الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب آداب التخلي
القارئ: يستحب لمن أراد قضاء الحاجة أن يقول بسم الله.
الشيخ: أولاً يجب أن نعلم أن من نعمة الله عز وجل أن شرع لنا أذكارا عند الأكل والشرب وذلك في إدخالهما وعند التخلي منها وإخراجهما حتى يكون الإنسان على ذكر لله دائما والتخلي يعني التخلي من الأذى أو التخلي معناه الخروج إلى الخلاء وكانوا في الأول ليس عندهم كنف في البيوت وإذا أراد الإنسان أن يقضي حاجته خرج إلى الصحراء وقضى حاجته.
القارئ: لما روى علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل الخلاء أن يقول بسم الله) رواه ابن ماجه والترمذي، ويقول اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث لما روى أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال ذلك) متفق عليه وإذا خرج قال غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني.
الشيخ: الخُبْث الشر والخبائث الأنفس الشريرة جمع خبيثة فكأنه استعاذ من الشر وأهل الشر ومناسبة الاستعاذة واضحة لأنه سيدخل مأوى الشياطين وأهل الشر فإن الشياطين وأهل الشر من الجن يألفون هذه الأمكنة.
القارئ: لما روت عائشة قالت (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال غفرانك) رواه الخمسة إلا النسائي، وعن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الخلاء قال الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) رواه ابن ماجه.
الشيخ: لماذا يقول غفرانك عند الخروج أصح ما قيل فيها إن المناسبة أنه لما تخلى من الأذى الحسي وهو البول والغائط تذكر التخلي من الأذى المعنوي وهي الذنوب فقال غفرانك هذا أحسن ما قيل في التعليل.
السائل: ألا يقال إنه يستغفر لأنه سكت عن ذكر الله؟
الشيخ: ليس بصحيح وهذا قد قاله بعض العلماء لكننا نقول إنه إنما سكت بأمر الله فهو غير مذنب.
القارئ: ويقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج لأن اليسرى للأذى واليمنى لما سواه.
الشيخ: هذه قاعدة عندهم اليسرى للأذى واليمنى لما سواه فيشمل ما ليس بأذى ولا بإكرام فكله لليمنى.
القارئ: ويضع ما فيه ذكر الله أو قرآن صيانة له فإن كان ذلك دراهم فقال أحمد رضي الله عنه أرجو أن لا يكون به بأس قال والخاتم فيه اسم الله تعالى يجعله في بطن كفه ويدخل الخلاء.
السائل: بالنسبة للدخول والخروج في الخلاء إذا كان في صحراء فماذا يعمل؟
الشيخ: إذا كان في صحراء يقدم رجله اليسرى لمكان قعوده وإذا قام يقدم رجله اليمنى ويقول الذكر وهو واقف قبل أن يجلس.
مسألة: الراجح فيما سبق كما قال المؤلف إنه لا يدخل فيها الخلاء إلا إذا كان لحاجة مثل أن يخاف أن تطير في الهواء أو أن ينساها أو أن تسرق فهذه يدخل بها الخلاء وأما الخاتم فيفركه حتى يكون في باطن الكف ويقول هكذا عليه يضم والتعليل تكريما لما فيه ذكر الله وأما المصحف فيحرم الدخول فيه إلا إذا خاف عليه لأن المصحف أشد احتراما مما فيه الذكر
فصل
القارئ: وإن كان في الفضاء أبعد لما روى جابر قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد) ويستتر عن العيون لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أتى الغائط فليستتر فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستدبره).
مسألة: الحمامات الحديثة تأخذ حكم الكنيف السابق.
القارئ: ويرتاد لبوله مكانا رخوا لئلا يترشش عليه ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه كان إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض) أخرج هذه الأحاديث الثلاثة أبو داود ويبول قاعدا لأنه أستر له وأبعد من أن يترشش عليه
الشيخ: وإن بال قائما فلا حرج لكن بشرطين الشرط الأول أن يأمن التلويث والشرط الثاني أن يأمن الناظر يعني أنه ليس حوله من يحرم عليه نظر عورته فإذا أمن من الناظر الذي لا يحل له أن ينظر إلى عورته وأمن من الرشاش فلا بأس لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما.
فصل
القارئ: ولا يجوز استقبال القبلة في الفضاء بغائط ولا بول لما روى أبو أيوب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا قال أبو أيوب فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله) متفق عليه وفي استدبارها روايتان إحداهما لا يجوز لهذا الحديث والأخرى يجوز لما روى ابن عمر قال (رقيت يوما على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم جالسا على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة) متفق عليه، وفي استقبالها في البنيان روايتان إحداهما لا يجوز لعموم النهي والثانية يجوز لما روى عراك بن مالك عن عائشة قالت (ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم أن قوما يكرهون استقبال القبلة بفروجهم فقال أوقد فعلوها استقبلوا بمقعدتي القبلة) رواه الإمام أحمد وابن ماجه قال أحمد أحسن حديث يروى في الرخصة حديث عراك وإن كان مرسلا فإن مخرجه حسن سماه مرسلا لأن عراكا لم يسمع من عائشة وعن مروان الأصفر أنه قال (أناخ ابن عمر بعيره مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليه فقلت يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا قال بلى إنما نهي عن هذا في الفضاء أما إذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس) رواه أبو داود.
الشيخ: والصحيح في هذا أنه يحرم استقبال القبلة مطلقا في الفضاء والبنيان ويحرم استدبارها في الفضاء دون البنيان لأن هذا مقتضى الأحاديث الصحيحة التي في الصحيحين
السائل: لو كانت دورات المياه على جهة القبلة لكن ليست مستقبلة القبلة تماماً بل منحرفة عن القبلة قليلاً أما الجهة فواحدة؟
الشيخ: هذا يكون كما قال أبو أيوب ننحرف عنها ونستغفر الله والأحسن أن يغير الكرسي كرسي الجلوس.
مسألة: معنى مقعدته يعني التي بنيت والتي يقعد عليها لقضاء الحاجة.
القارئ: ويكره أن يستقبل الشمس والقمر تكريما لهما وأن يستقبل الريح لئلا يرد البول عليه
الشيخ: والصحيح أنه لا يكره استقبال الشمس والقمر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ولكن شرقوا أو غربوا) ومن المعلوم أن الإنسان إذا شرق عند طلوع الشمس سوف يستقبل الشمس وإذا غرب عند غروبها سوف يستقبلها وأما قوله تكريما لهما ففيه نظر أيضا لأن كل المخلوقات تستحق التكريم لأنها من صنع الله ومع ذلك لا أحد يقول بأنه يكره أن يستقبل الشجرة أو النخلة أو النهر أو ما أشبه ذلك المهم
أن الصواب أنه لا يكره استقبال الشمس والقمر والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم (ولكن شرقوا أو غربوا).
السائل: ما الفرق بين الاستدبار والاستقبال في البنيان؟
الشيخ: الاستدبار أهون لأن الاستدبار لا تتبين به العورة كثيرا تكون مستورة بطرف الإزار أو بطرف القميص وأما الاستقبال فالعورة مفتوحة ظاهره لأن الإنسان سوف يكشف من عورته إلى العانة مثلا فلابد أن ينكشف شيء كبير منها.
فصل
القارئ: ويكره أن يبول في شق أو ثقب لما روى عبد الله بن سرجس أن النبي صلى الله عليه وسلم ((نهى أن يبال في الجحر) رواه أبو داود ولأنه لا يأمن أن يكون مسكنا للجن أو يكون فيه دابة تلسعه ويكره البول في طريق أو ظل ينتفع به أو مورد ماء لما روى معاذ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اتقوا الملاعن الثلاث البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل) رواه أبو داود ويكره البول في موضع تسقط فيه الثمرة لئلا تتنجس به والبول في المغتسل لما روى عبد الله بن مغفل قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول الرجل في مغتسله) رواه ابن ماجه قال أحمد إن صب الماء عليه فجرى في البالوعة فذهب فلا بأس.
فصل
القارئ: يكره أن يتكلم على البول أو يسلم أو يذكر الله تعالى بلسانه لأن النبي صلى الله عليه وسلم (سلَّمَ عليه رجل وهو يبول فلم يرد عليه حتى توضأ ثم قال كرهت أن أذكر الله إلا على طهر) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه ويكره الإطالة أكثر من الحاجة لأنه يقال إن ذلك يدمي الكبد ويأخذ منه الباسور ويتوكأ في جلوسه على الرجل اليسرى لما روى سراقة بن مالك قال (علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتينا الخلاء أن نتوكأ على اليسرى وننصب اليمنى) رواه الطبراني في معجمه ولأنه أسهل لخروج الخارج ويتنحنح ليخرج ما تم ثم يسلت من أصل ذكره فيما بين المخرجين ثم ينتره برفق ثلاثا فإذا أراد الاستنجاء تحول من موضعه لئلا يرش على نفسه.
الشيخ: قوله ثم يتنحنح يعني إذا انتهى من البول تنحنح وهذا لكي يخرج إن كان فيه شيء ثم يسلت من أصل ذكره فيما بين المخرجين يسلته يعني يضع إبهامه تحته ثم يمر به إلى طرف الذكر وهذا أيضا لأجل أن يخرج ما بقي في القنوات والثالث ثم ينتره والنتر ليس باليد أي نفس الذكر ينتره يعني كأنه يجذب أعصابه حتى يخرج ما فيه ولكن حبر زمانه شيخ الإسلام ابن تيمية أبى هذا أشد الإباء وقال إن التنحنح والنتر والسلت كلها بدعة وأن ذلك أيضا سبب لسلس البول ويقال إن الذكر كالضرع إن تركته قر وإن حلبته در وهذا صحيح ولقد ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان العجب العجاب عن هؤلاء الموسوسين يقول بعضهم لابد أن تربط حبلا في السقف ثم إذا انتهيت من البول تمسك به وتنهض بنفسك وتنسله لأجل أن ينزل ما بقي وبعضهم يقول لابد أن تركض مسافة حتى ينزل البول وبعضهم يقول تهز نفسك هزا شيء عجيب وسبحان الله العظيم لو كلفنا الله هذا الشيء لكان من أعظم المشقة والإنسان المشروع له إذا انتهى من البول أن يغسل رأس الذكر فقط وينتهي ولا حاجة إلى عصر ولا إلى نتر ولا إلى شيء يؤذيك والمؤلف رحمه الله يقول يتحول عن موضعه والتحول عن الموضع أيضا غير سنة بل يستنجي في موضعه ولا حاجة للتحول وهو إذا تحول فإما أن يمسك ذكره بيده فتتلوث اليد وإما أن يطلقه فتتلوث الثياب والأفخاذ فكونه يستنجي في مكان بوله ويتحرز من النجاسة هذا الأفضل.
السائل: بعض الناس إذا غسل ذكره يخرج منه بعد قليل قطرات من البول؟
الشيخ: هذا مرض وليس بشيء طبيعي فيترك ذكره وإن سلته سلتاً رقيقاً فلا بأس.
فصل
القارئ: والاستنجاء واجب من كل خارج من السبيل معتادا كان أو نادرا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المذي (يغسل ذكره ويتوضأ) وقال (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه) رواه أبو داود عن ابن أبي أوفى عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأن المعتاد نجاسة لا مشقة في إزالتها فلم تصح الصلاة معها كالكثير والنادر لا يخلو من رطوبة تصحبه غالبا ولا يجب من الريح لأنها ليست نجسة ولا يصحبها نجاسة وقد روي (من استنجى من الريح فليس منا) رواه الطبراني في المعجم الصغير
الشيخ: قوله لا يجب من الريح لأنها ليست نجسة وهو كذلك والفائدة من قولنا أنها ليست بنجسة أنه لو خرجت الريح وعليه ثوب مبلول بماء فإنه لا يتنجس بملاقاتها ولو لاقى نجاسة يابسة وهو مبلول بالماء لتنجس فهذا فائدة قولنا إنها طاهرة ولكن أحيانا يخرج مع الريح شيء فإذا خرج مع الريح شيء فحينئذ يجب الاستنجاء لهذا الخارج.
فصل
القارئ: وإن تعدت النجاسة المخرج بما لم تجر العادة به كالصفحتين ومعظم الحشفة لم يجزه إلا الماء لأن ذلك نادر فلم يجز فيه المسح كيده وإن لم يتجاوز قدر العادة جاز بالماء والحجر نادرا كان أو معتادا لحديث ابن أبي أوفى ولأن النادر خارج يوجب الاستنجاء أشبه المعتاد.
الشيخ: هذه المسألة إذا تعدت النجاسة موضع العادة فالصحيح فيها أنها إذا كانت التعدية يسيرة فلا بأس لأن هذا كثيرا ما يقع خصوصا إذا كان الغائط لينا فإنه قد ينتشر إلى الصفحتين كثيرا فيكون هذا تابعا لا يضر أما لو انتقلت النجاسة مثلا من رأس الذكر إلى الفخذ فإن النجاسة التي انتقلت إلى الفخذ لابد فيها من الغسل بالماء فلا يجزي فيها الاستجمار.
مسألة: الاستنجاء عندهم يطلق على الاستنجاء والاستجمار معا وإذا جمع بينهما يكون الاستجمار خاص بالحجارة والاستنجاء بالماء
السائل: أليست النجاسة عين خبيثة إذا وجدت وجد حكمها وإذا زالت زال حكمها فلو أزيلت النجاسة بالحجارة أو غيرها عن الفخذ مثلا ستزول ويزول حكمها معها.
الشيخ: لا يزول حكمها معها لأن الحجارة لا تزيل ما يزيله الماء فمثلاً الحجارة إذا كانت النجاسة على الثوب أو على البدن لا تزيل ما يزيله الماء ولهذا بعض العلماء يقول إنما جاز الاستجمار في الخارج من السبيلين لمشقة تكرره.
القارئ: والأفضل الجمع بين الماء والحجر يبدأ بالحجر لأن عائشة قالت (مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة الماء من أثر الغائط والبول فإني استحييهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله) حديث صحيح ولأنه أبلغ في الإنقاء وأنظف ولأن الحجر يزيل عين النجاسة فلا تباشرها يده فإن اقتصر على أحدهما جاز والماء أفضل لأن أنسا قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج لحاجته أجيء أنا وغلام معنا إداوة من ماء يعني يستنجي به) متفق عليه ولأنه يزيل عين النجاسة وأثرها ويطهر المحل وإن اقتصر على الحجر أجزأ بشرطين أحدهما الإنقاء وهو أن لا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء بحيث يخرج الآخِر نقيا والثاني استيفاء ثلاثة أحجار لقول سلمان رضي الله عنه (لقد نهانا يعني النبي صلى الله عليه وسلم أن نستنجي باليمين وأن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار وأن نستنجي برجيع أو عظم) رواه مسلم وإن كان الحجر كبيرا فمسح بجوانبه ثلاث مسحات أجزأه ذكره الخرقي لأن المقصود عدد المسحات دون عدد الأحجار بدليل أنا لم نقتصر على الأحجار بل عديناه إلى ما في معناه من الخشب والخرق وقال أبو بكر لا يجزئه اتباعا للفظ الحديث وقال لا يجزئه الاستجمار بغير الأحجار لأن الأمر ورد بها على الخصوص ولا يصح لأن في سياقه (وأن نستنجي برجيع أو عظم) فيدل على أنه أراد الحجر وما في معناه ولولا ذلك لم يخص هذين بالنهي وروى طاووس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (فليستطب بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد أو ثلاث حثيات من تراب) رواه
الدارقطني ولأنه نص على الأحجار لمعنى معقول فيتعداها الحكم كنصه على الغضب في منع القضاء.
الشيخ: نفهم من كلام المؤلف أن للاستجمار بغير الماء شرطين:
الشرط الأول الإنقاء والحقيقة أن الإنقاء شرط للاستجمار والاستنجاء حتى الاستنجاء لابد أن يكون فيه إنقاء والإنقاء في الاستنجاء أن يزول أثر النجاسة بحيث تعود خشونة المحل كما كانت لأن المحل المتلوث بنجاسة لا يكون خشناً بل يكون لزجا يتملص فإذا زال هذا اللزج وعاد المحل إلى خشونته فقد حصل الإنقاء أما الإنقاء بالحجر فقالوا إنه يحصل بحيث ألا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء يعني بحيث لا يزيل ما بقي إلا الماء وهذا التعريف فيه غموض ولكن معناه أن يرجع آخر الأحجار غير متلوث بنجاسة يخرج نقيا فإذا خرج آخر الأحجار نقيا علمنا أنه قد طهر المحل.
الشرط الثاني أن يكون بثلاثة أحجار وعبر بعضهم بأن يكون بثلاث مسحات فأكثر فأما الأول فقال إنه لا يجزئ بحجر ذي شعب بل لابد من ثلاثة أحجار يمسح بحجر ثم يضعه ثم يمسح بحجر ثانٍ ويضعه ثم يمسح بالحجر الثالث.
ومنهم من قال يجزئ بحجر ذي ثلاث شعب لأن المقصود المسح وهو حاصل بحجر له ثلاثة وجوه يمسح بالوجه الأول ثم يديره ويمسح بالوجه الثاني ثم يديره ويمسح بالوجه الثالث وهذا لا شك أنه أقرب إلى المعنى خصوصا عند القياسيين والأول أقرب إلى اللفظ خصوصا عند الظاهريين الذين يأخذون بالظاهر والصواب الأخذ بالمعنى وأن الحجر ذا الشعب الثلاث يجزي عن ثلاثة أحجار واستدل المؤلف رحمه الله بهذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (فليستطب بثلاثة أحجار أو ثلاث حثيات).
السائل: قلنا إن القول الراجح أن النجاسة تزول بأي مزيل فلماذا إذا جاءت النجاسة على الفخذ لاتزول بالحجارة؟
الشيخ: الفرق لأن البدن ما يحصل الإنقاء بالحجر ولهذا قلنا أن يبقى أثر لا يزيله إلا الماء في باب الاستجمار وهنا لو مسحت بالحجر سيبقى أثر لا يزول إلا بالماء.
مسألة: الأفضل أن تستجمر أولا حتى تنقي ثم تستنجي ثانيا لأن الجمع بينهما أنقى بلا شك.
فصل
القارئ: ويجوز الاستجمار بكل جامد طاهر منق غير مطعوم لا حرمة له ولا متصل بحيوان فيدخل فيه الحجر وما قام مقامه من الخشب والخرق والتراب ويخرج منه المائع لأنه يتنجس بإصابة النجاسة فيزيد المحل تنجسا ويخرج النجس لأن النبي صلى الله عليه وسلم (ألقى الروثة وقال إنها ركس) رواه البخاري ولأنه يكسب المحل نجاسة فإن استجمر به والمحل رطب لم يجزه
الاستجمار بعده لأن المحل صار نجسا بنجاسة واردة عليه فلزم غسله كما لو تنجس بذلك في حال طهارته ويخرج ما لا ينقي كالزجاج والفحم الرخو لأن الإنقاء شرط ولا يحصل به ويخرج المطعومات والروث والرمة، وإن كانا طاهرين لما روى ابن مسعود (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تستنجوا بالروث ولا بالعظام فإنه زاد إخوانكم من الجن) رواه مسلم علل النهي بكونه زادا للجن فزادنا أولى ويخرج ماله حرمة كالورق المكتوب لأن له حرمة أشبه المطعوم ويخرج منه ما يتصل بحيوان كيده وذنب بهيمة وصوفها المتصل بها لأنه ذو حرمة فأشبه سائر أعضائها وإن استجمر بما نهي عنه لم يصح لأن الاستجمار رخصة فلا تستباح بالمحرم كسائر الرخص.
الشيخ: اشترط المؤلف الاستجمار بكل جامد خرج به المائع والرطب وما أشبه ذلك فإنه لا يصح الاستجمار به لأنه لا يزيد المحل إلا تلويثا، والثاني يقول طاهر بخلاف النجس كروثة الحمار فلا يستجمر بها، والثالث منق بخلاف ما لا ينقي كالزجاج والحجر الأملس جدا فإن هذا لا ينقي، والرابع غير مطعوم فإن كان مطعوما فإنه لا يجزئ الاستجمار به بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن نستنجي بالعظام لأنها زاد إخوانا من الجن فزادنا من باب أولى، والخامس ولا حرمة له احترازاً مما له حرمة ككتب العلم والحديث وما أشبه ذلك فإنه لا يجوز الاستجمار بها لما في ذلك من الإهانة، والسادس ولا متصل بحيوان وظاهره ولو كان في حكم المنفصل كالشعر فلا يجزئ الاستجمار به لأنه متصل بذي حرمة فكان محترما وقال بعض العلماء يجزئ بشعر الحيوان المتصل به لأن الشعر في حكم المنفصل ولأن الإنسان قد يضطر إلى ذلك وإلا مع عدم الضرورة لن يفعله أحد.
السائل: هل التراب يدخل في هذا؟
الشيخ: يدخل في هذا لأنه جامد طاهر منقي لا مطعوم ولا حرمة له ولا متصل بحيوان.
القارئ: ولا يستجمر بيمينه ولا يستعين بها فيه لحديث سلمان وروى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه ولا يتمسح من الخلاء بيمينه) متفق عليه فيأخذ ذكره بيساره ويمسح بها الحجر أو الأرض فإن كان الحجر صغيرا أمسكه بعقبه أو بإبهامي قدميه فمسح عليه فإن لم يمكنه أخذ الحجر بيمينه والذكر بيساره فمسحه على الحجر، ولا يكره الاستعانة باليمين في الماء لأن الحاجة داعية إليها فإن استجمر بيمينه أجزأه لأن الاستجمار بالحجر لا باليد فلم يقع النهي على ما يستنجى به.
فصل
القارئ: وكيف حصل الإنقاء في الاستجمار أجزأه إلا أن المستحب أن يمر حجرا من مقدم صفحته اليمنى إلى مؤخرها ثم يمره على صفحته اليسرى حتى يرجع به إلى الموضع الذي بدأ منه ثم يمر الثاني من مقدم صفحته اليسرى كذلك ثم يمر الثالث على المسربة والصفحتين لما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أولا يجد أحدكم حجرين للصفحتين وحجرا للمسربة) رواه الدارقطني وقال إسناده حسن ويبدأ بالقبل لينظفه لئلا تتنجس يده عند الاستجمار في الدبر والمرأة مخيرة في البداءة بأيهما شاءت لعدم ذلك فيها.
الشيخ: إذاً الذكر يبدأ بالقبل لأنه لو بدأ بالدبر لتلوثت يده أما الأنثى فإنها مخيرة ولا سيما إذا كانت ثيبا فإنها تكون مخيرة بين أن تبدأ بالقبل أو الدبر أما إن كانت بكرا فالأفضل أن تبدأ بالقبل
السائل: الاستجمار بشيء نهي عنه هل يصح؟
الشيخ: المذهب إنه لا يصح والصحيح أن الاستجمار بما نهي عنه يصح مع التحريم ولكن قال بعض العلماء إن قول الرسول إنهما لا يطهران يدل على أن النجس لا يطهر لأن الاستنجاء به لا يزيد الأمر إلا شدة بخلاف المغصوب والمسروق فإنه يجزئ مع التحريم.
السائل: والمحترم هل يجزئ؟
الشيخ: المحترم يجزئ مع التحريم بخلاف النجس فالنجس لا يطهر وكذلك المطعوم لكن التحريم يغلظ فيها.
فصل
القارئ: فإن توضأ قبل الاستنجاء ففيه روايتان إحداهما لا يجزئه لأنها طهارة يبطلها الحدث فاشترط تقديم الاستنجاء عليها كالتيمم والثانية يصح لأنها نجاسة فلم يشترط تقديم إزالتها كالتي على ساقه فعلى هذه الرواية إن قدم التيمم على الاستجمار ففيه وجهان أحدهما يصح قياسا على الوضوء والثاني لا يصح لأنه لا يرفع الحدث وإنما تستباح به الصلاة فلا تباح مع قيام المانع وإن تيمم وعلى بدنه نجاسة في غير الفرج ففيه وجهان أحدهما لا يصح قياسا على نجاسة الفرج والثاني يصح لأنها نجاسة لم توجب التيمم فلم تمنع صحته كالتي على ثوبه.