المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامسفي آية سورة المؤمنون: - تسبيح الله ذاته العلية في آيات كتابه السنية

[عماد بن زهير حافظ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدَّمة

- ‌التمهيد

- ‌الفصل الأول: تسبيح الله ذاته العلية عن الإشراك به

- ‌المبحث الأول: في آية سورة التوبة

- ‌المبحث الثانيفي آية سورة يونس عليه السلام :

- ‌المبحث الثالثفي آية سورة الإسراء:

- ‌المبحث الرابعفي آية سورة الأنبياء:

- ‌المبحث الخامسفي آية سورة المؤمنون:

- ‌المبحث السادس: في آية سورة القصص:

- ‌المبحث السابع: في آية سورة الروم:

- ‌المبحث الثامن: في آية سورة الزمر:

- ‌المبحث التاسع: في آية سورة الطور:

- ‌المبحث العاشر: في آية سورة الحشر:

- ‌الفصل الثاني: تسبيح الله ذاته العلية عن الولد

- ‌المبحث الأول: في آية سورة البقرة

- ‌المبحث الثانيفي آية سورة النِّساء:

- ‌المبحث الثالثفي آية سورة الأنعام:

- ‌المبحث الرابعفي آية سورة يونس عليه السلام:

- ‌المبحث الخامسفي آية سورة النحل:

- ‌المبحث السادسفي آية سورة مريم:

- ‌المبحث السابعفي آية سورة الأنبياء:

- ‌المبحث الثامنفي آية سورة الزمر:

- ‌المبحث التاسعفي آية سورة الزخرف:

- ‌المبحث العاشرفي آية سورة الصافات:

- ‌الفصل الثالث: تسبيح الله ذاته العلية في شؤون أخرى

- ‌المبحث الأول: في تسبيح الله ذاته عند الحديث عن معجزة الإسراء

- ‌المبحث الثانيتسبيح الله ذاته إثر الوعد والوعيد في آية سورة الروم:

- ‌المبحث الثالثفي معرض ذكر نعمه وآياته بسورة يس:

- ‌المبحث الرابعفي معرض بيان عظمته وقدرته في خاتمة سورة يس:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الخامسفي آية سورة المؤمنون:

‌المبحث الخامس

في آية سورة المؤمنون:

قال الله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ. عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 1.

مطلب: في بيان ما قبل التسبيح وصِلَته:

- تأتي هذه الآية الكريمة {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ

} الآية.. في ختام حملة طويلة متتابعة قوية الحجج والدلالات ضدّ المشركين بالله في شركهم وإنكارهم للبعث. وكأني ألحظ بداية هذه الحملة من قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ} 2 إذ يجول معهم القرآن فيفنّد شبههم ويردّ عليها ويبيّن حقيقة كفرهم وإعراضهم عن الحق وإن هو إلاّ استكبارهم وكرههم للحق وجهلهم به، ثم يجول معهم أخرى يوقظ وجدانهم إلى دلائل الإيمان في أنفسهم وفي الآفاق من حولهم عسى أن يهتدوا ويرجعوا ويأخذوا من بعد بمسلّمَاتهم التي يقرّون بها فيصحح لهم الاضطراب في عقيدتهم ويردّهم إلى التوحيد الخالص3.

- وفي الخاتمة لهذه الحملة المليئة بالجدل والحوار والحجة والبرهان يأتي التقرير الإلهي ليبيِّن حقيقة ما جاءهم به الرسول صلى الله عليه وسلم من التوحيد وبطلان ما يدّعونه من

1 سورة المؤمنون: الآيتان (91-92) .

2 سورة المؤمنون: الآية (68) .

3 انظر: الآيات في سورة المؤمنون من (68-90) .

ص: 40

الشريك والولد إذ إنّ منهم من توهّم أنّه ارتقى عن عبادة الأصنام فعبدوا الملائكة وقالوا هم بنات الله فقال تعالى: {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ} أي بالقول الصدق {وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} فيما ينسبونه إليه -تعالى- من الشريك والولد1.

- ثمّ نفاهما الله عن نفسه فقال: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} أي ليس له ولد ولا كان معه في القديم ولا حين ابتدع الأشياء من تصلح عبادته من إله إنّما هو الإله الواحد الحق لا إله إلَاّ هو، والإتيان ب (مِن) في نفي الأمرين لتأكيده2.

- ومن بعدُ بيّن الله تعالى ما يستلزمه ما يدّعيه الكفار من إثبات الشريك وهو في ذات الوقت الدليل على نفي الآلهة من دونه {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} . وفي الكلام حذف وتقديره: لو كان مع الله آلهة إذاً لاعتزل كلّ إله منهم بما خلق من شيء فانفرد واستبدّ به ولتغالبوا ووقع بينهم التطالب والتحارب فيغلب القويّ منهم الضعيف؛ لأنّ القوي لا يرضى أن يعلوه ضعيف وحينذلك لا يصلح الضعيف أن يكون إلهاً. وإذا تقررّ عدم إمكان المشاركة في ذلك وأنه لا يقوم به إلاّ واحد تعيّن أن يكون هذا الواحد هو الله سبحانه وتعالى3.

1 انظر: تفسير القرطبي ج12 ص146؛ فتح القدير للشوكاني ج3 ص394.

2 انظر: تفسير الطبري ج18 ص38؛ فتح القدير للشوكاني ج3 ص394.

3 انظر: المرجعين السابقين. والمتكلمون ذكروا هذا المعنى وعبّروا عنه بدليل التمانع، وهو لو فرض صانعان فصاعدا فأرادوا تحريك جسم والآخر أراد سكونه فإن لم يحصل مراد كل واحد منهما كانا عاجزين، والواجب لايكون عاجزاً ويمتنع اجتماع مراديهما للتضاد، وما جاء هذا المحال إلاّ من فرض التعدّد فيكون محالاً، فأمّا إن حصل مراد أحدهما دون الآخر كان الغالب هو الواجب والآخر المغلوب ممكناً لأنّه لا يليق بصفة الواجب أن يكون مقهوراً. (قاله ابن كثير في تفسيره ج3 ص254) .

ص: 41

* لطائف:

اللطيفة الأولى: يلاحظ في الآية أنّه قدّمت الحقيقة والمطلوب على الدليل أي قوله تعالى {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} ولهذا التقديم علة وهي الإشارة إلى أنّ هذا المطلوب واضح النهوض لا يفتقر إلى دليل إلاّ لزيادة الاطمئنان1.

اللطيفة الثانية: إنّ نفي الله تعالى للولد استقصاء للردّ على مختلف عقائد أهل الشرك من العرب إذ جعلوا الملائكة بنات الله فعبدوها من دون الله كما بينت سابقاً. كما أنّه قدم ذلك على نفي الشريك مع أنّ أكثر المشركين عبدة أصنام لا عبدة ملائكة نظراً إلى أنّ شبهة عبدة الملائكة أقوى من شبهة عبدة الأصنام لأنّ الملائكة غير مشاهدين فليست دلائل الحدوث بادية عليهم كالأصنام، ولأنّ الذين زعموهم بنات الله أقرب للتمويه من الذين زعموا الحجارة شركاء لله2.

اللطيفة الثالثة: أنّه -تعالى- لم يستدل في الآية على امتناع أن يتخذ الله ولداً وإن كان قد قدّمه وذكره، وذلك لأنّ الاستدلال على ما بعده مغن عنه؛ لأنّ ما بعده أعمّ منه وانتفاء الأعمّ يقتضي انتفاء الأخصّ، فإنّه لو كان لله ولد لكان

1 التحرير والتنوير لابن عاشور: ج18 ص113.

2 انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج18 ص113_114.

ص: 42

الأولاد آلهة لأنّ ولد كلّ موجود إنّما يتكونّ على مثل ماهية أصله1.

مطلب: في بيان التسبيح وغايته:

لمّا اقتضى هذا الدليل بطلان قولهم عقَّبه الله تعالى بتنزيه ذاته عن أقوالهم بقوله: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} وهو بمنزلة نتيجة لهذا الدليل2.

قال الطبري: " تنزيهاً لله عمّا يصفه به هؤلاء المشركون من أنّ له ولداً وعمّا قالوه من أنّ له شريكاً وأنّ معه في القدم إلهاً يُعبد تبارك وتعالى"3.

مطلب: في غاية مجيء قوله تعالى: {عَالِمِ4 الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 5.

إن مجيء هذه الآية الكريمة بوصف الله تعالى في بدايتها ب {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} هو تأكيد لتنزيه ذاته وإتمام للاستدلال على تنزهه عن الشريك في الآية قبلها. وذلك من وجهين:

أحدهما: أنّه تعالى يصف ذاته بأنه عالمٌ بما غاب عن خلقه من الأشياء فلم يروه ولم يشاهدوه وعالمٌ بما رأوه وشاهدوه ليخبر عن هؤلاء المشركين الذين عبدوا من دونه آلهة وزعموا أنّه اتخذ ولداً سبحانه أنّهم فيما يقولون ويفعلون

1 المرجع السابق: ج18 ص114.

2 انظر: المرجع السابق: ج18 ص116_117.

3 تفسير الطبري: ج18 ص38.

4 قرأ نافع وأبو بكر وحمزة والكسائي (عالمُ) بالرفع على الإستئناف، وقرأ الباقون (عالمِ) بالجر، على أنّه صفة لله. (انظر: حجة القراءات لابن زنجلة ص491) .

5 سورة المؤمنون: الآية (92) .

ص: 43

مبطلون ومخطئون فإنّهم يقولون ما يقولون من قول في ذلك عن غير علم بل عن جهل منهم به، فخبره وقوله بذلك هو الحق دون قولهم وخبرهم1.

والثاني: أنّ قوله: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} هو دليل آخر على انتفاء الشرك بناء على اعتقادهم أنّ الله متفرِّد بعلم الغيب مع الشهادة؛ لأنّ من دونه وإن كان عالماً بالشهادة فلا يعلم الغيب، ولذلك رتّب عليه بالفاء فقال:{فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} فإنّ تفرّده تعالى بذلك موجب لتعاليه عن أن يكون له شريك2. والله أعلم بمراده.

1 انظر: تفسير الطبري ج18 ص38.

2 انظر: فتح القدير للشوكاني ج3 ص394.

مجلّة الجامعة الإسلاميّة – العدد 118

ص: 44