الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
في آية سورة الأنبياء:
قال الله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَاّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} 1.
مطلب: في بيان ما قبل التسبيح وصلته:
هذه الآية الكريمة الوارد -فيها تنزيه الله ذاته العليّة - مبيِّنة للإنكار الذي في قوله تعالى قبلها {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ} 2 ولذلك فُصِلَت عنها ولم تعطف عليها3.فالله عز وجل أنكر على من اتخذ من دونه آلهة أهم يحيون الموتى وينشرونهم من الأرض؟! والمراد أي لا يقدرون على شيء من ذلك؛ فكيف جعلوها نداً لله وعبدوها معه؛ إذ لا يستحق الإلهية إلاّ من يقدر على الإحياء والإيجاد من العدم4.ثمّ بيّن الله إنكاره هذا بإخباره أنّه لو كان في الوجود آلهة سواه لفسدت السموات والأرض ومن فيهن؛ حيث يستلزم أن يكون كلّ واحد منهما قادراً على الاستبداد بالتّصرف فيقع عند ذلك التّنازع والاختلاف ويحدث بسببه الفساد أي الخراب والهلاك.
وهذا البيان من الله تعالى - هو في نفس الأمر - استدلال على بطلان عقيدة هؤلاء المشركين في اتخاذ آلهة سواه5.
1 سورة الأنبياء: الآية: (22) .
2 سورة الأنبياء: الآية: (21) .
3 انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج17 ص38.
4 انظر: تفسير البغوي ج3 ص241؛ تفسير ابن كثير ج3 ص175.
5 انظر: تفسير الطبري ج17 ص10_11؛ تفسير البغوي ج3 ص241؛ تفسير ابن كثير ج3 ص175؛ فتح القدير للشوكاني ج3 ص403.
مطلب: في بيان ختم الآية بالتسبيح ووجهه:
- بعد أن أبطل الله عز وجل بما ذكره من الاستدلال والبرهان عقيدة المشركين في اتخاذهم آلهة معه أعقبه بما يؤكد ذلك الاستدلال من تنزيه ذاته فقال: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} والفاء تقتضي التعقيب وترتيب ما بعدها على ما قبلها من ثبوت الوحدانية بالبرهان والدليل، فنزه الله ذاته عمّا لا يليق به ممّا وصفوه من الأمور والأحوال التي يفترونها عليه والتي من جملتها أن يكون له شريك في الإلهية1.
لطيفتان:
الأولى: إنّ في إظهار اسم الجلالة في موضع الإضمار لإشعار بعلّة الحكم؛ إذ الألوهية مناط لجميع صفات الكمال لله تعالى التي من جملتها تنزهه تعالى عمّا لا يليق به؛ ولتربية المهابة وإدخال الروعة2.
الثانية: إنّ في وصفه تعالى في موضع التسبيح ب (رب العرش) -ههنا- تأكيداً لتنزهه؛ إذ فيه تذكير بأنّه انفرد بخلق السموات وهو شيء لا ينازع فيه المشركون؛ بل هو خالق أعظم السماوات وحاويها وهو العرش، وبذلك يلزمون بلازم قولهم بانفراده بالخلق وهو انتفاء الشركاء له فيما دون ذلك3.
1 انظر: تفسير الطبري ج17 ص10_11؛ تفسير أبي السعود ج6 ص62.
2 تفسير أبي السعود: ج6 ص62.
3 انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج17 ص44.
مطلب: في وصفه تعالى بقوله: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} بعد التسبيح:
- وصف الله تبارك وتعالى ذاته بعد أن نزّهها عما لا يليق بها بأنه لا يُسأل عن أفعاله ولكن غيره من العباد يسألون عن أفعالهم وأعمالهم، وفي هذا مزيد لتنزيهه تعالى؛ إذ يحمل هذا الوصف إبطالاً لآلهية المقرَّبين -التي زعمها المشركون الذين عبدوا الملائكة وزعموا أنها بنات الله- بطريقة انتفاء خاصية الإله الحق عندهم إذ هم يُسألون عما يفعلون وشأن الإله ألاّ يُسأل1.
1 التحرير والتنوير لابن عاشور ج17 ص46.