الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذه قاعدة متفق عليها عند أهل السنة والجماعة. وأما الكذب فهو عند المتكلمين من أصحابنا: الإخبار عن الشيئ على خلاف الواقع سهواً كان أو عمداً. هذا مذهب أهل السنة. وشَرَطَ المعتزلة: العمدية فيه".
وفي هذا الحديث فوائد وقواعد:
منها: أنَّ الحق معنا في أن العمدية ليست بشرط في كون الخبر كذباً.
[ومنها ما يجيء في الفصل الآتي]
(1)
.
الفصل السابع:
في أحكام الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض شرائط الرواية
.
وفيها مسائل:
المسألة الأولي:
رُوِينا في شرح صحيح مسلم
(2)
للإمام النواوي رحمه الله: أن الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم حرام، وفاحشة عظيمة، وموبقة كبيرة. هذا متفق عليه؛ لكن اختلفوا في أنه هل يكفر أم لا من غير أن يستحله؟
المشهور من مذاهب العلماء من الطوائف أنه لا يكفر، وقال الشيخ أبو محمد الجويني، والد إمام الحرمين أبو المعالي: إنه يكفر بتعمد الكذب عليه صلى الله عليه وسلم، وحكى إمام الحرمين عن والده هذا المذهب، وأنه يقول في دروسه كثيراً: من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمداً كفر وأريق دمه، وضعَّف إمامُ الحرمين (6/ب) هذا القول،
(1)
- ساقط من (أ).
(2)
- (1/ 69).
وقال: إنه لم يره لأحد من الأصحاب، وإنه هفوة [عظيمة]
(1)
، و [الصواب]
(2)
ما قدَّمناه عن الجمهور.
قلت: هذه الجملة من شرح صحيح مسلم للإمام محي الدين النواوي رحمه الله تعالي؛ ولكن كنت في حضرة شيخنا الإمام [الجليل الحافظ الكبير رحلة الأرض، مسند العالم مولانا شمس الدين أبي الخير محمد بن محمد بن]
(3)
الجزري الدمشقي العمري
(4)
يوماً بظاهر [بلدة]
(5)
هراة حين خرج منها عازماً على زيارة بيت الله، والمعاودة إلى شيراز، في شعبان سنة إحدى وعشرين وثمان مئة، فأعطاني
(6)
جزء جُمع في الكفريات، فنظرت فيه فإذا فيه مسائل كثيرة، منها أنه نقل عن الحافظ الذهبي صاحب الكاشف أنه قال في كتاب "الكبائر"
(7)
: من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم متعمداً، إن كان في الحلال والحرام يكفر بالإجماع، وإن كان في الترغيب والترهيب يكفر عند الجمهور.
فقلت للشيخ: هذا مخالف لما قاله الإمام النواوي [رحمه الله في شرح صحيح مسلم، فلم ينكر على هذه الرواية التي نقل عن الحافظ الذهبي، وفي ترجمة شعب الإيمان، قال: إن كان الكذب عمدًا على الرسول صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام، يكفر، وفي غير ذلك، قال بعض العلماء يكفر لأن الكذب
(1)
- من (ب).
(2)
- من شرح صحيح مسلم.
(3)
- ساقط من (أ).
(4)
- هو الإمام الحافظ علم القراء شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد بن الجزري الدمشقي ولد سنة (751 هـ)، وتوفي سنة (833 هـ).
ينظر "شذرات الذهب" لابن العماد (9/ 298 ط دار ابن كثير).
(5)
- ساقط من (ب).
(6)
- في (ب): "فأتاني".
(7)
- ينظر (صـ 70 - 71 ط دار الندوة)، وليس فيها هذا النص الذي نقله المصنف عنه.
عليه إحداث شرع، ولأنه كذب على الله في الحقيقة؛ إذ هو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى]
(1)
.
المسألة الثانية:
روينا في شرح صحيح مسلم
(2)
: أن من كذب عليه صلى الله عليه وسلم عمداً في حديث واحد فُسِّقَ ورُدَّت [روايته]
(3)
كلها، وبطل الاحتجاج بجميعها، (7/أ) فلو تاب وحَسُنت توبته فقد قال جماعة من العلماء منهم: أحمد بن حنبل، وأبو بكر الحميدي شيخ البخاري وصاحب الشافعي، وأبو بكر الصيرفي من فقهاء أصحاب الشافعي، وأصحاب الوجوه منهم ومتقدميهم في الأصول والفروع: لا تؤثر توبته في ذلك، ولا تقبل روايته أبداً، بل يحتم جرحه دائماً. وأطلق الصيرفي وقال: كل من أسقطنا خبره من أهل النقل بكذبٍ وجدناه [عليه]
(4)
، لم نعد لقبوله بتوبتةٍ [تظهر]
(5)
، ومن ضعفَّنا نقله لم نجعله قوياً بعد ذلك، وقال: ذلك مما افترقت فيه الرواية والشهادة. ولم أرَ دليلاً لمذهب هؤلاء، ويجوز أن يوجّه بأن ذلك تغليظ وزجر بليغ عن الكذب عليه صلى الله عليه وسلم لعظم مفسدته؛ فإنه يصير شرعا مستمراً إلي يوم القيامة، بخلاف الكذب على غيره والشهادة، فإن مفسدتهما قاصره ليست عامة.
قلت: والذي ذكر هؤلاء الأئمة ضعيف مخالف للقواعد الشرعية، والمختار: القطع بصحة توبته في هذا، وقبول رواياته بعدها إذا صحت توبته بشروطها المعروفة،
(1)
- من (ب)
(2)
- (1/ 69 - 70).
(3)
- في (ب): "رواياته".
(4)
- من (ب).
(5)
- من شرح صحيح مسلم.
وهى الإقلاع عن المعصية والندم على فعلها (7/ب) والعزم ألا يعود اليها، فهذا هو الجاري على قواعد الشرع، وقد أجمعوا على صحة رواية من كان كافراً فأسلم، فأكثر الصحابة كانوا بهذه الصفة، وأجمعوا على قبول شهادتهم، ولا فرق بين الرواية والشهادة والرواية في هذا.
هذه الجملة أيضاً من شرح صحيح مسلم، وقوله؛ قلت: وهذا الذى ذكره هؤلاء الأئمة إلى آخره من كلام النواوي [أيضًا]
(1)
.
المسألة الثالثة:
رويناه في شرح صحيح مسلم
(2)
أنه لا فرق في تحريم الكذب عليه صلى الله عليه وسلم بين ما كان في الأحكام وبين ما لا حكم فيه، كالترغيب والترهيب والمواعظ وغير ذلك، وكله حرام من أكبر الكبائر، وأقبح القبائح بإجماع المسلمين الذين يعتد بهم في الإجماع، خلافا للكراميَّة الطائفة المبتدعة، في زعمهم الباطل أنه يجوز وضع الحديث في الترغيب والترهيب، وتابعهم في هذا كثيرون من الجهلة الذين ينسبون أنفسهم إلى الزهد [أو ينسبهم جهلة مثلهم]
(3)
، وشُبهَة زعمهم الباطل أنه جاء في رواية "من كذب علي متعمدا ليضل به فليتبوأ مقعده من النار"، وزعم بعضهم أن (8/أ) هذا كذب له [لا كذب عليه، وهذا الذي انتحلوه وفعلوه واستدلوا به]
(4)
غاية الجهالة ونهاية الغفلة، وأدل الدلائل على بعدهم من معرفة شيئ من قواعد الشرع، وقد جمعوا فيه جملا من الأغاليط اللائقة
(1)
- ساقط من (أ).
(2)
- (1/ 70).
(3)
- من شرح صحيح مسلم.
(4)
- ساقط من (ب).
بعقولهم السخيفة وأذهانهم البعيدة الفاسدة، فخالفوا قول الله تعالى "ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا "، وخالفوا صريح هذه الأحاديث المتواترة، والأحاديث الصريحة المشهورة في إعظام شهادة الزور، وخالفوا [إجماع]
(1)
[أهل]
(2)
الحِلّ والعقد، وغير ذلك من الدلائل القطعيات في تحريم الكذب على آحاد الناس، فكيف بمن قوله شرع وكلامه وحي. وإذا نظر في قولهم وجد كذباً على الله تعالي لقوله: وما ينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى. ومن أعجب الأشياء قولهم: هذا كذب له، وهذ جهل منهم بلسان العرب وخطاب الشرع، فإن كل ذلك [عندهم]
(3)
كذب عليه، وأما [الحديث]
(4)
الذي تعلقوا به، فأجاب العلماء عنه بأجوبة أحسنها وأخصرها:
أن قوله: ليضلّ (8/ب) الناس. زيادة باطلة، اتفق الحفاظ على إبطالها، وأنها لا تعرف صحيحة بحال.
الثاني: جواب أبى جعفر الطحاوي رحمه الله، أنها لو صحت لكانت للتأكيد، كقوله تعالى "فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً ليضل الناس".
والثالث: أن اللام في: ليضل. ليست لام التعليل، بل هي لام الصيرورة والعاقبة،
(1)
- ساقط من (ب).
(2)
- من (ب).
(3)
- من شرح صحيح مسلم.
(4)
- في (أ): "الأحاديث".
معناه: أن عاقبة كذبه يصير إلي الإضلال به، كقوله تعالي " فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً "، ونظائره في القرآن وكلام العرب أكثر من أن يحصر، وعلى هذا يكون معناه: فقد يصير عاقبة أمر كذبه إضلالًا.
وعلى الجملة فمذهبهم أردى من أن يعنى بإيراده، وأفسد من أن يحتاج الى إفساده.
هذه الجملة أيضاً [من]
(1)
شرح صحيح مسلم للإمام النواوي.
المسألة الرابعة:
رويناه في شرح صحيح مسلم
(2)
: يحرم رواية الحديث الموضوع، إذا علم أو غلب على ظنه وضعه، فمن روى حديثاً علم أو ظن وضعه ولا يبيّن حال روايته، فهو داخل في هذا الوعيد، مندرج في جملة الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدل عليه أيضاً الحديث الذى خرجه مسلم (9/أ) في صحيحه: من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين.
المسألة الخامسة:
روينا في شرح صحيح مسلم
(3)
: قال العلماء: ينبغي لمن أراد رواية حديثٍ [أو ذكره]
(4)
أن ينظر إن كان صحيحاً أو حسناً، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو فعل كذا أو نحو ذلك من صيغ الجزم، وإن كان ضعيفاً فلا يقول: قال أو فعل أو أمر أو نهى،
(1)
- ساقط من (أ).
(2)
- (1/ 71).
(3)
- الموضع السابق.
(4)
- من شرح صحيح مسلم.
وشبه ذلك من صيغ الجزم، بل يقول: رُوِي عنه كذا، أو يُروَى أو يُذكَر أو يحكى أو بلغنا، وما أشبهه.
المسألة السادسة:
روينا في شرح صحيح مسلم
(1)
: قال العلماء: وينبغي لقارئ الحديث أن يعرف من النحو واللغة وأسماء الرجال ما يسلم به [قوله]
(2)
من الغلط.
(1)
- الموضع السابق.
(2)
- من (ب).