الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العنت- وهو المشقة- وأحرجكم، فلم يطلق لكم مداخلتهم، ولا يمنعه من ذلك شيء. إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ أي: غالب على ما أراد حَكِيمٌ أي: فاعل لأفعاله حسبما تقتضيه الحكمة الداعية إلى بناء التكليف على أساس الطاقة.
هذا، وقد حمل القاضي قوله تعالى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ على جهات المصالح والخيرات العائدة إلى الوليّ واليتيم. قال رحمه الله: هذا الكلام يجمع النظر في صلاح مصالح اليتيم بالتقويم والتأديب وغيرهما لكي ينشأ على علم وأدب وفضل، لأنّ هذا الصنع أعظم تأثيرا فيه من إصلاح حاله بالتجارة. ويدخل فيه أيضا إصلاح ماله كي لا تأكله النفقة من جهة التجارة. ويدخل أيضا معنى قوله تعالى:
وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ [النساء: 2] . ومعنى قوله خَيْرٌ يتناول حال المتكفّل. أي: هذا العمل خير له من أن يكون مقصرا في حق اليتيم. ويتناول حال اليتيم أيضا. أي: هذا العمل خير لليتيم من حيث إنّه يتضمّن صلاح نفسه وصلاح ماله. فهذه الكلمة جامعة لجميع مصالح اليتيم والوليّ.
وروى البخاريّ «1» عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا وكافل اليتيم في الجنّة هكذا. وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما. وروى نحوه مسلم أيضا في (صحيحه)«2» .
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (2) : آية 221]
وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)
وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ أي: لا تتزوجوا الوثنيات حتى يؤمنّ بالله تعالى.
قال ابن كثير: هذا تحريم من الله عز وجل على المؤمنين أن يتزوجوا المشركات من عبدة الأوثان. ثم إن كان عمومها مرادا، وأنّه يدخل فيها كل مشركة
(1) أخرجه البخاريّ في: كتاب الأدب، 24- باب فضل من يعود يتيما.
(2)
أخرجه مسلم في: الزهد الرقائق، حديث 42 (طبعتنا) عن أبي هريرة.
من كتابية ووثنية، فقد خصّ من ذلك نساء أهل الكتاب بقوله: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ [المائدة: 5] .
وقد بسط العلّامة الرازيّ هاهنا الكلام على أنّ لفظ (المشرك) هل يتناول الكفار من أهل الكتاب؟ فانظره.
والتحقيق: أن المشرك لا يتناول الكتابيّ، لأن آيات القرآن صريحة في التفرقة بينهما. وعطف أحدهما على الآخر في مثل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ [البينة: 6] . وسرّ ذلك، أن المشرك هو من يتدين بالشرك. أي:
يكون أصل دينه الإشراك والكتابيّ- وإن طرأ في دينه الشرك- فلم يكن من أصله وجوهره.
وقوله تعالى: وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ تعليل للنهي عن مواصلتهنّ، وترغيب في مواصلة المؤمنات أي: ولأمة مؤمنة مع ما بها من خساسة الرقّ وقلة الخطر خير من مشركة مع ما لها من شرف الحرية ورفعة الشأن. فإن نقصان الرّقّيّة فيها مجبور بالإيمان الذي هو أجلّ كمالات الإنسان وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ أي: المشركة بحسنها ونسبها وغيرهما. فإن نقصان الكفر لا يجبر بها وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ بضمّ التاء- من الإنكاح وهو التزويج أي: لا تزوّجوا الكفار- بأيّ كفر كان- من المسلمات حَتَّى يُؤْمِنُوا ويتركوا ما هم فيه من الكفر وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ مع ما به من ذلّ الرّقيّة خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ بداعي الرغبة فيه الدنيوية، فإن ذهاب الكفاءة بالكفر غير مجبور بشيء منها. وأفهم هذا خيرية الحرّة والحرّ المؤمنين من باب الأولى، مع التشريف العظيم لهما بترك ذكرهما، إعلاما بأن خيريّتهما أمر مقطوع به، وأن المفاضلة إنما هي بين من كانوا يعدّونه دنيّا فشرّفه الإيمان، ومن يعدّونه شريفا فحقّره الكفران. ولذلك ذكر الموصوف بالإيمان في الموضعين ليدلّ على أنه- وإن كان دنيّا- موضع التفضيل لعلوّ وصفه. وأثبت الوصف بالشرك في الموضعين مقتصرا عليه لأنه موضع التحقير وإن علا في العرف موصوفه- أفاده البقاعيّ.
ثم أشار إلى وجه الحظر بقوله تعالى: أُولئِكَ أي: المذكورون من المشركات والمشركين يَدْعُونَ من يقارنهم ويعاشرهم إِلَى النَّارِ أي: إلى ما يؤدي إليها من الكفر والفسوق فإن الزوجية مظنة الألفة والمحبة والمودة، وكلّ ذلك يوجب الموافقة في المطالب والأغراض، فحقهم أن لا يوالوا ولا يصاهروا..! وَاللَّهُ يَدْعُوا