الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع
في آية سورة الزخرف:
قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ. سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} i.
مطلب: في بيان الآية السابقة للتسبيح:
- في الآية السابقة لتسبيح الله ذاته الشريفة يأمر الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقول قولاً للمشركين يلزمهم به الحجة في زعمهم أنّ لله ولداً فقال سبحانه: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} وقد اختلف المفسرون في معنى هذه الآية الكريمة المبنيّ على معنى (إن) فيها هل هي شرطية أم للنفي؟ وأحسب أنّ ما رجحه ابن جرير الطبري -رحمه الله تعالى- هو أقوى الأقوال وأولاها بالصواب اعتماداً على أن (إنْ) للشرط لا للنفي، ذلك أنّها لو كانت للنفي لم يكن للكلام كبير معنى لأنّه يصير بمعنى. قل ما كان للرحمن ولد؛ وإذا صار بذلك المعنى أوهم أهل الجهل من أهل الشرك أنّه إنما نفى بذلك عن الله عز وجل أن يكون له ولد قبل بعض الأوقات ثمّ أحدث له الولد. (قاله الطبري) ii.
وعلى معنى (إنْ) للشرط؛ فإن أقرب مُرادٍ للآية وهو ما رجحه الطبري وغيره وهو الظاهر من الآية: أي إن كان له ولد في قولكم وعلى زعمكم فأنا أول من عبد الله وحده منكم؛ لأنّ من عبد الله وحده فقد دفع أن يكون له
i سورة الزخرف: الآيتان (81-82) .
ii تفسير الطبري: ج25 ص61.
ولد i. وفي هذا الكلام نفي للولد على أبلغ وجه وأتمّ عبارة وأحسن أسلوب وهو مثل قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} ii وقد علم أن الحق معه وأنّ مخالفيه في ضلال مبين.
ويشابهه -أيضاً- قول الرجل لمن يناظره: إن ثبت ما تقوله بالدليل فأنا أول من يعتقده ويقول به iii.
- وفي هذا الأسلوب القرآني الكريم ما لا يخفى من سلوك طريق المساهلة والإلطاف في الخطاب وإرخاء العنان وصولاً إلى تبكيت المجادلين والمعرضين عن الحق وإفحامهم iv.
مطلب: في بيان موضع التسبيح وصلته بما قبله:
- ولمّا أقام الله تبارك وتعالى الحجة على المشركين الذين نسبوا إليه الولد- في الآية السابقة على ما بينته في أمر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بمهاجمتهم؛ نزه الله ذاته العليّة تنزيهاً تاماً عمّ يصفونه به من نسبة الولد إليه. وفيه معنى التذييل للآية السابقة. فقال عز وجل: {سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} .
- ثمّ إنّ في تسبيحه ذاته المقدّسة بذكر وصفه تعالى بربوبية السموات والأرض والعرش {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ} ما يشير إلى أمرين:
أحدهما: بيان عظمة شأنه -تعالى- وجلالة قدره، فربّ أعظم المخلوقات وهي السموات والأرض والعرش جدير بالتنزيه عن الولد وعن كلّ ما لا يليق بكماله وجلاله v.
i انظر: تفسير الطبري: ج25 ص61؛ فتح القدير للشوكاني ج4 ص542-543.
ii سورة سبأ: الآية (24) .
iii فتح القدير للشوكاني ج4 ص543.
iv انظر: تفسير الطبري ج25 ص61؛ تفسير الألوسي ج25 ص104.
v انظر: أضواء البيان للشنقيطي ج7 ص310.
وثانيهما: إنّ في إضافة اسم الرب إلى أعظم الأجرام وأقواها من السموات والأرض تنبيه على أنّها وما فيها من المخلوقات حيث كانت تحت ملكوته وربوبيته؛ فكيف يُتوهم أن يكون شيء منها جزء متولّد منه سبحانه، والملكية تنافي الولدية كما سبقت بذلك الإشارة i.
ففي هذا -إذن- إثبات حجة وبرهان على المشركين في زعمهم الولد لله، وبذلك يضمّ ما جاء في صيغة التسبيح {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ} حجة ثانية مع ما جاء من الحجة في الآية قبله.
- ولصاحب التحرير والتنوير كلام حول حجية هذه الصيغة التي جاء بها التسبيح، وفيه زيادة على ما ذكر من قبل إذ يقول:"ووصفه بربوبية أقوى الموجودات وأعمّها وأعظمها، لأنّه يفيد انتفاء أن يكون له ولد لانتفاء فائدة الولادة، فقد تمّ خلق العوالم ونظام نمائها ودوامها، وعلم من كونه خالقها أنّه غير مسبوق بعدم وإلاّ لاحتاج إلى خالق يخلُقه، واقتضى عدمُ السبق بعدم أنّه لا يلحقه فناء فوجود الولد له يكون عبثاً"ii.
* لطيفة:
إنّ في تكرير لفظ الربّ الجليل في قوله: {رَبِّ الْعَرْشِ} تفخيماً لشأن العرش iii.
i انظر: تفسير الألوسي: ج25 ص106.
ii التحرير والتنوير لابن عاشور ج25 ص266.
iii تفسير الألوسي: ج25 ص106.