المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب التيمم القارئ: التيمم طهارة بالتراب يقوم مقام الطهارة بالماء عند - تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة - جـ ١

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌ ‌باب التيمم القارئ: التيمم طهارة بالتراب يقوم مقام الطهارة بالماء عند

‌باب التيمم

القارئ: التيمم طهارة بالتراب يقوم مقام الطهارة بالماء عند العجز عن استعماله لعدم أو مرض لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ)(المائدة: من الآية6) إلى قوله (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ)(المائدة: من الآية6) وروى عمار قال (أجنبت فلم أجد الماء فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) متفق عليه والسنة في التيمم أن يضرب بيديه على الأرض ضربة واحدة ثم يمسح بهما وجهه ويديه إلى الكوعين للخبر ولأن الله تعالى أمر بمسح اليدين واليد عند الإطلاق في الشرع تتناول اليد إلى الكوع بدليل قوله تعالى

(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)(المائدة: من الآية38) وإن مسح يديه إلى المرفقين فلا بأس لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الشيخ: الصواب أنه وإن كان ذهب بعض العلماء إلى أن التيمم إلى المرفقين فإن هذا ضعيف لأن حديث عمار بن ياسر صريح بأن الرسول عليه الصلاة والسلام مسح الكفين فقط وكذلك قوله تعالى (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ)(المائدة: من الآية6) واليد عند الإطلاق للكف بدليل قوله تعالى (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)(المائدة: من الآية38).

ص: 187

القارئ: وسواء فعل ذلك بضربتين أو أكثر ويستحب تفريق أصابعه عند الضرب ليدخل الغبار فيما بينهما وإن كان التراب ناعما فوضع اليدين عليه وضعا أجزأه ويمسح جميع ما يجب غسله من الوجه مما لا يشق مثل باطن الفم والأنف وما تحت الشعور الخفيفة لقوله تعالى (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ) وكيفما مسح بعد أن يستوعب الوجه والكفين إلى الكوعين جاز إلا أن المستحب في الضربة الواحدة أن يمسح وجهه بباطن أصابع يديه وظاهر كفيه بباطن راحتيه وإن مسح بضربتين مسح بأولاهما وجهه وبالثانية يديه فإن مسح إلى المرفقين وضع بطون أصابع اليسرى على ظهور أصابع اليمين ثم يمرهما إلى مرفقيه ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع ويمره عليه ويرفع إبهامه فإذا بلغ الكوع أمر إبهام يده اليسرى على إبهام يده اليمنى ثم مسح بيده اليمنى يده اليسرى كذلك ثم يمسح إحدى الراحتين بالأخرى ويخلل بين أصابعه.

الشيخ: الله المستعان هذا تكلف والصحيح خلاف ما قال المؤلف الصحيح أنه إذا ضرب ضربة واحدة مسح بالوجه ثم مسح الكفين وكذلك لو ضرب بضربتين مسح بالأولى الوجه والثانية مسح الكفين بعضهما ببعض وأما التكلف الذي ذكره المؤلف رحمه الله فهذا مثل ما ذكر فيما سبق أنه يتنحنح إذا انتهى من البول وبعضهم قال إنه يركض وبعضهم قال يتعلق بالحبل ويشيل وينزل.

مسألة: بعض العلماء قال كما قال المؤلف يمسح بباطن الأصابع الوجه والكفين بالراحة بناءً على أنه لو مسح الوجه والكفين بالراحة لمسح بتراب مستعمل والتراب المستعمل عندهم يكون طاهرا غير مطهر والصواب أنه طهور والصحيح ما رجحناه سابقاً.

القارئ: وإن يممه غيره جاز كما يجوز أن يوضئه وإن أطارت الريح عليه ترابا فمسح وجهه بما على يديه جاز وإن مسح وجهه بما عليه لم يجز لأن الله تعالى أمر بقصد الصعيد والمسح به ويحتمل أن يجزئه إذا صمد للريح لأنه بمنزلة مسح غيره له.

الشيخ: الظاهر أنه لابد من المسح.

فصل

ص: 188

القارئ: وفرائض التيمم النية لما ذكرنا في الوضوء ومسح الوجه والكفين للأمر به وترتيب اليدين على الوجه قياساً على الوضوء وفي التسمية والموالاة روايتان كالوضوء فأما النية فهو أن ينوي استباحة ما لا يباح إلا به فإن نوى صلاة مكتوبة أبيح له سائر الأشياء لأنه تابع لها فيدخل في نية المتبوع وإن نوى نفلا أو صلاة مطلقة لم يبح له الفرض لأن التيمم لا يرفع الحدث وإنما تستباح به الصلاة فلا يستبيح به الفرض حتى ينويه وله قراءة القرآن لأن النافلة تتضمن القرآن وليس له صلاة الجنازة المتعينة لأنها فرض وإن كانت نفلا فله فعلها وإن نوى قراءة القرآن لم يكن له التنفل لأنه أعلى فإن نوى رفع الحدث لم يجزئه.

ص: 189

الشيخ: كلام المؤلف رحمه الله في النية لا ينوي رفع الحدث لأن الحدث لا يرتفع وإنما ينوي استباحة ما لا يباح إلا بالطهارة يعني ينوي أنه يستبيح الصلاة بهذا التيمم لأن الأصل منع الصلاة من المحدث فالأصل أن المحدث ممنوع من الصلاة فيتيمم لأجل أن يستبيح الصلاة فهو ينوي الاستباحة ولا ينوي رفع الحدث لأنه لا يرتفع الحدث وإذا كانت النية نية استباحة فإنه إذا نوى استباحة الأدنى لا يباح له الأعلى وإن نوى استباحة الأعلى أبيح له الأدنى هذه القاعدة (إذا نوى استباحة الأدنى لم يبح له الأعلى وإذا نوى استباحة الأعلى أبيح له الأدنى) والفرض أعلى من النفل فإذا تيمم لصلاة الفريضة أبيحت له صلاة النافلة وإذا تيمم لصلاة النافلة فلا تباح له الفريضة هذه القاعدة ولهذا يقول رحمه الله فأما النية فهو أن ينوي استباحة ما لا يباح إلا به فإن نوى صلاة مكتوبة أبيح له سائر الأشياء لأنه تابع لها فتدخل في نية المتبوع وإن نوى نفلا أو صلاة مطلقة لم يبح له الفرض لأن الفرض أعلى من النفل لأن التيمم لا يرفع الحدث وإنما تستباح به الصلاة فلا يبيح فرض حتى ينويه وله قراءة القرآن لماذا؟ لأن النافلة تتضمن القرآن وليس له صلاة الجنازة المتعينة لأنها فرض وهو إنما تيمم للنفل وإن كانت نفلا فله فعلها وإن نوى قراءة القرآن لم يكن له التنفل لأنه أعلى يعني إذا تيمم لقراءة القرآن فإنه لا يصلي به النافلة لأن الطهارة للنافلة أوكد من الطهارة لقراءة القرآن والخلاصة والضابط ما ذكرت لكم إذا نوى الأعلى استباح الأدنى وإن نوى استباحة الأدنى لم يستبح الأعلى.

السائل: ماحكم الموالاة في التيمم؟

الشيخ: سبق لنا أن الراجح الترتيب والموالاة في التيمم وفي غير التيمم لأن الله ذكره مرتبا وهو عبادة واحدة لا يمكن أن تتفرق.

ص: 190

القارئ: فإن نوى قراءة القرآن لم يكن له التنفل لأنه أعلى فإن نوى رفع الحدث لم يجزئه لأن التيمم لا يرفع الحدث وعنه ما يدل على أنه يرفع الحدث فيكون حكمه حكم الوضوء في نيته ولا بد له من تعيين ما يتيمم له من الحدث الموجب للغسل.

الشيخ: هذه الرواية عن أحمد هي الصحيحة بلا شك أن التيمم يرفع الحدث ودليل ذلك قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ)(المائدة: من الآية6) وهذا نص صريح ولا تطهير إلا برفع الحدث وقال النبي عليه الصلاة والسلام (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره) وهذا صريح في أنه يطهر فيرفع الحدث ولكن رفعه للحدث رفع مؤقت مادام عادما للماء أو عاجزا عن استعماله يعني مادام العذر قائما وبناء على هذا القول الراجح إذا تيمم للنافلة جازت الفريضة وإذا تيمم لصلاة الفجر وبقي على طهارته إلى الظهر لم يحتج إلى إعادة التيمم وإذا تيمم للصلاة وخرج وقتها لم يبطل التيمم يعني أن حكمه حكم الماء إلا إذا زال العذر فإنه لابد من استعمال الماء ودليل ذلك قول النبي عليه الصلاة والسلام (الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته) هذا دليل والدليل الثاني ما ثبت في البخاري في قصة الرجل الذي كان معتزلا لم يصلِّ في القوم فقال (ما منعك قال أصابتني جنابة ولا ماء قال عليك بالصعيد فإنه يكفيك) ثم جاء الماء فأعطاه فضلة وقال خذ هذا فأفرغه على نفسك فهذا يدل على أنه إذا وجد الماء بطل التيمم وقد حكى بعض العلماء الإجماع على هذه المسألة أنه متى وجد الماء بطل التيمم وإن قلنا برفع الحدث بالتيمم وذكر بعض أهل العلم طردا للقاعدة أنه لا يبطل تيممه بوجود الماء لأنه يقول في تعليله

ص: 191

إذا ثبت ارتفاع الحدث فإنه لا يعود إلا بدليل فنقول له الجواب على هذا سهل ماذا نقول؟ وجد الدليل على أن من وجد الماء وقد تيمم لعدمه فعليه أن يتطهر بالماء ومن برأ من مرضه وقد تيمم من أجل المرض فإنه يجب عليه أن يتطهر بالماء.

السائل: إذا قال وعنه فهل يدل على أن الرواية الثانية ضعيفة؟

الشيخ: إذا قال أصحاب المذهب وعن الإمام أحمد كذا فمعناه أن المقدم عندهم خلافه فيكون المقدم عند المؤلف خلاف هذا الشيء أما إذا قال ففيه روايتان فهما مطلقتان أو إذا قال فعنه كذا وعنه كذا كما يوجد في كتاب الفروع مثلا إن فعل كذا فعن الإمام أحمد كذا وعنه كذا فيكون هذا أيضا رواية مطلقة.

القارئ: ولابد له من تعيين ما يتيمم له من الحدث الموجب للغسل أو الوضوء أو النجاسة.

الشيخ: لابد من تعيين ما يتيمم له وعندنا الآن متيمم عنه ومتيمم له ما هو المتيمم عنه؟ الحدث البول الغائط الجنابة ومتيمم له وهو ما يستبيحه بالتيمم كالصلاة وقراءة القرآن وما أشبه ذلك يقول لابد من تعيين ما يتيمم له من الحدث الموجب للغسل أو الوضوء يعني معناه لابد أن تنوي أن هذا التيمم عن جنابة أو هذا عن وضوء لابد أن تنوي

إذاً فعندنا نيتان النية الأولى نية ما يتيمم له والثانية ما يتيمم عنه بخلاف الوضوء فالوضوء لو نويت الصلاة بقطع النظر عن الحدث ارتفع الحدث ولو نويت رفع الحدث بقطع النظر عن الصلاة أو قراءة القرآن ارتفع.

القارئ: فإن تيمم للحدث ونسي الجنابة أو الجنابة ونسي الحدث لم يجزئه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (وإنما لكل امرئ ما نوى) ولأن ذلك لا يجزئ في الماء وهو الأصل ففي البدل أولى.

الشيخ: وقول المؤلف هنا الموجب للغسل أو الوضوء أو النجاسة الصحيح أنه لا تيمم للنجاسة فالنجاسة إن قدرت على إزالتها فأزلها وإن لم تقدر فلا تتيمم لأن الله إنما ذكر التيمم في الحدث ولأن النجاسة المطلوب زوالها والتيمم لا يزيلها.

السائل: متى تكون صلاة الجنازة سنة؟

ص: 192

الشيخ: إذا صلي عليها أول مرة فما بعدها سنة.

فصل

القارئ: ويجوز التيمم عن جميع الأحداث لظاهر الآية وحديث عمار وروى عمران بن حصين (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا معتزلا لم يصل مع القوم فقال يا فلان ما منعك أن تصلي مع القوم قال أصابتني جنابة ولا ماء عندي قال عليك بالصعيد فإنه يكفيك) متفق عليه.

الشيخ: وهذا نص على أنه يجوز التيمم عن حدث الأصغر وحديث عمار أيضا صريح وقد أنكر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب التيمم للجنابة وقال التيمم للحدث الأصغر فقط وناظره عمار بن ياسر في ذلك وقال ألا تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسلني وإياك في حاجة وحصل علي كذا وكذا فقال لا أذكر فقال له عمار إن شئت يا أمير المؤمنين أن لا أحدث بهذا الحديث لما جعل الله لك علي من الطاعة فعلت قال لا لا أمنعك ونوليك ما توليت وانظر فقه الصحابة قال إن شئت أن لا أحدث به مع أنه حديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام ويترتب عليه حكم شرعي من أعظم الأحكام وهو الصلاة ومع ذلك قال إذا رأيت ألا أحدث به فعلت فقال لا نوليك ما توليت لكننا نقول إن عمار بن ياسر يعلم علم اليقين أن عمر لن يمنعه بشيء سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكون حجة لبعض الناس الذي يقول إذا قال لك ولي الأمر لا تحدث ولا تعلم الناس وجب عليك أن تمتنع على سبيل الإطلاق نقول لا لكن نعم يجب عليك أن لا تنابذ ولي الأمر لما يحصل من منابذته الضرر عليك وعلى غيرك ولكن اترك هذا ثم حاول إقناع ولاة الأمور أحسن من المنابذة لأن منابذة ولاة الأمور فيها شر كثير ربما يتسلطون عليك أكثر من ذي قبل وربما يتسلطون على غيرك أيضا وربما يأخذون من هذا التصرف فكرة سيئة عن أهل الدعوة وأهل الخير وأنهم معاندون وما أشبه ذلك.

ص: 193

القارئ: ويجوز التيمم للنجاسة على البدن لأنها طهارة على البدن مشترطة للصلاة فناب فيها التيمم كطهارة الحدث واختار أبو الخطاب أنه يلزمه الإعادة إذا تيمم لها عند عدم الماء وقيل في وجوب الإعادة روايتان إحداهما لا تجب لقوله عليه السلام (التراب كافيك ما لم تجد الماء) وقياسا على التيمم للحدث والأخرى تجب الإعادة لأنه صلى بالنجاسة فلزمته الإعادة كما لو لم يتيمم ولا يجوز التيمم عن النجاسة في غير البدن لأنها طهارة في البدن فلا تؤثر في غيره كالوضوء

الشيخ: إذاً عندنا ثلاثة أشياء:

1.

الحدث والتيمم عنه ثابت بالنص والإجماع.

2.

طهارة نجاسة الثوب فلا تيمم عنها قولا واحدا يعني مثل إنسان في ثوبه نجاسة وليس عنده ما يغسلها به وليس عنده ثوب غيره فلا يتيمم ويصلي بالثوب النجس ولكن ماذا يصنع؟ يصلي بالثوب النجس ويعيد على المذهب والصحيح أنه يصلي بالثوب النجس ولا يعيد لماذا؟ لقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(التغابن: من الآية16) وأنا ليس عندي إلا هذا الثوب هل أصلي عريانا وأضع الثوب على الأرض أو أصلي في الثوب وأقول هذه قدرتي؟ نقول صلِّ في الثوب وقل هذه قدرتي لكن على المذهب يلزمه أن يصلي في الثوب ثم إذا وجد ثوبا آخر أو غسله وجب عليه إعادة الصلاة فإذا بقي في الثوب شهرا صلى صلاة الشهر مائة وخمسين صلاة وإذا وجد ما يغسل به الثوب أعادها مائة وخمسين صلاة بأي دليل وهل أوجب الله على العبد أن يصلي صلاتين؟ أبداً (فاتقوا الله ما استطعتم).

ص: 194

3.

النجاسة على البدن وفيها خلاف هل يتيمم لها أو لا؟ والصحيح أنه لا يتيمم لها فإن صلى وهو نجس سواء قلنا بالتيمم أو بعدمه فالمذهب أنه إذا تيمم لا إعادة عليه والقول الثاني الذي اختاره أبو الخطاب أنه يعيد والصواب أنه لا يتيمم ولا يعيد لأن التيمم إنما يكون في طهارة الأحداث فقط لأنه هو الذي جاء به النص ولأن النجاسة لا تزول بالتيمم فلا فائدة فإذا قال قائل والحدث هل يزول بالتيمم نقول نعم لأن الحدث وصف ومعنى ليس شيئا محسوسا يزال وإذا تعبد الإنسان لربه سبحانه وتعالى بأن عفر وجهه بالتراب فهذا أكمل من الطهارة هذا طهارة قلبية إذاً ما هو القول الراجح وخلاصة الفصل؟ القول الراجح أن التيمم رافع للحدث لكنه رفع مؤقت.

ثانيا القول الراجح أنه لا يتيمم عن النجاسة لا في ثوبه ولا في بدنه ولا في بقعته وأنه يصلي ولا إعادة عليه سواء كانت النجاسة في البدن أو كانت في الثوب أو كان في البقعة بأن حبس في محل نجس كله سواء ليس عليه إعادة.

السائل: إذا كانت النجاسة في طرف الثوب ويستطيع قطع الثوب فهل يلزمه؟

الشيخ: لا يلزمه هذا لأن فيه إتلاف للمال وإفساد له والإنسان منهي عنه ثم هذا فيه أيضا تشبه باليهود.

فصل

القارئ: ولجواز التيمم ثلاثة شروط أحدها العجز عن استعمال الماء وهو نوعان أحدهما عدم الماء لقول الله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً)(المائدة: من الآية6) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم (الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك) رواه أبو داود.

النوع الثاني الخوف على نفسه باستعمال الماء لمرض أو قرح يخاف باستعمال الماء تلفا أو زيادة مرض أو تباطؤ البرء أو شينا فاحشا في جسمه لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى

ص: 195

سَفَرٍ) (النساء: من الآية43) وقوله (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ)(المائدة: من الآية6) وإن وجد ماء يحتاج إلى شربه للعطش أو شرب رفيقه أو بهائمه أو بينه وبينه سبع أو عدو يخافه على نفسه أو ماله أو خاف على ماله إن تركه وذهب إلى الماء فله التيمم لأنه خائف الضرر باستعماله فهو كالمريض وإن خاف لشدة البرد تيمم وصلى لما روى عمرو بن العاص قال (احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت وصليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال يا عمرو أصليت بأصحابك وأنت جنب فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال ثم قلت سمعت الله يقول (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)(النساء: من الآية29) فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا) رواه أبو داود ولأنه خائف على نفسه أشبه المريض ولا إعادة عليه إن كان مسافرا لما ذكرنا وإن كان حاضرا ففيه روايتان إحداهما لا يلزمه الإعادة لذلك والثانية يلزمه لأنه ليس بمريض ولا مسافر ولا يدخل في عموم الآية ولأن الحضر مظنة إمكان إسخان الماء فالعجز عنه عذر غير متصل وإن قدر على إسخان الماء لزمه كما يلزمه شراء الماء ومن كان واجدا للماء فخاف فوت الوقت لتشاغله بتحصيله أو استسقائه لم يبح له التيمم لأن الله تعالى قال (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً)(النساء: من الآية43) وهذا واجد.

ص: 196

الشيخ: والصحيح أنه يتيمم يعني مثلا إنسان ضاق عليه الوقت وخاف إن اشتغل بتحصيل الماء أن يخرج الوقت فهل يشتغل بتحصيل الماء حتى ولو خرج الوقت أو يتيمم ويصلي في الوقت؟ نقول يتيمم ويصلي في الوقت لأن أصل مشروعية التيمم من أجل الصلاة في الوقت وإلا لقيل للإنسان انتظر حتى تجد الماء ولو بقيت يوما أو يومين فإذا كان كذا فلا فرق أن يجده عن قرب أو عن بعد فله أن يتيمم ولعموم قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)(المائدة: من الآية6) ثم قال (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا)(المائدة: من الآية6).

مسألة: إذا كان يجد الماء بالشراء ومعه مال فنقول له اشتر الماء.

القارئ: وإن خاف فوت الجنازة فليس له التيمم لذلك وعنه يجوز لأنه لا يمكن استدراكها.

الشيخ: مسألة التيمم لفوت الجنازة وجيه وكذلك التيمم لخوف فوت الجمعة وكذلك التيمم لخوف فوات صلاة العيد كل هذا جائز فلو أن إنسان في صلاة الجمعة أحدث في أثناء الخطبة وقال إن ذهبت أتوضأ فاتتني الصلاة وإن تيممت أدركت الصلاة نقول تيمم وصل لماذا؟ لأنه لو ذهب فاتته الصلاة ولا يمكنه تداركها فإن كان ذلك في صلاة الظهر مثلا أحدث عند إقامة الصلاة وقال إن ذهبت أتوضأ فاتتني الصلاة وإن تيممت أدركت الصلاة فهل يذهب يتوضأ أو يتيمم؟ يتوضأ والفرق بين هذا والجمعة أن صلاة الظهر إذا فاتته أمكنه أن يتداركها بخلاف الجمعة قد يقول قائل صلاة الجنازة أيضا إذا فاتته أمكنه أن يصلي على

القبر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فنقول نعم هذا صحيح لكن لا سواء بين الصلاة على الميت وهو بين يديك وبين الصلاة على القبر ليس بينهما مساواة.

مسألة: في المساجد الآن يخرج ويتيمم من قريب لآن المساجد الآن مفروشة.

فصل

ص: 197

القارئ: والثاني طلب الماء شرط في الرواية المشهورة لقوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا)(النساء: من الآية43) ولا يقال لم يجد إلا لمن طلب ولأنه بدل فلم يجز العدول إليه قبل طلب المبدل كالصيام في الظهار وعنه ليس بشرط لأنه ليس بواجد قبل الطلب فيدخل في الآية وصفة الطلب أن ينظر يمينه وشماله وأمامه ووراءه وإن كان قريبا من حائل من ربوة أو حائط علاه فنظر حوله وإن رأى خضرة أو سواها استبرأها فإن كان معه رفيق سأله الماء فإن بذله له لزمه قبوله لأن المنة لا تكثر في قبوله وإن وجد ماء يباع بثمن المثل أو بزيادة غير مجحفة بماله وهو واجد للثمن غير محتاج إليه لزمه شراؤه كما يلزمه شراء الرقبة في الكفارة فإن لم يبذله له صاحبه لم يكن له أخذه قهرا وإن استغنى عنه صاحبه لأن له بدلا وإن علم بماء قريب لزمه قصده ما لم يخف على نفسه أو ماله أو فوت الرفقة أو الوقت وإن تيمم ثم رأى ركبا أو خضرة أو شيئا يدل على الماء أو سرابا ظنه ماء قبل الصلاة لزمه الطلب لأنه وجد دليل الماء ويبطل تيممه لأنه وجب عليه الطلب فبطل تيممه كما لو رأى ماء وإن رأى الركب ونحوه في الصلاة لم تبطل لأنه شرع فيها بطهارة متيقنة فلا يبطله بالشك.

الشيخ: إذا رأى الركب في الصلاة فليستمر في صلاته ولا يبطل تيممه ولا صلاته لماذا؟ لأن وجود الماء مع هؤلاء الركب قد يكون متوفرا وقد لا يكون واليقين لا يزول بالشك.

القارئ: الثالث دخول الوقت شرط لأنه قبل الوقت مستغن عن التيمم فلم يصح تيممه كما لو تيمم وهو واجد للماء وإن كان التيمم لنافلة لم يجز في وقت النهي عن فعلها لأنه قبل وقتها وإن تيمم لفائتة أو نافلة قبل وقت الصلاة ثم دخل الوقت بطل تيممه وإن تيمم لمكتوبة في وقتها فله أن يصليها وما شاء من النوافل قبلها وبعدها ويقضي فوائت ويجمع بين الصلاتين لأنها طهارة أباحت فرضا فأباحت سائر ما ذكرناه كالوضوء.

ص: 198

الشيخ: أحيانا يقيس على الوضوء وأحيانا لا يقيس الله المستعان.

القارئ: ومتى خرج الوقت بطل التيمم في ظاهر المذهب لأنها طهارة عذر وضرورة فتقدرت بالوقت كطهارة المستحاضة وعنه يصلي بالتيمم حتى يحدث قياسا على طهارة الماء

الشيخ: أيهما أصح؟ الرواية الثانية أصح أنه يبقى على طهارته حتى يحدث.

السائل: إنسان نام عن الصلاة وقام بعد خروج الوقت فإن طلب الماء ذهب عليه وقت طويل هل يطلب الماء ويصلي أو يتيمم؟

الشيخ: لا بأس أن يطلب الماء إذا كان قريب.

فصل

القارئ: والأفضل تأخير التيمم إلى آخر الوقت إن رجا وجود الماء لقول علي رضي الله عنه في الجنب يتلوم ما بينه وبين آخر الوقت ولأن الطهارة بالماء فريضة وأول الوقت فضيلة وانتظار الفريضة أولى وإن يئس من الماء استحب تقديمه لئلا يترك فضيلة متيقنة لأمر غير مرجو ومتى تيمم وصلى صحت صلاته ولا إعادة عليه وإن وجد الماء في الوقت لما روى عطاء بن يسار قال (خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر ثم أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد أجزأتك صلاتك وقال للذي أعاد لك الأجر مرتين) رواه أبو داود وقال قد روي عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحيح أنه مرسل ولأنه أدى فرضه بطهارة صحيحة فأشبه ما لو أداها بطهارة الماء.

ص: 199

الشيخ: إذا كان الإنسان يرجو أن يجد الماء فالأفضل أن يؤخر الصلاة حتى يصلي بالماء وإن علم وجود الماء فقيل كذلك الأفضل أن يؤخر وقيل بل يجب أن يؤخر لأنه بعلمه وجود الماء يكون فرضه أن يستعمل الماء فإن لم يرجو وجود الماء أو علم أنه لن يجد الماء فالأفضل أن يقدم الصلاة في أول وقتها فإذا صلى ثم وجد الماء بأن جاء به رجل مر به في الطريق وأعطاه ماءً أو أمطرت السماء فوجد الماء فإن صلاته صحيحة ولا إعادة عليه وذكر قصة الرجلين الذين خرجا في حاجة فتيمما ثم وجدا الماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي لم يعد أصبت السنة وقال للآخر لك الأجر مرتين وإنما جعل له الأجر مرتين لأنه أدى عبادة يظنها واجبة عليه فصار مأجورا على عمله لكن بعد أن يعلم الإنسان أن السنة عدم الإعادة فلوأعاد فإنه ليس له أجر لأنه خالف السنة.

القارئ: فإن علم أن في رحله ماءً نسيه فعليه الإعادة لأنها طهارة واجبة فلم تسقط بالنسيان كما لو نسي عضوا لم يغسله وإن ضل عن رحله أو ضل عنه غلامه الذي معه الماء فلا إعادة عليه لأنه غير مفرط وإن وجد بقربه بئرا أو غديرا علامته ظاهرة أعاد لأنه مفرط في الطلب وإن كانت أعلامه خفية لم يعد لعدم تفريطه.

فصل

القارئ: فإن وجد ماء لا يكفيه لزمه استعماله وتيمم للباقي إن كان جنبا لقول الله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً)(النساء: من الآية43) وهذا واجد وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) رواه البخاري وقال إذا وجدت الماء فأمسه جلدك ولأنه مسح أبيح للضرورة فلم يبح في غير موضعها كمسح الجبيرة وإن كان محدثا ففيه روايتان إحداهما يلزمه استعماله لذلك والآخر لا يلزمه لأن الموالاة شرط يفوت بترك غسل الباقي فبطلت طهارته بخلاف غسل الجنابة

الشيخ: والصحيح أنهما سواء فالصحيح أنه يستعمل ما وجد ويتيمم عن الباقي لعموم قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(التغابن: من الآية16).

ص: 200

السائل: إذا كان في الراحلة ماء ونسي قلنا يعيد الصلاة وإن ضاعت الراحلة ثم رجعت إليه فلا يعيد الصلاة لأنه غير مفرط حتى في الحال الأولى هو ناسٍ غير مفرط؟

الشيخ: لكنه في موضع يستطيع أن يستعمله في رحله وأما الثانية فالأصل إنه غائب عنه وأنه عادم للماء.

القارئ: وإن كان بعض بدنه صحيحا وبعضه جريحا غسل الصحيح وتيمم للجريح جنبا كان أو محدثا لقول النبي صلى الله عليه وسلم للذي أصابته الشجة (إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده) رواه أبو داود لأن العجز هاهنا ببعض البدن وفي الإعواز العجز ببعض الأصل فاختلفا كما أن الحر إذا عجز عن بعض الرقبة في الكفارة فله العدول إلى الصوم ولو كان بعضه حرا فملك بنصفه الحر مالا لزمه التكفير بالمال ولم تكن كالتي قبلها.

مسألة: الظاهر أن الأقرب وجوب التأخير لمن يعلم أنه سيجد الماء في آخر الوقت.

فصل

ص: 201

القارئ: ويبطل التيمم بجميع مبطلات الطهارة التي تيمم عنها لأنه بدل عنها فإن تيمم لجنابة ثم أحدث منع ما يمنعه المحدث من الصلاة والطواف ومس المصحف لأن التيمم ناب عن الغسل فأشبه المغتسل إذا أحدث ويزيد التيمم بمبطلين أحدهما القدرة على استعمال الماء سواء وجدت في الصلاة أو قبلها أو بعدها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك) دل بمفهومه على أنه ليس بطهور عند وجود الماء وبمنطوقه على وجوب استعماله عند وجوده ولأنه قدر على استعمال الماء فأشبه الخارج من الصلاة فعلى هذا إن وجده في الصلاة خرج وتوضأ واغتسل إن كان جنبا واستقبل الصلاة كما لو أحدث في أثنائها وعنه إذا وجده في الصلاة لم تبطل لأنه شرع في المقصود فأشبه المكفر يقدر على الإعتاق بعد شروعه في الصيام إلا أن المروذي روى عنه أنه قال كنت أقول إنه يمضي ثم تدبرت فإذا أكثر الأحاديث أنه يخرج وهذا يدل على رجوعه عن هذه الرواية والثاني خروج الوقت يبطلها لما ذكرناه فإن خرج وهو في الصلاة بطل كما لو أحدث ومن تيمم وهو لابس.

مسألة: الراجح أنه إذا وجد الماء وهو يصلي بطل وضوؤه فتبطل الصلاة فيعيد من جديد على حسب ما روي عن الإمام أحمد أخيرا.

القارئ: ومن تيمم وهو لابس خفا أو عمامة يجوز المسح عليهما ثم خلع أحدهما فقد ذكر أصحابنا أنه يبطل تيممه لأنه من مبطلات الوضوء ولا يقوى ذلك عندي لأنها طهارة لم يمسح عليهما فيها فلم تبطل بخلعهما كالملبوس على غير طهارة بخلاف الوضوء.

الشيخ: الراجح ما قاله الموفق رحمه الله أنه لا يبطل لأنه لا علاقة للتيمم بطهارة الرجل إذ أن العضو الذي يطهر في التيمم هو الوجه والكفان.

السائل: لو تيمم ثم لبس الخفين وأحدث فإذا وجد الماء فهل يتوضأ ويمسح على خفيه؟

الشيخ: إذا وجد الماء بطل التيمم كله لابد أن يتوضأ من جديد ويخلع الخفين ويغسل قدميه.

فصل

ص: 202

القارئ: ويجوز التيمم في السفر الطويل والقصير وهو ما بين قريتين قريبتين لقوله تعالى (أَوْ عَلَى سَفَرٍ)(المائدة: من الآية6) ولأن الماء يعدم في القصير غالبا أشبه الطويل ويجوز في الحضر للمرض للآية ولأنه عذر غالب يتصل أشبه السفر وإن عدم الماء في الحضر لحبس تيمم ولا إعادة عليه لأنه في عدم الماء وعجزه عن طلبه كالمسافر وأبلغ منه فألحق به وإن عدمه لغير ذلك وكان يرجوه قريبا تشاغل بطلبه ولم يتيمم وإن كان ذلك يتمادى تيمم وصلى وأعاد لأنه عذر نادر غير متصل ويحتمل أن لا يعيد لأنه في معنى عادم الماء في السفر فألحق به

الشيخ: هذا هو المتعين أنه لا يعيد لأن الله لم يوجب العبادة مرتين.

القارئ: وإن كان مع المسافر ماء فأراقه قبل الوقت أو مر بماء قبل الوقت فتركه ثم عدم الماء في الوقت تيمم وصلى ولا إعادة عليه لأنه لم يخاطب باستعماله وإن كان ذلك في الوقت ففيه وجهان أحدهما تلزمه الإعادة لأنه مفرط والثاني لا تلزمه لأنه عادم للماء أشبه ما قبل الوقت

الشيخ: الصحيح أنه لا تلزمه الإعادة إلا إذا تعمد إراقة الماء ليتيمم كما لو فرض أن الوقت بارد ومعه ماء يمكن أن يتوضأ به فقال أنا ما أريد أن أتوضأ في البرد فأراقه لأجل أن يتيمم فهذا عليه الإعادة أما إذا أراقه مثلا لسبب آخر ثم أراد أن يصلي ولم يجد ماءً فليتيمم ولا إعادة عليه.

السائل: الذي يريق الماء ليتيمم لبرودة الجو ثم لم يجد ماء ماذا يفعل؟

الشيخ: عليه أن يتيمم ويصلي ويعيد متى وجد الماء حتى ولو خرج الوقت.

فصل

ص: 203

القارئ: ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق باليد لقوله تعالى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ)(المائدة: من الآية6) وما لا غبار له لا يمسح شيء منه وقال ابن عباس الصعيد تراب الحرث والطيب هو الطاهر وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (أعطيت ما لم يعط نبي من أنبياء الله تعالى قبلي جعل لي التراب طهورا) رواه الشافعي في مسنده ولو كان غيره طهورا ذكره فيما من الله به عليه.

الشيخ: يقال في الجواب عن هذا الاستدلال إن الرسول عليه الصلاة والسلام قال في حديث أصح من هذا (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) وقوله (الأرض) هذا عام وعلى فرض أن هذا الحديث صح بهذا اللفظ التراب فإنه كما قال العلماء هذا مفهوم لقب لا مفهوم له فيقال التراب جعل طهورا والحصى جعل

طهورا وأشكل ما يكون (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ)(المائدة: من الآية6) فإن قوله منه يدل على أنه لابد أن يكون له تراب لكن المخالفين يقولون إن من هنا ليست للتبعيض بل هي بيانية أو ابتدائية والمعنى اجعلوا مسحكم من هذا الصعيد وليست للتبعيض وهذا القول الثاني أصح أنه يجوز التيمم بما على ظهر الأرض سواء كان فيه تراب أم لم يكن لعموم الآية والحديث ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر في أوقات الأمطار ويسافر إلى جهات فيها رمل ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال للناس لا تتيمموا بل كانوا يتيممون بكل ما على الأرض.

السائل: هل يجوز التيمم على الفرش أو على الجدران؟

الشيخ: ما يجوز مادام توجد الأرض.

السائل: وإذاكانت الأرض ممطرة؟

الشيخ: وإذا كانت ممطرة فالممطرة أحسن من الفراش إلا إذا كان فيه غبار فهذا قد يقول قائل إن هذا لا بأس به.

ص: 204

القارئ: وعنه يجوز التيمم بالرمل والسبخة لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) رواه البخاري ومسلم وقال ابن أبي موسى إن لم يجد غيرهما تيمم بهما وإن دق الخزف أو الحجارة وتيمم به لم يجزئه لأنه ليس بتراب وإن خالط التراب جص أو دقيق أو زرنيخ فحكمه حكم الماء إذا خالطته الطاهرات وإن خالطه مالا يعلق باليد كالرمل والحصى لم يمنع التيمم به لأنه لا يمنع وصول الغبار إلى اليد وإن ضرب بيده على صخرة عليها غبار أو حائط أو لُبَد أو حائط فعلا يديه غبار أبيح التيمم به لأن المقصود التراب الذي يمسح به وجهه ويديه وقد روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم (ضرب بيديه على الحائط ومسح بهما وجهه ثم ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه) رواه أبو داود.

القارئ: ولا بأس أن يتيمم الجماعة من موضع واحد كما يتوضؤون من حوض واحد وإن تناثر من التراب عن العضو بعد استعماله شيء احتمل أن يمنع من استعماله مرة ثانية لأنه كالماء المستعمل واحتمل أن يجوز لأنه لم يرفع حدثا ولم يزل نجسا بخلاف الماء.

فصل

القارئ: فإن عدم الماء والتراب ووجد طينا لم يستعمله وصلى على حسب حاله ولم يترك الصلاة لأن الطهارة شرط فتعذرها لا يبيح ترك الصلاة كالسترة والقبلة وفي الإعادة روايتان إحداهما لا تلزمه لأن الطهارة شرط فأشبهت السترة والقبلة والثانية تلزمه لأنه عذر نادر غير متصل أشبه نسيان الطهارة

الشيخ: الصحيح الأول أنه لا إعادة.

السائل: قول المؤلف (كالسترة) ما مراده؟

الشيخ: لا يريد سترة المصلي يريد الثوب الذي يستر به.

مسألة: القول الراجح في السترة التي يصلى إليها أنها ليست بواجبة.

فصل

القارئ: إذا اجتمع جنب وميت وحائض معهم ماء لأحدهم لا يفضل عنه فهو أحق به ولا يجوز أن يؤثر به لأنه واجد للماء فلم يجزئه التيمم فإن آثر به وتيمم لم يصح تيممه مع وجوده لذلك وإن استعمله الآخر فحكم المؤثر به حكم من أراق الماء.

ص: 205

الشيخ: سبق الكلام على الإيثار وبينا أن الإيثار بالواجبات لا يجوز كهذه المسألة إذا كان عند الإنسان ماء يكفيه لوضوئه ومعه آخر فإنه لا يجوز أن يؤثره بهذا الماء أما الإيثار بالمستحبات فقلنا إنه ينظر لما هو أصلح وأنفع مثل أن يؤثره بالصف الأول فهنا نقول إن رأى مصلحة في ذلك وإلا فلا يؤثر لأنه ينبئ عن عدم رغبة في الخير وأما إذا وجد مصلحة أكبر من هذا مثل أن يكون الذي آثره أباه فهنا قد نقول الإيثار أفضل وأما الإيثار بالمباحات فهو مباح في الأصل وقد يكون مطلوبا وقد يكون غير مطلوب حسب ما تقتضيه الحال فهذه ثلاثة أقسام في حكم الإيثار.

القارئ: وإن كان الماء لهم فهم فيه سواء وإن وجدوه فهو للأحياء دون الميت لأنه لا وجدان له وإن كان لغيرهم فأراد أن يجود به فالميت أولى به لأن غسله خاتمة طهارته وصاحباه يرجعان إلى الماء ويغتسلان وإن فضل عنه ما يكفي أحدهما فالحائض أحق به لأن حدثها آكد وتستبيح بغسلها ما يستبيحه الجنب وزيادة الوطء وإن اجتمع على رجل حدث ونجاسة فغسل النجاسة أولى لأن طهارة الحدث لها بدل مجمع عليه بخلاف النجاسة وإن اجتمع محدث وجنب فلم يجدا إلا ما يكفي المحدث فهو أحق به لأنه يرفع جميع حدثه وإن كان يكفي الجنب وحده فهو أحق به لما ذكرنا في الحائض وإن كان يفضل عن كل واحد منهما فضلة لا تكفي صاحبه ففيه ثلاثة

أوجه أحدهما يقدم الجنب لما ذكرنا والثاني المحدث لأن فضلته يلزم الجنب استعمالها فلا تضيع بخلاف فضلة الجنب والثالث التسوية لأنه تقابل الترجيحان فتساويا فيدفع إلى من شاء منهما أو يقرع بينهما والله أعلم.

ص: 206

الشيخ: إذا اجتمع محدث وجنب فلم يجدا إلا ما يكفي المحدث فهو أحق به وعلل ذلك بتعليل واضح لأنه إذا استعمله محدث يعني في حدث أصغر ارتفع حدثه بخلاف الجنب وإن كان يكفي الجنب وحده فهو أحق به لما ذكرنا في الحائض يعني لأنه إذا كان يكفي الجنب وحده فهو أحق من المحدث لأنه يستبيح به ما لا يسبيحه المحدث يستبيح مثل قراءة القرآن والمحدث لا تحرم عليه قراءة القرآن ويستبيح به اللبث بالمسجد والمحدث لا يحرم عليه اللبث بالمسجد المهم أنه له مزية فلهذا قدم على المحدث كما قلنا في الحائض هي أولى من الجنب لأنها تستبيح به ما لا يستبيح الجنب وهو الوطء مثلاً وإن كان يفضل عن كل واحد منهما فضلة يعني عن الجنب وعن المحدث لا تكفي صاحبه ففيه ثلاثة أوجه أحدها يقدم الجنب لما ذكرنا ما الذي ذكرنا؟ أنه يستبيح به ما لا يستبيحه المحدث والثاني المحدث لأنه إذا استعمله المحدث وبقي بقية لزم الجنب استعمالها بخلاف العكس ولهذا قال فلا تضيع بخلاف فضلة الجنب وهذا بناءً على أن المحدث حدثا أصغر إذا وجد ماءً يكفي بعض طهره فإنه لا يستعمله ويتيمم ولكن المذهب أنه يستعمله ويتيمم للباقي وسبق الكلام والخلاف في هذا والثالث التسوية وإذا كانا سواء فيدفع إلى من شاء منهما أو يقرع بينهما والظاهر الوجه الأول أنه يقدم الجنب.

السائل: لو كان هناك محدثان حدثاً أصغر وبينهما ماءً يملكانه إن توضأ كلاهما من هذا الماء فلن يكفيهما ولو تبرع أحدهما لصاحبه كفاه الوضوء وتيمم الآخر؟

الشيخ: هذا يقرع إذا كان الماء لاثنين ولا يكفي إلا طهر أحدهما فيقرع بينهما لأنه لا يمكن أن يرفع الحدث عن الاثنين جميعا ولا يمكن أن نخص به أحدهما فيقرع بينهما.

السائل: لو قال سنتوضأ من الماء وما بقي نتيمم به؟

الشيخ: لا لا يصلح لأنه لا يكفي إلا طهارة كاملة لأحدهما فيقرع بينهما.

السائل: إذا وجدت زوجة إناء فيه ماء وجاء زوجها وهو إمام فأيهما أحق؟

الشيخ: الزوجة.

ص: 207