الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: محاولة لقوانين متحضرة
وقد استمر الحال على ما ذكرنا إلى أن تقررت المسئولية الوزارية وكف الخديوي إسماعيل يده عن التدخل في الشئون السياسية، وأخذت الحكومة الشريفية في تنظيم شئون الصحافة فجعلت المطبوعات الفرنجية والعربية في إدارة واحدة1، وحدد هذه الشئون قانون المطبوعات المصري الصادر في 26 نوفمبر سنة 1881 مشتملًا على ثلاثة وعشرين مادة نشرتها الوقائع في 29 نوفمبر سنة 1881 تضمنت المواد من الأولى إلى العاشرة شروط فتح مطبعة وضرورة الحصول على ترخيص بذلك مقابل دفع تأمين نقدي وفرضت على صاحب المطبعة عند قيامه بطبع أي صحيفة أن يخطر إدارة المطبوعات بنظارة الداخلية كتابة بعزمة على ذلك، ثم حددت أنواع المطبوعات التي ينسحب عليها القانون فذكرت أنها جميع المطبوعات أيا كان نوعها ومهما تكن الطريقة التي استعملت في طبعها، ولم ينس القانون أن يواجه الجزاء الذي يترتب على مخالفة أحكام هذه المواد، فذكر أنه الغرامة أو القفل المصادرة على حسب الأحوال، وفي المواد من "11" إلى "16" ينتقل القانون إلى الجرائد والرسائل الدورية فينص على ضرورة الإذن بها من الحكومة قبل إصدارها كما ينص على أن هذا الإذن شخصي ويجب تجديده كلما تغير امتياز صاحب الجريدة أو النشرة أو رئيس تحريرها أو مديرها كما فرض دفع تأمين نقدي يتفاوت مقداره تبعًا لعدد مرات صدور الجريدة أو الرسالة في الأسبوع، وأثبت حق الحكومة في تعطيل أو مصادرة أو قفل أي جريدة أو رسالة دورية بأمر من ناظر الداخلية بعد إنذار وبقرار من مجلس النظار بدون إنذار، وذلك بغية المحافظة على النظام العام أو الآداب أو الدين،
1 جريدة المحروسة في 15 نوفمبر 1881.
كما أجاز الجمع بين التعطيل وبين توقيع غرامة تتراوح بين خمسة وعشرة جنيهات.
وواجه القانون الجزاء الذي يحيق بكل من يخالف قرار التعطيل أو يتحايل على صدور الجريدة أو الرسالة سواء كان ذلك تحت اسمها الأصيل أو تحت أي عنوان آخر فنص في هذه الحالة على عقاب كل من محررها وصاحب امتيازها وصاحب المطبعة بغرامة من خمسة إلى عشرين جنيهًا عن كل عدد أو صحيفة تصدر منها فضلًا عما يناله صاحب المطبعة من إلغاء رخصته وإغلاق مطبعته، وتنصب المواد الأخيرة من القانون على المطبوعات والصحف التي تصدر في خارج القطر المصري فأعطت لناظر الداخلية حق منه دخول ما يراه منها وقررت غرامة لكل من يدخل أو يوجد في حيازته مطبوع جرى عليه قرار المنع، كما واجهت بعض هذه المواد مسألة لصق المطبوعات ونشرها في الميادين والشوارع وقررت منها متى كانت تنطوي هذه المطبوعات على أخبار سياسية وقررت غرامة لكل من يرتكب هذا الفعل مع عدم الإخلال بالمسئولية الجنائية التي قد تنجم عن هذا العمل.
وكذلك فرضت المادة التاسعة عشر أصولًا للتوزيع فنصت على ضرورة الحصول على ترخيص يعطي بالمجان لكل من يوزع كتابًا أو صحيفة أو رسالة أو نقوشًا، ويعنينا من المود الباقية المادة الثانية والعشرون التي ألغت بهذا القانون كل قانون أو لائحة أو أمر أو منشور مخالف له، ويعتبر هذا القانون صدى للقانون الفرنسي الصادر في سنة "1854"1 والمتأمل في نصوصه -عكس ما احتوى عليه قانون المطبوعات الفرنسي الصادر في سنة 1881 - يدرك مبلغ ما فيها من تزمت وتضييق وخاصة؛ لأنها أجازت للسلطة الإدارية الحق في تعطيل الصحيفة على الوجه المبين في المادة الثالثة عشر وذلك كلما كان هذا التعطيل متعلقًا بمصلحة النظام العام أو الدين أو الآداب، وهو سلاح خطر
1 محمود عزمي: ملخص مبادئ الصحافة العامة، ص39.
يستطيع الحاكم أن يجهز به على حياة الصحف في كل حين، ولن تعوزه حجة في دفع غاشية تتهدد النظام العام أو الآداب كلما تحركت به شهوة العنت والانتقام.
وقد سجلت أحكام محكمة الاستئناف المختلطة في هذه الفترة التي أعقبت إصدار قانون المطبوعات المصري مبادئ قانونية نبهت الحكومة إلى التخفيف من ضغط نصوص هذا القانون ونزعت بها إلى التقليل من استعمال ما أجازته لنفسها من حق التعطيل الإداري، ويعتبر هذا الدور الذي لعبه القضاء المختلط تتميمًا للتشريع ومصدرًا من مصادر القانون1، إذ إن القانون ليس مراسيم تصدر بل هو مجموعة من التشريع ثم من الأحكام العليا التي ترتبت عليه، يعود إليها القضاة كلما أعوزهم تفسير أو تعليل، وقد ترتب على ما ذكرنا أن أصدر ناظر الداخلية قرارًا بتاريخ 19 ديسمبر سنة "1881"2 فسر به بعض نصوص قانون 26 نوفمبر 1881، يعنينا منه أنه أعفى صاحب المطبعة من إخطار نظارة الداخلية بعزمه على طبع الجريدة أو الرسالة كلما كان معياد صدور هذه الجريدة أو الرسالة أقل من شهر اكتفاء بالترخيص للصحيفة أو الرسالة في هذه الحالة.
ثم أصدرت إدارة المطبوعات في 17 يناير سنة 1883 منشورًا قررت فيه جواز استبدال الضمان النقدي بكفالة شخصية في حالات معينة3 وهذا قرار يمثل تطورًا ذا أثر فعال في زيادة النشاط الصحفي؛ لأنه يعالج عقبة كبيرة في طريق الكثيرين ممن تتوافر فيها الكفاية ويعوزهم المال، وفي 13 نوفمبر 1883 صدر قانون العقوبات الأهلي وقد خص الشارع جرائم النشر بباب خاص هو الباب الرابع عشر من الكتاب الثاني وحدد فيه عقوبات الصحفيين،
1 رمضان في كتابه السابق، ص110 - 113.
2 جريدة البرهان في 5 يناير 1882.
3 الوقائع المصرية في 19 يناير 1883.
ثم عدل قانون العقوبات في 14 فبراير سنة 1904 لسد النقص الخاص بالصحف، وقد ظل قانون المطبوعات المصري الأول الصادر في 1881 معمولًا به وإن أهمل تطبيقه أحيانًا إلى أن فرضت الظروف على المسئولين العودة إلى قانون المطبوعات وتطبيقه على الصحافة المصرية، وقد أعيد العمل بهذا القانون في 25 مارس سنة 1909 نتيجة للإفلاس السياسي البريطاني في حياة المصريين، وقد طبق على الصحف الحديثة وحدها، فألزم الصحفيين الجدد بالحصول على الترخيص الذي قد يمنح وقد يمنع، أما الصحف القديمة التي كانت قائمة في ذلك الوقت فقد أعفيت من وجوب طلب ترخيص جديد واعتبر أن مطابعها قد دفعت التأمين الذي نص عليه القانون.
وقد عدلت المادة الثالثة عشر من قانون المطبوعات وكان ينبغي أن يعرض هذا التعديل على مجلس شورى القوانين كما تقضي بذلك المادة الثامنة عشر من القانون النظامي، كما أن عودة القانون بقرار من مجلس النظار باطل من الناحية الدستورية؛ لأن قانون العقوبات الأهلي الصادر في سنة 1883 قد أفرد بابًا خاصًّا لجرائم الصحافة، ومن القواعد المعلومة في التشريع أن كل قانون يصدر مخالفًا لقانون سبقه يجب ما يخالفه من النصوص ولو لم ينص على إلغاء هذه النصوص، ومع ذلك نصت المادة الخامسة والعشرون من لائحة ترتيب المحاكم الأهلية على هذا المعنى، ثم عدل قانون العقوبات في سنة 1904 لسد النقص في جرائم النشر، ومعنى هذا كله أن قانون العقوبات الصادر في سنة 1883 والمعدل في سنة 1904 قد جبا قانون المطبوعات الصادر في سنة 1881، ولا يملك مجلس النظار العودة إليه بقرار منه؛ لأن قرار المجلس أضعف قوة من أي قانون.
ثم عقبت الحكومة على العودة إلى قانون المطبوعات بسن قانون جديد يقضي بإحالة تهم الصحافة إلى محاكم الجنايات وهو القانون رقم 27 الصادر في 16 يونيه سنة 1911 وكانت من قبل تجري محاكمتها أمام محكمة الجنح1
1 الرافعي: محمد فريد، ص188.
وقد دعاها إلى إجراء هذا التعديل أنها رأت الصحافة تحاكم على درجتين ابتدائية واستئنافية وفي ذلك فرصتان للصحافة والصحفيين فضلًا عن أن أحكام محاكم الجنح في جرائم النشر كانت إذ ذاك هينة لا ترضي رغبات السلطات التي عادت بالصحف إلى قانون المطبوعات القديم، فرأت إحالة هذه الجرائم إلى محكمة الجنايات إرهابًا للصحف وحرمانًا لها من درجتي التقاضي حسب النظام السابق، ثم عدل قانون العقوبات تعديلًا آخر في نفس السنة1، وهو خاص بالاتفاقات الجنائية وهو يتصل بالصحافة من حيث منع نشر المرافعات في القضايا الجناية إذ اعتبر نشرها مضرًا بالأمن العام، ثم قرر الشارع المسئولية الجنائية على مديري الصحف ولو لم يتوافر فيهم القصد الجنائي، كما أضيف نص يعاقب على التهديد بالكتابة أو القول ولو لم يكن التهديد مقرونًا بطلب ما، بعد أن كان التشريع القديم لا يعاقب إلا إذا قرن التهديد بسلب المال.
وتتابعت الأحداث السياسية على البلاد بعد الحرب العظمى إلى أن انتهت بإعلان تصريح 28 فبراير 1922 الذي قرر انتهاء الحماية البريطانية واعترف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة، وتبع ذلك صدور الأمر الملكي رقم 42 لسنة 1923 بوضع نظام دستوري للدولة المصرية قرر في المادة الخامسة عشر من الباب الثاني الذي ينص على حقوق المصريين وواجباتهم أن الصحافة حرة في حدود القانون والرقابة على الصحف محظورة وإنذار الصحف أو وقفها أو إلغاؤها بالطريق الإداري محظور كذلك إلا إذا كان ذلك ضروريًّا للنظام الاجتماعي، وواضح أن هذا النص يقرر حرية الصحافة وهي أهم مظهر من مظاهر حرية الرأي التي كفلها الدستور، وهذه الحقوق تتقرر للصحافة المصرية للمرة الأولى، فلم يعترف لها تشريع سابق من التشريعات التي مرت بنا بحق الحرية أو الحماية ضد عسف الحكام ونزواتهم، بيد أن المشرع ما عتم أن استطرد في نهاية النص فأجاز الرقابة والإنذار والوقف
1 هو قانون رقم28 لسنة 1910 الصادر في 16 يونيه 1910.
والإلغاء بالطريق الإداري إذا كان ضروريًّا لوقاية النظام الاجتماعي، فكأن المشرع سلب باليسار ما أعطاه للصحافة باليمين.
وقد حاول أحمد ذو الفقار باشا وزير الحقانية وقتئذ أن يبرر الشطر الثاني من هذه المادة وهو يحدثنا عن مذكراته الخاصة بالدستور ففسر حماية النظام الاجتماعي بالبلشفية مثلًا، ونرى أنه كان في قانون العقوبات غنية عن هذا التذييل الذي زعزع المبادئ التي اشتمل عليها النص ورد الصحافة مرة أخرى إلى عهد السيطرة الفردية مما لا يجمل بعهد يجب أن يقف فيه الدستور حائلًا دون كل بطش أو إرهاب، والواقع أن هذا التذييل لم يكن من صنع لجنة الثلاثين التي وضعت نصوص الدستور، فقد جاء نص المادة الخامسة عشر كما صاغته هذه اللجنة خلوًا من كل قيد أو استثناء لمبدأ عدم جواز تعطيل أو وقف أو إلغاء الصحف بل تقرر هذا المبدأ للصحف بصفة مطلقة وغير معلق على شرط، ولكن أبت التعديلات التي أدخلت على مشروع لجنة الثلاثين إلا أن تتناول فيما تناولته هذا النص فاقتحمته بهذا التعقيب الذي نسخ مفعول النص ولواه عن قصده.
وقد يكون من واجب الحكومة المصرية تدبير الحماية الكافية للمباعدة بين المجتمع وبين الاتجاهات البلشفية أو غيرها، بيد أن وسيلة ذلك لا تكون في تمكين الحاكم من رقاب الصحف وإلا كان ذلك قتلًا لحرية الرأي وخنقًا لنشاط الفكر والقول، ولا ينبغي أن ننسى أن المشرع قد كفل للحكومة حقوقها جميعًا في قانون العقوبات بما يحمي النظام العام والكيان الاجتماعي، ويدرأ عن الدولة أخطار المذاهب التي تخافها الحكومة المصرية، وهنا يكون المهيمن على تطبيق الجزاء ضمير القاضي وهو على أية حال أمنع على الهوى من ضمير الحاكم، ومما تجدر ملاحظته أن جميع الدساتير الأوربية الحرة التي أخذ عنها الدستور المصري قد تجردت من هذا الاستثناء الذي تعلق به مشرعنا، ففي أوربا الديمقراطية تكتب الصحف ما تريد وتنشره ما يروقها من المبادئ والدعايات، ولا تستطيع يد الحكومة أن تبطش بها إلا إذا ساقتها
إلى ساحات المحاكم وثبت عليها خروجها على القانون والحدود المرسومة له، وما ذلك كله إلا مبالغة في حماية حرية الصحافة وعصمة لحرية الفكر من نزوات البطش والطغيان.
وقد صاحب صدور الدستور مشروع قانون المطبوعات الذي ظل مشروعًا من سنة 1923 إلى سنة 1931 وقضى هذا المشروع بأن يكون صدور الصحيفة خاضعًا لمبدأ الإخطار، وكان هذا الإخطار مقيدًا بفترة ثلاثين يومًا إذا انتهت دون معارضة من الحكومة ملك صاحب الإخطار إصدار الصحيفة دون إذن بذلك، وإذا عارضت الحكومة في صدور الصحيفة خلال الثلاثين يومًا التالية ليوم تقديم الإخطار رجع صاحب الإخطار إلى المحاكم يقاضي الحكومة ولو بالتعويض على الأقل، وفرض هذا المشروع شروطًا في رئيس التحرير ورؤساء أقسام التحرير في الصحافة العربية تتصل بكفايتهم العلمية وتجاربهم الصحفية وسنهم وألا تكون قد صدرت ضدهم أحكام مخلة بالشرف أو بالإفلاس أو بالفصل الإداري من وظيفة عامة أو الشطب من جداول المهن الحرة كما نص مشروع القانون على ضمانة مالية للجرائد اليومية تختلف بعض الشيء عن المجلات.
وبقي هذا المشروع معطلًا حتى جاء دستور 23 أكتوبر سنة 1930 فأثبت من جديد نص المادة الخامسة عشرة في دستور سنة 1923 بحذافيرها وما انطوت عليه من التذييل المعيب الذي أسلفنا ذكره، غير أنه لما كان روح الدستور يرمي إلى الضغط على الحريات العامة التي تقررت في دستور 1932 فقد لجأت الحكومة -برغم احتفاظ الدستور الجديد بنفس النص- إلى تعديل نصوص الباب الرابع عشر في قانون العقوبات الصادر في سنة 1904 وهو الباب الذي تناول العقاب على الجنح التي تقع بواسطة الصحف وغيرها من طرق النشر، وكذلك الباب السابع من الكتاب الثالث من القانون المذكور بشأن القذف والسب، وصدر بهذا التعديل مرسوم بقانون في 18 يونيه 1931 وقد عدل المشرع نصوص المواد من "148" إلى "168" كما أضاف إليها
بعض الأحكام الجديدة، وقد رمى المشرع بهذا التعديل إلى التشديد في العقاب المقرر للجنح القذف والسب الأمر الذي يعرض -في رأيه- الأنظمة السياسية للفساد ويخرج بها عن الغرض المقصود منها ويجعل حرية الصحافة ذاتها في خطر، وأنه بمقتضى هذا التعديل يمكن تعطيل الجريدة بالطريق الإداري ثم إحالتها إلى المحاكمة حتى لا تستطيع التعريض بالأسباب التي من أجلها أحيلت إلى القضاء، وهذا التدبير إنما اتخذ في التعديل الأخير ضمانًا لاحترام القضاء الجنائي.
والقانون الذي كان يحكم الصحافة قبل الثورة هو قانون المطبوعات رقم20 لسنة 1936، ولكي نتعرف على أهم القواعد التي اشتمل عليها هذا القانون لا بد أن نربط بينه وبين قانون آخر للمطبوعات وهو القانون رقم:"98 لسنة 1931"1 وأول ما يطالعنا في قانون سنة 1936 أنه ألغى ضرورة الحصول على ترخيص أو ضمانة مالية لفتح مطبعة كما كان يشترط قانون 1881 واكتفى بإخطار الحكومة ثم تقديم بعض النسخ من كل مطبوع قبل التوزيع وكذلك الحال فيما يختص بإصدار الجريدة فهو كقانون سنة 1931 وعلى خلاف قانون 1881 يكتفي بإخطار المحافظة أو المديرية مع تقديم بيانات خاصة عن أصحاب الجريدة أو محرريها أو ناشريها والمطبعة التي تطبع فيها وغير ذلك، كما تضمن بعض الإجراءات الخاصة بهذا الإخطار كحق صاحب الجريدة في إصدارها بعد شهر من يوم إخطار المحافظة أو المديرية ما لم تكن هناك معارضة من جانب السلطة المختصة في خلال هذا الشهر، وكاعتبار هذا الإخطار كأن لم يكن إذا لم تصدر الجريدة في ظرف الشهور الثلاثة التالية للإخطار، كما وضعت بعض الأحكام الأخرى التفصيلية التي لا تختلف في جوهرها عن قانون سنة 1931 وإن اختلف القانون في هذه البيانات التفصيلية أشد الاختلاف مع قانون سنة 1881 الذي كان ينص صراحة على ضرورة الحصول على الترخيص، ولم يكن يتضمن شيئًا عن نظام صدور الجريدة.
1 انظر قانون العقوبات "السعيد مصطفى السعيد".
وقد عدل قانون 1936 الشروط الواجب توافرها في رئيس التحرير أو رؤساء أقسام التحرير فرفع شرط عدم الحكم في جناية على إطلاق التعبير ونص على عدم الحكم في جناية عادية وأخرى جناية العيب في الذات الملكية؛ لأنها جناية سياسية ورفع شرط عدم الحكم مرتين في قذف وشرط عدم الفصل إداريًّا من وظيفة عامة وشرط الشطب من جدول مهنة حرة وعدم الجمع بين عضوية البرلمان والصحافة كما أن القانون أجاز ضمان الكفيل، ولم يفرض الكفالة النقدية التي تتراوح بين ثلاثمائة ومائة وخمسين جنيهًا والتي نص عليها قانون سنة 1931 وإنما ترك لطالب الترخيص ما يرتضيه من الوسيلتين.
وقد تضمن قانون سنة 1936 حكمًا مهمًّا وهو إلغاء النص الذي كان يقضي به قانون 1931 وهو حق إلغاء الجريدة أو إقفال المطبعة بالطريق الإداري وأصبح هذا المنع الإداري مقصورًا على المطبوعات الواردة من الخارج والتي من شأنها أن تسيء إلى النظام العام أو المطبوعات المثيرة للشهوات أو المطبوعات التي تتعرض للأديان أو ما يكدر السلم العام، ولا يكون هذا المنع على أية حال إلا بقرار من مجلس الوزراء، أما الجرائد التي تصدر في مصر بلغة أجنبية ولا يكون رئيس تحريرها أو محرروها المسئولون خاضعين لاختصاص المحاكم الأهلية فقد نص قانون 1936 على حق مجلس الوزراء في تعطيلها بعد إنذار يوجهه إليها وزير الداخلية أو بدون إنذار سابق، وقد ألغى هذا النص بعد توحيد قانون العقوبات.
وابتداء من 15 أكتوبر سنة 1937 وكأثر من آثار إلغاء الامتيازات الأجنبية أصبح قانون العقوبات الذي تطبقه المحاكم الأهلية هو عينه الذي تطبقه المحاكم المختلطة ولم يعد لدينا سوى قانون واحد للعقوبات وهو القانون رقم 58 لسنة "1937"1 الذي اعتمد في أساسه على قانون العقوبات الأهلي القديم، الصادر في سنة 1904 ومع ما لازمه على مر السنوات وتحت الظروف المختلفة
1 قانون العقوبات المصري الجديد: السعيد مصطفى السعيد.
من التعديلات والإضافات، ويهمنا من أمر هذا القانون الجديد أن المواد التي تعرضت منه للجرائم التي تقع بواسطة الصحف وغيرها من طرق النشر وهي الواردة تحت الباب الرابع عشر من الكتاب الثاني وكذلك المواد التي تعرضت للقذف والسب وإفشاء الأسرار وهي الواردة في الباب السابع من الكتاب الثالث أصبحت سارية المفعول على المصريين والأجانب وتطبع أمام المحاكم الأهلية والمختلطة على السواء.
وكان آخر ما اتصل بشئون التشريع الصحفي قانون نقابة الصحفيين وهي فكرة قديمة حاولها العاملون في الصحافة الفرنجية في مصر منذ خمسين سنة، وكانت فكرتهم تتميز بطابعها الأجنبي، فقد أرادوا منها قوة تعيش في ظل الامتيازات الأجنبية وتحول دون بطش الحكومة المصرية بهم، ثم وجدت نقابة مصرية في سنة 1920 بيد أنها مضت متعثرة يغلب فيها اعتبار أصحاب الصحف واعتبار الامتيازات الخاصة بهم دون التفكير في أرباب الأجور العاملين فيها1 وقد روعي هذا الروح في قانون "جماعة الصحافة" الذي صدر به مرسوم في سنة 1936 غير أن هذا القانون بقي معطلًا ولم يعمل به ولم تجرؤ حكومة من الحكومات المصرية على تعيين مجلس الإدارة الأول وظلت أمور الصحافة على شيء من الفوضى إلى أن صدر قانون "نقابة الصحفيين" وعمل به "سنة 1941"2.
ويشبه هذا القانون في كثير من النواحي أحدث نقابات الصحافة في العالم وأهم ما جاء في هذا القانون أنه خالف جميع المحاولات السابقة التي صدرت عن الجهود الخاصة أو التشريعات الحكومية فانتقل بنا من اعتبار الصحيفة وامتيازاتها إلى اعتبار وتقدير العاملين فيها وحقوقهم والتزاماتهم، فسمي جماعتهم "نقابة الصحفيين" وهو يجمع في الصحافة بين ملاك الصحف
1 ملخص مبادئ الصحافة العامة، ص110 - 111.
2 الوقائع المصرية في 3 أبريل 1941.
والمحريين فلا يجعل منهما طائفتين متنافرتين بل يعمل على تضامن عناصر الطائفة العاملة في الصحافة وتقرير قواعد مزاولتها في لون من ألوان الاحتراف ويسهر القانون على بيان العادات المرعية في أسمى معاني المهنة الصحفية بدل أن يترك أمرها فوضى من غير ضابط ولا وازع، وذلك أمر يدعم الصحافة ويؤكد تقاليدها، ثم يعني الشارع بعقد استخدام الصحفيين والتعويضات التي تستحق لهم عند فسخه فيحميهم من استبداد أصحاب الصحف وكذلك ينظم تسوية المنازعات التي تنشأ بين أعضاء النقابة أو بينهم وبين غيرهم، ثم ينشئ لهم صندوق ادخار يقي الأعضاء العوز والفاقة عند الكبر أو العجز عن العمل.
وقد مضت المادة الثالثة من قانون نقابة الصحفيين تحدد أغراض النقابة ومن أهمها العمل على صيانة أوضاع الصحفيين وتحديد حقوقهم وتنظيم علاقة الصحافة مع الحكومة والجمهور وسن القواعد المنظمة لمزاولة المهنة وبيان العادات المرعية فيها وتوقيع الجزاء على المخالفين لمبادئ مهنة الصحافة ولوائحها وعاداتها المرعية ثم العمل على تكريم الصحافة وإعلاء شأنها بين الجماعة المصرية كما فرض القانون على النقابة أن تبتعد عن المسائل السياسية والدينية.
وقرر القانون حقوقًا للصحفيين أهمها حصر لقب الصحفي في أعضاء النقابة وتوقيع العقاب على من يدعي هذا اللقب كما جاء ذلك في المادة الثانية والعشرين، وأعطى القانون أعضاء النقابة مزايا كثيرة قررتها المادة الثالثة والعشرين فذكرت أن "لأعضاء النقابة وحدهم حق الانتفاع بالمزايا والمنح التي تمنحها السلطات العامة بقصد تسهيل مزاولة المهنة كتذاكر الانتقال والمرور والشروط الخاصة فيما يتعلق بأعمال البريد والتلغرفات والتليفونات والسكك الحديدية وتعطي وزارة الداخلية تذكرة إثبات شخصية خاصة لجميع أعضاء النقابة" وذلك بجانب بعض المزايا الأخرى الحاصلة فعلًا وإن لم تنص المادة عليها كالامتياز الجمركي بجانب امتياز أجور البريد وهو امتياز قديم منذ سنة 1869، وتعتبر نقابة الصحفيين التي صدر بها القانون في سنة 1941
آخر مجهودات الحكومة في تنظيم مسائل الصحافة وعلاج مشاكلها، وهي على أية حال خطوة طيبة جدًّا في تحرير الصحافة من ربقة الفكرة الشائعة عنها بأنها مهنة لا تستأهل اهتمامًا أو تستوجب تقديرًا، كما أنها أظهرت المجهودات التي بذلت لتقرير حقوق الصحفي والعمل على صيانة كرامته.
وإذا كانت الحكومة قد رأت تكريمًا للصحافة واعترافًا بفضلها على جوانب الحياة المصرية أن تنشئ لها وللعاملين فيها نقابة تحفظ حقوقها وحقوقهم فإن ذلك وحده لا يكفي ما دامت الاتجاهات في بعض العهود يشوبها التضييق على حرية الصحافة حتى إن الدستور لم يكفل لها حياة حرة طلقة، ولا يستطيع المؤرخ أن يزعم أن الاتجاه نحو التيسير على الصحافة والعاملين فيها كان اتجاهًا مطلقًا ليس له حدود.