المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القسم الثاني: الإيجاز - بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة - جـ ٢

[عبد المتعال الصعيدي]

الفصل: ‌القسم الثاني: الإيجاز

‌القسم الثاني: الإيجاز

وهو ضربان:

إيجاز القصر:

أحدهما إيجاز القصر1 وهو ما ليس بحذف، كقوله تعالى:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179] ، فإنه لا حذف فيه2 مع أن معناه كثير يزيد على لفظه؛ لأن المراد به أن الإنسان إذا علم أنه متى قَتل قُتل كان ذلك داعيا له قويا إلى ألا يقدم على القتل، فارتفع بالقتل -الذي هو القصاص- كثير من قتل الناس بعضهم لبعض، فكان ارتفاع القتل حياة لهم، وفضله على ما كان عندهم أوجز كلام في هذا المعنى، وهو قولهم:"القتل أنفى للقتل"، من وجوه:

أحدها: أن عدة حروف ما يناظره منه وهو "في القصاص حياة" عشرة في التلفظ3، وعدة حروفه أربعة عشر.

وثانيها: ما فيه من التصريح بالمطلوب -الذي هو الحياة- بالنص عليها؛ فيكون أزجر عن القتل بغير حق؛ لكونه أدعى إلى الاقتصاص.

وثالثها: ما يفيده تنكير "حياة" من التعظيم أو النوعية كما سبق4.

ورابعها: اطراده، بخلاف قولهم؛ فإن القتل الذي ينفي القتل هو ما كان على

ص: 332

وجه القصاص لا غيره.

وخامسها: سلامته من التكرار الذي هو من عيوب الكلام، بخلاف قولهم.

وسادسها: استغناؤه عن تقدير محذوف، بخلاف قولهم، فإن تقديره:"القتل أنفى للقتل من تركه"1.

وسابعها: أن القصاص ضد الحياة؛ فالجمع بينهما طباق كما سيأتي2.

وثامنها: جعل القصاص كالمنبع والمعدن للحياة بإدخال "في" عليه على ما تقدم. ومنه قوله تعالى: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] أي: هدى للضالين الصائرين إلى الهدى بعد الضلال3. وحسّنه التوصل إلى تسمية الشيء باسم ما يئول إليه4 وإلى تصدير السورة بذكر أولياء الله تعالى، وقوله: {أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ} [يونس: 18] أي: بما لا ثبوت له ولا علم لله متعلق بثبوته؛ نفيا للملزوم بنفي اللازم5. وكذلك قوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} [غافر: 18] أي: لا شفاعة ولا طاعة، على أسلوب قوله "من البسيط":

على لاحِب لا يُهتدى بمناره6

ص: 333

أي: لا منار، ولا اهتداء، وقوله "من السريع":

ولا ترى الضب بها ينجَحِر1

أي: لا ضب، ولا انجحار.

ومن أمثلة الإيجاز أيضا قوله تعالى فيما يخاطب به النبي عليه الصلاة والسلام: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، فإنه جمع فيه مكارم الأخلاق؛ لأن قوله:{خُذِ الْعَفْوَ} أمر بإصلاح قوة الشهوة2؛ فإن العفو ضد الجهل. قال الشاعر "من الطويل":

خذي العفو مني تستديمي مودتي3

أي: خذي ما تيسر أخذه وتَسَهَّل.

وقوله: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} أمر بإصلاح قوة الغضب4، أي: أعرِض عن السفهاء، واحلُم عنهم، ولا تكافئهم على أفعالهم. هذا ما يرجع إليه منها، وأما ما يرجع إلى أمته، فدل عليه قوله:{وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ} أي: بالمعروف والجميل من الأفعال؛ ولهذا قال جعفر الصادق رضي الله عنه فيما روي عنه: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق، وليس في القرآن آية أجمع لها من هذه الآية.

ومنها قول الشريف الرضي "من الكامل":

مالوا إلى شُعَب الرحال وأسندوا

أيدي الطعان إلى قلوب تَخْفِق5

فإنه لما أراد أن يصف هؤلاء القوم بالشجاعة في أثناء وصفهم بالغرام، عبّر عن ذلك بقوله:"أيدي الطعان".

ومنها ما كتب عمرو بن مسعدة عن المأمون، لرجل يُعنَى به، إلى بعض العمال؛ حيث أمره أن يختصر كتابه ما أمكن:"كتابي إليك كتاب واثق بمن كتب إليه، معنيّ بمن كُتب له، ولن يضيع بين الثقة والعناية حامله".

ص: 334