الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب
سجود السهو
القارئ: وإنما يشرع لجبر خلل الصلاة وهو ثلاثة أقسام زيادة ونقص وشك فالزيادة ضربان زيادة أقوال تتنوع ثلاثة أنواع:
أحدها أن يأتي بذكر مشروع في غير محله كالقراءة في الركوع والسجود والجلوس والتشهد في القيام والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول ونحوه فهذا لا يبطل الصلاة بحال لأنه ذكر مشروع في الصلاة ولا يجب له سجود لأن عمده غير مبطل وهل يسن السجود لسهوه فيه روايتان إحداهما يسن لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) والثانية لا يسن لأن عمده غير مبطل فأشبه العمل اليسير الثانية أن يسلم في الصلاة قبل إتمامها فإن كان عمداً بطلت صلاته لأنه تكلم فيها وإن كان سهواً فطال الفصل بطلت أيضاً لتعجل بناء الباقي عليها وإن ذكر قريباً أتم صلاته وسجد بعد السلام فإن كان قد قام فعليه أن يجلس لينهض عن جلوس لأن القيام واجب للصلاة ولم يأتِ به قاصداً لها والأصل فيه ما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي وصلى ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فوضع يده عليها كأنه غضبان وشبك بين أصابعه ووضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى وخرجت السرعان من أبواب المسجد فقالوا قصرت الصلاة وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه وفي القوم رجل في يديه طول يقال له ذو اليدين فقال له يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة فقال (لم أنس ولم تقصر) فقال (أكما يقول ذو اليدين) فقالوا نعم قال فتقدم فصلى ما ترك من صلاته ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر متفق عليه.
الشيخ: في هذه الفقرة عدة مسائل:
أولاً سجود السهو فما هو السهو السهو هو الذهول عن شيء معلوم يعني يذهل الإنسان عن شيء يعلمه فيسهو وهو سهو في الصلاة وسهو عن الصلاة فأما السهو عن الصلاة فنوعان سهو بمعنى الترك وهذا هو المذموم في قوله تعالى (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) وسهو بمعنى النسيان وهذا هو المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) هذا السهو عن الصلاة أما السهو في الصلاة فهذا هو الباب الذي كتبه المؤلف في هذا الموضوع.
المسألة الثانية أسباب سجود السهو ثلاثة زيادة ونقص وشك وجه انحصارها في ذلك هو التتبع والاستقراء لأن العلماء تتبعوا النصوص الواردة في ذلك فوجدوها لا تخرج عن واحد من هذه الثلاثة إما زيادة وإما نقص وإما شك ويأتي التفصيل.
المسألة الثالثة الزيادة تتنوع إلى نوعين والمؤلف قال إلى ضربين والخلاف بسيط زيادة قولية وزيادة فعلية والزيادة القولية ثلاثة أقسام كما قسمها المؤلف رحمه الله:
الأول أن يأتي بذكر مشروع في غير موضعه، مشروع في الصلاة لكن يأتي به في غير موضعه وضرب له المؤلف أمثلة كالقراءة في الركوع والسجود والجلوس القراءة في الركوع والسجود على القول الراجح محرمة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً) لأن القراءة محلها القيام كذلك أيضاً التشهد في القيام لأن محله الجلوس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول لأن محل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير ونحوه وهذا لا يبطل الصلاة ولو تعمدها فهذه الزيادة لا تبطل الصلاة ولو تعمدها وذلك لأنها قول مشروع في الصلاة في الجملة لكن أتى به في غير محله وهذه مخالفة لا توجب إبطال الصلاة اللهم إلا على قول من يقول إن قراءة القرآن في الركوع والسجود حرام فهذه يتوجه أن يقال بأن من تعمد ذلك بطلت صلاته لأنه فعل شيئاً محرماً في الصلاة لكن إذا فعله سهواً فهل يشرع له السجود أو لا؟ في ذلك روايتان كما قال المؤلف رواية أنه يسن السجود لعموم الأدلة الدالة على سجود السهو لكل سهو سجدتان (وإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) وما أشبه ذلك والرواية الثانية لا يسن سجود السهو وذلك لأنه لا يبطل عمده الصلاة فكان كالحركة اليسيرة في الصلاة ولكن هذا التعليل فيه نظر لأن قياسه على الحركة اليسيرة في الصلاة غير صحيح إذ أن هذا الذي زاده، زاده على أنه مشروع فأما الحركة في الصلاة اليسيرة فإن فاعلها لم يفعلها على أنها مشروعة فالصحيح أن هذا القسم يسن له سجود السهو ولكنه لا يجب إذاً الزيادة القولية في غير محلها لا تبطل الصلاة إذا تعمدها ويسن السجود إذا فعلها سهواً.
الثاني من زيادة الأقوال أن يسلم في الصلاة قبل تمامها وهذا زيادة قول لا شك فإن كان عمداً بطلت الصلاة لأن السلام من كلام الآدمين فإنه يقول السلام عليكم ولأنه نوى قطعها قبل إتمامها فهو كما لو نوى الفطر في الصيام يبطل يومه فتبطل الصلاة وإن كان سهواً وطال الفصل بطلت الصلاة أيضاً لتعذر بناء آخرها على أولها بفوات الموالاة ولم يبين المؤلف رحمه الله مقدار طول الفصل فيرجع فيه إلى العرف فإذا قيل والله الآن طال الفصل قلنا بطلت الصلاة ولابد من استئنافها وإن كان قصيراً فإنه يتم صلاته ويسجد للسهو بعد السلام ولكن ذكر المؤلف أنه يجب أن يجلس ثم يقوم ووجه ذلك أن قيامه الأول ليس قيام عبادة بل قام القيام الأول على أن صلاته انتهت فيجب أن يرجع ويجلس ثم يقوم حتى يكون نهوضه من الجلوس مشروعاً التكبير لا يكبر لأن التكبير الأول من السجود حصل وليس هناك تكبير آخر في الانتقال من السجود إلى القيام ما هو الدليل على هذه المسألة؟ الدليل حديث أبي هريرة رضي الله عنه المعروف عند العلماء بحديث ذي اليدين ونقرأه الآن قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي وصلاة العشي هما الظهر والعصر لأن العشي من الزوال إلى الغروب إحدى صلاتي العشي فصلى ركعتين ثم سلم فقام إلى خشبة معروضة في المسجد فوضع يده عليها كأنه غضبان وشبك بين أصابعه خشبة معروضة في المسجد في قبلته قام ووضع يده عليها كأنه غضبان هكذا قال وشبك بين أصابعه عليه الصلاة والسلام ووضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى هكذا يده اليمنى على ظهر الكف والإنسان إذا كان مهموماً ربما يكون هكذا جلوسه وإنما كان مهموماً أو كالغضبان عليه الصلاة والسلام لأن الصلاة لم تتم فكأن النفس متعلقة بإتمامها وهذه من نعمة الله على الإنسان إذا كان من عادته أن يتمم عبادته ثم نقصت بغير شعور منه يجد نفسه منقبضة هذه لا شك أنها من نعمة الله عليه لأنه إذا وجد هذا الانقباض سوف يفكر عن
سبب هذا الانقباض يقول وخرجت السرعان من أبواب المساجد يعني الذين يخرجون سريعاً خرجوا يقولون قصرت الصلاة ولم يفكروا أن الرسول قد ينسى والوقت وقت تشريع فيمكن أن الصلاة قصرت خرجوا يقولون قصرت الصلاة وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه في القوم يعني المصلين أبو بكر وعمر وهما أخص أصحابه به ومع ذلك هابا أن يكلماه أولاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم ألقى الله عليه المهابة ثانياً أنه في هذه الحال حتى وإن كان الإنسان يستطيع أن يتكلم معه لكن إذا رآه على هذه الحال سوف يهابه أكثر كونه قام واتكأ وشبك بين أصابعه ووضع خده على ظهر كفه وشبك بين أصابعه وكأنه غضبان لا شك أن الإنسان سوف يتهيب الإنسان لو يجد شخصاً مثله على هذه الحال لتهيب أن يكلمه أو استحى أن يكلمه وإلا فلا شك أن أشد الناس ادلالاً على الرسول عليه الصلاة والسلام هما أبو بكر وعمر ولكنهما هابا أن يكلماه لسببين السبب الأول ما ألقى الله على رسوله من المهابة والسبب الثاني أن حاله الآن تستدعي المهابة ولكن يسر الله عز وجل من يكلمه رجل في يديه طول يعني يداه طويلتان ولعل النبي صلى الله عليه وسلم يمازحه أحياناً ياذا اليدين والإنسان إذا كان يمازحه الكبير أحياناً يكون هو منطلقاً معه ومجترئاً عليه ولكنه رضي الله عنه تكلم بأدب فقال يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة لم يجزم بأنه نسي ولا بأنه قصر الصلاة بل الأمر إما كذا وإما كذا وبقي قسم ثالث بمقتضى القسمة العقلية لكنه لا يمكن أن يقع يعني أو سلمت قبل التمام عمداً هذا الاحتمال الثالث احتمال عقلي لكنه باعتبار حال النبي عليه الصلاة والسلام ممتنع أليس كذلك؟ ولهذا لم يذكره لأن هذا شيء ممتنع لا يمكن أن يقع من الرسول عليه الصلاة والسلام أن يسلم من الصلاة قبل إتمامها عمداً فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لم أنس ولم تقصر) إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصدق الناس قولاً فنفى النسيان ونفى القصر وأحد
الأمرين ثابت لا محالة لكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نفى الأمرين بناءً على ظنه أنه أتم صلاته وهذا مما يدلنا على أن الإنسان إذا أخبر بحسب ظنه فإنه يعتبر عند الله صادقاً ولهذا لا يحنث في اليمين لو حلف على اليمين بناءً على غلبة ظنه لم يكن حانثاً ولا حتى في المستقبل ولم يكن آثماً بالنسبة للماضي فلو قال والله ليقدمن زيدٌ غداً بناءً على ظنه ولم يقدم فإنه لا حنث عليه لما قال (لم أنس ولم تقصر) فقال بلى قد نسيت وهي محذوفة في بعض الألفاظ قال بلى قد نسيت فجزم بأنه ناسي ولم يجز بأن الصلاة مقصورة لأن النسيان أقرب إلى جهل الحكم بالنسبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام لأن النسيان يقع منه لكن كونه يجهل الحكم هذا بعيد أو مستحيل فجزم بالقسم الثاني وهو أنه نسي فتعارض عند النبي عليه الصلاة والسلام أمران ظنه وخبر ذي اليدين فهل يأخذ بظنه أو يأخذ بخبر ذي اليدين (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) الآن تنازع هذان عند النبي عليه الصلاة والسلام ظنه وخبر ذي اليدين فلم يبق إلا أن يرجع إلى الطرف الثالث وهم الصحابة المشاركون له في العمل فقال (أكما يقول ذو اليدين) قالوا نعم وهذه الصراحة في الحق ما جاملوا النبي عليه الصلاة والسلام فقالوا أبداً ما نسيت ولا قصرت الصلاة، قالوا نعم نسيت لأن الله قد رباهم فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) قالوا نعم قال فتقدم فصلى ما ترك من صلاته ثم سلم تقدم هذا يدل على أن الإنسان لو حصل مثل هذا وقام عن مكانه فإنه يرجع إلى مكانه الأول ويصلي ما ترك وفي قوله صلى ما ترك ما يشير إلى ما قاله المؤلف من أنه يجلس ثم يقوم وذلك لأنه ترك القيام من الجلوس إلى القيام يعني أن هذا النهوض من جملة ما تركه فيقتضي أن يجلس ثم يقوم ليكون
النهوض بقصد العبادة بخلاف نهوضه الأول فإنه نهض على أن الصلاة قد تمت فصلى ما ترك من صلاته ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه فكبر لما سلم سجد سجدتي السهو بعد السلام وذلك لأن سببهما زيادة ومتى كان سبب سجود السهو الزيادة فإن سجوده بعد السلام والحكمة في ذلك أن لا تجتمع زيادتان في الصلاة وهما السجود والسهو الذي أوجب السجود فكان سجود السهو للزيادة بعد السلام سواء كانت الزيادة قولية أو فعلية كما سيأتي، في هذا الحديث لم يذكر أنه سلم من سجود السهو لكن يقول أبو هريرة في حديث آخر نبئت أن عمران بن حصين قال ثم سلم وعلى هذا فيسجد سجودين ويسلم كسلام الصلاة، في الجلوس هنا بعد الرفع من السجدة الثانية يكون متوركاً أو مفترشاً؟ الظاهر أنه يكون حسب الصلاة إن كان في صلاة في تشهده الأخير تورك صار متوركاً وإلا صار مفترشاً.
السائل: الذين ظنوا أنه قصر في الصلاة هل صلاتهم تامة؟
الشيخ: هذه أشكلت على بعض الناس، الذين خرجوا هل رجعوا أو بقوا على ما هم عليه أو قيل لهم أعيدوا صلاتكم فأعادوا كل هذا محتمل يحتمل أنهم رجعوا لما سمعوا التكبير أو لما رأوا الجماعة تأخروا وأبطؤوا رجعوا ويحتمل أنهم قيل لهم فيما بعد أتموا صلاتكم لأن الصلاة ما تمت ويحتمل أنهم بقوا على ما صلوا ولم يكملوا الصلاة فهذه ثلاث احتمالات أليس كذلك إذا كان هكذا نرجع إلى الأصل وهو أن الذمة لا تبرأ إلا بصلاة تامة فيبقى هذا النص أو هذا الحديث مشكلاً مشتبهاً والقاعدة الشرعية أنه عند الاشتباه نرجع إلى المحكم الذي ليس به اشتباه فإذا وقع مثل هذا ثم خرج السرعان ثم تحاور الناس فيما بينهم وعلموا أنهم نقصوا الصلاة وأتموا الصلاة نقول للإمام إن عرفت أحداً منهم فبلغه حتى يصلي وإلا فإذا جاءت الصلاة الثانية فنبه الجماعة قل لهم إن صلاتنا الفائتة كانت ناقصة حتى يصلوا من جديد.
السائل: هناك حديث يقرأ في المساجد (إني لن أنسى ولكن لأسن) وهذا الحديث يخالف من أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر ينسى؟
الشيخ: هذا بارك الله فيك ذهب إليه بعض العلماء وأتى بهذا الحديث المكذوب وهذا لا يصح بل قال الرسول (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني) والطبائع البشرية فيها نقص بل إن الرسول ينسى أحياناً آية من القرآن مر برجل يقرأ في صلاة الليل قال (رحم الله فلاناً لقد ذكرني آية نُسِّيتها) والله عز وجل يقول (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى) فالصواب أن الطبائع البشرية تكون للرسول صلى الله عليه وسلم كما تكون لغيره.
السائل: ماذا يصنع الإنسان إذا علم عن مثل هذا الحديث يقرأ في المسجد؟
الشيخ: إذا علم ينبه إن كان مثلاً سمعه في المسجد يقول للإمام إذا انتهى الدرس ترى القضية كذا وكذا فيراجع وإذا كان المؤلف موجوداً حياً فإنه يناقش في هذا الشيء حتى يعدل الكتاب أحسن من الردود ونحن ما نحب أن العلماء بعضهم يرد على بعض إلا عند الضرورة القصوى لأن استعمال هذه الطريقة توهن الطرفين توهن المردود عليه والراد وتوجب تحزب الناس هذا يتحزب لهذا وهذا يتحزب لهذا فالواجب معالجة الأمور بالمحاورة والمناقشة وإذا قدر أن هذا الذي ظننت أنه مخطئ بقي على ما هو عليه فبإمكانك أن تؤلف كتاباً ولا تقل مثلاً في الرد على فلان تؤلف الكتاب تبين أن هذا الأمر أن الصحيح كذا وكذا بأن تؤلف كتاباً مبنياً على القول الصحيح.
القارئ: وإن انتقض وضوؤه أو دخل في صلاة أخرى أو تكلم في غير شأن الصلاة كقوله أسقني ماء فسدت صلاته وإن تكلم مثل كلام النبي صلى الله عليه وسلم وذي اليدين ففيه ثلاث روايات إحداهن لا تفسد لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وذا اليدين تكلموا ثم أتموا صلاتهم والثانية لا تفسد صلاة الإمام لأن له أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم وتفسد صلاة المأموم لأنه لا يمكنه التأسي بأبي بكر وعمر لأنهما تكلما مجيبين للنبي صلى الله عليه وسلم وإجابته واجبة ولا بذي اليدين لأنه تكلم سائلاً عن قصر الصلاة في زمن يمكن ذلك فيه فعذر بخلاف غيره واختارها الخرقي والثالثة تفسد صلاتهم لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (إن صلاتنا هذه لا يصلح فيها شيء من كلام الناس) اختارها أبو بكر والأُولى أولى.
الشيخ: المسألة الرابعة متى يتعذر بناء آخر الصلاة على أولها؟ نقول يتعذر الأول إذا طال الفصل وسبق.
الثاني إذا انتقض وضوؤه لأنه إذا انتقض وضوؤه فسدت صلاته حتى وإن لم يسلم وحينئذٍ لا يمكن بناء بعضها على بعض.
الثالث إذا دخل في صلاة أخرى فإنه لا يمكن أن يبني آخر الصلاة على أولها لحيلولة الصلاة الأخرى وهذه فيها قولان فمن العلماء من يقول إن شرع في صلاة مفروضة كما لو جمع بين الصلاتين الظهر والعصر ثم سهى هذا السهو في صلاة الظهر وشرع في صلاة العصر فإنه لابد من استئناف الصلاة وإن شرع في نافلة قطع النافلة وأكمل الصلاة التي سلم قبل إتمامها.
المسألة الخامسة إذا تكلم فإن الكلام ينقسم إلى قسمين الأول أن يكون في غير شأن الصلاة مثل بعد أن سلم من ركعتين من الظهر أو العصر قال لابنه يا بني اذهب وأحضر السيارة ثم بعد أن قال هكذا قال له ابنه يا أبتي ما أتممت الصلاة فماذا يصنع الأب؟ يعيد الصلاة من جديد لأنه تكلم بكلام لا يتعلق بالصلاة والصحيح أنه لا يعيد الصلاة ولا يستأنفها لأنه تكلم حين تكلم بناءً على أن صلاته تامة فهو جاهل بعدم تمام صلاته فالصواب أنه يبني ولا يستأنف وإن تكلم بشأن الصلاة التي سها فيها ففيها ثلاث روايات الأولى أن صلاة الإمام والمأموم لا تبطل لأن هذا الكلام وقع من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وبنوا على صلاتهم والثاني لا تبطل صلاة الإمام وتبطل صلاة المأموم وانظر إلى التعليل الإمام لا تبطل لأن له أسوة بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمأموم تبطل يقول لأنه لا يمكنه التأسي بأبي بكر وعمر لأنهما كانا مجيبين للرسول صلى الله عليه وسلم وإجابته واجبة وهذا التعليل كما ترون عليل لأنه حتى وإن كانت إجابته واجبة فإن إجابته من كلام الآدميين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الآدمين) فهي وإن كانت إجابته واجبه فإنها مبطلة للصلاة إذاً هذا التعليل يعتبر عليلاً ولا بذي اليدين لأنه تكلم سائلاً عن قصر الصلاة في زمن يمكن ذلك فيه فعذر بخلاف غيره وهذا أيضاً فيه نظر لأنه لو تكلم في أثناء الصلاة بدون سلام يسأل عن قصر الصلاة في زمن يمكن فيه قصر الصلاة هل تبطل صلاته أو لا؟ تبطل لكن الآن سأل بناءً على أن الصلاة منتهية إذا كانت مقصورة أو غير منتهية إذا كان ذلك نسياناً وذو اليدين ما جزم بأنها مقصورة جعل الأمر متردداً بين القصر وبين النسيان فالعلة ليس أنه يمكن أن تقصر العلة أنه تكلم ظاناً أن الصلاة تامة فكذلك أولئك القوم الذين يظنون أن الصلاة تامة إذا تكلموا يتحاورون فإنها لا تبطل صلاتهم
فالصواب إذاً أن صلاة الإمام والمأموم لا تبطل الثالثة أنها تبطل صلاة الإمام وصلاة المأموم وهذا أشد الأقوال لماذا لأنهم تكلموا بكلام الآدميين وكلام الآدميين لا يصلح في الصلاة والجواب على هذا سهل تكلموا جاهلين أو عالمين؟ جاهلين وكلام الآدميين جهلاً لا يؤثر في الصلاة بدليل أن معاوية بن الحكم تكلم في صلب الصلاة وقال للذي حمد الله عند عطاسه قال له يرحمك الله وقال ياثكل أمياه ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة.
القارئ: النوع الثالث أن يتكلم في صلب الصلاة فإن كان عمداً أبطل الصلاة إجماعاً لما روى زيد بن أرقم قال كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه فنزلت (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام متفق عليه وإن تكلم ناسياً أو جاهلاً بتحريمه ففيه روايتان إحداهما يبطلها لما روينا ولأنه من غير جنس الصلاة فأشبه العمل الكثير والثانية لا يفسدها لما روى معاوية بن الحكم السلمي قال: بينا أنا أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم لكني سكت فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني ثم قال (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه مسلم فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة لجهله والناسي في معناه.
الشيخ: وهذه الرواية هي الصحيحة أنه إذا تكلم في صلب الصلاة بالكلام الذي يبطلها تعمدُه فإنها لا تبطل إذا كان جاهلاً أو ناسياً ودليل ذلك عموم قوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وهذه الآية عامة والدليل الثاني خاص وهي قصة معاوية بن الحكم رضي الله عنه فإنه تكلم مرتين مرة قال للعاطس يرحمك الله ومرة قال واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلي ومع ذلك لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة ولو كانت صلاته باطلة لأمره بالإعادة كما أمر الذي صلى ولم يطمئن بأن يعيد صلاته.
السائل: أحياناً يكون الإنسان في التشهد الأول ويبقى الإمام لم ينهض فأطال والمأموم انتهى من التشهد فهل يقول الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو لايرى أن تقال في التشهد الأول؟
الشيخ: يستمر فيما نرى وبعض العلماء قال لا يستمر وإنما يكرر التشهد الأول والصواب أنه يستمر.
السائل: إذا كان الإمام يقنت قبل الركوع ولا يجهر بالقنوت والمأموم لا يرى القنوت فماذا يفعل؟
الشيخ: يقرأ من القرآن إذا صلى وراء مثل هذا الإمام الذي يقنت قبل الركوع لكن لا يجهر بقنوته والمأموم لا يرى القنوت فهذا يقرأ القرآن.
السائل: لا يوجد شيء متعارف عليه في الفصل بين أجزاء الصلاة فكيف نحددها؟
الشيخ: الظاهر لي إذا فصل من أربع دقائق أو شبهها ما يعتبر قبوله.
القارئ: وإن غلبه بكاء فنشج بما انتظم حروفاً لم تفسد صلاته نص عليه لأن عمر رضي الله عنه كان يسمع نشيجه من وراء الصفوف وإن غلط في القراءة وأتى بكلمة من غيره لم تفسد صلاته لأنه لا يمكنه التحرز منه وإن نام فتكلم احتمل وجهين أحدهما لا تفسد صلاته لأنه عن غلبة أشبه ما تقدم والثاني أنه ككلام الناس وإن شمت عاطسا أفسد صلاته لحديث معاوية وكذلك إن رد سلاما أو سلم على إنسان لأنه من كلام الآدميين فأشبه تشميت العاطس وإن قهقه بطلت صلاته لأن جابراً روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (القهقهة تنقض الصلاة ولا تنقض الوضوء) رواه الدارقطني، والكلام المبطل ما انتظم حرفين فصاعدا لأنه أقل ما ينتظم منه الكلام وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نفخ في الصلاة وتنحنح فيها وهو محمول على أنه لم يأتِ بحرفين أو لم يأتِ بحرفين مختلفين.
الشيخ: هذا النوع الثالث أن يتكلم في صلب الصلاة يعني يتكلم بكلام الآدميين وأما ما كان ذكراً أو مشروعاً في الصلاة فليس من هذا الباب سبق الكلام عليه ففيه مسائل:
المسألة الأولى إذا تكلم في صلب الصلاة بطلت صلاته ودليله حديث معاوية بن الحكم رضي الله عنه ولكن إذا تكلم ناسياً أو جاهلاً فهل تبطل؟ في ذلك روايتان والصواب أنها لا تبطل لعموم قوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) ولحديث معاوية بن الحكم وهو في نفس الموضوع.
المسألة الثانية إذا غلبه البكاء فصار يبكي ويسمع له صوت فهذا ليس من كلام الآدميين فلا تبطل الصلاة واستدل المؤلف رحمه الله بفعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يسمع نشيجه من وراء الصفوف وقوله إن غلبه يفهم منه أنه لا يتقصد ذلك فإن تقصد ذلك فإن صلاته تبطل مع أنه في الحقيقة ليس بكلام للآدميين ففي إبطال الصلاة به نظر لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما قال (لا يصلح فيها شيء من كلام الآدميين) ولهذا لو تنحنح الإنسان لشخص وفهم مراده فإن صلاته لا تبطل لأن النحنحة ليست كلاماً.
المسألة الثالثة إذا قهقه، قهقه: يعني صوَّت بالضحك فإن صلاته تبطل لأن القهقة تنافي الصلاة منافاة كاملة حتى وإن قلنا أنها ليست بكلام فإنها تنافي الصلاة فتبطلها.
المسألة الرابعة ما هو الكلام المبطل؟ الكلام المبطل يقول المؤلف ما انتظم حرفين فصاعدا سواء أفاد أم لم يفد وظاهر كلامه أن ما دون الحرفين ليس بكلام ولو أفاد فلو مثلاً أراد شخص ضرب المصلي فلما انتبه الذي بجنبه قال عِ، عِ: يعني أمراً من الوعي فظاهر كلام المؤلف أنه لا يسمى كلاماً لأنه لم ينتظم من حرفين بل هو حرف واحد وفيه فاعل مستتر وكما تعلمون أن هذا فيه نظر لأنه خطاب لآدمي ومفيد وكلام المؤلف أيضاً يدل على أنه لو قال (هل) بطلت صلاته لأنه كلام منتظم من حرفين وينبغي أن يقال ما انتظم من حرفين أو أفاد ولو من حرف واحد من أجل أن يدخل في ذلك عِ، فِ، قِ كلها على حرف واحد وجمل مفيدة.
المسألة الخامسة التنحنح في الصلاة يقول المؤلف إن المروي عن النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك محمول على أنه لم يأتِ بحرفين ولا أدري هل يتمكن الإنسان من نحنحة بلا حرفين فمثلاً حرف الحاء أصلاً ساكن وما يمكن تنطق بالساكن إلا قبله همزة وصل مكسورة فيقال كيف يحمل على شيء قد لا يمكن حصوله أو لا يمكن إلا بمشقة لكن يحمل على أنه ليس بكلام أصلاً التنحنح يشبه الإشارة والإشارة ليست بكلام فيحمل على أن الإنسان إذا تنحنح لا يقال إنه تكلم أبداً لكن يقال إنه نبه وأما أن يقال إنه تكلم فلا وحمله غير المؤلف على أنه لحاجة وهذا أيضاً فيه نظر لأن الكلام الصريح ولو لحاجة يبطل الصلاة فالصواب أن يقال إن النحنحة ليست بكلام ولهذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتنحنح في صلاته ولا يستأنفها.
السائل: قلتم إن الكلام إذا وقع من ناس فإن صلاته لا تبطل لعموم قوله (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وقلتم إن من ذبح ولم يسمِّ ناسياً لم تحل ذبيحته ولم تقولوا بعموم الآية وحملتموه على نفي المؤاخذة بالإثم؟
الشيخ: فرق العلماء قالوا فرق بين فعل يبطل العبادة وبين فعل يبطل تركه العبادة، الثاني من باب فعل المأمور فلابد منه وإذا تركه الإنسان ناسياً سقط عنه الإثم وترتب حكم الفعل عليه بخلاف المحظور.
السائل: ذكر المؤلف المصلي النائم إذا تكلم فهل النائم لا ينتقض وضوؤه؟
الشيخ: لا إذا كان النوم خفيفاً أحياناً بعض الناس من أول ما يغطه النوم وإذا هو ما شاء الله يتكلم وبعض الناس الله لا يبلانا وإياكم يتكلم بما فعل في ذلك اليوم اللهم عافنا.
السائل: إذا غلبت الإنسان قهقهة فهل تبطل الصلاة؟
الشيخ: مثلاً رأى إنسان على السلم فسقط بعض الناس يغلبه الضحك فهل نقول إن هذا من باب الغلبة فلا تبطل الصلاة كما لو غلب على الكلام لأن بعض الناس مثلاً إذا أصابه شيء يقول من غير شعور أح وهذا لو حصل له في الصلاة لا تبطل صلاته لأن الذي غلب بغير اختياره لم يختر المفسد فالظاهر أنه إذا غلبه الظاهر إن شاء الله أنه لا تبطل الصلاة لكن لا يبقى يضحك دائماً يقول امتدت الغلبة إلى آخر الصلاة.
فصل
القارئ: الثاني زيادة الأفعال وهي ثلاثة أنواع أحدها زيادة من جنس الصلاة كركعة أو ركوع أو سجود فمتى كان عمداً أبطلها وإن كان سهواً سجد له لما روى ابن مسعود رضي الله عنه قال صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم خمساً فلما انفتل من الصلاة توشوش القوم بينهم فقال (ما شأنكم) قالوا يا رسول الله هل زيد في الصلاة شيء قال (لا) قالوا إنك صليت خمساً فانفتل فسجد سجدتين ثم سلم ثم قال (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) وفي لفظ (فإذا زاد الرجل أو نقص فليسجد سجدتين) رواه مسلم.
ومتى قام الرجل إلى ركعة زائدة فلم يذكر حتى سلم سجد للحال وإن ذكر قبل السلام سجد ثم سلم وإن ذكر في الركعة جلس على أي حال كان فإن كان قيامه قبل التشهد تشهد ثم سجد ثم سلم وإن كان بعده سجد ثم سلم وإن كان تشهد ولم يصلّ على النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه ثم سجد وسلم.
الشيخ: هذا الفصل ذكر فيه المؤلف زيادة الأفعال زيادة الأفعال تتنوع كما قال رحمه الله إلى ثلاثة أنواع:
الأول أن تكون الزيادة من جنس الصلاة كركوع وسجود وقيام وقعود والمراد بذلك الزيادة التي تغير هيئة الصلاة فأما ما لم تغير هيئة الصلاة كما لو زاد رفع اليدين عند السجود أو عند القيام من السجود فإنه ليس له هذا الحكم الذي قال المؤلف إذا زاد فلا يخلو إما أن يذكر الزيادة في أثناء الركعة الزائدة وإما أن يذكرها بعد السلام فإن ذكرها في أثناء الركعة الزائدة وجب عليه أن يجلس ويتشهد ويسجد على كلام المؤلف سجدتين ثم يسلم والصحيح أنه يتشهد ثم يسلم ثم يسجد سجدتين هذا الصحيح لأن هذا السجود عن زيادة وبهذا نعرف خطأ بعض الأئمة الذين إذا قاموا إلى زائدة لم يرجعوا بعد استتمامهم قائمين ظناً منهم أن هذا مثل القيام عن التشهد الأول وهذا خطأ عظيم بل هذا يرجع حتى لو ركع وقال سمع الله لمن حمده ثم ذكر أن هذه هي الخامسة في الرباعية وجب عليه الرجوع يقول المؤلف إن ذكر قبل السلام سجد ثم سلم وإن ذكر بعده سجد ثم سلم لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث ابن مسعود لم يعلم بالزيادة إلا بعد السلام ثم سجد وسلم ونحن نقول إذا علم بالزيادة في أثناء الصلاة أو بعد السلام فالسجود كله بعد السلام لأنه عن زيادة.
السائل: طلاب المدارس وهم مميزون أعمارهم إلى ثماني عشرة سنة يكثرون في الصلاة الضحك والكلام متعمدين هل هذا يصل إلى الكفر؟
الشيخ: لا ما يصل إلى الكفر ولو تعمد إبطال صلاته ما يكفر على كل حال يقال صلاتكم باطلة أعيدوها ولو في بيوتكم.
السائل: هل سجود السهو بسبب الزيادة يكون فيه تشهد أم لا؟
الشيخ: الصحيح أنه سجود ثم سلام بدون تشهد، السجود بعد السلام الصحيح ليس فيه تشهد.
القارئ: وإذا سها الإمام فزاد أو نقص فعلى المأمومين تنبيهه لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فزاد أو نقص ثم قال (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني) وعن سهل بن سعد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا نابكم أمر فليسبح الرجال وليصفِّح النساء) وفي لفظ (التسبيح للرجال والتصفيق للنساء) متفق عليه.
الشيخ: يقول المؤلف رحمه الله في هذا الفصل إذا سها الإمام فزاد أو نقص وجب على المأموم تنبيهه وهذا ظاهر لأن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام وهل يجب على غير المأمومين تنبيهه مثل أن يصلي إلى جنبك رجل فيزيد يقوم إلى زائدة وهو ليس إماماً لك فهل يلزمك أن تنبهه؟ نعم الظاهر يلزم أن تنبهه لأن هذا من باب النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى هذا فيكون كلام المؤلف بناءً على الغالب والله أعلم.
القارئ: وإذا سبح به اثنان لزمه الرجوع إليهما لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى قول أبي بكر وعمر وأمر بتذكيره ليرجع فإن لم يرجع بطلت صلاته لأنه ترك الواجب عمدا وليس له اتباعه لبطلان صلاته فإن اتبعوه بطلت صلاتهم إلا أن يكونوا جاهلين فلا تبطل لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تابعوه في الخامسة وإن فارقوه وسلموا صحت صلاتهم وذكر القاضي رواية أخرى أنهم يتابعونه استحبابا ورواية ثالثة أنهم ينتظرونه اختارها ابن حامد.
الشيخ: يجب عليهم أن ينبهوه بأنه زاد ويجب عليه الرجوع فإن لم يفعل فإنهم لا يتابعونه لأنهم إذا تابعوه تابعوه على زيادة عمداً ولكن هل يفارقونه أو يجلسون ينتظرونه؟ نقول الأولى أن يجلسوا لينتظروه لاحتمال أن يكون قد نسي ركناً من الصلاة من إحدى الركعات فأتى بهذه الركعة جبراً لما ترك كما يقع ذلك كثيراً فإن بعض الأئمة إذا قيل له زدت في الصلاة قال أنا نسيت قراءة الفاتحة في الركعة الأولى أو في الثانية مثلاً أو ما أشبه ذلك فلهذا نختار أن ينتظروه لاحتمال ما ذكرنا أما لو كان هذا الاحتمال غير وارد كما لو كان يصلي بهم صلاة الفجر وقد سمعوا قراءة الفاتحة وركعوا معه وسجدوا وقاموا وقعدوا ثم قام إلى الثالثة فحينئذٍ ينبهونه فإن أصر وجب عليهم مفارقته لأنه في هذه الحال تكون صلاته باطلة إذ لا عذر له.
القارئ: وإن كان الإمام على يقين من صواب نفسه لم يرجع لأن قولهما إنما يفيد الظن واليقين أولى وإن سبح به واحد لم يرجع نص عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع لقول ذي اليدين وحده.
الشيخ: صحيح هذا لم يرجع إليه إذا سبح إليه واحد لا يرجع إليه ما دام هو يعرف صواب نفسه أما إذا سبح به واحد وبعد تسبيحه غلب على ظنه أن الذي سبح به مصيب فحينئذٍ يرجع لأن البناء على غالب الظن جائز ولأن هذا يقع كثيراً أحياناً يمضي الإمام على أنه لم يكمل صلاته فإذا سبح به أحد شك في أمره ورجح قول من سبح به.
القارئ: وإن سبح به من يعلم فسقه لم يرجع لأن خبره غير مقبول.
الشيخ: كيف يسبح به من يعلم فسقه؟ يعلم ذلك بصوته يكون هذا الرجل الذي معهم في الجماعة يكون معروفاً بالفسق ويعرف الإمام صوته فيقول المؤلف رحمه الله إنه لم يرجع لأنه خبره غير مقبول والحكم والتعليل كلاهما غير صحيح أما قوله لم يرجع فهذا على إطلاقه فيه نظر لماذا لأن الإنسان الذي معك في الصلاة لا يمكن أن يسبح بشيء يعلم أنه خطأ لأن خطأ الإمام سوف يعود على صلاته هو أيضاً فيبعد جداً أن يخبر بما يخالف الواقع ولو كان فاسقاً أعرفتم فالفاسق إذا سبح بالإمام بعيد جداً أن يقصد بذلك تغرير الإمام لأنه إذا غر الإمام فقد أضر نفسه والرجل جاء يصلي يؤدي فريضة كيف يقدم على شيء يضر نفسه إذا غرر بإمامه وأما التعليل فقوله إن خبر الفاسق غير مقبول يرده قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) ولم يقل فردوه فخبر الفاسق يتبين فيه الإنسان قد يكون صحيحاً وخبر العدل مقبول فكوننا نقول إن خبره غير مقبول هذا ليس بصحيح بل خبر الفاسق مما يجب التبيّن فيه وعلى هذا فإذا سبح به فاسق يبقى النظر هل الواحد يكفي أو لابد من اثنين؟ إذا قلنا لابد من اثنين فسبح به فاسقان فإنه يرجع إلى قولهما لأنه يبعد جداً أن يقولا في هذا المكان ما ليس بصحيح وكم من إنسان فاسق في عمل من الأعمال ويكون في الصلاة من أحسن الناس كم من إنسان يشرب الدخان مثلاً والإصرار على شرب الدخان فسق أو يحلق اللحية وحلق اللحية فسق ومع ذلك تجده في الصلاة من أحسن الناس حتى إننا نعرف أناساً يشربون الدخان مصرين عليه يقومون الليل ولا تفوتهم الجماعة بل لا يفوتهم المكان الأفضل في الصف فهل مثل هؤلاء نقول لا نقبل خبرهم في أمر يتعلق بالصلاة هذا من أبعد ما يكون.
القارئ: وإن افترق المأمومون طائفتين سقط قولهم لتعارضه عنده.
الشيخ: وإذا سقط قولهم ماذا يفعل؟ يرجع إلى ما عنده إلى ما في نفسه يعني يكون كأنه لم يسبح به أحد وظاهر كلامه وكلام غيره أنه لا يرجح أحد على أحد والصحيح أنه يرجح فإذا كان يعرف أصواتهم فإنه يرجح من يغلب على ظنه أنهم أقرب إلى الصواب وصورة هذه قال له من وراءه سبحان الله وهو جالس فلما هم بالقيام قال الآخرون سبحان الله يعني لا تقم فالآن اختلفوا عليه ولا نكون كالعامي الذي قال له أحدهم سبحان الله فقام فقال الآخرون سبحان الله فقعد فقال الآخرون سبحان الله فاضطجع.
القارئ: وإن نسي التشهد الأول فسبحوا به بعد انتصابه قائماً لم يرجع ويتابعونه في القيام لما روى زياد بن علاقة قال صلى بنا المغيرة بن شعبة فلما صلى ركعتين قام ولم يجلس فسبح به من خلفه فأشار إليهم قوموا فلما فرغ من صلاته سلم وسجد سجدتين وسلم وقال هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الإمام أحمد.
الشيخ: في الحديث إشكال وهو قوله سلم وسجد سجدتين لكن قد يقال إن الواو لا تستلزم الترتيب لأن مثل هذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن بحينة أنه سجد قبل أن يسلم.
السائل: لو سبح للإمام باسمه قال سبحان الله يا فلان؟
الشيخ: لن يقول هذا إلا جاهل وإذا تكلم جاهلاً فإن صلاته صحيحة.
السائل: لو سبح به اثنان أو أكثر وأجزم صواب نفسه فماذا يفعل؟
الشيخ: إذا جزم بصواب نفسه لا يرجع لقول أحد كائناً من كان وإن غلب على ظنه رجحان قول الرجلين يتبع الرجلين.
القارئ: فإن رجع بعد شروعه في القراءة لم يتابعوه لأنه خطأ فإن سبحوا به قبل قيامه لزمه الرجوع فإن لم يرجع تشهدوا لأنفسهم وتابعوه لأنه ترك واجباً تعين عليهم فلم يجز لهم اتباعه في تركه وإن ذكر التشهد قبل انتصابه فرجع إليه بعد قيام المأمومين وشروعهم في القراءة لزمهم الرجوع لأنه رجع إلى واجب فلزمهم متابعته ولا عبرة بما فعلوه قبله.
الشيخ: لكن هذا نادر هذا لا يمكن يقع إلا لقوم سبقوه يعني هو لما أراد أن يقوم عن التشهد الأول وإذا هم قاموا وشرعوا في القراءة قبل أن يستتم قائماً هذا بعيد وهم إذا تعمدوا ذلك وسبقوه هذا السبق بطلت صلاتهم لأنهم فعلوا محرماً يتعلق بالعبادة لكن إن وقعت عن جهل وسبقوه وكان الإمام مثلاً ثقيلاً لا يقوم إلا ببطء ثم شرعوا في القراءة فهو إذا لم يكن انتصب قائماً يجب عليه الرجوع والحاصل أن من قام عن التشهد الأول فله حالات:
الحالة الأولى أن لا يستتم قائماً فيلزمه الرجوع وفي هذه الحال هل يلزمه سجود السهو أو لا يلزمه؟ نقول إن لم يقم قياماً يفارق به حد القعود فإنه لا سجود عليه وإن قام قياماً يخرج به عن حد القعود وضبطه بعضهم بأن تفارق إليتاه عقبيه فإنه يلزمه سجود السهو لأنه زاد في الصلاة هذا متى؟ إذا كان لم يستتم قائماً وقيل إنه لا سهو عليه إذا رجع قبل أن يستتم قائماً لأن النهوض ليس ركناً مقصوداً بنفسه فإذا نهض لم يعتبر هذا زيادة فلا سجود عليه.
الحالة الثانية أن يستتم قائماً قبل أن يشرع في القراءة ففي هذه الحال اختلف العلماء هل يحرم الرجوع أو يكره؟ المذهب أنه يكره ولا يحرم وعليه فلو رجع لم تبطل صلاته والقول الثاني أنه يحرم وعليه فلو رجع لبطلت صلاته هذا إذا استتم ولم يشرع.
الحالة الثالثة أن يشرع في القراءة بعد أن يستتم قائماً ففي هذه الحال لا يرجع فإن رجع بطلت صلاته والراجح أنه إذا استتم قائماً لا يرجع وإن رجع عمداً وهو عالم بتحريم الرجوع بطلت صلاته وإلا لم تبطل.
وقول المؤلف فيه أيضاً هذه الفائدة العظيمة إذا سبحوا به قبل قيامه لزمه الرجوع فإن لم يرجع تشهدوا لأنفسهم وتابعوه يعني كلام المؤلف يدل على أنهم لا يقومون لأنه ترك واجباً فلا يتركونه معه فيتشهدون لأنفسهم ويتابعونه وفي هذه الحال في الغالب أنه سيتم الفاتحة قبل أن يقوموا فيقومون فإن قلنا بأن الفاتحة ليست واجبة على المأموم ركعوا معه وإن لم يقرؤوا الفاتحة وإذا قلنا بوجوبها لزمهم قراءتها ثم يستمرون في متابعته والصواب أن الفاتحة ركن وأنهم إذا قاموا في هذه الحال يلزمهم إتمام الفاتحة لكن يسرعون فيها وكذلك يسرعون في الركوع ليدركوا الإمام في السجود.
القارئ: النوع الثاني زيادة من غير جنس الصلاة كالمشي والحك والتروح فإن كثر متوالياً أبطل الصلاة إجماعا.
الشيخ: المشي واضح والحك واضح والتروح أنه يقف مرة على رجل ومرة على رجل أخرى.
القارئ: وإن قل لم يبطلها لما روى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وهو حامل أمامة بنت أبي العاص بن الربيع إذا قام حملها وإذا سجد وضعها متفق عليه وروي عنه أنه فتح الباب لعائشة وهو في الصلاة.
ولا فرق بين العمد والسهو فيه لأنه من غير جنس الصلاة ولا يشرع له سجود لذلك واليسير ما شابه فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيما رويناه ومثل تقدمه وتأخره في صلاة الكسوف والكثير ما زاد على ذلك مما عد كثيراً في العرف فيبطل الصلاة إلا أن يفعله متفرقا.
الشيخ: لكن هذا النوع من الأفعال إذا دعت الضرورة إليه صار مباحاً لا يبطل الصلاة لقول الله تبارك وتعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً) ومعلوم أن الرجال إذا كانوا هاربين من عدوهم سوف تكثر حركاتهم وكذلك لو صارعه سبع وهو في الصلاة واحتاج إلى عمل كثير أو هاجمته حية واحتاج إلى عمل كثير فإنه لا تبطل صلاته في هذه الحال لأن هذه ضرورة تبيح المحرم.
السائل: قلنا إن الإمام إذا زاد ركعة في الصلاة وسبح به المأمومون ولم يرجع فإنهم يفارقونه لو قال قائل مستدلاً بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وقياساً على سقط التشهد الأول فإنهم يتابعونه في الزيادة؟
الشيخ: ما يصلح هذا القياس لا يصح لأنه في التشهد الأول تركوا شيئاً ما زادوا ثم تركوا واجباً والواجب يسقط في السهو وأما العموم (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه) بين هذا أما إذا تعدى الحدود فلا طاعة له (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فلو صلى ست نقول لا تتابعوه.
السائل: ذكرنا أنه لو زاد الإمام في الصلاة خامسة يجب على المأمومين عدم المتابعة لكن بعض العلماء قال يجب المتابعة مستدلاً بحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خمساً فتابعوه الصحابة رضوان الله عليهم فكيف؟
الشيخ: اقرأ آخر الحديث فقالوا أزيد في الصلاة فسموها زيادة وقت الرسول وقت تشريع الزيادة محتملة ولهذا قالوا في قصة ذي اليدين قالوا قصرت الصلاة أما في وقتنا بعد موت الرسول لا يمكن فالصحابة هم تابعوه جاهلين يظنون أن الصلاة صارت خمساً لكن نحن الآن نعلم أن هذه الخامسة زائدة ونعلم أن حكم الزيادة حرام.
السائل: سبحوا به فلم يرجع في التشهد الأول فماذا يفعلون؟
الشيخ: إن كان بعد قيامه فهو لا يجوز أن يرجع ويقومون معه وأما ما ذكرناه أنهم يتشهدون ثم يدركونه هذا إذا سبحوا به قبل القيام قبل أن يستتم ولم يرجع لأنه في هذه الحال يجب عليه الرجوع فلا يكون لهم عذر في متابعته لأن فعله حرام، إن سبحوا به قبل قيامه لزمه الرجوع فإن لم يرجع تشهدوا لأنفسهم وتابعوه.
القارئ: النوع الثالث الأكل والشرب متى أتى بهما في الفريضة عمداً بطلت لأنهما ينافيان الصلاة، والنافلة كالفريضة وعنه لا يبطلها اليسير والأُولى أولى لأن ما أبطل الفريضة أبطل النافلة كالعمل الكثير وإن فعلهما سهواً وكثر ذلك بطلت الصلاة لأنه عمل كثير وإن قل فكذلك لأنه من غير جنس الصلاة فسوي بين عمده وسهوه كالمشي وعنه لا تبطل لأنه سوى بين قليله وكثيره في العمد فعفي عنه في السهو كالسلام فعلى هذا يسجد له لأنه تبطل الصلاة بعمده وعفي عن سهوه فيسجد له كجنس الصلاة.
الشيخ: إذاً الأكل والشرب ذكر المؤلف رحمه الله أنهما مبطلان للصلاة وهذا صحيح أولاً لأنهما يحتاجان إلى عمل كثير في الغالب وثانياً أنهما ينافيان الصلاة تماماً ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا صلاة بحضرة طعام) ولو كان الأكل لا يبطل الصلاة لقلنا كل وأنت تصلي فلما قال (لا صلاة بحضرة طعام) علم أن الأكل يبطل الصلاة وهو واضح لكن اليسير من الأكل مثل إنسان معه حمصة وهو يصلي فأكلها أو فنجال شاي مثلاً بقي نصفه وخاف يبرد عليه قبل يسلم وشربه فهل يبطلها أو لا؟ يقول وعنه لا يبطلها اليسير أي لا يبطل النافلة وأما الفريضة فيبطلها اليسير والكثير وفصّل بعضهم مفرقاً بين الأكل والشرب فقال الأكل مبطل للصلاة فرضها ونفلها كثيره وقليله وأما الشرب فيسيره لا يبطل النفل ويبطل الفرض وهذا هو المشهور عند المتأخرين من الحنابلة وفرقوا بينهما بأنه روي عن الزبير بن العوام أو عبد الله بن الزبير أنه كان يشرب في النافلة وبأن النافلة أخف حكماً من الفريضة وبأن النافلة قد تطول فيحتاج الإنسان إلى الشرب اليسير فيها ولا سيما في أيام الصيف والذي يظهر أنه لا فرق بين الصلاتين الفريضة والنافلة لأن ما أبطل الفريضة أبطل النافلة إذ أن الأصل تساويهما في الأحكام ولكن قد يقال إن الشيء اليسير الذي لا ينافي الصلاة لا يبطلها إذا كان سهواً لأنه عمل يسير ولم يخرج الصلاة عن هيئتها وحقيقتها ووقع سهواً فعلى هذا القول يفرق بين اليسير والكثير والسهو والعمد.
القارئ: ومن ترك في فيه ما يذوب كالسكر وابتلع ما يذوب منه فهو أكل وإن بقي في فمه أو بين أسنانه يسير من بقايا الطعام يجري به الريح فابتلعه لم تفسد صلاته لأنه لا يمكنه التحرز منه وإن ترك في فيه لقمة لم يبلعها لم تبطل صلاته لأنه عمل يسير ويكره لأنه يشغل عن خشوعها وقراءتها فإن لاكها فهو كالعمل إن كثر أبطل وإلا فلا.
الشيخ: هذه مسألة ما يكون في فمه ما يذوب كالسكر والحلاوة وما أشبه ذلك حكمه كالأكل كما قال رحمه الله وأما ما يبقى بين أسنانه من اللحم أو قشور التمر ويحس بطعمه فقط دون أن يكون له جرم ينزل إلى المعدة فإن هذا لا يضر وذلك لمشقة التحرز منه ولكن إذا كان ما بين أسنانه من لحم الإبل وابتلعه فإنه ينقض وضوءه وحينئذٍ تبطل صلاته لانتقاض الوضوء ثم ذكر المؤلف ما لو ترك الإنسان في فمه لقمة لكنه لم يبتلعها فما الحكم يقول هذا لا يضر لكنها تشغل الإنسان في الواقع وتمنعه من إجادة القراءة وهذا لا يقع اللهم إلا فيما لو أن شخصاً وضع في فمه خبزة ثم قام يصلي فلما رآه صاحبه يريد أن يمضغها قال له لا تمضغها وتأكلها فتبطل صلاتك فحينئذٍ يمسك عليها في فمه حتى يصلي ولكن نقول إن هذا وإن كان لا يبطل الصلاة لكنه يكره أقل أحواله الكراهة لأنه سوف يشغلك ويمنعك من أن تأتي بالحروف على وجهها والحمد لله الأمر يسير أخرجها من فمك فإن كان مما يمكن تداركه فأنت سوف تدركه فيما بعد وإن كان مما لا يمكن انتهى وقته فإن لاكها يعني جعل يلوكها يديرها في فمه أو يمضغها فهذا حكمه حكم العمل إن كثر بطلت الصلاة به وإلا فلا ومن هنا نعرف أن حركة اللسان في الفم لغير الكلام تعتبر من الحركة يعني لا تظن أن الحركة هي حركة اليد فقط أو الرجل أو العين حتى حركات اللسان وأعظم من ذلك حركات القلب وانصرافه يميناً وشمالاً كما يوجد عند كثير من الناس إذا دخل في الصلاة سافر قلبه إلى البوسنة والهرسك إلى أمريكا إلى روسيا أو إلى أقرب من هذا إلى الرياض مثلاً وهو في القصيم أو إلى مكة أو يحضر دروس بعض المشايخ هذا في قلبه فقط كل هذا من الشيطان نسأل الله أن يعيننا عليه ويعيذنا منه والله أعلم.
فصل
القارئ: القسم الثاني النقص وهو ثلاثة أنواع أحدها ترك ركن كركوع أو سجود فإن كان عمداً أبطل الصلاة وإن كان سهواً فله أربعة أحوال أحدها.
الشيخ: أحدها، صواب التعبير الفصيح أن يقال إحداها لأنه كما قلنا أولاً حال مذكر لفظاً مؤنث معنى.
القارئ: إحداها لم يذكره حتى سلم وطال الفصل فتفسد الصلاة لتعذر البناء مع طول الفصل الثاني ذكره قريباً من التسليم.
الشيخ: يعني وماذا يصنع؟ يعيد الصلاة من أولها.
القارئ: الثاني ذكره قريباً من التسليم فإنه يأتي بركعة كاملة لأن الركعة التي ترك الركن منها بطلت بتركه والشروع في غيرها فصارت كالمتروكة.
الثالث ذكر المتروك قبل شروعه في قراءة الركعة الأخرى فإنه يعود فيأتي بما تركه ثم يبني على صلاته فإن سجد سجدة ثم قام قبل جلسة الفصل فذكر جلس للفصل ثم سجد ثم قام وإن ترك السجود وحده سجد ولم يجلس لأنه لم يتركه ولو جلس للاستراحة لم يجزئه عن جلسة الفصل لأنه نوى بجلوسه النفل فلم يجزئه عن الفرض كمن سجد للتلاوة لم يجزئه عن سجود الصلاة ويسجد للسهو فإن لم يعد إلى فعل ما تركه فسدت صلاته لأنه ترك الواجب عمداً إلا أن يكون جاهلا الحال الرابع جلس بعد شروعه في قراءة الفاتحة في ركعة أخرى.
الشيخ: الصواب قول الحال الرابعة لكن كما قلت لكم الفقهاء يتساهلون.
القارئ: الحال الرابعة ذكر بعد شروعه في قراءة الفاتحة في ركعة أخرى فتبطل الركعة التي ترك ركنها وحدها ويجعل الأخرى مكانها ويتم صلاته ويسجد بعد السلام.
الشيخ: كل ما ذكره المؤلف رحمه الله في هذه المسألة فهو صحيح إلا الحال الرابعة إذا ذكره بعد شروعه في قراءة الركعة الأخرى فالصواب أنه يرجع ما لم يصل إلى المتروك في الركعة الثانية فإن وصل إلى المتروك في الركعة الثانية قامت الثانية مقام الأولى التي ترك منها هذا واضح ففي المثال الذي ذكر لو قام من السجدة الأولى في الركعة الثانية لو قام حتى شرع في القراءة فعلى كلام المؤلف تكون هذه الركعة الثالثة هي الثانية وعلى القول الذي الذي اخترناه نقول يرجع ويجلس جلسة الفصل وهي جلسة بين السجدتين ويسجد ثم يجلس للتشهد ثم يكمل صلاته ووجه ذلك أن ما فعله قبل أن يسجد السجدة الثانية فعله في غير محله فإذا فعله في غير محله وذكر وجب عليه أن يرجع ولا يستمر في الزيادة ولا يمكن أن نبطل الركعة التي ترك منها هذه السجدة لأنه لا وجه لإبطالها وعلى كلام المؤلف نبطلها وتكون الركعة الثانية بدلاً عنها فعلى رأينا نقول حتى لو ركع ولم يذكر أنه نسي السجود إلا بعد أن قال سمع الله لمن حمده نقول له ارجع فاجلس للفصل ثم اسجد ثم استمر.
السائل: المأموم إذا فاته ركن بسبب نعاس أو غيره ماذا يفعل؟
الشيخ: إذا فاته شيء من أجل النعاس أو شبهه يأتي به ويلحق الإمام ولا يسجد سجود السهو إلا إذا فاته شيء إن كان فاته شيء يسجد للسهو.
السائل: إذا ترك ركن في الركعة الثانية بعد انتهائه من الصلاة ماذا يفعل؟
الشيخ: هو الآن لما انتهى من الصلاة ذكر أنه ترك في الركعة الثانية ركناً نقول صارت الثالثة مكانها وصارت الرابعة مكان الثالثة فيأتي الآن بالرابعة ويتشهد ويسلم ويسجد للسهو بعد السلام.
القارئ: وإن ترك ركنين من ركعتين أتى بركعتين مكانهما فإن ترك أربع سجدات من أربع ركعات وذكر وهو في التشهد سجد سجدة تصح له الركعة الرابعة ويأتي بثلاث ركعات ويسجد للسهو وعنه أن صلاته تبطل لأنه يفضي إلى عمل كثير غير معتد به.
وإن ذكر وهو في التشهد أنه ترك سجدة من الرابعة سجد في الحال ثم تشهد وسجد للسهو فإن لم يعلم من أي الركعات تركها جعلها من ركعة قبلها ليلزمه ركعة وإن ذكر في الركعة أنه ترك ركناً لم يعلم أركوع هو أم سجود؟ جعله ركوعا ليأتي به ثم ما بعده كيلا يخرج من الصلاة على شك.
النوع الثاني ترك واجباً غير ركن عمداً كالتكبير غير تكبيرة الإحرام وتسبيح الركوع والسجود بطلت صلاته إن قلنا بوجوبه وإن تركه سهواً سجد للسهو قبل السلام لما روى عبد الله بنُ مالكٍ اْبنُ بحينة.
الشيخ: الصحيح لما روى عبد الله بنُ مالكٍ ابنُ بحينة لأن بحينة ما هي بجده، بحينة أمه فيكون هذا الذي الرجل مكنن بكنيتين بكنية أبيه وكنية أمه ولهذا ينون أيضاً مالك فيقال بن مالكٍ ابنُ بحينة وأيضاً يجعل همزة الوصل همزة ابن بين مالك وبين ابنُ بحينة ونظير ذلك عبد الله بن أبي بن سلوم تقول عبد الله بنُ أبيٍّ ابنُ سلوم لأن سلوم أمه، والحاصل أن ابن الثانية إذا كانت مضافة إلى الجد فهي تكون بالجر ويكون الأول غير منون إن كانت مضافة إلى الأم فكما سمعتم يعني تختلف عن الأولى من ثلاثة أوجه الوجه الأول تنوين الاسم الذي قبله والثاني أنه يعرب بإعراب الاسم الأول والثالث أنه يوضع بينه وبين الاسم الذي قبله همزة الوصل لازم يكتب همزة وصل مثل عبد الله بنُ عمر بنِ الخطاب لكن عبد الله بنُ مالك ابنُ بحينة أي وإعراب بنُ بحينة بالرفع على أنه بدل ثاني مثل بنُ مالك.
القارئ: لما روى عبد الله بن مالكٍ ابنُ بحينة قال صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فقام في الركعتين فلم يجلس فقام الناس معه فلما قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم متفق عليه فثبت هذا بالخبر وقسنا عليه سائر الواجبات.
الشيخ: هذه المسألة دائماً يقولون لا قياس في العبادات وأحياناً يقيسون وهذا يوجب الإشكال فنقول أولاً هذه القاعدة ليست مطردة وثانياً أن مرادهم بالقياس الممنوع في العبادات أن تقيس عبادة أصلا على عبادة أخرى وأما قياس واجب في عبادة أو صفة في عبادة أو ما أشبه ذلك فإن الفقهاء يستعملونها كثيراً فمثلاً قالوا تجب التسمية في التيمم عن الحدث الأصغر كما تجب التسمية في الوضوء قياساً وقالوا تجب التسمية عند الغسل كما تجب عند الوضوء قياساً أيضاً وهذا كثير ومنه هذه المسألة الآن هذه المسألة لم ترد لترك النبي صلى الله عليه وسلم تكبيرة أو تسميعاً إنما هو ترك التشهد الأول فقاسوا عليه بقية الواجبات وهو قياس جلي ليس فيه إشكال لأن الحكم واحد كل الواجبات إذا تركها الإنسان عمداً بطلت صلاته فإذا تركها سهواً فينبغي أن يقاس ما لم يرد به النص على ما ورد به النص ونقول إذا تركه سهواً وجب عليه سجود السهو.
السائل: قول المؤلف (إن ترك أربع سجدات من أربع ركعات وذكر وهو في التشهد سجد سجدة تصح له الركعة الرابعة،
…
وعنه أن صلاته تبطل)، ما هو الصحيح لا سيما أن هذا عمل كثير فتكون سبع ركعات؟
الشيخ: والله إذا نظرنا إلى العفو عن السهو قلنا لا فرق بين القليل والكثير وإذا نظرنا إلى أن هذا سيغير الصلاة تغييراً فاحشاً قلنا إن القول بأنه يستأنف الصلاة أقرب ولا شك أنه إذا استأنف الصلاة فهو أحوط بلا شك.
القارئ: وإن ذكر التشهد قبل انتصابه قائما رجع فأتى به وإن ذكره بعد شروعه في القراءة لم يرجع لذلك لأنه تلبس بركن مقصود فلم يرجع إلى واجب وإن ذكره بعد قيامه وقبل شروعه في القراءة لم يرجع أيضاً لذلك ولما روى المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا قام أحدكم في الركعتين فلم يستتم قائماً فليجلس فإن استتم قائماً لم يجلس ويسجد سجدتي السهو) رواه أبو داود وقال أصحابنا وإن رجع في هذه الحال لم تفسد صلاته ولا يرجع إلى غيره من الواجبات لأنه لو رجع للركوع لأجل تسبيحة لزاد ركوعاً في صلاته وأتى بالتسبيح في ركوع غير مشروع.
النوع الثالث ترك سنة فلا تبطل الصلاة بتركها عمداً ولا سهوا ولا سجود عليه لأنه شرع للجبر فإذا لم يكن الأصل واجباً فجبره أولى ثم إن كان المتروك من سنن الأفعال لم يشرع له سجود لأنه يمكن التحرز منه وإن كان من سنن الأقوال ففيه روايتان أحدهما لا يسن له السجود كسنن الأفعال والثانية يسن لقوله عليه الصلاة والسلام (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين).
فصل
القارئ: القسم الثالث الشك وفيه ثلاث مسائل:
إحداهن شك في عدد الركعات ففيه ثلاث روايات:
إحداهن يبني على غالب ظنه ويتم صلاته ويسجد بعد السلام لما روى ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسجد سجدتين) متفق عليه وللبخاري (بعد التسليم).
الثانية يبني على اليقين لما روى أبو سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته وإن كان صلى أربعاً كانتا ترغيماً للشيطان) رواه مسلم.
والرواية الثالثة يبني الإمام على غالب ظنه والمنفرد على اليقين لأن الإمام له من يذكره إن غلط فلا يخرج منها على شك والمنفرد يبني على اليقين لأنه لا يأمن الخطأ وليس له من يذكره فلزمه البناء على اليقين كي لا يخرج من الصلاة شاكاً فيها وهذا ظاهر المذهب
الشيخ: النوع الثالث من الزيادة والترك: النوع الثالث ترك سنة فهذا كما قال المؤلف لا يجب له السجود لأن السجود إنما يجب لما يبطل تعمده الصلاة ومعلوم أن ترك السنن لا يبطل الصلاة لكن هل يسن له السجود؟ ينبغي أن يقال إن كان من عادته أن يفعل هذه السنة ونسيها سجد وإن لم يكن من عادته أن يفعلها فلا يسجد لأنه لو ذكر لم يفعلها وكذلك يقال في الترك أما الزيادة فإنه سبق أنه إذا أتى بقول مشروع في غير موضعه فإنه يسن له سجود السهو.
المسألة الثانية مسألة الشك والشك ذكر المؤلف رحمه الله أن فيه ثلاث روايات:
الأولى يبني على اليقين بكل حال.
والثانية يبني على الظن.
والثالثة يفرق بين الإمام وغيره فالإمام يبني على الظن أو على غالب ظنه والمنفرد يبني على اليقين قال المؤلف إن هذا ظاهر المذهب ولكن المذهب عند المتأخرين أنه يبني على اليقين مطلقا والصواب أن يقال يؤخذ بما دلت عليه السنة فإذا كان عنده ظن غالب أخذ به وإن تساوى عنده الأمران بنى على اليقين وهو ظاهر من لفظ الحديث الأول حديث ابن مسعود (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه) وكلمة (فليتحر) تدل على أن عنده ظناً لأن من ليس عنده ظن فإنه لا يتحرى فإذا كان عنده ظن غالب عمل به سواء في الزيادة أو في النقص وإن لم يكن عنده ظن عمل باليقين وهو الأقل مثال الأول شك رجل هل هذه الركعة هي الثالثة أو الثانية وغلب على ظنه أنها الثالثة فماذا يصنع يجعلها الثالثة ويأتي برابعة فقط لم يغلب على ظنه أنها الثالثة يجعلها الثانية هذا هو الذي دلَّ عليه حديث أبي سعيد وحديث ابن مسعود.
بقي بحث آخر في الموضوع متى يسجد للسهو هل هو قبل السلام أو بعده؟ نقول أما في الحال الأولى أي في حال بنائه على غالب ظنه فإنه يسجد بعد السلام وأما في الثانية إذا تردد بدون غلبة ظن فيسجد قبل السلام وهذا أيضاً يدل عليه الحديثان حديث ابن مسعود (فليتم عليه ثم يسجد سجدتين) ومعلوم أنه لا يتم الإتمام عليه إلا إذا سلم وللبخاري (بعد التسليم) وهو صريح في أنه يسجد بعد السلام أما الثاني حديث أبي سعيد فإنه قال (ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم) فصار الآن لنا في هذه المسألة نظران في الشك:
أولاً هل يبني على اليقين مطلقاً أم على غلبة ظنه مطلقاً أم يفرق بين الإمام وغيره؟ في المسألة عن الإمام أحمد ثلاث روايات والصحيح في هذه المسألة أن نقول إذا كان لديه غلبة ظن بنى على غالب ظنه سواء كان الإمام أو المأموم أو المنفرد، الإمام والمنفرد واضح، المأموم كيف يبني على غالب ظنه؟ يشك هل دخل مع الإمام في الركعة الأولى أو في الركعة الثانية وإذا شك هذا الشك معناه أنه تردد هل صلى ثلاثاً أم أربعة أو يدخل مع الإمام والإمام راكع ثم يرفع رأسه الإمام ويقول سمع الله لمن حمده ولا يدري هل أدرك الإمام في الركوع أم أن الإمام رفع قبله فنقول إن كان عند الشاك غلبة ظن فليبن على غلبة ظنه ويسجد بعد السلام كما دل عليه حديث ابن مسعود وإذا كان ليس عنده غلبة ظن بنى على اليقين ويسجد قبل السلام كما دل عليه حديث أبي سعيد ولا فرق بين الإمام والمأموم والمنفرد لأن التفريق بين حالة غلبة الظن أو الشك والتردد ظاهر في الحديثين فإن قال قائل ما الحكمة في أنه إذا غلب على ظنه يكون السجود بعد السلام؟ وإذا كان شاكاً بدون غلبة ظن يكون قبل السلام؟ قلنا الحكمة ظاهرة لأنه إذا بنى على غالب ظنه فقد اتقى الله ما استطاع والعبادة في حقه تامة فلا ينبغي أن يدخل في الصلاة سجوداً زائداً فلهذا صار السجود بعد السلام أما إذا تردد بدون ترجيح فإن هذا الشك ينقص في الصلاة وهو سيبني على اليقين وإذا بنى على اليقين فهو سيحتاط وإذا كان ينقص الصلاة كان من الحكمة أن يجبر هذا النقص قبل أن تنتهي صلاته كما لو ترك التشهد الأول ناسياً فإنه يسجد قبل السلام جبراً للصلاة قبل انتهائها فالحكمة في هذا واضحة ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم علل قال (إن كان صلى خمساً _ في مسألة الشك بدون ترجيح _ شفعن صلاته وإن كان صلى أربعاً كانتا ترغيماً للشيطان) ينبني على هذا التعليل ما لو تيقن أنه مصيب فيما فعل هل عليه السجود أو لا؟ يعني بنى على اليقين وتبين له قبل
أن يسلم أنه مصيب فيما فعل فهل يلزمه السجود؟ مثال ذلك شك في صلاة الظهر هل صلى ثلاثاً أو أربعاً بدون ترجيح نقول له اجعلها ثلاثاً فجعلها ثلاثاً ولما جلس للتشهد الأخير تبين له أنه لم يزد في الصلاة وأن فعله صواب فهل عليه السجود أو لا؟ ننظر الحديث (إن كان صلى خمساً شفعن صلاته وإن كان صلى أربعاً كانتا ترغيماً للشيطان) فبعض العلماء قال لا يسجد إذا تبين أنه مصيب فيما فعله فإنه لا يسجد لأن سجود السهو جبر للنقص وقد تبين أن لا نقص وهذا هو المذهب أنه إذا تبين أنه مصيب فيما فعل فلا سجود عليه والقول الثاني عليه السجود ووجهه أنه أدى جزءاً من صلاته متردداً في كونه منها فكان لا بد من جبر هذا النقص لأنه حينما أتى بالثالثة مثلاً فهو شاك وكذلك إذا قدرنا أنه لم يزد وأنه ترجح عنده أنها كاملة نقول هذا التردد الذي حصل يجبر بسجود السهو ولكن يكون السجود بعد السلام والاحتياط أن يسجد وإن ترك لم نقل إنه آثم لأن الدليل ليس ظاهراً فيه.
السائل: ترك الأفعال المسنونة علل بعلة لأنه يمكن التحرز منه وفي الأقوال استدل بدليل عام (إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين) فرَّق بين الأفعال والأقوال بالتعليل فهل هناك فرق؟
الشيخ: أقول لا فرق والتعليل عليل فالفعل يمكن التحرز منه إذا استحضر الإنسان أنه في صلاة يمكن التحرز منه والقول نفس الشيء لكن السجود ليس بواجب في الأمرين.
السائل: جلس المأموم مع الإمام في التشهد الأخير فنسي المأموم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وسلم الإمام وسلم معه ماذا يفعل؟
الشيخ: إذا قلنا بأن الصلاة على النبي ركن وجب عليه أن يعود في صلاته ويقرأ الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم يسلم ويسجد للسهو بعد السلام وإذا قلنا أنها سنة وليست بركن فلا حاجة أن يرجع وإذا قلنا أنها واجب فلا حاجة أن يرجع لكن عليه سجود السهو لترك الواجب وعلى كل حال إذا سجد فهو جيد.
السائل: الذي يسجد قبل السلام فسجد سجدتين للنقص ثم رفع رأسه من السجود فهل له أن يتشهد مرة أخرى؟
الشيخ: لا إذا كان السجود قبل السلام ما فيه إشكال لأنه سوف يسجد بعد انتهاء التشهد وقبل السلام لكن إذا كان السجود بعد السلام ففيه قولان للعلماء منهم من قال لا تشهد عليه وهو الصحيح ومنهم من قال عليه التشهد.
القارئ: المسألة الثانية شك في ركن الصلاة فحكمه حكم تاركه لأن الأصل عدمه.
المسألة الثالثة شك فيما يوجب سجود السهو من زيادة أو ترك واجب ففيه وجهان أحدهما لا سجود عليه لأن الأصل عدم وجوبه فلا يجب في الشك.
الثاني أنه إن شك في زيادة لم يسجد لأن الأصل عدمها وإن شك في ترك واجب لزمه السجود لأن الأصل عدمه وإنما يؤثر الشك إذا وجد في الصلاة فإن شك بعد سلامها لم يلتفت إليه لأن الظاهر الإتيان بها على الوجه المشروع ولأن ذلك يكثر فيشق الرجوع إليه فسقط وهكذا الشك في سائر العبادات بعد فراغه منها.
الشيخ: المسألة الثالثة شك فيما يوجب السجود سجود السهو من زيادة أو ترك واجب ففيه وجهان أحدهما لا سجود عليه لأن الأصل عدم وجوبها فلا تجب بالشك وهذا في الزيادة واضح أنه لا سجود عليه لأن الأصل عدمها مثال ذلك هو في التشهد الأخير الآن شك هل صلى خمساً أو هذه هي الرابعة نقول لا سجود عليه لماذا؟ لأن الأصل عدم الزيادة فلا يلتفت لهذا الشك يستثنى من هذا ما إذا شك في الزيادة وقت فعلها يعني في الركعة الأخيرة شك هذه الخامسة أو الرابعة وقد سبق قبل قليل فإنه يجب عليه سجود السهو لأنه أدى جزءاً من صلاته متردداً في كونه منها.
المسألة الثانية شك في ترك واجب قال لا أدري هل أنا تشهدت التشهد الأول أم لا؟ فيقول المؤلف فيه وجهان يقول أحدهما لا سجود عليه لأنه شك في وجود سبب الوجوب والأصل عدمه فترك التشهد الأول سبب لوجوب سجود السهو وهو الآن شك هل وجد هذا السبب أم لا والأصل عدمه وعلى هذا إذا شك هل تشهد التشهد الأول أم لا نقول لا شيء عليك ما لم تتيقن أنك تركته لماذا لأنه شك في وجود سبب الوجوب والأصل عدمه.
وقيل بل عليه أن يسجد لماذا؟ قال لأن الأصل عدم فعل الواجب فيلزمه أن يسجد للسهو والمثال هو ما ذكرناه الآن شك هل تشهد التشهد الأول أم لا نقول يجب عليك سجود السهو لماذا؟ لأن الأصل عدم فعله الأصل عدم التشهد فيلزمه والصحيح في المسألة الثانية أنه يلزمه السجود إذا شك هل تشهد التشهد الأول أو لا فإنه يلزمه أن يسجد لأن الأصل عدم الفعل وهذا واضح وفيه أيضاً نبه المؤلف رحمه الله إذا شك بعد السلام فإنه لا يلتفت لهذا الشك لأنه شك بعد فراغ العبادة فلا يلتفت إليه إذ أن الأصل وقوع العبادة على وجه صحيح سليم ولأننا لو فتحنا هذا الباب لانفتح باب الوسواس وصار كل إنسان ينتهي من عبادة يشك هل أتمها أو لم يتمها فكان سد الباب أولى ولأنه يقول المؤلف يكثر فيشق الرجوع إليه فسقط وهذا يكثر عند الموسوسين الموسوس نسأل الله لنا ولكم العافية كلما فرغ من عبادة قال لعلي أنقصت.
فصل
القارئ: وسجود السهو لما يبطل عمده واجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وأمر به ولأنه شرع لجبر واجب فكان واجباً كجبرانات الحج.
الشيخ: هذه قاعدة سجود السهو لما يبطل عمده الصلاة واجب هذه القاعدة لكن بشرط أن يكون من جنس الصلاة أما إذا كان من غير جنسها كالكلام والأكل وما أشبه ذلك فهذا لا يبحث فيه في سجود السهو وإنما يبحث فيه في صحة الصلاة أو بطلانها فقوله لما يبطل عمده هذا وإن كان عاماً لكن يراد به ما كان من جنس الصلاة مثل ركوع سجود قيام قعود ترك ركن ترك واجب وما أشبه ذلك هذا هو الذي يجب السجود له أما ما لا يبطل عمده الصلاة فلا يجب السجود له مثل السنن، السنن لو تعمد الإنسان تركها فصلاته صحيحة أو رفع يديه في غير موضع الرفع أو تشهد في غير موضع التشهد لكن بدون جلوس مثل جلس لقول ربي اغفر لي فتشهد ناسياً ثم ذكر فقال ربي اغفر لي فهذا لا يوجب السجود لكن فيه الخلاف السابق.
فصل
القارئ: وسجود السهو لما يبطل عمده الصلاة واجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وأمر به ولأنه شرع لجبر واجب فكان واجباً كجبرانات الحج وجميعه قبل السلام لأنه من تمامها وشأنها فكان قبل سلامها كسجود صلبها إلا في ثلاثة مواضع:
أحدها إذا سلم من نقصان في صلاته سجد بعد السلام لحديث ذي اليدين.
الثاني إذا بنى على غالب ظنه سجد بعد السلام لحديث ابن مسعود.
الثالث إذا نسي السجود قبل السلام سجد بعده لأنه فاته الواجب فقضاه وعن أحمد أن جميعه قبل السلام إلا أن ينساه حتى يسلم وعنه ما كان من زيادة فهو بعد السلام لحديث ذي اليدين وما كان من نقصان أو شك كان قبله لحديث ابن بحينة وأبي سعيد فمن سجد قبل السلام جعله بعد فراغه من التشهد لحديث ابن بحينة فيكبر للسجود والرفع منه ويسجد سجدتين كسجدتي صلب الصلاة ويسلم عقيبهما وإن سجد بعد السلام كبر للسجود والرفع منه لحديث ذي اليدين ويتشهد ويسلم لما روى عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد وسلم وهذا حديث حسن ولأنه سجود يسلم له فكان معه تشهد كسجود صلب الصلاة فإن نسي السجود فذكره قبل طول الفصل سجد وإن تكلم وقال الخرقي يسجد ما لم يخرج من المسجد وإن تكلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بعد السلام والكلام رواه مسلم وإن نسيه حتى طال الفصل أو خرج من المسجد على قول الخرقي سقط وعنه يعيد الصلاة وقال أبو الخطاب إن ترك المشروع قبل السلام عامدا بطلت صلاته لأنه ترك واجباً فيها عمدا فإن ترك المشروع بعد السلام عمداً أو سهواً لم تبطل صلاته لأنه ترك واجباً ليس منها فلم تبطل بتركه كجبرانات الحج.
الشيخ: هذا الفصل تضمن مسائل:
المسألة الأولى متى يكون سجود السهو واجباً؟ والجواب ذكره في قوله سجود السهو لما يبطل عمده الصلاة واجب فكل شيء إذا تعمدته أبطل الصلاة وهو من جنس الصلاة فإنه يجب السجود له وقولنا وهو من جنس الصلاة احترازاً مما لو تكلم في الصلاة فإن الكلام في الصلاة يبطل الصلاة فلو سها وتكلم فلا سجود فيه لكن على القول الراجح لا تبطل الصلاة وعلى المذهب تبطل الصلاة وقد سبق هذا إذاً لما يبطل عمده الصلاة إذا كان من جنسها مثل ركع مرتين أو سجد ثلاثاً أو جلس جلسة في غير محلها كل هذا يبطل الصلاة إذا تعمدها فإذا فعله سهواً وجب سجود السهو والتعليل كما ذكره المؤلف رحمه الله.
المسألة الثانية هل سجود السهو قبل السلام أو بعده؟
قال بعض العلماء إن هذا مما اختلفت فيه السنة فيفعل هذا مرة وهذا مرة يعني يسجد مرة قبل السلام ومرة بعد السلام وإن اقتصر على ما قبل السلام دائماً أو على ما بعده دائماً فلا حرج.
والقول الثاني أنه قبل السلام مطلقا.
والقول الثالث بعد السلام مطلقا.
وذكر المؤلف رحمه الله أن محله كله قبل السلام إلا في ثلاث مسائل:
الأولى إذا سلم عن نقص سواء كان النقص ركعة أو أقل مثال النقص عن ركعة سلم في الثالثة من الظهر مثال النقص عن أقل قام من السجدة الأولى في الركعة الأخيرة وتشهد وسلم النقص هنا ركعة أو أقل؟ أقل لأنه لم يترك إلا السجود والجلوس للتشهد فيسجد بعد السلام إذا كان عن زيادة إذا سلم عن نقص والسلام عن نقص هو في الحقيقة زيادة لأن الإنسان زاد سلاماً في غير محله.
الثانية إذا بنى على غالب ظنه فيسجد بعد السلام لحديث ابن مسعود (إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب ثم ليبن عليه ثم ليسجد سجدتين بعد أن يسلم) وهذا فيما إذا شك مع الترجيح فإنه يبني على الراجح ويسجد بعد السلام.
الثالث إذا نسي السجود قبل السلام سجد بعده وهذا واضح والصحيح في هذه المسألة أن سجود السهو إما عن زيادة وإما عن نقص فإن كان عن زيادة فبعد السلام لحديث عبد الله بن مسعود وحديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين فإن الرسول صلى الله عليه وسلم سجد بعد السلام فيهما ولأجل أن لا تجتمع زيادتان في الصلاة الزيادة التي سها فيها وسجود السهو وإن كان عن نقص ولا يتصور هذا إلا في ترك الواجب لماذا؟ لأنه إذا نقص ركناً صار كمن تركه فلابد أن يأتي به وبما بعده فإذا أتى به وبما بعده صار فيه زيادة إذاً النقص لا يكون إلا في ترك الواجب مثل ترك التشهد الأول ترك التسبيح في الركوع أو السجود ترك التكبير غير تكبيرة الإحرام وما أشبهها هذا يكون متى؟ قبل السلام فإذا نسيه أتى به بعد السلام.