الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولهذا أخذ كثير من العلماء مشروعيّة التكبير في عيد الفطر من هذه الآية.
حتى ذهب داود بن عليّ الأصبهانيّ الظاهريّ إلى وجوبه في عيد الفطر، لظاهر الأمر في قوله وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وفي مقابلته مذهب أبي حنيفة رحمه الله:
أنه لا يشرع التكبير في عيد الفطر. والباقون على استحبابه. انتهى.
وفي (زوائد المشكاة) عن عبد الله بن عمر أنّه كان إذا غدا يوم الأضحى ويوم الفطر يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلّى. ثم يكبّر حتى يأتي الإمام. وفي رواية: رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم رواه الدارقطنيّ. وعن نافع أنّ ابن عمر كان يغدو إلى المصلّى يوم الفطر إذا طلعت الشمس فيكبّر حتى يأتي المصلّى، ثم يكبّر بالمصلّي حتى إذا جلس الإمام ترك التكبير. رواه الشافعيّ.
قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعيّ: حديث أنه صلى الله عليه وسلم كان يخرج يوم الفطر والأضحى رافعا صوته بالتهليل والتكبير حتى يأتي المصلى، رواه الحاكم والبيهقيّ من حديث ابن عمر من طرق مرفوعا وموقوفا، وصحّح وقفه. ورواه الشافعيّ موقوفا أيضا.
وفي الأوسط عن أبي هريرة مرفوعا: زينوا أعيادكم بالتكبير. إسناده غريب.
انتهى.
وفائدة طلب الشكر في هذا الموضع، هو أنّه تعالى، لما أمر بالتكبير، وهو لا يتم إلّا بأن يعلم العبد جلال الله وكبرياءه وعزته وعظمته، وكونه أكبر من أن تصل إليه عقول العقلاء، وأوصاف الواصفين، وذكر الذاكرين. ثمّ يعلم أنه سبحانه- مع جلاله وعزّته واستغنائه عن جميع المخلوقات، فضلا عن هذا المسكين- خصه الله بهذه الهداية العظيمة- لا بدّ وأن يصير ذلك داعيا للعبد إلى الاشتغال بشكره، والمواظبة على الثناء عليه بمقدار قدرته وطاقته، فلهذا قال وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أفاده الرازيّ.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (2) : آية 186]
وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186)
وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ قال الراغب: هذه الآية من تمام الآية الأولى. لأنه لما حث على تكبيره وشكره على ما قيّضه لهم من تمام الصوم، بيّن أنّ
الذي يذكرونه ويشكرونه قريب منهم، ومجيب لهم إذا دعوه، ثم تمم ما بقي من أحكام الصوم.
قال الرازيّ: إنّ السؤال متى كان مبهما، والجواب مفصّلا، دلّ الجواب على أنّ المراد من ذلك المبهم هو ذلك المعيّن. فلما قال في الجواب فَإِنِّي قَرِيبٌ علمنا أنّ السؤال كان عن القرب والبعد بحسب الذات، أي كما صرّحت به الرواية السابقة.
والقريب من أسمائه تعالى الحسنى. ومعناه القريب من عبده بسماعه دعاءه، ورؤيته تضرّعه، وعلمه به، كما قال: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: 16] وقال وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ [الحديد: 4] وقال ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ [المجادلة: 7] .
قال الإمام تقيّ الدين ابن تيمية، عليه الرحمة، في عقيدته الواسطية:
ودخل- فيما ذكرناه من الإيمان بالله- الإيمان بما أخبر الله به في كتابه، وتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه سلف الأمة. من أنّه سبحانه فوق سماواته على عرشه، عليّ على خلقه. وهو معهم سبحانه أينما كانوا. يعلم ما هم عاملون.
كما جمع بين ذلك في قوله هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ، يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها، وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ، وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. وليس معنى قوله وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ أنه مختلط بالخلق، فإنّ هذا لا توجبه اللغة. وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة. وخلاف ما فطر الله عليه الخلق. بل القمر- آية من آيات الله- من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر أينما كان. وهو سبحانه فوق العرش رقيب على خلقه. مهيمن عليهم، مطلع إليهم. إلى غير ذلك من معاني ربوبيته. وكلّ هذا الكلام الذي ذكره الله من أنّه فوق العرش، وأنّه معنا- حقّ على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة. ودخل في ذلك: الإيمان بأنه قريب من خلقه، كما قال تعالى وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ
…
الآية.
وفي الصحيح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم «1» : إنّ الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته.
وما ذكر في الكتاب والسنة- من قربه ومعيته- لا ينافي ما ذكر من علوّه وفوقيته..! فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته. وهو عليّ في دنوّه، قريب في علوّه..! انتهى كلامه، رحمه الله تعالى.
(1) أخرجه مسلم في: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، حديث 46 عن أبي موسى الأشعريّ.