الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس: دولة معين
كانت دولة معين أقرب الدول الجنوبية اتصالًا بالمناطق الشمالية في شبه الجزيرة العربية. ونشأت في الجوف الجنوبي فيما يمتد بين حدود حضرموت وبين المنطقة الحدودية الحالية الفاصلة بين المملكة العربية السعودية وبين جمهورية اليمن الشمالية، عند نجران. وانتفعت معين بسهل متسع يغذيه بالخصوبة ومياه الري نهر خارد وفروعه.
واختلفت تقديرات المستشرقين في تعيين البداية السياسية لدولة معين فيما بين القرن الثالث عشر ق. م. والقرن الحادي عشر ق. م. وبداية القرن السادس ق. م. وبداية القرن الرابع ق. م. ويبدو أن أكثر هذه التقديرات احتمالًا هو بداية القرن السادس ق. م.
واتخذت الدولة عاصمتها في مدينة قرنا وفي شرق الجوف الجنوبي. وبنيت مستطيلة في مساحة صغيرة نسبيًا تبلغ نحو مائة ألف متر مربع، وسورت بسور ضخم ذي مدخلين تحميهما الأبراج الحجرية، وبقي جزء من البرجين اللذين يحفان بمدخلها الشرقي. وقام إلى جانب العاصمة معبد كبير رددت النصوص المعينية اسمه وهو معبد رصف ولازالت بقية من أعمدته ونقوشه وزخارفه قائمة تشهد بكفاية أصحابها وإن تجاوزنا عن وصفه مراعاة للإيجاز واكتفاء بما وصفنا به أمثاله في سبأ وقتبان.
وتناولت البحوث الأثرية من مواطن العمران الأخرى في معين مدن: يثل (خربة براقش) وكمنهو (خربة كمنة) ونشان (خربة السودا) ونشق (خربة البيضا) ورجمة (في أخدود نجران) .... وغيرها.
تعاقبت على حكم معين خمس أسرات حاكمة لم تحتفظ النصوص الباقية بألقاب حكامها الأوائل، ولكن يرجح أن سلطتهم بدأت بنفس الصبغة الدينية التي ظهرت عند جيرانهم. فتلقب كل منهم بلقب مزود ربما بمعنى من يزود
المعبودات أو المعابر بقرابينها، أو من يزود دولته بخيراتها. واعتمد هذا الترجيح على بقاء هذا اللقب مزود ضمن ألقاب حكام معين المتأخرين حتى بلغوا أن تلقبوا بألقاب الملوك.
وعملت معين على استثمار أراضيها الصالحة للزراعة بإقامة بعض مشروعات الري الصغيرة للاستفادة من الأمطار والسيول ومياه نهر خارد وفروعه، وذلك مما جعل الرحالة الروماني بلينى يصف أراضيهم بأنها أرض خصبة تكثر فيها الأشجار والنخيل والأعناب ولهم فيها قطعان كثيرة. غير أن معين اعتمدت في حياتها الاقتصادية أكثر ما اعتمدت على الاشتراك بنصيب كبير في تصدير منتجات الجنوب إلى أسواق التجارة الخارجية، ولاسيما منتجات اللادن والكندر والمر، التي كانت ترحب بها معابد الهلال الخصيب ودول البحر المتوسط ترحيبًا كبيرًا، وذلك مما جعل نفس الرحالة بلينى يعقب بقوله: والمعينيون منطقتهم يمر فيها ترانسيت الكندر عبر طريق ضيق. وهم الذين بدأوا التجارة وأهم من مارسوها. واتخذ نوع من البخور اسمه من اسمهم وهو البخور المعينى Minaean.
ويبدو أن مكاسب هذه التجارة التي سبقت عهد بليني بقرون طويلة هي التي حركت أطماع دولة سبأ منذ عهود المكربين ضد دولة معين. وقد مر بنا كيف تكررت الحروب بينهما في عهود المكربين الأواخر، وكيف أسرفت جيوش كرب إيل وتر (الثاني) السبأي في تدمير مدن معين وتشريد أهلها حتى ما يمتد إلى نجران. وإذا كنا قد تشككنا في صحة الأعداد الضخمة التي ذكرتها نصوصه عن قتلى المعينيين وأسراهم (راجع الفصل الخامس). فإن نفس هذه الأعداد تعبر ضمنًا عن اتساع عمران معين القديمة.
وعندما استردت معين كيانها بدأت بها عصور الملكية في أوائل القر الرابع ق. م. واعتاد ملوكها على أن يتلقبوا بكنيات شخصية معبرة حاول هومل وغيره تفسيرها، مثل: صدق بمعنى الصادق أو العادل، ويشور بمعنى المستقيم، وريام بمعنى المتعالي
…
إلخ.
وعلى الرغم من غلبة نظام الحكم الملكي في معين ظل لمشايخ القبائل وأعيان العاصمة مجلس مسود بنفس الاسم الذي عرف به مثيله في قتبان ويراجع له الفصل السادس. وقد وصف بأنه مسد منعن أي المجلس المنيع أو شيء من هذا القبيل. وكانوا يجتمعون فيه بدعوة من الملك للبحث في أمور الضرائب والمنشآت العامة والمداولة في أمور الحرب إن وجدت، والتصديق على
العقود التي تبرمها الدولة مع كبار الأفراد وتعهد إليهم بمقتضاها بتنفيذ بعض مشروعاتها الدينية أو المدنية وتتفق معهم فيها على الموارد التي ينفقون منها على هذه المشروعات.
ويغلب على الظن أنه قامت إلى جانب هذا المجلس الرئيسى في العاصمة مجالس أخرى فرعية في المدن الكبيرة والأقاليم كانت تشكيلاتها واختصاصاتها تشبه المجالس البلدية أو القروية الحالية.
وتولى رياسة حكم الأقاليم والمدن الكبيرة في معين موظفون تلقب كل منهم بلقب كبر أي كبير، أو وال، وتولى كل منهم رعاية شئون إقليمه باسم ملكه في شئون القضاء وفي جباية الضرائب وفي إقامة المشروعات الإقليمية.
غير أن الكبراء أو الولاة لم يكونوا المشرفين وحدهم على جباية الضرائب وإنما أخذت دولتهم في نفس الوقت بنظام الالتزام في تحصيل بعض ضرائبها، وهو نظام سبق أن أشرنا إلى تطبيق مثله في قتبان وغيرها (في الفصل السادس). وكان معدل الضرائب يدور حول العشر أو ما يقرب منه ويؤدى عينيًا عادة.
وبحكم موقعها الشمالي ظلت معين أكثر اتصالًا بطرق التجارة الشمالية الرئيسية التي تخرج من عاصمتها قرناو ومن تابعتها نجران، إلى نجد وما ورائها وإلى الحجاز وما ورائه. ولرعاية قوافل المتاجر التى تسلك الطريق التجاري البري الكبير على طول الحجاز والممتد إلى العقبة وما يتفرع منها إلى سيناء المصرية، وإلى غزة ومعان في جنوب الشام، زودت معين هذا الطريق بحاميات وجاليات معينية كان استقرارها في مدن الحجاز من عوامل التزاوج والاختلاط السلمي بين عرب الشمال وبين عرب الجنوب كما كان من أسباب ما تناقله النسابون عن تناثر بطون جنوبية أو قحطانية بين العرب الشماليين (في مثل مدينة يثرب في عصور تالية).
وأقامت أكبر الجاليات أو الحاميات المعينية في واحة العلا شمالي يثرب وكانت في بعض عصورها مقرًا لدولة ددان ودولة لحيان مما سنتناوله فيما بعد بتفصيل. وعندما زاد النفوذ الاقتصادي لهذه الجالية زاد بالتالي نفوذه السياسي حتى غدت منطقتها حليفة لدولة معين يتولاها كبير أو كبيران على صلة بالملك المعيني الجنوبي. وربما حدث هذا التطور في أواخر القرن الثالث ق. م. وأصبحت المنطقة تذكر معه في النصوص إلى جانب أسمائها القديمة باسم
…
الجنوبية أي معن أو معين، مع تخصيصها بكلمة مصرن.
وتعامل تجار معين ووسطاؤها من معن مع العواصم المصرية واستقر
بعضهم فيها. ومنهم رجل يدعى زيد إيل بن زيد دفن في مصر ووجد له تابوت في منطقة منف كتب عليه بحروف المسند ما يفهم منه أنه عمل في خدمة معبد مصري لعله سيرابيوم منف، وتولى توريد بعض المنتجات العربية إليه مثل المر والذريرة (قصب الطيب) وغيرهما على سفينة بحرية في مقابل ما كان يصدره إلى بلده من المنسوجات المصرية. ويعبر زيد إيل بن زيد عن استغراقه في الحياة المصرية تلقب بلقب وعب وهو لقب ديني مصري قديم يعني الكاهن المطهر. وأرخ هذا النص بالعام 22 للملك توليما يوث برتولمايوس وقد يقابل عام 263 ق. م. خلال عهد بطلميوس الثاني، أو بعده.
ووصل تجار معينيون بتجارتهم إلى جزيرة ديلوس في بحر إيجة في النصف الأخير من القرن الثاني ق. م. حيث وجدت فيها آثار صغيرة نقشت بنصوص عربية تدعو لأصحابها آلهة معين (وآلهة سبأ).
واستمرت معين في سبيلها السياسي وسبيلها الاقتصادي حتى دب الوهن في نظامها الحاكم واشتد بأس جيرانها، وتجرأت عليها دولة قتبان ودولة سبأ. وبدأت قتبان فاقتطعت جانبًا من أراضها، وأجبرتها (كما مر بنا في الفصل السادس) على عقد حلف معها احتفظت لنفسها فيه بالمكانة العليا لا سيما في أيام ملكي معين وقه إيل يثع وولده إيل يثع يشور الثاني. وحاولت قتبان أن تستغل معين في التضييق على دولة سبأ من الشمال، ولكن هذا زاد من حقد سبأ عليها فما لبثت هذه الأخيرة حتى استغلت انشغال قتبان بمشكلاتها الداخلية مع قبائل حمير وانفردت بمعين فدمرت عاصمتها قرناو واستولت على أجزاء متسعة من أراضيها قبيل الربع الثالث من القرن الأول ق. م. بحيث لم يذكرها استرابون في عام 24 ق. م. حينما صحب حملة القائد الروماني آيليوس جاللوس ضد الدولة العربية الجنوبية، مما يعني أنها كانت قد فقدت استقلالها على أيامه.
ولكن الانكماش السياسي لم يؤد إلى وقف نشاط المعينيين في مجالات التجارة فظلوا يقومون بدورهم فيها ويجنون مكاسبها تحت طاعة دولة سبأ القوية، وبهذه الصورة كتب عنهم بليني في القرن الميلادي الأول ما نقلناه عنه من قبل، كما كتب عنهم الرحالة الجغرافي بطلميوس في القرن الميلادي الثاني.
من المؤلفات المختارة في دراسات الفصل:
جواد علي: المرجع السابق، ج2 - مادة معين.
خليل نامي: نقوش خربة معين -القاهرة 1952، نقوش خربة براقش- القاهرة 1957.
محمد توفيق: آثار معين في جوف اليمن -القاهرة 1951 نقوش خربة معين - الفاهرة 1952.
نيلسن وآخرون: المرجع السابق -ص64 - 75، 267 - 273.
Philby، op.cit.، 42-58.
Ryckmans، J،. Institution monarchique en Arabie Meridionale avant I.htm'Islam (Maein et Saba) ، Louvain 1951
Winnett، F.V.، The Place of the Minaeans in the History of Pre-islamic Arabia، BASOR، 73،1939،-39
الفصل السابع: دولة حضرموت
شغلت حضرموت منطقة واسعة من جنوب شبه الجزيرة العربية، وجمعت في أرضها الواسعة بين الجبال العالية وبين الوديان العميقة. ويبدو أن واديها الكبير وادي حضرموت كان مجرى مائيًا ضخمًا خلال الدهور المطيرة القديمة، ويمتد جزؤه الخصب نحو 60 ميلًا وتجري فيه بضعه أنهار صغيرة منها نهر ميفع وهو نهر يحتمل أن يكون لاسمه صلة قديمة باسم مدينة ميفعة التي كانت من أقدم العواصم المعروفة لحضرموت.
وانتفعت حضرموت بساحل طويل على بحر العرب أو المحيط الهندي قامت عليه ميناء رئيسية أسمتها النصوص القديمة قنأ، وأطلق العبرانيون القدماء عليها اسم كنية، بينما أطلق الإغريق عليها اسم كاني Cane وتقوم على أطلالها بير علي الحالية.
ولا يزال المعروف من تاريخ المراحل الأولى لحضرموت قليلًا -ولازال الخلاف بين تقديرات الباحثين لبداية تكوينها السياسي واسعًا، فبينما أخذ فلبي برأي هومل ببداية عصور الملكية فيها بأواخر القرن الحادي عشر ق. م. أرخها ألبرايت بأواخر القرن الخامس ق. م. على أساس أنه بعد أن اختفت شخصية كرب إيل وتر السبأي القوية من الجنوب قامت الملكية في حضرموت وربما بدأت بما يشبه التبعية لدولة معين بحيث حكمهما معًا ملك واحد يدعى صدق إيل. وإذا صح هذا فقد يعني ترابط الجارتين معين وحضرموت في مجالات التجارة وتخالفهما للوقوف في وجه دولة سبأ ذات المطامع الواسعة. وبعد جيلين أو ثلاثة انفرد بحكم حضرموت أمير من أصل معيني يدعى معدكرب أسس بها أسرة حكم مستقلة، مع بقاء العلاقات الودية بين البيتين الحاكمين قائمة بحيث كان الكتبة في كل منهما يسجلون أحيانًا اسم ملك الدولة الثانية إلى جانب اسم ملكهم في النصوص التي تتناول ذكر المنشآت الجديدة والاحتفالات الكبيرة. وامتد هذا الوضع الذي لازال الشك يحيط بتفاصيل فترة صعب تحديد أمدها، ثم غابت
أسماء ملوك حضرموت. وعلل بعض المؤرخين هذه الظاهرة باحتمال خضوع حضرموت مرة أخرى خضوعًا مباشرًا لدولة معين، بينما عللها بعضهم الآخر بخضوعها لدولة أخرى من الدول الجنوبية مثل سبأ، وكان الملك السبئي شعر أوتر قد زوج أخته ملك حلك من الملك الحضرمي العزيلط ثم خاصمه وهاجر عاصمته.
وبعد هذه الفجوة ازدهرت الملكية الحضرمية من جديد وبدأها ملك يسمى يدع إيل بيين. ومرة أخرى ليس ما يعرف يقينًا عن الظروف التي بدأ بها ملك ولكن تخلفت بضعة قرائن يمكن الاستفادة منها في تصور هذه الظروف. ومنها أن يدع إيل بيين هذا ذكر في نصوصه أن أباه رب شمس كان من أحرار يهبأر، وذلك مما قد يعني أنه لم يكن من بيت مالك قديم وأنه بلغ العرش بمسعاه الشخصي. وقد يزكي هذا الاستنتاج أن عددًا من رعاياه تفاخروا في نصوصهم بأنهم ساعدوه، دون أن يبينوا نوع هذه المساعدة. وليس من المستبعد أنها كانت مساعدته على بلوغ العرش. وقد بدت العلاقات بين مملكته الجديدة وبين دولة سبأ التي أصبحت أكبر الدول الجنوبية في ذلك الحين علاقات طيبة. وذلك مما يحتمل معه أن سبأ عاونته على إعلان ملكه أو أنها على الأقل رضيت بما قام به في سبيل إعلان ملكه.
وزادت منذ عهد يدع إيل بيين شهرة العاصمة الحضرمية شبوة التي ذكرت نصوصه أنه عمرها بعد خرابها وأعاد تشييد حصن ومعبد رئيسي فيها. وتناقل المؤرخون والرحالة الكلاسيكيون اسم هذه العاصمة بمترادفات متقاربة تحرفت بعض الشيء عن اسمها الحقيقي، ومن هذه المترادفات: Sobatha، SabatA. Sabbatha.
وتعاقب بعد عهد يدع إيل بييين عدد من ملوك حضرموت، استطاعت دولتهم في فترة ما من القرن الأول الميلادي أن تسيطر على الأجزاء الشرقية من دولة قتبان بعد أن ضعف شأن هذه الدولة الأخيرة. فسيطرت على جزء من وادي بيحان وعثر فيه على ثلاثة نصوص تمجد أسماء ثلاثة ملوك حضرميين كما أسلفنا من قبل (في سياق الفصل السادس). غير أن تدخل حضرموت في شئون الجزء الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة جر عليها مشكلات كثيرة من القبائل الحميرية حتى أصبحت الحدود بينهما بين مد وجذر لإحديهما على حساب مصلحة الأخرى. وجرى عليه مشكلات أخرى مع دولة سبأ نتحدث عنها خلال العصر الملكي السبأي. ثم أعقبت ذلك عهود سلام ظهر فيها الملك الحضرمي إيل عزيليط أو إلعزيلط الثاني وأثبت في نص من نصوصه أنه إيل عزيليط ملك حضرموت ابن عم ذخر، وأنه سار إلى حصن أنود ليتلقب (بلقب الملك). وأشار
عدد من أتباعه إلى أنهم صاحبوه في هذه المرحلة. كما سجل رجلان من أشراف حمير أن ملك سبأ وذوريدان ثأران يعوب أوفدهما لحضور حفله. وتنم هذه المصادر مجتمعة عن أن حصن أنود هذا الذي لا زالت بعض أطلاله باقية تشرف على واد ينتهي إلى العاصمة شبوة قد توفرت له ذكريات خاصة في عهود الملكية الحضرمية، وأن حفل التولية كان حفلًا ضخمًا يلائم المناسبة التي أقيم من أجلها وأن العلاقات بين حضرموت وبين دولة سبأ التي دخلت في طور جديد من أطوار الملكية جمعت فيه بين سبأ وحمير، أو سبأ وريدان، قد غدت علاقات طيبة. وورد في نص ملك حضرمي آخر أنه حين احتفل بيوم توليته العرش في حصن أنود ضحى بقرابين كثيرة تضمنت 35 ثورًا و82 كبشًا و25 غزالًا وثمانية فهود؟.
ويذهب الظن إلى أن إيل عزيليط الثاني ابن عم ذخر هو الملك الذي ورد ذكره باسم إليازوس Eleazus في مصدرين إغريقيين، عرف أحدهما باسم كتاب الطواف حول البحر الإريتيري، ومن الآراء الحديثة في شأنه ما يحتمل تأليفه في حوال الربع الأول من القرن الثالث الميلادي، وقد وصف فيه إليازوس بأنه ملك بلاد البخور والطيب وأنه أقام في عاصمته Sabatha وامتد سطانه إلى قنأ. وذكر عن هذه الميناء قنأ أنها كانت سوقًا لكل اللادن الذي ينمو في البلاد ويؤتى به إليها على ظهور الجمال وفي الأرماث المحلية المصنوعة من الجلد، وفي القوارب، ولها تجارة أخرى مع مدن الساحل البعيد، ومع بيريجازا وسكيثيا (في وادي السند) وعمانة وفارس المجاورة لها. وفي هذ الوصف ما يشير إلى ثراء حضرموت من تجارتها البرية والبحرية في أيامه.
وعبر الحضرميون عن معبودهم الأكبر الذي تخيلوه يهيمن على القمر باسم سين وهو الذي عبر عنه جيرانهم من الجنوبيين بأسماء عم وود، وإلمقه. وإذا كان هناك ما يضاف إلى هذه المقارنة فهو أن اسم سين سبق أن أطلقه الأكديون والبابليون كذلك في العراق على معبودهم الذي تخيلوه معنيًا بالقمر أيضًا، مما يعني أنه كان اسمًا ساميًا قديمًا واسع الانتشار، وربما كانت له صلته أيضًا بتسمية سيناء المصرية وإن وجدت آراء أخرى لتفسير هذه التسمية.
وانتشرت معابد سين هذا في العاصمة شبوة وفي الحواضر الحضرمية الكبيرة وعرفت في كل منها بصفة مميزة. وكان منها معبد كشفت عن آثاره بعثة جرترود كيتون طومسون في بلدة حضرمية عرفت قديمًا باسم مذاب وتعرف الآن باسم الحريضة. وكشفت هذه البعثة حول المعبد عن عدد من المقابر القديمة تضمنت إلى جانب جثث أصحابها أعدادًا كثيرة من أدوات الحياة اليومية
كالأواني من الفخار والخزف، والقلائد وما إليها، مما يعنى أن المعبد كان محورًا لعمران واسع من حوله ضم مساكن الأحياء وقبور الموتى.
وإذا كانت حضرموت قد أقامت أغلب بنيانها الاقتصادي على امتاد نشاطها إلى منطقة ظفار المنطقة الرئيسية لإنتاج أفضل أنواع اللادن والكندر، ثم تصديرها شرقا وغربا، فهى قد اهتمت كذلك بتنمية ثروتها الزراعية التى كشفت البحوث الحديثة عن عدد من مشروعات الري التى خدمتها، والتى نتجاوز عن التصيل فيها مؤقتا اكتفاء بما ذكرناه عن أمثالها في سبأ وقتبان.
واستمرت حضرموت في سبيلها الاقتصادي والسياسي حتى اشتدت المنافسة بينهما وبين صديقتها القديمة سبأ وذوريدان، وتطورت هذه المنافسة إلى حروب عنيفة عملت حضرموت معها على زيادة حصونها وأسوارها لمقاومة السبأيين.
وبقيت من هذه الأسوار أطلال سور كبير كان يحمي منطقة ميفعة ولكن الحروب انتهت بانتصار السبأيين في عهد ملكهم شمر يهر عش الثالث في أواخر القرن الثالث الميلادي، وبلغ من أهمية انتصاره عليها أن شجعه على أن يبدأ عهدًا جديدًا للملكية السبأية تلقب فيه هو ومن تلاه من الملوك بلقب ملك سبأ وذوريدان وحضرموت ويمنت. ويذهب رأي حديث إلى اعتبار يمنت هذه أو يمانة تمثل الجزء الجنوبي من حضرموت والمطل على ساحل البحر العربي (أو المحيط الهندي). وربما حاولت حضرموت النهوض بعد ذلك بقليل ولكن الحملات السبأية الحميرية تكررت عليها وأخضعتها لنفوذها المباشر منذ أواسط القرن الميلادي الرابع.
من المؤلفات المختارة في دراسات الفصل:
Bowen، Albright. and Others، op.cit.، 77-81،139-142.
Brown، W.L.، and Beeston، A.F.L.، JRAS، 1954،43-62.
Caton Thompson، G.The Tombs and Moon Temple of Hureidha (Hadhramaut) . Oxford، 1944.
Philby، op. cit.، 77-18.
Phillips، op.cit.، 431.
Pirenne، J.، Premiere mission archeologique francaise au Hadramout، C.R. de AIEL، 1975; Deuxieme mission.. ibid، 1976. Stark، R.F.، in gJ، 93، 1939، 1-17; JRAs،1939،480-498.
Van der Muelen and Wissmann، H، Von، Hadrmaut، Some of its Musteries unveiled، Leiden 1932.
جواد علي: المرجع السابق، ج2 - مادة حضرموت.
نيلسن وآخرون: المرجع السابق، ص 274 - 279.