الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (3) : آية 126]
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَاّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَاّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ أي ما جعل الإمداد بالملائكة إلا لتستبشروا به فتزداد قوة قلوبكم وشجاعتكم ونجدتكم ونشاطكم وَلِتَطْمَئِنَّ أي تسكن قُلُوبُكُمْ بِهِ أي فلا تجزع من كثرة عدوكم وقلة عددكم وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وحده لا من الملائكة ولا من غيرهم، فالأسباب الظاهرة بمعزل من التأثير، وفيه توثيق للمؤمنين، وعدم إقناط من النصر عند فقدان أسبابه وأماراته الْعَزِيزِ أي الذي لا يغالب في حكمه الْحَكِيمِ الذي يفعل كل ما يفعل حسبما تقتضيه حكمته الباهرة.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (3) : آية 127]
لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (127)
لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أي ليهلك وينقص طائفة منهم بالقتل والأسر، كما كان يوم بدر، من قتل سبعين وأسر سبعين منهم، واللام متعلقة، إما بقوله تعالى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ. وما بينهما تحقيق لحقيقته، وبيان لكيفية وقوعه- إما بما تعلق به الخبر في قوله تعالى: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. من الثبوت والاستقرار أَوْ يَكْبِتَهُمْ أي يخزيهم ويغيظهم بالهزيمة تقويه للمؤمنين فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ أي فيرجعوا منقطعي الآمال. وإنما أوقع بين المعطوف والمعطوف عليه في أثناء الكلام قوله:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (3) : آية 128]
لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (128)
لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ اعتراضا لئلا يغفل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرى لنفسه تأثيرا في بعض هذه الأمور فيحتجب عن التوحيد، أي ليس لك من أمرهم شيء، كيفما كان، ما أنت إلا بشر مأمور بالإنذار. إن عليك إلا البلاغ، إنما أمرهم إلى الله- أفاده القاشانيّ- وفي الاعتراض تخفيف من حزنه لكفرهم، وحرصه على هداهم، كما قال: لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ. وقوله تعالى: أَوْ يَتُوبَ
عَلَيْهِمْ
. أي مما هم فيه من الكفر فيهديهم للإسلام بعد الضلالة أَوْ يُعَذِّبَهُمْ أي في الدنيا والآخرة على كفرهم وذنوبهم فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ أي يستحقون ذلك لاستمرارهم على العناد.
روى البخاريّ «1» عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعوا على أحد أو يدعوا لأحد، قنت بعد الركوع، فربما قال، إذا قال سمع الله لمن حمده: اللهم! ربنا ولك الحمد: اللهم! أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة، اللهم! اشدد وطأتك على مضر واجعلها سنين كسني يوسف، يجهر بذلك، وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر: اللهم العن فلانا وفلانا (لأحياء من العرب) حتى أنزل الله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ
…
الآية.
وقد أسند ما علقه عن ابن عمر «2»
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر، يقول: اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا. بعد ما يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد. فأنزل الله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ
…
الآية
-
ورواه الإمام أحمد عن ابن عمر أيضا ولفظه: اللهم! العن فلانا وفلانا. اللهم العن الحارث بن هشام. اللهم العن سهيل بن عمرو. اللهم العن صفوان ابن أمية. فنزلت هذه الآية: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ
…
الآية،
فيتوب عليهم كلهم.
وقال الإمام أحمد «3» حدثنا هشيم حدثنا حميد عن أنس رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج في جبهته حتى سال الدم على وجهه، فقال: كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم عز وجل، فأنزل الله:
لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ. الآية- انفرد به مسلم. ورواه البخاريّ تعليقا
. وقد تقدم لنا في مقدمة التفسير تحقيق معنى سبب النزول، وأن الآية قد تذكر استشهادا في مقام، لكونها مما تشمله. فيطلق الراوي عليها النزول فيه، ولا يكون قصده أن هذا كان سببا لنزولها. والحكمة في منعه صلى الله عليه وسلم من الدعاء عليهم ظهرت من توبتهم أخيرا. والإلحاح في الدعاء مظنة الإجابة، لا سيما من أشرف
(1) أخرجه في: التفسير، 3- سورة آل عمران، 9- باب لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، حديث 483.
(2)
أخرجه في: التفسير، 3- سورة آل عمران، 9- باب لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ، حديث 1875.
(3)
أخرجه الإمام أحمد في المسند بالصفحة 99 ج 3. [.....]