الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المسح على الخفين
القارئ: وهو جائز بغير خلاف لما روى جرير رضي الله عنه أنه قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه) متفق عليه قال إبراهيم فكان يعجبهم هذا لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة ولأن الحاجة تدعو إلى لبسه وتلحق المشقة بنزعه فجاز المسح عليه كالجبائر.
الشيخ: استدل المؤلف بحديث وتعليلين حديث مسح النبي صلى الله عليه وسلم على خفيه وتعليلان دعاء الحاجة إلى ذلك والتعليل الثاني المشقة في نزعه ولم يخالف في هذا إلا الرافضة الرافضة خالفوا في ذلك وقالوا إن الخفين لا تمسحان وقد خالفوا في تطهير الرجل في ثلاثة أمور:
أولا أنها لا تمسح إذا كان مستورة بالخفين أو الجوارب
ثانيا أنهم جعلوا العظم الناتئ في ظهر القدم هو الكعب.
والثالث أنهم جعلوا فرض الرجل المسح فهم جعلوا منتهاه العظم الناتئ في ظهر القدم ومنعوا من المسح على الخفين مع أن من جملة من روى المسح على الخفين علي بن أبي طالب رضي الله عنه
القارئ: ويختص جوازه بالوضوء دون الغسل لما روى صفوان بن عسال رضي الله عنه أنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كان مسافرين أو سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
الشيخ: سفرا بمعنى مسافرين لأنها اسم جمع مثل رهط اسم جماعة وصح اسم جمع.
باب المسح على الخفين
القارئ: وهو جائز بغير خلاف لما روى جرير رضي الله عنه قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه) متفق عليه قال إبراهيم فكان يعجبهم هذا لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة ولأن الحاجة تدعو إلى لبسه وتلحق المشقة بنزعه فجاز المسح عليه كالجبائر ويختص جوازه بالوضوء دون الغسل
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم في شرحنا في الفقه ذكرنا أن المسح على الخفين قد دل عليه القرآن والسنة والمعنى وقلنا إن قوله تعالى (وأرجلِكم) على قراءة الكسر تشير إلى المسح على الخفين لأن الله جعل
للرجل فرضين غسلا ومسحا والسنة بينت متى يكون المسح ومتى يكون الغسل وأما السنة فقد تواترت بذلك كما يفيده البيت المنظوم
مما تواتر حديث من كذب
…
ومن بنى لله بيتا واحتسب
ورؤية شفاعة والحوض
…
ومسح خفين وهذه بعض
إذاً الأحاديث متواترة قال الإمام أحمد ليس في قلبي من المسح شيء فيه أربعون حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وخالف في ذلك الرافضة قالوا لا يمسح على الخفين ومن عجب أن ممن روى أحاديث المسح على الخفين علي بن أبي طالب الذي يرونه من الأئمة المعصومين فخالفوا أهل السنة في هذا وخالفوا أهل السنة أيضا في عدم غسل الرجل وقالوا لا يجب غسل الرجل وخالفوهم أيضا في منتهى التطهير فعند أهل السنة أن منتهى التطهير الكعبان وهما العظمان الناتئان في أسفل الساق أما عندهم فإن منتهى التطهير العظم الناتئ على ظهر القدم فهم خالفوا أهل السنة في هذه الأمور الثلاثة في فرض تطهير الرجل.
القارئ: لما روى صفوان بن عسال رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أو سفراً أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ولأن الغسل يقل فلا تدعو الحاجة إلى المسح على الخف فيه بخلاف الوضوء.
الشيخ: هذا تعليل إذاً الغسل ليس فيه مسح على الخفين لحديث إلا من جنابة ولأنه يقل بالنسبة للحدث الأصغر ولأن حدثه أغلظ ولهذا ليس فيه شيء ممسوح حتى الرأس الذي يمسح في الحدث الأصغر لا يمسح في غسل الجنابة فحدثه أغلظ من الحدث الأصغر.
القارئ: ولجواز المسح عليه شروط أربعة أحدها أن يكون ساترا لمحل الفرض من القدم كله فإن ظهر منه شيء لم يجز المسح لأن حكم ما استتر المسح وحكم ما ظهر الغسل، ولا سبيل إلى الجمع بينهما فغلب الغسل كما لو ظهرت إحدى الرجلين فإن تخرقت البطانة دون الظهارة أو الظهارة دون البطانة جاز المسح لأن القدم مستور به وإن كان فيه شق مستطيل ينضم ولا يظهر منه القدم جاز المسح عليه لذلك وإن كان الخف رقيقا يصف لم يجز المسح عليه لأنه غير ساتر وإن كان ذا شرج في موضع القدم وكان مشدودا لا يظهر شيء من القدم إذا مشى جاز المسح عليه لأنه كالمخيط.
الشيخ: هذه شروط المسح على الخفين يقول المؤلف رحمه الله إنها أربعة الأول أن يكون ساتراً لمحل الفرض من القدم كله ساتراً بحيث لا يكون فيه شقوق ولا يرى من ورائه القدم وقد اختلف الحنابلة والشافعية في
هذه المسألة فالحنابلة يقولون لابد أن يكون ساتراً بحيث لا يكون فيه شقوق ولا يرى القدم من ورائه وقالت الشافعية بل يجوز أن يمسح على ما يرى القدم من ورائه كالزجاج ونحن نمثل في عصرنا بالنايلون لو أن إنسان دس رجله في ظرف نايلون فهو على ما يختاره الحنابلة لا يصح المسح عليه لصفائه وعند الشافعية يصح لأن الماء لا ينفذ منه وليس المقصود الستر حتى نقول إنه لا يصح المسح على ما يصف الجلد لصفائه كالثوب الذي يستر به المصلي عورته وهناك قول ثالث وراء هذا كله وهو أنه لا يشترط ستر محل الفرض وأنه يجوز المسح على الخف مادام اسمه باقيا وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وقبله ابن حزم وحكي عن عمر وعلي رضي الله عنهما أنهما يجوزان المسح على الجورب الرقيق وهذا هو ظاهر الأدلة لأن الحكمة من جواز المسح على الخفين موجودة فيما يصف البشرة وما لا يصف وهي مشقة النزع ولهذا اختار شيخ الإسلام رحمه الله جواز المسح على النعلين إذا كان خلعهما يحتاج إلى معالجة بناءً على أن العلة هي المشقة وهذا القول الثالث هو الصحيح وأضيق المذاهب في هذا كما عرفتم مذهب الحنابلة حتى قالوا إنه لو ظهر من محل الفرض مقدار الخرز امتنع المسح عليه وتعليلهم عليل كما رأيتم وهو قولهم لأن مااستتر حكمه المسح وما ظهر حكمه الغسل وهذا غير صحيح فما ظهر تابع لما استتر وإذا كان تابعا له صار فرضه المسح لأنه متى ثبت أن هذا خف يطلق عليه اسم الخف أو الجورب فقد جاز المسح عليه وكان ما يظهر من محل الفرض بثقوب أو صفاء أو ما أشبه ذلك تابعا لما استتر فقولهم إن ما ظهر فرضه الغسل ممنوع نقول فرضه الغسل إذا لم يكن خف أما إذا كان خف ففرضه المسح.
القارئ: الثاني أن يمكن متابعة المشي فيه فإن كان يسقط من القدم لسعته أو ثقله لم يجز المسح لأن الذي تدعو الحاجة إليه هو الذي يمكن متابعة المشي فيه وسواء في ذلك الجلود واللبود والخرق والجوارب لما روى المغيرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين والنعلين) أخرجه أبو داود والترمذي وقال الترمذي حديث حسن صحيح، قال الإمام أحمد يذكر المسح على الجوربين عن سبعة أو ثمانية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه ملبوس ساتر للقدم يمكن متابعة المشي فيه أشبه الخف فإن شد على رجليه لفائف لم يجز المسح عليها لأنها لا تثبت بنفسها إنما تثبت بشدها.
الشيخ: هذا ما ذهب إليه المؤلف وهو المذهب أن اللفائف لا يمسح عليها والصحيح أنه يمسح عليها بل هي أولى من الجورب لأن الجورب أسهل منها نزعا وأسهل منها شدا واللفائف أصعب تحتاج إلى معاناة في شدها وكذلك في حلها وكان الصحابة رضي الله عنهم يستعملون هذا فيذكر أن غزوة ذات الرقاع إنما سميت بذلك لأنهم كانوا يتخذون اللفائف على أرجلهم من حر الشمس.
القارئ: الثالث أن يكون مباحا فلا يجوز المسح على المغصوب والحرير لأن لبسه معصية فلا تستباح به الرخصة كسفر المعصية.
الشيخ: هذا أيضا فيه خلاف والصحيح الجواز مع الإثم لأن المقيس عليه وهو سفر المعصية فيه خلاف فمن العلماء من يقول إنه يجوز الترخص برخص السفر في سفر المعصية وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية قال لأن المعصية منفصلة عن الرخصة لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم (لا تقصروا الصلاة في سفر المعصية) بل قال لا تسافروا سفر معصية كذلك المغصوب لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام (لا تمسحوا على المغصوب) بل قال (لا تلبسوا المغصوب) فانفكت الجهة وهذا أقرب إلى القواعد أن ما كان محرما تحريما عاما فإنه لا يؤثر في العبادة والمغصوب كما تعرفون تحريمه عام.
القارئ: الرابع أن يلبسهما على طهارة كاملة لما روى المغيرة رضي الله عنه قال (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه قال دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما) متفق عليه فإن تيمم ثم لبس الخف لم يجز المسح عليه لأن طهارته لا ترفع الحدث وإن لبست المستحاضة ومن به سلس البول خفا على طهارتهما فلهما المسح نص عليه لأن طهارتهما كاملة في حقهما فإن عوفيا لم يجز المسح لأنها صارت ناقصة في حقهما فأشبهت التيمم.
الشيخ: أي يلبسهما على طهارة يقول المؤلف طهارة كاملة وسيتفرع على هذا أنه لو غسل الرجل اليمنى ثم لبس الجورب ثم لبس اليسرى لم يصح المسح لأنه لبس اليمنى قبل كمال الطهارة وفيها خلاف ويقول المؤلف فإن تيمم ثم لبس الخف إذا يحتاج إلى قيد بعد كمال الطهارة بالماء فإن تطهر بالتيمم ثم لبس الخف ثم وجد الماء وتوضأ فإنه لا يجوز أن يمسح على الخف والمؤلف علل هذا رحمه الله بأن التيمم لا يرفع الحدث وهذا التعليل عليل لأن الصحيح أن التيمم يرفع الحدث قال الله تعالى بعد ذكره (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ)(المائدة: من الآية6) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) وقال (الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين) فهو وضوء رافع للحدث لا شك لكن العلة الصحيحة في أنه إذا لبس الخف على طهارة التيمم لا يجوز المسح عليه العلة أن طهارة التيمم لا علاقة لها بالقدم لأن محل التيمم عضوان فقط الوجه والكفان فلما لم يكن لها تعلق لم يكن للخف الذي يلبس على هذه الطهارة حكم ما لبس على طهارة الماء الذي تعلق بالقدم هذا هو القياس الصحيح وقول المؤلف أنه إن لبست المستحاضة ومن به سلس البول خفا على طهارتهما فلهما المسح نص عليه لأن طهارتهما كاملة في حقهما فإن عوفيا لم يجز المسح هذا أيضا ضعيف والصحيح أن المستحاضة ومن به سلس البول إذا لبسا خفا ثم عوفيا قبل تمام المدة فلهما المسح لأن طهارتهما كاملة في حقهما.
القارئ: وإن غسل إحدى رجليه فأدخلها الخف ثم غسل الأخرى فأدخلها لم يجز المسح لأنه لبس الأول قبل كمال الطهارة وعنه يجوز لأنه أحدث بعد كمال الطهارة واللبس فأشبه ما لو نزع الأول ثم لبسه بعد غسل الأخرى.
الشيخ: هذا طريق على القول أنه لا يصح أن يغسل الرجل اليمنى ثم يدخلها الخف يقول الطريق إلى هذا أنك إذا لبست اليسرى فاخلع اليمنى ثم البسها ثانية فقط، فالطريق إلى التصحيح أنك بعد أن تلبس اليسرى تخلع اليمنى ثم تلبسها مباشرة فيكون اللبس الآن بعد كمال الطهارة وأنا متوقف في هذا وشيخ الإسلام رحمه الله يرى أنه يجوز إذا غسل الرجل اليمنى أن يلبس الخف ثم يغسل اليسرى وهو رواية عن أحمد لكن أقول الاحتياط أن لا يلبس اليمنى إلا إذا غسل الرجل اليسرى هذا الأحوط
القارئ: وإن تطهر ولبس خفيه فأحدث قبل بلوغ الرجل قدم الخف لم يجز المسح لأن الرجل حصلت في مقرها وهو محدث فأشبه من بدأ اللبس محدثا وإن لبس خفا على طهارة ثم لبس فوقه آخر أو جرموقا قبل أن يحدث جاز المسح على الفوقاني سواء كان التحتاني صحيحا أو مخرقا لأنه خف صحيح يمكن متابعة المشي فيه لبسه على طهارة كاملة أشبه المنفرد.
الشيخ: قول المؤلف رحمه الله أو جرموقا الجرموق خف كبير غليظ يشبه ما يسمى عندنا بالبسطار في الجيش بسطار يعني كبير يقول النووي إنه يستعمل في بلاد الشام كثيرا لأنها بلاد باردة ذات ثلوج وهذا الجرموق ينفع من البرودة ومن الثلج.
القارئ: وإن لبس الثاني بعد الحدث لم يجز المسح عليه لأنه لبسه على غير طهارة وإن مسح الأول ثم لبس الثاني لم يجز المسح عليه لأن المسح لم يزل الحدث عن الرجل فلم تكمل الطهارة.
الشيخ: هذه المسالة الأخيرة إن مسح الأول ثم لبس الثاني لم يجز المسح عليه غير صحيحة فهذا القول ضعيف والصواب أنه إذا مسح الأول ثم لبس عليه الثاني وهو على طهارة فإنه يجوز أن يمسح على الثاني مثل إنسان لبس الخف على طهارة ثم أحدث وتوضأ ومسح الخف فالآن تمت الطهارة ثم لبس عليه خفا آخر فهل إذا توضأ مرة ثانية يجوز أن يمسح على الخف الآخر أو لابد أن يخلعه ليمسح على التحتاني؟ فيه خلاف المذهب يقول لابد أن تخلعه ثم تمسح على التحتاني لأنك مسحت بالأول فتعلق الحكم به والقول الثاني لا يلزم فالقول الثاني أنه يجوز أن تلبس الخف الثاني على الطهارة التي مسحت بها على الأول وتمسح عليه ولكن لا تمسح إلا بقية مدة الأول، إذاً القول الثاني إنه يجوز أن تمسح الأعلى إذا لبسته على طهارة الأسفل وهذا هو المختار وهو القول الراجح واختاره النووي رحمه الله وقال إن قولهم لبسه على طهارة ناقصة قول ضعيف فطهارة المسح على الخف طهارة كاملة فلا إشكال فيها.
السائل: هل يقاس على هذا الجزمة؟
الشيخ: الجزمة تشبه الجرموق لكن إذا نزعته بعد مسحه لازم تنزع كل الذي تحته
القارئ: وإن كان التحتاني صحيحا والفوقاني مخرقا فالمنصوص جواز المسح لأن القدم مستوراً بخف صحيح وقال بعض أصحابنا لا يجوز لأن الحكم تعلق بالفوقاني فاعتبرت صحته كالمنفرد وإن لبس المخرق فوق لفافة لم يجز المسح عليه لأن القدم لم يستتر بخف صحيح وإن لبس مخرقا فوق مخرق فاستتر القدم بهما احتمل أن لا يجوز المسح لذلك واحتمل أن يجوز لأن القدم استتر بهما فصارا كالخف الواحد.
الشيخ: هذا القول هوالصحيح بل إن القول الصحيح أنه يجوز أن يمسح على المخرق وحده وإن لم يكونا مخرقين ستر بعضهما الآخر.
فصل
القارئ: ويتوقت المسح بيوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر لما روى عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم) قال الإمام أحمد هذا أجود حديث في المسح على الخفين لأنه في غزوة تبوك آخر غزاة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخر فعله، وسفر المعصية كالحضر لأن ما زاد يستفاد بالسفر وهو معصية فلم يجز أن يستفاد به الرخصة ويعتبر ابتداء المدة من حين الحدث بعد اللبس في إحدى الروايتين لأنها عبادة مؤقتة فاعتبر أول وقتها من حين جواز فعلها كالصلاة والأخرى من حين المسح لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالمسح ثلاثة أيام فاقتضى أن تكون الثلاثة كلها يمسح فيها.
الشيخ: وهذا هو الصحيح أن ابتداء المدة من حين المسح بعد الحدث وعلى هذا فلو أن إنسان لبس الخف على طهارة لصلاة الفجر ثم أحدث الساعة العاشرة ولم يتوضأ ثم توضأ لصلاة الظهر الساعة الثانية عشرة ومسح فهل ابتداء المدة من الساعة العاشرة أو من الثانية عشرة؟ على القول الراجح من الثانية عشرة وعلى القول الأول المرجوح من الساعة العاشرة أي من الحدث ويرى بعض العلماء بقول شاذ أن ابتداء المدة من اللبس فالأقوال إذاً ثلاثة:
1.
من اللبس.
2.
من الحدث بعد اللبس.
3.
من المسح بعد الحدث وهذا الأخير هو الصحيح أما لو مسح تجديدا فلم أرى من تكلم به ولكن ظاهر كلامه أن المسح تجديدا لا يعتبر وأنه لا تبتدئ المدة من المسح تجديدا وإنما تعتبر من المسح عن حدث.
السائل: إذا كان نزع الخف ثم لبسه مرة أخرى قبل أن يحدث فهل له أن يمسح عليه؟
الشيخ: إذا كان لم يمسحه فلا بأس.
السائل: وإذا كان قد مسح عليه؟
الشيخ: إذا كان قد مسح عليه فلا يعيده إلا بعد الوضوء والقاعدة عندهم أنه متى مسح الخف فإنه إذا أزيل بعد ذلك لا يمسح عليه مرة أخرى لأنه لبسه على طهارة مسح ولو قلنا بهذا القول وهو ما قال به أحد للزم أن لا يكون هناك وقت للمسح على الخفين يعني كل واحد يستطيع أن يقول سأخلع إذا انتهت المدة وألبس الخفين على طهارة وهي طهارة مسح وأبتدئ المدة من جديد.
ونحن قلنا إنه إذا خلع الخف لا تنتقض الطهارة وقاله غيرنا لكن ما أحد من هؤلاء الذين قالوا إن الطهارة لا تنتقض قال إنه يجوز أن يعيده ويمسح عليه ولقد تعبنا ولم نجد أحداً قال بهذا القول وإلا كان وجيهاً.
السائل: حتى ولو كان المسح مسح تجديد؟
الشيخ: لا إذا كان مسح تجديد فمعناه إن الحدث الأول لم ينتقض فيجوز المسح عليه بعد الخلع وكذلك لو فرضنا إن الشخص ما مسح خلع وهو على الطهارة الأولى قبل المسح ثم ردها فلا بأس.
القارئ: وإن أحدث في الحضر ثم سافر قبل المسح أتم مسح مسافر لأنه بدأ العبادة في السفر وإن مسح في الحضر ثم سافر أو مسح في السفر ثم أقام أتم مسح مقيم لأنها عبادة يختلف حكمها بالحضر والسفر فإذا وجد أحد طرفيها في الحضر غلب حكم الحضر كالصلاة.
الشيخ: هذه المسألة فيها خلاف إذا مسح مقيما ثم سافر فالإمام أحمد رحمه الله كان يرى أنه يتم مسح مقيم ثم رجع عن هذا القول وقال يتم مسح مسافر وهو الصحيح لأن حكم المسح لم ينته بعد فإذا سافر أتم مسح مسافر هذا إذا كان قد مسح في الحضر أما إذا أحدث ثم سافر قبل المسح فيمسح مسح مسافر وكذلك لو لبس الخف ثم سافر قبل أن يحدث وقبل أن يمسح فمسافر إذاً فالمسألة لها ثلاث حالات:
1.
إذا لبس خفا وهو مقيم ثم سافر قبل الحدث أتم مسح مسافر.
2.
أحدث ثم سافر قبل المسح مسح مسْحَ مسافر حتى على المذهب.
3.
أحدث ومسح ثم سافر ففيه خلاف المذهب أنه يتم مسح مقيم والثاني يتم مسح مسافر وهو الصحيح.
مسألة: لو فسدت صلاة السفر يصليها ركعتين هذا هو الصحيح.
السائل: إذا مسح على الأعلى ثم خلعه ثم تطهر ثانية فمسح على الأسفل ثم أراد أن يعيد الأعلى ويمسح عليه فهل له ذلك؟
الشيخ: نقول هذا مسحه على الأسفل غير صحيح لأنه متى خلع الممسوح لا يمكن أن يعاد المسح إلا بعد طهارة بالماء هذا الضابط.
القارئ: وإن مسح المسافر أكثر من يوم وليلة ثم أقام انقضت مدته في الحال وإن شك هل بدأ المسح في الحضر أو في السفر بنى على مسح الحضر لأن الأصل الغسل والمسح رخصة فإذا شككنا في شرطها رجعنا إلى الأصل.
الشيخ: هذا بناءً على أنه إذا مسح قبل السفر يتم مسح مقيم أما إذا قلنا بالقول الراجح يتم مسح مسافر فهذا الشك لا يضر لأنا نقول لو تيقنت أنك مسحت بالحضر فأتم مسح مسافر وهنا مسألة لو أن رجلاً لبس الخف في الحضر وأحدث ومسح وسافر فماذا يتم؟ على كلام المؤلف مسح مقيم وعلى القول الراجح مسح مسافر لكن إذا شك هل مسح قبل أن يسافر أو لم يمسح إلا بعد أن سافر فهل يتم مسح مسافر أو مسح مقيم؟ يقول المؤلف يتم مسح مقيم لكن على قولنا بأنه يتم مسح مسافر لا حاجة لأنه سواء شك أو تيقن فلو تيقن إنه مسح في الحضر فإنه يتم مسح مسافر فكلام المؤلف في المسألة هذه مبني على أنه إذا سافر بعد المسح يتم مسح مقيم.
القارئ: وإن لبس وأحدث وصلى الظهر ثم شك هل مسح قبل الظهر أو بعدها وقلنا ابتداء المدة من حين المسح بنى الأمر في المسح على أنه قبل الظهر وفي الصلاة على أنه مسح بعدها لأن الأصل بقاء الصلاة في ذمته ووجوب غسل الرجل فرددنا كل واحد منهما إلى أصله
الشيخ: يقول إذا لبس وأحدث وصلى الظهر ثم شك هل مسح قبل الظهر أو بعده وقلنا ابتداء المدة من حين المسح بنى الأمر في المسح على أنه قبل الظهر احتياطا لأنه إذا بنى قبل الظهر صار ابتداء المدة أسبق وفي الصلاة على أنه مسح بعدها فيكون قد صلى محدثا فإذا كان المسح بعدها معناه أنه صلى محدثا فيلزمه قضاء صلاة الظهر لأن الأصل بقاؤها في ذمته وتبتدئ مدة المسح من قبل صلاة الظهر احتياطا يعني أننا عملنا بالاحتياط في هذا وهذا والله أعلم.
فصل
القارئ: والسنة أن يمسح أعلى الخف دون أسفله وعقبه فيضع يديه مفرجتي الأصابع على قدميه ثم يجرهما إلى ساقيه لما روى المغيرة رضي الله عنه قال (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما) حديث حسن صحيح وعن علي رضي الله عنه قال (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه) رواه أبو داود.
الشيخ: حديث علي حديث حسن وقوله لو كان الدين بالرأي يعني بالرأي البادي بادي الرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ولكن عندما يتأمل الإنسان يجد أن أعلى الخف أولى بالمسح من أسفله وذلك لأن المسح ما هو إلا ترطيب للخف فقط وليس غسلا بل يرطبه فقط ومعلوم أننا لو رطبنا أسفل الخف لكان يتلوث أكثر بالنجاسة فكان الرأي أن يكون المسح على أعلى الخف كما جاء به الشرع.
القارئ: اقتصر على مسح الأكثر من أعلاه أجزأه وإن اقتصر على مسح أسفله لم يجزه لأنه ليس محلا للمسح أشبه الساق.
الشيخ: ثم هل يبدأ بمسح اليمنى ثم اليسرى أو يمسحهما معا مرة واحدة قال بعض العلماء بالأول وقال بعضهم بالثاني فأما الذين أخذوا بالأول أي يمسحهما مرة واحدة فاستدلوا بحديث المغيرة حين ذكر وضوء النبي صلى الله عليه وسلم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما) ولم يذكر أنه بدأ باليمنى وقاسوه أيضا على مسح الأذنين فإنهما يمسحان معا اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى وأما من قال إنه يبدأ باليمين فقال إن المسح فرع عن الغسل والفرع له حكم أصله واستدلوا بعموم (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله) وأجابوا عن حديث المغيرة بأن قوله ومسح عليهما لا ينافي الترتيب فهو لا يقتضيه ولا ينافيه وأن قياسه على مسح الأذنين ليس بصحيح لأن الأذنين عضو واحد لأنهما من الرأس بخلاف الرجلين فإنهما عضوان فكان ينبغي أن يبدأ باليمين قبل اليسار والأمر في هذا واسع والمسألة لا تعدوا أن يكون هل الأفضل كذا أو كذا أما الإجزاء فيجزي سواء مسح جميعا أو رتب.
فصل
القارئ: إذا انقضت مدة المسح أو خلع خفيه أو أحدهما بعد المسح بطلت طهارته في أشهر الروايتين ولزمه خلعهما لأن المسح أقيم مقام الغسل وإذا زال بطلت الطهارة في القدمين فتبطل في جميعها لكونها لا تتبعض والثانية يجزئه غسل قدميه لأنه زال بدل غسلهما فأجزأه المبدل كالمتيمم يجد الماء وإن أخرج قدمه.
الشيخ: هذان قولان القول الثالث وهو الراجح الصحيح أنها لا تبطل الطهارة ولا يلزمه غسل القدمين والدليل عدم الدليل وذلك لأنه لما توضأ ومسح خفيه ثبتت طهارته بمقتضى الدليل الشرعي وما ثبت بمقتضى الدليل الشرعي لا يرتفع إلا بدليل شرعي لأننا نقول لمن ادعى أن الوضوء بطل أين الدليل على بطلانه وقد صح بمقتضى الدليل فإذا لم يوجد دليل على البطلان فالأصل بقاء الطهارة وأما قولهم إنه زال الممسوح فيقال الحدث وصف وليس عينا وصف يقوم بالبدن بسبب وجود الناقض للوضوء وهذا الوصف ارتفع أولا؟ ارتفع وصار البدل الآن طاهرا فإذا كان طاهرا فإنه يبقى على طهارته ثم إن أخذنا بالقياس على الرأس إذا مسحه وفيه شعر ثم حلقه فإن طهارته باقية والجواب عن هذا بأن مسح الرأس أصل ومسح الخف بدل جواب غير سديد فإنه لا يؤثر أن يكون الممسوح الذي زال أصلياً أو بدلياً لأن المهم أن ما تعلقت به الطهارة قد زال فسواء كان أصلياً أو بدلياً فهذا الفرق غير مؤثر في الحكم ولهذا نقول إن القول الصحيح أنه إذا خلع الخف لا تنتقض طهارته بل هي باقية والدليل عدم الدليل ووجه ذلك أن طهارته ثبتت بمقتضى الدليل الشرعي فلا تنتقض إلا بدليل شرعي هذا وجه الوجه الثاني قياسا على الرأس وإبطال هذا القياس بأن الرأس أصل والخف بدل لا يؤثر لأن الشيء الذي تعلقت الطهارة به قد زال سواء كان أصلياً أو بدلياً ولكن لا يعني ذلك أنه يجوز أن يعيد الخف ويبتدئ مدة جديدة لأننا لو قلنا بهذا للزم أن يكون المسح مستمرا دائما بل نقول إذا خلع الممسوح فلابد من غسل الرجل هذه قاعدة مطردة متى خلع الممسوح فلابد من غسل الرجل.
مسألة: لو قال أحد من أهل العلم إذا خلع الخف على طهارة مسح ثم أعاده قبل أن ينتقض وضوءه فإنه يجوز أن يمسح لو قال أحد بهذا القول فهو قولي
القارئ: وإن أخرج قدمه إلى ساق الخف بطل المسح لأن استباحة المسح تعلقت باستقرارها فبطلت بزواله كاللبس وإن مسح على الخف الفوقاني ثم نزعه بطل مسحه ولزمه نزع التحتاني لأنه زال الممسوح عليه فأشبه المنفرد.
الشيخ: بناءً على القاعدة التي ذكرنا قبل قليل أنه متى نزع الممسوح فإنه لا يعاد إلا بعد وضوء كامل
فصل
القارئ: ويجوز المسح على العمامة لما روى المغيرة رضي الله عنه قال (توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح على الخفين والعمامة) حديث حسن صحيح، وعن عمرو بن أمية رضي الله عنه قال (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على عمامته وخفيه) رواه البخاري، وروى الخلال بإسناده عن عمر قال (من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله) ولأن الرأس عضو سقط فرضه في التيمم فجاز المسح على حائله كالقدمين.
الشيخ: هذا يسمونه وصف طردي (عضو سقط فرضه في التيمم فجاز المسح على حائله كالقدمين) هذا ما له أثر بل يقال لأن نزع العمامة يشق فجاز المسح عليها بدلا عن مسح الرأس كجواز مسح الخف بدلا عن غسل الرجل من أجل المشقة غالبا أما قوله (عضو سقط فرضه في التيمم) هذا غريب هذا وصف طردي ما له أثر.
القارئ: ويشترط أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه لأنه جرت العادة بكشفه في العمائم فعفي عنه بخلاف بعض القدمين.
الشيخ: هذا تعليل للمستثنى إلا ما جرت العادة بكشفه ولماذا نقول بأن كشف ما جرت به العادة في الرأس لا يؤثر مع أنه كشف لبعض العضو مع أننا قلنا في الخفين لابد أن تستر جميع القدم بدون استثناء؟ نقول السبب في ذلك لأن العمامة جرت العادة بكشف شيء من الرأس فعفي عنه.
القارئ: ويشترط أن تكون لها ذؤابة أو تكون تحت الحنك لأن ما لا ذؤابة لها ولا حنك تشبه عمائم أهل الذمة وقد نهي عن التشبه بهم فلم تستبح بها الرخصة كالخف المغصوب فإن كانت ذات حنك جاز المسح عليها وإن لم يكن لها ذؤابة لأنها تفارق عمائم أهل الذمة وإن أرخى لها ذؤابة ولم يتحنك ففيه وجهان:
أحدهما يجوز المسح عليها لذلك.
والثاني لا يجوز لأنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتلحي عن الاقتعاط قال أبو عبيد الاقتعاط أن لا يكون تحت الحنك منها شيء.
الشيخ: اشترط المؤلف رحمه الله أن تكون محنكة أو ذات ذؤابة والمحنكة يعني التي يدار منها لية تحت الحنك وذات الذؤابة أن يكون لها ذؤابة يعني أحد طرفيها مسدل حتى يكون ذؤابة فإن لم تكن محنكة ولا ذات ذؤابة فإنه لا يصح المسح عليها واختار شيخ الإسلام رحمه الله جواز المسح عليها وإن لم تكن محنكة أو ذات ذؤابة وتسمى عندهم العمامة الصماء وقوله رحمه الله هو الصحيح فالقول الصحيح أنه لا يشترط أن
تكون ذات ذؤابة أو محنكة بل يجوز المسح على العمامة ولو كانت صماء لأن الشرع الذي جاء بذلك مطلق ما فيه اشتراط.
مسألة: يستحب أن يمسح ما يظهر من مقدم الرأس أو جوانبه.
مسألة: والمسح على العمامة أولى من المسح على الخف لأن المسح على العمامة مسح على ما أصل طهارته المسح.
فصل
القارئ: وحكمها في التوقيت واشتراط تقديم الطهارة وبطلان الطهارة بخلعها كحكم الخف لأنها أحد الممسوحين على سبيل البدل.
الشيخ: المؤلف ذكر رحمه الله حكمها في التوقيت كحكم الخف يعني للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن وكذلك أيضا في اشتراط تقدم الطهارة يعني أنه يشترط أن يلبسها أي العمامة على طهارة وكذلك بطلان الطهارة بخلعها وقد عرفتم أن الطهارة لا تبطل بخلع الخف فكذلك لا تبطل بخلع العمة وأما التوقيت واشتراط تقدم الطهارة فلا دليل عليه ولهذا نقول الصحيح أن العمامة لا يشترط لبسها على طهارة وليس لها مدة وذلك لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يذكر لها مدة ولم يذكر لها اشتراط طهارة والأصل عدم ذلك وأما قياسها على الخف فقياس مع الفارق لأن الخف طهارة بدل عن غسل فاحتيط به أكثر وأما العمامة فطهارتها بدلا عن المسح فكانت أخف ولهذا الصواب أنه لا توقيت فيها ولا اشتراط تقدم طهارة.
السائل: هل الأفضل المسح على العمامة أو الرأس؟
الشيخ: الأفضل إذا كان عليك عمامة أن تمسح على العمامة وإذا لم يكن عليك عمامة أن تمسح على الرأس يعني بمعنى لا تقصد أنك تلبس العمامة لأجل المسح عليها ولا تخلعها وهي عليك لتمسح على الرأس الأفضل أن يكون الإنسان على ما هو عليه لا في هذا ولا في الخف.
السائل: كيف يمسح على العمامة؟
الشيخ: يمسح على دوائرها كلها أما الذؤابة فنازلة فلا تمسح.
القارئ: وفيما يجزئه مسحه منها روايتان إحداهما مسح أكثرها والثانية يلزمه استيعابها لأنها بدل من جنس المبدل فاعتبر كونه مثله كما لو عجز عن قراءة الفاتحة وقدر على قراءة غيرها اعتبر أن يكون بقدرها ولو عجز عن القراءة فأبدلها بالتسبيح لم يعتبر كونه بقدرها وإن خلع العمامة بعد مسحها وقلنا لا يبطل الخلع الطهارة لزمه مسح رأسه وغسل قدميه ليأتي بالترتيب وإن قلنا بوجوب استيعاب مسح الرأس فظهرت ناصيته ففيه وجهان أحدهما يلزمه مسحها معه
لأن المغيرة رضي الله عنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين ولأنه جزء من الرأس ظاهر فلزم مسحه كما لو ظهر سائر رأسه والثاني لا يلزمه لأن الفرض تعلق بالعمامة فلم يجب مسح غيرها كما لو ظهرت أذناه فإن انتقض من العمامة كور ففيه روايتان إحداهما يبطل المسح لزوال الممسوح عليه والأخرى لا يبطل لأن العمامة باقية أشبه كشط الخف مع بقاء البطانة
فصل
القارئ: ولا يجوز المسح على الكلوته ولا وقاية المرأة لأنها لا تستر جميع الرأس ولا يشق نزعها فأما القلانس المبطنات كدنيات القضاة والنوميات وخمار المرأة ففيها روايتان إحداهما يجوز المسح عليها لأن أنسا مسح على قلنسوته وعن عمر رضي الله عنه إن شاء حسر عن رأسه وإن شاء مسح على قلنسوته وعمامته وكانت أم سلمة تمسح على الخمار وقال الخلال قد روي المسح على القلنسوة عن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بأسانيد صحاح واختاره لأنه ملبوس للرأس معتاد أشبه العمامة والثاني لا يجوز لأنه لا يشق نزع القلنسوة ولا يشق على المرأة المسح من تحت خمارها فأشبه الكلوته والوقاية.
الشيخ: الراجح أن كل ما يشق نزعه فإنه يمسح عليه مثل القلانس الكبار والقبعات المبطنات.
السائل: إذا مسح الرجل على الكنادر ثم خلع الكنادر ومسح على الشراب فهل يصح مسحه أم لابد من غسل الرجل؟
الشيخ: الجواب هذا فيه خلاف فمن أهل العلم من يرى أنه إذا مسح أحد الخفين الأعلى أو الأسفل تعلق الحكم به ولا ينتقل إلى الثاني ومنهم من يرى أنه يجوز الانتقال إلى الثاني مادامت المدة باقية فمثلا إذا مسح الكنادر ثم خلعها وأراد أن يتوضأ فله أن يمسح على الجوارب التي هي الشراب على القول الراجح كما أنه إذا مسح على الجوارب ثم لبس عليها جوارب أخرى أو كنادر ومسح على العليا فلا بأس به على القول الراجح مادامت المدة باقية لكن تحسب المدة من المسح الأول لا من المسح الثاني وهنا صار الخفين الاثنين بمنزلة خف واحد كما أن الإنسان لو مسح على خف مخيط له ظهر وبطن ثم خلع الظهر فإنه يمسح على البطن فعلى هذا الرأي يكون الخفان كأنهما خف واحد.
مسألة: الراجح في العمامة أنه ليس لها توقيت ولا يشترط أن تلبس على طهارة.
فصل
القارئ: ويجوز المسح على الجبائر الموضوعة على الكسر لأنه يروى عن علي أنه قال (انكسرت إحدى زندي فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمسح عليها) رواه ابن ماجه ولأنه ملبوس يشق نزعه فجاز المسح عليه كالخف ولا إعادة على الماسح لما ذكرنا.
الشيخ: ذكر المؤلف المسح على الجبائر والجبائر جمع جبيرة وهي في الأصل ما يوضع على الكسر ويشد عليه وسمي جبائر تفاؤلا بأن يجبر هذا الكسر واستدل المؤلف لذلك بأثر ونظر الأثر ما روي عن علي رضي الله عنه (انكسرت إحدى زندي فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمسح عليها) رواه ابن ماجه والزند هو العظم الذي في الذراع لأن الذراع يحتوي على عظمين الواحد منهما يسمى زنداً فانكسر فجعل علي عليه جبائر فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسح عليها هذا الدليل الأثري.
والدليل النظري قال ولأنه ملبوس يشق نزعه فجاز المسح عليه كالخف وهذا في الحقيقة قياس لكن لا يشبهه من كل وجه لأن المسح على الخف من باب الحاجة والكمال والمسح على الجبيرة من باب الضرورة لأنها لو أزيلت لاختل الكسر بخلاف القدم فإنه لا يختل لو أزيل الخف وعلى هذا فيكون القياس قياسا أولويا وهذه المسألة اختلف العلماء فيها على ثلاثة أقوال هذا الذي قاله المؤلف وهو الصحيح أنه يمسح عليها لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل المسح بدلا عن الغسل عند الساتر في حال السعة ففي حال الضرورة من باب أولى وما هو الذي جعل في حال السعة؟ الخف ففي حال الضرورة من باب أولى وقال بعض العلماء بل يتيمم لأنه عجز عن غسل بعض الأعضاء فكان كالعجز عن جميع الأعضاء ومعلوم أن العجز عن جميع الأعضاء يوجب التيمم وقال بعض العلماء لا يلزمه شيء لقوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(التغابن: من الآية16) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتو منه ما استطعتم) وهو يستطيع أن يغسل أعضاءه إلا هذا العضو المجبور فإنه لا يستطيع غسله فسقط فرضه بالآية الكريمة والحديث ولكن أقرب الأقوال هو الأول أنه يمسح لأنه ساتر في محل الفرض فكان فرضه المسح كالخف وأولى ويعضده هذا الأثر الذي ذكره المؤلف رحمه الله بصيغة التمريض والذين قالوا لا يمسح ضعفوا الحديث ولكن حتى لو كان الحديث ضعيفا فإن القياس قياس جلي وواضح ولا شك أن المسح عليه خير من عدم تطهيره ولا شك أن المسح أقرب إلى الغسل من التيمم.
السائل: هل يمسح على جميع العضو أوعلى الجيرة فقط؟
الشيخ: على الجبيرة فقط.
القارئ: ويشترط أن لا يتجاوز بالشد موضع الحاجة لأن المسح عليها إنما جاز للضرورة فوجب أن يتقيد الجواز بموضع الضرورة.
الشيخ: هذا صحيح يشترط أن لا يتجاوز بالشد موضع الحاجة والمراد بالحاجة ليس مكان الجرح أو الكسر فقط بل كل ما يحتاج إليه في الشد فهو حاجة فإذا قدرنا أن مكان الجرح بقدر أصبعين مثلا وكانت الخرقة لابد أن تكون أربع أصابع فهذه حاجة فكل ما يحتاج إليه في الشد فهو حاجة.
القارئ: وتفارق الجبيرة الخف في ثلاثة أشياء أحدها أنه يجب مسح جميعها لأنه مسح للضرورة أشبه التيمم ولأن استيعابها بالمسح لا يضر بخلاف الخف.
الشيخ: هذا فرق أنه يجب مسحها بمسح جميعها هذا واضح لكن التعاليل التي ذكرها عليلة يقول لأنه مسح للضرورة أشبه التيمم يقال إذا كان مسحا للضرورة فهو أولى بالتخفيف من المسح على الخفين وقوله أشبه التيمم أيضا خطأ لأن التيمم لا يجب فيه مسح الأعضاء كلها إنما يمسح من الأعضاء الوجه والكفان فهذا القياس الآن تبين أنه ليس بصحيح وقوله ولأن استيعابها بالمسح لا يضر بخلاف الخف فيقال الخف أيضا لا يضر لومسحه كله لكن يقال الفرق أن الخف ورد مسحه للتخفيف والتيسير فهو رخصة وأما هذه فهي بدل فمسح الجبيرة بدل عن الغسل فإذا كان يجب استيعاب العضو بالغسل وجب استيعاب المسح على بدله هذا أقرب مما ذكره المؤلف رحمه الله من القياس.
السائل: عندما وجب غسل العضو جميعه أوجبنا المسح على الجبيرة جميعها ألا نقول إنه كما وجب غسل الرجل جميعها يجب مسح الخف جميعه؟
الشيخ: أجبنا عن هذا وقلنا مسح الخفين من باب التخفيف والرخصة وأما الجبيرة فضرورة ولهذا المسح عليها عزيمة كما قال العلماء بخلاف المسح على الخفين فهو رخصة.
القارئ: الثاني أن مسحها لا يتوقت لأنه جاز لأجل الضرر فيبقى ببقائه الثالث أنه يجوز في الطهارة الكبرى لأنه مسح أجيز للضرر أشبه التيمم.
الشيخ: الفرق الثاني أن مسحها لا يتوقت لأنه جاز لأجل الضرر فيبقى ببقائه الثالث أنه يجوز في الطهارة الكبرى والخف في الطهارة الصغرى فقط لحديث صفوان بن عسال وقد سبق إلا من جنابة لأنه مسح أجيز للضرر أشبه التيمم.
القارئ: وفي تقدم الطهارة روايتان إحداهما يشترط لأنه حائل منفصل يمسح عليه أشبه الخف فإن لبسها على غير طهارة أو تجاوز بشدها موضع الحاجة وخاف الضرر بنزعها تيمم لها كالجريح العاجز عن غسل جرحه والثانية لا يشترط لأنه مسح أجيز للضرورة فلم يشترط تقدم الطهارة له كالتيمم.
الشيخ: كل هذه الأوصاف أو التعليلات كلها طردية يعني لا تفيد معنى وعلة يثبت بها الحكم واختلف العلماء رحمهم الله هل يشترط أن توضع الجبيرة على طهارة؟ فقال بعضهم يشترط أن يضعها على طهارة فإن لم يضعها على طهارة وجب عليه حلها ثم التطهر ثم إعادتها مرة ثانية فإن خاف من حلها ضررا ألغاها ولا يمسح عليها ولكن يتيمم ولأي شيء يتيمم؟ لأجل أنه تعذر عليه غسل ما تحتها ولم يتم الشروط لمسحها فصار ما تحتها عضوا عاجزا عن تطهيره فوجب فيه التيمم إذاً على هذا القول وهو اشتراط تقدم الطهارة إذا وضعها على غير طهارة ماذا نقول له؟ نقول انزعها ثم تطهر ثم أعدها فإذا قال لا يمكن نزعها لأن علي ضرر ولو نزعتها انكسرت الرجل أو اليد قلنا إذاً اعتبرها لاغية وتيمم عنها بدون مسح لأن المسح لا يصح الآن ولكن تيمم والقول الثاني أنه لا يشترط تقدم الطهارة عليها ودليله أولاً عدم الدليل فإنه لا دليل على اشتراط الطهارة لوضع الجبيرة ولا يمكن قياسها على الخف لأن بينهما فروق منها هذه الثلاثة التي ذكرها المؤلف وهي أكثر من ثلاثة هي ثمانية فروق بين الخف والجبيرة وثانيا أن الجبيرة تأتي بغته بغير اختيار الإنسان فلا يكلف الطهارة لأن إلزامه بالطهارة فيه صعوبة فإذا انكسر إنسان وهو على غير طهارة وقلنا يجب أن يتطهر فيه صعوبة أما الخف فإنه يلبس باختيار الإنسان وبإمكانه أن يتطهر قبل أن يلبس أما الجبيرة فليس بإمكانه شخص مكسورة رجله أو يده ونقول له لا نُجَبّرك إلا أن تذهب تتوضأ هذا صعب فتنقلب الآن لو أمرناه بالوضوء أو ألزمناه به انقلب التيسير تعسيرا فالقول الصحيح بلا شك أنه لا يشترط للجبيرة أن توضع على طهارة بل متى وجد سببها وضعت ومسح عليها.
السائل: إذا كانت الجبيرة لا تغطي العضو كاملاً وإنما نصف العضو وإذا غسل بقية العضو المكشوف بالماء ومسح على الجبيرة بالماء يتسرب ماء الغسل إلى الجبيرة وربما سبب له ضرر؟