الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ: إذا استمر فالظاهر أننا نقيده بالشهر ثم إذا تجدد أو تطور إلى أكثر نعيد القنوت.
السائل: إذا دعا الإمام في الصلاة لنفسه هل يؤمَّن على دعائه؟
الشيخ: ورد في الحديث أن الإمام إذا خص نفسه في الدعاء فقد خان المأمومين هذه خيانة وهذه والله أعلم هي الحكمة من أن الله سبحانه وتعالى جعل الفاتحة بصيغة التعظيم أو بصيغة الجمع (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) ولم يقل إياك أعبد مع أن القارئ واحد لأن الله تعالى يعلم أن هذه السورة ستقرأ لأناس متعددين ولهذا تقول (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) بالجمع لكن في الدعاء الآخر الذي يسر به يقول الإنسان أعوذ بالله من عذاب جهنم ولا يقول نعوذ بالله لأن هذا دعاء له وذاك دعاء للجميع.
باب
صلاة التطوع
القارئ: وهي أفضل تطوع البدن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (وأعلموا أن من خير أعمالكم الصلاة) رواه ابن ماجة ولأن فرضها آكد الفروض وتطوعها آكد التطوع وهي تنقسم أربعة أقسام:
أحدها السنن الرواتب وهي ثلاثة أنواع النوع الأول الرواتب مع الفرائض وآكدها عشر ركعات ذكرها ابن عمر قال حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب في بيته وركعتين بعد العشاء في بيته وركعتين قبل الصبح كانت ساعة لا يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيها أحد حدثتني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين متفق عليه.
وآكدها ركعة الفجر قالت عائشة رضي الله عنها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن على شيء من النوافل أشد معاهدة منه على ركعتي الفجر وقال (ركعتا الفجر أحب إلي من الدنيا وما فيها) رواهما مسلم وقال (صلوهما ولو طردتكم الخيل) رواه أبو داود ويستحب له تخفيفهما لقول عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر فيخفف حتى إني لأقول هل قرأ فيهما بفاتحة الكتاب؟! متفق عليه ويقرأ فيهما وفي ركعتي المغرب (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) قال أبو هريرة رضي الله عنه إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في ركعتي الفجر (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) رواه مسلم وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان يقرأ في الركعتين بعد المغرب (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) رواه ابن ماجه، ويستحب ركوعهن في البيت لحديث ابن عمر ولما روى رافع بن خديج قال أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني عبد الأشهل فصلى المغرب في مسجدنا ثم قال (اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم) رواه ابن ماجة قال أحمد ليس هاهنا شيء آكد من الركعتين بعد المغرب يعني فعلهما في البيت.
الشيخ: هذا الباب فيه مسائل:
المسألة الأولى التطوع بالصلاة والتطوع بالصلاة من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده لأنه لولا أن الله شرع ذلك لكان فعلهما بدعة وضلالة لكن من نعمة الله سبحانه وتعالى أن شرع لعباده التطوع في العبادات وما هي الفائدة من هذا التطوع؟ الفائدة التعبد لله عز وجل ثم تكميل الفرائض لأن الفرائض لا تكاد تخلو من نقص لكن النوافل ترقع بها الفرائض تأتي يوم القيامة والفرائض التي أتيتها ناقصة فيكملها الله عز وجل بالتطوع ولهذا لا تجب فريضة من فرائض الإسلام إلا ولها تطوع فالصلاة لها تطوع والزكاة لها تطوع الصدقة والصيام له تطوع والحج له تطوع والجهاد له تطوع كل هذا من أجل أن تكمل الفرائض بهذه النوافل.
المسألة الثانية ما هو أفضل ما يتطوع به من تطوعات البدن؟ المؤلف يقول في حسب نسخكم أن أفضل ما يتطوع به الصلاة وفي نسختي: وهي من أفضل تطوع البدن ومن تدل على التبعيض ونسختي أصح لأن التطوع بالجهاد أفضل من التطوع بالصلاة فهي من أفضل وليست أفضل وأما قياس المؤلف رحمه الله قياس نافلة الصلاة على فريضتها بأن فريضة الصلاة هي أوكد أعمال البدن فكانت نافلتها أوكد ففيه نظر لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في الإسلام (إن ذروة سنامه الجهاد في سييل الله) ثم هناك شيء آخر أفضل من الجهاد في سبيل الله وهو العلم تعلم العلم الشرعي أفضل لمن كان أهلاً للتعلم من الجهاد في سبيل الله لأن حاجة الناس إلى العلم حاجة ملحة كل إنسان يحتاج إلى العلم والأمة الإسلامية محتاجة إلى العلم في داخلها وفي خارجها وفي نفسها ومع الناس فضرورة الناس إلى العلم الشرعي أشد من ضرورتهم إلى الجهاد بل إن المجاهدين يحتاجون إلى العلم الشرعي كيف يسير المجاهد وكيف يعمل إلا على حسب ما تقتضيه الشريعة ولا يمكن أن يصل إلى ما تقتضيه الشريعة إلا بتعلم العلم ولهذا قال الله عز وجل (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) يعني لا يمكن أن ينفروا كافة إلى الجهاد (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) قال الإمام أحمد العلم لا يعدله شيء.
المسألة الثالثة السنن تنقسم كما قال المؤلف إلى أنواع الرواتب مع الفرائض الرواتب مع الفرائض يعني أنها تابعة لها ولا ينبغي الإخلال بها وتقضى كما تقضى الفرائض حتى لو فاتتك الفريضة وخرج وقتها فاقضِ راتبتها معها وذكر المؤلف أنها عشرة والصحيح أنها اثنتا عشرة لحديث عائشة رضي الله عنها قالت (كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يدع أربعاً قبل الظهر) وفي حديث ابن عمر (ركعتان بعدها) ستكون رواتب الظهر ست ركعات والمغرب ركعتان والعشاء ركعتان والفجر ركعتان.
المسألة الرابعة أن الأفضل في هذه الرواتب كلها أن تكون في البيت ويتأكد ذلك في ركعتي المغرب وإنما قلنا أن الأفضل أن تكون في البيت لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) وهذا عام ولأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي الراتبة في بيته فتكون السنة القولية والفعلية دالة على أن الأفضل أن يتطوع الإنسان في بيته اقتداءً بالرسول عليه الصلاة والسلام.
المسألة الخامسة السنة في ركعتي الفجر أن يخففهما ولا يطولهما حتى كانت عائشة أم المؤمنين تقول حتى إني أقول أقرأ بفاتحة الكتاب من شدة التخفيف وعلى هذا فلو قال الإنسان أنا أحب أن أطيل في ركعتي الفجر أي في السنة لأتمكن من الدعاء وزيادة التسبيح قلنا خطأ التخفيف أفضل من التطويل مع أن التطويل عبادة لكن السنة أولى بالاتباع وبهذا نعرف أن حقيقة الاتباع موافقة الأمر لا الزيادة فالعبرة بالكيفية لا بالكمية إلا إذا جاءت السنة بطلب الزيادة فهذا شيء آخر.
المسألة السادسة يقرأ في ركعتي الفجر بـ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وإنما استحب ذلك لافتتاح صلاة النهار بالإخلاص لأن أول صلاة النهار الفجر وراتبتها تابعة لها فيقرأ بها بسورتي الإخلاص (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) الأولى فيها توحيد الطلب والثانية فيها توحيد الخبر أو يقرأ بدلاً عنهما (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ) إلى آخر الآية في سورة البقرة وفي الركعة الثانية (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً) في سورة آل عمران.
القارئ: ويستحب المحافظة على أربع قبل الظهر وأربع بعدها لما روت أم حبيبة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار) وقال الترمذي هذا حديث صحيح وعلى أربع قبل العصر لما روى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (رحم الله امرءً صلى قبل العصر أربعا) رواه أبو داود وعلى ست بعد المغرب لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صلى بعد المغرب ستاً لم يتكلم بينهن بسوء عدلن له عبادة ثنتي عشرة سنة) رواه الترمذي وعلى أربع بعد العشاء لقول عائشة رضي الله عنها ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء قط إلا صلى أربع ركعات أو ست ركعات رواه أبو داود.
الشيخ: هذه الأحاديث في صحتها نظر تحتاج إلى تحرير ثم إن قول المؤلف رحمه الله تستحب المحافظة على أربع قبل الظهر مع أن بعض الأحاديث التي ساقها ليس فيها ذكر المحافظة المحافظة لم ترد إلا في الحديث الأول حديث أم حبيبة أما التي بعدها ففيها مطلق الصلاة (رحم الله امرءاً صلى قبل العصر أربعاً)(من صلى بعد المغرب ستاً)، (ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء قط إلا صلى أربع ركعات) هذا يفهم منه المحافظة فالأول والأخير الأول المحافظة فيه صريح والأخير باللازم ومع ذلك تحتاج إلى تحرير لكن هذه السنن إذا صحت أحاديثها فإنها ليست رواتب الرواتب التي تكون شبه ملازمة للفرائض هي إما عشر على حديث ابن عمر وإما اثنى عشر على حديث عائشة لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدع أربعاً قبل الظهر.
فصل
القارئ: النوع الثاني الوتر وهو سنة مؤكدة لمداومة النبي صلى الله عليه وسلم في حضره وسفره وروى أبو أيوب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الوتر حق فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل) رواه أبو داود وحكي عن أبي بكر أنه واجب لذلك والصحيح أنه ليس بواجب لأنه يصلى على الراحلة من غير ضرورة ولا يجوز ذلك في واجب.
الشيخ: هذه الفقرة فيها بيان حكم الوتر وأنه سنة مؤكدة لا ينبغي تركه وقد اختلف العلماء في وجوبه على ثلاثة أقوال:
القول الأول الوجوب مطلقا.
والثاني عدم الوجوب مطلقا.
والثالث الوجوب لمن كان له ورد من الليل لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خاطب أهل القرآن فقال (يا أهل القرآن أوتروا) وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال وهو بعض قول من يوجبه مطلقا والأظهر أنه لا يجب مطلقاً ويدل لذلك حديث الأعرابي الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام لما سأله هل علي غيرها يعني الصلوات الخمس قال (لا إلا أن تطوع) ويدل لذلك أيضاً ما ذكره المؤلف رحمه الله أنه يصلى على الراحلة بدون ضرورة ولو كان واجباً لم يصل على الراحلة إلا لضرورة ولأن الصحابة رضي الله عنهم حكوا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يوتر على راحلته وقالوا غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة فإذا أخذنا بعموم المكتوبة ولم نقل إن أل للعهد الذهني صار دليلاً واضحاً على أنه ليس من المكتوبات على كل حال القول الراجح أنه ليس بواجب لا على أهل القرآن ولا على غيرهم لكنه سنة مؤكدة.
السائل: هل السنن الرواتب تصلى في السفر؟
الشيخ: راتبة الظهر والمغرب والعشاء لا تصلى وما عدا ذلك من النوافل يصلي ما دام مسافراً إذا حكمنا بأنه مسافر لكن لا يُحرم من صلاة التطوع المطلق.
السائل: هل هذا القول صحيح (أن السنة ترك السنة في سفر)؟
الشيخ: لا ليس صحيحاً، الصحيح من السنة أن لا يصلي الراتبة في الظهر والمغرب والعشاء.
القارئ: والكلام فيه في ثلاثة أشياء وقته وعدده وقنوته.
أما وقته فمن صلاة العشاء إلى الصبح لما روى أبو بصرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح الوتر) رواه الإمام أحمد وقال النبي صلى الله عليه وسلم (فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة) متفق عليه.
والأفضل فعله سحراً لقول عائشة رضي الله عنها من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتهى وتره إلى السحر متفق عليه فمن كان له تهجد جعل الوتر بعده ومن خشي أن لا يقوم أوتر قبل أن ينام لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر من أوله ومن طمع أن يقوم من آخره فليوتر من آخر الليل فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل) رواه مسلم.
فمن أوتر قبل النوم ثم قام إلى التهجد لم ينقض وتره وصلى شفعاً حتى يصبح لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لا وتران في ليلة) وهذا حديث حسن ومن أحب تأخير الوتر فصلى مع الإمام التراويح والوتر قام إذا سلم الإمام فضم إلى الوتر ركعة أخرى لتكون شفعا ومن فاته الوتر حتى يصبح صلاه قبل الفجر لما ذكرنا متقدما.
الشيخ: نعم هذا وقته من صلاة العشاء ولو مجموعة إلى المغرب جمع تقديم إلى صلاة الصبح لقوله عليه الصلاة والسلام (إن الله زادكم صلاة فصلوها ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح) وظاهر كلام المؤلف أنه يصح الوتر بعد أذان الفجر إلى صلاة الفجر لأنه قال إلى صلاة الصبح ولكن الصحيح أنه ينتهي بطلوع الفجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (اجعلوا آخر صلاتكم في الليل وترا) فجعله من صلاة الليل ولقوله (إذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت ما صلى) فيحمل الحديث وهو قوله (ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح) أي إلى وقت صلاة الصبح وعلى هذا فالمسألة التي فرعها المؤلف على هذا وهو قوله من فاته الوتر حتى يصبح صلاه قبل الفجر لما ذكرناه متقدماً يكون ضعيفاً ولكن إذا طلع الفجر وأنت لم توتر تقضيه في النهار ثنتي عشرة ركعة إن كنت توتر بإحدى عشرة وأربع ركعات إن كنت توتر بثلاث وركعتين إن كنت توتر بواحدة لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة.
أي الوقت أفضل آخر الوقت أو أوله؟ آخره لمن طمع أن يقوم من آخر الليل فإن خاف أن لا يقوم أوتر في أوله فإذا أوتر في أوله ثم قُدِّر له فقام فإنه لا ينقض وتره وكيفية نقض الوتر أن يتبدئ صلاة آخر الليل بركعة واحدة تبنى على ما سبق في أول الليل ويكون هذا نقضاً للوتر السابق ثم يصلي ركعتين ركعتين ويختم بواحدة وهذا القول ضعيف جداً لأن الصلاة لابد أن تكون متوالية وهنا فُرِّق بين الركعة الأولى والركعة الثانية بزمان ونوم ونقض وضوء وربما جنابة فكيف تبنى هذه الركعة على ركعة سابقة وعلى هذا القول لو أخذنا بكلام المؤلف لأوتر في الليلة ثلاث مرات وإذا كان لا وتران في ليلة فكيف بالثلاث فالصواب أنه لا ينقض وتره كما قال المؤلف رحمه الله وأنه يصلي ركعتين ركعتين حتى يطلع الفجر وفيه أيضاً يقول من صلى مع الإمام التراويح والوتر وهو يريد التهجد قام إذا سلم الإمام وأتى بركعة ليكون شفعاً ثم صلى من آخر الليل ركعتين ركعتين وأوتر بواحدة ولكن هل نقول إن هذا أفضل أو الأفضل أن يقتصر على ما اقتصر عليه الإمام ولا يقوم في آخر الليل هذا محل نظر لأنا إن نظرنا إلى أن قيامه في آخر الليل عمل صالح فليفعله وإذا نظرنا إلى أن الصحابة رضي الله عنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينفلهم بقية الليل فقال لهم (من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وهذا إشارة إلى أنه ينبغي أن يقتصروا على ما كان عليه الإمام وأن لا يكلفوا أنفسهم لأنه لو شاء لقال من أراد أن يتهجد فليتهجد وأرشدهم إلى ما ذكره المؤلف هذه عندي فيها توقف فإن نظرنا إلى ظاهر الحديث قلنا الأفضل أن تقتصر على ما قام به الإمام وأنت سيحصل لك قيام ليلة وأنت نائم ولو كان من الخير أن تتهجد بعد هذا لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وإذا نظرنا إلى أن قيام الليل من الأعمال الصالحة المقربة إلى الله عز وجل وربما يكون فيها صلاح قوي لقلبه إذا قام في آخر الليل يتهجد وحده
بعيداً عن الرياء رجحنا هذا فإن قال قائل كيف تجيزون لهذا الإنسان أن يأتي بعد إمامه بركعة وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به) قلنا نجيز ذلك لأن هذا المأموم لم ينو الوتر وإنما نوى الشفع فلم يخالف إمامَه، إمامُه نوى الوتر وهو نوى الشفع ونظير ذلك المقيم يصلي خلف المسافر فيصلي المسافر ركعتين فإذا سلم قام المقيم فأتم أربعا فهذا يدل على أنه لا بأس إذا زادت صلاة المأموم على صلاة الإمام وهذا الذي دخل مع إمامه ناوياً الشفع صلاته زائدة على صلاة الإمام.
السائل: قرأت أن ابن تيمية أنه قال من ترك النوافل كلها فإنه فاسق مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي (أفلح إن صدق) وهو ذكر الفرائض فقط؟
الشيخ: فيها نظر، الإمام أحمد رحمه الله قال من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة وهذا لا يقتضي أن يكون فاسقاً لكن يقتضي أن تهاونه بهذا الوتر الذي هو ركعة يدل على عدم مبالاته وأنه رجل لا يستحق أن يكون شاهداً.
القارئ: وأما عدده فأقله ركعة لحديث أبي أيوب وأكثره إحدى عشرة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة لما روت عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ما بين صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة متفق عليه وأدنى الكمال ثلاث بتسليمتين لما روى ابن عمر أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوتر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (افصل بين الواحدة والثنتين بالتسليم) رواه الأثرم.
فإن أوتر خلف الإمام تابعه فيما يفعله لئلا يخالفه قال أحمد يعجبني أن يسلم في الركعتين وإن أوتر بثلاث لم يضيق عليه عندي.
الشيخ: لا يضيق عليه لأنه سبق أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (من أحب أن يوتر بثلاث فليفعل) ولا يكون إيتار بثلاث إلا إذا لم يكن بينهن تسليم أما إذا سلم من ركعتين صار موتراً بواحدة.
القارئ: ويستحب أن يقرأ في الأولى (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) وفي الثانية (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وفي الثالثة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) لما روى أبي بن كعب قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد رواه أبو داود
وإن أوتر بخمس سردهن فلم يجلس إلا في آخرهن لأن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس إلا في آخرهن متفق عليه وإن أوتر بتسع لم يجلس إلا بعد الثامنة ولم يسلم ثم جلس بعد التاسعة فتشهد وسلم وكذلك يفعل في السبع لما روى سعد بن هشام قال قلت لعائشة أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كنا نعد له سواكه وطهوره فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه فيتسوك ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يقوم فيصلي التاسعة ثم يقعد ويحمد الله ويذكره ويدعوه ثم يسلم تسليماً يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعدما يصلي وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة يا بني فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم أوتر بسبع وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول رواه مسلم وأبو داود وفي حديثه أوتر بسبع ركعات لم يجلس فيهن إلا في السادسة ولم يسلم إلا في السابعة.
الشيخ: صار عندنا الآن العدد واحدة وثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة الواحدة معروفة لا يسلم إلا مرة واحدة الثلاث له أن يسلم مرتين وله أن يسلم مرة واحدة الخمس السنة أن لا يسلم إلا مرة واحدة ولا يتشهد إلا مرة واحدة السبع قيل إنه يجعلها كالخمس وقيل إنه يجعلها كالتسع والأمر في هذا واسع والتسع يسلم فيها واحدة لكن يتشهد مرتين بعد الثامنة وبعد التاسعة.
السائل: التشهد الأول ليس فيه حمد مع أن عائشة قالت فيذكر الله ويحمده ويدعوه؟
الشيخ: يمكن أنه يكمل التشهد كله في الثامنة يكمل التشهد وإذا كملنا التشهد صار فيه حمد إنك حميد مجيد صار فيه دعاء ويدل لهذا أنها قالت في التشهد بعد التاسعة ثم يقعد فيحمد الله ويذكره ويدعوه كالأول تماماً الظاهر أنه يصلي يعني على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو ولا يقاس عليها الفريضة لأن العبادات ليس فيها قياس.
السائل: ورد حديث وهو صحيح أن صلاة الليل مثنى مثنى وهو قاعدة في صلاة الليل وظاهره أنه يسلم من كل ركعتين مع أن حديث عائشة على خلاف هذا.
الشيخ: يكون الوتر مستثنى لأنه يجوز أن يخصص من العموم.
السائل: لو أذن الفجر وهو في أثناء الوتر؟
الشيخ: لو أذن الفجر وهو في أثناء الوتر يكمل ما فيه بأس.
القارئ: وأما القنوت فيه فمسنون في جميع السنة وعنه لا يقنت إلا في النصف الأخير من رمضان لأن أبياً كان يفعل ذلك حين يصلي التراويح وعن أحمد ما يدل على رجوعه قال في رواية المروذي قد كنت أذهب إلى أنه في النصف الأخير من رمضان ثم إني قنت هو دعاء وخير.
الشيخ: قَنَتُّ يعني فعلت القنوت ثم علل ذلك بقوله هو دعاء وخير.
القارئ: ولأن ما شرع في الوتر من رمضان شرع في غيره كعدده ويقنت بعد الركوع لما روى أبو هريرة وأنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع رواه مسلم.
الشيخ: قوله قنت بعد الركوع رواه مسلم الذي يقرأ كلام المؤلف يقول إن هذا في قنوت الوتر وليس كذلك بل هذا في قنوته في الفرائض لما كان يدعو على قوم وأما قنوت الوتر فليس في الصحيحين ولا أحدهما ما يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقنت في الوتر يعني من فعله فهذا ابن عباس صلى معه في الليل ولم يذكر أنه قنت وحذيفة بن اليمان وابن مسعود لم يذكروا أنه قنت ولهذا كان قنوت الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الفرائض عند النوازل أصح مما يذكر عنه أنه قنت في الوتر وأما الذين قالوا بأنه يوتر في النصف الأخير من رمضان فاستدلوا بفعل الصحابة رضي الله عنهم والأولى أن الإنسان يقنت أحياناً ويدع أحياناً أما القنوت فلأنه دعاء ولأن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال يا رسول الله علمني دعاءً أدعو به في قنوت الوتر فعلمه (اللهم اهدني فيمن هديت) وإذا ترك أحياناً بناءً على ظاهر السنة في حديث ابن عباس وغيره فخير أيضاً فيفعل أحياناً ويترك أحياناً أما في رمضان فلو قيل بالمداومة عليه لكان خيراً وذلك لأنه في حضور الناس واجتماع الكلمة واجتماعهم على إمام فلا ينبغي أن يفوت هذه الفرصة إلا بدعاء إلا إذا تركه يعني أحياناً لأن لا يظن العامة أنه واجب كما هو الواقع، الواقع أن العامة يظنون أنه لا وتر بدون القنوت حتى أن الإمام إذا لم يقنت خرجوا يتحدثون والله اليوم إمامنا ما أوتر إمامنا ما أوتر بناءً على أن القنوت هو الوتر فينبغي أحياناً أن يدع القنوت حتى يتبين الناس أنه ليس بشرط.
القارئ: ويقول في قنوته ما روى الحسن بن علي قال علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في الوتر (اللهم اهدني فيمن هديت وعافني فيمن عافيت وتولني فيمن توليت وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت إنك تقضي ولا يقضى عليك إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت) رواه الترمذي وقال لا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت شيئاً أحسن من هذا.
الشيخ: هذا الحديث علمه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الحسن بن علي، الحسن بن علي ابن بنت الرسول وقد قال الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيه (إن ابني هذا سيد وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين) وهو أفضل من أخيه الحسين لأن الرسول وصفه بأنه سيد وقال في الحسن والحسين (هما سيدا شباب أهل الجنة جميعا) ثم إن الرسول أثنى عليه بأن الله سيصلح به بين فئتين والأمر كذلك فإنه تنازل عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه فحقنت بذلك دماء عظيمة كثيرة علمه هذا الدعاء (اللهم اهدني فيمن هديت) قوله (فيمن هديت) هذه الجملة يراد بها التوسل إلى الله أي في جملة من هديت فكأن السائل يقول إنك هديت أناساً فاهدني معهم والمراد بالهداية هنا هداية العلم وهداية التوفيق.
(وعافني فيمن عافيت) المراد بذلك عافية البدن وعافية القلب وقال بعض العلماء المعافاة أن يعافيك الله من الناس ويعافي الناس منك لأن الإنسان ما بين أن يعتدى عليه ومعتدٍ هو على غيره فإذا عافاه الله من أكل لحوم الناس وعافى الناس من أكل لحمه فهذه معافاة عظيمة.
(وتولني فيمن توليت) أي الولايتين العامة أو الخاصة؟ الخاصة لأن الولاية العامة لكل أحد حتى الكفار الله وليهم كما قال تعالى (ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق).
(وبارك لي فيما أعطيت) فيما أعطيت من المال أو من المال والعلم؟ منهما جميعاً بارك لي فيما أعطيت من المال وما أعطيت من العلم.
(وقني شر ما قضيتَ) قضيتَ بالفتح وما هنا اسم موصول ولا تصح أن تكون مصدرية لأنك لو قدرتها مصدرية لكان المعنى شر قضائك وحينئذٍ يحتاج إلى تأويل أما إذا جعلناها اسماً موصولاً صار المعنى وقني شر الذي قضيته فيكون الشر في المقضي وليس في القضاء ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (والشر ليس إليه) فالشر في المقضي وليس في قضاء الله أما قضاء الله الذي هو قضاؤه الذي هو فعله وتقديره فهو خير والشر الموجود في مقضياته شر نسبي تجده شراً في حال وخيراً في حال أخرى أو تجده شراً على أناس وخيراً على آخرين أليس كذلك المطر خير ورجل يبني وقد صب سقف بنائه الآن فجاءت الأمطار الغزيرة فصار هذا المطر على صاحب البيت شراً لكنه على غيره خير ثم هو بالنسبة لهذا الذي قضي عليه بذلك ليس شراً محضاً لأنه سيكون تكفيراً لسيئات عظيمة قال الله تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) فليس كل ما قضى الله على الإنسان من مصيبة تكون شراً قد تكون خيراً كثيراً يتبين فيما بعد (إنك تقضي ولا يقضى عليك) صدق تقضي ولا يقضى عليك أي تحكم ولا يحكم عليك ولهذا قال العلماء ليس للناس على الله حق واجب إلا ما أوجبه على نفسه وبذلك يقول ابن القيم رحمه الله:
ما للعباد عليه حق واجب
…
هو أوجب الأجر العظيم الشان
كلا ولا عمل لديه ضائع
…
إن كان بالإخلاص والإحسان
إن عذبوا فبعدله أو نعموا
…
فبفضله والفضل للمنان
(إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت) من كان الله وليه فهو العزيز ولا يمكن أن يذل أبداً قال عبد الله ابن أبي (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) يريد بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال الله تعالى مسلماً ذلك أن يخرج الأعز الأذل لكن من هو الأعز اقرأ التي بعدها مباشرة (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) ولم يقل ورسول الله الأعز قال (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) وأنت يا ابن أبي ليس لك عزة لو قال والأعز رسول الله والمؤمنون لفهم أن لابن أبي عزة وليس كذلك المهم أن من والاه الله فلا ذل له (ولا يعز من عاديت) صحيح من عاداه الله فلا عز له ولا يرد على هذا ما يحصل أحياناً من انتصار الكفار على المسلمين لأن هذا استدراج وانتصار مؤقت وله سبب من المؤمنين ليكون مصيبة لهم ليطهرهم كالذي حصل في غزوة أحد ولهذا قال أبو سفيان يوم بيوم بدر والحرب سجال لم يظن أن ما وراء ذلك من حكمة الله ما يخفى عليه وعلى أمثاله فالحاصل أن من عاداه الله فلا عز له وما يحصل أحياناً من انتصار الكفار على المسلمين فهو استدراج وامتحان وتطهير للمؤمنين وحكم عظيمة له كما ذكر الله تعالى ذلك في سورة آل عمران.
(تباركت ربنا وتعاليت) تباركت أي عظمت بركاتك وكثرت خيراتك وتعاليت أي ترفعت عن كل نقص وعن كل سوء ومن ذلك أيضاً علوه بذاته سبحانه وتعالى والله أعلم.
السائل: قوله أوتر بسبع لما أخذه اللحم وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول كيف هذا؟
الشيخ: يعني صلى بعد الوتر ركعتين يعني لما صلى سبع صلى ركعتين لوحدهما.
القارئ: وعن علي رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في آخر الوتر (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وبك منك لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك) رواه الطيالسي.
الشيخ: هذا من التعوذ بالصفة من ضدها بالرضا من السخط وبالمعافاة من العقوبة فكأنه يقول احلل بدل السخط رضاً وبدل العقوبة معافاة وأما (بك منك) فمعناه أني أستعيذ بك منك لأن الله تعالى هو الذي إليه المرجع فيستعيذ بالله من الله لأن الله إذا أراد بقوم سوءاً فلا مردَّ له فهو سبحانه وتعالى هو الذي منه المبتدأ وإليه المنتهى ولهذا صح أن يقال أعوذ بك منك.
القارئ: وعن عمر أنه قنت فقال (بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إنا نستعين بك ونستهديك ونستغفرك ونؤمن بك ونتوكل عليك ونثني عليك الخير كله ونشكرك ولا نكفرك بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك إن عذابك الجد بالكفار ملحق اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك) وهاتان سورتان في مصحف أبي، قال ابن قتيبة نحفد نبادر وأصل الحفد مداركة الخطو والإسراع والجِد بكسر الجيم أي الحق لا اللعب وملحق بكسر الحاء لاحق.
الشيخ: لاحق يعني ملحق بمعنى لاحق.
القارئ: وإن فتحها جاز.
الشيخ: ملحَق يعني يجوز.
القارئ: وإذا قنت الإمام أمن من خلفه فإن لم يسمع قنوت الإمام دعا هو نص عليه.
ويرفع يديه في القنوت إلى صدره لأن ابن مسعود فعله وإذا فرغ أمرَّ يديه على وجهه وعنه لا يفعل والأول أولى لأن السائب بن يزيد قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا رفع يديه ومسح وجهه بيديه رواه أبو داود.
الشيخ: الكلام في هذه القطعة أولاً ما يذكر في القنوت وما يقال فيه وهو معروف.
ثانياً هل يبدأ بقوله اللهم اهدني فيمن هاديت أو يبدأ بقوله اللهم إنا نستعين بك ونستهديك في هذا قولان في مذهب الإمام أحمد والمرجح عند الأصحاب أنه يبدأ باللهم إنا نستعين بك ونستهديك وذلك لأنه ثناء على الله عز وجل والثناء ينبغي أن يكون سابقاً للدعاء لا بعده.
ثالثاً هل يرفع يديه في القنوت في قنوت الوتر أو لا؟ فيه أيضاً قولان في مذهب الإمام أحمد والصحيح أنه يرفع لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رفع يديه في قنوت الفريضة فكذلك هنا.
رابعاً المسح إمرار اليدين على الوجه بعد الدعاء المؤلف رحمه الله ذكر روايتين عن الإمام أحمد وقال إن الأولى أن يمر يده واستدل بحديث السائب ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول إن مسح الوجه بعد الدعاء باليدين بدعة وليس بسنة هو قال إن الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة أو موضوعة وابن حجر رحمه الله في بلوغ المرام يقول إن مجموعها يقضي بأنه حديث حسن لما ذكر الحديث قال إن له طرقاً ومجموعها يقضي بأنه حديث حسن والراجح أنه لا يسن مسح الوجه باليدين ولكن لو مسح بناءً على طرق هذا الحديث فنرجو أن لا يكون في ذلك بأس.
السائل: ما حكم مسح الصدر مع الوجه؟
الشيخ: أشد بدعة لم يرد فيه حديث إلا عند النوم في قراءة المعوذات.
السائل: ومسح الوجه في غير القنوت؟
الشيخ: مطلقاً كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعا رفع يديه ومسح بهما وجهه مطلقاً.
السائل: كيف شيخ الإسلام يحكم بأن المسح بدعة مع أن الإمام أحمد يرى جوازه؟
الشيخ: نعم يحكم بأنه بدعة ولو يرى جوازه الإمام أحمد إذا لم يصح الحديث فالتعبد به بدعة.
السائل: هل يجوز الزيادة على هذا الدعاء؟
الشيخ: الصحيح أنه يجوز وأنه لا بأس ما لم يشق على الناس فإن شق عليهم فقد غضب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لفعل معاذ رضي الله عنه.
فصل
القارئ: النوع الثالث صلاة الضحى وهي مستحبة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال أوصاني خليلي بثلاث صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أنام متفق عليه.
وأقلها ركعتان لحديث أبي هريرة.
وأكثرها ثمان ركعات لما روت أم هاني أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فصلى ثمان ركعات فلم أرى قط صلاة أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود متفق عليه.
ووقتها إذا علت الشمس واشتد حرها لقوله عليه الصلاة والسلام (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) رواه مسلم قال أبو الخطاب يستحب المداومة عليها لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ولقوله عليه الصلاة والسلام (من حافظ على شفعة الضحى غفرت ذنوبه وإن كانت مثل زبد البحر) أخرجه الترمذي ولأن أحب العمل إلى الله أدومه وقال غيره لا يستحب ذلك لقول عائشة رضي الله عنها ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى قط متفق عليه ولأن فيها تشبيهاً بالفرائض.
الشيخ: هذا الفصل فيه ثلاثة مباحث:
الأول صلاة الضحى هل هي سنة أو لا؟ وفيها للعلماء ثلاثة أقوال القول الأول أنها ليست بسنة مطلقة واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها لأنها قالت إن النبي صلى الله عليه وسلم ما رأيته يصلي الضحى قط وهي من أخص الناس به ولكن من المعلوم أن مثل هذا لا يصح أن يكون نافياً لما ثبت لأنه إذا قالت ما رأيت فيقال وغيرها رأى أو جاءت أحاديث قولية غير فعلية تدل على استحبابها.
القول الثاني أنها سنة دائماً عكس القول الأول فيسن للإنسان أن يصلي ركعتي الضحى دائماً واستدل هؤلاء بحديث أبي هريرة وبحديث (يصبح على كل سلامى من الناس صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس) قال (ويجزئ عن ذلك ركعتان يركعهما من الضحى) قالوا فلو لم يكن منهما إلا هذه الفائدة لكفى في مشروعيتهما كل يوم.
والقول الثالث أن من كان له تهجد من آخر الليل فلا يسن له المداومة عليها ومن لم يكن له تهجد سن له أن يداوم عليها وحملوا حديث أبي هريرة على ذلك وقالوا إن أبا هريرة رضي الله عنه ليس له تهجد في آخر الليل لأنه كان يسهر أول الليل لتحفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمره أن يوتر قبل أن ينام ولو كان من عادته أن يتهجد لأمر أن يوتر في آخر الليل وهذا القول اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فتكون مستحبة دائماً لمن لم يكن له تهجد ولا يستحب مداومته عليها لمن كان له تهجد وقال إن هذا يجمع بين الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من قوله وفعله.
البحث الثاني ما أقلها وما أكثرها؟ أقلها ركعتان وأكثرها ثمان أما كون أقلها ركعتين فظاهر لحديث أبي هريرة (وركعتي الضحى) وأما كون أكثرها ثمان فلحديث أم هانئ ولكن الصحيح أنه لا حد لأكثرها وأن الإنسان يصلي ما شاء وأما حديث أم هانئ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام صلى ثمان ركعات ولم يقل لا تزيدوا عليها وأيضاً فقد نازع بعض العلماء في هذه الصلاة التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة فقال بعضهم إنها صلاة فتح وليست صلاة ضحى واستحبوا لكل من فتح بلداً أن يصلي ثمانيَ ركعات فيكون الخلاف هنا في أصل المسألة.
البحث الثالث ظاهر كلام المؤلف أن وقت صلاة الضحى لا يكون إلا بعد ارتفاع الشمس وعلوها والصحيح أنه يكون من حين زوال النهي وذلك بأن ترتفع الشمس قيد رمح لكن آخر الوقت أفضل من أوله ويمتد وقتها إلى قبيل الزوال أي إلى أن يدخل وقت النهي عند زوال الشمس.
السائل: بعض الناس يرفع يديه في الدعاء لكن يضعهما على فخذيه وهو جالس على هيئة التشهد؟
الشيخ: رفع اليدين في الصلاة في غير القنوت بدعة وإذا كان في غير الصلاة فإن اليدين ترفع إلى الصدر وعند الابتهال يرفع أكثر.
السائل: هل يجوز الترتيل في الدعاء يجعله كالقرآن؟
الشيخ: هذا ليس ترتيل كالقرآن وفرق بين أن يدعو لنفسه ويدعو لغيره، الذي يدعو لغيره يأتي بمثل هذه الصيغة لأنها أكثر جلباً للقلوب.
السائل: من نام عن الوتر فأراد أن يصليه في وقت الضحى هل يقدم الضحى عليه أو يصلي قبل الضحى؟
الشيخ: يقدم الوتر أحسن وإن قدم الضحى ما في بأس.
فصل
القارئ: والقسم الثاني ما تسن له الجماعة منها التراويح وهي قيام رمضان وهي سنة مؤكدة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من صام رمضان وقامه إيماناً واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) متفق عليه وقام النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ثلاث ليالٍ ثم تركها خشية أن تفرض فكان الناس يصلون لأنفسهم حتى خرج عمر عليهم وهم أوزاع يصلون فجمعهم على أبي بن كعب قال السائب بن يزيد لما جمع عمر الناس على أبي بن كعب كان يصلي بهم عشرين ركعة فالسنة أن يصلي بهم عشرين ركعة في الجماعة لذلك ويوتر الإمام بهم بثلاث ركعات لما روى مالك عن يزيد بن رومان قال كان الناس يقومون في عهد عمر بثلاث وعشرين ركعة قال أحمد يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا صلى الرجل مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام ليلة) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي حديث صحيح قال ويقرأ بالقوم في شهر رمضان ما يخف على الناس ولا يشق عليهم قال القاضي لا تستحب الزيادة على ختمة لأن لا يشق عليهم ولا النقصان منها ليسمعهم جميع القرآن إلا أن يتفق جماعة يؤثرون الإطالة فلا بأس بها وسميت هذه تراويح لأنهم كانوا يجلسون بين كل أربع يستريحون.
الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله القسم الثاني يعني من صلاة التطوع ما تسن له الجماعة ومنها التراويح وهي قيام رمضان وثبوتها بالسنة الفعلية سنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسنة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب هذا أول بحث وقد خالف الصواب من قال إن التراويح لا تشرع جماعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصلها فإنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاها ثلاث ليالٍ أو أربعاً ثم تأخر خشية أن تفرض علينا وهذه الخشية منتفية بعد موته ثم على فرض أنه لم يسنها فقد سنها أمير المؤمنين عمر وهو ممن له سنة متبعة فإنه ثاني الخلفاء الراشدين رضي الله عنه ومن أكثرهم موافقة للصواب.
البحث الثاني كم عدد هذه الركعات؟ الصحيح أن العدد إما ثلاث عشرة ركعة أو إحدى عشرة ركعة لأن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها سئلت كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في رمضان فقالت ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة وهذا نص صريح وروي عنها أنه كان يصلي ثلاث عشرة ركعة وكذلك صح في حديث ابن عباس فتكون الركعات دائرة بين إحدى عشرة أو ثلاث عشرة فهذه هي السنة وأما سنة عمر ففيها خلاف فروى مالك عن السائب بن يزيد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يصليا بالناس إحدى عشرة ركعة وهذا ثابت بأصح إسناد ثم إنه اللائق بعمر رضي الله عنه لأنه هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما ما ذكره المؤلف أنه جمعهم على أبي بن كعب وكان يصلي بهم عشرين ركعة ففي ثبوته نظر لكن يزيد بن رومان قال كان الناس يقومون في عهد عمر بثلاث وعشرين ركعة وهذا مضاف إلى عهد عمر واللفظ الأول الذي ذكرته لكم مضاف إلى قول عمر وما أضيف إلى قوله أقوى مما أضيف إلى عهده لأن ما فعل في عهد الصحابي فليس بحجة ولا ينسب إلى الصحابي يعني ليس بحجة منسوباً إلى الصحابي إلا أن نعلم أنه اطلع عليه وعلى هذا فلا يمكن أن نقدم ما فعله الناس في عهده على ما أمر به هو نفسه فالصواب أنها ثلاث عشرة أو إحدى عشرة ركعة هذا هو الصواب.
المبحث الثالث هل الأفضل أن يوتر الإنسان مع الإمام ويختم صلاته أو الأفضل أن لا يوتر مع الإمام ويتهجد في آخر الليل؟ الأول أفضل لقول الإمام أحمد رحمه الله يعجبني أن يصلي مع الإمام ويوتر معه وهذا الذي قال أنه يعجبه هو ظاهر الحديث لأن الصحابة قالوا يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا فقال (إنه من صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) وهذا يدل على أن الأولى الاقتصار على ما صلاه مع إمامه وإلا لقال من شاء أن يتنفل فليتنفل فالباب مفتوح والليلة باقية إلى الفجر لو نفلتنا بقية ليلتنا فقال (إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة) ووجهه من حيث المعنى ظاهر لأنه إذا كان يكتب لك قيام ليلة وأنت نائم على فراشك فأرح نفسك هذه من نعمة الله عز وجل ولأن الذي يصلي مع الإمام إذا أراد التهجد فإما أن ينصرف قبل الوتر فيكون خالف الجماعة وإما أن يوتر مع الإمام ثم يقوم يشفع بركعة وهذا أيضاً نوع خلاف وربما يحمل الإنسان على الرياء وإن كان قد يحمي نفسه من الرياء لكن ربما مع الاستمرار يحصل في قلبه رياء وكأنه يقول للناس إنني سوف أتهجد ولذلك شفعت الوتر.
البحث الرابع هل يختم القرآن بهم كله أو ما تيسر؟ استحب الفقهاء رحمهم الله أن لا ينقص عن ختمة ولا يزيد عليها أن لا ينقص لأجل أن يسمعهم جميع القرآن ولا يزيد لأن لا يشق عليهم وبناءً على ذلك يكون عمل الناس اليوم من الشيء الذي لا ينبغي لأنهم يزيدون على ختمة فتجدهم يختمون في التراويح الصلاة الأولى في أول الليل ثم في التهجد يزيدون إما أن يختموا أو يقلوا عن ختمة وهذا لا ينبغي لأنه يشق على الناس ولكن ولله الحمد في أزماننا المتأخرة صار الذي يتولى إمامة المساجد في رمضان غالبهم طلبة علم فيحملون الناس على فعل السنة لا يزيدون على إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة حتى في العشر الأواخر لا يزيدون عليها يصلي في أول الليل أربع ركعات طويلة ثم ينصرف الناس إلى بيوتهم ثم يأتون في آخر الليل ويصلون ما بقي وهذا عمل حسن طيب يوافق السنة مع راحة الناس والمطلوب هو الراحة مع فعل السنة.
القارئ: وكره أحمد التطوع بينها وقال فيه عن ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كراهية، عبادة وأبو الدرداء وعقبة بن عامر.
ولا يكره التعقيب وهو أن يصلوا بعد التراويح نافلة في جماعة لأن أنساً قال ما يرجعون إلا إلى خير يرجونه أو لشر يحذرونه وعنه أنه يكره إلا أنه قول قديم قال أبو بكر إن أخروا الصلاة إلى نصف الليل أو آخره لم يكره رواية واحدة قال أحمد فإذا أنت فرغت من قراءة (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) فارفع يديك في الدعاء قبل الركوع وادع وأطل القيام رأيت أهل مكة وسفيان بن عيينة يفعلونه واختلف أصحابنا في قيام ليلة الشك فقامها القاضي لأن القيام تبعاً للصيام ومنعها أبو حفص العُكبري لأن الأصل بقاء شعبان ترك ذلك في الصيام احتياطا ففيما عداه يبقى على الأصل.
الشيخ: التعقيب بعد التراويح يعني يرجعون ويصلون مرة ثانية كما هو فعل الناس الآن في العشر الأواخر يرجعون ويصلون لكن التعقيب هل هو بعد التراويح وقبل الوتر أو بعد التراويح والوتر؟
السائل: نقض الوتر صورته لم تتضح لي؟
الشيخ: نقض الوتر على رأي من يراه إذا أوتر في أول الليل وقام في آخره يصلي ركعة واحدة فقط ثم يصلي ركعتين ركعتين ثم يوتر بواحدة وعلى هذا يكون أوتر ثلاث مرات وهذا ليس بصحيح يعني هذا القول ضعيف والصواب أنه إذا قام يصلي ركعتين ركعتين حتى ينتهي.
فصل
القارئ: القسم الثالث التطوع المطلق وهو مشروع في الليل والنهار وتطوع الليل أفضل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أفضل الصلاة بعد المفروضة صلاة الليل) وهو حديث حسن والنصف الأخير أفضل قال عمرو بن عبسة قلت يا رسول الله أي الليل أسمع قال (جوف الليل الأخير) رواه أبو داود وقال النبي صلى الله عليه وسلم (أحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه) متفق عليه.
ويستحب للمتهجد أن يفتتح صلاته بركعتين خفيفتين لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا قام أحدكم من الليل فليفتح صلاته بركعتين خفيفتين) رواه مسلم.
الشيخ: وثبت هذا أيضاً من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفتتح الصلاة صلاة الليل بركعتين خفيفتين والحكمة في ذلك هو أن الشيطان إذا نام الإنسان عقد على قافيته ثلاث عقد فإذا قام وذكر الله انحلت عقدة وإذا توضأ انحلت الثانية وإذا صلى انحلت الثالثة قال العلماء فينبغي أن تكون هذه خفيفة لأجل الإسراع في حل هذه العقد فتكون هذه السنة ثبتت بالقول وبالفعل.
السائل: ما معنى أسمع؟
الشيخ: أسمع يعني أقرب للإجابة السمع هنا سمع الاستجابة.
السائل: ألا يحتمل أن تكون الركعتين الخفيفتين هي سنة العشاء لأن كل الأحاديث التي ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل تطويله وما أشبه ذلك؟
الشيخ: لا ليس هذا، هذا لأجل أن الإنسان تنحل عنه العقد بسرعة الرسول قال (إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين) ما يقصد سنة العشاء سنة العشاء قبل النوم.
القارئ: ويستحب أن يكون له ركعات معلومة يقرأ فيها حزبه من القرآن لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أحب العمل إلى الله الذي يدوم عليه صاحبه وإن قل) متفق عليه وقالت عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ما بين أن يفرغ من صلاة العشاء الآخرة إلى الفجر إحدى عشرة ركعة رواه مسلم وهو مخير إن شاء خافت وإن شاء جهر قالت عائشة رضي الله عنها كل ذلك كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم ربما أسر وربما جهر حديث صحيح إلا أنه إن كان يسمع من ينفعه أو يكون أنشط له وأطيب لقلبه فالجهر أفضل وإن كان يؤذي أحداً أو يخلِّط عليه القراءة فالسر أولى فإن أبا سعيد قال اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال (ألا إن كلكم مناجٍ ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة) رواه أبو داود.
فصل
القارئ: ويستحب أن يختم القرآن في كل سبع لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو (اقرأ القرآن في كل سبع) متفق عليه.
السائل: ما الراجح من قول المؤلف في صلاة التراويح ليلة الشك وكذلك اعتاده الناس في صلاة التراويح قبل أن تتبين رؤية هلال شوال.
الشيخ: الصحيح أن ليلة الشك لا تصلى وكذلك لا يصام وقد عرفت أن صيام يوم الشك حرام.
القارئ: ويحزبه أحزابا لما روى أوس بن حذيفة قال قلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقد أبطأت علينا الليلة قال (إنه طرأ علي جزئي فكرهت أن أجيء حتى أختمه) قال أوس فسألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يحزبون القرآن قال: قالوا: ثلاث وخمس وسبع وتسع وإحدى عشرة وثلاث عشرة وحزب المفصل وحده رواه أبو داود
فصل
القارئ: وصلاة الليل مثنى مثنى لا يزيد على ركعتين لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (صلاة الليل مثنى مثنى) قيل لابن عمر ما مثنى مثنى قال تسلم من كل ركعتين متفق عليه وإن تطوع في النهار بأربع فلا بأس لأن تخصيص الليل بالتثنية دليل على إباحة الزيادة عليها في النهار والأفضل التثنية لأنه أبعد من السهو.
الشيخ: وهذا بناءً على أنه قوله (صلاة الليل والنهار) ليست بصحيحة زيادة النهار أما من صححها فيرى أنه لا فرق بين الليل والنهار وممن صححها الشيخ عبد العزيز بن باز قال إنها صحيحة وهي مختلف فيها لكن من صححها ألحق صلاة النهار بالليل.
فصل
القارئ: والتطوع في البيت أفضل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (عليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة) رواه مسلم ولأنه من عمل السر ويجوز منفرداً وفي جماعة لأن أكثر تطوع النبي صلى الله عليه وسلم كان منفردا وقد أَمَّ ابن عباس في التطوع مرة وحذيفة مرة وأنساً واليتيم مرة فدل على جواز الجميع.
الشيخ: لكن لا يتخذ هذا سنة دائمة، أحياناً لا بأس به فقد أَمَّ ابن عباس كما قال وأَمَّ حذيفة وأَمَّ ابن مسعود رضي الله عنهم وأما أنس واليتيم فليس بصلاة الليل إنما هو لما ذهب إلى أم سليم لطعام صنعته ودعت النبي صلى الله عليه وسلم إليه أمهم عليه الصلاة والسلام لكنه ليس بصلاة الليل كما فعل ذلك في عتبان بن مالك حين دعاه عتبان ليصلي في مكان اتخذه مصلىً له والمهم أن صلاة الجماعة أحياناً لا بأس بها في النفل سواء في صلاة الليل أو صلاة الضحى أو غيرها.
السائل: ما حكم صلاة النافلة جماعة دائماً لوجود المصلحة وهي أن يسمعوا القرآن؟
الشيخ: صلاة النافلة جماعة أحياناً لا بأس بها أما اتخاذها سنة راتبة كل ليلة مثلاً يصلي فهذا ليس مشروع إلا في رمضان ولو لمصلحة ما نسن شريعة من أجل المصلحة والمصلحة هذه تحصل بقراءتهم في غير صلاة.
السائل: إذا خرجوا المعسكرات لمدة أسبوع أو عشرة أيام أو أقل يصلون في آخر الليل جماعة؟
الشيخ: هو الأحسن ما يصلونها كل ليلة لا بد أن يفصل.
السائل: من هو اليتيم؟
الشيخ: اليتيم غميرة بن عبد الله.
فصل
القارئ: ويجوز التطوع جالسا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة) رواه مسلم ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك لأنه يستحب تطويله وتكثيره فسومح في ترك القيام تكثيراً له ويستحب أن يكون في حال القيام متربعا ليخالف حال الجلوس ويثني رجليه حال السجود لأن حال الركوع كحال القيام وقال الخرقي يثنيهما في الركوع أيضا لأن ذلك يروى عن أنس وإن صلى على غير هذه الهيئة جاز.
الشيخ: الآن إذا صلى قاعداً يتربع في حال القيام وفي حال الركوع لأن حال الركوع كحال القيام وقال الخرقي يثنيهما في الركوع أيضاً لأن ذلك يروى عن أنس لكن لا شك أن القياس ما قاله المؤلف أولاً.
القارئ: وإذا بلغ الركوع فإن شاء قام ثم ركع لما روت عائشة رضي الله عنها قالت لم أرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل قاعداً حتى أسن فكان يقرأ قاعداً حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحواً من ثلاثين آية أو أربعين آية ثم ركع) متفق عليه وإن شاء ركع من قعود لما روت عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعدا وكان إذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ وهو قاعد ركع وسجد وهو قاعد رواه مسلم.
الشيخ: خلاصة هذه القطعة هو أن صلاة الليل مثنى مثنى وجوباً حتى قال الإمام أحمد رحمه الله إذا قام إلى ثالثة فكأنما قام إلى ثالثة في صلاة الفجر أي أنه يرجع فإن لم يفعل بطلت الصلاة وفي النهار الأفضل أن تكون مثنى مثنى وإن تطوع بأربع فلا بأس.
ثانياً مكان التطوع: التطوع في البيت أفضل لقول النبي صلى الله عليه وسلم (فإن خير صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة) ولأن ذلك أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء ولأجل أن لا تكون بيوتنا قبوراً ومن أجل أن يشاهد العائلة كبيرهم يصلي فيألفون الصلاة فلهذه المعاني صار الصلاة في البيت أفضل.
المسألة الثالثة التطوع هل يشترط له القيام؟ الجواب لا فأما قوله تعالى (وقوموا لله قانتين) فذلك في الفريضة لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين (صلِّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب) أما النافلة فالقيام ليس ركناً فيها فيجوز أن يتطوع وهو جالس ولكن القيام أفضل إلا لعذر.
وكيف يكون في حال القيام إذا صلى قاعداً؟ يكون متربعاً في حال القيام وفي حال الركوع وأما في حال السجود وفي حال الجلوس فيكون ثانياً رجليه.
السائل: فعل النبي صلى الله عليه وسلم عند القراءة حيث يقوم قبل الركوع لماذا لا تستمر الصلاة قعوداً؟
الشيخ: كان يفعل هذا مرة وهذا مرة في الأحاديث التي عندنا أنه يفعل هذا مرة وهذا مرة.
السائل: بالنسبة لتحية المسجد هل يصح الإنسان يصليها قاعداً مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجلوس قبل الصلاة؟
الشيخ: نعم يصح وأما جلوسه لكي يصلي ركعتين فهو الآن يصلي ركعتين فهو لم يجلس إلا ليصلي.
السائل: ما الفرق بين صلاة الليل والوتر والتهجد؟
الشيخ: التهجد هو ما كان بعد النوم والوتر معروف ينويه نفل معين وصلاة الليل نفل مطلق.
فصل
القارئ: القسم الرابع: صلوات لها أسباب منها تحية المسجد لما روى أبو قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس) متفق عليه
ومنها صلاة الاستخارة قال جابر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي ومعادي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به) أخرجه البخاري.
الشيخ: فيه أيضاً ذوات أسباب غير الذي ذكر المؤلف مثل صلاة الكسوف على القول بأنها سنة، صلاة الاستسقاء، التصدق على من دخل وقد فاتته الصلاة، سنة الوضوء، المهم أن ذوات الأسباب ليست محصورة بما قال المؤلف.
السائل: دعاء الاستخارة متى يكون؟
الشيخ: بعد السلام.
فصل
القارئ: وسجود التلاوة سنة للقارئ والمستمع لأن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا السورة في غير الصلاة فيسجد فنسجد معه حتى لا يجد أحدنا مكاناً لوضع جبهته متفق عليه ولا يسن للسامع عن غير قصد لأن عثمان مر بقاص فقرأ سجدة ليسجد معه عثمان فلم يسجد وقال إنما السجدة على من استمع.
ويشترط كون التالي يصلح إماماً للمستمع لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى إلى نفر من أصحابه فقرأ رجل منهم سجدة ثم نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنك كنت إمامنا ولو سجدت لسجدنا) رواه الشافعي.
الشيخ: الشاهد من هذا قوله (إنك كنت إمامنا) يعني وعلى هذا فلا يسجد المستمع إذا كان القارئ لا يصلح أن يكون إماماً له مثل أن يستمع إلى امرأة تتلو القرآن فتمر المرأة بالسجدة وتسجد فإن المستمع لا يسجد لأن المرأة لا تصح أن تكون إماماً للرجل أما لو سمع صبياً يقرأ فإنه إذا سجد الصبي يسجد وذلك لأن الصبي تصح إمامته في النافلة قولاً واحداً.
القارئ: ويسجد القارئ لسجود الأمي والقادر على القيام بالعاجز عنه لأن ذلك ليس بواجب فيه ولا يقوم الركوع مقام السجود لأنه سجود مشروع فأشبه سجود الصلاة.
الشيخ: قوله ولا يقوم الركوع مقام السجود يعني فيما لو كان في صلاة وصار آخر آية في القراءة سجدة فركع فإنه لا يجزئ عن السجود وأما إذا كان خارج الصلاة وركع بدل السجود فإنه مبتدع ويكون بذلك آثماً إذا كان عن علم.
القارئ: وإن كانت السجدة آخر السورة سجد ثم قام فقرأ شيئاً ثم ركع وإن أحب قام ثم ركع من غير قراءة وإن شاء ركع في آخر السورة لأن السجود يؤتى به عقيب الركوع.
الشيخ: فهذه ثلاث حالات إذا كانت السجدة في آخر السورة مثل (كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) فإما أن يسجد فإذا قام قرأ شيئاً ما حتى يلحق المأمومون به ثم ركع أو يقوم من السجود ولا يقرأ يركع وحينئذٍ ينتظر قليلاً من أجل أن يتكامل المأمومون في القيام وإما أن يركع وظاهر كلامه أن سجود الصلاة الذي يكون بعد الركوع يجزئ عنه سجود التلاوة لأنهما عبادتان من جنس اتفقا في الوقت ولكن هذا القول فيه نظر لأنه وجد الفاصل بين السجود والتلاوة وهو الركوع فلا يظهر ما ذهب إليه المؤلف.
فصل
القارئ: وسجود التلاوة غير واجب لأن زيد بن ثابت قال قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد فيها متفق عليه، وقال عمر يا أيها الناس إنما نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه ولم يكتبها الله علينا.
الشيخ: ما ذكر من خرجه الأثر رواه البخاري بمعناه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب يوم الجمعة فقرأ سورة النحل فلما وصل إلى السجدة نزل من المنبر فسجد ثم قرأها من الجمعة الأخرى ولم يسجد ثم قال إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء وهذا بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم ولم نعلم أن أحداً أنكر عليه وقيل بل سجود التلاوة واجب لأن الله تعالى أنكر على الذين لا يسجدون فقال (وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) فذمهم بذلك والصواب أنه ليس بواجب لأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه صرح بأنه ليس بفرض أمام الملأ من الصحابة ولم ينكر عليه أحد وأما السجود الذي في قوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) فإن القائلين بوجوب سجود التلاوة مستدلين بهذه الآية لا يقولون بظاهرها قطعاً لأن ظاهرها أن مجرد قراءة القرآن توجب السجود وليس كذلك وإنما معنى السجود أنهم لا ينقادون ولا يذلون فهو كالسجود المذكور في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ) فالصواب أنه لا يجب سجود التلاوة وإن كان شيخ الإسلام رحمه الله يرى الوجوب لكن هذا القول بالوجوب ضعيف ثم إن حديث زيد بن ثابت أيضاً صريح فإن زيداً قرأ سورة النجم ولم يسجد ولو كان السجود واجباً لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.
السائل: بعض الناس يجلس يستمع للإمام وهو يصلي في التراويح مثلاً فيسجد الإمام للتلاوة فهل يسجد المستمع وهو خارج الصلاة؟
الشيخ: لا يسجد لأنه ليس إماماً له.
القارئ: وله أن يومئ بالسجود على الراحلة كصلاة السفر ويشترط له ما يشترط للنافلة ويكبر للسجود تكبيرة واحدة في الصلاة وفي غيرها لأن ابن عمر قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مر بالسجدة كبر وسجد وسجدنا معه ويرفع يديه في غير الصلاة لأنها تكبيرة افتتاح وإن كان في صلاة ففيها روايتان.
الشيخ: والصحيح أنه لا يرفع لا في الصلاة ولا خارج الصلاة لعموم قول ابن عمر رضي الله عنهما وكان لا يفعل ذلك في السجود فهذا عام وإن كان قرينة الحال تدل على أن مراد (لا يفعل ذلك في السجود) يعني سجود الصلاة لكن لفظ العموم لا بأس به.
القارئ: وإن كان في صلاة ففيها روايتان ويكبر للرفع منه لأنه رفع من سجود أشبه سجود الصلاة ويسلم إذا رفع تسليمة واحدة.
الشيخ: لم يذكر في هذا دليلاً وإنما ذكر القياس، والقياس في هذا لا يصح ولا يستقيم لظهور الفرق الكبير بين سجود التلاوة وسجود الصلاة ولهذا كان الصحيح أنه لا يكبر إذا رفع من سجود التلاوة إلا إذا كان في صلاة لأنه إذا كان في صلاة يكبر إذا رفع ودليل ذلك أن الواصفين لصلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكروا أنه يكبر كلما رفع وكلما خفض ومن المعلوم أنه يقرأ الآيات التي فيها سجود التلاوة فيسجد
القارئ: ويسلم إذا رفع تسليمة واحدة لأنها صلاة ذات إحرام فأشبهت صلاة الجنازة.
وعنه لا سلام له لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يفتقر إلى تشهد ولا يسجد فيه لسهو لأنه لا ركوع فيه أشبه صلاة الجنازة ولا يفتقر إلى قيام لأنه لا قراءة فيه ويقول فيه ما يقول في سجود الصلاة.
الشيخ: إذاً الصحيح أنه لا يكبر إذا رفع ولا يسلم لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم والعبادات مبناها على التوقيف وقوله رحمه الله لا يسجد فيه للسهو صحيح لأنه لو سجد للسهو لكان الجابر أكثر من الأصل فالأصل سجود واحد والجابر سجودان وقوله لأنه لا ركوع أيضاً يمكن أن يعلل به أشبه صلاة الجنازة لأن صلاة الجنازة لو سها فيها لم يسجد لأنه لا سجود فيها أصلاً فلا يكون لها السجود لها جابراً.
القارئ: ويقول فيه ما يقول في سجود الصلاة وإن قال ما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجود القرآن (سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته) فحسن وهذا حديث صحيح وإن قال غيره مما ورد في الأخبار فحسن.
الشيخ: ومنه أنه ينبغي أن يقول سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي لقوله تعالى (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ).
السائل: بعض العلماء قال إذا قرأ وهو قاعد يقوم ثم يهوي للسجود؟
الشيخ: الأظهر عدم القيام الأظهر أنه يسجد لغير قيام لكن روي عن عائشة رضي الله عنها أنها سجدت للشكر فقامت فقاسوا هذا عليها ثم قاسوه أيضاً على النفل أنه يسن أن يصلي قائماً لكن كما قلنا القياس لا يصح في العبادات ثم إن القيام في النفل مقصود في صلاة النافلة بخلاف سجود التلاوة فالأظهر أنه يسجد بدون القيام.
السائل: هل يجب استقبال القبلة؟
الشيخ: استقبال القبلة ينبني على القول بأنه هل سجود التلاوة صلاة أو لا؟ والذي يظهر لي أنه يستقبل القبلة وأنه يجب له الوضوء وإذا كان على غير وضوء فلا يسجد هذا هو الأظهر وشيخ الإسلام ما يرى هذا يرى أنه سجود دعاء وأنه سنة استقبال القبلة وليس بواجب ونحن نرى أنه ما دام سجوداً لله عز وجل فلا ينبغي أن يكون إلى غير القبلة ولا أن يكون على غير طهارة بخلاف سجود الشكر لأنه يأتي بغتة بدون تقدم.
السائل: إذا كان الإمام في صلاة سرية وقرأ آية سجدة فهل يسجد؟
الشيخ: الأفضل أن لا يسجد وذلك لأنه إن سجد شوش على المصلين وإن ترك السجود فقد ترك شيئاً مسنوناً فالأحسن أن لا يقرأ وقيل بل يقرأ ويسجد وإذا قرب من آية السجدة رفع صوته قليلاً حتى يسمع الناس.
القارئ: وسجدات القرآن أربع عشرة سجدة في الحج منها اثنتان وثلاث في المفصل وعنه أنها خمس عشرة سجدة منها سجدة ص لما روى عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدة منها ثلاث في المفصل وسجدتان في الحج رواه أبو داود والصحيح أن سجدة ص ليست من عزائم السجود لما روى ابن عباس أنه قال ليست ص من عزائم السجود رواه أبو داود.
الشيخ: حديث ابن عباس فهو في البخاري لكن المؤلف ذكره من رواية أبي داود وهو في البخاري.
القارئ: ومواضع السجدات ثابتة بالإجماع إلا سجدات المفصل والثانية من الحج وقد ثبت ذلك بحديث عمرو
الشيخ: كم سجدات المفصل _ المفصل من ق_؟ النجم والانشقاق واقرأ.
القارئ: وروى عقبة بن عامر أنه قال يا رسول الله أفي الحج سجدتان قال (نعم ومن لم يسجدهما فلا يقرأهما) رواه أبو داود.
وأول السجدات آخر الأعراف ثم في الرعد عند قوله (بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) وفي النحل عند (وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) وفي سبحان عند (وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) وفي مريم عند (خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً) وفي الحج الأولى عند (يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) والثانية عند (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وفي الفرقان عند (وَزَادَهُمْ نُفُوراً) وفي النمل عند (الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) وفي (الم تنزيل) عند (وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) وفي حم السجدة عند (وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) وفي آخر النجم وفي (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) عند (لا يَسْجُدُونَ) وآخر (اقْرَأْ).
ويكره اختصار السجود وهو أن يجمع آيات السجدات فيقرأها في ركعة وقيل أن يحذف آيات السجدات في قراءته وكلاهما مكروه لأنه محدث وفيه إخلال بالترتيب.
فصل
القارئ: وسجود الشكر مستحب عند تجدد النعم لما روى أبو بكر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه شيء يسر به خر ساجدا وصفته وشروطه كصفة سجود التلاوة وشروطها ولا يسجد للشكر في الصلاة لأن سببه ليس منها فإن فعل بطلت كما لو سجد في الصلاة لسهو صلاة أخرى.
الشيخ: سجود الشكر سنة كما قال المؤلف رحمه الله لكن عند تجدد النعم لا عند دوامها لأنه لو قيل أنه يسجد عند دوام النعم لبقي ساجداً مدى الدهر لأن النعم تترا كل لحظة لكن عند تجدد النعم التي ليست معتادة فأما المعتادة كالاستيقاظ من النوم وحصول الأكل في الغداء والعشاء وما أشبه ذلك فلا لكن لو تجددت له نعمة مثل أن يولد له ولد أو يتزوج أو يبشر بانتصار المسلمين أو ما أشبه ذلك فليسجد للشكر وكذلك قال العلماء عند اندفاع النقم كما لو حصل حادث في سيارة فنجى من الحادث أو تردى من جبل أو سقط في حفرة فنجى فكل هذا من اندفاع النقم الطارئة فيسجد شكراً لله عز وجل على هذه النعمة التي حصلت ثم ذكر المؤلف أن حكمه كسجود التلاوة فيشترط له ما يشترط له وعلى هذا يكبر إذا سجد وإذا رفع ويسلم وقد عرفتم القول الراجح في سجود التلاوة أنه يكبر إذا سجد فقط ثم ذكر أنه لا يصح أن يسجد للشكر في الصلاة لأنه لسبب خارج منها ولهذا قالوا لو سجد الإنسان سجدة ص في الصلاة لبطلت الصلاة وذلك لأنها لنا سجدة شكر ولداود سجدة توبة ولكن القول الراجح أنها سنة أي سجود التلاوة في ص سنة في الصلاة وخارج الصلاة لأن سببها بالنسبة لنا هو التلاوة لولا أننا تلونا هذا ما مرت بنا إذاً خلاصة ما سبق في سجود التلاوة أن سجود التلاوة سنة على القول الراجح ودليله حديث مرفوع وأثر موقوف الحديث المرفوع حديث زيد بن ثابت أنه قرأ عند النبي صلى الله عليه وسلم في النجم فلم يسجد فيها وأما الأثر فهو حديث عمر الأثر الموقوف أنه لم يسجد وقال أمام الناس إن الله لم يفرض علينا السجود.
والمسألة الثانية سجود التلاوة على المشهور من المذهب حكمه حكم النافلة يشترط فيه ما يشترط في النافلة ويفتتح بالتكبير ويختتم بالتسليم.
المسألة الثالثة هل السجدات الموجودة في القرآن مجمع عليها؟ الجواب نعم مجمع عليها إلا السجدة الثانية في الحج وثلاث سجدات في المفصل أربع سجدات هذه محل خلاف والصحيح أنها يسجد فيها.
المسألة الرابعة فيما يتعلق بسجود الشكر وهو الذي يشرع عند تجدد النعم واندفاع النقم والمؤلف رحمه الله لم يذكر اندفاع النقم لكن قد يقال إنه من وجه يكون تجدد نعمة لأن السلامة من الهلاك مثلاً نعمة.
السائل: لو سجد في الصلاة سجدة شكر غير سجدة (ص) هل تبطل صلاته؟
الشيخ: تبطل صلاته نعم لو سجد للشكر في غير سجدة الصلاة وهو يصلي فإن صلاته تبطل لأنه زادها سجوداً ليس له سبب فيها.
السائل: هل يشترط لسجود الشكر الطهارة واستقبال القبلة؟
الشيخ: الصحيح أنه لا يشترط له الطهارة لأنه يأتي مفاجئاً وليس هناك دليل على اشتراط الطهارة أن نقول للإنسان إذا جاءت النعمة فاذهب وتوضأ وربما نقول لو ذهب وتوضأ لطال الفصل وأما استقبال القبلة فكما قلت لكم في سجود التلاوة أنه لا ينبغي للإنسان أن يسجد لله ودبره إلى بيت الله.
السائل: هل له أن يسجد في أثناء الخطبة سجدة الشكر؟
الشيخ: نعم لا بأس يعني لو بشر الخطيب وهو يخطب بانتصار المسلمين وسجد في أثناء الخطبة فلا بأس.