الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الماء النجس
القاريء: إذا وقع في الماء نجاسة فغيرته نجس بغير خلاف لأن تغيره لظهور أجزاء النجاسة فيه وإن لم تغيره لم يخل من حالين أحدهما أن يكون قلتين فصاعدا فهو طاهر لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع فقال ((إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث)) رواه الأئمة وقال الترمذي هذا حديث حسن وفي لفظ ((لم ينجسه شيء)) وروى أبو سعيد رضي الله عنه قال قيل يا رسول الله أيتوضأ أحدنا من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن فقال ((الماء طهور لا ينجسه شيء)) قال أحمد حديث بئر بضاعة صحيح قال أبو داود قدرت بئر بضاعة بردائي فوجدتها ستة أذرع أو سبعة ولأن الماء الكثير لا يمكن حفظه في الأوعية فعفي عنه كالذي لا يمكن مسحه.
الثاني ما دون القلتين ففيه روايتان.
أظهرهما نجاسته لأن قوله (إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء) يدل على أن ما لم يبلغهما نجس ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات)) متفق عليه فدل على نجاسته من غير تغيير ولأن الماء اليسير يمكن حفظه في الأوعية فلم يعف عنه وجعلت القلتان حدا بين القليل والكثير.
والثانية هو طاهر لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((الماء طهور لا ينجسه شيء)) وروى أبو أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((الماء طهور لا ينجسه إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه)) رواه ابن ماجه ولأنه لم يتغير بالنجاسة أشبه الكثير.
الشيخ: المؤلف رحمه الله تعالى لما أنهى الكلام على الماء المستعمل وذكرنا أنه مستعمل في ثلاثة أشياء طهارة واجبة من حدث وطهارة مستحبة والثالث إزالة نجاسة فالطهارة الواجبة من الحدث قلنا الراجح فيها أنه يكون طهورا وكذلك المستعمل في طهارة مستحبة وأما المستعمل في إزالة النجاسة فقلنا إن له ثلاث حالات:
الأولى أن ينفصل قبل زوال النجاسة أو قبل السابعة فهو نجس بكل حال.
الثانية أن ينفصل في السابعة فهو طاهر وقيل إنه طهور وقيل إنه نجس إذا كان غير الأرض.
الثالثة أن ينفصل بعد السابعة فهو طهور بالاتفاق إلا إذا كانت النجاسة لم تزل مثل أن تكون النجاسة يابسة ولم تزل في سبع غسلات فإنه يكون كالمنفصل قبل زوال النجاسة وقد ذكرنا أنه نجس ثم ذكر المؤلف رحمه الله أن ما سوى الماء لا يرفع
الحدث ولا يزيل النجاسة وقلنا إن كونه لا يرفع الحدث مسلم وأما كونه لا يزيل النجس ففيه نظر والصواب أن النجاسة إذا زالت بأي مزيل فإن المكان يكون طاهراً.
ذكر في باب الماء النجس الماء إذا وقعت فيه نجاسة فهذا لا يخلو من ثلاثة أحوال:
الحال الأولى: أن يتغير بالنجاسة طعمه أو ريحه أو لونه فهنا يكون نجسا بلا خلاف الثاني: أن يكون أقل من القلتين فهذا يكون نجسا أيضا فإذا كان أقل من القلتين يكون نجسا سواء تغير بالنجاسة أم لم يتغير إذاً هذا مقابل الأول.
فالأول ما تغير بنجاسة فهو نجس قليلا كان أو كثيرا.
الثاني: إذا لاقته النجاسة وهو دون القلتين فهو نجس هذا هو المشهور من المذهب وهو الذي قال المؤلف إنه الأظهر والصحيح أنه ليس بنجس وهو الرواية الثانية وحجة القائلين بأنه نجس قول النبي عليه الصلاة والسلام ((إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء)) مفهومه إذا لم يبلغ فإنه ينجس وهذا الحديث مضطرب سندا ومتنا وقد ذكر ابن القيم في تهذيب السنن ستة عشر وجها تدل على أنه لا يصح أن يحتج به وهذا الحديث لو أخذنا بظاهره إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء لكان ظاهره أنه إذا بلغ قلتين لم ينجسه شيء سواء غيره أم لم يغيره وهذا لا يقول به أحد لأنه إذا تغير بنجاسة فهو نجس بلا خلاف.
الثاني أن نقول إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء مفهومه دون القلتين ينجس لكنه مطلق وحديث (إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على لونه أو طعمه أو ريحه) مقيد فيكون مقيدا به ولهذا كان القول الصحيح في هذه المسألة أنه لا ينجس إلا بالتغير ولو كان دون القلتين.
الثالث ما كان فوق القلتين فهذا لا ينجس ولو لاقته نجاسة إلا بالتغير والخلاصة إذا وقع في الماء نجاسة فلا يخلو من ثلاث حالات الأولى أن يتغير فهذا نجس الثاني أن يكون فوق القلتين فهذا ليس بنجس ما لم يتغير الثالث إذا كان دون القلتين ففيه روايتان عن أحمد المشهور من المذهب أنه نجس والصحيح أنه ليس بنجس لكن هل يحتاج أن نقول ما لم يتغير؟
لا يحتاج لأنا قلنا بالأول إن المتغير نجس بكل حال وكلامنا الآن فيما إذا لم يتغير واستدل المؤلف بقول النبي عليه الصلاة والسلام ((إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات)) متفق عليه وهذا ليس فيه دليل لأن نجاسة الكلب ليست كغيره وهنا قد يكون الأمر بالغسل ليس من أجل أنه نجس ولكن من أجل ما يخشى من الضرر ولهذا قال (إحداها بالتراب) ولا يوجد نظير لهذه النجاسة من النجاسات وعلى كل حال الاستدلال بهذا الحديث فيه منازعة بمعنى أنه غير مسلم.
فصل
القاريء: وفي قدر القلتين روايتان إحداهما أنهما أربعمائة رطل بالعراقي لأنه روي عن ابن جريج ويحي بن عقيل أن القلة تأخذ قربتين وقرب الحجاز كبار تسع كل قربة مائتا رطل فصار القلتان بهذه المقدمات أربعمائة رطل، والثانية هما خمسمائة رطل لأنه يروى عن ابن جريج أنه قال رأيت قلال هجر فرأيت القلة منها تسع قربتين أو قربتين وشيئا فالاحتياط أن يجعل الشيء نصفا فيكونان خمس قرب وهل ذلك تحديد أو تقريب فيه وجهان أظهرهما أنه تقريب فلو نقص رطل أو رطلان لم يؤثر لأن القربة إنما جعلت مائة رطل تقريبا والشيء إنما جعل نصفا احتياطا والغالب أنه يستعمل فيما دون النصف وهذا لا تحديد فيه والثاني أنه تحديد فلو نقص شيئا يسيرا تنجس بالنجاسة لأنا جعلنا ذلك احتياطا وما وجب الاحتياط به صار فرضا كغسل جزء من الرأس مع الوجه
الشيخ: على كل حال هذه المسألة تحديد أو تقريب وهل هي أربعمائة رطل أو خمسمائة رطل كله مبني على صحة حديث القلتين فإذا لم يصحح وقلنا إن مدار نجاسة الماء على تغيره بالنجاسة فإننا نستريح من هذا الخلاف.
فصل
القاريء: وجميع النجاسات في هذا الباب سواء إلا بول الآدميين وعذرتهم المائعة فإن أكثر الروايات عن أحمد أنها تنجس الماء الكثير لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه)) متفق عليه إلا أن يبلغ حدا لا يمكن نزحه كالغدران والمصانع التي بطريق مكة فذلك الذي لا ينجسه شيء لأن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الدائم ينصرف إلى ما كان بأرضه على عهده من آبار المدينة ونحوها وعنه أنه كسائر النجاسات لعموم الأحاديث التي ذكرناها ولأن البول كغيره من النجاسات في سائر الأحكام فكذلك في تنجيس الماء وحديث البول لابد من تخصيصه فنخصه بخبر القلتين.
الشيخ: نحن ذكرنا في الماء إذا وقعت فيه النجاسة ثلاث حالات فهل جميع النجاسات سواء؟ يقول المؤلف إن فيه خلاف فمن العلماء من أصحاب الإمام أحمد من قال إن بول الآدمي وعذرته المائعة تختلف عن بقية النجاسات وأنها إذا وقعت في الماء نجسته إلا إذا كان الماء يشق نزحه كمصانع طريق مكة ومصانع طريق مكة يقال إن التي بنتها زبيدة امرأة هارون الرشيد وهي عبارة عن أحواض كبيرة لا يزال آثارها موجودة الآن تأتي فيها السيول وتتجمع فيها ويكون فيها مياه كثيرة إذا مر الحجاج من العراق إلى مكة يمرون بها وكذلك أيضا الغدران التي تتجمع في السيول فهذه إذا أصابها بول الآدمي أو عذرته المائعة فإنها لا تنجس إلا بالتغير وعلى هذا القول فإننا نقدر بدل القلتين بما يشق نزحه فمثلاً عندنا ماءٌ قلتان أصابته نجاسة ولنقل إنها دم ولم تغيره فماذا يكون؟ طهوراً ولو أصابه بول كلب ولم يغيره فهو طهور ولو أصابه بول إنسان ففيه روايتان رواية تقول إنه نجس والكلام الآن فيما لم يتغير ورواية أخرى تقول إنه طهور فالرواية التي تقول إنه نجس تقول إن بول الآدمي وعذرته المائعة يقيدان بدلا من القلتين بما يشق نزحه ومعلوم أن القلتين فقط لا يشق نزحهما لكن الغدران الكبيرة يشق نزحها فلو قلنا لإنسان فرغ لنا هذا الغدير فإنه سيتعب تعبا شديدا إذاً ما يشق نزحه هو المقدار في بول الآدمي وعذرته والدليل قوله عليه الصلاة والسلام ((لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه)) فنقول هذا الدليل لا دليل فيه إطلاقا هل قال الرسول عليه الصلاة والسلام إن الماء ينجس؟ لا لم يقل بل نهى عن الاغتسال فيه وهذا يدل على أن لنا الانتفاع به في جميع وجوه الانتفاعات إلا الاغتسال وعليه فلا دليل في الحديث إلى ما ذهب إليه هؤلاء وأيضا لو قلنا بهذا القول لكانت نجاسة الآدمي أغلظ من نجاسة الكلب وهذا خلاف الواقع.
والخلاصة الآن أن الماء إذا وقعت فيه نجاسة فله ثلاث حالات:
الحال الأولى أن تغيره فما حكمه؟ نجس
الحال الثانية أن يكون دون القلتين ولم تغيره ففيه روايتان والصحيح أنه طهور.
الحال الثالثة أن يكون فوق القلتين ولم يتغير فهو طهور قولا واحدا إلا إذا كانت النجاسة بول آدمي أو عذرته المائعة فإننا نقدر بدل القلتين بما يشق نزحه وأما إذا كان لا يشق نزحه ولو كان أربع قلال فأصابته نجاسة آدمي فإنه ينجس والصحيح أن نجاسة الآدمي كغيرها من النجاسات لا ينجس الماء بها إلا بالتغير على القول الراجح ولا فرق بين نجاسة الآدمي وغيره.
السائل: هل يشترط تغير الطعم واللون والريح جميعاً أو يكفي أحدهما؟
الشيخ: إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه يكفي فلو فرضنا أن هذا الماء ما تغير طعمه ولا لونه لكن تغيرت رائحته بنجاسة وقعت فيه فإنه يكون نجسا.
سائل: هل حديث (إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على طمعه أو لونه أو ريحه) صحيح؟
الشيخ: هو ضعيف لكن الإجماع منعقد على ذلك الضعيف هي الزيادة إلا أن يتغير لكن هذه الزيادة مجمع عليها فإذا تغير مجمع على أنه نجس.
السائل: الدليل الإجماع؟
الشيخ: الدليل الإجماع يعضد هذا الحديث الضعيف
السائل: فهمنا من كلام المؤلف أن الماء ثلاثة أقسام فهل هذا صحيح؟
الشيخ: هذا سؤال وجيه جداً يقول فهمنا من كلام المؤلف أن المياه تنقسم إلى ثلاثة أقسام طهور ونجس وطاهر غير مطهر فهل هذا التقسيم له دليل؟ والجواب لا دليل عليه ولهذا كان القول الراجح أن الماء ينقسم إلى قسمين فقط طهور ونجس وليس في القرآن ولا في السنة أن هناك شيئا يسمى طاهرا غير مطهر إلا ما كان غير ماء كالمرق واللبن وما أشبه ذلك فهذا طاهر غير مطهر لا شك.
السائل: إذا كان البول في الماء الدائم لاينجسه فلماذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه؟
الشيخ: كما قلنا لكم إن هذا خلاف المروءة وأيضا إذا بال زيد ثم جاء عمرو فبال فسينجس مع كثرة البول فيه
السائل: كيف نقدر القلتين؟
الشيخ: يقول الفقهاء إنها ذراع وربع الذراع طولا وعرضا وعمقاً والذراع معروف وأظنه إما سبعين أو خمس وسبعين من المتر.
السائل: الماء إذا وقع فيه طاهر وغيَّره وأخرجه عن مسماه يحصل اختلاف بين الناس فيه هل خرج عن مسماه أو لا؟
الشيخ: أرى أن يستعمله الإنسان في الطهارة وإن احتاط وتيمم فهو طيب مع أن ابن القيم رحمه وشيخ الإسلام وأظنه مذهب أبي حنيفة يرون جواز الطهارة بالخل وشبهه وبناءً على هذا إذا تغير بشيء مثل الخل ونحوه من الطاهر فإنه يجوز الطهارة به لكن الذي يظهر لي أنا أنه إذا خرج عن اسم الماء فإنه لا يتطهر به طهارة حدث
السائل: هل دم الآدمي نجس؟
الشيخ: أكثر العلماء على أنه نجس وذهب بعض العلماء إلى أنه طاهر إلا ما خرج من السبيلين فما خرج من السبيلين فهو نجس وأما ما سوى ذلك فإنه طاهر مثل الرعاف ودم الجرح وشبهه
السائل: وإذا أصاب الثوب دم كثير؟
الشيخ: هو نجس لكن يعفى عن يسيره على قول الجمهور ولكن في النفس من هذا شيء لأنه لايوجد دليل على نجاسته وأما قول الرسول (اغسلي عنك الدم) فهي إنما سألته عن دم الحيض وأل هنا للعهد ثم إن الصحابة تصيبهم الجراحات في ثيابهم وأبدانهم ولم ينقل عنهم أنهم كانوا يتحرزون من هذا وأما حديث فاطمة أنها كانت تغسل الدم من وجه النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة أحد فهذا لا يدل على أنه نجس وإنما يدل على أنه تنبغي إزالته من باب التنظف وإزالة ما يشوه الوجه
السائل: وهل هو ناقض للوضوء
الشيخ: لا غير ناقض للوضوء والخلاف في كونه غير ناقض مشهور معروف لكن الخلاف في كونه نجسا ما هو معروف حتى إن بعضهم حكى الإجماع على النجاسة.
السائل: ما معنى قوله بغير خلاف هل يقصد في المذهب أم في جميع المذاهب
الشيخ: الظاهر إن قصده في المذهب مثل ما يفعل النووي في المجموع يقول بغير خلاف ويريد بغير خلاف في المذهب
السائل: أحسن الله إليكم التفريق بين الأرض وغيره ما هو دليله
الشيخ: أما الأرض فعرفت الدليل ولكن الصحيح أنه لا فرق لأنه مثل الأرض لكن الذي ينفصل مثلا من الثوب المتلوث بالدم لابد أن يكون متغير بأول غسله أو ثاني غسله أو ثالث غسله وهذا المتلوث بنجاسة لا شك إنه نجس متغير
السائل: ماذا ينبني على القول الصحيح إذا انفصل قبل السابعة؟
الشيخ: ينبني عليه أنه إذا انفصل غير متغير ولو في أول مرة أنه يكون طاهراً
السائل: ما الفرق بين دم الحيض والاستحاضة؟
الشيخ: الفرق إن الحيض لا تصلي ولا تصوم ولا يأتيها زوجها ودم الاستحاضة تصلي وتصوم فالرسول فرق بين دم الحيض وبين دم العروق والدم الذي يخرج من الإنسان ما هو منتن ولا فيه رائحة كريهة
السائل: هل إنتانه بسبب مخرجه؟
الشيخ: لا إنتانه بطبيعته ولهذا دم الاستحاضة ما فيه رائحة.
السائل: ذكر المؤلف قاعدة قال (وما وجب الاحتياط به صار فرضا) فهل هذه القاعدة صحيحة؟
الشيخ: القاعدة ليست بصحيحة وكل شيء على سبيل الاحتياط فهو ليس بفرض.
فصل
القاريء: وإذا وقعت النجاسة في ماء فغيرت بعضه فالمتغير نجس وما لم يتغير إن بلغ قلتين فهو طاهر لعموم الأخبار فيه ولأنه ماء كثير لم يتغير بالنجاسة فكان طاهرا كما لو لم يتغير منه شيء وإن نقص عنهما فهو نجس لأنه ماء يسير لاقى ماءً نجسا فنجس به وإذا كان بين الغديرين ساقية فيها ماء يتصل به ماء فهما ماء واحد
الشيخ: على كل حال هذا كله مبني على أن القليل ينجس بمجرد الملاقاة وقد سبق لنا أن الصحيح أن الماء لا ينجس إلا بالتغير لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما فإذا وجدت النجاسة صار الماء نجسا وإذا لم توجد صار الماء طهورا وسبق لنا أيضا أنه ليس هناك قسم يسمى طاهرا لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فلو وقعت نجاسة في قدر وصار ما حولها متغيرا وما بعد عنها لم يتغير فممكن نغرف من الذي لم يتغير ونتطهر به لأنه طهور واضح كما لو كان الماء كثيراً وهوما بلغ القلتين فإن الماء المتغير بالنجاسة يكون نجسا وما وراءه طهور فإذا قلنا بأن القليل لا ينجس بالملاقاة نقول ما تغير بالنجاسة من هذا الماء القليل فهو نجس وما لم يتغير فهو طهور.
فصل
القاريء: فأما الماء الجاري إذا تغير بعض جريانه بالنجاسة فالجرية المتغيرة نجسة وما أمامها طاهر لأنها لم تصل إليه وما وراءها طاهر لأنه لم يصل إليها وإن لم يتغير منه شيء واحتمل أن لا ينجس لأنه ماء كثير يتصل بعضه ببعض فيدخل في عموم الأخبار السابقة أولاً
فلم ينجس كالراكد ولو كان ماء الساقية راكدا لم ينجس إلا بالتغير فالجاري أولى لأنه أحسن حالا وجعل أصحابنا المتأخرون كل جرية كالماء المنفرد فإذا كانت النجاسة في جرية تبلغ قلتين فهي طاهرة ما لم تتغير وإن كانت دون القلتين فهي نجسة وإن كانت النجاسة واقفة فكل جرية تمر عليها إن بلغت قلتين فهي طاهرة وإلا فهي نجسة وإذا اجتمعت الجريات فكان في الماء قلتان طاهرتان متصلة لاحقة أو سابقة فالمجتمع كله طاهر إلا أن يتغير بالنجاسة لأن القلتين تدفعان النجاسة عن نفسهما وتطهران ما اجتمع معهما وإن لم يكن فالجميع نجس والجرية ما يحيط بالنجاسة من فوقها وتحتها ويمينها وشمالها وما قرب منها مع ما يحاذي ذلك فيما بين طرفي النهر
الشيخ: هذه الرواية من الغرائب يقولون على هذه الرواية أن كل جرية كماء منفرد لو وضعت شعرة من شعر الحمار في هذا النهر فالذي يحيط بها من الماء قليل ولذلك ينجس لأن الماء القليل ينجس بمجرد الملاقاة والماء الذي بجنبه ينجس لأن كل جرية تعتبر منفردة فكل ما جاء من عند هذه الشعرة صار نجساً لكن لو وضعت جملا ميتا في هذا الذي يعبر معه الماء ومر من عنده الماء ولم يتغير فإنه لا ينجس مع أنه ميت لأن الذي يحيط بالجمل ماء كثير يبلغ قلتين والماء الكثير الذي يبلغ قلتين لا ينجس بالملاقاة ولهذا قالوا إن هذه الرواية تعتبر شاذة ومن غرائب العلم لأنه يفضي إلى أن ينجس النهر الكثير بشعرة خنزير ولا ينجس ببعير.
السائل: ما معنى الجرية؟
الشيخ: الجرية هي المباشرة ضع عوداً فكل ما يصدم بالعود فهو جرية فكل ما يباشر الشعرة هذه قليل راح على أنه نجس والثاني جاء وراح على أنه نجس والثالث جاء وراح على أنه نجس فيفضي هذا إلى تنجيس النهر كله وإذا صارت النجاسة كبيرة ما الذي يلاقيها؟ الجرية ستصير واسعة يعني قلتين فأكثر والقلتان لا تنجسان بالملاقاة فتمر كل جرية وتسلم من النجاسة لأنها تباشرها وهي كثيرة وهذا مما يدلنا يا إخواني على أن القول الصحيح تطمئن إليه النفس ويكون مطردا ما يتناقض وأنت إذا وضعت هذا الضابط (ما تغير بنجاسة فهو نجس وما لم يتغير فهو طهور) استرحت سواء كان جاريا أم راكدا.
السائل: هل هذه المسائل واقعية؟
الشيخ: كل هذه المسائل البعيدة الوقوع تكون فرضيات
فصل
القاريء: في تطهير الماء النجس وهو ثلاثة أقسام:
الأول ما دون القلتين فتطهيره بالمكاثرة بقلتين طاهرتين إما أن ينبع فيه أو يصب عليه وسواء كان متغيرا فزال تغيره أو غير متغير فبقي بحاله.
الثاني قدر القلتين فتطهيره بالمكاثرة المذكورة أو بزوال تغيره بمكثه.
الثالث الزائد عن القلتين فتطهيره بهذين الأمرين أو بنزح يزيل تغيره ويبقى بعده قلتان
الشيخ: إذا كان عندنا ماء نجس فكيف نطهره نقول إما أن يكون دون القلتين أو أكثر أو قلتين فإن كان دون القلتين فلا سبيل إلى تطهيره إلا بإضافة ماء كثير إليه ولاحظ أننا إذا قلنا ماء كثير أو ماء قليل فالمعتبر القلتان فالكثير ما بلغ القلتين والقليل ما دون هذا فما دون القلتين لا يمكن أن يطهر إلا إذا أضيف إليه ماء كثير مثال ذلك عندي قدر فيه ماء نجس لا يمكن أن أطهره إلا إذا أضفت إليه قلتين فأكثر لأنني لو أضفت دون القلتين تنجست لأنها تلاقي النجس فتتنجس وإذا كان الماء المتنجس قلتين فلنا في تطهيره طريقان: الطريق الأول أن نضيف إليه ماءً كثيرا يعني يبلغ القلتين فأكثر.
الثاني أن يزول تغيره بنفسه الأول الذي دون القلتين لو زال تغيره بنفسه لم يطهر على المذهب لأنهم يقولون ما دون القلتين لا يدفع النجاسة عن نفسه أما القلتين فيدفع النجاسة عن نفسه ولهذا إذا زال تغيره بنفسه طهر وأما ما كان فوق القلتين فتطهيره بواحد من أمور ثلاثة إما أن نضيف إليه طهورا كثيرا وإما أن يزول تغيره بنفسه وإما أن ينزح ومعنى ينزح أن يغرف منه ماء فيبقى بعده كثير غير متغير لنفرض أن هذا الماء خمس قلال نزحنا منه قلة فزال تغيره فإنه يطهر ولو نزحنا منه قلتين فإنه يطهر ولونزحنا ثلاثاً فإنه يطهر ولو نزحنا أربعا فإنه لايطهرلأن الباقي قليل ولابد أن يكون الباقي كثيرا هذه طرق تطهير الماء النجس والصحيح في هذه المسألة أنه إذا زال تغيره بنفسه أو بنزح أو بإضافة فإنه يطهر سواء كان قليلا أو كثيرا هذا هو الصحيح ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام في الفأرة تقع في السمن (ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم) فإذا نزحنا منه زالت النجاسة ولو كان قليلا لكن المؤلف مفرِّع على المذهب.
القاريء: ولا يعتبر صب الماء دفعة واحدة لأن ذلك يشق لكن يصبه على حسب ما أمكنه من المتابعة إما أن يجريه من ساقيه أو يصبه دلوا فدلوا وإن كوثر بماء دون القلتين أو طرح فيه تراب أو غير الماء لم يطهره لأن ذلك لا يدفع النجاسة عن نفسه فلم يطهره الماء كما لو طرح فيه مسك ويتخرج أن يطهره لأنه زال تغير الماء فأشبه ما لو زال بنفسه ولأن علة التنجيس في الماء الكثير التغير فإذا زال حكمها كما لو زال تغير المتغير بالطاهرات فأما ما دون القلتين فلا يطهر بزوال التغير لأن العلة فيه المخالطة لا التغير
الشيخ: والصحيح أن العلة هي التغير وأن الحكم يدور مع علته متى زال تغير الماء بالنجاسة فإنه يطهر بأي وسيلة وقد سبق لنا أيضا أن تطهير النجاسات يكون بغير الماء بخلاف الأحداث فلا يكون إلا بالماء.
فصل
القاريء: فإن اجتمع نجس إلى نجس فالكل نجس وإن كثر لأن اجتماع النجس إلى النجس لا يتولد بينهما طاهر كالمتولد بين الكلب والخنزير ويتخرج أن يطهرا إذا زال التغير وبلغ القلتين لما ذكرناه
الشيخ: إذا أضيف ماء نجس إلى نجس وهو قليل ولكن بالإضافة صار كثيرا فزال التغير بنفسه فيقول المؤلف المذهب إنهما لايطهران ويتخرج أن يطهرا إذا زال التغير وبلغ القلتين لما ذكرنا وهذا التخريج أقرب لكن ما معنى التخريج التخريج هو ما نسميه بالقياس
السائل: وإن اجتمع مستعمل إلى مثله فهو باق على المنع فإن اجتمع المستعمل إلى طهور يبلغ قلتين فالكل طهور لأن القلتين تزيل حكم النجاسة فالاستعمال أولى فإن اجتمع مستعمل إلى طهور دون القلتين وكان المستعمل يسيرا عفي عنه لأنه لو كان مائعا غير الماء عفي عنه فالمستعمل أولى
الشيخ: قولنا لو كان مائعا يعني لو كان الذي خالط هذا الماء اليسير المستعمل لو كان الذي خالطه مائعا ويعنون بالمائع ما سوى الماء مثل اللبن والخل وما أشبه ذلك كل هذا يسمى مائعا عفي عنه فالمستعمل من باب أولى