المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌إيجاز الحذف: والضرب الثاني إيجاز الحذف، وهو ما يكون بحذف، والمحذوف - بغية الإيضاح لتلخيص المفتاح في علوم البلاغة - جـ ٢

[عبد المتعال الصعيدي]

الفصل: ‌ ‌إيجاز الحذف: والضرب الثاني إيجاز الحذف، وهو ما يكون بحذف، والمحذوف

‌إيجاز الحذف:

والضرب الثاني إيجاز الحذف، وهو ما يكون بحذف، والمحذوف إما جزء جملة، أو أكثر من جملة.

والأول: إما مضاف؛ كقوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] أي: أهلها، وكقوله تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] أي: تناولها؛ لأن الحكم الشرعي إنما يتعلق بالأفعال دون الأجرام، وقوله تعالى:{حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] أي: تناوُل طيبات أُحل لهم تناولها، وتقدير التناول أولى من تقدير الأكل؛ ليدخل فيه شرب ألبان الإبل؛ فإنها من جملة ما حرمت عليهم، وقوله تعالى:{وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا} [الأنعام: 138] ؛ أي: منافع ظهورها، وتقدير المنافع أولى من تقدير الركوب؛ لأنهم حرَّموا ركوبها وتحميلها، كقوله تعالى: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو

ص: 335

اللَّهَ} [الأحزاب: 21] أي: رحمة الله، وقوله تعالى:{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ} [النحل: 50] أي: عذاب ربهم، وقد ظهر هذان المضافان في قوله تعالى:{وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء: 57] .

وإما موصوف؛ كقوله "من الوافر":

أنا ابن جَلَا وطَلاع الثنايا1

أي: أنا ابن رجل جلا2.

وإما صفة؛ نحو: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79] أي: كل سفينة صحيحة أو صالحة أو نحو ذلك؛ بدليل ما قبله3، وقد جاء ذلك مذكورا في بعض القراءات؛ قال سعيد بن جبير: كان ابن عباس رضي الله عنه يقرأ: "وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا".

وإما شرط كما سبق4.

وإما جواب شرط، وهو ضربان:

ص: 336

أحدهما: أن يحذف لمجرد الاختصار1 كقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [يس: 45] أي: أعرضوا، بدليل2 قوله بعده:{إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ} [يس: 46]، وكقوله تعالى:{وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى} [الرعد: 31] أي: لكان هذا القرآن، وكقوله تعالى:{إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ} [الأحقاف: 10] أي: ألستم ظالمين؟ بدليل قوله بعده: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين} [الأحقاف: 10] .

والثاني: أن يحذف للدلالة على أنه شيء لا يحيط به الوصف3، أو لتذهب نفس السامع فيه كل مذهب ممكن4؛ فلا يتصور مطلوبا أو مكروها إلا ويجوّز أن يكون الأمر أعظم منه، ولو عُين شيء اقتصر عليه، وربما خف أمره عنده5؛ كقوله: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ

ص: 337

لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73] 1، وقوله:{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ} [الأنعام: 27]، {وَلَوْ تَرَى إِذِ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ} [الأنعام: 30] ، {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [السجدة: 12] 2.

قال السكاكي رحمه الله3: "ولهذا المعنى حُذفت الصلة من قولهم: "جاء بعد اللُّتيَّا والتي"4 أي: المشار إليه بهما، وهي المحنة والشدائد قد بلغت شدتها وفظاعة شأنها مبلغا يبهَت الواصف معه حتى لا يُحير ببنت شفة.

وإما غير ذلك5؛ كقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد: 10]، أي: ومن أنفق من بعده وقاتل6، بدليل ما بعده7.

ومن هذا الضرب قوله تعالى: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: 4] ؛ لأن أصله: "يا رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس مني شيبا".

وعده السكاكي من القسم الثاني من الإيجاز على ما فسره8؛ ذاهبا إلى أنه -وإن اشتمل على بسط- فإن انقراض الشباب وإلمام المشيب جديران بأبسط منه،

ص: 338

ثم ذكر أن فيه لطائف يتوقف بيانها على النظر في أصل المعنى ومرتبته الأولى، ثم أفاد أن مرتبته الأولى "يا ربي، قد شختُ" فإن الشيخوخة مشتملة على ضعف البدن وشيب الرأس، ثم تُركت هذه المرتبة لتوخي مزيد التقرير إلى تفصيلها في "ضعف بدني وشاب رأسي" ثم ترك التصريح "بضعف بدني" إلى الكناية بـ "وهنت عظام بدني" لما سيأتي أن الكناية أبلغ من التصريح، ثم لقصد مرتبة رابعة أبلغ في التقرير بُنيت الكناية على المبتدأ1 فحصل "أنا وهنت عظام بدني"، ثم لقصد مرتبة خامسة أبلغ أدخلت إن على المبتدأ، فحصل "إني وهنت عظام بدني"، ثم لطلب تقرير أن الواهن عظام بدنه قصد مرتبة سادسة؛ وهي سلوك طريقي الإجمال والتفصيل، فحصل "إني وهنت العظام من بدني"، ثم لطلب مزيد اختصاص العظام به قصدت مرتبة سابعة؛ وهي ترك توسيط البدن، فحصل "إني وهنت العظام مني"، ثم لطلب شمول الوهن العظام فردا فردا قُصدت مرتبة ثامنة، وهي ترك الجمع إلى الإفراد؛ لصحة حصول وهن المجموع بوهن البعض دون كل فرد فرد2، فحصل ما ترى3.

وهكذا تُركت الحقيقة في "شاب رأسي" إلى الاستعارة في "اشتعل شيب رأسي" لما سيأتي أن الاستعارة أبلغ من الحقيقة، ثم تركت هذه المرتبة إلى تحويل الإسناد إلى الراس وتفسيره بـ "شيبا"؛ لأنها أبلغ من جهات:

إحداها: إسناد الاشتعال إلى الرأس؛ لإفادة شمول الشيب الرأس؛ إذ وزان "اشتعل شيب رأسي، واشتعل رأسي شيبا" وزان "اشتعل النار في بيتي، واشتعل بيتي نارا" والفرق بيّن نيّر.

وثانيتها: الإجمال والتفصيل في طريقي التمييز.

ص: 339

وثالثتها: تنكير "شيبا" لإفادة المبالغة، ثم ترك "اشتعل رأسي شيبا" لتوخي مزيد التقدير إلى "اشتعل الرأس مني شيبا" على نحو:"وهن العظم مني" ثم ترك لفظ "مني" لقرينة عطف "اشتعل الرأس" على "وهن العظم مني" لمزيد التقرير، وهو إيهام حَوَالة تأدية مفهومه على العقل دون اللفظ".

ثم قال عقيب هذا الكلام:

"واعلم أن الذي فتق أكمام هذه الجهات عن أزاهير القبول في القلوب هو أن مقدمة هاتين الجملتين وهي "رب" اختُصرت ذلك الاختصار، بأن حذفت كلمة النداء وهي "يا"، وحذفت كلمة المضاف إليه وهي ياء المتكلم، واقتُصر من مجموع الكلمات على كلمة واحدة فحسب وهي المنادى، والمقدمة للكلام كما لا يخفى على من له قدم صدق في نهج البلاغة نازلة منزلة الأساس للبناء، فكما أن البنّاء الحاذق لا يرمي الأساس إلا بقدر ما يقدر من البناء عليه، كذلك البليغ يصنع بمبدأ كلامه؛ فمتى رأيته قد اختصر المبدأ فقد آذنك باختصار ما يورد". انتهى كلامه.

وعليك أن تتنبه لشيء، وهو أن ما جعله سببا للعدول عن لفظ "العظام" إلى لفظ "العظم" فيه نظر؛ لأننا لا نسلم بصحة حصول وهن المجموع بوهن البعض دون كل فرد1؛ فالوجه في ذكر "العظم" دون سائر ما تركّب منه البدن، وتوحيده؛ ما ذكره الزمخشري؛ قال: "إنما ذكر العظم؛ لأنه عمود البدن، وبه قوامه، وهو أصل بنائه، وإذا وهن تداعى وتساقطت قوته، ولأنه أشد ما فيه وأصلبه، فإذا وهن كان ما وراءه أوهن. ووحّده لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية2، وقصده إلى أن هذا الجنس -الذي هو العمود والقوام وأشد ما تركب منه الجسد- قد أصابه

ص: 340

الوهن، ولو جُمع لكان قصدا إلى معنى آخر، وهو أنه لم يهن بعض عظامه ولكن كلها، واعلم أن المراد بشمول الشيب الرأس أن يعم جملته؛ حتى لا يبقى من السواد شيء أو لا يبقى منه إلا ما لا يعتد به.

والثاني: أعني ما يكون جملة، إما مسبّب ذُكر سببه، كقوله تعالى:{لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} [الأنفال: 8] أي: فعل ما فعل1، وقوله:{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [القصص: 46] أي: اخترناك، وقوله:{لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [الفتح: 25] أي: كان الكف ومنع التعذيب. ومنه قول أبي الطيب "من البسيط":

أتى الزمان بنوه في شبيبته

فسرهم وأتيناه على الهرم2

أي: فساءنا.

أو بالعكس3 كقوله تعالى: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: 54] أي: فامتثلتم فتاب عليكم، وقوله:{فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ} [البقرة: 60] أي: فضربه بها فانفجرت، ويجوز أن يقدر:"فإن ضربتَ بها فقد انفجرت"4.

ص: 341

أو غير ذلك1 كقوله تعالى: {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} [الذاريات: 48] على ما مرّ2.

والثالث3 كقوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى} [البقرة: 73] أي: فضربوه ببعضها، فحَيِيَ، فقلنا:{كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى} . وقوله: {أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ، يُوسُفُ} [يوسف: 45، 46] أي: فأرسلوني إلى يوسف لأستعبره الرؤيا، فأرسلوه إليه، فأتاه وقال له: يا يوسف. وقوله: {اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا} [الفرقان: 36] أي: فأتياهم فأبلغاهم الرسالة فكذبوهما، فدمرناهم. وقوله:{فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا} [الشعراء: 16-18] أي: فأتياه فأبلغاه ذلك، فلما سمعه قال:{أَلَمْ نُرَبِّكَ} . ويجوز أن يكون التقدير: فأتياه فأبلغاه ذلك، ثم يقدر: فماذا قال؟ فيقع قوله: {أَلَمْ نُرَبِّكَ} استئنافا، ونحوه قوله:{اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ، قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ} [النمل: 28، 29] أي: ففعل ذلك، فأخذتْ الكتاب فقرأته، ثم كأن سائلا سأل فقال: فماذا قالت؟ فقيل: {قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ} . وأما قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ} [النمل: 15] فقال الزمخشري في تفسيره: هذا موضع الفاء، كما يقال:"أعطيته فشكر ومنعته فصبر"، وعطفَه بالواو إشعارا بأن ما قالاه بعض ما أحدث فيهما العلم، كأنه قال: فعملا به، وعلما وعرفا حق النعمة فيه والفضيلة، وقالا:

ص: 342

الحمد لله. وقال السكاكي1: يحتمل عندي أنه تعالى أخبر عما صنع بهما وعما قالا؛ كأنه قال: نحن فعلنا إيتاء العلم، وهما فعلا الحمد، من غير بيان ترتّبه عليه؛ اعتمادا على فهم السامع2 كقولك:"قم يدعوك" بدل: قم، فإنه يدعوك.

واعلم أن الحذف على وجهين:

أحدهما: ألا يقام شيء مقام المحذوف كما سبق3.

والثاني: أن يقام مقامه ما يدل عليه؛ كقوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ} [هود: 57] ليس الإبلاغ هو الجواب؛ لتقدمه على توليهم، والتقدير:"فإن تولوا فلا لوم علي لأني قد أبلغتكم"، أو: فلا عذر لكم عند ربكم لأني قد أبلغتكم. وقوله: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} [فاطر: 4] أي: فلا تحزن واصبر؛ فإنه قد كذبت رسل من قبلك، وقوله:{وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ} [الأنفال: 38] أي: فيصيبهم مثل ما أصاب الأولين4.

وأدلة الحذف5 كثيرة: منها أن يدل العقل على الحذف، والمقصود الأظهر6 على تعيين المحذوف؛ كقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ

} الآية [المائدة: 3]، وقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ

} الآية [النساء: 23] ؛ فإن العقل يدل على الحذف لما مر7، والمقصود الأظهر يرشدك إلى أن التقدير: حرم

ص: 343

عليكم تناول الميتة وحُرِّم عليكم نكاح أمهاتكم؛ لأن الغرض الأظهر من هذه الأشياء تناولها، ومن النساء نكاحهن.

ومنها أن يدل العقل على الحذف والتعيين؛ كقوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ} [الفجر: 22] أي: أمر ربك أو عذابه أو بأسه، وقوله:{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} [البقرة: 210] أي: عذاب الله أو أمره.

ومنها أن يدل العقل على الحذف، والعادة على التعيين1؛ كقوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز:{فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ} [يوسف: 32] دل العقل على الحذف فيه؛ لأن الإنسان إنما يُلام على كسبه، فيُحتمل أن يكون التقدير: في حبه؛ لقولهن: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا} [يوسف: 30 وما بعدها] ، وأن يكون في مراودته، لقولهن:{تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ} ، وأن يكون في شأنه وأمره؛ فيشملهما، والعادة دلت على تعيين المراودة؛ لأن الحب المفرط لا يلام الإنسان عليه في العادة؛ لقهره صاحبه وغلبته إياه، وإنما يلام على المراودة الداخلة تحت كسبه التي يقدر أن يدفعها عن نفسه.

ومنها أن تدل العادة على الحذف والتعيين؛ كقوله تعالى: {لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ} [آل عمران: 167] مع أنهم كانوا أخبر الناس بالحرب، فكيف يقولون: إنهم لا يعرفونها؟! فلا بد من حذف؛ قدره مجاهد رحمه الله مكان قتال، أي: إنكم تقاتلون في موضع لا يصلح للقتال، ويُخشى عليكم منه، ويدل عليه أنهم أشاروا2 على رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يخرج من المدينة وأن الحزم البقاء فيها.

ومنها الشروع في الفعل؛ كقول المؤمن: "بسم الله الرحمن الرحيم" كما إذا قلت

ص: 344

عند الشروع في القراءة: "باسم الله"، فإنه يفيد أن المراد:"باسم الله أقرأ"، وكذا عند الشروع في القيام أو القعود أو أي فعل كان؛ فإن المحذوف يقدر على حسب ما جُعلت التسمية مبدأ له1.

ومنها اقتران الكلام بالفعل2؛ فإنه يفيد تقريره؛ كقولك لمن أعرس: "بالرَّفاء والبنين"؛ فإنه يفيد: بالرفاء والبنين أعرستَ.

ص: 345