الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المجلد الثاني
تكملة الفن الأول: علم المعاني
الباب الخامس: القول في
القصر
القصر
القصر حقيقي، وغير حقيقي 1:
وكل واحد منهما ضربان: قصر الموصوف على الصفة، وقصر الصفة على
الموصوف1. والمراد الصفة المعنوية2 لا النعت.
والأول من الحقيقي كقولك: "ما زيد إلا كاتب" إذا أردت أنه لا يتصف بصفة غير الكتابة، وهذا لا يكاد يوجد في الكلام؛ لأنه ما من متصور إلا وتكون له صفات تتعذر الإحاطة بها أو تتعسر3.
والثاني منه كثير؛ كقولنا: "ما في الدار إلا زيد"4. والفرق بينهما ظاهر؛
فإن الموصوف في الأول لا يمتنع أن يشاركه غيره في الصفة المذكورة، وفي الثاني يمتنع، وقد يقصد به1 المبالغة لعدم الاعتداد بغير المذكور، فينزّل منزلة المعدوم.
والأول من غير الحقيقي: تخصيص أمر بصفة دون أخرى2 أو مكانَ أخرى، والثاني منه: تخصيص صفة بأمر دون آخر3 أو مكان آخر، فكل واحد منهما ضربان، والمخاطب بالأول من ضربي كل "أعني تخصيص أمر بصفة دون أخرى، وتخصيص صفة بأمر دون آخر" من يعتقد الشركة4؛ أي: اتصاف ذلك الأمر بتلك
الصفة وغيرها جميعا في الأول، واتصاف ذلك الأمر وغيره جميعا بتلك الصفة في الثاني، فالمخاطب بقولنا:"ما زيد إلا كاتب" من يعتقد أن زيدا كاتب وشاعر، وبقولنا:"ما شاعر إلا زيد" من يعتقد أن زيدا شاعر، لكن يدعي أن عمرا أيضا شاعر، وهذا يسمى قصر إفراد؛ لقطعه الشركة بين الصفتين في الثبوت للموصوف، أو بين الموصوف وغيره في الاتصاف بالصفة.
والمخاطب بالثاني من ضربي كل "أعني تخصيص أمر بصفة مكان أخرى، وتخصيص صفة بأمر مكان آخر": إما من يعتقد العكس؛ أي: اتصاف ذلك الأمر بغير تلك الصفة عوضا عنها في الأول، واتصاف غير ذلك الأمر بتلك الصفة عوضا عنه في الثاني، وهذا يسمى قصر القلب؛ لقلبه حكم السامع، وإما من تساوى الأمران عنده؛ أي: اتصاف ذلك الأمر بتلك الصفة واتصافه بغيرها في الأول، واتصافه بها واتصاف غيره بها في الثاني، وهذا يسمى قصر تعيين؛ فالمخاطب بقولنا:"ما زيد إلا قائم" من يعتقد أن زيدا قاعد لا قائم، أو يعلم أنه إما قاعد أو قائم ولا يعلم أنه بماذا يتصف منهما بعينه، وبقولنا:"ما قائم إلا زيد" من يعتقد أن عمرا قائم لا زيدا، أو يعلم أن القائم أحدهما دون كل واحد منهما، لكن لا يعلم من هو منهما بعينه1.
وشرط قصر الموصوف على الصفة إفرادا عدم تنافي الصفتين1؛ حتى تكون المنفية في قولنا: "ما زيد إلا شاعر" كونه كاتبا أو منجما أو نحو ذلك، لا كونه مفحما لا يقول الشعر؛ ليتصور اعتقاد المخاطب اجتماعهما. وشرط قصره قلبا تحقق تنافيهما؛ حتى تكون المنفية في قولنا:"ما زيد إلا قائم" كونه قاعدا أو جالسا أو نحو ذلك، لا كونه أسود أو أبيض أو نحو ذلك؛ ليكون إثباتها مشعرا بانتفاء غيرها2. وقصر التعيين أعم؛ لأن اعتقاد كون الشيء موصوفا بأحد أمرين معينين على الإطلاق لا يقتضي جواز اتصافه بهما معا، ولا امتناعه، وبهذا عُلم أن كل ما يصلح أن يكون مثالا لقصر الإفراد أو قصر القلب يصلح أن يكون مثالا لقصر التعيين، من غير عكس3. وقد أهمل السكاكي4 القصر الحقيقي، وأدخل قصر التعيين في قصر الإفراد5، فلم
يشترط في قصر الموصوف إفرادا عدم تنافي الصفتين1، ولا في قصره قلبا تحقق تنافيهما2.