الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب فرائض الوضوء وسننه
القارئ: أول فرائضه النية وهي شرط لطهارة الأحداث كلها الغسل والوضوء والتيمم لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) متفق عليه ولأنها عبادة محضة فلم تصح من غير نية كالصلاة ومحل النية القلب لأنها عبارة عن القصد ويقال نواك الله بخير أي قصدك به ومحل القصد القلب ولا يعتبر أن يقول بلسانه شيئا فإن لفظ بما نواه كان آكد وموضع وجوبها عند المضمضة لأنها أول واجباته ويستحب تقديمها على غسل اليدين والتسمية لتشمل مفروض الوضوء ومسنونه ويستحب استدامة ذكرها في سائر وضوئه فإن عزبت في أثنائه جاز لأن النية في أول العبادة تشمل جميع أجزائها كالصيام وإن تقدمت النية الطهارة بزمن يسير وعزبت عنه في أولها جاز لأنها عبادة فلم يشترط اقتران النية بأولها كالصيام
الشيخ: المؤلف رحمه الله ذكر فرائض الوضوء ستة قال أولها النية والنية فرض وشرط وفرائض الوضوء ما لابد في الوضوء منها وهي في الحقيقة أركان الوضوء لكن سموها فرائض من باب أنها مفروضة ولابد منها ثم ذكر المؤلف رحمه الله أن النية محلها القلب وهذا صحيح وذكر أنه لا يعتبر أن يقولها بلسانه وهذا صحيح ولكنه قال إن نطق بها فهو آكد فظاهره أنه يستحب النطق بها أي أن يقول عند الوضوء نويت أن أتوضأ وعند الغسل نويت أن أغتسل ولكن هذا غير صحيح والصحيح أن النطق بالنية بدعة وغير مشروع لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم أمته النطق بالنية ولم ينطق بها أيضاً والنطق بالنية ولا سيما إذا قلنا أنه يثاب عليه فيعني أنه عبادة والعبادة لا تجوز إلا بشرع فالصواب أن النطق بالنية ليس بسنة بل بدعة وأبدع من ذلك الجهر بذلك ويذكر أن شخصا من الناس كان في المسجد الحرام فلما كبر الإمام قال اللهم إني نويت أن أصلي الظهر أربع ركعات لله عز وجل خلف إمام المسجد الحرام وإذا بجانبه رجل فأمسك بيده قال اصبر باقي عليك فقال ماذا بقي كل شي قلته قال باقي عليك اليوم والتاريخ فالرجل
تفطن لهذا الشيء وأنه لا داعي للكلام بالنية لأنك إنما تصلي لمن؟ تصلي لله وتتطهر لله فلا حاجة أن تخبر الله بذلك ثم ذكر أن النية تجب عند أول واجب في الوضوء وهو المضمضة وتسن عند أول المسنونات وهو غسل الكفين الذي يتقدم المضمضة والاستنشاق وذكر أنه لا بأس أن يقدمها بيسير وأنها لو عزبت عن خاطره يعني غفل عنها ولكنها تقدمت بزمن يسير فلا بأس
القارئ: وصفتها أن ينوي رفع الحدث أي إزالة المانع من الصلاة أو الطهارة لأمر لا يستباح إلا بها كالصلاة والطواف ومس المصحف وإن نوى الجنب بغسله قراءة القرآن صح لأنه يتضمن رفع الحدث وإن نوى بطهارته ما لا تشرع له الطهارة كلبس ثوبه ودخول بيته والأكل لم يرتفع حدثه لأنه ليس بمشروع أشبه التبرد وإن نوى ما يستحب له الطهارة كقراءة القرآن وتجديد الوضوء وغسل الجمعة والجلوس في المسجد والنوم فكذلك في إحدى الروايتين لأنه لا يفتقر إلى رفع الحدث أشبه لبس الثوب والأخرى يرتفع حدثه لأنه يشرع له فعل هذا وهو غير محدث وقد نوى ذلك فينبغي أن تحصل له ولأنها طهارة صحيحة فرفعت الحدث كما لو نوى رفعه.
الشيخ: الآن في كيفية النية ماذا ينوي؟ فهمنا الآن أن النية فرض وإن شئتم فقولوا شرط لكن كيف النية؟ كيفيتها لها صور:
الأول أن ينوي رفع الحدث والحدث هو الوصف المانع من الصلاة ونحوها.
الثاني أن ينوي الطهارة لما لا يباح إلا بطهارة يعني ينوي أنه تطهر ليصلي ولا يكون في قلبه رفع الحدث يعني لا ينوي رفع الحدث لكن ينوي الطهارة للصلاة فهنا يرتفع حدثه.
الصورة الثالثة أن ينوي الطهارة لما تسن له الطهارة مثل أن ينوي الطهارة لقراءة القرآن فهنا يرتفع حدثه لأن الطهارة لقراءة القرآن تتضمن رفع الحدث ولو لم يرتفع لم يكن متطهراً
الصورة الرابعة أن ينوي الطهارة لما لا تسن له الطهارة مثل أن ينوي الطهارة للبس ثوبه قال أحب أن ألبس الثوب على طهارة فهذا لا يرتفع حدثه لماذا؟ لأن لبس الثوب لا تشرع له الطهارة أي لا يسن لمن أراد أن يلبس ثوبه أن يتطهر فلا تشرع
والمؤلف أدخل في نية ما تسن له الطهارة غسل الجمعة وهذا فيه شيء من النظر لأن الجمعة تجب لها الطهارة ولكن لا يجب الغسل فالغسل مسنون لا عن حدث والمسألة التي ذكر ما تسن له الطهارة أي طهارة عن حدث لكنها ليست بواجبة فبينهما فرق انتبه إذا نوى ما تسن له الطهارة يعني تطهر لقراءة القرآن فهنا نوى عملا يرتفع به الحدث أليس كذلك؟ ويرتفع الحدث وإذا نوى غسل الجمعة فقد نوى عملا ليس عن حدث حتى نقول إنه لو كان عليه جنابة لارتفع حدثه لأنه لم ينو الغسل عن حدث نوى غسلا مسنونا للصلاة لا عن حدث بخلاف من نوى الوضوء للقراءة عن حدث فهذا واضح أنه تطهر عن حدث ارتفع أما غسل الجمعة فليس عن حدث ولذلك فالذي يظهر لي أنه لو نوى غسل الجمعة فقط وعليه جنابة فإنه لا يرتفع حدثه لأن غسل الجمعة ليس عن حدث بخلاف ما لو تطهر للقراءة فإن طهارته هنا عن حدث وأشبه ما لغسل الجمعة تجديد الوضوء فإنه من المشروع إذا توضأ الإنسان وصلى بوضوئه الأول من المشروع إذا جاءت الصلاة الثانية أن يتوضأ هذا هو الذي يشبه غسل الجمعة لأن هذا الوضوء ليس عن حدث ولكنه طهارة مشروعة وقد ذكروا رحمهم الله أنه لو نوى تجديدا مسنونا ناسيا حدثه ارتفع فإن لم يكن ناسيا حدثه فإنه لا يرتفع لأنه يكون حينئذ متلاعبا إذ أن التجديد لا يشرع إلا إذا كان الإنسان على طهارة لذلك نحثكم على أن تنتبهوا لهذه المسألة مسألة غسل الجمعة إذا كان على الإنسان جنابة أن ينتبه عند الاغتسال فينوي الغسل للجنابة وإذا نوى الغسل للجنابة ارتفعت الجنابة وكفى عن غسل الجمعة وإن نواهما جميعا فهذا أكمل ولكن هل الأكمل أن يغتسل لكل واحد منهما غسلا؟ قال ابن حزم رحمه الله هذا الأكمل أن يغتسل للواجب أولا ثم للمسنون ثانيا وذهب إليه بعض الفقهاء رحمهم الله لكن إذا اغتسل بالنيتين فإنما الأعمال بالنيات.
القارئ: وإن نوى رفع الحدث والتبرد صحت طهارته لأنه أتى بما يجزئه وضم إليه ما لا ينافيه فأشبه ما لو نوى بالصلاة العبادة والإدمان على السهر فإن نوى طهارة مطلقة لم تصح لأن منها ما لا يرفع الحدث وهو الطهارة من النجاسة.
الشيخ: على كل حال هذا التعليل عليل لأن الذي يتوضأ وينوي طهارة مطلقة لا يخطر بباله أنه يريد غسل النجاسة وقد لا يكون على أعضائه نجاسة فإذا نوى طهارة مطلقة فالصحيح أنها تصح لكن بشرط أن يكون نواها لأجل الصلاة مثلا
السائل: بالنسبة لغسل الجمعة هل يقاس على تجديد الوضوء بحيث لو كان ناسياً حدثه واغتسل للجمعة يرتفع حدثه؟
الشيخ: يحتاج إلى تأمل لأن التجديد أصله مرتفع الحدث الحدث مرتفع ما فيه حدث أصلا
القارئ: فإن نوى طهارة مطلقة لم تصح لأن منها ما لا يرفع الحدث وهو الطهارة من النجاسة وإن نوى رفع حدث بعينه فهل يرتفع غيره على وجهين قال أبو بكر لا يرتفع لأنه لم ينوه فأشبه إذا لم ينو شيئا وقال القاضي يرتفع لأن الأحداث تتداخل فإذا ارتفع بعضها ارتفع جميعها وإن نوى صلاة واحدة
الشيخ: هنا قولان إنسان بال وتغوط فنوى الوضوء عن البول فقط فهل يرتفع حدثه؟ فيها قولان:
القول الأول أنه لا يرتفع لأنه لم ينو الثاني.
والقول الثاني يرتفع لأن الحدث معنى لا يتجزأ فإذا ارتفع الحدث عن البول مثلا فقد ارتفع ولم يكن حدث وليس الإنسان إذا بال حصل له حدث وإذا تغوط حصل له حدث آخر وإذا خرجت منه ريح حصل منه حدث ثالث من حيث المعنى أليس كذلك إذاً إذا نوى رفع الحدث من البول ارتفع ولكن هناك قول ثالث لم يذكره المؤلف يقول إذا نوى عن حدث معين لا على أن يرتفع غيره فهنا لا يرتفع واستدلوا بعموم قوله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات) وهذا نوى ارتفاع الحدث من البول لا من الريح مثلا فيكون له عمله بارتفاع البول دون الريح والذي يظهر لي الإطلاق أنه إذا نوى رفع الحدث عن حدث معين ارتفع عن الجميع
القارئ: وإن نوى صلاة واحدة نفلا أو فرضا لا يصلي غيرها ارتفع حدثه ويصلي ما شاء لأن الحدث إذا ارتفع لم يعد إلا لسبب جديد ونيته للصلاة تضمنت رفع الحدث وإن نوى نية صحيحة ثم غير نيته فنوى التبرد في غسل بعض الأعضاء لم يصح ما غسله للتبرد فإن أعاد غسل العضو بنية الطهارة صح ما لم يطل الفصل.
فصل
القارئ: ثم يقول بسم الله وفيها روايتان إحداهما أنها واجبة في طهارات الأحداث كلها اختارها أبو بكر لما روى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)) قال أحمد حديث أبي سعيد أحسن شيء في الباب والثانية أنها سنة اختارها الخرقي قال الخلال الذي استقرت الروايات عنه أنه لا بأس به إذا ترك التسمية لأنها عبادة فلا تجب فيها التسمية كغيرها وضعف أحمد الحديث فيها وقال ليس يثبت في هذا حديث واختلف من أوجبها في سقوطها بالسهو فمنهم من قال لا تسقط كسائر واجبات الطهارة ومنهم من أسقطها لأن الطهارة عبادة تشتمل على مفروض ومسنون فكان من فروضها ما يسقطه السهو كالصلاة والحج فإن ذكرها في أثناء وضوئه سمى حيث ذكر ومحل التسمية اللسان لأنها ذكر.
الشيخ: هذه القطعة من كلام المؤلف فيها الكلام على التسمية في الطهارات كلها طهارة الأحداث ففيها أولا روايتان رواية بالوجوب ورواية بالسنية والراجح أنها سنة لضعف الحديث وهو قول (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) فقد قال الإمام أحمد لا يثبت في هذا الباب شيء ومعنى في هذا الباب أي في هذه المسألة، ولأن الذين وصفوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا أنه كان يسمي حديث عثمان وغيره في صفة ضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا التسمية فالصحيح أنها سنة ثم القائلون بالوجوب اختلفوا هل تسقط بالسهو أو لا؟ فالمشهور من المذهب أنها تسقط بالسهو والقول الثاني أنها لا تسقط بالسهو وعللوا ذلك بهذه القاعدة أن الشارع لا ينفي العبادة إلا لانتفاء شرط صحتها فإذا كانت التسمية من شرط الصحة لم تسقط بالسهو كسائر الأركان وهذا أقيس أنها لا تسقط بالسهو وأما قول المؤلف معللا السقوط بالسهو بأن الوضوء عبادة اشتملت على مفروض ومسنون فكان منها ما يسقط بالسهو كالصلاة والحج فهذا القياس غير صحيح أولا لأن واجبات الصلاة ليست تسقط بالسهو بل تجبر بسجود السهو وثانيا في الحج ليست واجبات الحج تسقط بالسهو إلى غير بدل بل إلى بدل عند جمهور أهل العلم وهو فدية فالقياس غير صحيح فالقائلون بالوجوب الأقيس من قولهم أنها لا تسقط بالسهو لأنها عبادة علق عليها صحة الوضوء فلم تسقط بالسهو كما لم تسقط الفاتحة بالسهو حيث قال النبي عليه الصلاة والسلام (لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب) وإذا جمعت بين هذا القياس وبين قياس المؤلف وجدت أيهما الصحيح؟ وجدت القياس هو ما ذكرناه لأن قوله (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) كقوله (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) فإذا علق الشارع صحة العبادة على شيء فهو ركن فيها لا تصح إلا به لكن الصحيح أنها ليست بواجبة، والقائلون بالسنية عللوا بأنه لا دليل على الوجوب والأصل عدم الوجوب وبراءة الذمة
السائل: على القول بالوجوب هل تجزئ البسملة أثناء الوضوء؟
الشيخ: إذا نسي ولم يذكر إلا في أثناء الوضوء تجزئ.
السائل: هل يبدأ من جديد؟
الشيخ: لا ما يبدأ من جديد ولكن إذا نسي حتى انتهى سقطت التسمية.
القارئ: ومحل التسمية اللسان لأنها ذكر وموضعها بعد النية ليكون مسميا على جميع الوضوء
فصل
القارئ: ثم يغسل كفيه ثلاثا لأن عثمان وعبد الله بن زيد رضي الله عنهما وصفا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا (فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات) متفق عليهما ولأن اليدين آلة نقل الماء إلى الأعضاء ففي غسلهما احتياط لجميع الوضوء ثم إن كان لم يقم من نوم الليل فغسلهما مستحب لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده) متفق عليه ولم يذكر البخاري ثلاثا فتخصيصه هذه الحالة بالأمر دليل على عدم الوجوب في غيرها وإن قام من نوم الليل ففيه روايتان إحداهما أنه واجب
الشيخ: هذا دليل لكنه كما رأيتم دليل بالمفهوم ولو أن المؤلف استدل بالآية الكريمة لكان أحسن وهي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)(المائدة: من الآية6) ولم يذكر غسل اليدين قبل غسل الوجه وحينئذ يكون غسل اليدين قبل غسل الوجه إنما ثبت بفعل الرسول صلى الله عليه وسلم لا بأمره ولا بأمر الله والفعل يدل على السنية لا على الوجوب.
السائل: التسمية قلنا إنها سنة وقررنا تضعيف الحديث فعلى أي شيء بنينا أنها سنة؟
الشيخ: هذا سؤال له وجه يقول إذا ضعف الحديث فمن أين يكون لنا السنية وقد ذكر صاحب النكت على المحرر وهو ابن مفلح تلميذ شيخ الإسلام ابن تيمية أن الحديث إذا كان ضعيفا ولم يكن ضعفه شديدا فإنه لا يقوى على الإيجاب لكن فيه مساغ للاستحباب وإذا كان الحديث نهيا ولم يكن الضعف شديدا فإنه لا يقوى على التحريم ولكن يكون فيه مساغ للكراهة ويكون القول بالاستحباب في باب الأمر وبالكراهة في باب النهي من باب الاحتياط أما إن كان الضعف شديدا فلا يؤخذ به
السائل: ذكر المؤلف أن محل التسمية اللسان لكن إذا كان الإنسان في دورة المياه فهل يسمي بقلبه؟
الشيخ: إذا قلنا بأنه لا بأس بذكر الله في حال الخلاء كما هو أحد القولين في المسألة فليسم حتى لو قلنا بالاستحباب لحديث عائشة كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه يعني في كل حين ومنها إذا كان على الخلاء وإذا قلنا بالكراهة فإن قلنا بوجوب التسمية سمى لأن الكراهة لا تسقط الواجب وإن قلنا باستحبابها لم يسم لأن مقتضي الكراهة أقوى من مقتضي الاستحباب.
القارئ: وإن قام من نوم الليل ففيه روايتان إحداهما أنه واجب اختارها أبو بكر لظاهر الأمر فإن غمسهما قبل غسلهما صار الماء مستعملا لأن النهي عن غمسهما يدل على أنه يفيد منعا وإن غسلهما دون الثلاث ثم غمسهما فكذلك لأن النهي باق وغمس بعض يده كغمس جميعها
ويفتقر غسلهما إلى النية لأنه غسل وجب تعبدا أشبه الوضوء والرواية الثانية ليس بواجب اختارها الخرقي لأن اليد عضو لا حدث عليه ولا نجاسة فأشبهت سائر الأعضاء وتعليل الحديث يدل على أنه أريد به الاستحباب لأنه علل بوهم النجاسة فلا يزال اليقين بالشك فإن غمسهما في الماء فهو باق على إطلاقه
الشيخ: يعني على هذه الرواية إن غمسهما على هذه الرواية وهي رواية القول بعدم الوجوب والصحيح أن الماء باق على إطلاقه حتى على الرواية القائلة بوجوب الغسل لأن النهي إنما هو للاحتياط وليس فيه دليل على أن الماء ينجس أو تمتنع الطهارة منه قال (فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلهما ثلاثا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) ومعلوم أن الإنسان يدري أين باتت يده فأين باتت حسا؟
على الفراش ما قطعت يدري هذا ويدري أنها قد لفت ويدري أن عليه السراويل لا يمكن أن تتصل بفرجه حتى يقال تلوثت بنجاسة من حيث لا يشعر كل هذا يدري وكل هذا غير مراد للرسول صلى الله عليه وسلم ولكن نقول (لا يدري أين باتت) من أمور الغيب هذا من أمور الغيب ونحن نفعل ما أمرنا به وما لا تدركه عقولنا علينا فيه التسليم وقال شيخ الإسلام رحمه الله لعل المعنى أن الشيطان قد يلعب بيده ويلوثها بنجاسة واستنبط ذلك من قول النبي عليه الصلاة والسلام (إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنثر ثلاثا فإن الشيطان يبيت على خيشومه) ونحن لا نشعر بأن على خياشيمنا شياطين لكن هذا خبر النبي عليه الصلاة والسلام فربما تكون اليد كذلك يعبث بها الشيطان ونحن لا نشعر لأن عبث الشيطان بنا من أمور الغيب التي لا تدرك بالحس وما قاله رحمه الله وجيه لا شك والفقهاء يرون أن هذا من باب التعبد ولهذا قالوا يجب غسلها قبل إدخالها الإناء ثلاثا تعبدا يعني أننا لا نعلم عن علتها.
السائل: أحسن الله إليك الذين قالوا بوجوب التسمية في الوضوء قالوا إن الحديث وإن كان ضعفه بعض أهل العلم فقد حسنه آخرون والتعليل بأن الذين نقلوا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا تسميته يقولون نحن لا نقول بأن الجهر واجب وربما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى ولم يجهر بالتسمية ولم يسمع.
الشيخ: عثمان رضي الله عنه دعا بوضوء لما سئل كيف يتوضأ الرسول صلى الله عليه وسلم فتوضأ أمام الناس ولم يسم ومثل هذا كتمان في موضع الحاجة إلى البيان لكن عندنا قاعدة وهي (عدم الذكر ليس ذكراً للعدم) وهذه القاعدة إنما تنفعك إذا ثبت الشيء ثم ذكر مسألة من المسائل ولم يذكر نقول عدم الذكر ليس ذكرا للعدم.
السائل: لكن لو اعتقد أحد صحة الحديث في هذا؟
الشيخ: لو اعتقد أن الحديث صحيح للزمه على مقتضى القواعد أن تكون التسمية شرطاً وليس واجباً فقط ولا تسقط بالنسيان كما هي الرواية الثانية في المسألة.
السائل: ما الراجح في غسل اليدين؟
الشيخ: الظاهر أن الأصل في النهي التحريم والحديث (فلا يغمس يده حتى يغسلها) والأصل في النهي التحريم لا سيما وأن الرسول صلى الله عليه وسلم علل بعلة غير معلومة لنا وإذا كانت غير معلومة فإننا لا نعلم انتفاءها فالذي يظهر لي أنه لا يجوز للإنسان إذا قام من نوم الليل أن يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا لكن لو فعل وغمس فالماء باقٍ على إطلاقه أي على طهوريته.
فصل
القارئ: ثم يتمضمض ويستنشق لأن كل من وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أنه تمضمض واستنشق وهما واجبان في الطهارتين لقوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)(المائدة: من الآية6) وهما داخلان في حد الوجه ظاهران يفطر الصائم بوصول القيء إليهما ولا يفطر بوضع الطعام فيهما ولا يحد بوضع الخمر فيهما ولا يحصل الرضاع بوصول اللبن إليهما ويجب غسلهما من النجاسة فيدخلان في عموم الآية
الشيخ: كل هذه تعليلات جيدة تدل على أن الفم في حكم الظاهر.
القارئ: وعنه الاستنشاق وحده واجب لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر) متفق عليه وعنه أنهما واجبان في الكبرى دون الصغرى لأنها طهارة تعم جميع البدن ويجب فيها غسل ما تحت الشعور وتحت الخفين، ويستحب المبالغة فيهما إلا أن يكون صائما لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للقيط بن صبرة (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) حديث صحيح وصفة المبالغة اجتذاب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف ولا يجعله سعوطا وفي المضمضة إدارة الماء في أقاصي الفم ولا يجعله وجورا وهو مخير بين أن يمضمض ويستنشق ثلاثا من غرفة أو من ثلاث غرفات لأن في حديث عبد الله بن زيد (أن النبي صلى الله عليه وسلم مضمض واستنشق من كف واحدة ففعل ذلك ثلاثا) وفي لفظ (أدخل يده في الإناء فمضمض واستنشق واستنثر ثلاثا بثلاث غرفات) متفق عليهما وإن شاء فصل بينهما لأن جد طلحة بن مصرف قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل بين المضمضة والاستنشاق) رواه أبو داود ولا يجب الترتيب بينهما وبين الوجه لأنهما منه لكن تستحب البداءة بهما اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
الشيخ: والصحيح أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الطهارتين الصغرى والكبرى لعموم الأدلة وللتعليلات التي ذكرها المؤلف رحمه الله وتبين مما قال المؤلف أن فيهما ثلاث صفات:
الأولى يتمضمض ثلاثا من كف واحدة ويستنشق ثلاثا من كف واحدة يعني يأخذ كفا واحدا يتمضمض ويستنشق ثلاث مرات وهذا في الحقيقة فيه صعوبة جدا لأن الماء سوف ينزل قبل أن تكمل ثلاث مرات لكننا نأخذ منه البساطة في استعمال الوَضوء لأن الوضوء بالفتح هوالماء الذي يتوضأ به.
الوجه الثاني أن تتمضمض بثلاث غرفات كل غرفة فيها مضمضة واستنشاق وهذا أقل صعوبة من الأول.
والثالث أن تتمضمض ثلاثا بثلاث غرفات منفصلات وتستنشق ثلاثا بثلاث غرفات منفصلات كل هذا من السنة كما قال المؤلف رحمه الله
السائل: في الطهارة من الحدث الأكبر بعض الناس يذهب إلى الحمام ويصب على بدنه الماء دون أن يستنشق ويتمضمض ثم إذا انتهى من غسله يتمضمض ويستنشق؟
الشيخ: لا بأس أن يتمضمض ويستنشق بعد الاغتسال.
فصل
القارئ: ثم يغسل وجهه وذلك فرض بالإجماع لقوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)(المائدة: من الآية6) وحده من منابت شعر الرأس المعتاد إلى ما انحدر من اللحيين والذقن طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا ولا اعتبار بالأصلع الذي ينحسر شعره عن ناصيته ولا الأفرع الذي ينزل شعره على جبهته.
الشيخ: هذا حد الوجه من منابت الشعر المعتاد وحده بعضهم بحد أوضح قال من منحنى الجبهة مع الرأس هذا حده ولا اعتبار بالشعر النازل ولا بالشعر المنكمش لأن منحنى الجبهة تزول به المواجهة والذي يواجه هو ما كان دون منحنى الجبهة وهذا الحد أصح أن نقول حده من منحنى الجبهة إلى أسفل اللحية قال المؤلف لا عبرة بالأصلع ولا بالأفرع فالأفرع الذي ينزل شعره ينبت له شعر في الجبهة والأنزع الذي انحسر شعر رأسه عن ناصيته وهذا قد يكون بسبب الكبر وقد يكون وراثة وقد يكون لمرض المهم أنه يوجد.
مسألة: السعوط ما استنشق من الأنف يعني ما دخل إلى المعدة من الأنف يسمى سعوطا والوجور ما دخل من جانب الفم لأن المريض أحيانا ما يستطيع أن يتلقى الطعام على العادة فيدخلونه من جانب الفم ويسمى هذا وجور.
القارئ: فإن كان في الوجه شعر كثيف يستر البشرة لم يجب غسل ما تحته لأنه باطن أشبه باطن أقصى الأنف ويستحب تخليله لأن النبي صلى الله عليه وسلم خلل لحيته وروى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال هكذا أمرني ربي عز وجل رواه أبو داود وإن كان يصف البشرة وجب غسل الشعر والبشرة وإن كان بعضه خفيفا وبعضه كثيفا وجب غسل ظاهر الكثيف وبشرة الخفيف معه وسواء في هذا شعر اللحية والحاجبين والشارب والعنفقة لأنها شعور معتادة في الوجه أشبهت اللحية، وفي المسترسل من اللحية عن حد الوجه روايتان إحداهما لا يجب غسله لأنه شعر نازل عن محل الفرض أشبه الذؤابة في الرأس.
الشيخ: الآن فهمنا أن ما استرسل من اللحية عن حد الوجه يعني ما نزل هل هو من الوجه أو لا يعني هل يجب غسله أو لا؟ فيه روايتان عن أحمد رواية أنه يجب والتعليل ليس كما قال المؤلف أنه شعر نابت في محل الفرض فكان كالحاجب بل يقولون التعليل لأنه تحصل به المواجهة فيكون من الوجه والرواية الثانية لا يجب غسل المسترسل من شعر اللحية لأنه خارج عن حد الوجه بناءً على أن الوجه هو البشرة فقط دون ما استرسل
مسألة: تخليل اللحية لايلزم منه إدخال الأصابع.
القارئ: والثانية يجب لأنه نابت في بشرة الوجه أشبه الحاجب ويدخل في حد الوجه العذار وهو الشعر الذي على العظم الناتئ سمت صماخ الأذن إلى الصدغ والعارض الذي تحت العذار والذقن وهو مجتمع اللحيين ويخرج منه النزعتان وهما ما ينحسر عنهما الشعر في فودي الرأس لأنهما من الرأس لدخولهما فيه والصدغ وهو الذي عليه الشعر في حق الغلام محاذ لطرف الأذن الأعلى لأنه شعر متصل بالرأس ابتداء فكان من الرأس كسائره وقد مسحه النبي صلى الله عليه وسلم مع رأسه في حديث الربيع ويستحب أن يزيد في ماء الوجه لأن فيه غضونا وشعورا ودواخل وخوارج ويمسح مآقيه ويتعاهد المفصل وهو البياض الذي بين اللحية والأذن فيغسله ولا يجب غسل داخل العينين ولا يستحب لأنه لا يؤمن الضرر من غسلهما.
مسألة: الذي يظهر لي أن المسترسل من اللحية من الوجه ويجب غسله.
فصل
القارئ: ثم يغسل يديه إلى المرفقين وهو فرض بالإجماع لقوله تعالى (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)(المائدة: من الآية6) ويجب غسل المرفقين لأن جابرا رضي الله عنه قال ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أمر الماء على مرفقيه)) رواه الدارقطني وفيه أدار الماء وهذا يصلح بيانا لأن إلى تكون بمعنى مع كقوله تعالى (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ)(آل عمران: من الآية52) أي مع الله (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)(النساء: من الآية2) ويجب غسل أظفاره وإن طالت
الشيخ: استشهاده بالآيتين فيه نظر لأن قوله تعالى: (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ)(آل عمران: من الآية52) مضمن يعني من أنصاري مخلصا حتى نصل إلى الله وقوله تعالى: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)(النساء: من الآية2) كذلك مضمن والمعنى لا تضموا أموالهم إلى أموالكم يعني بالأكل وغير الأكل لكن الدليل من السنة أصح مما ذكره عن رواية الدارقطني وهو حديث أبي هريرة في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل ذراعيه حتى أشرع في العضد ولا يمكن أن يشرع في العضد إلا إذا غسل المرفقين ولو استدل به المؤلف لكان أجود.
فصل
القارئ: ثم يغسل يديه إلى المرفقين وهو فرض بالإجماع لقوله تعالى (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)(المائدة: من الآية6) ويجب غسل المرفقين لأن جابرا قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أمر الماء على مرفقيه) رواه الدارقطني.
الشيخ: يقول المؤلف وهو فرض بالإجماع وقد انتقد بعض العلماء المتأخرين مثل هذه الصيغة وقال ينبغي أن نقول وهو فرض بالكتاب والسنة والإجماع لأن الكتاب مقدم ثم السنة ثم الإجماع ولكن المؤلف رحمه الله وأمثاله الذين يصنعون مثل هذه الصيغة يريد بها أن يذكر الإجماع من أجل قطع النزاع ثم يذكر مستنده فهنا ذكر الإجماع من أجل أن لا ينازع منازع بخلاف الكتاب والسنة قد يأتي إنسان ينازع ويقول ليس فيه دلالة أو يقول فيه احتمال للتخصيص أوفيه كذا فيه كذا فإذا ذكر الإجماع ثم ذكر مستنده فهذه وجهة نظر والصحيح أنه لا بأس أن تقول هو جائز بالإجماع لقوله تعالى أو لقول النبي صلى الله عليه وسلم أو ماأشبه ذلك فتذكر الإجماع لأجل أن تقطع النزاع ثم تذكر مستنده
القارئ: لأن جابرا قال (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أمر الماء على مرفقيه) رواه الدارقطني وفيه أدار الماء وهذا يصلح بيانا لأن إلى تكون بمعنى مع كقوله تعالى (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ)(آل عمران: من الآية52) أي مع الله (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)(النساء: من الآية2)
الشيخ: أي مع أموالكم.
القارئ: ويجب غسل أظفاره وإن طالت والإصبع الزائدة والسلعة لأن ذلك من يده وإن كانت له يد زائدة أصلها في محل الفرض وجب غسلها لأنها نابتة في محل الفرض أشبهت الإصبع وإن نبتت في العضد أو المنكب لم يجب غسلها وإن حاذت محل الفرض لأنها في غير محل الفرض فهي كالقصيرة وإن كانت له يدان متساويتان على منكب واحد وجب غسلهما لأن إحداهما ليست أولى من الأخرى.
وإن تقلعت من العضد فتدلت من الذراع وجب غسلها لأنها متدلية من محل الفرض وإن تقلعت من إحداهما فالتحم رأسها بالأخرى وجب غسل ما حاذى محل الفرض منها لأنها كالجلد الذي عليهما فإن كانت متجافية في وسطها غسل ما تحتها من محل الفرض وإن كان أقطع فعليه غسل ما بقي من محل الفرض فإن لم يبق منه شيء سقط الغسل ويستحب أن يمس محل القطع بالماء لئلا يخلو العضو من طهارته
الشيخ: هذا فيه نظر إذا كان القطع مثلا من نصف العضد فلا حاجة إلى أن يغسلها لأنه خرج من محل الفرض وقوله (لئلا يخلو العضو من طهارته) يقال هذا خالي من طهارة شرعا لأن الطهارة إلى المرفقين لكن لو قطع من المفصل وجب أن يغسل رأس العضد لأن رأس العضد من المرفق.
القارئ: وتستحب البداءة بغسل اليمنى من يديه ورجليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم ((كان يحب التيمن في ترجله وتنعله وطهوره وفي شأنه كله) متفق عليه.
الشيخ: في ترجله يعني إصلاح شعر الرأس وكان صلى الله عليه وسلم له شعر رأس وفي الحلق لما حلق في الحج بدأ باليمين وأما تنعله فهو لبس النعل ومثله لبس الخف ومثله لبس الثوب تبدأ باليمين وأما طهوره فهو الوضوء والغسل يبدأ باليمين وأما قولها (وفي شأنه كله) فهو يعني في جميع أموره إلا ما ورد الشرع فيه بالبداءة باليسار كدخول الخلاء مثلا والخروج من المسجد وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله قاعدة فقالوا (اليسرى تقدم للأذى واليمنى لما عداه) فيشمل ما فيه الإكرام وما لا إكرام فيه ولا أذى لأن الأمور إما إكرام أو أذى أو لا هذا ولا هذا فتقدم اليمنى إلا في الأذى ولهذا نهي عن الاستنجاء باليمين والاستجمار بها لأن هذا أذى وكذلك إزالة النجاسة إذا أردت أن تفرك نجاسة وأمكنك أن تفركها باليسرى فافركها باليسرى ولا تفركها باليمنى يعني لو تنجس الثوب وأردت أن تغسله فافركه باليسار لأنه أذى، والاستنثار يكون باليسار والتسوك يكون باليسار وقال بعضهم باليمين لأنه سنة وفصل بعضهم فقال إن تسوك تطوعا فباليمين وإن تسوك تنظفا فباليسار لأنه إزالة أذى إن تسوك تطوعا مثل أن يتسوك عند الصلاة وفمه نظيف ما فيه بقايا طعام ولا غيره فهنا يتسوك باليمين وأما إذا تسوك للطعام أو للقيام من النوم أو ما أشبه
ذلك فباليسار وهذا تفصيل حسن مع أن المسألة كلها الأمر فيها واسع لكن من أين يبدأ في الفم من اليمين أو من اليسار؟ من الجانب اليمين
السائل: أحسن الله إليكم في غسل اليدين السنة وردت باليمين والمؤلف قال يستحب البداءة باليمين فلماذا لم يقل يجب؟
الشيخ: لعموم الآية (وَأَيْدِيَكُمْ) ولم يذكر الله شيء فيكون فعل الرسول على سبيل الاستحباب
القارئ: فإن بدأ باليسرى جاز لأنهما كعضو واحد بدليل قوله سبحانه وأيديكم وأرجلكم فجمع بينهما.
فصل
القارئ: ثم يمسح رأسه وهو فرض بغير خلاف لقوله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ)(المائدة: من الآية6) وهو ما ينبت عليه الشعر المعتاد في الصبي مع النزعتين ويجب استيعابه لقوله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ)(المائدة: من الآية6) والباء للإلصاق فكأنه قال امسحوا رؤوسكم وصار كقوله (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ)(المائدة: من الآية6) قال ابن برهان من زعم أن الباء للتبعيض فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفونه وظاهر قول أحمد أن المرأة يجزئها مسح مقدم رأسها لأن عائشة كانت تمسح مقدم رأسها وعنه في الرجل أنه يجزئه مسح بعض رأسه لأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح بناصيته وعمامته رواه مسلم.
الشيخ: لكن هذا حديث لا دليل فيه لأن قوله مسح بناصيته وعمامته يدل على أن عليه عمامة وإذا كان عليه عمامة كان المسح الواجب على العمامة وأما الناصية فسنة
القارئ: وكيفما مسح الرأس أجزأ بيد واحدة أو بيدين إلا أن المستحب أن يمر بيديه من مقدم رأسه إلى قفاه ثم يعيدهما إلى الموضع الذي بدأ منه لأن عبد الله بن زيد رضي الله عنهما قال في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم (ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة) متفق عليه، ولا يستحب تكرار المسح لأن أكثر من وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه مسح مرة واحدة ولأنه ممسوح في طهارة أشبه التيمم وعنه يستحب تكراره لأن النبي صلى الله عليه وسلم (توضأ ثلاثا ثلاثا وقال هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي) رواه ابن ماجة ولأنه أصل في الطهارة أشبه الغَسل.
الشيخ: قوله ولأنه يعني المسح والصحيح أنه لا يمسح إلا مرة واحدة لأن الشرع كما خفف في كيفية تطهيره خفف في كميته فالأعضاء التي سوى الرأس تطهيرها بالغسل والرأس تطهيره بالمسح فلما خفف الكيفية كان من الحكمة تخفيف الكمية وهي العدد.
السائل: أحسن الله إليك هل الغترة مثل العمامة يمسح عليها؟
الشيخ: لا الغترة يمكن إزالتها بكل سهولة.
مسألة: على كل حال نحن ذكرنا فيما سبق أن الذي يوضح أن إلى بمعنى مع هو فعل الرسول عليه الصلاة والسلام فقد ثبت في صحيح مسلم أن أبا هريرة توضأ حتى أشرع في العضد وقال (هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مسلم وحديث ابن ماجه أنه أدار الماء على مرفقيه أوأمرّ الماء على مرفقيه أيضا واضح وأما الآيتان فقد نبهتكم على هذا قلت إن في الآيتين تضميناً (مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ)(آل عمران: من الآية52)(وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ)(النساء: من الآية2) قلنا هذا أصلا الفعل ليس معدا بإلى لكن معنى لا تأكلوا أي لا تضموا أموالهم إلى أموالكم والضم يقتضي الجمع ومن أنصاري إلى الله يعني من أنصاري مخلصا إلى الله.
القارئ: والأذنان من الرأس يمسحان معه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الأذنان من الرأس) رواه أبو داود وروت الربيع بنت معوذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (مسح برأسه وصدغيه وأذنيه مسحة واحدة) رواه الترمذي وقال حديث صحيح ويستحب إفرادهما بماء جديد لأنهما كالعضو المنفرد وإنما هما من الرأس على وجه التبع ولا يجزئ مسحهما عنه لذلك.
الشيخ: قول النبي صلى الله عليه وسلم (الأذنان من الرأس) هذا الحديث إن صح فالظاهر لي أن الأذنان من الرأس يعني في الوضوء فيمسحان معه وأما في الحلق في العمرة والحج ففي وجوب حلقهما نظر لأن الأذنين يكون فيهما شعر فهل نقول إن الإنسان إذا حلق يجب عليه أن يحلق أذنيه لأنهما من الرأس أو نقول إن قوله صلى الله عليه وسلم (الأذنان من الرأس) إن صح الحديث فالمراد في الوضوء هذا هو الأقرب.
وأما قوله يستحب إفرادهما بماء جديد ففيه نظر والصحيح أنه لا يستحب لأنهما من الرأس ولأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأخذ ماءً جديدا لأذنيه فالصواب أن الإنسان يمسح أذنيه بما فضل من رأسه ولا يأخذ ماءً جديداً
القارئ: وظاهر كلام أحمد أنه لا يجب مسحهما لذلك ويستحب أن يدخل سباحتيه في صماخي أذنيه ويجعل إبهاميه لظاهرهما ولا يجب مسح ما نزل عن الرأس من الشعر
الشيخ: السبابة والسباحة هي ما بين الوسطى والإبهام والصماخ ثقب الأذن والظاهر ظاهر الأذن الذي يلي الرأس.
القارئ: ولا يجب مسح ما نزل عن الرأس من الشعر، ولا يجزئ مسحه عن الرأس سواء رده فعقده فوق رأسه أو لم يرده لأن الرأس ما ترأس وعلا ولو أدخل يده تحت الشعر فمسح البشرة دون الظاهر لم يجزه لأن الحكم تعلق بالشعر فلم يجزه مسح غيره ولو مسح رأسه ثم حلقه أوغسل عضو ثم قطع جزءا أو جلدة لم يؤثر في طهارته لأنه ليس ببدل عما تحته فلم يلزمه بظهوره طهارة.
الشيخ: احترازا من الخف فالخف يمسحه فإذا أزاله وجب عليه الوضوء على كلام الفقهاء رحمهم الله وهذا لأنه ليس بدلاً عما تحته والخف بدل عما تحته فلزمه بظهوره أي بظهور ما تحته طهارته
القارئ: فإن أحدث بعد ذلك غسل ما ظهر لأنه صار ظاهرا فتعلق الحكم به ولو حصل في بعض أعضائه شق أو ثقب لزمه غسله لأنه صار ظاهرا
الشيخ: قوله شق أو ثقب يمكن كثيرا في العراقيب فالأعقاب دائما يكون فيها شقوق لا سيما عند بعض الناس الذي ينتفها بعض الناس إذا مسها أو أحس فيها حرشه صار ينتفها لكي بزعمه تكون ملسى تتساوى لكنه يضعف الجلد ثم يتفطر ولهذا ينبغي لك أن تتركها حتى لو كانت فيها حرشه أو كانت تمسك ثيابك إذا قمت اتركها.
فصل
القارئ: ثم يغسل رجليه إلى الكعبين وهو فرض لقوله تعالى (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)(المائدة: من الآية6) ويدخل الكعبين في الغسل لما ذكرنا في المرفقين ولا يجزئ مسح الرجلين لما روى عمر ((أن رجلا ترك موضع ظفر من قدمه اليمنى فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال (ارجع فأحسن وضوءك فرجع ثم صلى) رواه مسلم وإن كان الرجل أقطع اليدين فقدر على أن يستأجر من يوضئه بأجرة مثله لزمه كما يلزمه شراء الماء
الشيخ: وهذا الذي ذكره المؤلف أن مسح الرجلين لا يجزئ هو الصواب بلا شك وقالت الرافضة إن مسح الرجلين يجزي واعتمدوا على القراءة السبعية (وامسحوا برؤوسكم وأرجلِكم إلى الكعبين) بكسر أرجلكم وتركوا القراءة السبعية الأخرى وهي وأرجلَكم بالنصب عطفا على قوله وجوهكم قال ابن كثير والرافضة خالفت السنة في تطهير الرجل من ثلاثة وجوه:
الأول أنهم قالوا إنها تمسح مسحا لا تغسل غسلا.
والثاني أنهم قالوا إن الكعب هو هذا العظم الناتئ في ظهر الرجل دون العظم الناتئ في أسفل الساق فقصّروا.
والثالث أنهم منعوا المسح على الخفين قالوا لا يمكن نمسح على الخفين فخالفوا السنة من هذه الوجوه الثلاثة.
القارئ: ولا يعفى عن شيء من طهارة الحدث وإن كان يسيرا لما ذكرنا من حديث عمر ويستحب أن يخلل أصابعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك) رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن.
الشيخ: قوله إنه لا يعفى عن شيء ولو يسيرا واستدل بالحديث أن رجلا ترك موضع ظفر من قدمه وهذا هو المشهور ويدل له قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)(المائدة: من الآية6) وإذا كان هناك مانع يمنع وصول الماء لم يصدق عليه أنه غسل العضو لكن شيخ الإسلام رحمه الله قال إن الشيء اليسير يعفى عنه لا سيما فيمن ابتلي به وهذا ينطبق على العمال الذين يستعملون البوية فإنه كثيرا ما يكون فيه النقطة أو النقطتان إما أن ينسوها أو لا يجدون ما يزيلونها به في الحال فعلى رأي شيخ الإسلام رحمه الله يعفى عن هذا ولكن ينبغي أن نأخذ بالحديث وأنه لا يعفى عن الشيء ولو كان يسيرا فهو إن أمكنه أن يزيله قبل أن يخرج وقت الصلاة أزاله وإلا مسح عليه وصار كالجبيرة
فصل
القارئ: ويجب ترتيب الوضوء على ما ذكرنا في ظاهر المذهب
الشيخ: قوله على ما ذكرنا وقف يعني يرتب على ما ذكرنا فيبدأ بالوجه ثم اليدين ثم الرأس ثم الرجلين وقوله في ظاهر المذهب متعلق بيجب لا بذكرنا يعني يجب في ظاهر المذهب.
القارئ: وحكي عنه أنه ليس بواجب لأن الله سبحانه وتعالى عطف الأعضاء المغسولة بالواو ولا ترتيب فيها ولنا أن في الآية قرينة تدل على الترتيب لأنه أدخل الممسوح بين المغسولات وقطع النظيرعن نظيره ولا يفعل الفصحاء هذا إلا لفائدة ولا نعلم هنا فائدة سوى الترتيب ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه الوضوء إلا مرتبا وهو يفسر كلام الله بقوله مرة وبفعله مرة أخرى
الشيخ: بقوله مرة مثل قوله صلى الله عليه وسلم ((ألا إن القوة الرمي)) يفسر قوله تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)(لأنفال: من الآية60) ومثل قوله ((الزيادة هي النظر إلى وجه الله)) يفسر قوله تعالى (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)(يونس: من الآية26) أما الفعل فمثل هنا وفيه أيضا دليل قولي عام وهو قوله صلى الله عليه وسلم حينما اتجه إلى الصفا بعد الطواف فدنا من الصفا قرأ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ)(البقرة: من الآية158)(أبدأ بما بدأ الله به) وهذه الرواية
في صحيح مسلم والرواية الثانية في غير مسلم (ابدؤا بما بدأ الله به) فهذا أيضا دليل وعلى هذا فالصحيح وجوب الترتيب ولكن بعض أهل العلم قال إنه يسقط الترتيب بالنسيان وفي النفس من هذا شيء وإن كان هذا ظاهر كلام شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوي أنه يسقط الترتيب بالنسيان وأما بالجهل في قوم الجهل فيهم عام كالبادية فالقول بسقوط الترتيب وجيه يعني لو جاءنا مثلاً بدوي وقال لنا أنا لي خمس سنين أو ست سنين أتوضأ وأغسل وجهي ثم أمسح رأسي ثم أغسل يدي ثم رجلي أظن أن الأعلى هو الذي يبدأ به أولا والرأس والوجه أعلى شيء فهذا ربما نعذره ونقول رجل في بادية ليس عندهم علماء ويظن هذا هو الصواب فيعذر كما عذر النبي عليه الصلاة والسلام عمار بن ياسر حينما تمرغ في الصعيد للتيمم.
القارئ: فإن نكس وضوءه فختم بوجهه لم يصح إلا غسل وجهه وإن غسل وجهه ويديه ثم غسل رجليه ثم مسح برأسه صح وضوؤه إلا غسل رجليه فيغسلهما ويتم وضوءه
الشيخ: هذه مسائل واضحة
فصل
القارئ: ويوالي بين غسل الأعضاء وفي وجوب الموالاة روايتان إحداهما تجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم (رأى رجلا يصلي وفي رجله لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة) رواه أبو داود ولو لم تجب الموالاة لأجزأه غسلها ولأن النبي صلى الله عليه وسلم والى بين الغسل والثانية لا تجب لأن المأمور به الغسل وقد أتى به وقد روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه توضأ وترك مسح خفيه حتى دخل المسجد فدعي لجنازة فمسح عليهما وصلى عليها.
الشيخ: إذاً هنا روايتان عن أحمد في الموالاة هل هي فرض واجب أو لا؟ والصحيح أن الموالاة واجبة لأن الوضوء عبادة واحدة فلا يصح أن يفرق ولأننا لو قلنا بعدم الموالاة لصار الإنسان يغسل وجهه عند طلوع الشمس ويغسل يديه في منتهى الضحى ويمسح رأسه قبل الزوال بنصف ساعة ويغسل رجليه بعد الزوال فهل نقول هذا توضأ؟ صعب أن نقول هذا وضوء صحيح فالصواب أن نقول إن الموالاة فرض ولابد منها والدليل على هذا أولاً أن الله قال (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا)(المائدة: من الآية6) والشرط يلي المشروط وهنا الشرط مكون من أعمال متعددة فإذا كان الشرط هنا من أشياء متعددة وقلنا إنه يلي المشروط لزم أن تتوالى هذه الأشياء.
ثانيا أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يحفظ عنه أنه توضأ وضوءا متفرقا وقد قال الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(الأحزاب: من الآية21).
ثالثا أن الوضوء عبادة واحدة فلابد أن ينبني بعضها على بعض بدون تفريق.
القارئ: والتفريق المختلف فيه أن يؤخر غسل عضو حتى يمضي زمن ينشف فيه الذي قبله في الزمن المعتدل فإن أخر غسل عضوٍ لأمر في الطهارة من إزالة الوسخ أو عرك عضو لم يقدح في طهارته
الشيخ: المؤلف حد ذلك بأن ينشف العضو السابق قبل أن ينشف العضو اللاحق في زمن معتدل وفي جو معتدل أيضا فلا عبرة بجو يكون ملبدا بالضباب لأن الجو الملبد بالضباب لا ينشف فيه العضو إلا متأخراً ولا عبرة بجو فيه رياح شديدة لأن الريح تنشفه ولا عبرة بجو حار جداً لأن الحرارة تبخر الماء ولا عبرة أيضا ببارد جدا لأن البارد أيضا تتأخر معه نشوفة الماء إذاً إذا كنا في زمن على هذا الوجه أو في جو على هذا الوجه ماذا نصنع نقدر (اقدروا له قدره) فنقول لو كان في زمن معتدل فهل ينشف أولا؟
وقال بعض العلماء إن العبرة بالموالاة العرفية فإذا طال الزمن عرفا فقد سقطت الموالاة فيعيد وإذا لم يطل عرفا فإنه وإن نشف العضو لا يضر وهذا هو الأقرب إلى القياس لأن الموالاة في الصلاة فيما إذا سلم الإنسان ناسيا تعتبر بالعرف وكل الموالاة تعتبر بالعرف إلا في هذا الموضع فهم قالوا العبرة بنشوفة العضو في زمن معتدل ثم ذكر إذا تشاغل بشيء حتى نشف فهذا ينقسم إلى قسمين أن يتشاغل بشيء لا علاقة له بطهارته فهنا يضر إذا انقطعت الموالاة مثل أن ينشغل بغسل نجاسة في ثوبه في أثناء وضوئه حتى تنشف أعضاؤه فهنا يجب عليه أن يعيد الوضوء لسقوط الموالاة أما إذا كان التشاغل لأمر يتعلق بالأعضاء المغسولة فإن ذلك لا يضر لماذا؟ لأنه لمصلحة تتعلق في نفس العبادة ومن ذلك أن يكون في الإنسان بوية وعند الوضوء وجدها على عضو من أعضائه فذهب يأتي بما يزيلها من بنزين أو قاز أو غيره حتى نشف فهذا لا يضر واختلف العلماء فيما إذا فاتت الموالاة بأمر خارج عن الأعضاء كتحصيل ماء فمنهم من قال إن الموالاة تسقط بمعنى أنه إذا نشف العضو فإنه لا يضر لأن هذا التشاغل بتكميل طهارته ومنهم من قال إنها تضر لأن هذا أمر لا يتعلق بالأعضاء فلو مثلا وقف البزبوز ثم ذهب يطلب بزبوزاً آخر حتى نشفت الأعضاء فإن قلنا بسقوط الموالاة هنا لم يضره أن ينشف العضو وإن قلنا بعدم ذلك قلنا أعد الوضوء من جديد فالأقسام إذاً ثلاثة:
1.
ما لا يتعلق بالطهارة أصلا فما الحكم فيه؟ هذا يقطع الموالاة ولا يسقطها.
2.
وما يتعلق بنفس الأعضاء المغسولة فهذا لا يضر وتسقط به الموالاة يعني لا نشترط الموالاة هنا.
3.
ما يتعلق بالطهارة لكن ليس يتعلق بنفس الأعضاء المغسولة فهنا فيه خلاف بين العلماء ولو أعاد الوضوء لكان أحسن إذا انقطعت الموالاة.
فصل
القارئ: والوضوء مرة مرة يجزىء والثلاث أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم ((توضأ مرة مرة وقال هذا وضوء من لم يتوضأه لم يقبل الله له صلاة ثم توضأ مرتين ثم قال هذا وضوء من توضأه أعطاه الله كفلين من الأجر ثم توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال هذا وضوئي ووضوء المرسلين قبلي)) أخرجه ابن ماجة
الشيخ: ذكر شيخ الإسلام رحمه الله فائدة وهي أن ما انفرد به ابن ماجه فالغالب عليه الضعف هكذا قال رحمه الله وشيخ الإسلام كما تعرفون حافظ من أئمة الحديث.
القارئ: وإن غسل بعض أعضائه أكثر من بعض فلا بأس فقد حكى عبد الله بن زيد وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم (فغسل يديه مرتين ثم مضمض واستنثر ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه ثم غسل رجليه) متفق عليه.
الشيخ: إذاً غسل الوجه ثلاثا واليدين مرتين والرجلين مرة لأنه لم يذكر التكرار فيجوز على هذا أن الإنسان يتوضأ مرة مرة ومرتين مرتين وثلاثا ثلاثا في جميع الأعضاء ويجوز أن يفاوت بين الأعضاء.
القارئ: ولا يزيد على ثلاث لأن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثا ثم قال (هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم) رواه أبو داود.
الشيخ: وهذا الحديث يدل على أن الزيادة على الثلاث محرمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصفها بالإساءة والظلم وكلاهما وصفان يدلان على تحريم الفعل.
القارئ: ويكره الإسراف في الماء لأن النبي صلى الله عليه وسلم مر على سعد وهو يتوضأ فقال (لا تسرف قال يا رسول الله في الماء إسراف قال نعم وإن كنت على نهر جار) رواه ابن ماجه.
فصل
القارئ: ويستحب إسباغ الوضوء ومجاوزة قدر الواجب بالغسل لأن أبا هريرة رضي الله عنه توضأ فغسل يده حتى أشرع في العضد ورجله حتى أشرع في الساق ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله) متفق عليه.
الشيخ: هاتان مسألتان الأولى إسباغ الوضوء ولا شك في استحبابه لقول النبي عليه الصلاة والسلام ألا أخبركم بما يرفع الله به الدرجات ويكفر به الخطايا وذكر إسباغ الوضوء على المكاره وقال للقيط بن صبرة (أسبغ الوضوء) وأما المجاوزة على قدر الواجب فإن كان على وجه لا يتم الواجب إلا به فهو واجب مثل أننا لا يمكن أن نتأكد أننا غسلنا الكعبين إلا بالإشراع في الساق أو المرفقين إلا بالإشراع في العضد فهذا لا شك أنه سنة إن لم نقل إنه واجب وأما الزيادة على ذلك فالصحيح أنها غير مشروعة لأن جميع الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا أنه يتجاوز أكثر من هذا وفعل أبي هريرة حينما كان يتوضأ إلى نصف الساق أو إلى قريب المنكب اجتهاد منه.
السائل: أليس قول الرسول صلى الله عليه وسلم (فمن استطاع منكم فليطل غرته) يدل على استحباب الزيادة؟
الشيخ: قال ابن القيم في النونية إن إطالة الغرات ليس بممكن وقال إنما قال هذا أبو هريرة من كيسه
وأبو هريرة قال ذا من كيسه
…
فغدا يميزه أولو العرفان
فصل
القارئ: ولا بأس بالمعاونة على الوضوء والغسل بتقريب الماء وحمله وصبه فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحمل له الماء ويصب عليه قال أنس (كان النبي صلى الله عليه وسلم ينطلق لحاجته فآتيه أنا وغلام من الأنصار بأداوة من ماء يستنجي به) وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه قال (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فمشى حتى توارى عني في سواد الليل ثم جاء فصببت عليه من الإداوة فغسل وجهه وذكر بقية الوضوء) متفق عليهما وعن عائشة رضي الله عنها قالت (كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أواني من الليل مخمرة إناء لطهره وإناء لسواكه وإناء لشرابه) أخرجه ابن ماجه.
فصل
القارئ: وفي تنشيف بلل الغسل والوضوء روايتان إحداهما يكره لأن ميمونة رضي الله عنها وصفت غسل النبي صلى الله عليه وسلم ثم قالت (فأتيته بالمنديل فأتيته بالمنديل فلم يردها وجعل ينفض الماء بيده) متفق عليه والأخرى لا بأس به لأنه إزالة للماء عن بدنه أشبه نفضه بيديه.
الشيخ: الصحيح الرواية الثانية أنه لا بأس به وربما نقول إن حديث ميمونة يدل على ذلك لأن إتيانها بمنديل قرينة على أن هذا من عادة النبي عليه الصلاة والسلام لكنه ردها لعل المنديل فيه شيء من الوسخ أو ما أشبه ذلك أو أراد أن يبين لأمته أنه لا ينبغي للإنسان أن يكون مترفا في كل وقت وأنه ينبغي أحياناً أن يدع التنشف وينفض الماء بيده وفي نفض الماء بيده دليل على أنه ليس من الأمور المقصودة أن يبقى أثر الماء على الإنسان وإذا كان ليس من الأمور المقصودة أن يبقى أثر الماء على الإنسان فسواء أزاله بالمنشفة أو أزاله بيديه فالصحيح أن تنشيف الأعضاء من الوضوء أو من الغسل لا بأس به.
فصل
القارئ: ويستحب أن يقول بعد فراغه من الوضوء أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله لما روى عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (من توضأ فأحسن وضوءه ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتح الله له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) رواه مسلم.
الشيخ: والحكمة ظاهرة في الربط بين هذا الذكر وبين الوضوء لأن الوضوء به طهارة الظاهر والتوحيد به طهارة الباطن فلهذا كان من المناسب إذا فرغ من الوضوء أن يقول هذا الذكر أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وفي رواية الترمذي اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.
فصل
القارئ: والمفروض من ذلك بغير خلاف خمسة. النية وغسل الوجه وغسل اليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين.
الشيخ: قوله بغير خلاف يعني في المذهب لا بين العلماء وهذه نقطة ينبغي أن نعرفها فالنووي في المجموع شرح المهذب يقول كثيرا بغير خلاف ومراده بين أصحاب الإمام الشافعي رحمه الله وهذا ابن قدامة هنا يقول بغير خلاف يريد بغير خلاف في المذهب لأن هذا الكتاب إنما ألف لبيان الخلاف في المذهب بخلاف ما لو قال في المغني بغير خلاف فهناك يراد به بغير خلاف بين العلماء لأن المغني يذكر خلاف العلماء من غير الحنابلة هذه نقطة ينبغي للإنسان أن يتفطن لها وإنما قلنا ذلك لأن النية فيها خلاف فأبو حنيفة لا يرى
شرط النية في طهارة الوضوء يقول لأن هذه العبادة وسيلة للصلاة من شروطها كلبس الثوب فكما أن الإنسان لو لبس الثوب يستر به عورته ليصلي لا يشترط أن ينوي للبسه أنه من أجل ستر عورته للصلاة فكذلك في الوضوء لكن قوله رحمه الله ضعيف لأن الوضوء عبادة مقصودة بدليل أن النبي عليه الصلاة والسلام رتب عليها ثوابا جزيلا ثم إنه قد يكون من المستحب أن يكون دائما على طهر بخلاف الثوب.
القارئ: وخمسة فيها روايتان الترتيب والموالاة والمضمضة والاستنشاق والتسمية والسنن سبعة غسل الكفين والمبالغة في المضمضة والاستنشاق.
الشيخ: الموالاة فيها روايتان الترتيب يقول فيه روايتان وهناك قال حكي عنه أنه ليس بواجب أي الترتيب وحكي عنه هذه صيغة تمريض لكن الآن المؤلف قال فيها روايتان بناءً على صحة الحكاية.
القارئ: وتخليل اللحية وأخذ ماء جديد للأذنين وتخليل الأصابع.
الشيخ: غسل الكفين متى؟ في أول الوضوء أما غسل الكفين بعد الوجه فهو داخل في غسل اليدين وهذه مسألة يجب أن تنبهوا العوام عليها لأن العوام يظنون أن غسل الكفين قبل غسل الوجه كافي ولهذا إذا كان يتوضأ من البزبوز تجده يضع ذراعه تحت البزبوز وربما لا يغسل كفه وهذا غلط لأنه في غسل اليدين بعد الوجه يجب أن يكون من أطراف الأصابع إلى المرفق.
مسألة: مسح الرقبة في الوضوء بدعة.
القارئ: وتخليل الأصابع والبداءة باليمنى والدفعة الثانية والثالثة
الشيخ: مراده بالدفعة يعني الغسلة الثانية والثالثة ولو قال الغسلة لكان أحسن لأن الدفعة قد يقول قائل إنه يدخل فيها المسح لكن مسح الرأس مرة واحدة، وكل الممسوح لا يكرر مسحه فالخف مثلا لا يكرر مسحه والجبيرة لا يكرر مسحها ووجه ذلك أنه خفف فيها في التطهير فخفف التكرار والتكرار لا يتناسب مع المسح لأن المسح تطهير مخفف.
السائل: أليس مسح الشعر مرتين؟
الشيخ: الترجيع واحدة لأن الشعر وجوهه مختلفة فإذا قلت مثلا هكذا معناه إنك استقبلت بطون الشعر في الناصية وظهور الشعر في القفا وإذا رجعت بالعكس هذا هو الذي جعل العلماء يجعلون المسح على هذه الصفة مسحة واحدة.