المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: قوم عاد - تاريخ شبه الجزيرة العربية في عصورها القديمة

[عبد العزيز صالح]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: مصادر التاريخ العربي القديم ودراساته الأثرية الحديثة

- ‌الفصل الثاني: ممهدات العصور التاريخية في شبه الجزيرة العربية

- ‌مدخل

- ‌خطوط الكتابة القديمة في شبه الجزيرة العربية

- ‌كتابة المسند:

- ‌الخط النبطي وتطوره إلى الخط العربي

- ‌الفصل الثالث: تمهيد في جنوب شبه الجزيرة العربية

- ‌مدخل

- ‌مشكلة نشأ دولة سبأ في عصورها المبكرة

- ‌الفصل الرابع: عهود المكربين في سبأ

- ‌الفصل الخامس: دولة قطبان

- ‌الفصل السادس: دولة معين

- ‌الفصل الثامن: دولة أوسان

- ‌الفصل التاسع: عودة إلى دولة سبأ في عصر الملكية السبأية

- ‌الفصل العاشر: دولة سبأ وذوربدان-وسيطرة حمير

- ‌الفصل الحادي عشر: مناطق الأطراف العربية

- ‌اولاً: المصادر المسمارية

- ‌ثانيًا: من نتائج الكشوف الأثرية الحديثة:

- ‌الفصل الثاني عشر: الجماعات العربية القديمة ذات الصلة برسالات الأنبياء

- ‌أولًا: مدين

- ‌ثانيًا: قوم عاد

- ‌ثالثًا: الثموديون

- ‌الفصل الثالث عشر: من الممالك العربية المسقرة

- ‌اولاً: دولة ددان ولحيان

- ‌ثانيًا: دولة الأنباط

- ‌الفصل الرابع عشر: من ممالك الأطراف العربية

- ‌أولًا: مملكة الحيرة

- ‌ثانيًا: دولة الغساسنة

- ‌الفصل السادس عشر: انتقال مركز الثقل إلى مكة ويثرب

الفصل: ‌ثانيا: قوم عاد

‌ثانيًا: قوم عاد

اعتاد الرواة والأخباريون الأوائل أن يضربوا المثل في القدم بعاد، واعتادوا على أن ينسبوا إليها كل ما استعظموا شأنه وجهلوا أصله من أطلال القصور والآبار وبقايا الصخور والأشجار القديمة أيضًا. واعتمد أولئك الرواة والأخباريون في بعض ما ذكروه عن قوم عاد على ما جاء عنهم في القرآن الكريم، كما اعتمدوا على تفسير كتبة التوراة ومن تأثروا بهم.

ويفيد ما ذكره القرآن الكريم عن قوم عاد أنهم عاشوا في منطقة تعرف بالأحقاف {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ} . وأنهم تميزوا بإرم ذات العماد {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ} ، وأنهم كذبوا نبيهم هودًا {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ، إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ، إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} . وأنهم كانوا أولي بأس وقدرة {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ، وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ، وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} . وربما كانوا قريبي الصلة بالثموديين {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى، وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} . وأنهم عوقبوا جزاء كفرهم بريح عنيفة أطاحت بكل ما كانوا فيه {وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الرِّيحَ الْعَقِيمَ، مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَاّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ} .

ولم يعين القرآن الكريم موضع الأحقاف، ولهذا تعددت آراء المفسرين والمؤرخين المسلمين بشأنها.

وذهب بعضهم إلى تعيين أحقاف عاد بمنطقة الأحقاف في حضر موت وزكوا رأيهم بما يعتقده بعض أهل حضرموت من وجود قبر هود في أرضهم ووجود بئر تسمى بئر برهوت رووا أنه كانت تصدر عنها أصواتًا هائلة في العصور القديمة وتخيلوا أن هذه الأصوات قوم هود المعذبين ولكن أضعف هذا الرأي القديم عدة قرائن نذكرها في ص 138 - 4. ومنها أن الروايات الشعبية يصعب التسليم بها دائمًا أو كاملًا دون دليل. فكما قال بعض أهل حضرموت بوجود قبر هود عليه السلام في أرضهم. قال بعض أهل شبه جزيرة سيناء: إن قبره في أرضهم.

وإلى جانب رأي من قالوا بوجود الأحقاف في حضرموت، قال رأي آخر: إنها رمال مستطيلة بشحر عمان. وقال ثالث: إنها حشاف من حسمى، والحشاف هي الحجارة في الموضع السهل. وقال رابع بأنها: اسم جبل في الشام. وقال خامس: إنها اسم عام يطلق على أي منطقة إذا عظم رملها واستدار ويقال له: حقف.

ص: 137

وفي اختلاف هذه الآراء ما يدعو إلى عدم التقيد برأي منها ما إلا بعد تمحيصه ووجود أدلة تؤيده.

وربط القرآن الكريم بين قوم عاد وبين إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد. فاعتبر بعض المفسرين والمؤرخين إرم هذه مدينة عظيمة وعينوها بالإسكندرية تارة ودمشق تارة أخرى، واعتبرها بعض آخر قبيلة قوية، وكان من هذا البعض الأخير المؤرخ بن خلدون الذي وجه إلى أصحاب الرأي الأول نقدًا لاذعًا.

وجعل ياقوت إرم جبلًا عظيمًا في ديار جذام قرب العقبة تنمو عليه الكروم وأشجار تشبه أشجار الصنوبر. وذكر الرحالة القزويني أن قوم عاد عاشوا على هذا الجبل الذي أصبح من منازل طي، وكانت توجد عنده بقايا تماثيل كثيرة ومنازل عديدة.

وأدت الكشوف الأثرية الحديثة إلى الكشف عن بقايا عمران متسع فوق وحول جبل إرم هذا بالفعل شرقي العقبة، ومنها معبد أقيم فوق الجبل ترجع بعض نصوصه إلى القرنين الأول والثاني الميلاديين، وأعداد من التماثيل ومن النصب التي تذكر اللات والعزى. وقد لا تتيسر نسبة هذه الآثار إلى قوم عاد بصورة مؤكدة. لولا أن هناك أدلة أخرى تزكي نسبة هؤلاء القوم، قوم عاد إلى شمال شبه الجزيرة العربية أكثر من جنوبها، ومنها أن القرآن الكريم جمع بين عاد وثمود، وثمود شمالية فيما هو شائع، وجعل مواقع عاد قريبة من أهل الحجاز حين نزول القرآن فقال:{وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ} وقال: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ} .

وربط بعض الشعراء المبكرين بين عاد وثمود، وأطلقوا على ثمود اسم عاد الثانية أخذًا بقول القرآن الكريم:{وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى} - ولم يعترض عليهم معترض.

هذا وقد ذكر الجغرافي بطلميوس السكندري في القرن الثاني الميلادي اسمين في شمال الحجاز يمكن الربط بينهما وبين قوم عاد، وهما اسم شعب Oaditae الذي يتشابه مع اسم عاد، واسم Aramaua الذي يتشابه مع إرم ورم وأرام وكلها أسماء تعاقبت لمسمى واحد.

ومال بعض المؤرخين المحدثين إلى تفسير ما تواتر لدى أهل حضر موت عن وجود قبر هود عليه السلام عندهم بأنهم وغيرهم من العرب الجنوبيين كان يعز عليهم أن ظهر الأنبياء بين العرب الشماليين دونهم، فاعتمدوا على وجود اسم

ص: 138