المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثامن: دولة أوسان - تاريخ شبه الجزيرة العربية في عصورها القديمة

[عبد العزيز صالح]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: مصادر التاريخ العربي القديم ودراساته الأثرية الحديثة

- ‌الفصل الثاني: ممهدات العصور التاريخية في شبه الجزيرة العربية

- ‌مدخل

- ‌خطوط الكتابة القديمة في شبه الجزيرة العربية

- ‌كتابة المسند:

- ‌الخط النبطي وتطوره إلى الخط العربي

- ‌الفصل الثالث: تمهيد في جنوب شبه الجزيرة العربية

- ‌مدخل

- ‌مشكلة نشأ دولة سبأ في عصورها المبكرة

- ‌الفصل الرابع: عهود المكربين في سبأ

- ‌الفصل الخامس: دولة قطبان

- ‌الفصل السادس: دولة معين

- ‌الفصل الثامن: دولة أوسان

- ‌الفصل التاسع: عودة إلى دولة سبأ في عصر الملكية السبأية

- ‌الفصل العاشر: دولة سبأ وذوربدان-وسيطرة حمير

- ‌الفصل الحادي عشر: مناطق الأطراف العربية

- ‌اولاً: المصادر المسمارية

- ‌ثانيًا: من نتائج الكشوف الأثرية الحديثة:

- ‌الفصل الثاني عشر: الجماعات العربية القديمة ذات الصلة برسالات الأنبياء

- ‌أولًا: مدين

- ‌ثانيًا: قوم عاد

- ‌ثالثًا: الثموديون

- ‌الفصل الثالث عشر: من الممالك العربية المسقرة

- ‌اولاً: دولة ددان ولحيان

- ‌ثانيًا: دولة الأنباط

- ‌الفصل الرابع عشر: من ممالك الأطراف العربية

- ‌أولًا: مملكة الحيرة

- ‌ثانيًا: دولة الغساسنة

- ‌الفصل السادس عشر: انتقال مركز الثقل إلى مكة ويثرب

الفصل: ‌الفصل الثامن: دولة أوسان

‌الفصل الثامن: دولة أوسان

الفصل الثالث: دولة أوسان

شهد جنوب شبه الجزيرة العربية من دولة الصغرى الثرية قصيرة الأجل دولة سميت باسم أوسن أو أوسان، نشأت إلى الجنوب من قتبان وامتدت في عصور مجدها حتى حدود حضرموت. وبقي اسمها حيًا في ألقاب بعض مواطنيها إلى ما بعد ظهور الإسلام.

ويبدو أن أوسان لم تكن في بداية أمرها غير منطقة رئيسية من دولة قتبان قرب مدخل البحر الأحمر وأشرفت على جزء من الساحل العربي الجنوبي، ثم انفصلت عنها في ظروف غير معروفة بعد أن جمعت الأحلاف حولها من أقاليم وقبائل مسورا ويافع ولحج ودثينة وأبيان، ووفرت لنفسها وحلفائها كيانًا مستقلًا جنبًا إلى جنب مع قتبان وسبأ.

ومضت أوسان تشق طريقها الحضاري مستعينة فيه بنشاطها التجاري الذي انتفعت فيه بخليج عدن، حتى اتسع طموح السبأيين في أواخر عهود المكربين وتحولت أطماعهم إليها، وحينذاك تداولت المناوشات بينهم وبينها، وحالفهم النصر عليها أحيانًا وحالفها النصر عليهم أحيانًا أخرى وذلك مما سمح للملوك الأوسانيين أن يسجلوا أخبار انتصاراتهم في معابد أربابهم، وسمح لهم كذلك بأن يأسروا جماعات من السبأيين ويحتفظوا بهم رهائن في أرضهم.

ومالت كفة النصر إلى جانب السبأيين في عهد المكرب الأخير كرب إيل وتر الثاني الذى دلت الشواهد على أنه تمتع إلى جانب مهارته في إرادة دقة الحرب بمهارة أخرى في شئون السياسة، فاستطاع أن يضمن حياد قتبان وحضرموت في حربه ضد أوسان كما ضمن حيادهما في حربه ضد معين على نحو ما سبق ذكره من قبل. وإذا صح أن أوسان كانت قبل استقلالها جزءًا من قتبان كان في ذلك تفسير لرضى هذه الأخيرة بمهاجمة السبأيين لها. وعدم دفاعها عنها، وزاد كرب إيل وتر على ذلك فاستمال حلفاء أوسان وأتباعها للتخلي عنها والانضمام إليه فاستجاب له بعضهم، ومن هؤلاء أمير كان يتولى أمر إقليم

ص: 93

دهس وقبائل يافع، وهو واحد من أكبر أقاليم أوسان وحلفائها.

وانحط كرب إيل وتر بجيوشه على أوسان في عهد ملكها مرتوم (أومرتو أو مرتاوا) وادعى فيما روت نصوص انتصاراته التي سجلت بأمره في معبد عاصمته صرواح أنه (أي جيشه) قتل من الأوسانيين آلافًا كثيرة دل على مبالغته بشأنها أن تراوح عددهم في سياق عباراته بين 16 ألفًا وبين ما هو أكثر من العشرين ألفًا، وأنه أسر منهم آلافًا كثيرة تراوح عددهم أيضًا في سياق عباراته بين 40 ألفًا وبين 56 ألفًا، وافتخر بأنه حرر الأسرى السبأيين الذين احتجزهم الأوسانيون من انتصاراتهم القديمة، واستعبد عوضًا عنهم أعضاء مجلس المسود الأوساني أنفسهم وجعلهم رقيقًا للمعبودة السبأية سمهت إمعانًا في إذلالهم. وأمر بمحو وتهشيم النصوص التي كان ملوك أوسان قد تفاخروا فيها بانتصاراتهم القديمة على نصب معابدهم. في عامل حلفاء أوسان بنفس القسوة فدمر جيشه مدنهم وأحرقها. واستعبد هو مدنًا أخرى لصالحه الخاص على نحو ما ذكر في نص له أنه اقتنى كل إقليم كحد بأحراره وعبيده، وتعمد أن يقتطع أجزاء أخرى من جسم الدولة المهزومة ورد بعضها إلى قتبان، كما كافأ حضرموت ببعضها الآخر، جزاء لهما على جيادها في حروبه مع أعدائه، وربما تعويضًا لهما عن سبق اعتداء أوسان على أراضيهما.

وانطوت أوسان في ظل الخضوع والنسيان لفترة طويلة. ثم استردت كيانها السياسي في ظروف غير معروفة، واعتلى عرشها من جديد ملوك وطنيون في أواخر القرن الثالث ق. م. فيما يظن فلبي. وباعتبارهم محررين توافرت لهم قداسة واسعة بين رعاياهم دعتهم إلى التقريب إليهم بالهدايا والقرابين ربما ليحتفظوا بها في قصورهم ثم في قبورهم، أو ليضعوها بأسمائهم في معابد دولتهم. وأشهر من احتفظت الآثار بذكراه من هؤلاء الملوك ملك يدعى يصدق إيل فرعم شرح عت. وقد سجل أحد رعاياه على أثر له ما يفيد أنه الفاضل مصدان الذي قدم (الأثر) إلى سيده يصدق إيل فرعم شرح عت ملك أوسان ابن ود. وكان ود فيما أسلفنا اسمًا أو صفة لمعبود تخيله المعينيون من قبل يهيمن على القمر وامتد تقديسه إلى بعض قبائل وإمارات العرب الشماليين أيضًا. وكان في انتساب ملوك أوسان إليه واعتبارهم ولدًا له، كما كان القتبانيون يعتبرون أفسهم ولد عم ضمانًا لإحاطة حكم بالقداسة الدينية بين رعاياهم. ولعلهم تعمدوا اتخاذ ود اسمًا لإلههم مخالفة لتسمية قتبان لإلهها الأكبر باسم عم.

وازدهرت وأسان في عصر هذه الملكية الأخيرة وامتد نفوذها من باب المندب على الساحل إلى الأحور، كما امتد في الداخل إلى حدود قتبان.

ص: 94

واشتهرتت من مناطقها الأثرية مسورة ومرخا وتعمان وخلة والسقية وأم ناب، فضلًا عن خليج عدن Arabia Eudaimon. وكان في امتدادها الساحلي الطويل ما سمح له بتجارة واسعة مع شاطئ شرق أفريقيا المواجه لها حتى زنزبار بحيث سمي جزء من هذا الشاطئ حينًا باسم الساحل الأوساني. وانعكست موارد هذه التجارة على ثراء مقابر ملوك أوسان وآثارهم التي نقل بعضها إلى متحف عدن.

ومن أهمها بضعة تماثيل من الألباستر مثلت عددًا منهم في هيئاتهم العربية وملابسهم القومية، على الرغم من أن فنانيها قلدوا في نحتها أسلوبًا فنيًا يشبه أسلوب الفن الهيلينستي الذي انتشر في الشرق منذ القرن الثالث ق. م .. وكانت الأسكندرية من مراكزه الرئيسية. وأظهرت بعض هذه التماثيل أصحابها يمدون أيديهم إلى الأمام كما لو كانوا يقدمون بها قرابين وهدايا إلى معبوداتهم. ونوعت بين هيئاتهم فأظهرت بعضهم بشعور قصيرة. وبعضًا آخر بشعور طويلة تنسدل إلى ما تحت الأذنين أو تسترسل على هيئة الجدائل على الكتفين. ومثلتهم حليقي اللحى، وجعلت لبعضهم شوارب خفيفة. وبينما أظهرت بعضهم بثياب طويلة كاسية تزخرفها أيحانًا زركشة لطيفة في وسطها وعند أطرافها وعند دمالج الزراعين، أظهرت بعضًا آخر بنقبة (أو فوطة) طويلة.

ولا تبرأ هذه التماثيل من قلة التناسق بين أعضائها. حيث تبدو قاماتها قصيرة أحيانًا إلى حد ملحوظ. وسيقانها غليظة. وأكفها عريضة بالنسبة إلى بقية جسومها. ولكنها على الرغم من ذلك بلغت صناعتها مستوى لابأس به بالنسبة لإمكانات بيئتها. كما أصبحت بتنوع هيئاتها مصدرًا مهمًا للتعرف على سمات أهلها وأزبائهم.

وكجزء من مشكلات التاريخ في دول الجنوب العربي. افترض فلبي أن النهاية السياسية لدولة أوسان حدثت في أواخر القرن الثاني ق. م. بينما افترضت جاكلين بيرن بقاءها إلى قبيل ميلاد المسيح. والمرجح على أية حال هو أن أراضيها انطوت بعد ذلك تحت سيطرة حمير ثم دولة سبأ وذوريدان. ودخلت معها تحت إشراف هذه الدولة الأخيرة المناطق التي امتدت تجارتها أو ولايتها إليها على الساحل الأفريقي المواجه لها.

ص: 95

من المؤلفات المختارة في دراسات الفصل:

Conti Rossini، C.، Dalle Rovine di Ausan، Dedalo، 1927 727-754.

Hamilton، R.، GJ، 101،1943.

Philby، op cit.،82-86.

جواد علي: المرجع السابق -ج2 - مادة أوسان.

نيلسن وآخرون: المرجع السابق -ص82 - 84، 91، 298 - 299.

ص: 96