المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب السابع: القول في الوصل والفصل - بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة - جـ ٢

[عبد المتعال الصعيدي]

الفصل: ‌الباب السابع: القول في الوصل والفصل

‌الباب السابع: القول في الوصل والفصل

تعريف الوصل والفصل:

الوصل: عطف بعض الجمل على بعض، والفصل: تركه1. وتمييز موضع

ص: 278

ونحوه1 مقبولا في المفرد أن يكون بين المعطوف والمعطوف عليه جهة جامعة2 كما في قوله تعالى: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا} [سبأ: 2] 3 يشترط في كون العطف بالواو ونحوه مقبولا في الجملة، ذلك كقولك:"زيد يكتب ويُشعِر، أو يعطي ويمنع"، وعليه قوله:{وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 245] ؛ ولهذا عِيبَ على أبي تمام قوله "من الطويل":

لا والذي هو عالم أن النوى

صبر وأن أبا الحسين كريم4

ص: 280

إذ لا مناسبة بين كرم أبي الحسين ومرارة النوى، ولا تعلق لأحدهما بالآخر1.

الفصل لعدم الاشتراك في الحكم:

وإن لم يقصد ذلك تُرك عطفها عليها2 كقوله تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ، اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 14، 15] لم يعطف {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} على: {إِنَّا مَعَكُمْ} ؛ لأنه لو عطف عليه؛ لكان من مقول المنافقين؛ وليس منه. وكذا قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ، أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} [البقرة: 11، 12]، وكذا قوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 13] .

الوصل بغير الواو من حروف العطف:

وعلى الثاني إن قصد بيان ارتباط الثانية بالأولى على معنى بعض حروف العطف سوى الواو، عُطفت عليها بذلك الحرف3 فتقول: "دخل زيد فخرج

ص: 281

عمرو" إذا أردتَ أن تخبر أن خروج عمرو كان بعد دخول زيد من غير مهلة، وتقول: "خرجت ثم خرج زيد" إذا أردت أن تخبر أن خروج زيد كان بعد خروجك بمهلة، وتقول: "يعطيك زيد دينارا أو يكسوك جبة" إذا أردت أن تخبر أنه يفعل واحدا منهما لا بعينه، وعليه قوله تعالى:{سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النمل: 27] .

الفصل لعدم الاشتراك في القيد:

وإن لم يقصد ذلك، فإن كان للأول حكم ولم يقصد إعطاؤه للثانية؛ تعين الفصل1؛ كقوله تعالى:{وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ، اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 14، 15] لم يعطف {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} على {قَالُوا} لئلا يشاركه في الاختصاص بالظرف المقدَّم2، وهو قوله:{وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} فإن استهزاء الله بهم -وهو أن خذلهم، فخلاهم وما سوَّلتْ لهم أنفسهم، مستدرجا إياهم من حين لا يشعرون- متصل لا ينقطع بكل حال، خلوا إلى شياطينهم أم لم

ص: 282

يخلوا إليهم، وكذلك في الآيتين الأخيرتين1؛ فإنهم مفسدون في جميع الأحيان؛ قيل لهم: لا تفسدوا، أو لا، وسفهاء في جميع الأوقات؛ قيل لهم: آمنوا، أو لا.

أحوال أخرى للفصل:

وإن لم يكن للأولى حكم كما سبق، فإن كان بين الجملتين كمال الانقطاع وليس في الفصل إيهام خلاف المقصود كما سيأتي، أو كمال الاتصال، أو كانت الثانية بمنزلة المنقطعة عن الأولى، أو بمنزلة المتصلة بها، فكذلك يتعين الفصل2. أما في الصورة الأولى؛ فلأن الواو للجمع، والجمع بين الشيئين يقتضي مناسبة بينهما كما مر.

وأما في الثانية؛ فلأن العطف فيها بمنزلة عطف الشيء على نفسه، مع أن العطف يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه3. وأما في الثالثة والرابعة فظاهر مما مر4.

ص: 283

الأول: كمال الانقطاع:

وأما كمال الانقطاع فيكون لأمر يرجع إلى الإسناد، أو إلى طرفيه:

الأول: أن تختلف الجملتان خبرا وإنشاء، لفظا ومعنى؛ كقولهم:"لا تدنُ من الأسد يأكلك"، و"هل تصلح لي كذا أدفع إليك الأجرة؟ " بالرفع فيهما.

وقول الشاعر "من البسيط":

وقال رائدهم: ارسوا نزاولها

فكل حتف امرئ يجري بمقدار1

أو معنى لا لفظا؛ كقولك: "مات فلان رحمه الله"2.

أما قول اليزيدي "من السريع":

ملّكتُهُ حَبْلي ولكنه

ألقاه من زهد على غاربي

وقال: إني في الهوى كاذب

انتقم الله من الكاذب3

فعده السكاكي4 رحمه الله من هذا الضرب، وحمله الشيخ عبد القاهر5

ص: 284

-رحمه الله على الاستئناف بتقدير: "قلت"1.

الثاني: ألا يكون بين الجملتين جامع كما سيأتي2.

ص: 285

الثاني: كمال الاتصال.

وأما كمال الاتصال فيكون لأمور ثلاثة:

الأول: أن تكون الثانية مؤكدة للأولى، والمقتضي للتأكيد دفع توهم التجوز والغلط، وهو قسمان:

أحدهما: أن تنزّل الثانية من الأولى منزلة التأكيد المعنوي من متبوعه في إفادة التقرير مع الاختلاف في المعنى1؛ كقوله تعالى: {الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 1، 2]، فإن وزان "لا ريب فيه" في الآية وزان "نفسه" في قولك:"جاءني الخليفة نفسه"2، فإنه لما بُولِغ في وصف الكتاب ببلوغه الدرجة القصوى من

ص: 286

الكمال بجعل المبتدأ "ذلك" وتعريف الخبر باللام1؛ كان عند السامع قبل أن يتأمله مظنة أنه مما يُرْمَى به جزافا من غير تحقق2، فأتبعه {لا رَيْبَ فِيهِ} نفيا لذلك3 إتباع "الخليفة نفسه" إزالةً لما عسى أن يتوهم السامع أنك في قولك:"جاءني الخليفة" متجوز أو ساهٍ، وكذا قوله:{كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا} [لقمان: 7] . الثاني مقرر لما أفاده الأول4. وكذا قوله: {إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: 14] ؛ لأن قوله: {إِنَّا مَعَكُمْ} معناه الثبات على اليهودية، وقوله: {إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} رد للإسلام، ودفع له منهم؛ لأن المستهزئ بالشيء المستخف به منكر له ودافع له لكونه غير معتد به، ودفع نقيض الشيء تأكيد لثباته5. ويحتمل الاستئناف6؛ أي: فما بالكم إن صح أنكم معنا توافقون أصحاب محمد؟

ص: 287

وثانيهما: أن تنزّل الثانية من الأولى منزلة التأكيد اللفظي من متبوعه في اتحاد المعنى1؛ كقوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] ؛ فإن {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} معناه أنه في الهداية بالغ درجة لا يُدرَك كُنْهها حتى كأنه هداية محضة2، وهذا معنى قوله:{ذَلِكَ الْكِتَابُ} ؛ لأن معناه -كما مر- الكتاب الكامل، والمراد بكماله كماله في الهداية3؛ لأن الكتب السماوية بحسبها تتفاوت في درجات الكمال، وكذلك قوله تعالى:{سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6]، فإن معنى قوله:{لا يُؤْمِنُونَ} معنى ما قبله4، وكذا ما بعده5 تأكيد ثانٍ؛ لأن عدم التفاوت بين الإنذار وعدمه لا يصح إلا في حق من ليس له قلب يخلص إليه حق، وسمع تدرك به حجة، وبصر تثبت به عبرة، ويجوز أن يكون {لا يُؤْمِنُونَ} خبرا لـ {إِنَّ} 6 فالجملة قبلها اعتراض.

ص: 288

الثاني1: أن تكون الثانية بدلا من الأولى، والمقتضي للإبدال كون الأولى غير وافية بتمام المراد، بخلاف الثانية، والمقام يقتضي اعتناء بشأنه لنكتة؛ ككونه مطلوبا في نفسه أو فظيعا أو عجيبا أو لطيفا، وهو ضربان:

أحدهما: أن تنزل الثانية من الأولى منزلة بدل البعض من متبوعه2؛ كقوله تعالى: {وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ، وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الشعراء: 132-134] فإنه مسوق للتنبيه على نعم الله تعالى عند المخاطَبين، وقوله:{أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ، وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} أوفى بتأديته مما قبله3؛ لدلالته عليها بالتفصيل من غير إحالة على علمهم مع كونهم معاندين، والإمداد بما ذكر من الأنعام وغيرها بعض الإمداد بما يعلمون4، ويحتمل الاستئناف5.

وثانيهما: أن تنزل الثانية من الأولى منزلة بدل الاشتمال من متبوعه؛ كقوله تعالى: {اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [يس: 20، 21] فإن المراد به حمل المخاطبين على اتباع الرسل، وقوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ

ص: 289

أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} أوفى بتأدية ذلك؛ لأن معناه: لا تخسرون معهم شيئا من دنياكم، وتربحون صحة دينكم، فينتظم لكم خير الدنيا وخير الآخرة.

وقول الشاعر "من الطويل":

أقول له: ارحل لا تُقيمنَّ عندنا

وإلا فكن في السر والجهر مسلما1

فإن المراد به كمال إظهار الكراهة؛ لإقامته بسبب خلاف سره العلن، وقوله:"لا تقيمن عندنا" أوفى بتأديته؛ لدلالته عليه بالمطابقة مع التأكيد2، بخلاف "ارحل"3، ووزان الثانية من كل واحد من الآية والبيت وزان "حسنها" في قولك:"أعجبتني الدار حسنها"؛ لأن معناها مغاير لمعنى ما قبلها، وغير داخل فيه، مع ما بينهما من الملابسة4.

ص: 290

الثالث1: أن تكون الثانية بيانا للأولى، وذلك بأن تنزل منها منزلة عطف البيان من متبوعه، في إفادة الإيضاح، والمقتضي للتبيين أن يكون في الأولى نوع خفاء مع اقتضاء المقام إزالته؛ كقوله تعالى:{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} [طه: 120] ؛ فصل جملة "قال" عما قبلها؛ لكونها تفسيرا له وتبيينا2. ووزانه وزان "عمر" في قوله "من الرجز":

أقسم بالله أبو حفص عمر3

وأما قوله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: 31] فيحتمل التبيين والتأكيد؛ أما التبيين فلأنه يمتنع أن يخرج من جنس البشر ولا يدخل في جنس آخر؛ فإثبات المَلَكية له تبيين لذلك الجنس وتعيين. وأما التأكيد؛ فلأنه إذا

ص: 291

كان ملكا لم يكن بشرا، ولأنه إذا قيل في العرف لإنسان:"ما هذا بشرا" حال تعظيم له وتعجب مما يشاهد منه من حسن خَلق أو خُلُق، كان الغرض أنه مَلَك بطريق الكناية.

فإن قيل: هلَّا نزلتم الثانية منزلة الكل من متبوعه في بعض الصور، ومنزلة النعت من متبوعه في بعض؟

قلنا: لأن بدل الكل لا ينفصل عن التأكيد إلا بأن لفظه غير لفظ متبوعه، وأنه مقصود بالنسبة دون متبوعه، بخلاف التأكيد، والنعت لا ينفصل عن عطف البيان إلا بأنه يدل على بعض أحوال متبوعه؛ لا عليه، وعطف البيان بالعكس، وهذه كلها اعتبارات لا يتحقق شيء منها فيما نحن بصدده1.

الثالث: شبه كمال الانقطاع

وأما كون الثانية بمنزلة المنقطعة عن الأولى؛ فلكون عطفها عليها موهما لعطفها على غيرها2، ويسمى الفصل لذلك قطعا، مثاله قول الشاعر "من الكامل":

وتظن سلمى أنني أبغي بها

بدلا أُراها في الضلال تَهِيم3

لم يعطف "أراها" على "تظن"؛ لئلا يتوهم السامع أنه معطوف على "أبغي"؛

ص: 292

لقربه منه، مع أنه ليس بمراد، ويَحتمل الاستئناف1.

وقسَّم السكاكي2 القطع إلى قسمين: أحدهما القطع للاحتياط؛ وهو ما لم يكن لمانع من العطف؛ كما في هذا البيت. والثاني: القطع للوجوب، وهو ما كان لمانع، ومثّله بقوله تعالى:{اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} [البقرة: 15] قال: لأنه لو عُطف لعُطف إما على جملة {قَالُوا} وإما على جملة {إِنَّا مَعَكُمْ} ، وكلاهما لا يصح لما مر3. وكذا قوله:{أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} ، وقوله:{أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ} [البقرة: 12، 13] ، وفيه نظر؛ لجواز أن يكون المقطوع في المواضع الثلاثة معطوفا على الجملة المصدرة بالظرف4، وهذا القسم5 لم يبين امتناعه.

الرابع: شبه كمال الاتصال:

وأما كونها بمنزلة المتصلة بها؛ فلكونها جوابا عن سؤال اقتضته الأولى؛ فتنزل منزلته، فتُفصَل الثانية عنها كما يفصل الجواب عن السؤال6.

ص: 293

وقال السكاكي1: فينزل ذلك منزلة الواقع2.

ثم قال: وتنزيل السؤال بالفحوى3 منزلة الواقع لا يُصار إليه إلا لجهات لطيفة، إما لتنبيه السامع على موقعه، أو لإغنائه أن يسأل، أو لئلا يسمع منه شيء، أو لئلا ينقطع كلامك بكلامه، أو للقصد إلى تكثير المعنى بتقليل اللفظ، وهو تقدير السؤال وترك العاطف، أو لغير ذلك مما ينخرط في هذا السلك.

ويسمى الفصل لذلك استئنافا، وكذلك الجملة الثانية أيضا تسمى استئنافا.

والاستئناف ثلاثة أضرب:

لأن السؤال الذي تضمنته الجملة الأولى، إما عن سبب الحكم فيها مطلقا كقوله "من الخفيف":

قال لي: كيف أنت؟ قلت: عليل

سهر دائم وحزن طويل4

أي: ما بالك عليلا؟ أو ما سبب علتك؟ وكقوله "من البسيط":

وقد غَرِضْتُ من الدنيا فهل زمني

معطٍ حياتي لغِرّ بعد ما غَرِضا

جربت دهري وأهليه فما تركت

لي التجارب في ود امرئ غَرضَا5

ص: 294

أي: لِمَ تقول هذا ويحك؟ وما الذي اقتضاك أن تطوي عن الحياة -إلى هذا الحد- كشحك1؟

وإما عن سبب خاص له2؛ كقوله تعالى3: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} [يوسف: 53] . كأنه قيل: هل النفس أَمّارة بالسوء؟ فقيل: إن النفس لأمارة بالسوء. وهذا الضرب يقتضي تأكيد الحكم4؛ كما مر في باب أحوال الإسناد.

وإما عن غيرهما5 كقوله تعالى: {قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ} [هود: 69] كأنه قيل:

ص: 295

فماذا قال إبراهيم عليه السلام؟ فقيل: قال: سلام. ومنه قول الشاعر "من الكامل":

زعم العواذل أنني في غمرة

صدقوا ولكن غمرتي لا تنجلي1

فإنه لما أبدى الشكاية من جماعات العذّال؛ كان ذلك مما يحرك السامع ليسأل: أصدقوا في ذلك أم كذبوا؟ فأخرج الكلام مخرجه إذا كان ذلك قد قيل له؛ ففُصِل. ومثله قول جندب بن عمار "من الكامل":

زعم العواذل أن ناقة جندب

بجنوب خَبْت عُرِّيت وأُجمت

كذب العواذل لو رأين مناخنا

بالقادسية قلن: لج وذلت2

وقد زاد هنا أمر الاستئناف تأكيدا؛ بأن وضع الظاهر3 موضع المضمر؛ من حيث وضعه وضعا لا يحتاج فيه إلى ما قبله، وأتى به مأتى ما ليس قبله كلام. ومن الأمثلة قول الوليد "من الوافر":

عرفت المنزل الخالي

عفا من بعد أحوال

ص: 296

عفاه كل حنّان

عَسُوف الوبل هَطَّال1

فإنه لما قال: "عفا" وكان العفاء مما لا يحصل للمنزل بنفسه؛ كان مظنة أن يُسأل عن الفاعل. ومثله قول أبي الطيب "من الوافر":

وما عفت الرياح له محلا

عفا من حدا بهم وساقا2

فإنه لما نفى الفعل الموجود عن الرياح؛ كان مظنة أن يسأل عن الفاعل.

وأيضا من الاستئناف ما يأتي بإعادة اسم ما استُؤنف عنه، كقولك:"أحسنت إلى زيد، زيد حقيق بالإحسان".

ومنه ما يبنى على صفته؛ كقولك: "أحسنت إلى زيد، صديقك القديم أهل لذلك" وهذا أبلغ؛ لانطوائه على بيان السبب3. وقد يُحذف صدر الاستئناف لقيام قرينة، كقوله تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، رِجَالٌ} [النور: 36، 37] فيمن قرأ "يُسَبَّحُ" مبنيا للمفعول4، وعليه نحو قولهم: "نعم الرجل أو رجلا زيد، وبئس الرجل أو رجلا عمرو"؛ على القول بأن المخصوص خبر مبتدأ محذوف، أي: هو زيد، كأنه لما قيل ذلك، فأبهم الفاعل بجعله معهودا ذهنيا، مظهرا5

ص: 297

أو مضمرا1، سُئل عن تفسيره، فقيل:"هو زيد"، ثم حذف المبتدأ.

وقد يحذف الاستئناف كله، ويقام ما يدل عليه مقامه، كقول الحماسي "من الوافر":

زعمتم أن إخوتكم قريش

لهم إلف وليس لكم إلاف2

حذف الجواب الذي هو "كذبتم في زعمكم"، وأقام قوله:"لهم إلف وليس لكم إلاف" مقامه؛ لدلالته عليه، ويجوز أن يقدر قوله:"لهم إلف وليس لكم إلاف" جوابا لسؤال اقتضاه الجواب المحذوف، كأنه لما قال المتكلم: كذبتم، قالوا:"لِمَ كذبنا؟ " قال: "لهم إلف وليس لكم إلاف"؛ فيكون في البيت استئنافان.

وقد يحذف ولا يقام شيء مقامه3 كقوله تعالى: {نِعْمَ الْعَبْدُ} [ص: 30] أي: أيوب، أو هو لدلالة ما قبل الآية وما بعدها عليه، ونحوه قوله:{فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ}

ص: 298

[الذاريات: 48] ؛ أي: نحن1.

الوصل لدفع الإيهام:

وإن لم يكن بين الجملتين شيء من الأحوال الأربع، تعين الوصل؛ إما لدفع إيهام خلاف المقصود2؛ كقول البلغاء:"لا، وأيدك الله"3، وهذا عكس الفصل للقطع4.

الوصل للتوسط بين الكمالين:

وإما للتوسط بين حالتي كمال الانقطاع وكمال الاتصال، وهو ضربان:

أحدهما: أن تتفقا خبرا وإنشاء5، لفظا ومعنى، كقوله تعالى:{إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} [الانفطار: 13، 14]، وقوله:{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} [يونس: 31]، وقوله:{يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء: 142]، وقوله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} [الأعراف: 31] .

والثاني: أن يتفقا كذلك معنى لا لفظا، كقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي

ص: 299

إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا} [البقرة: 83] ؛ عطف قوله: {وَقُولُوا} على قوله: {لا تَعْبُدُونَ} ؛ لأنه بمعنى لا تعبدوا. وأما قوله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} فتقديره إما: وتُحسنون بمعنى وأحسنوا، وإما: وأحسنوا1، وهذا2 أبلغ من صريح الأمر والنهي؛ لأنه كأنه سُورِع إلى الامتثال والانتهاء فهو يخبر عنه. وأما قوله تعالى في سورة البقرة:{وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 25]، فقال الزمخشري فيه: فإن قلت: عَلَامَ عُطف هذا الأمر ولم يسبق أمر ولا نهي يصح عطفه عليه3؟

قلت: ليس الذي اعتمد بالعطف هو الأمر حتى يُطلَب له مشاكل من أمر أو نهي يعطف عليه، إنما المعتمد بالعطف هو جملة وصف ثواب المؤمنين؛ فهي معطوفة على جملة وصف عقاب الكافرين4؛ كما تقول:"زيد يعاقَب بالقيد والإرهاق، وبَشِّر عمرا بالعفو والإطلاق". ولك أن تقول: هو معطوف على {فَاتَّقُوا} ؛ كما تقول: "يا بني تميم، احذروا عقوبة ما جنيتم، وبشر يا فلان بني أسد بإحساني إليهم" هذا كلامه. وفيه نظر لا يخفى على المتأمل5.

ص: 300

وقال أيضا في قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف: 13] : إنه معطوف على {تُؤْمِنُونَ} 1؛ لأنه بمعنى: آمِنوا2، وفيه أيضا نظر؛ لأن المخاطبين في {تُؤْمِنُونَ} هم المؤمنون، وفي {وَبَشِّرِ} هو النبي عليه السلام3. ثم قوله:{تُؤْمِنُونَ} بيان لما قبله4 على سبيل الاستئناف، فكيف يصح عطف {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} عليه5؟!

وذهب السكاكي6 إلى أنهما معطوفان على "قل" مرادا قبل {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} [البقرة: 21]، و {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الصف: 10] ؛ لأن إرادة القول بواسطة انصباب الكلام إلى معناه غير عزيزة في القرآن، وذكر صورا كثيرة منها قوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا} [البقرة: 57] وقوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا} [البقرة: 93]، وقوله:{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا} [البقرة: 125] أي: وقلنا أو قائلين7، والأقرب أن يكون الأمر في الآيتين معطوفا على مقدر يدل عليه ما قبله، وهو في الآية الأولى "فأنذر" أو نحوه، أي: "فأنذرهم

ص: 301

وبشر الذين آمنوا"، وفي الآية الثانية "فأبشر" أو نحوه، أي: "فأبشر يا محمد وبشر المؤمنين"، وهذا كما قدَّر الزمخشري قوله تعالى:{وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} [مريم: 46] معطوفا على محذوف يدل عليه قوله: {لَأَرْجُمَنَّكَ} أي: فاحذرني واهجرني؛ لأن {لَأَرْجُمَنَّكَ} تهديد وتقريع.

الجامع بين الجملتين، وأقسامه:

والجامع بين الجملتين يجب أن يكون باعتبار المسنَد إليه في هذه، والمسنَد إليه في هذه، وباعتبار المسند في هذه، والمسند في هذه جميعا1 كقولك:"يشعر زيد ويكتب، ويعطي ويمنع"، وقولك:"زيد شاعر"، و"عمرو كاتب"، و"زيد طويل"، و"عمرو قصير" إذا كان بينهما مناسبة؛ كأن يكونا أخوين أو نظيرين بخلاف قولنا:"زيد شاعر، وعمرو كاتب" إذا لم يكن بينهما مناسبة، وقولنا:"زيد شاعر، وعمرو طويل" كان بينهما مناسبة أو لا، وعليه قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 6] قُطع عما قبله؛ لأنه كلام في شأن الذين كفروا، وما قبله كلام في شأن القرآن2.

وأما ما يُشعِر به ظاهر كلام السكاكي3 في موضع من كتابه أنه يكفي أن يكون

ص: 302

الجامع باعتبار المخبر عنه أو الخبر أو قيد من قيودهما، فإنه منقوض بما مر1 وبنحو قولك: هزم الأمير الجند يوم الجمعة، وخاط زيد ثوبي فيه2. ولعله سهو؛ فإنه صرح في موضع آخر منه3 بامتناع عطف قول القائل:"خفِّي ضيق" على قوله: "خاتمي ضيق" مع اتحادهما في الخبر4.

ص: 303

أنواع الجامع:

ثم قال1: الجامع بين الشيئين: عقلي ووهمي وخيالي.

أما العقلي2 فهو أن يكون بينهما اتحاد في التصور3، أو تماثل4؛ فإن العقل بتجريده المثلين عن التشخص في الخارج يرفع التعدد بينهما، أو تضايف؛ كما بين العلة والمعلول، والسبب والمسبَّب، والسفل والعلو، والأقل والأكثر؛ فإن العقل يأبى ألا يجتمعا في الذهن5.

وأما الوهمي6 فهو أن يكون بين تصورَيْهما شبه تماثل؛ كلون بياض ولون صفرة؛ فإن الوهم يُبرزهما في معرض المثلين7؛ ولذلك حسُن الجمع بين الثلاثة التي في قوله "من البسيط":

ص: 304

ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها

شمس الضحا وأبو إسحاق والقمر1

أو تضاد2 كالسواد والبياض، والهمس والجهارة، والطيب والنتن، والحلاوة والحموضة، والملاسة والخشونة، وكالتحرك والسكون، والقيام والقعود، والذهاب والمجيء، والإقرار والإنكار، والإيمان والكفر، وكالمتصفات بذلك؛ كالأسود والأبيض، والمؤمن والكافر.

أو شبه تضاد3 كالسماء والأرض، والسهل والجبل، والأول والثاني؛ فإن الوهم يُنزل المتضادين والشبيهين بهما منزلة المتضايفين، فيجمع بينهما في الذهن؛ ولذلك نجد الضد أقرب خطورا بالبال مع الضد.

والخيالي4 أن يكون بين تصوريهما تقارن في الخيال سابق5، وأسبابه مختلفة؛ ولذلك اختلفت الصور الثابتة في الخيالات ترتبا ووضوحا، فكم صور تتعانق في

ص: 305

خيال وهي في آخر لا تتراءى، وكم صورة لا تكاد تلوح في خيال وهي في غيره نار على علم.

كما يحكى أن صاحب سلاح ملك، وصائغا، وصاحب بقر، ومعلم صبية سافروا ذات يوم، وواصلوا سير النهار بسير الليل، فبينما هم في وحشة الظلام ومقاساة خوف التخبّط والضلال؛ طلع عليهم البدر بنوره، فأفاض كل منهم في الثناء عليه، وشبّهه بأفضل ما في خزانة صوره، فشبهه السلاحي بالترس المذهب يُرفع عند الملك، والصائغ بالسبيكة من الإبريز تفترّ عن وجهها البوتقة، والبقار بالجبن الأبيض يخرج من قالبه طريا، والمعلم برغيف أحمر يصل إليه من بيت ذي مروءة.

وكما يحكى عن ورّاق يصف حاله: "عيشي أضيق من محبرة، وجسمي أدق من مسطرة، وجاهي أرقّ من الزجاج، وحظي أخفى من شقّ القلم، وبدني أضعف من قصبة، وطعامي أمرّ من العفص، وشرابي أشد سوادا من الحبر، وسوء الحال لي ألزم من الصمغ".

ولصاحب علم المعاني1 فضل احتياج إلى التنبّه لأنواع الجامع، لا سيما الخيالي؛ فإن جمعه على مجرى الإلف والعادة بحسب ما تنعقد الأسباب في ذلك؛ كالجمع بين الإبل والسماء، والجبال والأرض في قوله تعالى:{أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ، وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ، وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ} [الغاشية: 17-20] بالنسبة إلى أهل الوبر، فإن جُلّ انتفاعهم في معاشهم من الإبل؛ فتكون عنايتهم مصروفة إليها، وانتفاعهم منها لا يحصل إلا بأن ترعى وتشرب، وذلك بنزول المطر، فيكثر تقلب وجوههم في السماء، ثم لا بد لهم من مأوى يُؤويهم وحصن يتحصنون به، ولا شيء لهم في ذلك كالجبال، ثم لا غنى لهم لتعذر طول مكثهم في منزل عن التنقل من أرض إلى سواها؛ فإذا فتش

ص: 306

البدوي في خياله وجد صور هذه الأشياء حاضرة فيه على الترتيب المذكور، بخلاف الحضري، فإذا تلا قبل الوقوف على ما ذكرنا؛ ظن النسقَ "لجهله" مَعِيبا1.

محسنات الوصل:

ومن محسنات الوصل2 تناسب الجملتين في الاسمية والفعلية، وفي المُضِيّ والمضارعة3، إلا لمانع، كما إذا أريد بإحداهما التجدد، وبالأخرى الثبوت؛ كما إذا كان زيد وعمرو قاعدين ثم قام زيد دون عمرو، وقلت:"قام زيد، وعمرو قاعد" كما سبق4.

ص: 307

فروق الجملة الحالية:

ومما يتصل بهذا الباب القول في الجملة إذا وقعت حالا منتقلة1، فإنها تجيء تارة بالواو، وتارة بغير الواو2؛ فنقول:

أصل الحال المنتقلة أن تكون بغير واو؛ لوجوه:

ص: 308

الأول: أن إعرابها ليس بتبع1؛ وما ليس إعرابه بتبع لا يدخله الواو، وهذه الواو وإن كانت تسمى واو الحال فإن أصلها العطف.

الثاني: أن الحال في المعنى حكم على ذي الحال؛ كالخبر بالنسبة إلى المبتدأ، إلا أن الفرق بينه وبينها أن الحكم به يحصل بالأصالة، لا في ضمن شيء آخر، والحكم بها إنما يحصل في ضمن غيرها؛ فإن الركوب مثلا في قولنا:"جاء زيد راكبا" محكوم به على زيد، لكن لا بالأصالة بل بالتبعية، بأن وُصل بالمجيء، وجُعل قيدا له، بخلافه في قولنا:"زيد راكب".

الثالث: أنها في الحقيقة وصف لذي الحال؛ فلا يدخلها الواو؛ كالنعت؛ فثبت أن أصلها أن تكون بغير واو، لكن خُولِف هذا الأصل فيها إذا كانت جملة؛ لأنه بالنظر إليها من حيث هي جملة2 مستقلة بالإفادة، فتحتاج إلى ما يربطها بما جُعلت حالا عنه، وكل واحد من الضمير والواو صالح للربط، والأصل: للضمير3؛ بدليل الاقتصار عليه في الحال المفردة والخبر والنعت.

وإذا تمهّد هذا فنقول: الجملة التي تقع حالا ضربان: خالية عن ضمير ما تقع حالا عنه، غير خالية:

أما الأول: فيجب أن تكون بالواو؛ لئلا تصير منقطعة عنه، غير مرتبطة به، وكل جملة خالية عن ضمير ما يجوز أن ينتصب عنه حال؛ يصح أن تقع حالا عنه إذا كانت مع الواو، إلا المصدرة بالمضارع المثبت؛ كقولك:"جاء زيد ويتكلم عمرو"، على أن يكون "ويتكلم عمرو" حالا عن زيد؛ لما سيأتي أن ارتباط مثلها يجب أن يكون بالضمير وحده.

ص: 309

وأما الثاني: فتارة يجب أن تكون بالواو، وتارة يمتنع ذلك، وتارة يترجح أحدهما، وتارة يستوي الأمران، والواو غير منافٍ للضمير في إفادة الربط1؛ فتعين التنبيه على أسباب الاختلاف؛ فنقول:

الجملة إن كانت فعلية والفعل مضارع مثبت، امتنع الواو؛ كقوله تعالى:{فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} [الأنعام: 110]، وقوله:{وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} [المدثر: 6] 2، وقوله:{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل: 17، 18] ؛ لأن أصل الحال المفردة أن تدل على حصول صفة غير ثابتة3 مقارنة لما جعلت قيدا له4، والمضارع المثبت كذلك. أما دلالته على حصول صفة غير ثابتة فلأنه فعل مثبت، والفعل المثبت يدل على التجدد وعدم الثبوت كما مر5. وأما دلالته على المقارنة فلكونه مضارعا6، فوجب أن يكون بالضمير وحده كالحال المفردة، وبهذا امتنع

ص: 310

نحو: "جاء زيد ويتكلم عمرو" كما مر، وأما ما جاء من نحو قول بعض العرب:"قمت وأصُكّ عينه أو وجهه" وقول عبد الله بن همام السلولي "من المتقارب":

فلما خَشِيتُ أظافيرهم

نجوت وأرهنهم مالكا1

فقيل: هو على حذف المبتدأ، أي: أصك عينه وأنا أرهنهم، وقيل: الأول شاذ والثاني ضرورة، وقال الشيخ عبد القاهر2: ليست الواو فيهما للحال، بل هي للعطف، وأصكّ وأرهن، بمعنى: صككت ورهنت، ولكن الغرض من إخراجهما على لفظ الحال أن يحكيا الحال في أحد الخبرين، ويَدَعا الآخر على أصله كما في قوله "من الكامل":

ولقد أمر على اللئيم يسبني

فمضيتُ ثمَّتْ قلت: لا يعنيني3

يبين ذلك أن الفاء قد تجيء مكان الواو في مثله، كما في خبر عبد الله بن عتيك، فإنه ذكر دخوله على أبي رافع اليهودي حِصْنه ثم قال: فانتهيت إليه فإذا هو في بيت مظلم، لا أدري أين هو من البيت، قلت: أبا رافع، قال: من هذا؟ فأهويت نحو الصوت، فأضربه بالسيف وأنا دَهِش، فإن قوله:"فأضربه" مضارع عطفه بالفاء على ماضٍ؛ لأنه في المعنى ماضٍ.

وإن كان الفعل مضارعا منفيا فيجوز فيه الأمران من غير ترجيح؛ لدلالته على المقارنة؛ لكونه مضارعا، وعدم دلالته على الحصول؛ لكونه منفيا4، أما مجيئه

ص: 311

بالواو فكقراءة ابن ذكوان: {فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ} [يونس: 89] بتخفيف النون1، وقول بعض العرب:"كنت ولا أُخشى بالذيب"، وقول مسكين الدارمي "من الرمل":

أكسبتْه الورِق البيض أبا

ولقد كان ولا يدعى لأب2

وقول مالك بن رفيع، وكان قد جنى جناية؛ فطلبه مصعب بن الزبير "من الوافر":

بغاني مصعب وبنو أبيه

فأين أحيد عنهم لا أحيد

قادوا من دمي وتوعّدوني

وكنت وما يُنهنهني الوعيد3

وأما مجيئه بغير واو: فكقوله تعالى: {وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ} [المائدة: 84] .

وقول عكرشة العبشي "من الطويل":

مضوا لا يريدون الرواح وغالهم

من الدهر أسباب جَرَيْنَ على قدر4

وقول خالد بن يزيد من معاوية "من الكامل":

ص: 312

لو أن قوما لارتفاع قبيلة

دخلوا السماء ودخلتُها لا أُحجب1

وقول الأعشى "من الوافر":

أتينا أصبهان فهزّلتْنا

وكنا قبل ذلك في نعيم

وكان سفاهة مني وجهلا

مسيري، لا أسير إلى حميم2

كأنه قال: وكان سفاهة مني وجهلا أن سرت غير سائر إلى حميم.

وإن كان ماضيا لفظا أو معنى؛ فكذلك يجوز الأمران من غير ترجيح. أما مجيئه بالواو فكقوله تعالى حكاية: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ} [آل عمران: 40]، وقوله تعالى:{أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} [مريم: 8] .

وقول امرئ القيس "من الطويل":

أيقتلني وقد شعَفتْ فؤادها

كما شعف المنهوءة الرجل الطالي3

وقوله "من الطويل":

فجئت وقد نَضَّتْ لنوم ثيابها

لدى الستر إلا لِبْسَة المتفضِّل4

وقوله تعالى: {قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ} [الأنعام: 93] 5، وقوله: {أَنَّى

ص: 313

يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [مريم: 20]، وقول كعب "من البسيط":

لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم

أذنب وإن كثرت فيَّ الأقاويل1

وقوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 214]، وقول الشاعر "من البسيط":

بانت قَطامِ ولمّا يحظَ ذو مِقَة

منها بوصل ولا إنجاز ميعاد2

وأما مجيئه بلا واو فكقوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء: 90] .

وقول الشاعر "من الطويل":

وإني لتعروني لذكراك هِزّة

كما انتفض العصفور بلَّلَه القطر3

وقوله "من الطويل":

أتيناكُمُ قد عمكم حذر العدا

فنلتم بنا أمْنا ولم تعدموا نصْرا4

وقوله "من البسيط":

متى أرى الصبح قد لاحت مخايله

والليل قد مُزِّقتْ عنه السرابيل5

وكقوله تعالى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران: 174] .

ص: 314

وقوله: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} [الأحزاب: 25] . وقول امرئ القيس "من الطويل":

فأدركَ لم يُجْهَد ولم يثن شأوه1

وقول زهير "من الطويل":

كأن فُتَات العِهْن في كل منزل

نزلن به حب الفنا لم يحطم2

والسبب في أن جاز الأمران فيه إذا كان مثبتا دلالته على حصول صفة غير ثابتة لكونه فعلا مثبتا، وعدم دلالته على المقارنة؛ لكونه ماضيا3؛ لهذا اشتُرط أن يكون مع "قد" ظاهرة أو مقدرة حتى تقربه إلى الحال؛ فيصح وقوعه حالا. وظاهر هذا يقتضي وجوب الواو في المنفي؛ لانتفاء المعنيين4، لكنه لم يجب فيه؛ بل كان مثله، أما المنفي بـ "لما" فلأنها للاستغراق5، وأما المنفي بغيرها فإنه لما دل على انتفاء متقدم6، وكان الأصل استمرار ذلك7؛ حصلت الدلالة على المقارنة عند

ص: 315

إطلاقه1، بخلاف المثبت؛ فإن وضع الفعل على إفادة التجدد2 وتحقيق هذا أن استمرار العدم لا يفتقر إلى سبب بخلاف استمرار الوجود، كما بين في غير هذا العلم3.

وإن كانت الجملة اسمية فالمشهور أنه يجوز فيها الأمران، ومجيء الواو أولى؛ أما الأول4 فلعكس ما ذكرناه في المصدرة بالماضي المثبت5؛ فمجيء الواو كقوله تعالى:{فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22]، وقوله:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] .

وقول امرئ القيس "من الطويل":

أيقتلني والمشرَفيّ مضاجعي

ومسنونة زرق كأنياب أغوال6

وقوله "من الطويل":

لياليَ يدعوني الهوى فأجيبه

وأعين من أهوى إلي رَوَان7

والخلو منها كما رواه سيبويه: "كلمته فوه إلى في، ورجع عوده على بدئه"

ص: 316

بالرفع1. وما أنشده أبو علي في الإغفال "من الطويل":

ولولا جَنان الليل ما آب عامر

إلى جعفر، سرباله لم يمزق2

وقول الآخر "من الكامل":

ما بال عينك دمعها لا يَرْقأ؟! 3

وقول الآخر "من الرمل":

ثم راحوا عَبَق المسك بهم4

وأما الثاني5: فلعدم دلالة الاسمية على عدم الثبوت، مع ظهور الاستئناف فيها؛ لاستقلالها بالفائدة6؛ فتحسن زيادة رابط ليتأكد الربط.

وقال الشيخ عبد القاهر7: "إن كان المبتدأ ضمير ذي الحال؛ وجب الواو؛ كقولك: "جاء زيد وهو يسرع، أو وهو مسرع"، ولعل السبب فيه أن أصل الفائدة

ص: 317

كان يحصل بدون هذا الضمير؛ بأن يقال: "جاءني زيد يسرع أو مسرعا"؛ فالإتيان به يشعر بقصد الاستئناف المنافي للاتصال؛ فلا يصلح لأن يستقل بإفادة الربط؛ فتجب الواو". وقال أيضا: إن جعل نحو: "على كتفه سيف"1 "بتقديم الظرف" حالا عن شيء، كما في قولنا: "جاء زيد على كتفه سيف"؛ كثر فيها أن تجيء بغير واو؛ كقول بشار "من الطويل":

إذا أنكرتني بلدة أو نكرتها

خرجت مع البازي عليّ سواد2

يعني: علي بقية من الليل.

وقول أبي الصلت عبد الله الثقفي يمدح ابن ذي يزن "من البسيط":

فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا

في رأس غمدان دارا منك محلالا3

وقول الآخر "من الطويل":

لقد صيرت للذل أعواد منبر

تقوم عليها في يديك قضيب4

ثم قال5: والوجه أن يقدر الاسم في الأمثلة مرتفعا بالظرف؛ فإنه جائز باتفاق

ص: 318

من صاحب الكتاب وأبي الحسن1 لاعتماده على ما قبله2، ثم اختار أن يكون الظرف ههنا خاصة في تقدير اسم فاعل، وجوّز أيضا أن يكون في تقدير فعل ماضٍ مع "قد"، ومنع أن يكون في تقدير فعل مضارع، ولعله إنما اختار تقديره باسم فاعل لرجوع الحال حينئذ إلى أصلها في الإفراد؛ ولهذا كثر مجيئها بلا واو، وإنما جُوز التقدير بفعل ماضٍ أيضا لمجيئها بالواو قليلا، وإنما منع التقدير بفعل مضارع؛ لأنه لو جاز التقدير به لامتنع مجيئها بالواو3.

ثم قال4: وربما يحسن مجيء الاسمية بلا واو؛ لدخول حرف على المبتدأ؛ كما في قوله "من الطويل":

فقلت عسى أن تبصريني كأنما

بَنِيّ حوالي الأسود الحوارد5

فإنه لولا دخول "كأن" عليه لم يحسن الكلام إلا بالواو؛ كقولك: عسى أن تبصريني وبني حوالي الأسود.

ثم قال6: وشبيه بهذا أن تقع حالا بعقب المفرد فيلطف مكانها7، بخلاف ما لو أفردت8؛ كقول ابن الرومي "من الطويل":

ص: 319

والله يبقيك لنا سالما

برداك تبجيل وتعظيم1

فإنه لو قال: "والله يُبقيك لنا برداك تبجيل"؛ لم يحسن.

هذا كله إذا لم يكن صاحبها نكرة مقدمة عليها، فإن كان كذلك نحو:"جاء رجل وعلى كتفه سيف" وجب الواو؛ لئلا تشتبه بالنعت.

وأما نحو قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4] فقال السكاكي2: "الوجه فيه عندي هو أن {وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} حال لقرية؛ لكونها في حكم الموصوف نازلة منزلة "وما أهلكنا قرية من القرى" لا وصف، وحمله على الوصف سهو لا خطأ، ولا عيب في السهو للإنسان ولا ذام، والسهو ما يتنبه له صاحبه بأدنى تنبيه، والخطأ ما لا يتنبه له صاحبه أو يتنبه ولكن بعد تعب". وكأنه عرض الزمخشري حيث قال في تفسيره: {وَلَهَا كِتَابٌ} جملة واقعة صفة "لقرية"، والقياس ألا يتوسط الواو بينهما كما في قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا

ص: 320

مُنْذِرُونَ} [الشعراء: 208]، وإنما توسطت لتأكيد لصوق الصفة بالموصوف؛ كما يقال في الحال:"جاءني زيد عليه ثوب"، و"جاءني زيد وعليه ثوب".

ثم قال السكاكي1:

"من عرف السبب في تقديم الحال إذا أريد إيقاعها عن النكرة؛ تنبَّه لجواز إيقاعها عن النكرة مع الواو في مثل: "جاءني رجل وعلى كتفه سيف"، ولمزيد جوازه في قوله عز اسمه: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} [الحجر: 4] على ما قدمت".

واعلم أن السكاكي بنى كلامه في الجملة الواقعة حالا على أصول مضطربة لا يخفى حالها على الفَطِن، لا سيما إذا أحاط علما بما ذكرناه وأتقنه، فآثرنا الإعراض عن نقل كلامه والتعرض لما فيه من الخلل؛ لئلا يطول الكتاب من غير طائل.

ص: 321

تمرينات على الوصل والفصل:

تمرين 1:

1-

لماذا فصل الشاعر بين الجملتين في قوله:

جزى الله الشدائد كل خير

عرفت بها عدوي من صديقي؟

2-

لماذا وصل الشاعر بين الجملتين في قوله:

سافر تجد عوضا عمن تفارقه

وانصب فإن لذيذ العيش في النَّصَب؟

تمرين 2:

1-

بين موضع الوصل والفصل في قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 1، 2] .

2-

بين الفصل لكمال الانقطاع، ولشبه كمال الاتصال في قول الشاعر:

قال لي: كيف أنت؟ قلت: عليل

سهر دائم وحزن طويل

تمرين 3:

1-

بين سبب الفصل في موضعيه من قوله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} [الرعد: 2] .

2-

لأي جامع وُصِلَ في قول الشاعر:

ولست بهيّاب لمن لا يهابني

ولست أرى للمرء ما لا يرى ليا؟

تمرين 4:

1-

لماذا فصل الشاعر بين الجملتين مع كونهما خبريتين في قوله:

الفقر فيما جاوز الكفافا

من اتقى الله رجا وخافا؟

2-

مر أبو بكر رضي الله عنه برجل في يده ثوب، فقال له: أتبيع هذا؟ فقال: لا يرحمك الله، فقال له: لا تقل هكذا، وقل: ويرحمك الله، فأمره بزيادة "واو" بين "لا" وقوله:"يرحمك الله"؛ ليكون وصلا لا فصلا؛ فما هو السبب في أمر

ص: 322

أبي بكر له بالوصل بين الجملتين؟ وهل الوصل يجب في ذلك بلاغة أو نحوا؟ وهل الجملة الثانية خبر أو إنشاء؟

تمرين 5:

1-

لماذا فصل بين الجملتين في قول الشاعر:

قم للمعلم وفه التبجيلا

كاد المعلم أن يكون رسولا؟

2-

بين سبب الوصل والفصل في قوله تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا، وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا، إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا، وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا} [المزمل: 10-13] .

تمرين 6:

1-

بين موضع الوصل للتناسب في الاسمية والفعلية، ولِمَ وصل من عدمه في قوله تعالى:{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ} [سبأ: 12] ؟ وبين لِمَ فُصل فيه الحال أيضا؟

2-

لماذا أتت الجملة الحالية من غير واو في قول الشاعر:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة

بمكة حولي إذخر وجليل؟

3-

لماذا عطف "يُذبحون" في قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [إبراهيم: 6]، ولم يعطف في قوله تعالى:{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ} [البقرة: 49] ؟

ص: 323