «إذا اختلف الناس؛ فابن سمية مع الحق» .

رواه: الطبراني، والبيهقي.

وعن حبة العرني؛ قال: دخلنا مع أبي مسعود الأنصاري على حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أسأله عن الفتن؟ فقال: دوروا مع كتاب الله حيثما دار،

ص: 187

وانظروا الفئة التي فيها ابن سمية؛ فاتبعوها؛ فإنه يدور مع كتاب الله حيثما دار.

قال: فقلنا له: ومن ابن سمية؟ قال: عمار؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له: «لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية؛ تشرب شربة ضياح تكن آخر رزقك من الدنيا» .

رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن أبي سعيد رضي الله عنه؛ قال: كنا ننقل لبن المسجد لبنة لبنة، وكان عمار ينقل لبنتين لبنتين، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم ومسح عن رأسه الغبار وقال:«ويح عمار! تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار» .

رواه البخاري، وفي رواية له أخرى: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ويح عمار؛ يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار» . قال: يقول عمار: أعوذ بالله من الفتن.

ورواه أبو داود الطيالسي في "مسنده" مختصرا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في عمار: «تقتلك الفئة الباغية» .

ورواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: أخبرني من هو خير مني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار حين جعل يحفر الخندق وجعل يمسح رأسه؛ يقول: «بؤس ابن سمية، تقتله فئة باغية» .

ورواه: مسلم أيضا، والنسائي في "خصائص علي رضي الله عنه "؛ عن أبي سعيد رضي الله عنه؛ قال:"حدثني من هو خير مني، أبو قتادة ".

ورواه أبو داود الطيالسي من حديث أبي سعيد رضي الله عنه؛ قال: "حدثي أصحابي

" فذكره بنحوه.

وعن أم سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار: «تقتلك الفئة»

ص: 188

«الباغية» .

رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم، والنسائي في "خصائص علي رضي الله عنه ".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشر يا عمار! تقتلك الفئة الباغية» .

رواه الترمذي، وقال:"هذا حديث حسن صحيح غريب". قال: "وفي الباب عن أم سلمة وعبد الله بن عمرو وأبي اليسر وحذيفة رضي الله عنهم".

وعن عبد الله بن الحارث؛ قال: إني لأسير مع معاوية رضي الله عنه في منصرفه من صفين بينه وبين عمرو بن العاص رضي الله عنه؛ قال: فقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: يا أبت! ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار: «ويحك يابن سمية! تقتلك الفئة الباغية» . قال: فقال عمرو لمعاوية: ألا تسمع ما يقول هذا؟ فقال معاوية: لا تزال تأتينا بهنة، أنحن قتلناه؟ ! إنما قتله الذين جاؤوا به.

رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح.

(الهنة) ؛ بفتح الهاء والنون، وتجمع على هنات وهنوات، وهي الشدائد والأمور العظام.

وقوله: "إنما قتله الذين جاؤوا به": تأويل بعيد جدا، ولو كان الأمر على ما قاله معاوية رضي الله عنه؛ لكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هم الذين قتلوا حمزة وغيره من الشهداء في يوم أحد وغيره من المشاهد، وهذا معلوم البطلان بالضرورة؛ فكذلك قول معاوية رضي الله عنه:"إنما قتله الذين جاؤوا به"، وإنما قال معاوية رضي الله عنه ما قال خوفا من تفرق جنده عنه وذهابهم إلى علي

ص: 189

رضي الله عنه. والله أعلم.

وقد رواه الإمام أحمد أيضا من حديث حنظلة بن خويلد العنزي؛ قال: بينما أنا عند معاوية إذ جاءه رجلان يختصمان في رأس عمار؛ يقول كل واحد منهما: أنا قتلته. فقال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: ليطب به أحدكما نفسا لصاحبه؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقتله الفئة الباغية» . قال معاوية: فما بالك معنا؟ قال: إن أبي شكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«أطع أباك ما دام حيًا ولا تعصه» ؛ فأنا معكم ولست أقاتل.

ورواه ابن أبي شيبة، وابن عساكر في "تاريخه" بنحوه، ورواه النسائي في كتاب "خصائص علي رضي الله عنه "، بإسناد حسن، وليس فيه قول معاوية لعبد الله بن عمرو وجواب عبد الله له.

وعن أبي اليسر كعب بن عمرو وزياد بن الغرد رضي الله عنهما: أنهما سمعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار: «تقتلك الفئة الباغية» .

رواه الطبراني بإسناد منقطع.

وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، وضرب جنب عمار؛ قال:«إنك لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية» الحديث.

رواه الطبراني بإسناد ضعيف.

وعن عمار رضي الله عنه؛ قال: «أخبرني حبيبي صلى الله عليه وسلم: أنه تقتلني الفئة الباغية، وأن آخر زادي مذقة من لبن» .

رواه: أبو يعلى، والطبراني، ورواه البزار مختصرا. قال الهيثمي "وإسناده حسن".

وعن عبد الله بن الحارث: أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال

ص: 190

لمعاوية رضي الله عنه: أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار: «إنك حريص على الجهاد، وإنك لمن أهل الجنة، ولتقتلنك الفئة الباغية؟» قال: بلى. قال: فلم قتلتموه؟ قال: والله؛ ما تزال تدحض في بولك، نحن قتلناه؟ إنما قتله الذي جاء به.

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".

ورواه النسائي في "خصائص علي رضي الله عنه " بإسناد حسن، ولفظه: عن عبد الله بن الحارث؛ قال: "إني لأساير عبد الله بن عمرو بن العاص ومعاوية، فقال عبد الله بن عمرو: يا معاوية ألا تسمع ما يقولون: تقتله الفئة الباغية؟ فقال: لا تزال داحضا في بولك، أنحن قتلناه؟ وإنما قتله من جاء به إلينا".

(دحض في بوله) : زلق فيه.

وعن حبة؛ قال: اجتمع حذيفة وأبو مسعود رضي الله عنهما، فقال أحدهما لصاحبه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تقتل عمارًا الفئة الباغية» ، وصدقه الآخر.

رواه الطبراني.

وعن أبي رافع رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تقتل عمارًا الفئة الباغية» .

رواه الطبراني.

وعن عثمان رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعمار: «تقتلك الفئة الباغية» .

رواه: أبو يعلى، والطبراني.

ص: 191

وعن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية» .

رواه: أبو يعلى، والطبراني.

وعن محمد بن عمرو بن حزم؛ قال: لما قتل عمار بن ياسر رضي الله عنه؛ دخل عمرو بن حزم على عمرو بن العاص، فقال: قتل عمار، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«تقتله الفئة الباغية» . فقام عمرو بن العاص يرجع حتى دخل على معاوية، فقال معاوية: مه؟ فقال: قتل عمار. فقال معاوية: قد قتل عمار؛ فماذا؟ قال عمرو: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقتله الفئة الباغية» . فقال له معاوية: دحضت في بولك، أنحن قتلناه؟ إنما قتله علي وأصحابه، جاؤوا به حتى ألقوه بين رماحنا (أو قال: بين سيوفنا) .

رواه: الإمام أحمد، والحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح على شرطهما ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن محمد بن عمارة بن خزيمة بن ثابت؛ قال: ما زال جدي كافا سلاحه حتى قتل عمار بصفين، فسل سيفه، فقاتل حتى قتل؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تقتله الفئة الباغية» .

رواه: الإمام أحمد، والطبراني، والحاكم في "مستدركه".

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "روى حديث «تقتل عمارًا الفئة الباغية» جماعة من الصحابة؛ منهم قتادة بن النعمان وأم سلمة عند مسلم، وأبو هريرة عند الترمذي، وعبد الله بن عمرو بن العاص وعثمان بن عفان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو اليسر وعمار نفسه، وكلها عند الطبراني وغيره، وغالب طرقها صحيحة أو حسنة، وفيه عن جماعة آخرين يطول عدهم، وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة،

ص: 192

وفضيلة ظاهرة لعلي ولعمار، ورد على النواصب الزاعمين أن عليا لم يكن مصيبا في حروبه". انتهى.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: "لم أجدني آسى على شيء؛ إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي ".

رواه الطبراني بأسانيد. قال الهيثمي: "وأحدها رجاله رجال الصحيح".

وقد رواه الحاكم في "مستدركه" مطولا من حديث الزهري: "أخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر: أنه بينما هو جالس مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ إذ جاءه رجل من أهل العراق، فقال: يا أبا عبد الرحمن! إني والله لقد حرصت أن أتسمت بسمتك وأقتدي بك في أمر فرقة الناس وأعتزل الشر ما استطعت، وإني أقرأ آية من كتاب الله محكمة قد أخذت بقلبي، فأخبرني عنها، أرأيت قول الله عز وجل: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} ؟ أخبرني عن هذه الآية. فقال عبد الله رضي الله عنه: ما لك ولذلك؟ ! انصرف عني. فانطلق حتى توارى عنا سواده، وأقبل علينا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال: ما وجدت في نفسي من شيء في أمر هذه الآية ما وجدت في نفسي أني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله عز وجل".

قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن أبي وائل؛ قال: لما قدم سهل بن حنيف رضي الله عنه من صفين؛ أتيناه نستخبره، فقال: "اتهموا الرأي؛ فلقد رأيتني يوم أبي جندل، ولو أستطيع أن أرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره لرددت، والله ورسوله أعلم، وما وضعنا أسيافنا

ص: 193

على عواتقنا لأمر يفظعنا؛ إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه قبل هذا الأمر، ما نسد منها خصما إلا انفجر علينا خصم؛ ما ندري كيف نأتي له؟ ! ".

رواه: الإمام أحمد، وابن أبي شيبة، والشيخان، وهذا لفظ البخاري، وزاد في رواية له عن الأعمش: قال: "وقال أبو وائل: شهدت صفين وبئست صفون".

(الخصم) ؛ بضم الخاء: طرف الشيء وناحيته.

قال النووي: "شبهه بخصم الراوية وانفجار الماء من طرفها، أو بخصم الغرارة والخرج وانصباب ما فيه بانفجاره".

وعن عبد الكريم بن رشيد: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "يا أصحاب رسول الله! تناصحوا؛ فإنكم إن لم تفعلوا غلبكم عليها - يعني الخلافة - مثل عمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان ".

رواه نعيم بن حماد في "الفتن".

باب

الثناء على الحسن بن علي رضي الله عنهما

وما جرى على يديه من الصلح وتسكين الفتن

عن إسرائيل أبي موسى؛ قال: سمعت الحسن (يعني: البصري) يقول: استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها. فقال له معاوية - وكان والله خير الرجلين -: أي عمرو! إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء؛ من لي بأمور الناس؟ ! من لي بنسائهم؟ ! من لي بضيعتهم؟ ! فبعث إليه رجلين من قريش من بني عبد شمس: عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز، فقال: اذهبا

ص: 194

إلى هذا الرجل، فاعرضا عليه، وقولا له، واطلبا إليه. فأتياه، فدخلا عليه، فتكلما، وقالا له، وطلبا إليه، فقال لهما الحسن بن علي: إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها. قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك، ويسألك. قال: فمن لي بهذا؟ قالا: نحن لك به. فما سألهما شيئا؛ إلا قالا: نحن لك به؛ فصالحه. فقال الحسن (أي: البصري) : ولقد سمعت أبا بكرة رضي الله عنه يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي رضي الله عنهما إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى، ويقول:«إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» .

رواه: الإمام أحمد، والبخاري.

وقد رواه: الإمام أحمد أيضا، وأبو داود الطيالسي، وأبو داود السجستاني، والترمذي، والنسائي؛ من حديث الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه مختصرا، وقال الترمذي:"هذا حديث حسن صحيح".

وعن جابر رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن ابني هذا (يعني: الحسن) سيد، وليصلحن الله عز وجل به بين فئتين من المسلمين» .

رواه الطبراني، ورجاله ثقات.

قال الخطابي: "قد خرج مصداق هذا القول فيه بما كان من إصلاحه بين أهل العراق وأهل الشام، وتخليه عن الأمر؛ خوفا من الفتنة، وكراهية لإراقة الدم، ويسمى ذلك العام سنة الجماعة، وفي الخبر دليل على أن واحدا من الفريقين لم يخرج بما كان منه في تلك الفتنة من قول أو فعل عن ملة الإسلام، إذ قد جعلهم النبي صلى الله عليه وسلم مسلمين، وهكذا سبيل كل متأول فيما تعاطاه من رأي ومذهب دعا إليه إذا كان قد تأوله بشبهة، وإن كان مخطئا في ذلك، ومعلوم أن

ص: 195

إحدى الفئتين كانت مصيبة والأخرى مخطئة". انتهى.

وقال ابن كثير: "قد شهد الصادق المصدوق للفرقتين بالإسلام، فمن كفرهم أو واحدا منهم لمجرد ما وقع؛ فقد أخطأ وخالف النص النبوي المحمدي الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى". انتهى.

وعن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه؛ قال: "قلت للحسن بن علي رضي الله عنهما: إن الناس يقولون: إنك تريد الخلافة! فقال: قد كانت جماجم العرب في يدي؛ يحاربون من حاربت، ويسالمون من سالمت؛ تركتها ابتغاء وجه الله تعالى، وحقن دماء أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم أثيرها ثانيا من أهل الحجاز؟ ! ".

رواه: ابن سعد، والحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

باب

ذكر محاسن الصحابة والكف عما شجر بينهم

عن سعد بن عبيدة؛ قال: "جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما، فسأله عن عثمان رضي الله عنه، فذكر عن محاسن عمله؛ قال: لعل ذاك يسوؤك؟ قال: نعم. قال: فأرغم الله بأنفك. ثم سأله عن علي رضي الله عنه، فذكر محاسن عمله؛ قال: هو ذاك، بيته أوسط بيوت النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال: لعل ذاك يسوؤك؟ قال: أجل. قال: فأرغم الله بأنفك. انطلق فاجهد على جهدك".

رواه البخاري.

وعن نافع: "أن رجلا أتى ابن عمر رضي الله عنهما، فقال: يا أبا عبد الرحمن! ما حملك على أن تحج عاما وتعتمر عاما وتترك الجهاد في سبيل الله

ص: 196

عز وجل وقد علمت ما رغب الله فيه؟ قال: يابن أخي! بني الإسلام على خمس: إيمان بالله ورسوله، والصلوات الخمس، وصيام رمضان، وأداء الزكاة، وحج البيت. قال: يا أبا عبد الرحمن! ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} ، {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} ؟ قال: فعلنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الإسلام قليلا، فكان الرجل يفتن في دينه. إما قتلوه، وإما يعذبوه، حتى كثر الإسلام فلم تكن فتنة. قال: فما قولك في علي وعثمان؟ ! قال: أما عثمان؛ فكان الله عفا عنه، وأما أنتم فكرهتم أن تعفوا عنه، وأما علي؛ فابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه، وأشار بيده، فقال: هذا بيته حيث ترون".

رواه البخاري.

وعن عثمان بن عبد الله بن موهب؛ قال: جاء رجل من أهل مصر حج البيت، فرأى قوما جلوسا، فقال: من هؤلاء القوم؟ قالوا: هؤلاء قريش. قال: فمن الشيخ فيهم؟ قالوا: عبد الله بن عمر. قال: يابن عمر! إني سائلك عن شيء؛ فحدثني عنه: هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد؟ قال: نعم. فقال: تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد؟ قال: نعم. قال: هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم. قال: الله أكبر. قال ابن عمر رضي الله عنهما: تعال أبين لك: أما فراره يوم أحد؛ فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له، وأما تغيبه عن بدر؛ فإنه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت مريضة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن لك أجر رجل ممن شهد بدرًا وسهمه» . وأما تغيبه عن بيعة الرضوان؛ فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان، وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى:«هذه يد عثمان، فضرب بها على يده، فقال: "هذه»

ص: 197

«لعثمان» . فقال له ابن عمر رضي الله عنهما: اذهب بها الآن معك.

رواه: الإمام أحمد، والبخاري، والترمذي، وقال:"هذا حديث حسن صحيح".

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ذكر أصحابي؛ فأمسكوا» .

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه مسهر بن عبد الملك، وثقه ابن حبان وغيره، وفيه خلاف، وبقية رجاله رجال الصحيح".

وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضًا بعدي، فمن أحبهم؛ فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم؛ فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم؛ فقد آذاني، ومن آذاني؛ فقد آذى الله، ومن آذى الله؛ يوشك أن يأخذه» .

رواه الترمذي، وقال:"هذا حديث غريب".

وعن طارق بن أشيم رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «بحسب أصحابي القتل» .

رواه: الإمام أحمد، والبزار، والطبراني. قال الهيثمي:"ورجال أحمد رجال الصحيح".

وعن سعيد بن زيد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون بعدي فتن يكون فيها ويكون. فقلنا: إن أدركنا ذلك هلكنا. قال: بحسب أصحابي القتل» .

رواه الطبراني بأسانيد. قال الهيثمي: "ورجال أحدها ثقات. وقد رواه: الإمام أحمد، وأبو داود بلفظ آخر، تقدم ذكره في (باب ما يرجى للمقتول من

ص: 198

الرحمة) ، ورواتهما ثقات".

وعن أبي راشد؛ قال: جاء رجال من أهل البصرة إلى عبيد بن عمير، فقالوا: إن إخوانك من أهل البصرة يسألونك عن علي وعثمان؟ فقال: وما أقدمكم شيء غير هذا؟ قالوا: نعم. قال: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .

رواه الطبراني. وقال الهيثمي: "ورجاله ثقات".

وسئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عما جرى بين علي ومعاوية؟ فقرأ: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} .

ذكره ابن كثير في "تاريخه"؛ قال: "وكذا قال غير واحد من السلف".

وعن أبي زرعة الرازي: "أنه قال له رجل: إني أبغض معاوية. فقال له: ولم؟ قال: لأنه قاتل عليا بغير حق. فقال له أبو زرعة: ويحك! إن رب معاوية رب رحيم، وخصم معاوية خصم كريم؛ فما دخولك أنت بينهما رضي الله عنهما".

رواه ابن عساكر، وذكره ابن كثير في "تاريخه" وابن حجر في "فتح الباري".

باب

ما جاء في خلافة النبوة

عن سعيد بن جهمان عن سفينة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء» . قال سعيد: قال

ص: 199

لي سفينة: أمسك عليك: أبا بكر سنتين، وعمر عشرا، وعثمان اثنتي عشرة، وعلي كذا. قال سعيد: قلت لسفينة: إن هؤلاء يزعمون أن عليا رضي الله عنه لم يكن بخليفة! قال: كذبت أستاه بني الزرقا (يعني: بني مروان) .

رواه: الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وهذا لفظ أبي داود.

ولفظ الترمذي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخلافة في أمتي ثلاثون سنة، ثم ملك بعد ذلك» . ثم قال لي سفينة: أمسك خلافة أبي بكر، ثم قال: وخلافة عمر، وخلافة عثمان، ثم قال: أمسك خلافة علي. فوجدناها ثلاثين سنة. قال سعيد: فقلت له: إن بني أمية يزعمون أن الخلافة فيهم! قال: كذبوا بنو الزرقا، بل هم ملوك من شر المملوك.

قال الترمذي: "هذا حديث حسن، قد رواه غير واحد عن سعيد بن جهمان، ولا نعرفه إلا من حديثه".

قلت: قد رواه عبد الله ابن الإمام أحمد من حديث أبي ريحانة - واسمه عبد الله بن مطر البصري - عن سفينة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة» . فقال رجل كان حاضرا في المجلس: قد دخلت من هذه الثلاثين سنة ستة شهور في خلافة معاوية. فقال: من هاهنا أتيت تلك الشهور. كانت البيعة للحسن بن علي، بايعه أربعون ألفا، أو اثنان وأربعون ألفا.

وفي رواية لابن حبان من حديث سعيد بن جهمان عن سفينة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «الخلافة ثلاثون سنة، وسائرهم ملوك» .

قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "وكانت خلافة أبي بكر رضي الله عنه سنتين وأربعة أشهر إلا عشر ليال، وكانت خلافة عمر رضي الله عنه عشر سنين

ص: 200

وستة أشهر وأربعة أيام، وخلافة عثمان رضي الله عنه اثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوما، وكانت خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه خمس سنين إلا شهرين".

قال " "وتكميل الثلاثين الحسن بن علي رضي الله عنهما نحوا من ستة أشهر، حتى نزل عنها لمعاوية رضي الله عنه عام أربعين من الهجرة".

وقال ابن كثير أيضا: "إنما كملت الثلاثون بخلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما، فإنه نزل عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه في ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين، وذلك كمال الثلاثين سنة من موت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه توفي في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة، وهذا من دلائل النبوة صلوات الله وسلامه عليه".

وقال ابن كثير أيضا: "والسنة أن يقال لمعاوية رضي الله عنه: ملك، ولا يقال له: خليفة؛ لحديث سفينة رضي الله عنه: «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكًا عضوضًا» . انتهى.

قوله: "كذبت أستاه بني الزرقاء": (الأستاه) : جمع است، وهي العجيزة، وتطلق على حلقة الدبر، وأصله: سته؛ بفتحتين، والجمع: أستاه، والمراد أنها كلمة كاذبة؛ فهي كالضرطة التي تخرج من أدبارهم، فلا قيمة لها. و (الزرقاء) : امرأة من أمهات بني أمية. قاله بعض شراح السنن.

وعن أبي بكرة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خلافة نبوة ثلاثون عامًا، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء» . فقال معاوية: رضينا بالملك.

رواه يعقوب بن سفيان، وذكره ابن كثير في "تاريخه"، ثم قال: "وهذا الحديث فيه رد صريح على الروافض المنكرين لخلافة الثلاثة، وعلى النواصب

ص: 201

من بني أمية ومن تبعهم من أهل الشام في إنكار خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ". انتهى.

وعن عبد الرحمن بن أبي بكرة؛ قال: وفدنا على معاوية مع زياد، ومعنا أبو بكرة رضي الله عنه، فدخلنا عليه، فقال له معاوية رضي الله عنه: حدثنا حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، عسى الله أن ينفعنا به. قال: نعم. «كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الرؤيا الصالحة ويسأل عنها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيكم رأى رؤيا؟ ". فقال رجل: أنا يا رسول الله؛ إني رأيت رؤيا؛ رأيت كأن ميزانًا دلي من السماء، فوزنت أنت وأبو بكر، فرجحت بأبي بكر، ثم وزن أبو بكر بعمر، فرجح أبو بكر بعمر، ثم وزن عمر بعثمان، فرجح عمر بعثمان، ثم رفع الميزان. فاستاء لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "خلافة نبوة، ثم يؤتي الله الملك من يشاء» . فغضب معاوية، فزخ في أقفائنا وأخرجنا، فقال زياد لأبي بكرة: أما وجدت من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا تحدثه غير هذا؟ فقال: والله لا أحدثه إلا به حتى أفارقه. قال: فلم يزل زياد يطلب الإذن حتى أذن لنا، فأدخلنا، فقال معاوية رضي الله عنه: يا أبا بكرة! حدثنا بحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله أن ينفعنا به. قال: فحدثه أيضا بمثل حديثه الأول، فقال له معاوية: لا أبا لك! تخبرنا أنا ملوك؛ فقد رضينا أن نكون ملوكا.

رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، وهذا لفظه، وأبو داود السجستاني مختصرا، وهو حديث حسن، رواه علي بن زيد بن جدعان، وفيه كلام، وقد وثق، وحسن الترمذي حديثه، وأخرج له مسلم في "صحيحه" مقرونا بآخر، وأخرج له البخاري في غير الصحيح، وبقية رجاله رجال الصحيح.

قوله: " فاستاء لها "؛ قال الخطابي: "أي: كرهها حتى تبينت المساءة في وجهه، ووزنه: افتعل، من السوء ". انتهى.

ص: 202

و (الزخ) : الدفع.

وقد رواه: أبو داود السجستاني أيضا، والترمذي، والحاكم؛ من حديث الأشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن عن أبي بكرة رضي الله عنه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم: "من رأى منكم رؤيا؟ ". فقال رجل: أنا رأيت كأن ميزانًا نزل من السماء، فوزنت أنت وأبو بكر، فرجحت أنت بأبي بكر، ووزن أبو بكر وعمر، فرجح أبو بكر، ووزن عمر وعثمان، فرجح عمر، ثم رفع الميزان. فرأينا الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم» .

قال الترمذي: "وهذا حديث حسن صحيح". وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". قال الذهبي: "وأشعث هذا ثقة، لكن ما احتجا به".

فلت: قد وثقه يحيى القطان وابن معين والنسائي، وروى له البخاري تعليقا، وصحح الترمذي حديثه.

وعن سعيد بن جهمان عن سفينة مولى أم سلمة رضي الله عنهما؛ قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الصبح أقبل على أصحابه فقال: "أيكم رأى الليلة رؤيا؟ ". قال: فصلى ذات يوم، فقال: "أيكم رأى رؤيا؟ ". فقال رجل: أنا رأيت يا رسول الله كأن ميزانًا دلي به من السماء، فوضعت في كفة ووضع أبو بكر في كفة أخرى، فرجحت بأبي بكر، فرفعت وترك أبو بكر مكانه، فجيء بعمر بن الخطاب، فوضع في الكفة الأخرى، فرجح به أبو بكر، فرفع أبو بكر، وجيء بعثمان فوضع في الكفة الأخرى، فرجح عمر بعثمان، ثم رفع عمر وعثمان ورفع الميزان. قال: فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: "خلافة النبوة ثلاثون عامًا، ثم تكون ملكًا» . قال سعيد بن جهمان: فقال لي سفينة: أمسك سنتي أبي بكر، وعشر عمر، ثنتي عشرة عثمان، وست علي رضي الله عنهم.

ص: 203

رواه: البزار مختصرا، والحاكم في "مستدركه"، وهذا لفظه. قال الهيثمي:"وفيه مؤمل بن إسماعيل، وثقه ابن معين وابن حبان، وضعفه البخاري وغيره، وبقية رحاله ثقات".

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أري الليلة رجل صالح أن أبا بكر نيط برسول الله صلى الله عليه وسلم، ونيط عمر بأبي بكر، ونيط عثمان بعمر» . قال جابر رضي الله عنه: فلما قمنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قلنا: أما الرجل الصالح فرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما تنوط بعضهم ببعض؛ فهم ولاة هذا الأمر الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم.

رواه: أبو داود، والحاكم في "مستدركه"، وصححه، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

قال الخطابي: "قوله: (نيط) ؛ معناه: علق، والنوط: التعليق، والتنوط: التعلق". انتهى.

وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه: «"أن رجلًا قال: يا رسول الله! رأيت كأن دلوًا دلي من السماء، فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها فشرب شربًا ضعيفًا، ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع، ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع، ثم جاء علي فأخذ بعراقيها وانتشطت وانتضح عليه منها شيء» .

رواه أبو داود.

وعن الأقرع مؤذن عمر بن الخطاب؛ قال: "بعثني رضي الله عنه إلى الأسقف، فدعوته، فقال له عمر رضي الله عنه: وهل تجدني في الكتاب؟ قال: نعم. قال: كيف تجدني؟ ! قال: أجدك قرنًا. فرفع عليه الدرة، فقال: قرن

ص: 204

مه؟ ! قال: قرن حديد أمين شديد. قال: كيف تجد الذي يجيء من بعدي؟ فقال: أجده خليفة صالحًا غير أنه يؤثر قرابته. قال عمر رضي الله عنه: يرحم الله عثمان؛ ثلاثًا. فقال: كيف تجد الذي بعده؟ قال: أجده صدأ حديد. فوضع عمر رضي الله عنه يده على رأسه، فقال: يا دفراه! يا دفراه! فقال: يا أمير المؤمنين! إنه خليفة صالح، ولكنه يستخلف حين يستخلف والسيف مسلول والدم مهراق".

رواه أبو داود، ورواته ثقات.

قال أبو داود: " (الدفر) : النتن". وقال الخطابي: " (الدفر) ؛ بفتح الدال وسكون الفاء: النتن، ومنه قيل للدنيا: أم دفر، فأما الذفر؛ بالذال المعجمة وفتح الفاء؛ فإنه يقال لكل ريح ذكية شديدة من طيب أو نتن". انتهى.

وعن عمر بن ربيعة: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل إلى كعب الأحبار، فقال: يا كعب! كيف تجد نعتي؟ قال: أجد نعتك قرنا من حديد. قال: وما قرن من حديد؟ قال: أمير شديد لا تأخذه في الله لومة لائم. قال: ثم مه؟ قال: ثم يكون من بعدك خليفة تقتله فئة ظالمة. قال: ثم يكون البلاء". رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما؛ قال: "بينما زيد بن خارجة يمشي في بعض طرق المدينة؛ إذ خر ميتا بين الظهر والعصر، فنقل إلى أهله، وسجي بين ثوبين وكساء، فلما كان بين المغرب والعشاء؛ اجتمعن نسوة من الأنصار، فصرخوا حوله؛ إذ سمعوا صوتا من تحت الكساء يقول: أنصتوا أيها الناس! مرتين، فحسر عن وجهه وصدره، فقال: محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم النبي الأمي خاتم النبيين، كان ذلك في الكتاب. ثم قيل على لسانه: صدق صدق. أبو بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم القوي الأمين، كان ضعيفا في بدنه قويا

ص: 205

في أمر الله، كان ذلك في الكتاب الأول. ثم قيل على لسانه: صدق صدق. والأوسط عبد الله أمير المؤمنين رضي الله عنه، الذي كان لا يخاف في الله لومة لائم، وكان يمنع الناس أن يأكل قويهم ضعيفهم، كان ذلك في الكتاب الأول، ثم قيل على لسانه: صدق صدق. ثم قال: عثمان أمير المؤمنين، رحيم بالمؤمنين، خلت اثنتان وبقي أربع، واختلف الناس ولا نظام لهم، وانتحبت الأجماء؛ يعني: تنتهك المحارم، ودنت الساعة، وأكل الناس بعضهم بعضا ".

رواه الطبراني في "الكبير " و "الأوسط" بإسنادين. قال الهيثمي: "ورجال أحدهما في "الكبير" ثقات".

باب

ما جاء في الخلفاء الاثني عشر

عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يزال هذا الدين قائمًا حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة؛ كلهم تجتمع عليه الأمة. فسمعت كلاما من النبي صلى الله عليه وسلم لم أفهمه، قلت لأبي: ما يقول؟ قال: "كلهم من قريش» .

رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والترمذي، وهذا لفظ أبي داود.

وفي رواية لمسلم: قال: انطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي أبي، فسمعته يقول:«لا يزال هذا الدين عزيزًا منيعًا إلى اثني عشر خليفة. فقال كلمة صمنيها الناس، فقلت لأبي: ما قال؟ قال: "كلهم من قريش» .

ورواه أبو داود، ولفظه: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يزال هذا الدين عزيزًا إلى اثني عشر خليفة. قال: فكبر الناس وضجوا، ثم قال كلمة»

ص: 206

«خفية. قلت لأبي: يا أبه! ما قال؟ قال: "كلهم من قريش» . وزاد أبو داود في رواية: «فلما رجع إلى منزله أتته قريش، فقالوا: ثم يكون ماذا؟ قال: "ثم يكون الهرج» .

قوله: "صمنيها الناس"؛ قال النووي: "هو بفتح الصاد وتشديد الميم المفتوحة؛ أي: أصموني عنها فلم أسمعها لكثرة الكلام".

وعن أبي جحيفة رضي الله عنه؛ قال: كنت مع عمي عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب، فقال:«لا يزال أمر أمتي صالحًا حتى يمضي اثنا عشر خليفة. وخفض بها صوته، فقلت لعمي - وكان أمامي -: ما قال يا عم؟ قال: "كلهم من قريش» .

رواه: البزار، والطبراني في "الكبير " و "الأوسط". قال الهيثمي:"ورجال الطبراني رجال الصحيح".

وعن مسروق؛ قال: كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو يقرئنا القرآن، فقال له رجل:«يا أبا عبد الرحمن! هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم يملك هذه الأمة من خليفة؟ فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك. ثم قال: نعم؛ ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: اثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل» .

رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والبزار. قال الهيثمي:"وفيه مجالد بن سعيد، وثقه النسائي وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات".

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا ملك اثنا عشر من بني كعب بن لؤي؛ كان النقف والنقاف إلى يوم القيامة» .

رواه الطبراني في "الأوسط" بإسناد ضعيف، وأشار إليه الترمذي في

ص: 207

"جامعه".

وقد رواه نعيم بن حماد في الفتن من حديث أبي الطفيل؛ قال: أخذ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما بيدي، فقال:"يا عامر بن واثلة! سيكون اثنا عشر خليفة من بني كعب بن لؤي، ثم النقف والنقاف، لن يجتمع أمر الناس على إمام حتى تقوم الساعة".

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "ظهر لي في النقف: أنه بفتح النون وسكون القاف، وهو كسر الهامة عن الدماغ. والنقاف: بوزن فعال منه، وكنى بذلك عن القتل والقتال، ويؤيده قوله في بعض طرق حديث جابر بن سمرة رضي الله عنهما: ثم يكون الهرج".

قلت: وقد تقدم كلام ابن الأثير وابن منظور في النقف والنقاف في آخر (باب ذكر الفتن والتحذير منها) ؛ فليراجع.

وعن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أنه قال: "وجدت في بعض الكتب يوم اليرموك: أبو بكر الصديق أصبتم اسمه، عمر الفاروق قرنا من حديد أصبتم اسمه، وعثمان ذو النورين كفلين من الرحمة لأنه يقتل مظلوما أصبتم اسمه". قال: "ثم يكون ملك الأرض المقدسة وابنه".

قال عقبة: قلت لعبد الله: سمهما. قال: " معاوية وابنه. ثم يكون سفاح، ثم يكون منصور، ثم يكون جابر، ثم مهدي، ثم يكون الأمين، ثم يكون سين ولام (يعني: صلاحا وعاقبة) ثم يكون أمراء العصب، ستة منهم من ولد كعب بن لؤي، ورجل من قحطان؛ كلهم صالح لا يرى مثله". قال أيوب: فكان ابن سيرين إذا حدث بهذا الحديث قال: يكون على الناس ملوك بأعمالهم.

ذكر هذا الأثر الأزهري، ونقله عنه ابن منظور في "لسان العرب"، ثم قال:"قال الأزهري: هذا حديث عجيب، وإسناده صحيح".

ص: 208

وقد رواه نعيم بن حماد في كتاب "الفتن" عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أنه قال: "سيكون على هذه الأمة اثنا عشر خليفة: أبو بكر الصديق أصبتم اسمه، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه، عثمان بن عفان ذو النورين قتل مظلوما أوتي كفلين من الرحمة، ملك الأرض المقدسة معاوية وابنه، ثم يكون السفاح ومنصور وجابر والأمين وسلام وأمير العصب لا يرى مثله ولا يدرك مثله؛ كلهم من بني كعب بن لؤي، فيهم رجل من قحطان، منهم من لا يكون إلا يومين، ومنهم من يقال له: لتبايعنا أو لنقتلنك، فإن لم يبايعهم قتلوه".

باب

ما جاء في الخلافة والملك العضوض والجبرية

عن حبيب بن سالم؛ قال: سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما يقول: كنا قعودا في المسجد، وكان بشير رجلا يكف حديثه، فجاء أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه، فقال: يا بشير بن سعد! أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء؟ وكان حذيفة رضي الله عنه قاعدا مع بشير، فقال حذيفة رضي الله عنه: أنا أحفظ خطبته. فجلس أبو ثعلبة، فقال حذيفة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة» ، ثم سكت. قال حبيب: فلما قام عمر بن عبد العزيز، وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته، فكتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه، فقلت: إني لأرجو أن يكون

ص: 209

أمير المؤمنين (يعني: عمر) بعد الملك العاض والجبرية، فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز، فسر به وأعجبه.

رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والبزار، والطبراني في "الأوسط" ببعضه. قال الهيثمي:"ورجاله ثقات".

وعن مكحول عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول دينكم نبوة ورحمة، ثم ملك ورحمة، ثم ملك أعفر، ثم ملك وجبروت يستحل فيها الخمر والحرير» .

رواه الدارمي في "سننه"، وقال:"وقد سئل عن أعفر؟ فقال: يشبهه بالتراب وليس فيه خير".

وقال ابن الأثير في "النهاية": "أي ملك يساس بالنكر والدهاء، من قولهم للخبيث المنكر: عفر، والعفارة: الخبث والشيطنة، ومنه الحديث: «إن الله تعالى يبغض العفرية النفرية» ؛ هو الداهي الخبيث الشرير، ومنه العفريت". انتهى.

وعن عبد الرحمن بن سابط عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «إن الله عز وجل بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة، وكائنًا خلافة ورحمة، وكائنًا ملكًا عضوضًا، وكائنًا عتوًا وجبرية وفسادًا في الأرض؛ يستحلون الفروج والخمور والحرير، وينصرون على ذلك، ويرزقون أبدًا حتى يلقوا الله» .

رواه: أبو داود الطيالسي، والطبراني. قال الهيثمي:"وفيه ليث بن أبي سليم، وهو ثقة، ولكنه مدلس، وبقية رجاله ثقات".

قال ابن الأثير في "النهاية": "ثم يكون ملك عضوض" أي: يصيب

ص: 210

الرعية فيه عسف وظلم، كأنهم يعضون فيه عضا، والعضوض من أبنية المبالغة.

وقال أيضا: " (ثم يكون ملك وجبروت) ؛ أي: عتو وقهر؛ يقال: جبار بين الجبرية والجبروت ". انتهى.

وعن أبي ثعلبة رضي الله عنه؛ قال: لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت:«يا رسول الله! ادفعني إلى رجل حسن التعليم. فدفعني إلى أبي عبيدة بن الجراح، ثم قال: "قد دفعتك إلى رجل يحسن تعليمك وأدبك» فأتيت أبا عبيدة وهو وبشير بن سعد أبو النعمان بن بشير يتحدثان، فلما رأياني سكتا، فقلت: يا أبا عبيدة! والله ما هكذا أوصاك رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال: إنك جئت ونحن نتحدث حديثا سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فاجلس حتى نحدثك. فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن فيكم النبوة، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم تكون ملكًا وجبرية» .

رواه أبو نعيم في "المعرفة".

وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول هذا الأمر نبوة ورحمة، ثم يكون خلافة ورحمة، ثم يكون ملكًا ورحمة، ثم يكون إمارة ورحمة، ثم يتكادمون عليها تكادم الحمير؛ فعليكم بالجهاد، وإن أفضل جهادكم الرباط، وإن أفضل رباطكم عسقلان» .

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".

وعن قيس بن جابر الصدفي عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون من بعدي خلفاء، ومن بعد الخلفاء أمراء، ومن بعد الأمراء ملوك، ومن بعد الملوك جبابرة، ثم يخرج من أهل بيتي يملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا، ثم يؤمر القحطاني، فوالذي بعثني بالحق ما هو دونه» .

ص: 211

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه جماعة لم أعرفهم".

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثون نبوة، وثلاثون ملك وجبروت، وما وراء ذلك لا خير فيه» .

رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: " وفيه مطر بن العلاء الرملي، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".

وعن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنه: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: إن الله بدأ هذا الأمر حين بدأ بنبوة ورحمة، ثم يعود إلى خلافة ورحمة، ثم يعود إلى سلطان ورحمة، ثم يعود ملكا ورحمة، ثم يعود جبرية يتكادمون تكادم الحمير. أيها الناس! عليكم بالغزو والجهاد ما كان حلوا خضرا قبل أن يكون مرا عسرا، ويكون ثماما قبل أن يكون رماما أو يكون حطاما؛ فإذا شاطت المغازي، وأكلت الغنائم، واستحل الحرام؛ فعليكم بالرباط فإنه خير جهادكم".

رواه: نعيم بن حماد في "الفتن"، والحاكم في "مستدركه".

قال ابن الأثير وابن منظور: " (الثمام) : نبت ضعيف قصير لا يطول.

و (الرمام) : البالي والحطام المتكسر المتفتت. المعنى: اغزوا وأنتم تنصرون وتوفرون غنائمكم قبل أن يهن ويضعف ويكون كالثمام". انتهى.

وعن عمر أيضا رضي الله عنه: أنه قال: "أول هذه الأمة نبوة، ثم خلافة ورحمة، ثم ملك ورحمة، ثم ملك وجبرية؛ فإذا كان ذلك فبطن الأرض يومئذ خير من ظهرها".

رواه نعيم بن حماد في "الفتن".

وعن أبي الطفيل: أنه سمع حذيفة رضي الله عنه يقول: "يا أيها الناس!

ص: 212

ألا تسألوني؛ فإن الناس كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر؟ أفلا تسألون عن ميت الأحياء؟ فقال: إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم، فدعا الناس من الضلالة إلى الهدى، ومن الكفر إلى الإيمان، فاستجاب له من استجاب، فحيي بالحق من كان ميتا، ومات بالباطل من كان حيا، ثم ذهبت النبوة، فكانت الخلافة على منهاج النبوة، ثم يكون ملكا عضوضا، فمن الناس من ينكر بقلبه ويده ولسانه، والحق استكمل، ومنهم من ينكر بقلبه ولسانه كافا يده، وشعبة من الحق ترك، ومنهم من ينكر بقلبه كافا يده ولسانه، وشعبتين من الحق ترك، ومنهم من لا ينكر بقلبه ولسانه؛ فذلك ميت الأحياء".

رواه أبو نعيم في "الحلية"، وله وللأثرين قبله حكم الرفع؛ لأن فيها إخبارا عن أمر غيبي، وذلك لا يقال من قبل الرأي، وإنما يقال عن توقيف.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون بعد الأنبياء خلفاء يعملون بكتاب الله ويعدلون في عباد الله، ثم يكون من بعد الخلفاء ملوك يأخذون بالثأر ويقتلون الرجال ويصطفون الأموال؛ فمغير بيده، ومغير بلسانه، ومغير بقلبه، وليس وراء ذلك من الإيمان شيء» .

رواه البيهقي.

وعنه رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون بعدي خلفاء يعملون بما يعلمون، ويفعلون ما يؤمرون، وسيكون من بعدهم خلفاء يعملون بما لا يعلمون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن أنكر برئ، ومن أمسك سلم، ولكن من رضي وتابع» .

رواه ابن حبان في "صحيحه".

وعنه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «كانت بنو إسرائيل»

ص: 213

«تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وإنه سيكون خلفاء فيكثرون. قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم؛ فإن الله سائلهم عما استرعاهم» .

رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وابن ماجه.

باب

ما جاء في أئمة السوء ومن يغشاهم من الناس

عن أبي رافع؛ قال: أخبرني ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه لم يكن نبي قط إلا وله ومن أصحابه حواري وأصحاب يتبعون أثره ويقتدون بهديه، ثم يأتي من بعد ذلك خوالف أمراء، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون» .

رواه: الإمام أحمد، ومسلم، وهذا لفظ أحمد.

وزاد مسلم: «فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» . قال أبو رافع: فحدثته عبد الله بن عمر، فأنكره علي، فقدم ابن مسعود فنزل بقناة، فاستتبعني إليه عبد الله بن عمر يعوده، فانطلقت معه، فلما جلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث، فحدثنيه كما حدثته ابن عمر.

وعن عطاء بن يسار (وهو قاضي المدينة) ؛ قال: سمعت ابن مسعود رضي الله عنه وهو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون أمراء من بعدي؛ يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، لا إيمان بعده» .

قال عطاء: فحين سمعت الحديث منه انطلقت إلى عبد الله بن عمر، فأخبرته، فقال:

ص: 214

أنت سمعت ابن مسعود يقول هذا (كالمدخل عليه في حديثه) ؟ قال عطاء: فقلت: هو مريض؛ فما يمنعك أن تعوده؟ قال: فانطلق بنا إليه! فانطلق وانطلقت معه، فسأله عن شكواه، ثم سأله عن الحديث قال: فخرج ابن عمر وهو يقلب كفه وهو يقول: ما كان ابن أم عبد يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

رواه: الإمام أحمد مختصرا، وابن حبان في "صحيحه"، وهذا لفظه.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون عليكم أمراء يأمرونكم بما لا يفعلون، فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، ولن يرد علي الحوض» .

رواه: الإمام أحمد، والبزار. وهذا لفظ أحمد.

ولفظ البزار: قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم وفي المسجد تسعة نفر، أربعة من الموالي وخمسة من العرب، فقال:«إنها ستكون عليكم أمراء، فمن أعانهم على ظلمهم، وصدقهم بكذبهم، وغشي أبوابهم؛ فليس مني، ولست منه، ولن يرد علي الحوض، ومن لم يعنهم على ظلمهم، ولم يصدقهم بكذبهم؛ فهو مني، وأنا منه، وسيرد علي الحوض» .

قال الهيثمي: "فيه إبراهيم بن قعيس، ضعفه أبو حاتم ووثقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح".

وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه؛ قال: خرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن تسعة، خمسة وأربعة؛ أحد العددين من العرب والآخر من العجم، فقال:«اسمعوا! هل سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء؛ من دخل عليهم، فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم؛ فليس مني، ولست منه، وليس بوارد علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم، ولم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم؛ فهو مني، وأنا منه، وسيرد علي الحوض» .

ص: 215

رواه: الترمذي، والنسائي، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه"، وقال الترمذي:"هذا حديث صحيح غريب".

وفي رواية للترمذي: قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعيذك بالله يا كعب بن عجرة من أمراء يكونون من بعدي، فمن غشي أبوابهم فصدقهم في كذبهم وأعانهم على ظلمهم؛ فليس مني ولست منه، ولا يرد علي الحوض، ومن غشي أبوابهم أو لم يغش ولم يصدقهم في كذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم؛ فهو مني وأنا منه، وسيرد علي الحوض» .

قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب".

وقد رواه أبو داود الطيالسي في "مسنده"، ولفظه: قال: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فقال:«من هاهنا! هل تسمعون؟ إنه يكون بعدي أمراء يعملون بغير طاعة الله، فمن شركهم في عملهم، وأعانهم على ظلمهم؛ فليس مني، ولست منه، ومن لم يشركهم في عملهم، ولم يعنهم على ظلمهم؛ فهو مني، وأنا منه» .

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة: «"أعاذك الله من إمارة السفهاء". قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: "أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم؛ فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردون علي حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم؛ فأولئك مني وأنا منهم، وسيردون علي حوضي"» .

رواه: الإمام أحمد، والبزار. قال المنذري:"ورواتهما محتج بهم في الصحيح". وقال الهيثمي: "رجالهما رجال الصحيح".

ورواه: عبد الرزاق في "مصنفه"، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم

ص: 216

في "مستدركه"؛ بنحوه.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «يكون أمراء يغشاهم غواش (أو حواش) من الناس، يكذبون ويظلمون، فمن دخل عليهم، فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم؛ فليس مني، ولست منه، ومن لم يدخل عليهم، ولم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم؛ فهو مني، وأنا منه» .

رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى وابن حبان في "صحيحه".

وفي رواية أبي يعلى وابن حبان: «فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم؛ فأنا منه بريء» . زاد ابن حبان: «وهو مني بريء» .

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما؛ قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في المسجد بعد صلاة العشاء، فرفع بصره إلى السماء، ثم خفض حتى ظننا أنه قد حدث في السماء أمر، فقال:«ألا إنه سيكون بعدي أمراء يظلمون ويكذبون؛ فمن صدقهم بكذبهم، ومالأهم على ظلمهم؛ فليس مني، ولا أنا منه، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يمالئهم على ظلمهم؛ فهو مني، وأنا منه» .

رواه الإمام أحمد. قال المنذري: "وفي إسناده راو لم يسم، وبقيته ثقات محتج بهم في الصحيح". وقال الهيثمي نحو قول المنذري.

وعن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «إنه سيكون عليكم أمراء يظلمون ويكذبون؛ فمن صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم؛ فليس مني، ولست منه، ولا يرد علي الحوض، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم؛ فهو مني، وأنا منه، وسيرد علي الحوض» .

رواه: الإمام أحمد، والبزار، والطبراني في "الكبير" و "الأوسط". قال الهيثمي:"وأحد أسانيد البزار رجاله رجال الصحيح، ورجال أحمد كذلك".

ص: 217

وعن عبد الله بن خباب عن أبيه رضي الله عنه؛ قال: «كنا قعودا عند باب النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج علينا، فقال: "اسمعوا! " قلنا: قد سمعنا. قال: "اسمعوا! " قلنا: قد سمعنا. قال: "إنه سيكون بعدي أمراء؛ فلا تصدقوهم بكذبهم، ولا تعينوهم على ظلمهم؛ فإنه من صدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم؛ لم يرد علي الحوض» .

رواه: الإمام أحمد، والطبراني، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "مستدركه". قال الهيثمي:"ورجال الطبراني رجال الصحيح؛ خلا عبد الله بن خباب، وهو ثقة".

قلت: وكذا رجال أحمد. وقال الحاكم: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «"سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنة ويعملون بالبدعة ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها". فقلت: يا رسول الله! إن أدركتهم كيف أفعل؟ قال: "تسألني يابن أم عبد كيف تفعل؟ ! لا طاعة لمن عصى الله» .

رواه الإمام أحمد وابنه عبد الله، ورجالهما ثقات. ورواه ابن ماجه بإسنادين؛ رجال أحدهما ثقات، وفي الآخر إسماعيل بن عياش، وروايته عن الحجازيين ضعيفة، وبقية رجاله ثقات.

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيلي أموركم بعدي رجال؛ يعرفونكم ما تنكرون، وينكرون عليكم ما تعرفون؛ فلا طاعة لمن عصى الله تعالى» .

رواه: الإمام أحمد، والطبراني. قال الهيثمي:"ورجالهما ثقات؛ إلا أن إسماعيل بن عياش رواه عن الحجازيين، وروايته عنهم ضعيفة".

ص: 218

ورواه الحاكم في "مستدركه" من طرق وصححه.

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خذوا العطاء ما دام العطاء، فإذا صار رشوة على الدين؛ فلا تأخذوه، ولستم بتاركيه؛ يمنعكم الفقر والحاجة، ألا إن رحى الإسلام دائرة؛ فدوروا مع الكتاب حيث دار، ألا إن الكتاب والسلطان سيفترقان؛ فلا تفارقوا الكتاب، ألا إنه سيكون عليكم أمراء يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم؛ فإذا عصيتموهم قتلوكم، وإن أطعتموهم أضلوكم. قالوا: يا رسول الله كيف نصنع؟ قال: "كما صنع أصحاب عيسى ابن مريم؛ نشروا بالمناشير، وحملوا على الخشب؛ موت في طاعة الله خير من حياة في معصية الله» .

رواه الطبراني. قال الهيثمي: " ويزيد بن مرثد لم يسمع من معاذ، والوضين بن عطاء وثقه ابن حبان وغيره، وبقية رجاله ثقات".

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «"يكون عليكم أمراء؛ إن أطعتموهم أدخلوكم النار، وإن عصيتموهم قتلوكم ". فقال رجل: يا رسول الله! سمهم لنا لعلنا نحثو في وجوههم التراب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لعلهم يحثون في وجهك ويفقؤون عينك» .

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه سنيد بن داود؛ ضعفه أحمد ووثقه ابن حبان وأبو حاتم الرازي، وبقية رجاله ثقات".

وقد رواه ابن أبي شيبة عن ميمون بن أبي حبيب؛ قال: "قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أتمنى لحبيبي أن يقل ماله ويعجل موته. فقيل له، فقال: أخشى أن يدرككم أمراء إن أطعتموهم أدخلوكم النار، وإن عصيتموهم قتلوكم. فقال رجل: أخبرنا من هم حتى نفقأ أعينهم أو نحثو في وجوههم التراب؟ فقال: عسى أن تدركوهم فيكونوا هم الذين يفقؤون عينك

ص: 219

ويحثون في وجهك التراب".

وعن أبي سلالة الأسلمي رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيكون عليكم أئمة؛ يملكون أرزاقكم، يحدثونكم فيكذبون، ويعملون ويسيئون العمل، لا يرضون منكم حتى تحسنوا قبيحهم وتصدقوا كذبهم، فأعطوهم الحق ما رضوا به، فإذا تجاوزوا؛ فمن قتل على ذلك فهو شهيد» .

رواه: البخاري في "الكنى"، والطبراني، وابن السكن، وفيه عاصم بن عبيد الله، وهو ضعيف.

وعن أبي برزة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن بعدي أئمة إن أطعتموهم أكفروكم، وإن عصيتموهم قتلوكم، أئمة الكفر ورؤوس الضلالة» . رواه الطبراني.

وعن عبد الرحمن بن بشير الأنصاري؛ قال: "أتى رجل فنادى ابن مسعود رضي الله عنه، فأكب عليه، فقال: يا أبا عبد الرحمن متى أضل وأنا أعلم؟ قال: إذا كانت عليك أمراء إذا أطعتهم أدخلوك النار، وإذا عصيتهم قتلوك ".

رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال:"هذا موقوف صحيح الإسناد ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "لا تزالون بخير ما لم يكن عليكم أمراء لا يرون لكم حقا إلا إذا شاؤوا ".

رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "يكون أمراء يعذبونكم ويعذبهم الله".

ص: 220

رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعنه رضي الله عنه: أنه قال: "ليكونن عليكم أمراء لا يزن أحدهم عند الله يوم القيامة قشرة شعيرة".

رواه أبو نعيم في "الحلية".

ورواه نعيم بن حماد في "الفتن"، ولفظه: قال: "لا تقوم الساعة حتى يقوم على الناس من لا يزن قشر شعيرة يوم القيامة".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «سيكون بعدي أئمة؛ يعطون الحكمة على منابرهم، فإذا نزلوا نزعت منهم، وأجسادهم شر من الجيف» .

رواه الطبراني في "الأوسط". قال الهيثمي: "وفيه سعد بن مسلمة؛ ضعفه الجمهور ووثقه ابن حبان، وقال: يخطئ، وليث مدلس".

وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه؛ قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:«إنها ستكون عليكم أمراء من بعدي؛ يعظون بالحكمة على منابر، فإذا نزلوا اختلست منهم، وقلوبهم أنتن من الجيف» .

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".

وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما؛ قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليأتين على الناس زمان يكون عليهم أمراء سفهاء؛ يقدمون شرار الناس، ويظهرون بخيارهم، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك ذلك منكم فلا يكونن عريفًا ولا شرطيًا ولا جابيًا ولا خازنًا» .

رواه أبو يعلى. قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح، خلا عبد الرحمن

ص: 221

ابن مسعود، وهو ثقة".

ورواه ابن حبان في "صحيحه"، ولفظه:«ليأتين عليكم أمراء يقربون شرار الناس، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها» (والباقي بمثله) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر الزمان أمراء ظلمة ووزراء فسقة وقضاة خونة وفقهاء كذبة، فمن أدرك ذلك الزمان منكم فلا يكونن لهم جابيًا ولا عريفًا ولا شرطيًا» .

رواه الطبراني في "الصغير " و "الأوسط". قال الهيثمي: "وفيه داود بن سليمان الخراساني؛ قال الطبراني: لا بأس به، ومعاوية بن الهيثم لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات".

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى يبعث الله أمراء كذبة، ووزراء فجرة، وأمناء خونة، وقراء فسقة، سمتهم سمة الرهبان، وليس لهم رغبة (أو قال: رعة، أو قال: زعة) ، فيلبسهم الله فتنة غبراء مظلمة، يتهوكون فيها تهوك اليهود في الظلم» .

رواه البزار. قال الهيثمي: "وفيه حبيب بن عمران الكلاعي، ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح ". انتهى.

وقد رواه: البخاري في "التاريخ الكبير"، وعبد الله ابن الإمام أحمد في "زوائد الزهد" مختصرا موقوفا.

قوله: "وليس لهم رغبة"؛ أي: في الخير. "أو قال: رعة"؛ بكسر الراء؛ أي: ورع عن المحرمات. "أو قال: زعة"؛ بكسر الزاي؛ أي: وازع يمنعهم من مخالفة الأوامر وارتكاب النواهي.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي»

ص: 222

«بيده لا تقوم الساعة حتى يبعث الله أمراء كذبة، ووزراء وأعوانًا خونة، وعرفاء ظلمة، وقراء فسقة؛ سيماهم سيما الرهبان، وقلوبهم أنتن من الجيف، أهواؤهم مختلفة، فيفتح الله لهم فتنة غبراء مظلمة، فيتهاوكون، والذي نفس محمد بيده لينقضن الإسلام عروة عروة، حتى لا يقال: الله، الله» .

رواه ابن أبي الدنيا.

وعن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اقتراب الساعة اثنتان وسبعون خصلة........... (فذكر الحديث وفيه:) وكان الأمراء فجرة، والوزراء كذبة، والأمناء خونة، والعرفاء ظلمة، والقراء فسقة؛ إذا لبسوا مسوك الضأن، قلوبهم أنتن من الجيفة وأمر من الصبر، يغشيهم الله فتنة يتهاوكون فيها تهاوك اليهود الظلمة» . رواه أبو نعيم في "الحلية".

وعن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيكون بعدي سلاطين، الفتن على أبوابهم كمبارك الإبل، لا يعطون أحدًا شيئًا إلا أخذوا من دينه مثله» .

رواه الطبراني، والحاكم في "مستدركه"، وإسناده ضعيف جدا.

وعن أبي قبيل عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: أنه صعد المنبر يوم الجمعة، فقال في خطبته: إنما المال مالنا، والفيء فيئنا، فمن شئنا أعطيناه ومن شئنا منعناه. فلم يجبه أحد. فلما كان في الجمعة الثانية قال مثل ذلك. فلم يجبه أحد. فلما كان في الجمعة الثالثة قال مثل مقالته. فقام إليه رجل ممن حضر المسجد، فقال: كلا، إنما المال مالنا، والفيء فيئنا، فمن حال بيننا وبينه حاكمناه إلى الله بأسيافنا. فنزل معاوية، فأرسل إلى الرجل، فأدخله، فقال القوم: هلك الرجل. ثم دخل الناس فوجدوا الرجل معه على السرير، فقال معاوية للناس: إن هذا أحياني أحياه الله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 223

يقول: «سيكون بعدي أمراء؛ يقولون ولا يرد عليهم، يتقاحمون في النار كما تتقاحم القردة» ، وإني تكلمت أول جمعة، فلم يرد علي أحد، فخشيت أن أكون منهم، ثم تكلمت في الجمعة الثانية، فلم يرد علي أحد، فقلت في نفسي: إني من القوم، ثم تكلمت في الجمعة الثالثة، فقام هذا الرجل، فرد علي، فأحياني أحياه الله.

رواه: الطبراني في "الكبير" و "الأوسط"، وأبو يعلى. قال الهيثمي:"ورجاله ثقات".

وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «إنه سيكون أمراء يؤخرون الصلاة عن مواقيتها، ألا فصل الصلاة لوقتها، ثم ائتهم: فإن كانوا قد صلوا كنت قد أحرزت صلاتك، وإلا صليت معهم، فكانت لك نافلة» .

رواه: أبو داود الطيالسي، ومسلم، وأهل السنن. وقال الترمذي:"حديث حسن". قال: "وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما".

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «"كيف بكم إذا أتت عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها؟ ". قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك يا رسول الله؟ قال: "صل الصلاة لميقاتها، واجعل صلاتك معهم سبحة» .

رواه: أبو داود، والنسائي، وابن ماجه مرفوعا. ورواه: الإمام أحمد، ومسلم؛ موقوفا.

وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستكون عليكم بعدي أمراء تشغلهم أشياء عن الصلاة لوقتها حتى يذهب وقتها، فصلوا الصلاة لوقتها. فقال رجل: يا رسول الله! أصلي معهم؟ قال:»

ص: 224

«"نعم؛ إن شئت» .

رواه: أبو داود، وابن ماجه.

وعن قبيصة بن وقاص رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تكون عليكم أمراء من بعدي يؤخرون الصلاة؛ فهي لكم وهي عليهم، فصلوا معهم ما صلوا القبلة» .

رواه أبو داود.

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما؛ قال: «قلت: يا رسول الله! إنا كنا بشر، فجاءنا الله بخير، فنحن فيه، فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال: "نعم". قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال: "نعم". قلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ قال: "نعم". قلت: كيف؟ قال: "يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس ". قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ ! قال: "تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك؛ فاسمع وأطع» .

رواه مسلم.

وعن أم سلمة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: «يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع» .

رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، ومسلم، والبخاري في "التاريخ الكبير"، وأبو داود، والترمذي، وقال:"هذا حديث حسن صحيح".

وزاد أحمد: «وقالوا: يا رسول الله! أفلا نقاتلهم؟ قال: "لا ما صلوا لكم الخمس» .

ص: 225

وعند مسلم: قال: «لا؛ ما صلوا» . ثم قال: أي: من كره بقلبه وأنكر بقلبه.

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: "إنها ستكون عليكم أمراء يدعون من السنة مثل هذه، فإن تركتموها جعلوها مثل هذه، فإن تركتموها؛ جاؤوا بالطامة الكبرى".

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله ثقات".

ورواه الحاكم في "مستدركه" بأبسط من هذا، ولفظه قال:"يكون عليكم أمراء يتركون من السنة مثل هذا (وأشار إلى أصل إصبعه) ، وإن تركتموهم؛ جاؤوا بالطامة الكبرى، وإنها لم تكن أمة إلا كان أول ما يتركون من دينهم السنة، وآخر ما يدعون الصلاة، ولولا أنهم يستحيون ما صلوا".

قال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون عليكم أمراء هم شر من المجوس» .

رواه الطبراني في "الصغير" و "الأوسط". قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح؛ خلا مؤمل بن إهاب، وهو ثقة".

وعن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم. قال: قلنا: يا رسول الله! أفلا ننابذهم عند ذلك (وفي رواية: أفلا ننابذهم بالسيف) ؟ قال: "لا؛ ما أقاموا فيكم الصلاة، لا؛ ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا»

ص: 226

«من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئًا من معصية الله؛ فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدًا من طاعة» .

رواه: الإمام أحمد، ومسلم.

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «ألا أخبركم بخيار أمرائكم وشرارهم؟ خيارهم الذين تحبونهم ويحبونكم وتدعون لهم ويدعون لكم، وشرار أمرائكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم» .

رواه الترمذي، وقال:"حديث غريب".

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون عليكم أمراء تطمئن إليهم القلوب، وتلين لهم الجلود، ثم يكون عليكم أمراء تشمئز منهم القلوب، وتقشعر منهم الجلود. فقال رجل: أنقاتلهم؟ قال: "لا؛ ما أقاموا الصلاة"» .

رواه الإمام أحمد.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كانت أمراؤكم خياركم، وأغنياؤكم سمحاءكم، وأموركم شورى بينكم؛ فظهر الأرض خير لكم من بطنها، وإذا كانت أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلاؤكم، وأموركم إلى نسائكم؛ فبطن الأرض خير لكم من ظهرها» .

رواه الترمذي، وقال:"هذا حديث حسن غريب".

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستكون بعدي أثره وأمور تنكرونها. قالوا: يا رسول الله كيف تأمر من أدرك ذلك منا؟ قال: "تؤدون الحق الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم» .

ص: 227

رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والشيخان، والترمذي.

وفي رواية لأحمد: «إنه سيكون عليكم أمراء وترون أثرة» . وفي رواية له: «إنها ستكون فتن وأمور تنكرونها» . والباقي بنحوه.

باب

ما جاء في بني أمية وما في زمانهم من الفتن

عن حذيفة رضي الله عنه: أنه قال: "ليكونن بعد عثمان اثنا عشر ملكا من بني أمية ". قيل له: خلفاء؟ قال: "بل ملوك".

رواه نعيم بن حماد في "الفتن".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تعوذوا بالله من رأس السبعين، ومن إمارة الصبيان» .

رواه: الإمام أحمد، والبزار. قال الهيثمي:"ورجال أحمد رجال الصحيح؛ غير كامل بن العلاء، وهو ثقة".

وعن عمير بن هانئ؛ قال: قال أبو هريرة رضي الله عنه: "اللهم لا تدركني سنة ستين". قال: فتوفي فيها أو قبلها بسنة.

رواه يعقوب بن سفيان وغيره.

ورواه: علي بن معبد، وابن أبي شيبة؛ من وجه آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه:«"أعوذ بالله من إمارة الصبيان". قالوا: وما إمارة الصبيان؟ قال: "إن أطعتموهم هلكتم، وإن عصيتموهم أهلكوكم» .

قال الحافظ ابن حجر: " (هلكتم) ؛ أي: في دينكم، و (أهلكوكم) ؛ أي: في دنياكم؛ بإزهاق النفس، أو بإذهاب المال، أو بهما".

ص: 228

قال: "وفي رواية ابن أبي شيبة: أن أبا هريرة كان يمشي في السوق ويقول: "اللهم لا تدركني سنة ستين، ولا إمارة الصبيان " ".

قال: "وفي هذا إشارة إلى أن أول الأغيلمة - يعني: الآتي ذكرهم في حديث أبي هريرة - كان في سنة ستين، وهو كذلك؛ فإن يزيد بن معاوية استخلف فيها، وبقي إلى سنة أربع وستين، فمات، ثم ولي ولده معاوية، ومات بعد أشهر ". انتهى.

ورواه ابن أبي شيبة أيضا، ولفظه: قال: "ويل للعرب من شر قد اقترب: إمارة الصبيان، إن أطاعوهم أدخلوهم النار، وإن عصوهم ضربوا أعناقهم".

وقد رواه البيهقي، ولفظه: قال: كان أبو هريرة رضي الله عنه يمشي في سوق المدينة وهو يقول: "اللهم لا تدركني سنة الستين، ويحكم! تمسكوا بصدغي معاوية، اللهم لا تدركني إمارة الصبيان".

وعن الشعبي؛ قال: لما رجع علي رضي الله عنه من صفين؛ قال: "أيها الناس لا تكرهوا إمارة معاوية؛ فإنه لو قد فقدتموه لقد رأيتم الرؤوس تندر عن كواهلها كالحنظل".

رواه البيهقي، وهو مرسل.

وقد رواه عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "السنة" من حديث الشعبي عن الحارث الأعور؛ قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: "لا تكرهوا إمارة معاوية، والذي نفسي بيده ما بينكم وبين أن تنظروا إلى جماجم الرجال تندر عن كواهلها كأنها الحنظل؛ إلا أن يفارقكم معاوية ".

الحارث فيه كلام، وبقية رواته ثقات.

وقد رواه ابن أبي شيبة من حديث الحارث عن علي رضي الله عنه بنحوه.

ص: 229

قال البيهقي: " علي وأبو هريرة إنما يقولان هذا لشيء سمعاه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ".

وعن أبي يزيد المديني؛ قال: قام أبو هريرة رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم دون مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعتبة، فقال:"ويل للعرب من شر قد اقترب، ويل لهم من إمارة الصبيان؛ يحكمون فيهم بالهوى ويقتلون بالغضب".

رواه أبو بكر بن مالك، وذكره ابن كثير في "تاريخه".

وعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه: أنه قال: "ويل للعرب من شر قد اقترب، أظلت ورب الكعبة أظلت، والله لهي أسرع إليهم من الفرس المضمر السريع، الفتنة العمياء الصماء المشبهة؛ يصبح الرجل فيها على أمر ويمسي على أمر، القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، ولو أحدثكم بكل الذي أعلم لقطعتم عنقي من هاهنا (وأشار إلى قفاه) . ويقول: اللهم لا تدرك أبا هريرة إمرة الصبيان".

رواه ابن أبي شيبة.

وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: «يهلك أمتي هذا الحي من قريش. قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: لو أن الناس اعتزلوهم» .

رواه: الإمام أحمد، والشيخان.

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "المراد بالأمة هنا: أهل ذلك العصر ومن قاربهم، لا جميع الأمة إلى يوم القيامة. وقوله: "لو أن الناس اعتزلوهم": محذوف الجواب، وتقديره: لكان أولى بهم، والمراد باعتزالهم: أن لا يداخلوهم، ولا يقاتلوا معهم، ويفروا بدينهم من الفتن. ويؤخذ من هذا

ص: 230

الحديث استحباب هجران البلدة التي يقع فيها إظهار المعصية؛ فإنها سبب وقوع الفتن التي ينشأ عنها عموم الهلاك. قال ابن وهب عن مالك: تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهارا، وقد صنع ذلك جماعة من السلف". انتهى.

وعن عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد؛ قال: أخبرني جدي؛ قال: كنت جالسا مع أبي هريرة رضي الله عنه في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ومعنا مروان، قال أبو هريرة رضي الله عنه: سمعت الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم يقول: «هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش» . فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة. فقال أبو هريرة رضي الله عنه: لو شئت أن أقول: بني فلان وبني فلان؛ لفعلت. فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام، فإذا رآهم غلمانا أحداثا قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم؟ قلنا: أنت أعلم.

رواه البخاري.

ورواه الإمام أحمد من حديث عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص: أخبرني جدي سعيد بن عمرو بن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هلاك أمتي على يدي غلمة من قريش» . قال مروان وهو معنا في الحلقة قبل أن يلي شيئا: فلعنة الله عليهم غلمة. قال: أما والله لو أشاء أن أقول: بني فلان وبني فلان؛ لفعلت. قال: فكنت أخرج مع أبي وجدي إلى بني مروان بعدما ملكوا، فإذا هم يبايعون الصبيان، ومنهم من يبايع له وهو في خرقة. قال لنا: عسى أصحابكم هؤلاء أن يكونوا الذي سمعت أبا هريرة يذكر؛ إن هذه الملوك يشبه بعضها بعضا.

ورواه: الإمام أحمد أيضا، وأبو داود الطيالسي، والحاكم في "مستدركه"؛ من حديث مالك بن ظالم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه حدث مروان بن الحكم؛ قال: حدثني حبي أبو القاسم الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: «أن»

ص: 231

«هلاك أمتي على يدي غلمة سفهاء من قريش» .

قال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وفي رواية لأحمد: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا القاسم الصادق المصدوق يقول: «إن هلاك أمتي (أو فساد أمتي) رؤوس أمراء أغيلمة سفهاء من قريش» .

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "هذه الرواية تخصص رواية أبي زرعة عن أبي هريرة بلفظ: «يهلك الناس هذا الحي من قريش» ، وأن المراد بعض قريش، وهم الأحداث منهم، لا كلهم، والمراد أنهم يهلكون الناس بسبب طلبهم الملك والقتال لأجله، فتفسد أحوال الناس، ويكثر الخبط بتوالي الفتن، وقد وقع الأمر كما أخبر صلى الله عليه وسلم ". انتهى.

قال ابن الأثير: "الأغيلمة: الصبيان، ولذلك صغرهم".

قال ابن حجر: "وقد يطلق الصبي والغليم بالتصغير على الضعيف العقل والتدبير والدين، ولو كان محتلما، وهو المراد هنا؛ فإن الخلفاء من بني أمية لم يكن فيهم من استخلف وهو دون البلوغ، وكذلك من أمروه على الأعمال؛ إلا أن يكون المراد بالأغيلمة أولاد بعض من استخلف فوقع الفساد بسببهم، فنسب إليهم، والأولى الحمل على أعم من ذلك".

قلت: وقد تقدم في رواية أحمد أنهم يبايعون الصبيان، ومنهم من يبايع له وهو في خرقة، وإذا حمل الحديث على العموم؛ دخل فيه الصغار في السن والصغار في الدين والعقل والتدبير. والله أعلم.

وقال الحافظ ابن حجر: "يتعجب من لعن مروان الغلمة المذكورين، مع

ص: 232

أن الظاهر أنهم من ولده، فكأن الله تعالى أجرى ذلك على لسانه؛ ليكون أشد في الحجة عليهم لعلهم يتعظون، وقد وردت أحاديث في لعن الحكم والد مروان وما ولد، أخرجها الطبراني وغيره، غالبها فيه مقال، وبعضها جيد، ولعل المراد تخصيص الغلمة المذكورين بذلك". انتهى.

وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما؛ قال: أخبرني أعرابي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «"ما أخاف على قريش إلا أنفسها". قلت: ما لهم؟ قال: "أشحة بجرة، وإن طال بك عمر لتنظرن إليهم يفتنون الناس، حتى يرى الناس بينهم كالغنم بين الحوضين، إلى هذا مرة وإلى هذا مرة» .

رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح، خلا بلال بن يحيى العبسي، وهو ثقة".

وعنه رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: «"إني لا أخشى على قريش إلا أنفسها". قلت: وما هو؟ قال: "أشحة بجرة، إن طال بك عمر رأيتهم يفتنون الناس حتى يرى الناس بينهم كالغنم بين الحوضين، مرة إلى هذا ومرة إلى هذا» .

رواه: الإمام أحمد، والطبراني. قال الهيثمي:"ورجاله ثقات".

قال الجوهري: " (البجر) ؛ بالتحريك: خروج السرة ونتوها وغلظ أصلها".

وقال ابن الأثير وابن منظور: " (بجرة) : جمع باجر، وهو العظيم البطن، يقال: بجر يبجر بجرا فهو أبجر وباجر، وصفهم بالبطانة ونتو السرر، ويجوز أن يكون كناية عن كنزهم الأموال واقتنائهم لها، وهو أشبه بالحديث؛ لأنه قرنه بالشح، وهو أشد البخل". انتهى.

وعن بشير بن أبي عمرو الخولاني: أن الوليد بن قيس التجيبي حدثه: أنه

ص: 233

سمع أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يكون خلف من بعد الستين سنة؛ أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيًا، ثم يكون خلف يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم، ويقرأ القرآن ثلاثة: مؤمن، ومنافق، وفاجر» . قال بشير: فقلت للوليد: ما هؤلاء الثلاثة؟ قال: المنافق كافر به، والفاجر يتأكل به، والمؤمن يؤمن به.

رواه: الإمام أحمد، وابن أبي حاتم، والحاكم في "مستدركه". قال ابن كثير:"وإسناده جيد قوي". وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال أمر أمتي قائمًا بالقسط حتى يكون أول من يلثمه رجل من بني أمية يقال له يزيد» .

رواه: أبو يعلى، والبزار. قال الهيثمي:"ورجال أبي يعلى رجال الصحيح؛ إلا أن مكحولا لم يدرك أبا عبيدة ".

قلت: وقد رواه يعقوب بن سفيان من حديث مكحول عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه عن أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.

وعن أبي العالية؛ قال: كنا بالشام مع أبي ذر رضي الله عنه، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أول رجل يغير سنتي رجل من بني فلان» . فقال يزيد بن أبي سفيان: أنا هو؟ قال: "لا".

رواه ابن عساكر في "تاريخه".

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: أنه قال: "إذا قتل الخليفة الشاب من

ص: 234

بني أمية بين الشام والعراق مظلوما؛ لم تزل طاعة مستخف بها، ودم مسفوك على وجه الأرض بغير حق"؛ يعني: الوليد بن يزيد.

رواه نعيم بن حماد في "الفتن".

وعن عبد الله بن موهب: أنه كان عند معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، فدخل عليه مروان، فكلمه في حاجته، فقال: اقض حاجتي يا أمير المؤمنين! فوالله إن مؤنتي لعظيمة، أصبحت أبا عشرة وأخا عشرة وعم عشرة. فلما أدبر مروان وابن عباس رضي الله عنهما جالس مع معاوية على سريره، فقال معاوية: أنشدك الله يابن عباس! أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا بلغ بنو أبي الحكم ثلاثين رجلًا؛ اتخذوا مال الله بينهم دولًا، وعباد الله خولًا، وكتاب الله دغلًا، فإذا بلغوا سبعة وتسعين وأربعمائة؛ كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة» . فقال ابن عباس رضي الله عنهما: اللهم! نعم. قال: وذكر مروان حاجة له، فرد مروان عبد الملك إلى معاوية، فكلمه فيها، فلما أدبر عبد الملك؛ قال معاوية: أنشدك الله يابن عباس! أما تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر هذا، فقال: أبو الجبابرة الأربعة؟ فقال ابن عباس رضي الله عنهما: اللهم! نعم.

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وفيه ابن لهيعة، وفيه ضعف، وحديثه حسن". وقال ابن كثير: "فيه غرابة ونكارة شديدة، وابن لهيعة ضعيف".

قلت: قد روى له مسلم وابن خزيمة في "صحيحيهما" مقرونا بغيره، وروى له البخاري في عدة مواضع من "صحيحه" مقرونا بغيره، ولكنه لم يسمه، قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب":"وهو ابن لهيعة لا شك فيه"، وحسن ابن عدي والهيثمي حديثه، وكذا حسن له ابن كثير في "البداية والنهاية" في ذكر ورقة بن نوفل، ووثقه أحمد بن صالح، وعلى هذا فأوسط الأقوال في حديثه أن يكون من قبيل الحسن. والله أعلم.

ص: 235

قال ابن الأثير: " (الدول) : جمع دولة؛ بالضم، وهو ما يتداول من المال، فيكون لقوم دون قوم".

وقوله: "خولا"؛ قال ابن الأثير: "أي: خدما وعبيدا؛ يعني: أنهم يستخدمونهم ويستعبدونهم".

وقوله: "دغلا"؛ قال ابن الأثير: "أي: يخدعون به الناس".

وعن حلام بن جذل الغفاري؛ قال: سمعت أبا ذر جندب بن جنادة الغفاري رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلًا؛ اتخذوا مال الله دولًا، وعباد الله خولًا، ودين الله دغلًا» . قال حلام: فأنكر ذلك على أبي ذر، فشهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما أضلت الخضراء ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر» ، وأشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله.

رواه الحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي في "تلخيصه".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في منامه كأن بني الحكم ينزون على منبره وينزلون، فأصبح كالمتغيظ، فقال:«ما لي رأيت بني الحكم ينزون على منبري نزو القردة؟» . قال: فما رئي رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعا ضاحكا بعد ذلك حتى مات صلى الله عليه وسلم.

رواه أبو يعلى. قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح؛ غير مصعب بن عبد الله بن الزبير، وهو ثقة". ورواه الحاكم في "مستدركه"، وقال:"صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". وقال الذهبي في "تلخيصه": "على شرط مسلم ".

ص: 236

وعنه رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليرعفن على منبري جبار من جبابرة بني أمية، فيسيل رعافه» . فحدثني من رأى عمرو بن سعيد بن العاص رعف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سال رعافه.

رواه الإمام أحمد، وفيه راو لم يسم.

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ قال: «ولد لأخي أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم غلام، فسموه: الوليد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سميتموه بأسماء فراعنتكم؟ ! ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له: الوليد؛ لهو أشر على هذه الأمة من فرعون لقومه» .

رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: "وإسناده حسن". وقال في موضع آخر: "رجاله ثقات".

وعن سعيد بن المسيب؛ قال: «ولد لأخي أم سلمة رضي الله عنها غلام، فسموه الوليد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد جعلتم تسمون بأسماء فراعنتكم؟ ! إنه سيكون في هذه الأمة رجل يقال له: الوليد، هو أضر على أمتي من فرعون على قومه» .

رواه يعقوب بن سفيان من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب.

قال أبو عمرو الأوزاعي: "فكان الناس يرون أنه الوليد بن عبد الملك، ثم رأينا أنه الوليد بن يزيد؛ لفتنة الناس به حتى خرجوا عليه فقتلوه وانفتحت على الأمة الفتنة والهرج".

وقد رواه البيهقي من طريق بشر بن بكر عن الأوزاعي، فذكره ولم يذكر قول الأوزاعي، ثم قال:"وهذا مرسل حسن".

ص: 237

ورواه نعيم بن حماد عن الوليد بن مسلم، وعنده:"قال الزهري: إن استخلف الوليد بن يزيد؛ فهو هو، وإلا فهو الوليد بن عبد الملك ".

باب

ما جاء في قتل الحسين بن علي رضي الله عنهما

عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن ملك القطر استأذن أن يأتي النبي صلى الله عليه وسلم، فأذن له، فقال لأم سلمة رضي الله عنها: "املكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد". قال: وجاء الحسين بن علي رضي الله عنهما ليدخل فمنعته، فوثب فدخل فجعل يقعد على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وعلى منكبه وعلى عاتقه. قال: فقال الملك للنبي صلى الله عليه وسلم: أتحبه؟ قال: "نعم". قال: إن أمتك ستقتله، وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه، فضرب بيده، فجاء بطينة حمراء، فأخذتها أم سلمة، فصرتها في خمارها. قال ثابت: بلغنا أنها كربلاء» .

رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني؛ بأسانيد، وفيها عمارة بن زاذان؛ قال الهيثمي:"وثقه جماعة، وفيه ضعف، وبقية رجال أبي يعلى رجال الصحيح".

وعن أبي الطفيل رضي الله عنه نحو حديث أنس رضي الله عنه.

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "وإسناده حسن".

«وعن عائشة أو أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لإحداهما: لقد دخل علي البيت ملك لم يدخل علي قبلها؛ قال: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها. قال: "فأخرج تربة حمراء» .

رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح".

ص: 238

وعن نجي الحضرمي: أنه سار مع علي رضي الله عنه، وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين، فنادى علي: اصبر أبا عبد الله! اصبر أبا عبد الله! بشط الفرات. قلت: وماذا؟ قال: «دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعيناه تفيضان، قلت: يا نبي الله! أغضبك أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ ! قال: "بل قام من عندي جبريل قبل، فحدثني أن الحسين يقتل بشط الفرات ". قال: "فقال: هل لك أن أشمك من ترتبه؟ ". قال: " قلت: نعم. فمد يده فقبض قبضة من تراب، فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا» .

رواه: الإمام أحمد، وأبو يعلى، والبزار، والطبراني. قال الهيثمي:"ورجاله ثقات، ولم ينفرد نجي بهذا".

وعن أم سلمة رضي الله عنها؛ قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا ذات يوم في بيتي؛ قال: "لا يدخل علي أحد". فانتظرت، فدخل الحسين، فسمعت نشيج رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي صلى الله عليه وسلم يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: والله ما علمت حين دخل. فقال: "إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت؛ قال: أفتحبه؟ قلت: أما في الدنيا فنعم. قال: إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها: كربلاء"، فتناول جبريل من تربتها، فأراها النبي صلى الله عليه وسلم» . فلما أحيط بحسين حين قتل؛ قال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كربلاء. فقال: صدق الله ورسوله: كرب وبلاء. وفي رواية: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرض كرب وبلاء.

رواه الطبراني بأسانيد. قال الهيثمي: "ورجال أحدها ثقات".

وعن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام بنصف النهار أشعث أغبر، معه قارورة فيها دم يلتقطه أو يتتبع فيها شيئا. قال: قلت: يا رسول الله! ما هذا؟ قال: "دم الحسين

ص: 239

وأصحابه، لم أزل أتبعه منذ اليوم ". قال عمار: فحفظنا ذلك اليوم، فوجدناه قتل ذلك اليوم. رواه الإمام أحمد، وإسناده صحيح على شرط مسلم.

وعن سلمى - وهي مولاة بكر بن وائل - قالت: دخلت على أم سلمة وهي تبكي، فقلت: ما يبكيك؟ قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم (تعني: في المنام) وعلى رأسه ولحيته التراب، فقلت: ما لك يا رسول الله؟ قال: "شهدت قتل الحسين آنفا".

رواه الترمذي، وقال:"هذا حديث غريب".

وعن يزيد بن الأصم؛ قال: "خرجت مع الحسن رضي الله عنه وجارية تحت شيئا من حناء عن أظافره، فجاءت إضبارة من كتب، فقال: يا جارية! هاتي المخضب! فصب فيه ماء، وألقى الكتب في الماء، فلم يفتح منها شيئا، ولم ينظر إليه. فقلت: يا أبا محمد! ممن هذه الكتب. قال: من أهل العراق، من قوم لا يرجعون إلى حق ولا يقصرون عن باطل، أما إني لست أخشاهم على نفسي، ولكني أخشاهم على ذلك، وأشار إلى الحسين ".

رواه الطبراني. قال الهيثمي: "ورجاله رجال الصحيح؛ غير عبد الله بن الحكم بن أبي زياد، وهو ثقة".

(الإضبارة) : الحزمة من الكتب. و (المخضب) : هو الإجانة التي تغسل فيها الثياب.

وعن ابن أبي نعم؛ قال: كنت جالسا عند ابن عمر رضي الله عنهما، فجاءه رجل يسأل عن دم البعوض، فقال له ابن عمر رضي الله عنهما: ممن أنت؟ قال: أنا من أهل العراق. قال: انظروا إلى هذا! يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«هما ريحانتاي»

ص: 240

«من الدنيا» .

رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والبخاري، والترمذي، وقال:"هذا حديث صحيح".

وقد رواه النسائي في "خصائص علي رضي الله عنه " بإسناد جيد، ولفظه: قال: كنت عند ابن عمر رضي الله عنهما، فأتاه رجل، فسأله عن دم البعوض يكون في ثوبه ويصلي فيه؟ فقال ابن عمر رضي الله عنهما: ممن أنت؟ قال: من أهل العراق. فقال ابن عمر رضي الله عنهما: يسألني عن دم البعوض وقد قتلوا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه وفي أخيه:«هما ريحانتاي من الدنيا» .

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "أورد ابن عمر رضي الله عنهما هذا متعجبا من حرص أهل العراق على السؤال عن الشيء اليسير وتفريطهم في الشيء الجليل".

وقال أيضا: "والذي يظهر أن ابن عمر رضي الله عنهما لم يقصد ذلك الرجل بعينه، بل أراد التنبيه على جفاء أهل العراق وغلبة الجهل عليهم بالنسبة لأهل الحجاز ". انتهى.

وعن شهر بن حوشب؛ قال: "سمعت أم سلمة رضي الله عنها حين جاء نعي الحسين بن علي رضي الله عنهما لعنت أهل العراق، وقالت: قتلوه قتلهم الله عز وجل، غروه ودلوه لعنهم الله".

رواه: الإمام أحمد، والطبراني. قال الهيثمي:"ورجاله موثوقون".

وفي الباب أحاديث وآثار كثيرة، تركت ذكرها خشية الإطالة، وفيما ذكرته كفاية إن شاء الله تعالى.

ص: 241