الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاريء: ومن علينا بالنبي المختار محمد سيد الأبرار المبعوث من أطهر بيت في مضر بن نزار صلى الله عليه وعلى آله الأطهار وصحابته المصطفين الأخيار صلاة تجوز حد الإكثار دائمة بدوام الليل والنهار هذا كتاب استخرت الله تعالى في تأليفه على مذهب إمام الأئمة ورباني الأمة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رضي الله عنه في الفقه توسطت فيه بين الإطالة والاختصار وأومأت إلى أدلة مسائله مع الاقتصار وعزوت أحاديثه إلى كتب أئمة الأمصار ليكون الكتاب كافيا في فنه عما سواه مقنعا لقارئه بما حواه وافيا بالغرض من غير تطويل جامعاً بين بيان الحكم والدليل وبالله أستعين وعليه أعتمد وإياه أسأل أن يعصمنا من الزلل ويوفقنا لصالح القول والنية والعمل ويجعل سعينا مقربا إليه ونافعا لديه وينفعنا والمسلمين بما جمعنا ويبارك لنا فيما صنعنا وهو حسبنا ونعم الوكيل.
(كتاب الطهارة)
باب حكم الماء الطاهر
القاريء: يجوز التطهر من الحدث والنجاسة بكل ماء نزل من السماء من المطر وذوب الثلج والبرد لقول الله تعالى (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ)(لأنفال: من الآية11) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)) متفق عليه
الشيخ: قوله تعالى (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً)(الفرقان: من الآية48) والطهور هو الطاهر بذاته المطهر لغيره وإن شئت فقل الطهور ما يتطهر به.
القاريء: وبكل ماء نبع من الأرض من العيون والبحار والآبار لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء أفنتوضأ بماء البحر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((هو الطهور ماؤه الحل ميتته)) قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ من بئر بضاعة رواه النسائي
الشيخ: إذاً نأخذ من هذا الفصل قاعدة (كل ماء نزل من السماء أو نبع من الأرض فهو طهور مطهر من الأحداث والأنجاس)
فصل
القاريء: فإن سخن بالشمس أو بطاهر لم تكره الطهارة به لأنها صفة خلق عليها الماء فأشبه ما لو برده وإن سخن بنجاسة يحتمل وصولها إليه
الشيخ: قوله لأنها صفة خلق عليها الماء هذا فيه نظر لأن الماء لم يخلق عليها لو خلق عليها ما احتاج إلى تسخين فيقال إنه لم يخلق عليها لأنه سخن أما قوله وبطاهر فمثل الحطب وروث الإبل أما روث الحمير فنجس.
القاريء: وإن سخن بنجاسة يحتمل وصولها إليه ولم يتحقق فهو طاهر لأن الأصل طهارته فلا تزول بالشك ويكره استعماله لاحتمال النجاسة وذكر أبو الخطاب رواية أخرى أنه لا يكره لأن الأصل عدم الكراهة.
الشيخ: نعم الراجح أنه لا يكره التطهر به يعني لا يكره استعماله كما قال أبو الخطاب لأن الأصل عدم الكراهة والكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل.
القاريء: وإن كانت النجاسة لا تصل إليه غالبا ففيه وجهان أحدهما يكره لأنه يحتمل النجاسة فكره كالتي قبلها والثاني لا يكره لأن احتمال النجاسة بعيد فأشبه غير المسخن
الشيخ: إذاً المسخن بالشمس أو بطاهر لا كراهة فيه والمسخن بنجس إن كان يحتمل وصولها إليه فهو مكروه وإن كان لا يحتمل ففيه وجهان مع أن المسألة الأولى أيضا فيها خلاف فأبو الخطاب رحمه الله يرى أنه لا يكره والصحيح أنه لا يكره إذاً الفصل هذا فيه مسألتان المسألة الأولى إذا سخن بطاهر أو بالشمس فهذا طهور غير مكروه قولا واحدا وإذا سخن بنجس ففيه الخلاف سواء احتمل وصول النجاسة أم لم يحتمل والصحيح أنه لا يكره.
فصل
القاريء: وإن خالط الماء طاهر لم يغيره لم يمنع الطهارة به لأن النبي صلى الله عليه وسلم ((اغتسل هو وزوجته من قصعة واحدة فيها أثر العجين)) رواه النسائي وابن ماجه والأثرم ولأن الماء باقٍ على إطلاقه فإن كان معه ماء يكفيه لطهارته فزاده مائعا لم يغيره ثم تطهر به صح لما ذكرنا وإن كان الماء لا يكفيه لطهارته فكذلك لأن المائع استهلك في الماء فهو كالتي قبلها وفيه وجه آخر لا تجوز الطهارة به لأنه أكملها بغير الماء فأشبه ما لو غسل به بعض أعضائه
الشيخ: إذا خالط الماء طاهر لم يغيره فلا شيء فيه يعني مثلا خالطه عجين أو خالطه تمر أو خالطه حلوى لكنها لم تغيره فهذا لا يضر لأن الماء باقِ على إطلاقه كما قال المؤلف وإن كان معه ماء يكفيه لطهارته فزاده مائعا ولكنه لم يغيره أيضا لا يضر كيف هذا يعني إنسان معه ماء قليل لا يكفي لطهارته ومعه شاهي الشاهي يسمى مائع فصب من الشاهي على الماء من أجل أن يزيده فيكمّل طهارته فهذا لا بأس به على القول الراجح وفيه وجه آخر إنها لا تجوز لكن الصحيح أنه يجوز أن يتطهر به لأن هذا المائع استهلك الماء فزال حكمه.
القاريء: وإن غير الطاهر صفة الماء لم يخل من أوجه أربعة أحدها ما يوافق الماء في الطهورية كالتراب وما أصله الماء كالملح المنعقد من الماء فلا يمنع الطهارة به لأنه يوافق الماء في صفتيه أشبه الثلج
الشيخ: يعني أنه أصله الماء ولم يتغير.
القاريء: والثاني ما لا يختلط بالماء كالدهن والكافور والعود فلا يمنع لأنه متغير عن مجاورة فأشبه ما لو تغير الماء بجيفة بقربه
الشيخ: يعني لو صب في الماء دهن فالدهن ما يمكن يختلط بالماء فلو تغير الماء من هذا الدهن لم يضر لأنه تغير عن مجاورة لا عن اختلاط كذلك الكافور والكافور طيب يجعل للأموات فلو وضعنا في الماء كافور فالكافور ما يمكن يمتزج بالماء ولا يموع في الماء فإذا تغير الماء منه فإنه لا يضر لأن التغير هنا عن مجاورة لا عن ممازجة وقول المؤلف أشبه تغير الماء بجيفة بقربه هذه المسألة صورتها أن يكون هناك ماء ولنقل إنه غدير والغدير مجتمع السيول إلى جانبه جيفة فصارت الرياح تنقل رائحة الجيفة إلى هذا الماء فإذا أخذت الماء وشممته أدركت أنه متغير برائحة الجيفة فهذا لا ينجس وقد حكاه بعض العلماء إجماعا مع أنه متغير بالنجاسة وهذا لأن النجاسة هنا لم تختلط به بل هو عن مجاورة أشبه ما لو كان لك ثوب حوله رائحة خبيثة وهو رطب فحمل من هذه الرائحة الخبيثة النجسة فهل تصلي فيه أو لا؟ تصلي فيه لماذا لأن النجاسة لم تصبه فإن صح الإجماع على أن هذا الماء المجاور الذي تغير بالنجاسة المجاورة يبقى على طهوريته فلا عدول لنا عن إجماع المسلمين وإن لم يصح الإجماع فإن القياس يقتضي أن يكون نجساً لأنه متغير بالنجاسة ولولا أن النجاسة أثرت فيه ودخلت فيه ما كان له رائحة وكأن المؤلف رحمه الله يرى انعقاد الإجماع لأنه قاسه ومن شرط قياس حكم على حكم أن يكون الأصل المقيس عليه متفقا عليه ولو بين الخصمين على الأقل يعني ما يمكن تقيس فرع على أصل وأنا خصمك أنازع في الأصل لماذا؟ لأني أقول لك لا أسلم الأصل حتى أسلم الفرع ولهذا من شرط القياس أن يكون الأصل متفقا عليه إما بين المسلمين عموما أو على الأقل بين الخصمين فيقول الخصم لخصمه ألست تقول كذا وكذا في هذا الحكم قال نعم فيقول إذاً نقيس عليه هذه المسألة.
سائل: هل يعارض هذا الإجماع على أنه إذا تغير الماء برائحة فهو نجس؟
الشيخ: هم يقولون ما تغير طعمه أو لونه أو رائحته بنجاسة تحدث فيه كما هو لفظ الحديث الذي ذكره ابن حجر في بلوغ المرام (بنجاسة تحدث فيه) وقالوا هذه النجاسة ما حدثت فيه هذه النجاسة بقربه فالمهم إن كان الإجماع فلا عدول لنا عنه ولا يسوغ لنا أن نخرج عن إجماع المسلمين وإن كان ليس هناك إجماع فالقول قول من يقول إنه ينجس لأن هذا الماء خبيث.
سائل: إذا حكمنا بنجاسته هل يعدل عنه إلى التيمم؟
الشيخ: إذا حكمنا بنجاسته ولم يمكن تطهيره فإن أمكن تطهيره بأن يحمل ويبعد عن المكان هذا وتزول رائحته.
القاريء: والثاني ما لا يختلط بالماء كالدهن والكافور والعود فلا يمنع لأنه تغير عن مجاورة فأشبه ما لو تغير الماء بجيفة بقربه. الثالث ما لا يمكن التحرز منه كالطحلب وسائر ما ينبت في الماء وما يجري عليه الماء من الكبريت والقار وغيرهما وورق الشجر على السواقي والبرك وما تلقيه الريح والسيول في الماء من الحشيش والتبن ونحوهما فلا يمنع لأنه لا يمكن صون الماء عنه.
الرابع ما سوى هذه الأنواع كالزعفران والإشنان والملح المعدني وما لا ينجس بالموت كالخنافس والزنابير وما عفي عنه لمشقة التحرز إذا ألقي في الماء قصدا فهذا إن غلب على أجزاء الماء مثل أن جعله صبغا أو حبرا أو طبخ فيه سلبه الطهورية بغير خلاف لأنه زال اسم الماء فأشبه الخلق وإن غير إحدى صفاته طعمه أو لونه أو ريحه ولم يطبخ فيه فأكثر الروايات عن أحمد أنه لا يمنع لقول الله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا)(المائدة: من الآية6) ولأنه خالطه طاهر لم يسلبه اسمه ولا رقته ولا جريانه أشبه سائر الأنواع وعنه لا يجوز الطهارة به لأنه سلب إطلاق اسم الماء أشبه ماء الباقلاء المغلي وهذا اختيار الخرقي وأكثر الأصحاب.
الشيخ: هذا الفصل ذكر فيه المؤلف أنه إذا خلط الماء بطاهر لم يغيره لم يمنعه الطهارة يعني بأن سقط فيه أوراق شجر أو قطع خرق أو خشب أو غيرها ثم لم يغيره لا غير طعمه ولا لونه ولا ريحه فهذا طهور لا يمنع الطهارة به.
الثاني ما لا يختلط به الماء يعني ما لا يمازج الماء مثل الكافور والدهن والزيت والقاز والبنزين وما أشبهه فهذا أيضا لا يؤثر حتى لو تغير الماء به وذلك لأنه لا يمتزج به فأشبه المتغير برائحة جيفة إلى جانبه.
الثالث ما لا يمكن التحرز منه مثل الطحلب والطحلب هو الذي يكون على ظهر الماء أخضر أو يكون أيضا في الأرض كالنبات أو كذلك بعض البرك يخرج فيها شيء يسمى السعد نوع من النبات أو التراب الذي تحمله الريح أو أوراق الشجر المهم كل شيء لا يمكن التحرز منه هذا أيضا لا يضر حتى لو تغير طعم الماء ولونه وريحه.
الرابع ما يتغير به الماء ولا يشق صون الماء عنه ويمتزج بالماء فهذا إذا غير الماء فيه روايتان عن أحمد:
الأولى أنه طاهر غير مطهر.
والثاني أنه طهور والصحيح أنه طهور وهذا ظاهر كلام الموفق رحمه الله لأنه قدمه قال وإن غير إحدى صفاته لم يمنع الطهارة به وعنه لا تجوز الطهارة به إذا ذكر المؤلف في هذا روايتين وقدم عدم سلبه الطهورية وأنه يجوز الطهارة به وهذا هو الصحيح أما إذا طبخ فيه فإنه ينتقل اسمه عن اسم الماء إلى اسم
هذا المطبوخ فيه مثل المرق وشبهه أو الشاهي فهذا يسلبه الطهورية لأنه انتقل فالحاصل الآن أن الماء إذا خالطه طاهر فإنه ينقسم إلى أربعة أقسام:
الأول ما لا يتغير به والثاني ما لا يمتزج به والثالث ما يشق صون الماء عنه والرابع ما عدا ذلك الأقسام الثلاثة الأولى ما حكمها؟ لا يسلبها الطهورية ولا يمنع الطهارة به والرابع فيه روايتان عن الإمام أحمد إحداهما أنه لا يسلبه الطهورية وهو الذي قدمه الموفق في هذا الكتاب وهو الصحيح والرواية الثانية يسلبه الطهورية وهذا هو المذهب عند المتأخرين أنه إذا تغير:
1.
بطاهر.
2.
ممازج.
3.
لا يشق صون الماء عنه.
فإنه يكون طاهراً غير مطهر هذه القيود الثلاثة من أجل أن تخرج الأقسام الثلاثة الأولى.
فصل
القاريء: فإن استعمل في رفع الحدث فهو طاهر لأن النبي صلى الله عليه وسلم ((صب على جابر من وضوئه)) رواه البخاري ولأنه لم يصبه نجاسة فكان طاهرا كالذي تبرد به وهل تزول طهوريته فيه روايتان أشهرهما زوالها لأنه زال عنه إطلاق اسم الماء أشبه المتغير بالزعفران والثانية لا تزول لأنه استعمال لم يغير الماء أشبه التبرد به وإن استعمل في طهارة مستحبة كالتجديد وغسل الجمعة والغسله الثانية والثالثة فهو باقٍ على إطلاقه لأنه لم يرفع حدثا ولم يزل نجسا وعنه أنه غير مطهر لأنه مستعمل في طهارة شرعية أشبه المستعمل في رفع الحدث
الشيخ: انتقل المؤلف رحمه الله من الماء المتغير إلى الماء المستعمل فإن استعمل في طهارة واجبة مثل الوضوء إنسان يتوضأ ويتناثر من أعضائه ماء هذا المتناثر يسمى مستعملا ذكر المؤلف أنه طاهر لأنه لم تصبه نجاسة لكن هل هو طهور يعني هل هو مطهر أو لا؟ ذكر في ذلك روايتان الأشهر من الروايتين أنه لا يطهر والثانية أنه طهور يطهر والصحيح أنه طهور يطهر وقد علل كونه طاهرا غير مطهر بما ذكر المؤلف زال عنه إطلاق اسم الماء وهذا غير مسلم هل ما تناثر من أعضاء الوضوء أو من البدن بعد غسل الجنابة هل زال عنه اسم الماء؟ أبداً هو ماء لكن علله بعض العلماء بعلة أخرى قال لأن هذا استعمل في طهارة واجبة فلا يعاد مرة أخرى كالعبد إذا أعتق فإنه لا يعتق مرة ثانية وهذا القياس فيه نظر لأن العبد إذا أعتق صار حراً ولا يمكن أن يسترق بعد ذلك نعم لو فرض أنه ذهب إلى الكفار ثم قاتلنا الكفار ثم سبيناه مرة ثانية فحينئذ يرجع رقيقا وهذا الماء أيضا لما استعمل في الطهارة الواجبة نقول لم يزل اسم الماء عنه بخلاف العبد فإنه عتق وصار حراً فالقياس إذاً ليس بصحيح وعلى هذا فيكون القول الراجح في هذه المسألة أنه استعمل في طهارة واجبة فإنه طهور مطهر.
الثاني ما استعمل في طهارة مستحبة فقدم المؤلف أنه باق على طهارته أي أنه طهور مثال الطهارة المستحبة كتجديد الوضوء والطهارة لقراءة القرآن هذه مستحبة وغسل الجمعة على القول بأنه مستحب فيكون الماء طهورا مطهرا والرواية الثانية أنه غير مطهر لأنه مستعمل في طهارة شرعية فأشبه المستعمل في طهارة واجبة هذان نوعان من الاستعمال الأول ما استعمل في طهارة واجبة والثاني ما استعمل في طهارة مستحبة والثالث سيأتينا ما استعمل في غسل نجاسة في الفصل الذي سيأتي والراجح أنه طهور في المسائل السابقة كلها.
فصل
القاريء: وإن استعمل في غسل نجاسة فانفصل متغيرا بها أو قبل زوالها فهو نجس لأنه متغير بنجاسة أو ملاق لنجاسة لم يطهرها فكان نجسا كما لو وردت عليه وما انفصل من الغسلة التي طهرت المحل غير متغير فهو طاهر إن كان المحل أرضاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم ((أمر أن يصب على بول الأعرابي ذنوبا من ماء)) متفق عليه فلو كان المنفصل نجسا لكان تكثيرا للنجاسة وإن كان غير الأرض ففيه وجهان أظهرهما طهارته كالمنفصل عن الأرض ولأن البلل الباقي في المحل طاهر والمنفصل بعض المتصل فكان حكمه حكمه والثاني نجس لأنه ماء يسير لاقى نجاسة فتنجس بها كما لو وردت عليه فإن قلنا بطهارته فهل يكون مطهرا على وجهين بناءً على الروايتين في المستعمل في رفع الحدث وقد مضى توجيههما
الشيخ: هذا المستعمل في النجاسة فالمستعمل في إزالة النجاسة إما أن ينفصل والنجاسة موجودة فهذا نجس مثال ذلك رجل أراد أن يغسل ثوبا أصابه دم فجعل يغسله فأول غسلة ستكون متغيرة بالنجاسة أو ملاقية لها فيكون نجسا سواء تغير أم لم يتغير لأنه لاقى النجاسة وكذلك إذا انفصل قبل السابعة إذا قلنا بوجوب غسل النجاسات سبعا يكون أيضا نجسا لأنه انفصل عن محل نجس وإن كانت النجاسة قد زالت لأن المحل لا يطهر إلا بسبع غسلات فما انفصل قبل السابعة فهو نجس.
الثاني أن ينفصل في السابعة فهذا إن انفصل متغيرا فظاهر أنه نجس وإن انفصل غير متغير فهو طاهر لكن هل يكون مطهراً؟ على قولين:
القول الأول أنه ليس بمطهر لأنه ماء حصل به التطهير إذ أن السابعة هي آخر الغسلات فصار كالمستعمل في رفع الحدث
والثاني أنه طهور مطهر وهذا القول هو الراجح.
فالخلاصة الآن إذا استعمل في إزالة نجاسة فما انفصل والنجاسة موجودة فهو نجس وما انفصل قبل السابعة فهو نجس أيضا أما الأول فهو نجس لأنه لاقى النجاسة وأما الثاني فهو نجس لأنه انفصل عن محل نجس لم يطهر وإن انفصل في السابعة بعد زوال النجاسة يعني النجاسة زالت مثلا في أول غسله أو في ثاني غسله أو خامس غسله ففيه ثلاثة أقوال أنه نجس والثاني أنه طاهر غير مطهر والثالث أنه طهور وهذا الأخير هو الصحيح هذا إذا كان غير أرضٍ أما إذا كان أرضا فهو طاهر قولا واحداً لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بصب الماء على بول الأعرابي ولم يصب مرة ثانية هذا خلاصة هذا الفصل فصار الماء المستعمل إما أن يكون في رفع حدث أو في طهارة مشروعة مستحبة أو في إزالة نجاسة والصحيح في جميع هذه الاستعمالات أنه طهور ما لم يتغير فيما إذا استعمل في إزالة النجاسة فإن كان متغيرا فهو نجس
فصل
القاريء: وإذا انغمس المحدث في ماء يسير ينوي به رفع الحدث صار مستعملا لأنه استعمل في رفع الحدث ولم يرتفع حدثه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه)) رواه مسلم والنهي يقتضي فساد المنهي عنه ولأنه بأول جزء انفصل منه صار مستعملا فلم يرتفع الحدث عن سائرها.
الشيخ: هذا الاستعمال للماء في رفع الحدث لكن على صفة غير الأولى فالأولى يصب الماء عليه ثم ينفصل الثاني وهذا انغمس شخص محدث في ماء يسير ونوى رفع الحدث فيقول المؤلف يكون الماء مستعملا في رفع الحدث ولا يرتفع حدثه وهذا من الغرائب أن يقال إنه استعمل في رفع الحدث والحدث لم يرتفع فإذا كان لم يرتفع فأين الاستعمال في رفع الحدث يقول المؤلف لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه)) رواه مسلم ويغتسل فيها ثلاث روايات يغتسلْ بالسكون عطفا على النهي ويغتسلُ بالضم على الاستئناف ويغتسلَ بالفتح على أنها مثل واو المعية فعلى:
الوجه الأول ثم يغتسل فيه يكون النهي عن البول والاغتسال.
وعلى الثاني الرفع يكون النهي عن البول فقط وتكون جملة استئنافية.
وعلى النصب يكون النهي عن الجمع بينهما وعلى كل حال فالحديث ينازَعُ المؤلف رحمه الله في كونه يدل على فساد هذا الاغتسال فالنبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الاغتسال بعد البول لأن هذا فيه تنافي كيف تغتسل بماء بلت فيه هذا منافي حتى للمروءة هو ماء قليل دون القلتين تبول فيه ثم تغتسل لا شك أن هذا ينافي المروءة إذ أن البول معروف أنه نجس وأنه ينجس ما لاقاه إما مطلقا أو إذا تغير فكيف تغتسل فيه لكن مع ذلك نقول الصواب في هذه المسألة التي ذكرها المؤلف أن الإنسان إذا نوى وانغمس في ماء يسير ونوى رفع الحدث فإن حدثه يرتفع والماء حتى إن قلنا إنه يكون مستعملا فقد سبق لنا قبل قليل أن الماء
المستعمل طهور على إننا قد نمنع أن نقول إن هذا الماء مستعمل لأن المستعمل منه ما باشر الأعضاء هذا المستعمل أما ما انفصل فهو بعيد عن الجسم فالماء الذي في البركة ما لم يمس الجلد فلا يقال إنه مستعمل في الطهارة وعلى كل حال الصحيح في هذه المسألة أنه طهور مطهر ثم نقول إن استدلال المؤلف بالحديث لهذه المسألة لا يطابق فهذا رجل استعمل الماء في طهارة حدث والحديث نهى عن البول ثم الاغتسال فهل الدليل الذي استدل به المؤلف مطابق للمسألة التي ذكرها؟ الجواب لا لأن الدليل في البول ومعلوم أن البول يتأثر به الماء إلى خبث إما في اللون وإما في الرائحة وإما في الطعم فاستدلال المؤلف لحكم المسألة التي ذكرها بهذا الحديث استدلال في غير محله.
فصل
القاريء: وما سوى الماء من المائعات كالخل والمري والنبيذ وماء الورد والمعتصر من الشجر لا يرفع حدثا ولا يزيل نجسا لقوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا)(المائدة: من الآية6) فأوجب التيمم على من لم يجد ماءً وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء في دم الحيض يصيب الثوب ((تحتيه ثم تقرصيه ثم تنضحيه بالماء ثم تصلي فيه)) متفق عليه فدل على أنه لا يجوز بغيره والله أعلم.
الشيخ: أما قوله لا يرفع حدثا فالأمر مسلم أن غير الماء لا يرفع حدثا وأما قوله ولا يزيل نجسا ففيه نظر والصواب أن غير الماء إذا زالت به النجاسة فإنه مطهر والفرق بين الحدث والنجاسة أن الحدث عبادة مطلوب إيجادها والنجاسة قدر مطلوب إعدامه وإزالته وإعدامه وإزالته تحصل بأي مزيل ولهذا جاءت السنة بالاستجمار بدلا عن الاستنجاء والاستجمار إزالة للنجاسة بالحجارة وكذلك جاءت السنة بتطهير النعل بالحك وجاءت السنة بتطهير ذيل ثوب المرأة الذي ينسحب من ورائها بما يمر عليه من الطاهر بعد النجس ولهذا لو أن النجاسة زالت بنفسها فإن المحل يكون طاهرا ولو أمطرت السماء على ثوب نجس فطهر فإنه يكون طاهرا ففرق بين رفع الحدث وبين إزالة النجاسة فالصحيح أن النجاسة إذا زالت بأي مزيل كان فإن المحل يكون طاهرا أما رفع الحدث فلا يكون إلا بالماء والآية فيه صريحة كما قال المؤلف لأن الله قال (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا)(النساء: من الآية43).