المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثانيفي آية سورة يونس عليه السلام : - تسبيح الله ذاته العلية في آيات كتابه السنية

[عماد بن زهير حافظ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدَّمة

- ‌التمهيد

- ‌الفصل الأول: تسبيح الله ذاته العلية عن الإشراك به

- ‌المبحث الأول: في آية سورة التوبة

- ‌المبحث الثانيفي آية سورة يونس عليه السلام :

- ‌المبحث الثالثفي آية سورة الإسراء:

- ‌المبحث الرابعفي آية سورة الأنبياء:

- ‌المبحث الخامسفي آية سورة المؤمنون:

- ‌المبحث السادس: في آية سورة القصص:

- ‌المبحث السابع: في آية سورة الروم:

- ‌المبحث الثامن: في آية سورة الزمر:

- ‌المبحث التاسع: في آية سورة الطور:

- ‌المبحث العاشر: في آية سورة الحشر:

- ‌الفصل الثاني: تسبيح الله ذاته العلية عن الولد

- ‌المبحث الأول: في آية سورة البقرة

- ‌المبحث الثانيفي آية سورة النِّساء:

- ‌المبحث الثالثفي آية سورة الأنعام:

- ‌المبحث الرابعفي آية سورة يونس عليه السلام:

- ‌المبحث الخامسفي آية سورة النحل:

- ‌المبحث السادسفي آية سورة مريم:

- ‌المبحث السابعفي آية سورة الأنبياء:

- ‌المبحث الثامنفي آية سورة الزمر:

- ‌المبحث التاسعفي آية سورة الزخرف:

- ‌المبحث العاشرفي آية سورة الصافات:

- ‌الفصل الثالث: تسبيح الله ذاته العلية في شؤون أخرى

- ‌المبحث الأول: في تسبيح الله ذاته عند الحديث عن معجزة الإسراء

- ‌المبحث الثانيتسبيح الله ذاته إثر الوعد والوعيد في آية سورة الروم:

- ‌المبحث الثالثفي معرض ذكر نعمه وآياته بسورة يس:

- ‌المبحث الرابعفي معرض بيان عظمته وقدرته في خاتمة سورة يس:

- ‌الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌المبحث الثانيفي آية سورة يونس عليه السلام :

‌المبحث الثاني

في آية سورة يونس عليه السلام :

قال الله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} 1.

مطلب: في بيان ما قبل التسبيح:

- في هذه الآية الكريمة يبيّن الله عز وجل حال المشركين في عبادة غيره وافترائهم عليه، وينكر من بعد عليهم ذلك؛ ويبطل دعواهم بالحجة والبرهان، فتفنيد الدعاوى الباطلة والردّ عليها هو أسلوب قرآني فريد غايته بيان الحق وردّ الناس إليه وتثبيت القائمين عليه؛ ودحض الباطل ونقض عراه وصدّ الناس عنه.

- وتبتدئ هذه الآية الكريمة التي ينزه الله تعالى ذاته العلية في خاتمتها بمقدِّمة وتمهيد معطوفة بالواو على ما قبلها من قوله عز وجل عن المشركين: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} الآية2 وذلك لما فيها من حكاية جناية أخرى من جناياتهم نشأت عنها جنايتهم الأولى3.

1 سورة يونس عليه السلام: الآية (18) . وقرأ حمزة والكسائي وخلف بالخطاب في (عما يشركون) . وقرأ الباقون بالغيبة (عما يشركون. انظر النشر في القراءات العشر لابن الجزري ج2ص282.

2 سورة يونس: الآية (15) .

3 انظر: تفسير أبي السعود ج4 ص131؛ فتح القدير للشوكاني: ج2 ص449؛ التحرير والتنوير لابن عاشور ج11 ص125.

ص: 26

ويجوز أن تكون معطوفة على الآية قبلها مباشرة {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ

} الآية1.

إذ إنّ عبادتهم ما لا ينفع ولا يضر وادّعاءهم أنهم شفعاء لهم عند الله هو من ضمن افترائهم على الله سبحانه2.

- قال الله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ} أي عبدوا متجاوزين الله تبارك وتعالى إلى عبادة غيره ما ليس من شأنه الضرر ولا النفع، فإنّ من حق المعبود أن يكون مثيباً لمن أطاعه معاقباً لمن عصاه3.

وإنّما قدّم نفي الضرر لأنّ أدنى أحكام العبادة دفع الضرر الذي هو أوّل المنافع، كما أنّ العبادة أمر حادث مسبوق بالعدم الذي هو مظنة الضرر، فحيث لم تقدر الأصنام على الضرر لم يوجد لإحداث العبادة سبب4.

وهذه أوّل حجة في الآية على نقض وإبطال دعوى شركهم بالله تعالى؛ فإنّ الذي لا يملك ضراً ولا نفعاً لا يستحق أن يُعبد؛ بل الذي يملكهما هو الذي ينبغي أن تصرف العبادة إليه، وما ذاك إلاّ الله عز وجل وهي حجة جدّ قوية في بابها. ألا نسمع لقول إبراهيم عليه السلام محاجاً قومه في عبادتهم للأوثان من دون الله {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} 5.

1 سورة يونس: الآية (17) .

2 انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج11 ص125.

3 انظر فتح القدير للشوكاني ج2 ص449.

4 تفسير أبي السعود: ج4 ص131.

5 سورة الأنبياء: الآيتان (66،67) .

ص: 27

- وحكاية لفرط ضلالهم وجهلهم بالله مع عبادتهم غيره، وتسفيهاً وتحقيراً لرأيهم قال الله عنهم:{وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} زعموا أنهم يشفعون لهم عند الله فلا يعذبهم بذنوبهم إنْ كان هناك يوم آخر يرجعون فيه إليه فيحاسبهم بما قدّموا. وهذا غاية - بلا شك - في الجهالة والافتراء حيث إنّهم ينتظرون الشفاعة في المآل ممّن لا يوجد منه نفع ولا ضرّ في الحال1 هذا مع اعترافهم في مقالتهم - هذه - بأنّ المتصرّف هو الله تعالى وحده؛ حيث جعلوا لهم شفعاء عنده2.فدعواهم تحمل في طيّاتها ماينقضها بسبب تناقضها واعتمادها على أساس غير صحيح ولا مقبول عقلاً ولا واقعاً.. ولذلك جاء التعبير بالمضارع في قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ} و {يَقُولُونَ} لاستحضار حالتهم العجيبة في استمرارهم على عبادتهم غير الله وافترائهم عليه تعجيباً من تصميمهم وعنادهم على ضلالهم الذي لا يقوم على دليل ولا حجة بل هو ينقض بعضه بعضاً3.

- وبعد تلك المقدمة المفيدة للتدرّج في نقض شركهم ودعواهم يأتي الأمر من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالردّ عليهم ومحاجّتهم. {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ} أي أتخبرونه أنّ له شركاء في ملكه يُعبدون كما يُعبد، أو أتخبرونه أنّ لكم شفعاء عنده بغير إذنه؛ والله سبحانه لا يعلم لنفسه شريكاً ولا شفيعاً بغير إذنه من جميع مخلوقاته الذين هم في أرضه وسمائه.

فلمّا كان كلامهم الباطل شيئاً اخترعوه وهو غير واقع جعل الله اختراعه بمنزلة أنهم أعلموه به.

1 انظر: فتح القدير للشوكاني ج2 ص449.

2 انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج11 ص125.

3 انظر: المرجع السابق ج11 ص125.

ص: 28

وهذا الردّ حاصله وغايته عدم وجود من هو كذلك أصلاً، إذ لو كان لعلمه الله- تعالى - وهو علام الغيوب.

ولا ريب أنّ في الردّ والإنكار عليهم بهذه الصورة تقريعاً لهم وتهكماً بهم وبما يدعونه من المحال الذي لا يكاد يدخل تحت الصحة والإمكان1.

لطيفة: أعيد حرف النفي بعد العاطف في قوله {وَلا فِي الأَرْضِ} وذلك لزيادة التنصيص على النفي وتأكيده2.

مطلب: في بيان موضع التسبيح وغايته:

ومن بعد الردّ على المشركين بما يبطل شركهم وينقض دعواهم وافتراءاتهم وبما يثبت إلاهيته سبحانه ووحدانيته ينزّه الله تعالى ذاته العليّة عمّا يفعله هؤلاء المشركون في عبادتهم مالا يضر ولا ينفع، أو عن شركائهم الذين يعتقدونهم شفعاءهم عند الله3.وتنزيهه تعالى ذاته بعد إثبات حجته وبرهانه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم لهو دليل على شناعة مقالتهم من جهة وعلى عظيم الإنكار عليهم من جهة أخرى. وكما يدلّ على أنّ قضية التوحيد له هي أسّ

1 انظر: تفسير البغوي ج2 ص348؛ تفسير ابن كثير ج2 ص411؛ تفسير أبي السعود ج4 ص131؛ تفسير زاد المسير لابن الجوزي ج4 ص16؛ فتح القدير للشوكاني ج2 ص449؛ تفسير النسفي ج2 ص157؛ التحرير والتنوير لابن عاشور ج11 ص126.

2 انظر: التحرير والتنوير لابن عاشور ج11 ص126.

3 انظر: تفسير الطبري ج11 ص69؛ تفسير أبي السعود ج4 ص132؛ فتح القدير للشوكاني ج2 ص449.

ص: 29

القضايا وعمادها، وهو - سبحانه - الذي يتولىّ تنزيه ذاته بذاته من كل ما لايليق بها، ومع تنزيه رسله وأوليائه وملائكته؛ والكون كلّه في أرضه وسمائه.

مطلب: في تأكيد ما بعد التسبيح لموضوعه وغايته:

يُتبع الله تبارك وتعالى الآية السابقة التي ختمها بتنزيه ذاته بما يؤكِّد موضوع التنزيه وغايته أي أَمْرَ توحيد الله إذ قال تعالى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَاّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} 1 فأخبر الله عز وجل ههنا - أنّ التوحيد والإسلام لله ملّة قديمة أجمعت عليها الناس قاطبة فطرةً وتشريعاً؛ وأنّ الشرك وفروعه جهالات ابتدعها الغواة الضالون2 وفي هذا تثبيت للمؤمنين ودعوة للمشركين للخروج من ربقة العبودية لغير الله تعالى وترك سبيل الغواة الضالين المنحرفين فطرة وشرعاً.

1 سورة يونس: الآية (19) .

2 تفسير أبي السعود: ج4 ص132.

ص: 30