المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تعارض الاتصال والانقطاع - بحوث في المصطلح للفحل

[ماهر الفحل]

فهرس الكتاب

- ‌أهمية مَعْرِفَة الاختلافات في المتون والأسانيد

- ‌اختلاف الثقة مع الثقات

- ‌اختلاف الضعيف مع الثقات

- ‌مثال لاختلاف الضعيف مع الثقات

- ‌الاختلاف بسبب خطأ الراوي

- ‌الاختلاف في اسم الراوي ونسبه إذا كان متردداً بين ثقة وضعيف

- ‌المضطرب

- ‌الاضطراب في المتن

- ‌اضطراب في المتن

- ‌المقلوب

- ‌أسباب القلب

- ‌الإدراج

- ‌أسباب وقوع الإدراج

- ‌وقوع الإدراج في السند دون الْمَتْن

- ‌طرق الكشف عن الإدراج

- ‌تعارض الاتصال والانقطاع

- ‌تعارض الوقف والرفع

- ‌دراسة تحليلية لسيرة الحافظ العراقي

- ‌دراسة عروضية لنظم ألفية الحافظ العراقي:

- ‌دراسة كتاب شرح التبصرة والتذكرة

- ‌زيادة رجلٍ في أحد الأسانيد

- ‌نموذجٌ لما فيه زيادةٌ في أحد أسانيده

- ‌أخطاء المحررين في نص التقريب

- ‌التصحيف والتحريف

- ‌الصحيح في اسم كتاب ابن الصلاح

- ‌ توثيق ابن حبان

- ‌حكم التدليس، وحكم من عرف بِهِ:

- ‌((شيوخ أبي داود كلهم ثقات))الحقيقة بين التنظير والتطبيق

- ‌دراسات تجديدية فِي أصول الْحَدِيْث:

- ‌مسند الإمام الشافعي

- ‌توثيق شيوخ بقي بن مخلد الأندلسي

- ‌فرائد الفوائد

الفصل: ‌تعارض الاتصال والانقطاع

‌تعارض الاتصال والانقطاع

تقدم الكلام بأن الاتصال شرط أساسيٌّ لصحة الحديث النبوي، وعلى هذا فالمنقطع ضعيف لفقده شرطاً أساسياً من شروط الصحة، وقد أولى المحدثون عنايتهم في البحث والتنقير في الأحاديث من أجل البحث عن توافر هذا الشرط من عدمه؛ وذلك لما له من أهمية بالغة في التصحيح والتضعيف والتعليل. وتقدم الكلام أن ليس كل ما ورد فيه التصريح بالسماع فهو متصل؛ إذ قَدْ يقع الخطأ في ذلك فيصرح بالسماع في غير ما حديث، ثم يكشف الأئمة النقاد بأن هذا التصريح خطأ، أو أن ما ظاهره متصل منقطع، وهذا ليس لكل أحد إنما هو لأولئك الرجال الذين أفنوا أعمارهم شموعاً أضاءت لنا الطريق من أجل معرفة الصحيح المتصل من الضعيف المنقطع.

إذن فليس كل ما ظاهره الاتصال متصلاً، فقد يكون السند معللاً بالانقطاع.

وعليه فقد يأتي الحديث مرة بسند ظاهره الاتصال، ويُروى بسند آخر ظاهره الانقطاع، فيرجح تارة الانقطاع وأخرى الاتصال، ويجري فيه الخلاف الذي مضى في زيادة الثقة. وأمثلة ذلك كثيرة.

منها: ما رواه أحمد بن منيع (1)

(1) هو أحمد بن منيع بن عبد الرحمان، أبو جعفر البغوي، الأصم، (ثقة، حافظ) ، مات سنة

(244 هـ) ، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة. التقريب (114) .

ص: 168

، قال: حدثنا كثير بن هشام (1)، قال: حدثنا جعفر بن برقان (2) ، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، قالت: كنت أنا

وحفصة (3) صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدرتني إليه حفصة، وكانت ابنة أبيها، فقالت: يا رسول الله، إنا كنا صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه، قال:((اقضيا يوماً آخر مكانه)) .

أخرجه الترمذي (4) ، والبغوي (5) ، وأخرجه غيرهما من طريق جعفر (6) .

هكذا روى هذا الحديث جعفر بن برقان، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، متصلاً.

وقد توبع على روايته، تابعه سبعة من أصحاب الزهري على هذه الرواية وهم:

(1) هو كثير بن هشام الكلابي، أبو سهل الرقي، نزيل بغداد، (ثقة) ، مات سنة (207 هـ)، وقيل:(208هـ) ، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة. التقريب (5633) .

(2)

هو جعفر بن برقان الكلابي، مولاهم، أبو عبد الله الجزري الرقي، كان يسكن الرقة، وقدم الكوفة، قال عنه الإمام أحمد: ((ثقة، ضابط لحديث ميمون وحديث يزيد بن الأصم، وهو في حديث الزهري يضطرب. تهذيب الكمال 1/455،وتذكرة الحفاظ 1/171، وشذرات الذهب 1/236.

(3)

هِيَ أم المؤمنين حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها، زوجة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، توفيت سنة (41هـ)، وَقِيْلَ:(45هـ) .

تهذيب الكمال 8/526 (4812) ، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 2/259، والإصابة 4/273.

(4)

في الجامع (735) ، وفي العلل الكبير (203) .

(5)

شرح السنة (1814) .

(6)

رواه إسحاق بن راهويه في مسنده (658) ، وأحمد بن حنبل 6/263، والنسائي في الكبرى (3291) ، عن كثير بن هشام، به.

وأخرجه البيهقي 4/280 من طريق عبيد الله بن موسى عن جعفر، به.

ص: 169

صالح بن أبي الأخضر (1) ، وهو ضعيف يعتبر به عند المتابعة (2) .

سفيان بن حسين (3) ، وهو ثقة في غير الزهري باتفاق العلماء (4) .

صالح بن كيسان (5) ، وهو ثقة (6) .

إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة (7) ، وهو ثقة (8) .

حجاج بن أرطأة (9) ، وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس (10) .

عبد الله بن عمر العمري (11) ، وهو ضعيف (12) .

يحيى بن سعيد (13) .

فهؤلاء منهم الثقة، ومنهم من يصلح حديثه للمتابعة، قَدْ رووا الحديث أجمعهم، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، متصلاً، إلا أنه قَدْ تبين بعد التفتيش والتمحيص والنظر أن رواية الاتصال خطأ، والصواب: أنّه منقطع بين الزهري وعائشة، وذكر عروة في الإسناد خطأ.

لذا قال الإمام النسائي عن الرواية الموصولة: ((هذا خطأ)) (14)، وقد فسّر المزي مقصد النسائي فقال: ((يعني أن الصواب حديث الزهري، عن عائشة وحفصة

مرسل)) (15) .

(1) عند إسحاق بن راهويه (660) ، والنسائي في الكبرى (3293) ، والبيهقي 2/280، وابن عبد البر في التمهيد 2/68-69، والاستذكار 3/237.

(2)

التقريب (2844) .

(3)

عند أحمد 6/141 و 237، والنسائي في الكبرى (3292) .

(4)

التقريب (2437) .

(5)

عند النسائي في الكبرى (3295) .

(6)

التقريب (2884) .

(7)

عند النسائي في الكبرى (3294) . وانظر: تحفة الأشراف 11/343 (16413) ، وتهذيب الكمال 1/215 (408) .

(8)

تهذيب الكمال 1/215 (408) .

(9)

عند ابن عبد البر في التمهيد 12/68.

(10)

التقريب (1119) .

(11)

عند الطحاوي في شرح المعاني 2/108.

(12)

التقريب (3489) .

(13)

عند النسائي في الكبرى (3295) ، وابن عبد البر في التمهيد 12/68.

(14)

تحفة الأشراف 11/343 (16413) .

(15)

تحفة الأشراف 11/343 (16413) .

ص: 170

وقد نص كذلك الترمذي على أن رواية الاتصال خطأ، والصواب أنه منقطع وذكر الدليل القاطع على ذلك، فقال:((روي عن ابن جريج، قال: سألت الزهري، قلت له: أَحدَّثَكَ عروة، عن عائشة؟ ، قال: لم أسمع عن عروة في هذا شيئاً، ولكني سَمِعتُ في خلافة سليمان بن عبد الملك (1) من ناس عن بعض من سأل عائشة عن هذا الحديث)) (2) .

ومن قبل سأل الترمذي شيخه البخاري فَقَالَ: ((سألت محمد بن إسماعيل

البخاري عن هذا الحديث، فقال: لا يصح حديث الزهري، عن عروة، عن

عائشة)) (3) .

وحكم أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان بترجيح الرواية المنقطعة على الموصولة (4) .

قلت: قَدْ رواه الثقات الأثبات من أصحاب الزهري منقطعاً، وهم ثمانية أنفس:

مالك بن أنس (5) ، وهو ثقة إمام أشهر من أن يعرف.

(1) هُوَ الخليفة الأموي أبو أيوب سليمان بن عَبْد الملك بن مروان القرشي الأموي، توفي سنة (99 هـ) .

الجرح ولتعديل 4/130-131، ووفيات الأعيان 2/420، والعبر 1/118.

(2)

الجامع الكبير (735 م) وأخرجه البَيْهَقِيّ 4/280.

(3)

العلل الكبير للترمذي (203) .

(4)

العلل لعبد الرحمان بن أبي حاتم 1/265 (782) .

(5)

هكذا رواه عامة الرواة عن مالك، محمد بن الحسن الشيباني (363) ، وسويد بن سعيد (471) ، وأبو مصعب الزهري (827) ، ويحيى بن يحيى الليثي (848) ، وعبد الله بن وهب عند الطحاوي في شرح المعاني 2/108، والبيهقي 4/279،وعبد الرحمان بن القاسم عند النسائي في الكبرى (3298)،= =وخالف سائر الرواة عن مالك: عبد العزيز بن يحيى عند ابن عبد البر في التمهيد 12/66-67 فرواه عن مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة.

وهو خطأ، قال ابن عبد البر:((لا يصح ذلك عن مالك)) . التمهيد 12/66.

ص: 171

معمر بن راشد (1) ، وهو ثقة ثبت فاضل (2) .

عبيد الله بن عمر العمري (3) ، وهو ثقة ثبت (4) .

يونس بن يزيد الأيلي (5) ، وهو ثقة أحد الأثبات (6) .

سفيان بن عيينة (7) ، وهو ثقة حافظ فقيه إمام حجة (8) .

عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج (9) ، وهو ثقة (10) .

محمد بن الوليد الزبيدي (11) ، وهو ثقة ثبت (12) .

بكر بن وائل (13) ، وهو صدوق (14) .

فهؤلاء جميعهم رووه عن الزهري، عن عائشة منقطعاً، وروايتهم هذه هي المحفوظة، وهي تخالف رواية من رواه متصلاً. وهذا يدلل أن المحدّثين ليس لهم في مثل هذا حكم مطرد، بل مرجع ذلك إلى القرائن والترجيحات المحيطة بالرواية.

(1) عند: عبد الرزاق (7790) ، وإسحاق بن راهويه (659) ، والنسائي في الكبرى (3296) .

(2)

التقريب (6809) .

(3)

عند النسائي في الكبرى (3297) .

(4)

التقريب (4324) .

(5)

عند البيهقي 4/279.

(6)

الكاشف 2/404.

(7)

عند: إسحاق بن راهويه (659) ، والبيهقي 4/280.

(8)

التقريب (2451) .

(9)

عند: الشافعي في مسنده (636) بتحقيقنا، وعبد الرزاق (7791) ، وإسحاق بن راهويه (885) ، والطحاوي في شرح المعاني 2/109، والبيهقي 4/280، وابن عبد البر في التمهيد 12/69.

(10)

التقريب (4193) .

(11)

ذكر هذا الطريق البيهقي في السنن الكبرى 4/279.

(12)

التقريب (6372) .

(13)

ذكر هذا الطريق البيهقي في السنن الكبرى 4/279.

(14)

التقريب (752) .

ص: 172

وللحديث طريق أخرى (1) ، فقد أخرجه النسائي (2) ، والطحاوي (3) ، وابن حبان (4) ، وابن حزم في المحلى (5) ، من طريق جرير بن حازم، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عمرة (6) ، عن عائشة.

هكذا الرواية وظاهرها الصحة، إلا أن جهابذة المحدّثين قَدْ عدوها غلطاً من

جرير بن حازم، خطّأه في هذا أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، والبيهقي (7)، قال البيهقي:((والمحفوظ عن يحيى بن سعيد، عن الزهري، عن عائشة، مرسلاً)) (8) .

ثم أسند البيهقي إلى أحمد بن منصور الرمادي (9) قال: قلت لعلي بن المديني: يا أبا الحسن تحفظ عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة، قالت: أصبحت أنا وحفصة صائمتين. فقال لي: من روى هذا؟ قلت: ابن وهب، عن جرير بن حازم، عن يحيى بن سعيد. قال: فضحك، فقال: مثلك يقول هذا! ، حدثنا: حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن الزهري: أن عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين.

وقد أشار النسائي كذلك إلى خطأ جرير (10) .

فهؤلاء أربعة من أئمة الحديث أشاروا إلى خطأ جرير بن حازم في هذا الحديث، وعدم إقامته لإسناده.

(1) الطريق يذكر ويؤنث، انظر القصيدة الموشحة لالاسماء المؤنثة السماعية 116.

(2)

في السنن الكبرى (3299) .

(3)

شرح معاني الآثار 2/109.

(4)

صحيح ابن حبان (3516) ، وفي طبعة الرسالة (3517) .

(5)

المحلى 6/270.

(6)

هي: عمرة بنت عبد الرحمان بن سعد بن زرارة الأنصارية، مدنية أكثرت عن عائشة، (ثقة) .

التقريب (8643) .

(7)

السنن الكبرى 4/281.

(8)

المصدر السابق.

(9)

هُوَ أحمد بن مَنْصُوْر بن سيار البغدادي الرمادي أبو بكر: ثقة، توفي سنة (265 هـ) .

تهذيب الكمال 1/83 (110) ، والعبر 2/36، والتقريب (113) .

(10)

انظر: تحفة الأشراف 11/873 (17945) .

ص: 173

ولم يرتض ابن حزم هذه التخطئة، وأجاب عن ذلك فقال:((لم يتحقق علينا قول من قال أن جرير بن حازم أخطأ في هذا الخبر إلا أن هذا ليس بشيء؛ لأن جريراً ثقة، ودعوى الخطأ باطل إلا أن يقيم المدعي له برهاناً على صحة دعواه، وليس انفراد جرير بإسناده علة؛ لأنه ثقة)) (1) .

ويجاب عن كلام ابن حزم: بأن ليس كل ما رواه الثقة صحيحاً، بل يكون فيه الصحيح وغير ذلك؛ لذا فإن الشذوذ والعلة إنما يكونان في حديث الثقة؛ فالعلة إذن هي معرفة الخطأ في أحاديث الثقات، ثم إن اطباق أربعة من أئمة الحديث على خطأ جرير، لم يكن أمراً اعتباطياً، وإنما قالوا هذا بعد النظر الثاقب والتفتيش والموازنة والمقارنة. أما إقامة الدليل على كل حكم في إعلال الأحاديث، فهذا ربما لا يستطيع الجهبذ الناقد أن يعبر عنه إنما هو شيء ينقدح في نفسه تعجز عبارته عنه (2) .

ثم إن التفرد ليس علة كما سبق أن فصلنا القول فيه في مبحث التفرد، وإنما هو مُلقٍ لِلضوءِ على العِلّة ومواقع الخلل وكوامن الخطأ، ثم إنا وجدنا الدليل على خطأ جرير ابن حازم، إذ قَدْ خالفه الإمام الثقة الثبت حماد بن زيد (3) ، فرواه عن يحيى بن سعيد ولم يذكر عمرة (4) .

وللحديث طريق أخرى فقد أخرجه الطبراني (5) من طريق: يعقوب بن مُحَمَّد الزهري، قال: حدثنا هشام بن عبد الله بن عكرمة بن عبد الرحمان، عن الحارث بن هشام، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.

(1) المحلى 6/270.

(2)

انظر: معرفة علوم الحديث: 112-113.

(3)

هو حماد بن زيد بن درهم الأزدي، الجهضمي، أبو إسماعيل البصري، (ثقة، ثبت، فقيه) ، أخرج لَهُ أصحاب الكتب الستة. التقريب (1499) .

(4)

عند الطحاوي في شرح المعاني 2/109، والبيهقي 4/281.

(5)

المعجم الأوسط (7388) طبعة الطحان و (7392) الطبعة العلمية.

ص: 174

قال الطبراني عقب روايته له: ((لم يرو هذا الحديث عن هشام بن عروة إلا هشام ابن عكرمة. تفرد به يعقوب بن مُحَمَّد الزهري)) .

قلت: هذه الرواية ضعيفة لا تصلح للمتابعة، إذ فيها علتان:

الأولى: يعقوب بن مُحَمَّد الزهري، فيه كلام ليس باليسير، فقد قال فيه الإمام أحمد:((ليس بشيء)) ، وَقَالَ مرة:((لا يساوي حديثه شيئاً)) ، وَقَالَ الساجي:

((منكر الحديث)) (1) .

والثانية: هشام بن عبد الله بن عكرمة، قال ابن حبان:((ينفرد عن هشام بن عروة بما لا أصل له من حديثه –كأنه هشام آخر–،لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد)) (2) .

وللحديث طريق أخرى، فقد أخرجه ابن أبي شيبة (3) من طريق خصيف بن

عبد الرحمان، عن سعيد بن جبير: أن عائشة وحفصة

الحديث. وهو طريق ضعيف لضعف خصيف بن عبد الرحمان، فقد ضعّفه الإمام أحمد، وأبو حاتم، ويحيى القطان، على أن بعضهم قَدْ قواه (4) .

وللحديث طريق أخرى فقد أخرجه البزار (5) ، والطبراني (6) من طريق حماد بن الوليد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر

الحديث. وهو طريق

(1) ميزان الاعتدال 4/454.

(2)

المجروحين 2/429 (1156) . وانظر: ميزان الاعتدال 4/300.

(3)

المصنف (9092) .

(4)

ميزان الاعتدال 1/653-654.

اضطرب فيه فقد أخرجه النسائي في الكبرى (3301) عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن عائشة وحفصة

؛ لذا قال النسائي: ((هذا الحديث منكر، وخصيف ضعيف في الحديث، وخطّاب لا علم لي، به)) .

ملاحظة: قول النسائي في هذا جاء مبتوراً في المطبوع من الكبرى، وهو بتمامه في تحفة الأشراف 4/565 (6071) .

(5)

كما في مجمع الزوائد 3/202.

(6)

المعجم الأوسط (5391) طبعة الطحان، (5395) الطبعة العلمية، وسقط من طبعة الطحان ذَكَرَ حماد بن الوليد واستدركته من الطبعة العلمية ومجمع البحرين.

ص: 175

ضعيف، قال الهيثمي:((فيه حماد بن الوليد ضعفه الأئمة)) (1) .

وللحديث طريق أخرى فقد أخرجه العقيلي (2) ، والطبراني (3) من طريق مُحَمَّد بن أبي سلمة المكي، عن مُحَمَّد بن عمرو (4) ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: أهديت لعائشة وحفصة

الحديث. وهو طريق ضعيف، قال الهيثمي:((فيه مُحَمَّد بن أبي سلمة المكي، وقد ضُعِّفَ بهذا الحديث)) (5) .

خلاصة القول: إن الحديث لم يصح متصلاً ولم تتوفر فيه شروط الصحة؛ فهو حديث ضعيف لانقطاعه؛ ولضعف طرقه الأخرى (6) .

أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء (حكم من أفطر في صيام التطوع)

(1) مجمع الزوائد 3/202.

(2)

الضعفاء، للعقيلي 4/79.

(3)

في الأوسط (8008) طبعة الطحان و (8012) الطبعة العلمية.

(4)

هُوَ مُحَمَّد بن عَمْرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني: صدوق لَهُ أوهام، توفي سنة (144 هـ)، وَقِيْلَ:(145 هـ) .

تهذيب الكمال 6/459 و460 (6104) ، وميزان الاعتدال 3/673 (8015) ، والتقريب (6188) .

(5)

مجمع الزوائد 3/202.

(6)

هنا مسألة أود التنبيه عليها، وهو أنه قَدْ يتبادر إلى أذهان بعض الناس أنّ هذا الحديث ربما يتقوى بكثرة الطرق، والجواب عن هذا:

بأن ليس كل ضعيف يتقوى بمجيئه من طريق آخر، فالعلل الظاهرة؛ وَهِيَ الَّتِي سببها انقطاع في السند، أو ضعف في الرَّاوِي، أو تدليس، أو اختلاط تتفاوت ما بَيْنَ الضعف الشديد والضعف اليسير، فما كَانَ يسيراً زال بمجيئه من طريق آخر مثله أو أحسن مِنْهُ، وما كَانَ ضعفه شديداً فَلَا تنفعه كثرة الطرق. وبيان ذَلِكَ: أن ما كَانَ ضعفه بسبب سوء الحفظ أو اختلاطٍ أو تدليسٍ أو انقطاع يسير فالضعف هنا يزول بالمتابعات والطرق، وما كَانَ انقطاعه شديداً أو كَانَ هناك قدحٌ في عدالة الراوي فلا يزول. وانظر في ذلك بحثاً موسعاً في:" أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء ": 34-43.

ص: 176

وما دمنا قَدْ تكلمنا بإسهاب عن حديث الزهري متصلاً ومنقطعاً، وذكرنا طرقه وشواهده، وبيّنا ما يكمن فيها من ضعف وخلل، فسأتكلم عن أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء، فأقول: من شَرَعَ في صوم تطوع، أو صلاة تطوع ولم يتم نفله، هل يجب عليه القضاء أم لا؟

اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال:

القول الأول:

ذهب بعض العلماء إلى أن النفل يجب على المكلف بالشروع فيه، فإذا أبطل وجب عليه قضاؤه صوماً كان أم صلاةً أم غيرهما.

وهو مروي عن: ابن عباس (1) ، وإبراهيم النخعي (2) ، والحسن البصري (3) ، وأنس (4) بن سيرين (5) ، وعطاء (6) ، ومجاهد (7) ، والثوري (8) ، وأبي ثور (9) .

وهو مذهب الحنفية (10) ، والمالكية (11) ، والظاهرية (12) .

والحجة لهذا المذهب:

(1) المصنف، لابن أبي شيبة (9094) ، والسنن الكبرى، للبيهقي 4/281.

(2)

المصنف لعبد الرزاق (7788) .

(3)

المصنف لعبد الرزاق (7789) ، والمصنف، لابن أبي شيبة (9096) .

(4)

هُوَ أنس بن سيرين الأنصاري، أبو موسى، وَقِيْلَ: أبو حمزة، وَقِيْلَ أبو عَبْد الله البصري: ثقة، توفي سنة (118 هـ) .

الثقات 8/48، وتهذيب الكمال 1/287 (557) ، والتقريب (563) .

(5)

المصنف، لابن أبي شيبة (9093) .

(6)

المصنف، لابن أبي شيبة (9097) .

(7)

المصنف، لابن أبي شيبة (9097) .

(8)

الاستذكار 3/238، إلا أنه قال بالاستحباب لا الوجوب.

(9)

الاستذكار 3/238، والتمهيد 12/72.

(10)

بدائع الصنائع 2/102، وحاشية رد المحتار 2/430، وتبيين الحقائق 1/337، والاختيار 1/135.

(11)

الموطأ (849) و (850) رواية الليثي، وبداية المجتهد 1/227، والقوانين الفقهية: 120، وأسهل المدارك 1/431، وشرح منح الجليل 1/400.

(12)

المحلى 6/268.

ص: 177

قوله تَعَالَى: {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} (1) : قال الجصاص الحنفي: ((يحتج به في أن كل من دخل في قربة لا يجوز له الخروج منها قبل إتمامها؛ لما فيه من إبطال عمله نحو الصلاة والصوم والحج وغيره)) (2) .

وللشافعي جواب عن هذا فقال: ((المراد بذلك إبطال ثواب العمل المفروض، فنهي الرجل عن إحباط ثوابه. فأما ما كان نفلاً فلا؛ لأنه ليس واجباً عليه، فإن زعموا أن اللفظ عام فالعام يجوز تخصيصه، ووجه تخصيصه أن النفل تطوع، والتطوع يقتضي تخييراً)) (3) .

جعلوا عمدة قولهم حديث الزهري السابق، وكأنهم رجحوا الاتصال على الانقطاع، أو أخذوا بالحديث لما له من طرق، وجعل ابن حزم الظاهري عمدة قوله حديث جرير بن حازم، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة. ودافع عن زيادة جرير (4) . وقد تقدم الكلام بأن جريراً مخطئٌ في حديثه، وقد ذكرنا كلام ابن حزم وأجبنا عنه.

القول الثاني:

ذهب فريق من الفقهاء إلى استحباب الإتمام ولا قضاء عليه، وهو مذهب أكثر أهل العلم، وهو مروي عن: علي (5) ، وعبد الله بن مسعود (6) ، وعبد الله بن عمر (7) ،

(1) محمد: 33.

(2)

أحكام القرآن 3/393.

(3)

الجامع لأحكام القرآن 7/6075.

(4)

المحلى 6/270-271.

(5)

مصنف عبد الرزاق (7772)، وانظر: الحاوي الكبير 3/336.

(6)

مصنف عبد الرزاق (7784) ، ومصنف ابن أبي شيبة (9084) ، والسنن الكبرى، للبيهقي 4/277، وانظر: الحاوي 3/336.

(7)

مصنف ابن أبي شيبة (9088) ، والسنن الكبرى، للبيهقي 4/277، والمحلى 6/270، وانظر: الحاوي الكبير 3/336.

ص: 178

وابن عباس (1) ، وجابر بن عبد الله (2) .

وإبراهيم النخعي (3) ، ومجاهد (4) ، والثوري (5) ، وإسحاق (6) .

وهو مذهب الشافعية (7) ، والحنابلة (8) .

والحجة لهم: وهو أن حديث الزهري لم يصح، فهو ضعيف منقطع، ولم يروا الآية دليلاً لذلك، فقد احتجوا بجملة من الأحاديث، منها:

حديث عائشة بنت طلحة (9)

(1) عند عبد الرزاق في المصنف (7767) و (7768) و (7769) و (7770) و (7778) ، ومصنف ابن أبي شيبة (9080) ، والسنن الكبرى، للبيهقي 4/277. وهي إحدى الروايتين عنه، وانظر: الحاوي الكبير 3/336، والاستذكار 3/239 و 240.

(2)

مصنف عبد الرزاق (7771) ، والسنن الكبرى، للبيهقي 4/277، والمحلى 6/270، وانظر: الاستذكار 3/240.

(3)

مصنف ابن أبي شيبة (9085) .

(4)

مصنف ابن أبي شيبة (9086) .

(5)

انظر: الحاوي الكبير 3/336، والمجموع 6/394.

(6)

المصدر نفسه.

(7)

انظر: الأم 2/103، ومختصر المزني: 59، والتهذيب 3/187، والمجموع 6/394، وروضة الطالبين 2/386، ونهاية المحتاج 3/210.

(8)

انظر: المغني 3/89، والهادي: 55، والمحرر 1/231، وشرح الزركشي 2/45.

ونقل حنبل عن الإمام أحمد: ((إذا أجمع على الصيام، وأوجب على نفسه فأفطر من غير عذر أعاد

يوماً، ولكن حمله على الاستحباب أو النذر)) . انظر: المصادر السابقة.

(9)

هِيَ أم عمران عَائِشَة بنت طلحة بن عبيد الله التيمية المدنية: ثقة، قَالَ أبو زرعة: امرأة جليلة، حدث الناس عَنْهَا لفضائلها وأدبها.

الثقات 5/289، وتهذيب الكمال 8/555 (8483) ، والتقريب (8636) .

ص: 179

، عن عائشة أم المؤمنين، قالت: دخل عَلَيَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فقال: هل عندكم شيءٌ؟ فقلنا: لا، قال: فإني إذن صائم. ثم أتانا يوماً آخر، فقلنا: يا رسول الله، أهدي لنا حيس (1)، فقال: أَرينيه، فلقد أصبحت صائماً، فأكل)) . رواه مسلم (2) .

عن أبي جحيفة (3) قال: ((آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان (4) وأبي الدرداء، فزار سلمان

أبا الدرداء، فرآى أم الدرداء (5)

(1) الحيس: هو الطعام المتخذ من التمر والأقط والسمن، وقد يجعل عوض الأقط الدقيق أو الفتيت. وقيل: التمر البرني والأقط يدقان ويعجنان بالسمن عجناً شديداً حتى يندر النوى منه نواة نواة، ثم يسوى كالثريد. انظر: النهاية 1/467، ولسان العرب 6/61، وتاج العروس 15/568 مادة (حيس) .

(2)

صحيح مسلم 3/159 (4454)(169)(170)، وأخرجه مطولاً ومختصراً غيره. انظر: تخريج رواياتهم في تحقيقي للشمائل (182) .

(3)

الصَّحَابِيّ وهب بن عَبْد الله بن مُسْلِم أبو جحيفة السوائي، توفي سنة (64 هـ) .

أسد الغابة 5/157، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 2/154، والإصابة 3/642.

(4)

الصَّحَابِيّ الجليل مولى رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم أبو عَبْد الله سلمان الخير الفارسي، توفي سنة (35 هـ) .

معجم الصَّحَابَة 5/2098، وتجريد أسماء الصَّحَابَة 1/230 (2400) ، والإصابة 2/62.

(5)

هِيَ هجيمة أو جهيمة، أم الدرداء الأوصابية الدمشقية، وَهِيَ الصغرى: ثقة فقيهة، توفيت سنة (81 هـ) .

تهذيب الكمال 8/593 و 594 (8569) ، وسير أعلام النبلاء 4/277، والتقريب (8728) .

ص: 180

متبذلة (1)، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء لَيْسَ لَهُ حاجة في الدنيا. فجاء أبو الدرداء فصنع لَهُ طعاماً، فَقَالَ: كُلْ، قَالَ: فإني صائم، قَالَ: ما أنا بآكل حَتَّى تأكل، قَالَ: فأكل، فَلَمَّا كَانَ الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، فَقَالَ: نَمْ، فنام، ثُمَّ ذهب يقوم، فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ من آخر الليل، قَالَ سلمان: قم الآن، فصليا، فَقَالَ لَهُ سلمان: إن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، فاعطِ كُلّ ذي حق حقه، فأتى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فذكر لَهُ، فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم:((صدق سلمان)) . أخرجه البُخَارِيّ (2) ، والترمذي (3) ، وابن خزيمة (4) ، والبيهقي (5) .

فهذه أحاديث صحيحة أجازت لصائم النفل الإفطار، ولم تأمره بقضاء.

حديث أم هانئ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصائم المتطوع أمين نفسه، إن شاء صام وإن شاء أفطر)) . أخرجه الإمام أحمد (6) ، والترمذي (7) ، والنسائي (8) ، والدارقطني (9) ،

والبيهقي (10) . قال الترمذي: ((في إسناده مقال)) (11) .

القول الثالث:

(1) التبذل: ترك التزين والتهيؤ بالهيأة الحسنة الجميلة. انظر: النهاية 1/111، ولسان العرب 11/50 (بذل) .

(2)

صحيح البخاري 3/49 (1968) و 8/40 (6139) .

(3)

جامع الترمذي (2413) .

(4)

صحيح ابن خزيمة (2144) .

(5)

في السنن الكبرى 4/275-276.

(6)

في مسنده 6/341 و 343.

(7)

جامع الترمذي (732) .

(8)

السنن الكبرى (3302) و (3303) .

(9)

سنن الدارقطني 2/175.

(10)

السنن الكبرى 4/276.

(11)

جامع الترمذي عقيب (732) .

ص: 181

التفصيل وهو مذهب المالكية، قالوا: إن أفطر بعذر جاز، وإن أفطر بغير عذر لزمه القضاء (1) .

(1) انظر: المدونة 1/25، والاستذكار 3/238، والبيان والتحصيل 2/342، وبداية المجتهد 1/227، والمنتقى 2/68، وشرح منح الجليل 1/412.

ص: 182

لما كَانَ الاتصال شرطاً للصحة فالانقطاع ينافي الصِّحَّة، إذن الانقطاع أمارة من أمارات الضعف؛ لأن الضَّعِيف مَا فَقَدْ شرطاً من شروط الصِّحَّة (1) .

والانقطاع قَدْ يَكُون في أول السَّنَد، وَقَدْ يَكُون في آخره، وَقَدْ يَكُون في وسطه، وَقَدْ يَكُون الانقطاع براوٍ واحد أو أكثر. وكل ذَلِكَ من نَوْع الانقطاع، والذي يعنينا الكلام عَلَيْهِ هنا هُوَ الكلام عن الانقطاع في آخر الإسناد، وَهُوَ مَا يُسَمَّى بالمرسل عِنْدَ المتأخرين، وَهُوَ مَا أضافه التَّابِعيّ إلى النَّبيّ صلى الله عليه وسلم (2)

(1) انظر: مَعْرِفَة أنواع علم الحَدِيْث: 37، و112طبعتنا، وإرشاد طلاب الحقائق 1/153، والتقريب والتيسير: 49و 93 طبعتنا، والمنهل الروي: 38، والمقنع 1/103، وشرح التبصرة والتذكرة 1/112، و 1/176 طبعتنا، وفتح الباقي 1/111-112، و 1/205 طبعتنا.

(2)

انظر في المُرْسَل:

مَعْرِفَة علوم الحَدِيْث 25، والكفاية (58ت،21 هـ) ، والتمهيد 1/19، وجامع الأصول 1/115، ومعرفة أنواع علم الحَدِيْث 47،و126طبعتنا وإرشاد طلاب الحقائق 1/167، والمجموع 1/60، والاقتراح 192، والتقريب:54،و99 طبعتنا، والمنهل الروي 42، والخلاصة 65، والموقظة 38، وجامع التحصيل 23، واختصار علوم الحَدِيْث 47، والبحر المحيط 4/403، والمقنع 1/129، وشرح التبصرة والتذكرة 1/144،و1/202طبعتنا، ونزهة النظر 109، والمختصر 128، وفتح المغيث 1/128، وألفية السيوطي 25، وشرح السيوطي عَلَى ألفية العراقي 159، وفتح الباقي 1/144،

و1/194طبعتنا، وتوضيح الأفكار 1/283، وظفر الأماني 343، وقواعد التحديث 133.

ومما ينبغي التنبيه علية أن للعُلَمَاء في تعريف المُرْسَل وبيان صوره مناقشات، انظرها في نكت

الزَّرْكَشِيّ 1/439 ومحاسن الاصطلاح 130، والتقييد والإيضاح 70، وشرح التبصرة

والتذكرة 1/144،و 1/203طبعتنا، ونكت ابن حجر 2/540، والبحر الَّذِي زخر ل 113، وانظر تعليقنا عَلَى مَعْرِفَة أنواع علم الحَدِيْث:128.

ص: 183

لِذلِكَ فإن الحَدِيْث إذ روي مرسلاً مرة، وروي مرة أخرى موصولاً، فهذا يعد من الأمور الَّتِي تعلُّ بِهَا بَعْض الأحاديث، ومن العلماء من لا يعدُّ ذَلِكَ علة، وتفصيل الأقوال في ذَلِكَ عَلَى النحو الآتي:

القَوْل الأول: ترجيح الرِّوَايَة الموصولة عَلَى الرِّوَايَة المرسلة؛ لأَنَّهُ من قبيل زيادة الثِّقَة (1) .

القَوْل الثَّانِي: ترجيح الرِّوَايَة المرسلة (2) .

القَوْل الثَّالِث: الترجيح للأحفظ (3) .

القَوْل الرابع: الاعتبار لأكثر الرواة عدداً (4) .

القَوْل الخامس: التساوي بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ والتوقف (5) .

(1) وهذا هُوَ الَّذِي صححه الخطيب في الكفاية (581ت،411هـ) وَقَالَ ابن الصَّلاح في مَعْرِفَة أنواع علم

الحَدِيْث:65، 155 طبعتنا:((فما صححه هُوَ الصَّحِيح في الفقه وأصوله)) .وانظر: المدخل: 40،= =وقواطع الأدلة 1/368-369، والمحصول 2/229، وجامع الأصول 1/170 وكشف الأسرار للبخاري 3/2، وجمع الجوامع 2/126. وَقَدْ نسب الإمام النَّوَوِيّ هَذَا القَوْل للمحققين من أهل الحَدِيْث، شرح صَحِيْح مسلم 1/145 ثُمَّ إن هَذَا القَوْل هُوَ الَّذِي صححه العراقي في شرح التبصرة 1/174، 1/227 طبعتنا.

(2)

هَذَا القَوْل عزاه الخطيب للأكثر من أهل الحَدِيْث (الكفاية: 580ت، 411 هـ) .

(3)

هُوَ ظاهر كلام الإمام أحمد كَمَا ذكر ذَلِكَ ابن رجب الحنبلي في شرحه لعلل التِّرْمِذِي 2/631.

(4)

عزاه الحَاكِم في المدخل: 40 لأئمة الحَدِيْث، وانظر: مقدمة جامع الأصول 1/170، والنكت الوفية 136/أ.

(5)

هَذَا القَوْل ذكره السُّبْكِيّ في جمع الجوامع 2/124 وَلَمْ ينسبه لأحد.

ص: 184

هَذَا ما وجدته من أقوال لأهل العِلْم في هذِهِ المسألة، وَهِيَ أقوال متباينةٌ مختلفة، وَقَدْ أمعنت النظر في صنيع المتقدمين أصحاب القرون الأولى، وأجلت النظر كثيراً في أحكامهم عَلَى الأحاديث الَّتِي اختلف في وصلها وإرسالها، فوجدت بوناً شاسعاً بَيْنَ قَوْل المتأخرين وصنيع المتقدمين، إذ إن المتقدمين لا يحكمون عَلَى الحَدِيْث أول وهلة، وَلَمْ يجعلوا ذَلِكَ تَحْتَ قاعدة كلية تطرد عَلَيْهَا جَمِيْع الاختلافات، وَقَدْ ظهر لي من خلال دراسة مجموعة من الأحاديث الَّتِي اختلف في وصلها وإرسالها: أن الترجيح لا يندرج تَحْتَ قاعدة كلية، لَكِنْ يختلف الحال حسب المرجحات والقرائن، فتارة ترجح الرِّوَايَة المرسلة وتارة ترجح الرِّوَايَة الموصولة. وهذه المرجحات كثيرة يعرفها من اشتغل بالحديث دراية ورواية وأكثر التصحيح والتعليل، وحفظ جملة كبيرة من الأحاديث، وتمكن في علم الرِّجَال وعرف دقائق هَذَا الفن وخفاياه حَتَّى صار الحَدِيْث أمراً ملازماً لَهُ مختلطاً بدمه ولحمه.

ومن المرجحات: مزيد الحفظ، وكثرة العدد، وطول الملازمة للشيخ. وَقَدْ يختلف جهابذة الحديث في الحكم عَلَى حَدِيث من الأحاديث، فمنهم: من يرجح الرِّوَايَة المرسلة، ومنهم: من يرجح الرِّوَايَة الموصولة، ومنهم: من يتوقف.

وسأسوق نماذج لِذلِكَ مَعَ بيان أثر ذَلِكَ في اختلاف الفُقَهَاء.

مثال ذَلِكَ: رِوَايَة مَالِك بن أنس، عن زيد بن أسلم (1) ، عن عطاء بن يسار (2)

(1) هُوَ أبو عَبْد الله، وأبو أسامة زيد بن أسلم العدوي مولى عمر: ثقة وَكَانَ يرسل، توفي سنة (136 هـ) .

تهذيب الكمال 3/64 (2072) ، وسير أعلام النبلاء 5/316، والتقريب (2117) .

(2)

أبو مُحَمَّد عطاء بن يسار الهلالي المدني، مولى ميمونة: ثقة، توفي سنة (103 هـ) .

الثقات 5/199، وتهذيب الكمال 5/179 (4535)، وتاريخ الإسلام: 171 وفيات (103 هـ) .

ص: 185

؛ أن رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إذا شك أحدكم في صلاته فَلَمْ يدرِ كم صلى أثلاثاً أم أربعاً؟ فليصل رَكْعَة، وليسجد سجدتين وَهُوَ جالس قَبْلَ التسليم، فإن كَانَت الرَّكْعَة الَّتِي صلى خامسة شفعها بهاتين السجدتين، وإن كَانَتْ رابعة فالسجدتان ترغيم

للشيطان)) .

هَذَا الحَدِيْث رَواهُ هكذا عن مَالِك جَمَاعَة الرواة مِنْهُمْ:

سويد بن سعيد (1) .

عبد الرزاق بن همام (2) .

عبد الله بن مسلمة القعنبي (3) .

عَبْد الله بن وهب (4) .

عُثْمَان بن عُمَر (5) .

مُحَمَّد بن الحَسَن الشيباني (6) .

أبو مصعب الزُّهْرِيّ (7) .

يَحْيَى بن يَحْيَى الليثي (8) .

فَهؤلاء ثمانيتهم رووه عن مَالِك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، بِهِ مرسلاً.

والحديث رَواهُ الوليد بن مُسْلِم (9) ، ويَحْيَى بن راشد (10)

(1) في موطئه (151) .

(2)

كَمَا في مصنفه (3466) .

(3)

عِنْدَ أبي دَاوُد (1026) ، ومن طريقه البَيْهَقِيّ 2/338.

(4)

عند الطحاوي في شرح المعاني 1/433، والبيهقي في السُّنَن الكبرى 2/331.

(5)

عِنْدَ الطحاوي في شرح المعاني 1/433.

(6)

موطئه (138) .

(7)

في موطئه (475) ، ومن طريقه أخرجه البَغَوِيّ في شرح السُّنَّة (754)

(8)

في موطئه (252)

(9)

عِنْدَ ابن حبان (2659) وط الرسالة (2663) ،والبيهقي2/338-339،وابن عَبْد البر في التمهيد5/19.

(10)

أبو سعيد البصري يَحْيَى بن راشد المازني: ضعيف.

الثقات 7/601، وتهذيب الكمال 8/32 (7418) ، والتقريب (7545) .

ص: 186

المازني (1) عن مَالِك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، بِهِ - متصلاً -. هكذا اختلف عَلَى الإمام مَالِك بن أنس في وصل هَذَا الحَدِيْث وإرساله، والراجح فِيهِ الوَصْل، وإن كَانَ رواة الإرسال أكثر وَهُوَ الصَّحِيح من رِوَايَة مَالِك (2)، لما يأتي:

وَهُوَ أن الإِمَام مالكاً توبع عَلَى وصل هَذَا الحَدِيْث:

فَقَدْ رَواهُ فليح بن سليمان (3) ، وعبد العزيز بن عَبْد الله (4) بن أبي سلمة (5) ،

وسليمان بن بلال (6) ، ومُحَمَّد (7)

(1) عِنْدَ ابن عَبْد البر في التمهيد 5/20.

(2)

انظر: التمهيد 5/21.

(3)

عِنْدَ أحمد 3/72، والدارقطني 1/375.

(4)

هُوَ أبو عَبْد الله، ويقال: أبو الأصبغ عَبْد العزيز بن عَبْد الله بن أبي سلمة الماجشون المدني الفقيه، توفي سنة (166 هـ) .

الجرح والتعديل 5/386، وتهذيب الكمال 4/520 و 521 (4043) ، وسير أعلام النبلاء 7/309.

(5)

عِنْدَ أحمد 3/84، والدارمي (1503) ، وَالنَّسَائِيّ 3/27، وَفِي الكبرى (1162) ،وابن الجارود (241) ، وابن خزيمة (1024) ، وأبي عوانة 2/210، والطحاوي في شرح المعاني 1/433، والدارقطني 1/371، والبيهقي 2/331.

(6)

عِنْدَ أحمد 3/83، وَمُسْلِم 2/84 (571)(88) ، وأبي عوانة 2/192-193، وابن حبان (2665) وط الرسالة (2669) ، والبيهقي 2/331.

(7)

الإِمَام الحَافِظ مُحَمَّد بن مطرف بن داود أبو غسان المدني، ولد قَبْلَ المئة، وتوفي بَعْدَ (160 هـ) .

تهذيب الكمال 6/519 (6205) ، وسير أعلام النبلاء 7/296، وتذكرة الحفاظ 1/242.

ص: 187

بن مطرف (1) ، ومُحَمَّد بن عجلان (2) خمستهم (3) رووه عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخُدْرِيّ، بِهِ متصلاً. وَقَدْ خالفهم جميعاً يعقوب بن عَبْد الرحمان (4) القَارّي (5) ؛ فرواه عن زيد بن أسلم، عن عطاء، مرسلاً. لَكِنْ روايته لَمْ تقاوم أمام رِوَايَة الجَمْع (6) .

إذن فالراجح في رِوَايَة هَذَا الحَدِيْث الوَصْل لكثرة العدد وشدة الحفظ. قَالَ الحافظ ابن عَبْد البر: ((والحَدِيْث مُتَّصِل مُسْنَد صَحِيْح، لا يضره تقصير من قصر بِهِ في اتصاله؛ لأن الَّذِيْنَ وصلوه حُفَّاظ مقبولةٌ زيادتهم (7)) ) .

وَقَالَ في مَوْضِع آخر: ((قَالَ الأثرم: سألت أحمد بن حَنْبَل عن حَدِيث أبي سعيد في السهو، أتذهب إليه؟ قَالَ: نعم، أذهب إِليهِ، قلتُ: إنهم يختلفون في إسناده، قَالَ: إِنَّمَا قصر بِهِ مَالِك، وَقَدْ أسنده عدة، مِنْهُمْ: ابن عجلان، وعبد العزيز بن أبي سلمة (8)) ) .

ثُمَّ إن هَذَا الحَدِيْث قَدْ تناوله الإمام العراقي الجهبذ أَبُو الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ في علله (9) وانتهى إلى ترجيح الرِّوَايَة المسندة.

الدكتور

(1) عِنْدَ أحمد 3/87.

(2)

عِنْدَ ابن ماجه (1210) ، وَالنَّسَائِيّ 3/27، وَفِي الكبرى (1162) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/433، وابن حبان (2663) وَفِي ط الرسالة (2667) .

(3)

وَقَدْ ذكر ابْن عَبْد البر في التمهيد 5/18-19غيرهم هشام بن سعد وداود بن قيس، وَلَمْ أقف عَلَى رواياتهم

(4)

هُوَ يعقوب بن عَبْد الرحمان بن مُحَمَّد بن عَبْد الله بن عَبْد القاري المدني، توفي سنة (181 هـ) .

الثقات 7/644، والأنساب 4/407، وتهذيب الكمال 8/174 (7690) .

(5)

عِنْدَ أبي دَاوُد (1027) .

(6)

عَلَى أن ابن عَبْد البر ذكر في التمهيد 5/18-19 آخرين رووه مرسلاً، لَمْ أقف عَلَى رواياتهم.

(7)

التمهيد 5/19.

(8)

التمهيد 5/25.

(9)

11/260-263 س (2274) .

ص: 188

ماهر ياسين الفحل

العراق /الأنبار/الرمادي/ص.ب 735

al-rahman@uruklink.net........................

ص: 189