المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الشك في الماء - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ١

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌باب الشك في الماء

القاريء: وإن كثر بحيث لو كان مائعا غلب على أجزاء الماء منع كغيره من الطاهرات.

السائل: في مدينة ساحلية المجاري تصب في البحرهل نحكم بنجاسة ما قرب منه.

الشيخ: ما قرب منه فهو نجس لأنه متغير أما البعيد الذي لم يتغير فإنه طهور

السائل: أحيانا تتغير الرائحة فقط لكن اللون أو الطعم لايتغير.

الشيخ: إذا كان قريباً فسوف يتغير وأما ما كان عند المصب فالمصب تعرف أنه يندفع بشدة وبقوة يتمايز الماء الأول الذي وقع فيه ويبقى هذا كأنه عمود وهذا ذكرنا بمسألة لو أن هذا الماء النجس أضيف إليه مواد كيماوية وأزالت النجاسة فهل يكون طهورا؟ المذهب لا لأنه لا يطهَّر إلا بالماء وعلى القول الذي ذكرناه يكون طهوراً مادام زال الطعم واللون والريح فإنه طهور.

‌باب الشك في الماء

القاريء: إذا شك في نجاسته لم يمنع الطهارة به سواء وجده متغيرا أو غير متغير لأن الأصل الطهارة والتغير يحتمل أن يكون بمكثه أو بما لا يمنع فلا يزول بالشك.

الشيخ: لاحظ إذا شك في نجاسته لم يمنع الطهارة وهذا إذا لم يكن فيه تغير واضح لكن إذا وجده متغيرا وشك هل هذا التغير من نجاسة أو لا نقول الأصل الطهارة يعني لو وجد فيه روثا وقد تغير بهذا الروث وشك هل الروث روث بعير أو روث حمار ماذا نقول؟ الأصل أنه روث بعير وإذا لم يجد فيه شيئا لكن وجده متغيرا نقول الأصل الطهارة لأنه ربما يتغير بمكثه أي بطول بقائه.

مسألة: الشك في الماء أو في انتقاض الوضوء لا يرجع فيه إلى غلبة الظن لابد من اليقين لقول النبي عليه الصلاة والسلام (لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) ففي الحديث توجد قرينة على نقض الوضوء وهي قول الصحابة (فوجد في بطنه شيئا) ومع ذلك ألغاها الرسول عليه الصلاة والسلام لأنها ليست بيقين.

باب الشك في الماء

ص: 26

القارئ: إذا شك في نجاسته لم يمنع الطهارة به سواء وجده متغيرا أو غير متغير لأن الأصل الطهارة والتغير يحتمل أن يكون بمكثه أو بما لا يمنع فلا يزول بالشك وإن تيقن نجاسته ثم شك في طهارته فهو نجس لأن الأصل نجاسته وإن علم وقوع النجاسة فيه ثم وجده متغيرا تغيرا يجوز أن يكون منها فهو نجس لأن الظاهر تغيره بها

ص: 27

الشيخ: هذه المسائل سبق الكلام عليها وبينا أن لدينا قاعدة مهمة وهي (أن الأصل بقاء ما كان على ما كان) فما كان طاهراً وشككنا في نجاسته فهو طاهر وما كان نجسا وشككنا هل طهر فهو نجس لأن (الأصل بقاء ما كان على ما كان) وهذه القاعدة مستمدة من قول النبي صلوات الله وسلامه عليه حين شكي إليه الرجل يجد في صلاته فلا يدري أخرج منه أم لا فقال (لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) وهذه القاعدة تنفعك هنا وفي كل مكان لو شككت في الصلاة هل أنت قلت سبحان ربي الأعلى أم لم تقل فالأصل عدم القول والأصل بقاء ما كان على ما كان فلو أن رجلا علق طلاق امرأته على شرط وشك هل وجد هذا الشرط أم لم يوجد لم تطلق لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان المهم أن هذه قاعدة تنفعك في جميع أبواب العلم لو ثبت على رجل دين وقال إنه قضاه فالأصل بقاء الدين فلا يقبل إلا ببينة وهلم جرا فإذاً المسألتان واضحتان أما المسألة الثالثة فهو أنه إذا سقط في الماء نجاسة ووجده متغيرا ولكن لا يدري هل هو من النجاسة أو من غيرها فإننا نعمل بالظاهر وما هو الظاهر أنه من النجاسة فنقول إن الماء نجس فلو قال قائل أليس الأصل بقاء الطهارة قلنا لكن هذا الأصل عورض بظاهر أقوى منه فإذا عورض بظاهر أقوى منه فالحكم بالظاهر ولهذا نظائر فمثلا لو أن رجلا أصلع ليس عليه غترة وآخر عليه غترة وبيده غترة والذي عليه الغترة وبيده غترة هارب وذاك طالب يركض وراءه يا فلان أعطني غترتي فنحكم بها لمن؟ للطالب مع أن الهارب يقول الغترة بيدي والأصل أن ما بيد الإنسان له لكن نقول هنا ظاهر أقوى من الأصل ما هو الظاهر؟ الحال الواقعة الآن كيف واحد معه غترة وعليه غترة ويقول هذه لي والثاني يركض وراءه يقول أعطني غترتي أليس كذلك مع أن فيه احتمال إن الطالب هذا ألقى غترته في أي مكان وصلع وجاء يركض أليس هذا احتمالا؟ لكنه خلاف الظاهر المهم إذاً أن الأصل معمول به ما لم يعارضه ظاهر أقوى منه فيغلب

ص: 28

الظاهر.

القاريء: وإن أخبره ثقة بنجاسة الماء لم يقبل حتى يعين سببها لاحتمال اعتقاده نجاسته بما لا ينجسه كموت ذبابة فيه وإن عين سببها لزمه القبول رجلا كان أو امرأة بصيرا أو أعمى لأنه خبر ديني فلزمه قبوله كرواية الحديث ولأن للأعمى طريقا إلى العلم بالحس والخبر ولا يقبل خبر كافر ولا صبي ولا مجنون ولا فاسق لأن روايتهم غير مقبولة.

الشيخ: إذا قال لك شخص هذا الماء نجس فإنه لا يلزمك قبول خبره حتى تسأل وما سبب النجاسة لماذا لأنه ربما يظن أنه أصابته نجاسة وليست كذلك كذبابة وقعت فيه فالذبابة لو وقعت في الماء لا تنجسه لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال (إذا وقعت الذبابة في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه) والغالب إنه إذا كان الماء حاراً فسوف يموت ومع ذلك ليس بنجس إذاً إذا أخبرني شخص قال يا فلان ترى هذا الماء الذي تستعمله نجس فهل أقبل؟ لا وأسأله ما السبب إذا قال السبب لأنه سقط فيه خشبة فهو ليس نجس وإذا قال سقط فيه بعرة بعير فهوليس بنجس إذاً لابد أن يبين السبب ولابد أن يكون ثقة وهو المسلم البالغ العاقل فإن أخبره كافر لم يقبل أو صبي لم يقبل أو مجنون لم يقبل أو فاسق لم يقبل.

القاريء: وإن أخبره رجل أن كلبا ولغ في هذا الإناء دون هذا وقال آخر إنما ولغ في هذا الإناء دون ذاك حكم بنجاستهما لأنه يمكن صدقهما لكونهما في وقتين أو كانا كلبين وإن عينا كلبا ووقتا لا يمكن شربه فيه منهما تعارضا وسقط قولهما لأنه لا يمكن صدقهما ولم يترجح أحدهما

ص: 29

الشيخ: هذا واضح هناك إناءان أخبره رجل بأنه رأى كلبا يشرب من هذا الإناء رقم واحد وأخبره الثاني بأن كلبا شرب من الإناء رقم اثنين فهل نقبل خبرهما؟ نقبل خبرهما لأنه يمكن أن يكونا كلبين في وقت واحد أو أن يكون كلبا واحدا في وقتين فتكون الإناءان كلاهما نجسة لكن لو أخبراه بأنهما لقيا كلبا أحمراً وهو واحد ولغ الساعة الثانية عشرة فهنا لا نقبل قولهما لماذا لأنهما تعارضا لا يمكن أن كلبا واحدا يشرب من إناءين في آن واحد إذا تعارضت أقوالهما فسقط فيكون الإناءان طاهرين.

فصل

القاريء: وإن اشتبه الماء النجس بالطاهر تيمم ولم يجز له استعمال أحدهما سواء كثر عدد الطاهر أم لم يكثر وحكي عن أبي علي النجاد أنه إذا كثر عدد الطاهر فله أن يتحرى ويتوضأ بالطاهر عنده لأن احتمال إصابة الطاهر أكثر والأول المذهب لأنه اشتبه المباح بالمحظور فيما لا تبيحه الضرورة فلم يجز التحري كما لو كان النجس بولا أو كثر عدد النجس أو اشتبهت أخته بأجنبيات ولأنه لو توضأ بأحدهما ثم تغير اجتهاده في الوضوء الثاني فتوضأ بالأول لتوضأ بماء يعتقد نجاسته وإن توضأ بالثاني من غير غسل أثر الأول تنجس يقينا وإن غسل أثر الأول نقض اجتهاده باجتهاده وفيه حرج ينتفي بقوله سبحانه (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(الحج: من الآية78) فتركهما أولى وهل يشترط لصحة التيمم إراقتهما أو خلطهما؟ فيه روايتان إحداهما يشترط ليتحقق عدم الطاهر وفي الثانية لا يشترط لأن الوصول إلى الطاهر متعذر واستعماله ممنوع منه فلم يشترط عدمه كماء الغير.

ص: 30

الشيخ: إن اشتبه الماء النجس بالطاهر يقول تيمم ولم يجز استعمال أحدهما ومراده بالطاهر هنا الطهور اشتبه نجس بطهور ولم يعرف أيهما الطهور فهنا يقول يجب أن يتيمم ولا يتحرى ولا يتوضأ من هذا غرفة ومن هذا غرفة لماذا؟ لأنه الآن غير قادر على استعمال الطهور وليس عنده علامات ولا قرائن يرجح بها أن هذا هو الطهور وأن هذا هو النجس فهو عاجز عن استعماله شرعا إذاً يعدل إلى التيمم لدخوله في قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا)(النساء: من الآية43) وفيه رواية أخرى يقول المؤلف ولم يجز له استعمال أحدهما سواء كثر على الطاهر أو لم يكثر وظاهر كلام المؤلف أنه لا يتحرى يعني لا يطلب أيهما يغلب على ظنه أنه طهور.

ص: 31

والقول الثاني أنه يتحرى إذا كثر عدد الطاهر إعمالا للأكثر فإذا كان عنده مثلا خمسة أواني ثلاثة منها طاهرة واثنان منها نجسان وشك أيهم الطاهر وأيهم النجس فعلى الرأي الثاني أنه يتحرى وإذا غلب على ظنه أن هذا الإناء هو الطاهر توضأ منه أما على المذهب فيقولون إنه لا يتحرى حتى لو كان الطاهر عشرة والنجس واحدة والتعليل عندهم (لأنه اشتبه المباح بالمحظور فيما لا تبيحه الضرورة فلم يجز التحري) هذه قاعدة وإذا اشتبه المباح بالمحظور على وجه لا تبيحه الضرورة فإنه لا يجوز التحري لأنه ليس هناك ضرورة يتحرى أما لو اشتبه المباح بالمحظور على وجه تبيحه الضرورة فهنا يتحرى مثاله اشتبهت ميتة بمذكاة وهو الآن مضطر يريد أن يأكل وما عنده شيء يأكله فهنا نقول تحر لأن كونك تتحرى وتأكل ما يغلب على ظنك أنه حلال خير من كونك لا تتحرى وتأكل هكذا فهذا الضابط (لأنه اشتبه المباح بالمحظور فيما لا تبيحه الضرورة فلم يجز التحري مثال آخر رجل أراد أن يتزوج واشتبهت أخته بأجنبيات أخته معها نساء وهو يريد أن يتزوج واشتبه هل أخته هذه أو هذه أو هذه ماذا نقول؟ يجب التجنب لأنه اشتبه المباح بالمحظور على وجه لا تبيحه الضرورة لأن الجماع لا يباح عند الضرورة بخلاف الأكل فإنه يباح عند الضرورة إذاً هذه قاعدة مفيدة أما التعليل الأخير فهو ليس ظاهر جدا يقول المؤلف ولو أنه توضأ بأحدهما ثم تغير اجتهاده في الوضوء الثاني فتوضأ بالأول لتوضأ بما يعتقد نجاسته ومعلوم إذا تحرى وغلب على ظنه أن رقم واحد هو الطاهر وتوضأ به ثم عند الوضوء الثاني تحرى وغلب على ظنه أن النجس رقم واحد وأن الطاهر رقم اثنين فمعناه أن وضوءه الأول كان بما يعتقد أنه نجس فإذا كان يعتقد نجاسته فماذا يلزمه؟ يلزمه غسل أثر الماء الأول لأنه إذا كان يعتقد أنه نجس فقد تلوث به فيجب عليه غسل الأثر يقول المؤلف فإذا توضأ بالثاني من غير غسل أثر الأول تنجس يقينا وهذا صحيح ولو لم يغسل أثر الأول

ص: 32

وتوضأ بالثاني يقول فإنه يتنجس يقينا لأن الثاني يلاقي النجاسة فيكون نجسا وحينئذ لا يصح له وضوء لا بهذا ولا بهذا وإن غسل أثر الأول نقض اجتهاده باجتهاده وفيه حرج ينتفي بقوله تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(الحج: من الآية78) فتركهما أولى وعلى كل حال الصحيح في هذه المسألة أنه متى أمكن التحري فإنه يتحرى ولدينا قاعدة معروفة عند أهل العلم وهي (إذا تعذر اليقين عملنا بغلبة الظن) والتحري لا شك أنه ُيِّغلب الظن ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال وكان الحق ذكرالحديث قبل القاعدة ((إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب ثم ليبن عليه)) فنحن نقول إن القول الراجح في هذه المسألة إذا اشتبه طهور بنجس أنه متى أمكن التحري بأي علامة تكون وجب عليه أن يتحرى ويتوضأ بما يغلب على ظنه أنه طهور وإذا تحريت فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها حتى لو تبين أنه نجس فيما بعد فليس عليك شيء.

القاريء: وإن اشتبه مطلق بمستعمل توضأ من كل إناء وضوءا لتحصل له الطهارة بيقين وصلى صلاة واحدة

ص: 33

الشيخ: إن اشتبه مطلق بمستعمل فما معنى مطلق؟ يعني لم يستعمل ونعرف أن المطلق هو غير المستعمل لما قال بمستعمل لأن الشيء يعرف بضده الماء المستعمل سبق لنا أن ما استعمل في طهارة واجبة فإنه يكون طاهرا غير مطهر فعنده إناءان أحدهما مستعمل في طهارة واجبة والثاني غير مستعمل الأول لا يرفع الحدث على المذهب والثاني يرفع الحدث اشتبه أيهما طاهر المطلق من المستعمل

يقول توضأ من كل إناء وضوءا وكلام المؤلف فيه شيء من الإجمال فظاهر كلامه أنه لو توضأ من الأول وضوءا كاملا ثم من الثاني وضوءا كاملا صح الوضوء ولكن الأمر ليس كذلك يتوضأ منهما وضوءا واحدا من هذا غُرفه ومن هذا غرفه فالإناءان طاهر ومطلق يعني مستعمل ومطلق كما قال المؤلف نقول توضأ منهما وضوءا واحداً خذ من هذا غرفة اغسل كفيك ثم من الثاني غرفة اغسل كفيك ثم عد خذ من الأول غرفة للمضمضة والاستنشاق والثاني كذلك ثم خذ غرفة من الأول لغسل الوجه والثاني كذلك ثم لليد اليمنى من الأول والثاني كذلك وهكذا لماذا؟ لأنك لو توضأت من أحدهما وضوءا كاملا ثم توضأت من الثاني لاختل الترتيب لأنك إذا توضأت من الأول يحتمل أنه هو المطلق ويحتمل أنه المستعمل وفي كل غرفة سوف يرد هذا الاحتمال فإذا غسلت وجهك من الأول الغسلة الأولى يحتمل أنه هو الطاهر أو المطلق أليس كذلك فإذاً لم يرتفع الحدث ولنفرض أنه الطاهر غير المستعمل لنفرض أنه المطلق غير المستعمل ثم غسلت اليدين يرد احتمال أنه مطلق أو المستعمل وحينئذ يختلف الترتيب بالنسبة للوضوء الثاني ولذلك الفقهاء المتأخرون قيدوا وقالوا لابد أن يتوضأ منهما وضوءا واحدا لأجل أن لا يتجاوز عضوا إلا وقد تيقن أنه طاهر أليس كذلك أنا إذا غسلت وجهي من هذا ثم من هذا تيقنت الآن إني توضات بماء طهور.

ص: 34

القاريء: وإن اشتبهت الثياب الطاهرة بالنجسة وأمكنه الصلاة في عدد النجس وزيادة صلاة لزمه ذلك لأنه أمكنه تأدية فرضه يقينا من غير مشقة فلزمه كما لو اشتبه المطلق بالمستعمل وإن كثر عدد النجس فذكر ابن عقيل أنه يصلي في أحدها بالتحري لأن اعتبار اليقين يشق فاكتفي بالظاهر كما لو اشتبهت القبلة.

ص: 35

الشيخ: إذا اشتبهت ثياب طاهرة نجسة وهذا يمكن يقع أحد الثياب عندك قد أصابه بول وهو معلق ولا تدري عينه ماذا تعمل نقول صل بعدد النجس وزد صلاة قال عدد النجس خمسون ثوبا هذا رجل غني عنده خمسون ثوبا كلها نجسة والحادي والخمسون طاهر كم يصلي في كل فرض واحداً وخمسين صلاة لكن محل ذلك إذا لم يمكن تطهير أحد الثياب ولو كان عنده ماء يمكنه أن يطهر أحد الثياب وجب عليه لأنه إذا كان يمكنه تطهير أحد الثياب وطهره صلى صلاة واحدة يتيقن أنها صحيحة لكان لو صلى بعدد النجس وزاد صلاة فكل صلاة من هذه الصلوات يحتمل أنها الصحيحة أو أنها غير الصحيحة وصحيح أنه إذا زادت صلاة فأحد هذه الصلوات الخمسين مثلا صحيح لكنها كل صلاة واحدة باعتبار عينها مشكوك فيها أعيد مرة ثانية رجل عنده ثلاثة ثياب نجسة والثوب الرابع طاهر فاشتبه عليه الطاهر من الثياب بالنجس نقول يجب عليك أن تصلي أربع صلوات عدد النجس ثلاث والطاهر واحدة ما لم يمكن تطهير أحد الثياب فإن أمكن وجب لماذا نقول يجب لأنك إذا طهرته وصليت الصلاة تيقنت أنها هي الصحيحة بعينها لكن لو صليت أربع صلوات هل تتيقن أن هذه الصلاة بعينها هي الصحيحة لا لكن بمجموعها أتيقن أن فيها صحيحة لكن ما أدري هي التي بالثوب الأول أو الثاني أو الثالث أو الرابع إذا يحتاج إلى قيد أو لا؟ نعم وهو إذا لم يمكن تطهير أحد الثياب فإن أمكن وجب تطهيره ليؤدي الصلاة بيقين بعينها المشهور من المذهب يقولون يصلي بعدد النجس ولو كثر ولو كان لا ينتهي من الصلاة إلا إذا دخل وقت الصلاة الثانية فلو قدرنا أنها مائة ثوب يصلي مائة صلاة واحدة إذا صلى صلاة الظهر يمكن يأتي العصر وما قضت وصلاة العصر يمكن يأتي المغرب ما خلصت.

القول الثاني لابن عقيل وكأن المؤلف رحمه الله يميل إليه لأن تعليله يدل عليه ولم يذكر سوى هذا القول قال يقينا من غير مشقة من ثم ذكر قول ابن عقيل وهذا يدل على أنه يميل إليه.

فصل

ص: 36

القاريء: في سؤر الحيوان وهو ثلاثة أقسام طاهر وهو ثلاثة أنواع أحدها الآدمي متطهرا كان أو محدثا لما روى أبو هريرة.

الشيخ: أولا هل تعرفون سؤر الحيوان يعني بقية طعامه وشرابه

السائل: لما روى أبو هريرة قال ((لقيني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا جنب فانخنست منه فاغتسلت ثم جئت فقال أين كنت يا أبا هريرة قلت يا رسول الله كنت جنبا فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة فقال سبحان الله إن المؤمن لا ينجس)) متفق عليه.

وعن عائشة ((أنها كانت تشرب من الإناء وهي حائض فيأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيها فيشرب)) رواه مسلم.

الشيخ: في هذا تواضع النبي عليه الصلاة والسلام حيث يشرب من الإناء الذي قد شرب منه وكثير من الناس اليوم لا يشربون من الإناء الذي شرب منه وفيه دليل على محبته لعائشة رضي الله عنها ولهذا يشرب من موضع فمها وفيه أيضا إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان مع أهله ومع زوجته خاصة أن يفعل كل شيء يقوي الصلة بينهما والمحبة ويؤيد هذا قوله صلى الله عليه وسلم (خيركم خيركم لأهله).

القاريء: النوع الثاني لحمه فهو طاهر بلا خلاف.

الثالث ما لا يمكن التحرز منه وهو السنور وما دونها في الخلقة لما روت كبشة بنت كعب بن مالك قالت ((دخل علي أبو قتادة فسكبت له وضوءا فجاءت هرة فأصغى لها الإناء حتى شربت فرآني أنظر إليه فقال أتعلمني يا ابنة أخي قلت نعم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات)) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح دل بمنطوقه على طهارة الهرة وبتعليله على طهارة ما دونها لكونه مما يطوف علينا ولا يمكن التحرز عنه كالفأرة ونحوها فهذا سؤره وعرقه وغيرهما طاهر.

الشيخ: النوع الأول الآدمي فسؤره لا شك في طهارته لأن المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا وكذلك الكافر ونجاسة الكافر نجاسة معنوية.

ص: 37

الثاني ما يؤكل لحمه فهو طاهر بلا خلاف مثل البعير والدجاجة فسؤرها طاهر بلا خلاف.

الثالث ما لا يمكن التحرز منه وهو السنور وهذا صحيح ولكن انظر للقيد الذي ذكره المؤلف قال وهو السنور وما دونها في الخلقة ولو اقتصر على ما سبق وهو قوله ما لا يمكن التحرز منه لكان أوفق في الحديث لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل في الهرة (أنها من الطوافين) ولم يقل أنها صغيرة لو قال أنها صغيرة لكنا نقول إنه دليل على أن ما كان مثلها أو دونها في الخلقة فهو طاهر لكن قال من الطوافين لأن الطواف علينا الذي يكثر تردده ويشق علينا أن نتحرز منه ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة أن العبرة بمشقة التحرز كما قال المؤلف رحمه الله في أول الأمر وأنه لا عبرة بالجسم وبناءً على ذلك يكون سؤر الحمار والبغل طاهرا لأن البغل والحمار مما يشق التحرز عنه فهما من الطوافين علينا وكذلك غيرهما إلا شيئا واحدا دلت السنة على نجاسة سؤره وهو الكلب فهذا وإن كان من الطوافين علينا ككلب الصيد والحرث والماشية فإنه يجب غسل ما ولغ فيه سبع مرات إحداها بالتراب وعلى كل حال على كلام المؤلف الأمر معلق بماذا؟ بالهرة فما دونها مع مشقة التحرز يعني أن المؤلف اشترط شرطين:

1.

مشقة التحرز.

2.

وأن يكون من الهرة فما دونها.

والصحيح أن العلة ما علل به النبي صلى الله عليه وسلم وهي (أنها من الطوافين علينا) فيشق علينا أن نتحرز منه.

السائل: الاستدلال في حديث أبي قتادة أنه مما لا يمكن التحرز منه مع أن أبي قتادة يستطيع أن لا يصغي لها الإناء فيتحرز منها

الشيخ: لأنه لما حكم الرسول بأنها طاهرة صار لا فرق بين أن نختار أن تشرب من إناءِنا أم لم تشرب وإلا في هذه الحال لا شك أنه يمكن التحرز لكن الحكم على الأغلب والنادر يقول العلماء لا حكم له

ص: 38

القارئ: القسم الثاني نجس وهو الكلب والخنزير وما تولد منهما فسؤره نجس وجميع أجزائه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبعا)) متفق عليه، ولولا نجاسته ما وجب غسله والخنزير شر منه لأنه منصوص على تحريمه ولا يباح اقتناؤه بحال وكذلك ما تولد من النجاسات كدود الكنيف وصراصره لأنه متولد من نجاسة فكان نجسا كولد الكلب.

الشيخ: القسم الثاني نجس وهو الكلب والخنزير ولا شك في نجاسة الكلب والخنزير لقول الله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ)(الأنعام: من الآية145) ولكن ليس كلامنا الآن على نفس الخنزير والكلب وإنما كلامنا على سؤر الكلب وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان يغسله سبع مرات إحداها بالتراب والخنزير يقولون إنه شر منه ولكن هذا قياس فاسد الاعتبار لأن الخنزير موجود في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ومع ذلك لم يأمر بالغسل سبع مرات من سؤره فالصحيح أن الخنزير حكمه حكم بقية النجاسات.

القارئ: قال الإمام الموفق أبو محمد رحمه الله القسم الثالث ..

ص: 39

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم قبل أن نبدأ الدرس الجديد ذكر المؤلف فيما سبق أنه إذا اشتبه طهور بنجس فالواجب اجتنابه وأن يتيمم حتى يتبين له الأمر وذكرنا أن في المسألة قولا آخر وهو أن يتحرى إذا كثر عدد الطاهر ولكن هنا بحث هل المراد بالكثرة هنا الكثرة الكاثرة أو الزيادة ولو واحدا الصحيح من المذهب على القول بالتحري أن المراد بالزيادة ولو واحدة يعني لو كان الأواني الطاهرة خمسة والأواني النجسة أربعة فهنا يتحرى والقول الثالث في المسألة أنه يتحرى مطلقا إذا أمكن التحري بالعلامة يعني معناه أنه ينظر ويفكر فإذا وجد علامة تشير أو تؤشر إلى أن هذا هو النجس عمل بها وهذا القول هو الصحيح من مذهب الشافعية رحمهم الله وهو الصحيح عندنا وفيه قول آخر رابع أنه يتحرى وإن لم يكن هناك علامة فإذا غلب على ظنه أو ركنت نفسه إلى أحد الإناءين فإنه يستعمله ويكون هو الطهور وهذا القول يعني قد يكون له وجه لكنه ضعيف في الحقيقة لأنه إذا لم يكن له علامة فمجرد ميل النفس لغير سبب لا يؤثر بل لابد أن يكون هناك علامة يهتدي بها إلى الطهور ثم إنه لو فرض أنه تحرى وغلب على ظنه أن هذا هو الطهور وصلى ثم تبين أنه النجس فهل يعيد الصلاة؟ لا، لا يعيد الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر) انظر كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا الحديث ليس خاصا في الحكم بين الناس حكم القضاة بل هو عام في كل شيء فالإنسان إذا اجتهد فقد فعل ما أمر به فإذا بان الأمر على خلافه فليس عليه شيء وينبغي أن نعلم أن القول بالتحري مقيد بما إذا لم يمكن تطهير أحدهما بالآخر فإن أمكن تطهير أحدهما بالآخر وجب وكيف يمكن؟ مثل إذا كان الإناءان كل واحد منهما قلتان فيمكن أن يطهر أحدهما بالآخر وفي غير هذه الصورة لو كان أحدهما أقل من القلتين فلا يمكن تطهيره أو إذا كان عنده طهور بيقين فإنه لا يجوز التحري لأن التحري إنما

ص: 40

جاز للضرورة فإذا كان عنده إناء طهور يقينا فإنه لا يجوز أن يتحرى ويجب أن يتوضأ بالماء الطهور بيقين إذاً نحن نقول الآن أن الراجح التحري ولكنه لا يتحرى إلا عند الضرورة مثل إذا لم يمكن تطهير أحدهما بالآخر ومثل إذا لم يكن عنده طهور بيقين فإذا كان عنده طهور بيقين لا شك فيه فلا يتحرى يستعمل الطهور بيقين ولا حرج عليه.

القارئ: القسم الثالث مختلف فيه وهو ثلاثة أنواع كذلك:

أحدها سائر سباع البهائم والطير وفيهما روايتان إحداهما أنها نجسة لأن النبي صلى الله عليه وسلم (سئل عن الماء وماينوبه من السباع فقال إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء) فمفهومه أنه ينجس إذا لم يبلغهما ولأنه حيوان حرام لخبثه يمكن التحرز عنه فكان نجسا كالكلب

الشيخ: لأنه حيوان حرم لخبثه أي لنجاسته وقوله يمكن التحرز منه احترازا من الهرة وما دونها كما سبق.

القارئ: الثانية أنها طاهرة لما روى أبو سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها الكلاب والسباع والحمر وعن الطهارة بها فقال (لها ما أخذت في بطونها ولنا ما غبر طهوراً) رواه ابن ماجة ومر عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص على حوض فقال عمرو يا صاحب الحوض هل ترد على حوضك السباع فقال عمر يا صاحب الحوض لا تخبرنا فإنا نرد عليها وترد علينا) رواه مالك في الموطأ

الشيخ: أي الروايتين أصح؟ الظاهر أن الصحيح هو أنها طاهرة لأننا لو قلنا بأنها نجسة لأدى ذلك إلى مشقة على الناس فإنه يوجد من الغدران في البر ماهو دون القلتين ولا شك أن السباع والطيور ترد هذا الماء فإذا قلنا بأنه نجس صار بهذا مشقة على الناس والنبي عليه الصلاة والسلام فيما يظهر لنا أنه يمر بهذه المياه ويتوضأ منها

ص: 41

القارئ: النوع الثاني الحمار الأهلي والبغل ففيهما روايتان إحداهما نجاستهما لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحمر يوم خيبر (إنها رجس) متفق عليه ولما ذكرنا في السباع والثانية أنها طاهرة لأنه قال إذا لم يجد غير سؤرهما تيمم معه ولو لم يحكم بطاهرته لم يبح استعماله ووجهها ما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (سئل أنتوضأ بما أفضلت الحمر قال نعم وبما أفضلت السباع كلها) رواه الشافعي في مسنده ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يركب الحمار والبغال وكان الصحابة يقتنونها ويصحبونها في أسفارهم فلو كانت نجسة لبين لهم نجاستها ولأنه لا يمكن التحرز عنها لمقتنيها فأشبهت الهر ويجوز بيعها فأشبهت مأكول اللحم

الشيخ: العلل واضحة وهذا هو الصحيح الرواية الثانية أن الحمير والبغال سؤرها طاهر وعرقها طاهر وما أصابك منها فهو طاهر إلا ما خرج من السبيلين والدم فإنه نجس أما الخارج المعتاد من غير السبيلين فالصحيح أنه طاهر ومن المعلوم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يركب الحمار والحمار يعرق ويصيب راكبه العرق وربما تكون السماء ممطره ويصيب البلل جلد الحمار ويباشره الراكب وكل هذا يدل على أنها طاهرة ولأنه يشق التحرز منها كما قال المؤلف فهي من الطوافين حتى إن بعض العلماء قال إن الحمير والبغال من الطوافين لأنه إذا كانت الهرة حكم النبي عليه الصلاة والسلام بطهارتها لأنها من الطوافين وهي لا تلابس كما تلابس الحمير فتكون الحمير من باب أولى.

ص: 42

فالمؤلف رحمه الله اختصر الحديث قال أنس بن مالك أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا طلحة يوم خبير أن ينادي (إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس) فالمؤلف رحمه الله ليته أتى بالحديث كاملاً لأنه في خيبر رتعوا فيها وذبحوها وقطعوها وجعلوها في القدور وأوقدوا عليها النيران فلما رآها النبي عليه الصلاة والسلام قال ما هذا قالوا حمر يا رسول الله فأمر أبا طلحة فنادى.

القارئ: النوع الثالث الجلالة وهي التي أكثر علفها النجاسة ففيها روايتان إحداهما نجاستها لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن ركوب الجلالة وألبانها) رواه أبو داود ولأنها تنجست بالنجاسة والريق لا يطهر.

والثانية أنها طاهرة لأن الضبع والهر يأكلان النجاسة وهما طاهران وحكم أجزاء الحيوان من جلده وشعره وريشه حكم سؤره لأنه من أجزائه فأشبه فمه فإذا وقع في الماء ثم خرج حيا فحكم ذلك حكم سؤره قال أحمد في فأرة سقطت في ماء ثم خرجت حية لا بأس به.

ص: 43

الشيخ: الجلالة هي التي أكثر علفها النجاسة وكيف يكون أكثر علفها النجاسة مثال هذا طير يغذى بدم مسفوح والدم المسفوح نجس ويغذى بحب من البر ننظر أيهما أكثر إذا قالوا إن الحب أكثر فليس بجلالة إذا قالوا إن الدم أكثر فهو جلالة وقد اختلف العلماء رحمهم الله في الجلالة هل هي نجسة حرام أو هي طاهرة حلال على قولين للعلماء فمنهم من قال إنها نجسة حرام حتى تحبس عن النجس وتطعم الطاهر ثلاثة أيام ثم بعد ذلك تكون حلالا طاهرة ومنهم من قال إنها ليست بنجسة ولا حراما وضعف الأحاديث الواردة في ذلك وقال إن النجاسة إذا استحالت زالت وطهرت وقال إن هذا الغذاء استحال دما فطهر وفيها روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله رواية التحريم ورواية الإباحة وقد كثر السؤال عن الدواجن التي قيل إنها تغذى بالدم المسفوح هل هي حلال أولا؟ والجواب على هذا التفصيل هل أكثر علفها من هذا الدم أو لا فإن كان أكثر علفها من غيره فلا إشكال في حلها وطهارتها وإن كان أكثر علفها من هذا الدم ففيها هاتان الروايتان رواية الطهارة ورواية النجاسة والصحيح أنها طاهرة حلال ما لم تصح الأحاديث والأحاديث الواردة في الجلالة كلها فيها مقال فإن صحت الأحاديث فليس لنا بد من السمع والطاعة لله ورسوله وإن لم تصح الأحاديث فإن الاستحالة تقتضي الإزالة وأنه لا حكم لما حصل وانظر إلى الآدمي فالآدمي طاهر مع أنه يتحول من علقة قطعة دم إلى مضغة وقطعة الدم نجسة ومع ذلك لما تحول صار طاهرا كما قال النبي عليه الصلاة والسلام

السائل: ما ضابط الدواب التي يشق التحرز منها؟

الشيخ: يرجع إلى العرف

ص: 44

الشيخ: النوع الثالث الجلالة وهي التي أكثر علفها النجاسة ففيها روايتان إحداهما نجاستها لأن النبي صلى الله عليه وسلم (نهى عن ركوب الجلالة وألبانها) رواه أبو داود وهذا يحتاج إلى تحرير إذا صح الحديث يبقى عندنا إشكال عظيم في متنه وهو النهي عن ركوب الجلالة لأن الحمار أخبث منها لا شك ومع ذلك لم ينه عن ركوبها وهذا مما يوجب أن الإنسان يضعف هذا الحديث لأن في متنه نكارة اللهم إلا أن يراد بذلك النهي التعزير يعني أن الرسول نهى عن ركوبها تعزيرا لصاحبها حتى لا يعود إلى تعليفها النجاسة

وهذا الاحتمال الذي قلناه متى نحتاج إليه؟ إذا صح الحديث، يقول المؤلف:(ولأنها تنجست بالنجاسة والريق لا يطهر) أي إذا تنجست بنجاسة فإن الريق لا يطهر يقول رحمه الله الرواية الثانية أنها طاهرة لأن الضبع والهر يأكلان النجاسة وهما طاهران أما الضبع فهو ظاهر لكونه حلالا وأما الهرة فهي طاهرة لماذا ليس لأنها حلال بل لأنها من الطوافين علينا وهل يأكلان النجاسة؟ نعم لا شك في ذلك فألذ ما عند الهرة الفأرة وهي نجسة يقول المؤلف وحكم أجزاء الحيوان من جلده وشعره وريشه حكم سؤره ولأنه من أجزائه فأشبه فمه فإذا وقع في الماء ثم خرج حيا فحكم ذلك حكم سؤره قال أحمد في فارة سقطت في ماء ثم خرجت حية لا بأس به لكنهم اشترطوا في الحيوان الذي يسقط في الماء ثم يرجع حيا أولاً إن كان طاهرا فالأمر فيه واضح وإن كان نجسا فإنه على كلام الفقهاء رحمهم الله ينجس الماء بمجرد الملاقاة إلا إذا كان قلتين فأكثر فلا يفسد إلا بالتغير وإنما قال الإمام أحمد لا بأس به لأن الفأرة من الطوافين علينا فهي طاهرة.

مسألة: الصحيح في مسألة ما سقي بنجس أو سمد بنجس أنه طاهر ما لم يظهر أثر النجاسة فيه ولوظهرت النجاسة فيه بحيث إذا شققنا القرعة وجدنا رائحة خبيثة فهي حرام.

فصل

ص: 45

القارئ: إذا أكلت الهرة نجاسة ثم شربت من ماء بعد غيبتها لم ينجس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إنها ليست بنجس)) مع علمه بأكلها النجاسات وإن شربت قبل الغيبة فقال أبو الحسن الآمدي ظاهر قول أصحابنا طهارته للخبر ولأننا حكمنا بطهارتها بعد الغيبة واحتمال طهارتها بها شك لا يزيل يقين النجاسة وقال القاضي ينجس لأن أثر النجاسة في فمها بخلاف ما بعد الغيبة فإنه يحتمل أن تشرب من ماء يطهر فاها فلا ينجس ما تيقنا طهارته بالشك

الشيخ: والصحيح القول الأول أنه سواء شربت عن قرب أو عن بعد فإن سؤرها طاهر لعموم الحديث وبالنسبة للجلالة الأحاديث الواردة فيها متكاثرة ومجموعها أقل ما يجعلها حسنه وعلى هذا فيكون الاحتمال الذي ذكرنا بالأمس وهو النهي عن ركوبها إما من باب التعزير أو أنه يخشى أن تعرق فإذا عرقت فإنه يكون عرقها نجسا ويتلوث به الراكب أما بالنسبة للحكم عند أهل العلم فإن العلماء اختلفوا في طهارتها كما ذكره المؤلف وبناءً على هذا الاختلاف اختلفوا في حل أكلها فمن يرى أنها طاهرة يرى أن أكلها حلال ومن يرى أنها نجسة يرى أنها حرام وكذلك لبنها وكذلك بيضها إذا كانت دجاجة حسب ما يرونه فالشافعية رحمهم الله يرون أن هذا على سبيل الكراهة وليس على سبيل التحريم إلا إذا ظهرت النجاسة في لحمها أو لبنها بمعنى أن اللحم تغير وأنتن بالنجاسة أو اللبن فحينئذ يكون نجسا حراما.

السائل: لماذا فرقنا بين عرق الحمار وعرق الجلالة؟

الشيخ: هم يقولون لأن هذا عرقه طارئ ويمكن أن يطهر بأن تطعم ثلاثة أيام الطاهر ويزول الحكم ولكن ما ذكرت لا شك إنه وارد عليهم فيقال إذا كان هذا نجسا من أصله وعرقه طاهر على ما هو القول الراجح وأما على القول بأنه نجس فلا يرد

فصل

القارئ: والحيوان الطاهر على أربعة أضرب:

أحدها ما تباح ميتته كالسمك ونحوه والجراد وشبهه فميتته طاهرة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحل ميتته)

ص: 46

والثاني ما ليست له نفس سائلة كالذباب والعقارب والخنافس فهو طاهر حيا وميتا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فامقلوه فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء)) رواه البخاري بمعناه فأمر بمقله ليكون شفاء لنا إذا أكلنا ولأنه لا نفس له سائلة أشبه دود الخل إذا مات فيه.

الشيخ: كلام المؤلف الآن في الميتات يقول (ما تباح ميتته فميتته طاهرة) حتى لو تغير بها الماء فهو متغير بطاهر مثل السمك والجراد فهذا طاهر لقول النبي عليه الصلاة والسلام في البحر (هو الطهور ماؤه الحل ميتته).

الثاني ما لا نفس له سائلة والنفس هنا الدم يعني ما لا ليس له دم سائل وليس مجرد الدم لأن مجرد الدم يكون حتى في الذباب والبعوض لكن المراد سائل يسيل فالذي ليس له نفس سائلة هذا طاهر بعد الموت وإن كان حراماً ودليله قول النبي عليه الصلاة والسلام ((إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه)) ووجه الدلالة أنه إذا غمسه في شيء حار فإنه يموت وكذلك لو غمسه في دهن وشبهه فإنه يموت في الحال وهذا يدل على أن ميتته طاهرة لكن ظاهر كلام المؤلف أنه سواء تولد من نجس أو من طاهر والمعروف عند الفقهاء أنه إذا تولد من نجس فهو نجس والقول الثاني أنه طاهر ولو تولد من نجس بناءً على طهارة النجاسة بالاستحالة

القارئ: والثالث الآدمي ففيه روايتان أظهرهما أنه طاهر بعد الموت لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن المؤمن ليس بنجس) ولأنه لو كان نجس العين لم يشرع غسله كسائر النجاسات والثانية هو نجس قال أحمد في صبي مات في بئر تنزح وذلك لأنه حيوان له نفس سائلة أشبه الشاة.

ص: 47

الشيخ: والأول أصح وهو أن الميت لا ينجس حيا ولا ميتا أصح فإن قال قائل يرد علينا قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)(التوبة: من الآية28) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن المؤمن لا ينجس) فمفهومه أن الكافر ينجس كما هو منطوق الآية فالجواب أن النجاسة نوعان حسية ومعنوية والنجاسة التي تضاف إلى الكافر هي المعنوية

القارئ: والرابع ما عدا ما ذكرنا مما له نفس سائلة لا تباح ميتته فميتته نجسة لقوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ)(المائدة: من الآية3) وقوله (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ)(الأنعام: من الآية145).

الشيخ: الضابط في مسألة الدم أن كل ما كانت ميتته طاهرة فدمه طاهر إلا الآدمي على أن بعض العلماء قال إن دم الآدمي طاهر ما لم يخرج من السبيلين وعللوا ذلك بأنه لا دليل على النجاسة والنجاسة تحتاج إلى دليل وبعموم قوله (إن المؤمن لا ينجس) فهذا يشمل أجزاؤه وما فيه وبأن الصحابة كانوا يجرحون في الغزوات ويصلون في ثيابهم وبأن القاعدة أن ما أبين من حي فهو كميتته والآدمي إذا قطعت يده فهي طاهرة فكيف نقول هذه اليد إذا قطعت تكون طاهرة مع أنها عضو وجزء منه والدم إذا انفصل يكون نجسا فهذا بعيد ولهذا فالذي يترجح عندي أن دم الآدمي طاهر ما لم يخرج من السبيل لكن مع ذلك نأمر الإنسان بأن يتنزه منه من باب الاحتياط والاحتياط في غير مشقة أولى من كون الإنسان يتهاون في الأمر

السائل: هل الدم الخارج من الحيوان الذي يؤكل لحمه وهو حي نجس

الشيخ: كل ما ميتته نجسة فدمه نجس وكل ما ميتته طاهرة فدمه طاهر فالسمك مثلا لو أن سمكة خرج منها دم كثير ولو كانت حية فهو طاهر

ص: 48